إمش و لا تلتفت !!
+3
karrar_karrar
numerique
حواء
7 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
إمش و لا تلتفت !!
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته،،
وقع تحت يدي منذ عدة أيام كتيب لأقوال الحسن البصري، فرحت أتصفحه إلى أن وصلت إلى مقولة إستوقفتني طويلاً، و لم أستطع تجاوزها.. فقد تذكرت أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يستزيدون في حفظ كتاب الله قبل تطبيقهم لما قد حفظوا مسبقا.. إنتابني شعور بالخجل و الذنب و الخوف..
أما الخجل.. فيا لتقصيري و إسرافي في أمري.. و يا لسعة رحمة الغفور..
و أما الذنب.. فما نفع ما نقرأ إن لم نطبق أبجديته الأولى؟.. كله بحساب.. نسأل الله أن يجعل علمنا حجة لنا لا علينا..
و أما الخوف، فقد تملك بي و لم أجرؤ - و لن أجرؤ - على تتمة القراءة، حتى أعمل بما قرأت.. و إليكم ما قرأت :
يقول الحسن البصري :
" لا يزداد المؤمن صلاحاً و براً و عبادة إلا ازداد خوفاً ، يقول : لا أنجو!
و الفاسق يقول : سواد الناس كثير، و سيغفر لي، و لا بأس علي ! فيؤجل العمل، و يتمنى على الله تعالى "
" سواد الناس كثير، و سيغفر لي، و لا بأس علي "
صحيح أننا لا نتفوه بها صراحة، و لكن كم من مرات و مرات نتصرف على أساسها..
كم من مرة بررنا لأنفسنا عند محاسبتها على ذنب تصر عليه "هي ليست بكبيرة، كما أن فلان و فلان و فلان و الكثيرون يرتكبونها، و كلهم يرجون الجنة..."
كم من مرة نظرنا للأدنى بدلاً من الأعلى و فكرنا " كل هؤلاء يرتكبون الكبائر و العياذ بالله... و ما ذنبي هذا مقارنة بجرمهم؟!..."
متناسين خطوات الشيطان التي يلي بعضها البعض، و أن الصغيرة توصل نهاية المطاف إلى الكبيرة.. و متناسين أن الإنسان يجب أن يرنو للعلى في دينه قبل كل شيء، فيقارن حاله بأحوال الصالحين، مثلما يمد عينيه لمن آتاه الله زهرة الحياة الدنيا، فيطمح و يسعى للأفضل في دنياه..
" فيؤجل العمل "
كم من مرة وعدت قلبي المنقبض بالتوبة...
(هذه المرة الاخيرة و بعدها سوف أستغفر و أتوب بإذن الله)
و ( بعد أن ينتهي هذا الظرف سوف أضع برنامج عبادة مكثف يعينني علي نفسي إن شاء الله)
و (لو أنني أرزق الحج هذا العام، لأصبحن إنسانة أخرى و أبدأ حياتي من جديد بمشيئة الله )
و و و...
متناسية أن الموت يأتي بغتة و لا يمهل
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . المؤمنون99-100
حصل أن مررت بحياتي بموقفين لم يبقيا بيني و بين الموت سوى لطف الله. أفكر بهما الآن و أقارن بينهما... إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار..
أولهما كان منذ حوالي العشرة سنوات عندما كدت أغرق وحيدة في البحر الواسع. لا أحد يدري بمكاني و أنا لا أحسن السباحة، و كل موجة تأتي تبعدني عن الشاطئ أكثر و تكتم أنفاسي.. تحينت الفرصة بين الموجة و أختها لكي ألقي نظرة حولي.. لا أحد و لا شيء سوى البحر و السماء و الرمال من بعيد.. لم أحاول أن أصرخ حتى، فلا طائل من الصراخ، إذ لن يسمعني أحد إلا ربي.. أدركت بتلك اللحظة معنى سواد الناس كثير.. نضيع أنفسنا وسط الزحام، و لكن عندما تأتي ساعة الحق : ها أنا وحيدة أنتظر الموت بينما أهلي و أحبابي ملتفون حول مائدة تضم ما لذ و طاب.. لحظات لا أنساها ما حييت.. أغمضت عيني و رددت الشهادة أكثر من مرة، ثم رحت أبذل مجهوداً كبيراً في التركيز على ما أحفظ من كتاب الله لكي أقبض و أنا أتلو القرآن، و لكن الأفكار التي ازدحمت في رأسي لم تسمح لي بأكثر من الفاتحة و الناس بعد عدة محاولات.. الرهبة كادت تنسيني اسمي.. أذكر أنني فكرت وقتها: إن كنت لا أحسن قراءة المعوذات الآن، ماذا أفعل عندما يقال لي اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها.. يا الله أين ذهب القرآن الذي أحفظ.. شعرت باستغراب و رهبة..رهبة نعم.. هذا هو الشعور الذي كان مسيطراً علي وقتها. رهبة و وحشة.. أذكر أنني فكرت أيضا: يا الله.. هذا البحر المتوسط بالذات الذي يعرف الجميع مدى عشقي له، أيعقل أن يكون سبباً في موتي!.. هل ممكن أن يمضي الانسان عمره يحب شيئا يكون سببا في هلاكه؟... ثم فكرت في أمي و حزنت جداً لحالها من بعدي، و دعوت الله أن يصبرها.. ثم عدت لمحاولة التلاوة.. كل هذه الأفكار و التلاوة و و .. كلها في دقيقة أو أقل... ثم نجوت بقدرة الله وحدها.. و اذكر أنني جلست على الرمال أكثر من ساعة بعدها أنظر إلى البحر في حالة عدم تصديق..
ثم جاء الموقف الآخر أثناء الحرب على لبنان.. الوضع مختلف هذه المرة.. أمي إلى جانبي و ابني في حضني، و الطائرة الحربية الإسرائيلية تحوم فوق السيارة على الطريق الذي اعتادت أن تستهدف من يسلكه في الأيام الأخيرة.. كنا نسمع أصوات تفجيرات من هنا و هناك، فلا ندري، لعلنا نكون الهدف التالي.. حمدت الله لأننا إن متنا متنا جميعا، لا حزن و لا قلق.. نطقنا جميعنا بالشهادة. راح فكري لأغلى الناس.. رجوت أن لا ينسوني من دعائهم لي بالمغفرة، فدعوة المحب عادة تكون نابعة من القلب و صادقة و مستمرة. ثم فكرت بمن يموت متفجراً: هل يتألم كثيراً لحظتها؟ يعني هل تكفر الكثير من ذنوبه؟.. نطقت بالشهادة من جديد و حاولت استعراض شريط "الذنوب المؤجلة" لكي أستغفر عما تسعفني اللحظات الأخيرة لكي أستغفر عنه، فتلعثمت و لم أعرف من أين ابدأ و لا ماذا أقول و أدركت عندها هول حجم "صغائري"، ففزعت و بكيت و تضرعت... الثواني لا تكفي.. فات الأوان.. قد كنت أعمل بلا حساب، و الآن قد اقترب الحساب و لا وقت للعمل.. يا رب نجنا يا الله لست مستعدة للموت بصحيفة الأعمال هذه.. يا حي يا قيوم أستغفرك يا ربي قد كنت في غفلة أرجعني أعمل صالحا.. مررنا بجنب حافلة ركاب محترقة تماما..
و لكن الله نجانا ... يا إلهي .. كيف نسيت بعدها؟؟....
في المرة الأولى لعل ذنوبي كانت أقل، لم أتعلق بالدنيا، و لم أفكر بالدعاء بالنجاة حتى.. جل فكري كان في مدى اغترارنا ببريق الدنيا الزائف، و كل همي كان في حسن الخاتمة. كانت تتملكني الرهبة فقط.. أما في المرة الثانية، فقد تملكني الخوف و الندم .. كل تفكيري كان منصباً في التوبة.. حتى عندما فكرت بأغلى الناس، فكرت بحاجتي إلى الدعاء على مدى السنين لأن ذنوبي كثيرة و تحتاج إلى دعاء مستمر.. شعور بالحسرة لا يوصف.. سبحان الله.. نعرف كل شيء و نردده في الكلام، و لكن كأنما لا نفقهه و لا ندرك حقيقته إلا في اللحظة القاضية
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. ق22
... الأهل أين حنانهم؟ باعوا وفائي
و الصحب أين جموعهم؟ تركوا إخائي
و المال أين هناؤه؟ صار ورائي
و الإسم أين بريقه بين الثناء
و الحب ودع شوقه و بكى رثائي
و الدمع جف مسيره بعد البكاء
و الكون ضاق بوسعه ضاقت فضائي
فاللحد صار بجثتي أرضي سمائي
هذه نهاية حالي؛ فرشي التراب يضمني و هو غطائي
و اللحد يحكي ظلمة فيها ابتلائي
" و يتمنى على الله تعالى "
يا ناظراً يرنو بعيني راقدٍ و مشاهداً للأمر غيرَ مشاهدِ
تصل الذنوب إلى الذنوب و ترتجي دَرَك الجنانِ بها و فوز العابدِ
و نسيتَ أن الله أخرج آدماًً منها إلى الدنيا بذنبٍ واحد
قال رجل : يا رسول الله أحدنا يذنب الذنب. قال يكتب عليه. قال ثم يستغفر ويتوب؟ قال يغفر له ويتاب عليه. قال ثم يعود فيذنب؟ قال يكتب عليه. قال ثم يستغفر ويتوب؟ قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. حديث حسن صحيح
" لا يمل الله حتى تملوا "
نستغفر و نتوب و نعاهد الله.. ثم نعود.. مرة أخرى نستغفر و نجدد العهد ألا نرجع أبداً.. ثم نعود.. ثم نلبث حينا و يهل موسم من مواسم الخيرات، فندعوا الله و نتوب.. ثم نعود .. تمر سنوات و نحن على هذا الحال، و في كل مرة تصبح التوبة أصعب على النفس، و يأتي إبليس اللعين ليزعزع يقيننا، و هو من أسس التوبة و القبول..
أنت قائمة على هذا الذنب منذ سنين، و لقد حاولت الإقلاع عنه أكثر من مرة، هل تصدقين فعلاً أن هذه المرة مختلفة، و أنك لن تعودي إليه أبدا؟؟..
لقد بات هذا الأمر جزءا من حياتك، هل تعتقدين حقا أنه يمكنك التخلي عنه؟!
لقد فعلت كذا و قلت كذا و اقترفت كذا، هل تظنين أن كل ذلك يمكن أن يمحى لمجرد بكاؤك و حرقتك الآن!..
****
تساؤلات تدور في كل نفس أعياها الذنب.. و لكن أين الإجابة ؟
لقد وجدت الإجابة مؤخراً في قول الرسول صلى الله عليه و سلم لسيدنا علي رضي الله عنه يوم خيبر :
" إمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك "
نعم، ديننا دين الوصول؛ و لكن مع الأخذ بالأسباب.
* توبة صادقة بشروطها الثلاثة ( الإستغفار عن الذنب، الندم، و العزم على عدم العودة إليه)
* اليقين بالله و عدم التشكيك بمغفرته، و الدعاء مع اليقين بالإجابة
* الصبر على الطاعات.. و لقد صنف بعض العلماء الصبر على الطاعات كأشد أنواع الصبر، لما يتطلبه من عزم و همة و صدق.
نصبر على الطاعة، أي نمتثل لاوامر الله، و نجتهد في العبادة قدر المستطاع :
- نثبت على صلاة السنة و الضحى
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. حديث صحيح
- التهجد و الدعاء في الثلث الأخير من الليل
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟، من يستغفرني فأغفر له؟ متفق عليه
- تقديم صدقات تطهرنا - مهما كانت صغيرة
الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار. حديث صحيح
- أخيراً و أهم شيء : التركيز على القرآن الكريم حفظاً و تلاوة بنية شفاء القلب
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. الإسراء 82
تخيلوا معي : خطايا أطفأتها الصدقة، و دعاء مستجاب، و حب من الله، و شفاء و رحمة.. كيف سيكون حالنا عندها ؟ لن تسعنا الأرض بما رحبت
مهما طال الإنتظار، لا بد أن يستجيب الله إذا استجبنا له و أطعناه
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. البقرة 186
فلنثبت و لنصبر و لا نلتفت حتى يفتح الله علينا..
لن أصغي لوسوسة الشيطان يشككني بعفو الله.. لن أفكر بكيف ستكون حياتي و كيف أتدبر أمري و كيف أتخلى و كيف أطيق الصبر و مئة كيف و كيف.. لن ألتفت!
سوف أستقم كما أمرت و أفوض أمري لمن قال :
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق2
سوف يجعل لي ربي مخرجاً.. هذا يقيني
حتى و لو وقعنا من جديد، فلنقم و نتابع بعزم و لا نلتفت وراءنا بيأس من صلاح أنفسنا و نقرر أنه لا خير فينا و لا أمل في صلاحنا، إنما هو الشيطان ييئسنا من روح الله..
حتى و لو شعرنا بفتور و تكاسل، فلا نلتفت و نقول سبب حالنا هذا أنه لم يتقبل منا، فيتملكنا الإحباط، بل لنذكر أن القلوب في إقبال و إدبار..
دعونا لا نلتفت لهذه الأفكار و وساوس الشيطان المحبطة، بل نصبر على الطاعات حتى يفتح الله علينا و ينير قلوبنا و يشرح صدورنا و يحيينا حياة طيبة و يجزينا أجرنا بأحسن ما نعمل..
الخوف يملأ غربتي و الحزن دائي
أرجو الثبات و إنه قسماً دوائي
و الرب أدعو مخلصا أنت رجائي
أبغي إلهي جنة فيها هنائي
اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان و بك المستغاث و عليك التكلان
وقع تحت يدي منذ عدة أيام كتيب لأقوال الحسن البصري، فرحت أتصفحه إلى أن وصلت إلى مقولة إستوقفتني طويلاً، و لم أستطع تجاوزها.. فقد تذكرت أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يستزيدون في حفظ كتاب الله قبل تطبيقهم لما قد حفظوا مسبقا.. إنتابني شعور بالخجل و الذنب و الخوف..
أما الخجل.. فيا لتقصيري و إسرافي في أمري.. و يا لسعة رحمة الغفور..
و أما الذنب.. فما نفع ما نقرأ إن لم نطبق أبجديته الأولى؟.. كله بحساب.. نسأل الله أن يجعل علمنا حجة لنا لا علينا..
و أما الخوف، فقد تملك بي و لم أجرؤ - و لن أجرؤ - على تتمة القراءة، حتى أعمل بما قرأت.. و إليكم ما قرأت :
يقول الحسن البصري :
" لا يزداد المؤمن صلاحاً و براً و عبادة إلا ازداد خوفاً ، يقول : لا أنجو!
و الفاسق يقول : سواد الناس كثير، و سيغفر لي، و لا بأس علي ! فيؤجل العمل، و يتمنى على الله تعالى "
" سواد الناس كثير، و سيغفر لي، و لا بأس علي "
صحيح أننا لا نتفوه بها صراحة، و لكن كم من مرات و مرات نتصرف على أساسها..
كم من مرة بررنا لأنفسنا عند محاسبتها على ذنب تصر عليه "هي ليست بكبيرة، كما أن فلان و فلان و فلان و الكثيرون يرتكبونها، و كلهم يرجون الجنة..."
كم من مرة نظرنا للأدنى بدلاً من الأعلى و فكرنا " كل هؤلاء يرتكبون الكبائر و العياذ بالله... و ما ذنبي هذا مقارنة بجرمهم؟!..."
متناسين خطوات الشيطان التي يلي بعضها البعض، و أن الصغيرة توصل نهاية المطاف إلى الكبيرة.. و متناسين أن الإنسان يجب أن يرنو للعلى في دينه قبل كل شيء، فيقارن حاله بأحوال الصالحين، مثلما يمد عينيه لمن آتاه الله زهرة الحياة الدنيا، فيطمح و يسعى للأفضل في دنياه..
" فيؤجل العمل "
كم من مرة وعدت قلبي المنقبض بالتوبة...
(هذه المرة الاخيرة و بعدها سوف أستغفر و أتوب بإذن الله)
و ( بعد أن ينتهي هذا الظرف سوف أضع برنامج عبادة مكثف يعينني علي نفسي إن شاء الله)
و (لو أنني أرزق الحج هذا العام، لأصبحن إنسانة أخرى و أبدأ حياتي من جديد بمشيئة الله )
و و و...
متناسية أن الموت يأتي بغتة و لا يمهل
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . المؤمنون99-100
حصل أن مررت بحياتي بموقفين لم يبقيا بيني و بين الموت سوى لطف الله. أفكر بهما الآن و أقارن بينهما... إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار..
أولهما كان منذ حوالي العشرة سنوات عندما كدت أغرق وحيدة في البحر الواسع. لا أحد يدري بمكاني و أنا لا أحسن السباحة، و كل موجة تأتي تبعدني عن الشاطئ أكثر و تكتم أنفاسي.. تحينت الفرصة بين الموجة و أختها لكي ألقي نظرة حولي.. لا أحد و لا شيء سوى البحر و السماء و الرمال من بعيد.. لم أحاول أن أصرخ حتى، فلا طائل من الصراخ، إذ لن يسمعني أحد إلا ربي.. أدركت بتلك اللحظة معنى سواد الناس كثير.. نضيع أنفسنا وسط الزحام، و لكن عندما تأتي ساعة الحق : ها أنا وحيدة أنتظر الموت بينما أهلي و أحبابي ملتفون حول مائدة تضم ما لذ و طاب.. لحظات لا أنساها ما حييت.. أغمضت عيني و رددت الشهادة أكثر من مرة، ثم رحت أبذل مجهوداً كبيراً في التركيز على ما أحفظ من كتاب الله لكي أقبض و أنا أتلو القرآن، و لكن الأفكار التي ازدحمت في رأسي لم تسمح لي بأكثر من الفاتحة و الناس بعد عدة محاولات.. الرهبة كادت تنسيني اسمي.. أذكر أنني فكرت وقتها: إن كنت لا أحسن قراءة المعوذات الآن، ماذا أفعل عندما يقال لي اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها.. يا الله أين ذهب القرآن الذي أحفظ.. شعرت باستغراب و رهبة..رهبة نعم.. هذا هو الشعور الذي كان مسيطراً علي وقتها. رهبة و وحشة.. أذكر أنني فكرت أيضا: يا الله.. هذا البحر المتوسط بالذات الذي يعرف الجميع مدى عشقي له، أيعقل أن يكون سبباً في موتي!.. هل ممكن أن يمضي الانسان عمره يحب شيئا يكون سببا في هلاكه؟... ثم فكرت في أمي و حزنت جداً لحالها من بعدي، و دعوت الله أن يصبرها.. ثم عدت لمحاولة التلاوة.. كل هذه الأفكار و التلاوة و و .. كلها في دقيقة أو أقل... ثم نجوت بقدرة الله وحدها.. و اذكر أنني جلست على الرمال أكثر من ساعة بعدها أنظر إلى البحر في حالة عدم تصديق..
ثم جاء الموقف الآخر أثناء الحرب على لبنان.. الوضع مختلف هذه المرة.. أمي إلى جانبي و ابني في حضني، و الطائرة الحربية الإسرائيلية تحوم فوق السيارة على الطريق الذي اعتادت أن تستهدف من يسلكه في الأيام الأخيرة.. كنا نسمع أصوات تفجيرات من هنا و هناك، فلا ندري، لعلنا نكون الهدف التالي.. حمدت الله لأننا إن متنا متنا جميعا، لا حزن و لا قلق.. نطقنا جميعنا بالشهادة. راح فكري لأغلى الناس.. رجوت أن لا ينسوني من دعائهم لي بالمغفرة، فدعوة المحب عادة تكون نابعة من القلب و صادقة و مستمرة. ثم فكرت بمن يموت متفجراً: هل يتألم كثيراً لحظتها؟ يعني هل تكفر الكثير من ذنوبه؟.. نطقت بالشهادة من جديد و حاولت استعراض شريط "الذنوب المؤجلة" لكي أستغفر عما تسعفني اللحظات الأخيرة لكي أستغفر عنه، فتلعثمت و لم أعرف من أين ابدأ و لا ماذا أقول و أدركت عندها هول حجم "صغائري"، ففزعت و بكيت و تضرعت... الثواني لا تكفي.. فات الأوان.. قد كنت أعمل بلا حساب، و الآن قد اقترب الحساب و لا وقت للعمل.. يا رب نجنا يا الله لست مستعدة للموت بصحيفة الأعمال هذه.. يا حي يا قيوم أستغفرك يا ربي قد كنت في غفلة أرجعني أعمل صالحا.. مررنا بجنب حافلة ركاب محترقة تماما..
و لكن الله نجانا ... يا إلهي .. كيف نسيت بعدها؟؟....
في المرة الأولى لعل ذنوبي كانت أقل، لم أتعلق بالدنيا، و لم أفكر بالدعاء بالنجاة حتى.. جل فكري كان في مدى اغترارنا ببريق الدنيا الزائف، و كل همي كان في حسن الخاتمة. كانت تتملكني الرهبة فقط.. أما في المرة الثانية، فقد تملكني الخوف و الندم .. كل تفكيري كان منصباً في التوبة.. حتى عندما فكرت بأغلى الناس، فكرت بحاجتي إلى الدعاء على مدى السنين لأن ذنوبي كثيرة و تحتاج إلى دعاء مستمر.. شعور بالحسرة لا يوصف.. سبحان الله.. نعرف كل شيء و نردده في الكلام، و لكن كأنما لا نفقهه و لا ندرك حقيقته إلا في اللحظة القاضية
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. ق22
... الأهل أين حنانهم؟ باعوا وفائي
و الصحب أين جموعهم؟ تركوا إخائي
و المال أين هناؤه؟ صار ورائي
و الإسم أين بريقه بين الثناء
و الحب ودع شوقه و بكى رثائي
و الدمع جف مسيره بعد البكاء
و الكون ضاق بوسعه ضاقت فضائي
فاللحد صار بجثتي أرضي سمائي
هذه نهاية حالي؛ فرشي التراب يضمني و هو غطائي
و اللحد يحكي ظلمة فيها ابتلائي
" و يتمنى على الله تعالى "
يا ناظراً يرنو بعيني راقدٍ و مشاهداً للأمر غيرَ مشاهدِ
تصل الذنوب إلى الذنوب و ترتجي دَرَك الجنانِ بها و فوز العابدِ
و نسيتَ أن الله أخرج آدماًً منها إلى الدنيا بذنبٍ واحد
قال رجل : يا رسول الله أحدنا يذنب الذنب. قال يكتب عليه. قال ثم يستغفر ويتوب؟ قال يغفر له ويتاب عليه. قال ثم يعود فيذنب؟ قال يكتب عليه. قال ثم يستغفر ويتوب؟ قال يغفر له ويتاب عليه ولا يمل الله حتى تملوا. حديث حسن صحيح
" لا يمل الله حتى تملوا "
نستغفر و نتوب و نعاهد الله.. ثم نعود.. مرة أخرى نستغفر و نجدد العهد ألا نرجع أبداً.. ثم نعود.. ثم نلبث حينا و يهل موسم من مواسم الخيرات، فندعوا الله و نتوب.. ثم نعود .. تمر سنوات و نحن على هذا الحال، و في كل مرة تصبح التوبة أصعب على النفس، و يأتي إبليس اللعين ليزعزع يقيننا، و هو من أسس التوبة و القبول..
أنت قائمة على هذا الذنب منذ سنين، و لقد حاولت الإقلاع عنه أكثر من مرة، هل تصدقين فعلاً أن هذه المرة مختلفة، و أنك لن تعودي إليه أبدا؟؟..
لقد بات هذا الأمر جزءا من حياتك، هل تعتقدين حقا أنه يمكنك التخلي عنه؟!
لقد فعلت كذا و قلت كذا و اقترفت كذا، هل تظنين أن كل ذلك يمكن أن يمحى لمجرد بكاؤك و حرقتك الآن!..
****
تساؤلات تدور في كل نفس أعياها الذنب.. و لكن أين الإجابة ؟
لقد وجدت الإجابة مؤخراً في قول الرسول صلى الله عليه و سلم لسيدنا علي رضي الله عنه يوم خيبر :
" إمش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك "
نعم، ديننا دين الوصول؛ و لكن مع الأخذ بالأسباب.
* توبة صادقة بشروطها الثلاثة ( الإستغفار عن الذنب، الندم، و العزم على عدم العودة إليه)
* اليقين بالله و عدم التشكيك بمغفرته، و الدعاء مع اليقين بالإجابة
* الصبر على الطاعات.. و لقد صنف بعض العلماء الصبر على الطاعات كأشد أنواع الصبر، لما يتطلبه من عزم و همة و صدق.
نصبر على الطاعة، أي نمتثل لاوامر الله، و نجتهد في العبادة قدر المستطاع :
- نثبت على صلاة السنة و الضحى
ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه. حديث صحيح
- التهجد و الدعاء في الثلث الأخير من الليل
ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟، من يستغفرني فأغفر له؟ متفق عليه
- تقديم صدقات تطهرنا - مهما كانت صغيرة
الصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار. حديث صحيح
- أخيراً و أهم شيء : التركيز على القرآن الكريم حفظاً و تلاوة بنية شفاء القلب
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. الإسراء 82
تخيلوا معي : خطايا أطفأتها الصدقة، و دعاء مستجاب، و حب من الله، و شفاء و رحمة.. كيف سيكون حالنا عندها ؟ لن تسعنا الأرض بما رحبت
مهما طال الإنتظار، لا بد أن يستجيب الله إذا استجبنا له و أطعناه
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ. البقرة 186
فلنثبت و لنصبر و لا نلتفت حتى يفتح الله علينا..
لن أصغي لوسوسة الشيطان يشككني بعفو الله.. لن أفكر بكيف ستكون حياتي و كيف أتدبر أمري و كيف أتخلى و كيف أطيق الصبر و مئة كيف و كيف.. لن ألتفت!
سوف أستقم كما أمرت و أفوض أمري لمن قال :
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا الطلاق2
سوف يجعل لي ربي مخرجاً.. هذا يقيني
حتى و لو وقعنا من جديد، فلنقم و نتابع بعزم و لا نلتفت وراءنا بيأس من صلاح أنفسنا و نقرر أنه لا خير فينا و لا أمل في صلاحنا، إنما هو الشيطان ييئسنا من روح الله..
حتى و لو شعرنا بفتور و تكاسل، فلا نلتفت و نقول سبب حالنا هذا أنه لم يتقبل منا، فيتملكنا الإحباط، بل لنذكر أن القلوب في إقبال و إدبار..
دعونا لا نلتفت لهذه الأفكار و وساوس الشيطان المحبطة، بل نصبر على الطاعات حتى يفتح الله علينا و ينير قلوبنا و يشرح صدورنا و يحيينا حياة طيبة و يجزينا أجرنا بأحسن ما نعمل..
الخوف يملأ غربتي و الحزن دائي
أرجو الثبات و إنه قسماً دوائي
و الرب أدعو مخلصا أنت رجائي
أبغي إلهي جنة فيها هنائي
اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان و بك المستغاث و عليك التكلان
حواء-
- عدد المساهمات : 2558
العمر : 50
نقاط تحت التجربة : 14084
تاريخ التسجيل : 11/04/2008
رد: إمش و لا تلتفت !!
:rendeer:
numerique-
- عدد المساهمات : 996
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 13527
تاريخ التسجيل : 02/03/2007
رد: إمش و لا تلتفت !!
موضوع متميز لاخت عزيزة علينا
karrar_karrar-
- عدد المساهمات : 263
العمر : 66
نقاط تحت التجربة : 12325
تاريخ التسجيل : 16/04/2008
رد: إمش و لا تلتفت !!
شكرا لكي اختي الكريمة
واصلي تميزك
تحياتي
bijad-
- عدد المساهمات : 2382
العمر : 104
نقاط تحت التجربة : 12307
تاريخ التسجيل : 06/02/2008
رد: إمش و لا تلتفت !!
موضوع رائع .. بارك الله فيكِ .. و لا حرمكِ الله الأجر إن شاء الله ..
soujoud-
- عدد المساهمات : 1768
العمر : 47
المكان : حي النور
نقاط تحت التجربة : 12747
تاريخ التسجيل : 07/12/2007
رد: إمش و لا تلتفت !!
لقد زادني حضوركم اصرارا على تقوى الله فبارك الله في تواصلكم
حواء-
- عدد المساهمات : 2558
العمر : 50
نقاط تحت التجربة : 14084
تاريخ التسجيل : 11/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى