ما لكم كيف تحكمون!
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ما لكم كيف تحكمون!
\" لا أدري إذا كان يمكن تصنيف \"شافيز\" الفنزويلي المسيحي اليساري في خانة التشيع، طالما أنه ينحاز إلى محور الممانعة وإلى المقاومة الفلسطينية المحسوبة على إيران الشيعية \" |
وفجأة يكتشف إعلاميو العار العرب مدى انتمائهم الروحي العميق للعقيدة الإسلامية السنية وخشيتهم على مصير العالم السني من التمدّد الشيعي الإيراني.
دع عنك ما هم عاكفون عليه من كؤوس الخمر وكتب الحكمة الأميركية والصهيونية المقدسة، وخلواتهم التعبدية في الحانات والنوادي الليلية، وصيحاتهم المنكرة في كل حين ضد كل ما هو إسلامي يفضلون وصفه "بالإسلاموّية" تهزيئا وتبخيسا، وضد كل ما هو عروبي يفضلون وصفه "بالقومجية" تهزيئا وتبخيسا، وضد كل ما هو عدالة اجتماعية يفضلون وصفه بالاشتراكية الغاربة الملوثة بذاكرة القمع البوليسي والحكم الشمولي، وضدّ كل ما هو مقاومة للظلم والاحتلال، يفضلون جمعه في سلة واحدة مع الإرهاب والتطرف اللذين يحيلونهما إلى أسباب ثقافية عقدية، بدلا من السياسات الظالمة التي وظفوا أنفسهم. لخدمتها وتسويقها
ودع عنك تلويثهم المنهجي المتعمد لمعاني الجهاد –ذروة سنام الإسلام– حتى صارت كلمة "جهاديين" مرادفة باستعمالهم للإرهابيين.
دع عنك هذا كله، فإذا حمي الوطيس ووقع الاختبار ذكروا عقيدتهم السنية واستدعوا حميتهم الدينية السنية وصاحوا صيحتهم المنكرة: أصرفوا وجوهكم عن إسرائيل والولايات المتحدة إلى العدو الإيراني الشيعي، فهو الخطر الأعظم، وواجهوه بكل ما استطعتم، حتى لو كانت إسرائيل من وسائل الدفع والاستطاعة. واجهوه أينما ثقفتموه: في لبنان (حزب الله)، وفي فلسطين المغتصبة والمحتلة (حماس)، واقطعوا مع سوريا قطيعةً لا رجوع منها. وكل ذلك نصرة لدين الله!
ولا بأس في هذا السياق أن نضلل الناس بالقول إن حماس منظمة شيعية لمجرد أنها تتلّقى المعونة من إيران، بينما يعلم القاصي والداني أن حماس سنية خالصة لا تحيد عن سنيتها.
ولا أدري إذا كان يمكن تصنيف "شافيز" الفنزويلي المسيحي اليساري في خانة التشيع، طالما أنه ينحاز إلى محور الممانعة وإلى المقاومة الفلسطينية المحسوبة على إيران الشيعية!
ولكن أفيدونا أيها الإعلاميون العقلانيون الواقعيون المدرجون في قائمة العار الصهيونية، لماذا تطلقون صيحاتكم المنكرة ضد التمدد الإيراني الشيعي من خلال حزب الله والمقاومة الفلسطينية فضلا عن سوريا، ولا تطلقون مثلها ضد القوى العراقية الحاكمة الجديدة التي لا يخفى ارتباطها التاريخي والعقدي والسياسي بإيران!
لا، والذي بعث محمدا بالحق، ما أنتم بسنة ولا بشيعة، ولا بمسلمين ولا بعرب، ولا حتى بليبراليين مخلصين يؤمنون حقا بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع التي جاءت بحماس، فقد نجم نفاقكم في هذا الشأن حتى لا يخفى على أحد. بل أنتم صهاينة وحسب: نعم صهاينة عرب، ولا يوجه ردود فعلكم إلا ثلاثة عناوين:
- كره الإسلام والإسلاميين، حتى لو جاءت بهم صناديق الاقتراع. وإلا لماذا أعلنتم العداء ضد حماس منذ لحظة انتخابها، وقبل ما أطلق عليه "انقلابها في غزة"!؟
- بغض مفاهيم المقاومة والجهاد بإطلاق، حتى لو كان ذلك استجابة لتحدي الاحتلال والاغتصاب والقتل الجماعي.
- الولاء المطلق للبرنامج الأميركي في المنطقة حتى لو كان ضد حكوماتكم وأوطانكم.
وقد نضيف إلى بعض هؤلاء أو جلهم كراهة معلنة أو مضمرة ضد الشعب الفلسطيني المزعج الذي لا يرضى أن يموت بصمت، والذي تحرج ركلاته سياسات الإذعان والاستسلام، وتحرج قضيته العلاقات المقدسة مع الولايات المتحدة وتعرضها للاهتزاز. فمن يوالي سياسات الولايات المتحدة لا يمكن أن يحتفظ بالوقت نفسه بعقيدة العداء ضد المشروع الصهيوني والاحتلال، الذي هو ربيب الإمبريالية الأميركية ووكيلها المتقدم وحليفها الإستراتيجي.
لا نطلب من هؤلاء إلا أن تكون لهم الجرأة الأدبية فلا يموهون دواعي مواقفهم المعلنة لأنّها لا تنطلي على أحد، ليعلنوا بصوت واضح صريح: أنهم يميلون حيث تميل أميركا (وبالنتيجة إسرائيل) فيعادون من يعادونهما ويصادقون من يصادقهما. فهم معروفون بأعيانهم وعقائدهم السياسية الفعلية وبغضهم للإسلام على الجملة، سوءا أكان في إطار سني أم شيعي.
ومن قبيل النكتة السمجة أن يستدعي بعضهم فتاوى تحرم استعمال صفة الشهداء إلا على من شهد له الله ورسوله، وهم أشد الناس عداوة لله ورسوله ثم لمشايخهم، ولم يفتؤوا يعرضون بهم في كل آونة.
فمن يُصَدّق أنهم قد بلغوا من التقوى ما يرفضون معه أن يتألوا على الله بمنح صفة الشهيد لأحد؟ ولا أحسب أن ثمة جدوى في أن نذكرهم بحقيقة لسانيّة دلالية مفادها أن للكلام مقاصد غير المعنى الظاهر، وأن الألفاظ تكتسب دلالات مختلفة في سياقات مختلفة، وأن معنى الشهيد مثلا في الاستعمال السياسي العام غيره في المصطلح الشرعي الفقهي المحدد، وأن استعماله في الحالة الأولى لا يُقصَدُ به تخصيص مقاعد في جنة أو فردوس أعلى، ولكن إلى موقف متعاطف منحاز إلى جانب المظلوم.
لا جدوى من هذه التذكرة. ففي أمثالنا الشعبية: "فالج لا تعالج". فهم يعلمون ما نعلم ولكنهم يخاتلون. وإن كانت العقلانية والاعتدال هما ما يدعون، حسب تعريفهم، فليذهبا إلى الجحيم. وإذ نعلم أن مصيرهما هناك مع قوى الإجرام والإجحاف والإبادة، فإننا على يقين أننا لا نتألّى على الله قيد أملة!
أما أنظمة الاعتدال فإننا نعتقد أنها مدينة لحماس بالشكر والامتنان. فقد أطاحت بوصولها إلى الحكم عبر الانتخابات الحرة النزيهة بأجندة التحول الديمقراطي بالمنطقة التي كانوا منها يفرقون، كلما لوحت بها الولايات المتحدة، قبل أن تكتشف هذه أن العملية الديمقراطية بالمنطقة هي أسوأ ما يمكن أن يحدث لها ولحلفائها فاطّرحتها وراء ظهرها، وكفى الله تلك الأنظمة الديمقراطية.
في محصلة الأمر، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة قد كشف حقيقة الصراع الدائر منذ حين في الفضاء السياسي العربي: إنه صراع المعاني، أو الصراع على استملاك أنظمة المعاني التي تشكل الوعي العام، وتوجه فهمنا للواقع وتأويلاتنا لما يجري فيه، وتعريفاتنا لوقائعه، وهذه بدورها تحدد أنماط استجاباتنا لمؤثرات الواقع وتحدياته. بل هي حملة منهجية منظمة ما زالت تجري منذ كامب ديفد المصريّة وازدادت استعارا ووقاحة منذ أوائل التسعينيات، وهدفها اغتيال نظم المعاني التحرريّة وتلويث مفرداتها وتبخيسها وتدنيسها وازدراؤها وتحريف معانيها وتلبيسها بمعان مرذولة، وكل ذلك بدعوى العقلانية والواقعية السياسية...
وليد سيف
كاتب التغريبة الفلسطينية
MAYA-
- عدد المساهمات : 36
العمر : 37
المهنه : بيع الورود
نقاط تحت التجربة : 11538
تاريخ التسجيل : 08/02/2009
Mayna-
- عدد المساهمات : 1562
العمر : 37
المهنه : ممرضة
الهوايه : الرسم و المطالعة
نقاط تحت التجربة : 12605
تاريخ التسجيل : 07/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى