أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
+2
أنين الصمت
إسماعيل
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
{ أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في
المنام }[8]
********************
الأوّل : الشيخ
الإمام القاضي عياض اليحصبي رحمه الله تعالى
قال الشّيخ الإمام القاضي
عياض المالكي رحمه الله :
(( يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى الْحَدِيث إِذَا
رَآهُ عَلَى الصِّفَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي حَيَاته لَا عَلَى صِفَة
مُضَادَّة لِحَالِهِ ،فَإِنْ رُئِيَ عَلَى غَيْرهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيللَا
رُؤْيَا حَقِيقَة ، فَإِنَّ مِنْ الرُّؤْيَا مَا يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهه وَمِنْهَا
مَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل )) اهـ كلام القاضي عياض ، والنّقل من فتح الباري
(12/338) لإيعاز نقله من مصدره.
{ حول رأي القاضي عياض
}
أقول : ووجه كون القاضي عياض ممّن أجاز رؤية النّبي r في المنام بغير
صفته ؛ جعله رؤية ذلك رؤية تأويل ؛ فهو أثبت رؤيا الرائي له r ، وإنّما نفى كونها
رؤية حقيقيّة ؛ وجعلها رؤيا تأويل.
قال الإمام النّووي كما في
شرحه لمسلم (15/24) :
((هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيف ، بَلْ
الصَّحِيح أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَتْ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة
أَوْ غَيْرهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيّ )) اهـ .
قلت : وقد يتوهّم من قول
النّووي هذا أنّ القاضي عياض يقول بأنّ رؤية النبي r بغير صفته لا تعد رؤيا له
حقيقةً ، وجوابه في كلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/338) حيث قال
مُتَعَقِّبًا الإمام النّووي :
((لَمْ يَظْهَر لِي مِنْ كَلَام الْقَاضِي مَا
يُنَافِي ذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِر قَوْله أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَة فِي الْحَالَيْنِ .
لَكِنْ فِي الْأُولَى تَكُون الرُّؤْيَا مِمَّا لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير
وَالثَّانِيَة مِمَّا يَحْتَاج إِلَى التَّعْبِير)) اهـ .
وقال
أيضًا - أي الحافظ ابن حجر - :
(( الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي تَوَسُّط
حَسَن ، وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن مَا قَالَهُ الْمَازِرِيّ بِأَنْ تَكُون
رُؤْيَاهُ عَلَى الْحَالَيْنِ حَقِيقَة لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَى صُورَته كَأَنْ
يُرَى فِي الْمَنَام عَلَى ظَاهِره لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير وَإِذَا كَانَ
عَلَى غَيْر صُورَته كَانَ النَّقْص مِنْ جِهَة الرَّائِي لِتَخَيُّلِهِ الصِّفَة
عَلَى غَيْر مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيَحْتَاج مَا يَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَنَام إِلَى
التَّعْبِير ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عُلَمَاء التَّعْبِير ))
اهـ.
********************
الثّاني : الإمام ابن الجوزي
الحنبلي رحمه الله تعالى
قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في صيد
الخاطر (ص318)[9] ما نصّه :
((فصل : قد أشكل على الناس رؤية النبي صلى الله عليه
وسلم وقوله: من رآني في المنام فقد رآني. فقال: ظاهر الحديث أنه يراه
حقيقة. وفي الناس من يراه شيخاً وشاباً ومريضاً ومعافى. فالجواب أنه من ظن أن
جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم المودع في المدينة خرج من القبر وحضر في المكان
الذي رآه فيه فهذا جهل لا جهل يشبهه. فقد يراه في وقت واحد ألف شخص في ألف مكان
على صور مختلفة. فكيف يتصور هذا في شخص واحد وإنماالذي يرى مثاله لا شخصه.
فيبقى من رآني فقد رآني معناه قد رأى مثالي الذي يعرفه الصواب وتحصل به الفائدة
المطلوبة. فإن قيل: فما تقولون في رؤية الحق سبحانه! فنقول: يرى مثالاً لا
مثلاً والمثال لا يفتقر إلى المساواة والمشابهة كما قال تعالى: { أَنزَلَ مِنَ
السَّمآءِ ماءً فَسَالَتْ أَوْدِيَة بِقَدَرِها } . فضربه مثالاً للقرآن وانتفاع
الخلق به. ويوضح هذا أنه إنما يرى من رأى الحق سبحانه وتعالى على هيئة مخصوصة
والحق سبحانه وتعالى منزه قد توحد فوضح ما قلناه )) اهـ كلامه رحمه الله
.
********************
الثّالث : شيخ الإسلام الإمام
النّووي رحمه الله تعال
قال شيخ الإسلام المحدّث الفقيه الإمام النّووي
رحمه الله تعالى في شرحه لمسلم (15/24) حديث (2266) :
( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي
الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي ) قال
:
((اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " فَقَدْ رَآنِي "فَقَالَ اِبْن الْبَاقَلَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّ
رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَيْسَتْ بِأَضْغَاثٍ ، وَلَا مِنْ تَشْبِيهَات الشَّيْطَان ،
وَيُؤَيِّدُ قَوْله رِوَايَة " فَقَدْ رَأَى الْحَقّ " أَيْ الرُّؤْيَة الصَّحِيحَة
. قَالَ :وَقَدْ يَرَاهُ الرَّائِي عَلَى خِلَاف صِفَته الْمَعْرُوفَة ، كَمَا
رَآهُ أَبْيَض اللِّحْيَة. وَقَدْ يَرَاهُ شَخْصَانِ فِي زَمَن وَاحِد أَحَدهمَا
فِي الْمَشْرِق وَالْآخَر فِي الْمَغْرِب ، وَيَرَاهُ كُلّ مِنْهُمَا فِي مَكَانه .
وَحَكَى الْمَازِرِيّ هَذَا عَنْ اِبْن الْبَاقِلَّانِيّ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ
آخَرُونَ : بَلْ الْحَدِيث عَلَى ظَاهِره ، وَالْمُرَاد أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ
أَدْرَكَهُ ، وَلَا مَانِع يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ ، وَالْعَقْل لَا يُحِيلهُ حَتَّى
يَضْطَرَّ إِلَى صَرْفه عَنْ ظَاهِره . فَأَمَّا قَوْله : بِأَنَّهُ قَدْ يُرَى
عَلَى خِلَاف صِفَته ، أَوْ فِي مَكَانَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَلَط فِي
صِفَاته ،وَتَخَيُّل لَهَا عَلَى خِلَاف مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَظُنُّ
الظَّانّ بَعْض الْخَيَالَات مَرْئِيًّا لِكَوْنِ مَا يَتَخَيَّلُ مُرْتَبِطًا
بِمَا يَرَى فِي الْعَادَة فَيَكُون ذَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْئِيَّة ، وَصِفَاته مُتَخَيَّلَة غَيْر مَرْئِيَّة، وَالْإِدْرَاك لَا
يُشْتَرَطُ فِيهِ تَحْدِيق الْأَبْصَار ، وَلَا قُرْب الْمَسَافَة ، وَلَا كَوْن
الْمَرْئِيّ مَدْفُونًا فِي الْأَرْض ، وَلَا ظَاهِرًا عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا
يُشْتَرَطُ كَوْنه مَوْجُودًا . وَلَمْ يَقُمْ دَلِيل عَلَى فَنَاء جِسْمه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيث مَا يَقْتَضِي بَقَاءَهُ
. قَالَ : وَلَوْ رَآهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَانَ هَذَا مِنْ
الصِّفَات الْمُتَخَيَّلَة لَا الْمَرْئِيَّة . هَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ . قَالَ
الْقَاضِي : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
فَقَدْ رَآنِي " أَوْ " فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّلُ
فِي صُورَتِي " الْمُرَاد بِهِ إِذَا رَآهُ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة لَهُ فِي
حَيَاته ، فَإِنْ رَأَى عَلَى خِلَافهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيل لَا رُؤْيَا
حَقِيقَة ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيف ،بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ
يَرَاهُ حَقِيقَة ، سَوَاء كَانَ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة ، أَوْ غَيْرهَا،
لِمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيّ )) اهـ.
ويُستَفَاد من هذا: نسبة الإمام الباقلاني
والإمام المازري أيضًا إلى هذا الرأي.
********************
الرّابع : الإمام القرافي المالكي رحمه الله تعالى
قال الإمام
الأصولي القرافي المالكي في كتابه العظيم أنوار البروق في أنواع الفروق المسمّى
الفروق (4/245) :
((رؤيته عليه الصلاة والسلام إنما تصح لأحد رجلين: أحدهما:
صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من
الشيطان، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته.
وثانيهما: رجل تكرر عليه سماع صفاته
المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه الصلاة والسلام، ومثاله المعصوم،
كما حصل ذلك لمن رآه، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله كما يجزم به من رآه، فينتفي عنه
اللبس والشك في رؤيته، وأما غير هذين فلا يحل له الجزم بل يجوز أن يكون رآه بمثاله،
ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان، ولا يفيد قول المرئي لمن رآه أنا رسول الله، ولا
قول من يحضر معه هذا رسول الله، لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره، فلا يحصل
الجزم، وهذا وإن كان صريحاً في أنه لا بد من رؤية مثاله المخصوص لا ينافي ما تقرر
في التعبير أن الرائي يراه عليه الصلاة والسلام شيخاً وشاباً وأسود وذاهب العينين
وذاهب اليدين، وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثاله عليه الصلاة والسلام، لأن
هذه الصفات صفات الرائين وأحوالهم تظهر فيه عليه الصلاة والسلام وهو المرآة لهم
.....-إلى أن قال-.... وإذا صح له المثال وانضبط، فالسواد يدل على ظلم الرائي،
والعمى يدل على عدم إيمانه لأنه إدراك ذاهب، وقطع اليد يدل على أنه يمنع من ظهور
الشريعة ونفوذ أوامرها، فإن اليد يعبر بها عن القدرة، وكونه أمرد يدل على الإستهزاء
به، فإن الشاب يحتقر، وكونه شيخاً يدل على تعظيم النبوة لأن الشيخ يعظم، وغير ذلك
من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة)) اهـ كلامه. وليراجع سابقه ولاحقه فإنّه جد
متين.
********************
الخامس : الإمام ابن أبي جمرة
رحمه الله تعالى
قال العارف بالله الإمام عبد الله بن أبي جمرة رحمه الله
تعالى (توفّي 695 هـ) في كتابه بهجة النّفوس شرح جمع النّهاية وهو شرح لمختصره
المشهور لصحيح البخاري عند قول النبي r«تسمّوا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي ومن رآني في
المنام فقد رآني فإنَّ الشّيطان لا يتمثّل صورتي فمن كذب عليّ متعمدًّا فليتبوّأْ
مقعده من النار» قال -وهو في (4/183) من طبعة دار الكتب العلمية- :
(( اختلف
العلماء في هذا . فمنهم من قال إنَّ الصورة التي لا يتمثّل الشّيطان عليها هي
الصّفة الّتي توفّي r عليها حتى قالوا ويكون في لحيته عدة تلك الشعرات البيض التي
كانت فيها وقال بعضهم وحتى تكون رؤياه له في دار الخيزران وهذا تحكّم على عموم
الحديث وتضييق للرّحمة الواسعة .
ومنهم من قال إنَّ الشيطان لا يتصوّر على صورته
عليه الصلاة والسلام أصلاً جملة كافية فمن رآه في صورة حسنة فذلك حسن في دين الرائي
وإن كان في جارحة من جوارحه شين فتلك الجارحة من الرائي فيها خلل من جهة الدين وهذا
هو الحق وقد جرب هذا فوجد على هذا الأسلوب سواء بسواء ولم ينكر وبهذا تحصل الفائدة
الكبرى في رؤياه عليه الصلاة والسلام حتى يتبين للرائي هل عنده خلل في دينه أو لا
لأنه r نور فهو مثل المرآة الصقيلة ما كان في الناظر إليها من حسن أو غيره تصور
فيها وهي في ذاتها على أحسن حال لا نقص فيها ولا شين. وكذلك ذكروا في كلامه عليه
الصلاة والسلام في النوم إنَّه يعرض على سنته عليه الصلاة والسلام فما وافقها مما
سمعه الرائي فهو حق وما خالفها فالخلل في سمع الرائي فإنَّه r {مَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى} و {َلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا
كَثِيرًا} فتكون رؤية الذات المباركة حقًا ويكون الخلل قد وقع في سمع الرائي وهو
الحق الذي لا شك فيه )) اهـ.
********************
السّادس :
المؤرّخ المقريزي رحمه الله تعالى
قال الشّيخ المؤرّخ المقريزي رحمه الله
تعالى في كتابه الشّهير إمتاع الأسماع (10/293) :
((اعلم أنَّ صورة النبي صلى
الله عليه وسلم التي شاهدها الحس مع قوته في المدينة وأما صورة روحه ولطيفته فما
شاهدها أحد وكل روح بهذه المثابة لم يشاهدها أحد ولا من نعته بل يتجسد للرائي روح
النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بصورة حسنة من غير أن يحرم شيئا فهو محمد صلى
الله عليه وسلم المرئي من حيث روحه في جسد صورة جسدية تشبه إلى رؤيته ولا يمكن
للشيطان أن يتصور بصورة جسده صلى الله عليه وسلم عصمة من الله تعالى في حق الرائي
ولهذا من يراه بهذه الصورة يأخذ عنه جميع ما يأمره به أو ينهاه عنه أو يخبره كما
كان يأخذ عنه في الحياة الدنيا الأحكام على حسب ما يكون منه اللفظ الدال عليه من نص
أو ظاهر أو مجمل . أو ما كان فإن أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الرائي شيئا فإن
ذلك الوقت هو الذي يدخله التعبير فإن خرج في الحس كما كان في الخيال فتلك رؤيا لا
تعبير لها . قال القاضي أبو بكر قوله : فإن الشيطان لا يتمثل به معناه أن رؤياه
صحيحة وليست بأضغاث . وقال آخرون : معناه رآه حقيقة . قال القاضي عياض : ويحتمل أن
يكون المراد ما إذا رآه على صفته المعروفة له في حياته فإن رآه على خلافها كانت
رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة )) اهـ .
********************
يتبع
عدل سابقا من قبل إسماعيل في الخميس 7 مايو - 12:06 عدل 1 مرات
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
السّابع : الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى
قال المحدّث الإمام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى في فتح الباري (12/338) عند شرح حديث "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام
فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة "بعد ذكر قول البخاري"قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا
رَآهُ فِي صُورَتِهِ" وبعد ذكره ما يؤيِّدْ رأي ابن سيرين وهو ما "أَخْرَجَهُ
الْحَاكِم مِنْ طَرِيق عَاصِم بْن كُلَيْب " حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : قُلْت
لِابْنِ عَبَّاس رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام
قَالَ : صِفْهُ لِي ، قَالَ : ذَكَرْت الْحَسَن بْن عَلِيّ فَشَبَّهْته بِهِ ،
قَالَ : قَدْ رَأَيْته " وَسَنَده جَيِّد" قال الحافظ:
((وَيُعَارِضه [10] مَا
أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي عَاصِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ " قَالَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ
رَآنِي ، فَإِنِّي أُرَى فِي كُلّ صُورَة " وَفِي سَنَده صَالِح مَوْلَى
التَّوْأَمَة وَهُوَ ضَعِيف لِاخْتِلَاطِهِ ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مَنْ سَمِعَ
مِنْهُ بَعْد الِاخْتِلَاط ، وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنهمَا بِمَا قَالَ الْقَاضِي
أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ :رُؤْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَة إِدْرَاك عَلَى الْحَقِيقَة ، وَرُؤْيَته عَلَى غَيْر
صِفَته إِدْرَاك لِلْمِثَالِ، فَإِنَّ الصَّوَاب أَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا
تُغَيِّرهُمْ الْأَرْض ، وَيَكُون إِدْرَاك الذَّات الْكَرِيمَة حَقِيقَة
وَإِدْرَاك الصِّفَات إِدْرَاك الْمَثَل ، قَالَ وَشَذَّ بَعْض الْقَدَرِيَّة
فَقَالَ : الرُّؤْيَا لَا حَقِيقَة لَهَا أَصْلًا وَشَذَّ بَعْض الصَّالِحِينَ
فَزَعَمَ أَنَّهَا تَقَع بِعَيْنَيْ الرَّأْس حَقِيقَة ، وَقَالَ بَعْض
الْمُتَكَلِّمِينَ : هِيَ مُدْرَكَة بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْب قَالَ وَقَوْله "
فَسَيَرَانِي " مَعْنَاهُ فَسَيَرَى تَفْسِير مَا رَأَى لِأَنَّهُ حَقّ وَغَيْب
أُلْقِيَ فِيهِ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَسَيَرَانِي فِي الْقِيَامَة ، وَلَا فَائِدَة
فِي هَذَا التَّخْصِيص ، وَأَمَّا قَوْله " فَكَأَنَّمَا رَآنِي " فَهُوَ تَشْبِيه
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ فِي الْيَقَظَة لَطَابَقَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَام
فَيَكُون الْأَوَّل حَقًّا وَحَقِيقَة وَالثَّانِي حَقًّا وَتَمْثِيلًا ، قَالَ :
وَهَذَا كُلّه إِذَا رَآهُ عَلَى صُورَته الْمَعْرُوفَة : فَإِنْ رَآهُ عَلَى
خِلَاف صِفَته فَهِيَ أَمْثَال ، فَإِنْ رَآهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَثَلًا فَهُوَ
خَيْر لِلرَّائِي وَفِيهِ وَعَلَى الْعَكْس فَبِالْعَكْسِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ
قَالَ عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فَقَدْ رَآنِي أَوْ
فَقَدْ رَأَى الْحَقّ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى صُورَته فِي حَيَاته كَانَتْ
رُؤْيَاهُ حَقًّا ، وَمَنْ رَآهُ عَلَى غَيْر صُورَته كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيل .
وَتَعَقَّبَهُ فَقَالَ : هَذَا ضَعِيف بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَة
سَوَاء كَانَتْ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة أَوْ غَيْرهَا اِنْتَهَى ، وَلَمْ
يَظْهَر لِي مِنْ كَلَام الْقَاضِي مَا يُنَافِي ذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِر قَوْله
أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَة فِي الْحَالَيْنِ . لَكِنْ فِي الْأُولَى تَكُون
الرُّؤْيَا مِمَّا لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير وَالثَّانِيَة مِمَّا يَحْتَاج
إِلَى التَّعْبِير.[11]
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيث
فَقَالَ قَوْم هُوَ عَلَى ظَاهِره فَمَنْ رَآهُ فِي النَّوْم رَأَى حَقِيقَته
كَمَنْ رَآهُ فِي الْيَقَظَة سَوَاء ، قَالَ وَهَذَا قَوْل يُدْرَك فَسَادُهُ
بِأَوَائِل الْعُقُول ، وَيَلْزَم عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَد إِلَّا عَلَى
صُورَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَأَنْ لَا يَرَاهُ رَائِيَانِ فِي آنٍ وَاحِد فِي
مَكَانَيْنِ وَأَنْ يَحْيَا الْآن وَيَخْرُج مِنْ قَبْره وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق
وَيُخَاطِب النَّاس وَيُخَاطِبُوهُ وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَخْلُو قَبْرُهُ
مِنْ جَسَده فَلَا يَبْقَى مِنْ قَبْره فِيهِ شَيْء فَيُزَار مُجَرَّد الْقَبْر
وَيُسَلَّم عَلَى غَائِب لِأَنَّهُ جَائِز أَنْ يُرَى فِي اللَّيْل وَالنَّهَار
مَعَ اِتِّصَال الْأَوْقَات عَلَى حَقِيقَته فِي غَيْر قَبْره ، وَهَذِهِ جَهَالَات
لَا يَلْتَزِم بِهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَة مِنْ عَقْل وَقَالَتْ طَائِفَة :
مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ رَآهُ عَلَى صُورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ،
وَيَلْزَم مِنْهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى غَيْر صِفَته أَنْ تَكُون رُؤْيَاهُ مِنْ
الْأَضْغَاث ، وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّهُ يُرَى فِي النَّوْم عَلَى حَالَة
تُخَالِف حَالَته فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْوَال اللَّائِقَة بِهِ وَتَقَع تِلْكَ
الرُّؤْيَا حَقًّا كَمَا لَوْ رُئِيَ مَلَأَ دَارًا بِجِسْمِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ
يَدُلّ عَلَى اِمْتِلَاء تِلْكَ الدَّار بِالْخَيْرِ ، وَلَوْ تَمَكَّنَ
الشَّيْطَان مِنْ التَّمْثِيل بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْسَب
إِلَيْهِ لَعَارَضَ عُمُومَ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي "
فَالْأَوْلَى أَنْ تُنَزَّه رُؤْيَاهُ وَكَذَا رُؤْيَا شَيْء مِنْهُ أَوْ مِمَّا
يُنْسَب إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْحُرْمَة وَأَلْيَقُ
بِالْعِصْمَةِ كَمَا عُصِمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي يَقَظَته ، قَالَ : وَالصَّحِيح
فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث أَنَّ مَقْصُوده أَنَّ رُؤْيَته فِي كُلّ حَالَة
لَيْسَتْ بَاطِلَة وَلَا أَضْغَاثًا بَلْ هِيَ حَقّ فِي نَفْسهَا وَلَوْ رُئِيَ
عَلَى غَيْر صُورَته فَتَصَوُّر تِلْكَ الصُّورَة لَيْسَ مِنْ الشَّيْطَان بَلْ
هُوَ مِنْ قِبَل اللَّه وَقَالَ وَهَذَا قَوْل الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب
وَغَيْره ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله " فَقَدْ رَأَى الْحَقّ " أَيْ رَأَى الْحَقّ
الَّذِي قَصَدَ إِعْلَام الرَّائِي بِهِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرهَا وَإِلَّا
سَعَى فِي تَأْوِيلهَا وَلَا يُهْمِل أَمْرهَا لِأَنَّهَا إِمَّا بُشْرَى بِخَيْرٍ
أَوْ إِنْذَار مِنْ شَرّ إِمَّا لِيُخِيفَ الرَّائِي وَإِمَّا لِيَنْزَجِر عَنْهُ
وَإِمَّا لِيُنَبِّه عَلَى حُكْم يَقَع لَهُ فِي دِينه أَوْ دُنْيَاهُ)) . إلى أن
قال :
((وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُرَى فِي
الْمَنَام أَمْثِلَةٌ لِلْمَرْئِيَّاتِ لَا أَنْفُسُهَا ، غَيْر أَنَّ تِلْكَ
الْأَمْثِلَة تَارَة تَقَع مُطَابِقَة وَتَارَة يَقَع مَعْنَاهَا ، فَمِنْ
الْأَوَّل رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة وَفِيهِ " فَإِذَا
هِيَ أَنْتِ " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْيَقَظَة مَا رَآهُ فِي نَوْمه
بِعَيْنِهِ وَمِنْ الثَّانِي رُؤْيَا الْبَقَر الَّتِي تُنْحَر وَالْمَقْصُود
بِالثَّانِي التَّنْبِيه عَلَى مَعَانِي تِلْكَ الْأُمُور ، وَمِنْ فَوَائِد
رُؤْيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْكِين شَوْق الرَّائِي لِكَوْنِهِ
صَادِقًا فِي مَحَبَّته لِيَعْمَل عَلَى مُشَاهَدَته ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة
بِقَوْلِهِ " فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة " أَيْ مَنْ رَآنِي رُؤْيَة مُعَظِّم
لِحُرْمَتِي وَمُشْتَاق إِلَى مُشَاهَدَتِي وَصَلَ إِلَى رُؤْيَة مَحْبُوبه
وَظَفِرَ بِكُلِّ مَطْلُوبه ، قَالَ :وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَقْصُود تِلْكَ
الرُّؤْيَا مَعْنَى صُورَته وَهُوَ دِينه وَشَرِيعَته ، فَيُعَبِّر بِحَسَبِ مَا
يَرَاهُ الرَّائِي مِنْ زِيَادَة وَنُقْصَان أَوْ إِسَاءَة وَإِحْسَان .)) إلى أن
قال :
((وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ "
إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَتَمَثَّل بِي "..... وَقَوْله " لَا
يَسْتَطِيع " يُشِير إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنْ
التَّصَوُّر فِي أَيْ صُورَة أَرَادَ فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ التَّصَوُّر
فِي صُورَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى
هَذَا جَمَاعَة فَقَالُوا فِي الْحَدِيث : إِنَّ مَحَلّ ذَلِكَ إِذَا رَآهُ
الرَّائِي عَلَى صُورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ
الْغَرَض فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ : لَا بُدّ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَته الَّتِي
قُبِضَ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْتَبَر عَدَد الشَّعَرَات الْبِيض الَّتِي لَمْ تَبْلُغ
عِشْرِينَ شَعْرَة ، وَالصَّوَاب التَّعْمِيم فِي جَمِيع حَالَاته بِشَرْطِ أَنْ
تَكُون صُورَته الْحَقِيقِيَّة فِي وَقْت مَا سَوَاء كَانَ فِي شَبَابه أَوْ
رُجُولِيَّته أَوْ كُهُولِيَّتِهِ أَوْ آخِر عُمْره ، وَقَدْ يَكُون لَمَّا خَالَفَ
ذَلِكَ تَعْبِير يَتَعَلَّق بِالرَّائِي قَالَ الْمَازِرِيّ : اِخْتَلَفَ
الْمُحَقِّقُونَ فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن
الطَّيِّب إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ
رَآنِي " أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَا تَكُون أَضْغَاثًا وَلَا مِنْ تَشْبِيهَات
الشَّيْطَان ، قَالَ : وَيُعَضِّدهُ قَوْلُهُ فِي بَعْض طُرُقه " فَقَدْ رَأَى
الْحَقّ " قَالَ وَفِي قَوْله " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي " إِشَارَة
إِلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ لَا تَكُون أَضْغَاثًا . ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيّ : وَقَالَ
آخَرُونَ بَلْ الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى ظَاهِره وَالْمُرَاد أَنَّ مَنْ رَآهُ
فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَا مَانِع يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَقْل يُحِيلهُ حَتَّى
يَحْتَاج إِلَى صَرْف الْكَلَام عَنْ ظَاهِره ، وَأَمَّا كَوْنه قَدْ يُرَى عَلَى
غَيْر صِفَته أَوْ يُرَى فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ
غَلَطٌ فِي صِفَته وَتَخَيُّل لَهَا عَلَى غَيْر مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ
يُظَنُّ بَعْضُ الْخَيَالَات مَرْئِيَّاتٍ لِكَوْنِ مَا يُتَخَيَّل مُرْتَبِطًا
بِمَا يُرَى فِي الْعَادَة فَتَكُون ذَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْئِيَّة وَصِفَاته مُتَخَيَّلَة غَيْر مَرْئِيَّة ، وَالْإِدْرَاك لَا يُشْتَرَط
فِيهِ تَحْدِيق الْبَصَر وَلَا قُرْب الْمَسَافَة وَلَا كَوْن الْمَرْئِيّ ظَاهِرًا
عَلَى الْأَرْض أَوْ مَدْفُونًا ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَط كَوْنه مَوْجُودًا ، وَلَمْ
يَقُمْ دَلِيل عَلَى فَنَاء جِسْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ جَاءَ
فِي الْخَبَر الصَّحِيح مَا يَدُلّ عَلَى بَقَائِهِ وَتَكُون ثَمَرَة اِخْتِلَاف
الصِّفَات اِخْتِلَاف الدَّلَالَات كَمَا قَالَ بَعْض عُلَمَاء التَّعْبِير إِنَّ
مَنْ رَآهُ شَيْخًا فَهُوَ عَام سِلْم أَوْ شَابًّا فَهُوَ عَام حَرْب ، وَيُؤْخَذ
مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّق بِأَقْوَالِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ أَحَد يَأْمُرهُ
بِقَتْلِ مَنْ لَا يَحِلّ قَتْله فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَل عَلَى الصِّفَة
الْمُتَخَيَّلَة لَا الْمَرْئِيَّة . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ
يَكُون مَعْنَى الْحَدِيث إِذَا رَآهُ عَلَى الصِّفَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي
حَيَاته لَا عَلَى صِفَة مُضَادَّة لِحَالِهِ ، فَإِنْ رُئِيَ عَلَى غَيْرهَا
كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيل لَا رُؤْيَا حَقِيقَة ، فَإِنَّ مِنْ الرُّؤْيَا مَا
يُخَرَّج عَلَى وَجْهه وَمِنْهَا مَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل .
وَقَالَ
النَّوَوِيّ : هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيف ، بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ
يَرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَتْ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة أَوْ غَيْرهَا كَمَا
ذَكَرَهُ الْمَازِرِيّ . وَهَذَا الَّذِي رَدَّهُ الشَّيْخ تَقَدَّمَ عَنْ مُحَمَّد
بْن سِيرِينَ إِمَام الْمُعَبِّرِينَ اِعْتِبَارُهُ ، وَالَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي
تَوَسُّط حَسَن ، وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن مَا قَالَهُ الْمَازِرِيّ
بِأَنْ تَكُون رُؤْيَاهُ عَلَى الْحَالَيْنِ حَقِيقَة لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَى
صُورَته كَأَنْ يُرَى فِي الْمَنَام عَلَى ظَاهِره لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير
وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْر صُورَته كَانَ النَّقْص مِنْ جِهَة الرَّائِي
لِتَخَيُّلِهِ الصِّفَة عَلَى غَيْر مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيَحْتَاج مَا يَرَاهُ فِي
ذَلِكَ الْمَنَام إِلَى التَّعْبِير ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عُلَمَاء التَّعْبِير
فَقَالُوا : إِذَا قَالَ الْجَاهِل رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُسْأَل عَنْ صِفَته فَإِنْ وَافَقَ الصِّفَة الْمَرْوِيَّة
وَإِلَّا فَلَا يُقْبَل مِنْهُ ، وَأَشَارُوا إِلَى مَا إِذَا رَآهُ عَلَى هَيْئَة
تُخَالِف هَيْئَته مَعَ أَنَّ الصُّورَة كَمَا هِيَ ، فَقَالَ أَبُو سَعْد أَحْمَدُ
بْن مُحَمَّد بْن نَصْر : مَنْ رَأَى نَبِيًّا عَلَى حَاله وَهَيْئَته فَذَلِكَ
دَلِيل عَلَى صَلَاح الرَّائِي وَكَمَال جَاهه وَظَفَره بِمَنْ عَادَاهُ ، وَمَنْ
رَآهُ مُتَغَيِّر الْحَال عَابِسًا مَثَلًا فَذَاكَ دَالّ عَلَى سُوء حَال
الرَّائِي ، وَنَحَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة إِلَى مَا
اِخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ بَعْد أَنْ حَكَى الْخِلَاف : وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ إِنَّ الشَّيْطَان لَا يُتَصَوَّر عَلَى صُورَته أَصْلًا فَمَنْ رَآهُ فِي
صُورَة حَسَنَة فَذَاكَ حُسْن فِي دِين الرَّائِي وَإِنْ كَانَ فِي جَارِحَة مِنْ
جَوَارِحه شَيْن أَوْ نَقْص فَذَاكَ خَلَل فِي الرَّائِي مِنْ جِهَة الدِّين ،
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْحَقّ ، وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ عَلَى هَذَا
الْأُسْلُوب ، وَبِهِ تَحْصُل الْفَائِدَة الْكُبْرَى فِي رُؤْيَاهُ حَتَّى
يَتَبَيَّن لِلرَّائِي هَلْ عِنْده خَلَل أَوْ لَا ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورَانِيّ مِثْل الْمِرْآة الصَّقِيلَة مَا كَانَ فِي
النَّاظِر إِلَيْهَا مِنْ حُسْن أَوْ غَيْره تُصُوِّرَ فِيهَا وَهِيَ فِي ذَاتهَا
عَلَى أَحْسَنِ حَال لَا نَقْص فِيهَا وَلَا شَيْنَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كَلَامه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْم إِنَّهُ يُعْرَض عَلَى سُنَّته
فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ حَقّ وَمَا خَالَفَهَا فَالْخَلَل فِي سَمْع الرَّائِي ،
فَرُؤْيَا الذَّات الْكَرِيمَة حَقّ وَالْخَلَل إِنَّمَا هُوَ فِي سَمْع الرَّائِي
أَوْ بَصَره ، قَالَ : وَهَذَا خَيْر مَا سَمِعْته فِي ذَلِكَ ... )) إلى أن قال
:
((قُلْت : وَيَظْهَر لِي فِي التَّوْفِيق بَيْن جَمِيع مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ
مَنْ رَآهُ عَلَى صِفَة أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخْتَصّ بِهِ فَقَدْ رَآهُ وَلَوْ
كَانَتْ سَائِر الصِّفَات مُخَالِفَة ، وَعَلَى ذَلِكَ فَتَتَفَاوَت رُؤْيَا مَنْ
رَآهُ فَمَنْ رَآهُ عَلَى هَيْئَته الْكَامِلَة فَرُؤْيَاهُ الْحَقّ الَّذِي لَا
يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير وَعَلَيْهَا يَتَنَزَّل قَوْله " فَقَدْ رَأَى الْحَقّ
وَمَهْمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاته فَيَدْخُل التَّأْوِيل بِحَسَبِ ذَلِكَ ، وَيَصِحُّ
إِطْلَاقُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ
رَآهُ حَقِيقَةً)) اهـ .
وذكر عن الإمام الغزالي قوله :
((قَالَ الْغَزَالِيّ
: لَيْسَ مَعْنَى قَوْله " رَآنِي " أَنَّهُ رَأَى جِسْمِي وَبَدَنِي وَإِنَّمَا
الْمُرَاد أَنَّهُ رَأَى مِثَالًا صَارَ ذَلِكَ الْمِثَال آلَة يَتَأَدَّى بِهَا
الْمَعْنَى الَّذِي فِي نَفْسِي إِلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْله " فَسَيَرَانِي فِي
الْيَقَظَة " لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ يَرَى جِسْمِي وَبَدَنِي ، قَالَ :
وَالْآلَة تَارَة تَكُون حَقِيقَة وَتَارَة تَكُون خَيَالِيَّة ، وَالنَّفْس غَيْر
الْمِثَال الْمُتَخَيَّل ، فَمَا رَآهُ مِنْ الشَّكْل لَيْسَ هُوَ رُوح
الْمُصْطَفَى وَلَا شَخْصه بَلْ هُوَ مِثَال لَهُ عَلَى التَّحْقِيق )) اهـ
.
********************
الثّامن : شيخ الإسلام زكريا
الأنصاري رحمه الله تعالى
نقل المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير
(6/172) فتوى لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى وكان من نص السؤال
:
((وهل يمتنع أن يتسمى إبليس باسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقول
للنائم إنه النبي عليه الصلاة والسلام ويأمره بطاعة ليتوصل بذلك إلى معصية كما
يمتنع عليه التشكل في صورته الشريفة أم لا ، وبه تتميز الرؤية له صلى الله عليه
وآله وسلم الصادقة من الكاذبة ؟ ... وهل المرئي ذاته صلى الله عليه وسلم أو روحه أو
مثل ذلك ؟ )) الخ نص السؤال.
وكان ممّا أجاب به شيخ الإسلام رحمه الله
:
((الرؤية الصادقة هي الخالصة من الأضغاث والأضغاث أنواع : الأول تلاعب الشيطان
ليحزن الرائي كأنه يرى أنه قطع رأسه ، الثاني أن يرى أن بعض الأنبياء يأمره بمحرم
أو محال . الثالث ما تتحدث به النفس في اليقظة تمنيا فيراه كما هو في المنام ،
ورؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك لذاته ورؤيته بغير صفته
إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج إلى تعبير والثانية تحتاج إليه ويحمل على هذا قول
النووي : الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت صفته المعروفة أو غيرها وللعلماء في ذلك
كلام كثير ليس هذا محل ذكره وفيما ذكرته كفاية )) اهـ كلام شيخ الإسلام
.
********************
يتبع
قال المحدّث الإمام سيدنا ومولانا أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني
رحمه الله تعالى في فتح الباري (12/338) عند شرح حديث "مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام
فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة "بعد ذكر قول البخاري"قَالَ ابْنُ سِيرِينَ إِذَا
رَآهُ فِي صُورَتِهِ" وبعد ذكره ما يؤيِّدْ رأي ابن سيرين وهو ما "أَخْرَجَهُ
الْحَاكِم مِنْ طَرِيق عَاصِم بْن كُلَيْب " حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : قُلْت
لِابْنِ عَبَّاس رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام
قَالَ : صِفْهُ لِي ، قَالَ : ذَكَرْت الْحَسَن بْن عَلِيّ فَشَبَّهْته بِهِ ،
قَالَ : قَدْ رَأَيْته " وَسَنَده جَيِّد" قال الحافظ:
((وَيُعَارِضه [10] مَا
أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي عَاصِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ " قَالَ
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ
رَآنِي ، فَإِنِّي أُرَى فِي كُلّ صُورَة " وَفِي سَنَده صَالِح مَوْلَى
التَّوْأَمَة وَهُوَ ضَعِيف لِاخْتِلَاطِهِ ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مَنْ سَمِعَ
مِنْهُ بَعْد الِاخْتِلَاط ، وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنهمَا بِمَا قَالَ الْقَاضِي
أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ :رُؤْيَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِصِفَتِهِ الْمَعْلُومَة إِدْرَاك عَلَى الْحَقِيقَة ، وَرُؤْيَته عَلَى غَيْر
صِفَته إِدْرَاك لِلْمِثَالِ، فَإِنَّ الصَّوَاب أَنَّ الْأَنْبِيَاء لَا
تُغَيِّرهُمْ الْأَرْض ، وَيَكُون إِدْرَاك الذَّات الْكَرِيمَة حَقِيقَة
وَإِدْرَاك الصِّفَات إِدْرَاك الْمَثَل ، قَالَ وَشَذَّ بَعْض الْقَدَرِيَّة
فَقَالَ : الرُّؤْيَا لَا حَقِيقَة لَهَا أَصْلًا وَشَذَّ بَعْض الصَّالِحِينَ
فَزَعَمَ أَنَّهَا تَقَع بِعَيْنَيْ الرَّأْس حَقِيقَة ، وَقَالَ بَعْض
الْمُتَكَلِّمِينَ : هِيَ مُدْرَكَة بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْب قَالَ وَقَوْله "
فَسَيَرَانِي " مَعْنَاهُ فَسَيَرَى تَفْسِير مَا رَأَى لِأَنَّهُ حَقّ وَغَيْب
أُلْقِيَ فِيهِ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَسَيَرَانِي فِي الْقِيَامَة ، وَلَا فَائِدَة
فِي هَذَا التَّخْصِيص ، وَأَمَّا قَوْله " فَكَأَنَّمَا رَآنِي " فَهُوَ تَشْبِيه
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ فِي الْيَقَظَة لَطَابَقَ مَا رَآهُ فِي الْمَنَام
فَيَكُون الْأَوَّل حَقًّا وَحَقِيقَة وَالثَّانِي حَقًّا وَتَمْثِيلًا ، قَالَ :
وَهَذَا كُلّه إِذَا رَآهُ عَلَى صُورَته الْمَعْرُوفَة : فَإِنْ رَآهُ عَلَى
خِلَاف صِفَته فَهِيَ أَمْثَال ، فَإِنْ رَآهُ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَثَلًا فَهُوَ
خَيْر لِلرَّائِي وَفِيهِ وَعَلَى الْعَكْس فَبِالْعَكْسِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ
قَالَ عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِ فَقَدْ رَآنِي أَوْ
فَقَدْ رَأَى الْحَقّ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى صُورَته فِي حَيَاته كَانَتْ
رُؤْيَاهُ حَقًّا ، وَمَنْ رَآهُ عَلَى غَيْر صُورَته كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيل .
وَتَعَقَّبَهُ فَقَالَ : هَذَا ضَعِيف بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَة
سَوَاء كَانَتْ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة أَوْ غَيْرهَا اِنْتَهَى ، وَلَمْ
يَظْهَر لِي مِنْ كَلَام الْقَاضِي مَا يُنَافِي ذَلِكَ ، بَلْ ظَاهِر قَوْله
أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَة فِي الْحَالَيْنِ . لَكِنْ فِي الْأُولَى تَكُون
الرُّؤْيَا مِمَّا لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير وَالثَّانِيَة مِمَّا يَحْتَاج
إِلَى التَّعْبِير.[11]
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيث
فَقَالَ قَوْم هُوَ عَلَى ظَاهِره فَمَنْ رَآهُ فِي النَّوْم رَأَى حَقِيقَته
كَمَنْ رَآهُ فِي الْيَقَظَة سَوَاء ، قَالَ وَهَذَا قَوْل يُدْرَك فَسَادُهُ
بِأَوَائِل الْعُقُول ، وَيَلْزَم عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَد إِلَّا عَلَى
صُورَته الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا وَأَنْ لَا يَرَاهُ رَائِيَانِ فِي آنٍ وَاحِد فِي
مَكَانَيْنِ وَأَنْ يَحْيَا الْآن وَيَخْرُج مِنْ قَبْره وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق
وَيُخَاطِب النَّاس وَيُخَاطِبُوهُ وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَخْلُو قَبْرُهُ
مِنْ جَسَده فَلَا يَبْقَى مِنْ قَبْره فِيهِ شَيْء فَيُزَار مُجَرَّد الْقَبْر
وَيُسَلَّم عَلَى غَائِب لِأَنَّهُ جَائِز أَنْ يُرَى فِي اللَّيْل وَالنَّهَار
مَعَ اِتِّصَال الْأَوْقَات عَلَى حَقِيقَته فِي غَيْر قَبْره ، وَهَذِهِ جَهَالَات
لَا يَلْتَزِم بِهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَة مِنْ عَقْل وَقَالَتْ طَائِفَة :
مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ رَآهُ عَلَى صُورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ،
وَيَلْزَم مِنْهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ عَلَى غَيْر صِفَته أَنْ تَكُون رُؤْيَاهُ مِنْ
الْأَضْغَاث ، وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّهُ يُرَى فِي النَّوْم عَلَى حَالَة
تُخَالِف حَالَته فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَحْوَال اللَّائِقَة بِهِ وَتَقَع تِلْكَ
الرُّؤْيَا حَقًّا كَمَا لَوْ رُئِيَ مَلَأَ دَارًا بِجِسْمِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ
يَدُلّ عَلَى اِمْتِلَاء تِلْكَ الدَّار بِالْخَيْرِ ، وَلَوْ تَمَكَّنَ
الشَّيْطَان مِنْ التَّمْثِيل بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يُنْسَب
إِلَيْهِ لَعَارَضَ عُمُومَ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي "
فَالْأَوْلَى أَنْ تُنَزَّه رُؤْيَاهُ وَكَذَا رُؤْيَا شَيْء مِنْهُ أَوْ مِمَّا
يُنْسَب إِلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْحُرْمَة وَأَلْيَقُ
بِالْعِصْمَةِ كَمَا عُصِمَ مِنْ الشَّيْطَان فِي يَقَظَته ، قَالَ : وَالصَّحِيح
فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث أَنَّ مَقْصُوده أَنَّ رُؤْيَته فِي كُلّ حَالَة
لَيْسَتْ بَاطِلَة وَلَا أَضْغَاثًا بَلْ هِيَ حَقّ فِي نَفْسهَا وَلَوْ رُئِيَ
عَلَى غَيْر صُورَته فَتَصَوُّر تِلْكَ الصُّورَة لَيْسَ مِنْ الشَّيْطَان بَلْ
هُوَ مِنْ قِبَل اللَّه وَقَالَ وَهَذَا قَوْل الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب
وَغَيْره ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله " فَقَدْ رَأَى الْحَقّ " أَيْ رَأَى الْحَقّ
الَّذِي قَصَدَ إِعْلَام الرَّائِي بِهِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَاهِرهَا وَإِلَّا
سَعَى فِي تَأْوِيلهَا وَلَا يُهْمِل أَمْرهَا لِأَنَّهَا إِمَّا بُشْرَى بِخَيْرٍ
أَوْ إِنْذَار مِنْ شَرّ إِمَّا لِيُخِيفَ الرَّائِي وَإِمَّا لِيَنْزَجِر عَنْهُ
وَإِمَّا لِيُنَبِّه عَلَى حُكْم يَقَع لَهُ فِي دِينه أَوْ دُنْيَاهُ)) . إلى أن
قال :
((وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الَّذِي يُرَى فِي
الْمَنَام أَمْثِلَةٌ لِلْمَرْئِيَّاتِ لَا أَنْفُسُهَا ، غَيْر أَنَّ تِلْكَ
الْأَمْثِلَة تَارَة تَقَع مُطَابِقَة وَتَارَة يَقَع مَعْنَاهَا ، فَمِنْ
الْأَوَّل رُؤْيَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَة وَفِيهِ " فَإِذَا
هِيَ أَنْتِ " فَأَخْبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي الْيَقَظَة مَا رَآهُ فِي نَوْمه
بِعَيْنِهِ وَمِنْ الثَّانِي رُؤْيَا الْبَقَر الَّتِي تُنْحَر وَالْمَقْصُود
بِالثَّانِي التَّنْبِيه عَلَى مَعَانِي تِلْكَ الْأُمُور ، وَمِنْ فَوَائِد
رُؤْيَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْكِين شَوْق الرَّائِي لِكَوْنِهِ
صَادِقًا فِي مَحَبَّته لِيَعْمَل عَلَى مُشَاهَدَته ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَة
بِقَوْلِهِ " فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَة " أَيْ مَنْ رَآنِي رُؤْيَة مُعَظِّم
لِحُرْمَتِي وَمُشْتَاق إِلَى مُشَاهَدَتِي وَصَلَ إِلَى رُؤْيَة مَحْبُوبه
وَظَفِرَ بِكُلِّ مَطْلُوبه ، قَالَ :وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَقْصُود تِلْكَ
الرُّؤْيَا مَعْنَى صُورَته وَهُوَ دِينه وَشَرِيعَته ، فَيُعَبِّر بِحَسَبِ مَا
يَرَاهُ الرَّائِي مِنْ زِيَادَة وَنُقْصَان أَوْ إِسَاءَة وَإِحْسَان .)) إلى أن
قال :
((وَفِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ "
إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَتَمَثَّل بِي "..... وَقَوْله " لَا
يَسْتَطِيع " يُشِير إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنْ
التَّصَوُّر فِي أَيْ صُورَة أَرَادَ فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ التَّصَوُّر
فِي صُورَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى
هَذَا جَمَاعَة فَقَالُوا فِي الْحَدِيث : إِنَّ مَحَلّ ذَلِكَ إِذَا رَآهُ
الرَّائِي عَلَى صُورَته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ
الْغَرَض فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ : لَا بُدّ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَته الَّتِي
قُبِضَ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْتَبَر عَدَد الشَّعَرَات الْبِيض الَّتِي لَمْ تَبْلُغ
عِشْرِينَ شَعْرَة ، وَالصَّوَاب التَّعْمِيم فِي جَمِيع حَالَاته بِشَرْطِ أَنْ
تَكُون صُورَته الْحَقِيقِيَّة فِي وَقْت مَا سَوَاء كَانَ فِي شَبَابه أَوْ
رُجُولِيَّته أَوْ كُهُولِيَّتِهِ أَوْ آخِر عُمْره ، وَقَدْ يَكُون لَمَّا خَالَفَ
ذَلِكَ تَعْبِير يَتَعَلَّق بِالرَّائِي قَالَ الْمَازِرِيّ : اِخْتَلَفَ
الْمُحَقِّقُونَ فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن
الطَّيِّب إِلَى أَنَّ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ
رَآنِي " أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَا تَكُون أَضْغَاثًا وَلَا مِنْ تَشْبِيهَات
الشَّيْطَان ، قَالَ : وَيُعَضِّدهُ قَوْلُهُ فِي بَعْض طُرُقه " فَقَدْ رَأَى
الْحَقّ " قَالَ وَفِي قَوْله " فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي " إِشَارَة
إِلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ لَا تَكُون أَضْغَاثًا . ثُمَّ قَالَ الْمَازِرِيّ : وَقَالَ
آخَرُونَ بَلْ الْحَدِيث مَحْمُول عَلَى ظَاهِره وَالْمُرَاد أَنَّ مَنْ رَآهُ
فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَا مَانِع يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ وَلَا عَقْل يُحِيلهُ حَتَّى
يَحْتَاج إِلَى صَرْف الْكَلَام عَنْ ظَاهِره ، وَأَمَّا كَوْنه قَدْ يُرَى عَلَى
غَيْر صِفَته أَوْ يُرَى فِي مَكَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ
غَلَطٌ فِي صِفَته وَتَخَيُّل لَهَا عَلَى غَيْر مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ
يُظَنُّ بَعْضُ الْخَيَالَات مَرْئِيَّاتٍ لِكَوْنِ مَا يُتَخَيَّل مُرْتَبِطًا
بِمَا يُرَى فِي الْعَادَة فَتَكُون ذَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَرْئِيَّة وَصِفَاته مُتَخَيَّلَة غَيْر مَرْئِيَّة ، وَالْإِدْرَاك لَا يُشْتَرَط
فِيهِ تَحْدِيق الْبَصَر وَلَا قُرْب الْمَسَافَة وَلَا كَوْن الْمَرْئِيّ ظَاهِرًا
عَلَى الْأَرْض أَوْ مَدْفُونًا ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَط كَوْنه مَوْجُودًا ، وَلَمْ
يَقُمْ دَلِيل عَلَى فَنَاء جِسْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ جَاءَ
فِي الْخَبَر الصَّحِيح مَا يَدُلّ عَلَى بَقَائِهِ وَتَكُون ثَمَرَة اِخْتِلَاف
الصِّفَات اِخْتِلَاف الدَّلَالَات كَمَا قَالَ بَعْض عُلَمَاء التَّعْبِير إِنَّ
مَنْ رَآهُ شَيْخًا فَهُوَ عَام سِلْم أَوْ شَابًّا فَهُوَ عَام حَرْب ، وَيُؤْخَذ
مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَعَلَّق بِأَقْوَالِهِ كَمَا لَوْ رَآهُ أَحَد يَأْمُرهُ
بِقَتْلِ مَنْ لَا يَحِلّ قَتْله فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَل عَلَى الصِّفَة
الْمُتَخَيَّلَة لَا الْمَرْئِيَّة . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : يَحْتَمِل أَنْ
يَكُون مَعْنَى الْحَدِيث إِذَا رَآهُ عَلَى الصِّفَة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي
حَيَاته لَا عَلَى صِفَة مُضَادَّة لِحَالِهِ ، فَإِنْ رُئِيَ عَلَى غَيْرهَا
كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيل لَا رُؤْيَا حَقِيقَة ، فَإِنَّ مِنْ الرُّؤْيَا مَا
يُخَرَّج عَلَى وَجْهه وَمِنْهَا مَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل .
وَقَالَ
النَّوَوِيّ : هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيف ، بَلْ الصَّحِيح أَنَّهُ
يَرَاهُ حَقِيقَة سَوَاء كَانَتْ عَلَى صِفَته الْمَعْرُوفَة أَوْ غَيْرهَا كَمَا
ذَكَرَهُ الْمَازِرِيّ . وَهَذَا الَّذِي رَدَّهُ الشَّيْخ تَقَدَّمَ عَنْ مُحَمَّد
بْن سِيرِينَ إِمَام الْمُعَبِّرِينَ اِعْتِبَارُهُ ، وَالَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي
تَوَسُّط حَسَن ، وَيُمْكِن الْجَمْع بَيْنه وَبَيْن مَا قَالَهُ الْمَازِرِيّ
بِأَنْ تَكُون رُؤْيَاهُ عَلَى الْحَالَيْنِ حَقِيقَة لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَى
صُورَته كَأَنْ يُرَى فِي الْمَنَام عَلَى ظَاهِره لَا يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير
وَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْر صُورَته كَانَ النَّقْص مِنْ جِهَة الرَّائِي
لِتَخَيُّلِهِ الصِّفَة عَلَى غَيْر مَا هِيَ عَلَيْهِ وَيَحْتَاج مَا يَرَاهُ فِي
ذَلِكَ الْمَنَام إِلَى التَّعْبِير ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عُلَمَاء التَّعْبِير
فَقَالُوا : إِذَا قَالَ الْجَاهِل رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُسْأَل عَنْ صِفَته فَإِنْ وَافَقَ الصِّفَة الْمَرْوِيَّة
وَإِلَّا فَلَا يُقْبَل مِنْهُ ، وَأَشَارُوا إِلَى مَا إِذَا رَآهُ عَلَى هَيْئَة
تُخَالِف هَيْئَته مَعَ أَنَّ الصُّورَة كَمَا هِيَ ، فَقَالَ أَبُو سَعْد أَحْمَدُ
بْن مُحَمَّد بْن نَصْر : مَنْ رَأَى نَبِيًّا عَلَى حَاله وَهَيْئَته فَذَلِكَ
دَلِيل عَلَى صَلَاح الرَّائِي وَكَمَال جَاهه وَظَفَره بِمَنْ عَادَاهُ ، وَمَنْ
رَآهُ مُتَغَيِّر الْحَال عَابِسًا مَثَلًا فَذَاكَ دَالّ عَلَى سُوء حَال
الرَّائِي ، وَنَحَا الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بْن أَبِي جَمْرَة إِلَى مَا
اِخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ بَعْد أَنْ حَكَى الْخِلَاف : وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ إِنَّ الشَّيْطَان لَا يُتَصَوَّر عَلَى صُورَته أَصْلًا فَمَنْ رَآهُ فِي
صُورَة حَسَنَة فَذَاكَ حُسْن فِي دِين الرَّائِي وَإِنْ كَانَ فِي جَارِحَة مِنْ
جَوَارِحه شَيْن أَوْ نَقْص فَذَاكَ خَلَل فِي الرَّائِي مِنْ جِهَة الدِّين ،
قَالَ : وَهَذَا هُوَ الْحَقّ ، وَقَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ فَوُجِدَ عَلَى هَذَا
الْأُسْلُوب ، وَبِهِ تَحْصُل الْفَائِدَة الْكُبْرَى فِي رُؤْيَاهُ حَتَّى
يَتَبَيَّن لِلرَّائِي هَلْ عِنْده خَلَل أَوْ لَا ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورَانِيّ مِثْل الْمِرْآة الصَّقِيلَة مَا كَانَ فِي
النَّاظِر إِلَيْهَا مِنْ حُسْن أَوْ غَيْره تُصُوِّرَ فِيهَا وَهِيَ فِي ذَاتهَا
عَلَى أَحْسَنِ حَال لَا نَقْص فِيهَا وَلَا شَيْنَ ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي كَلَامه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْم إِنَّهُ يُعْرَض عَلَى سُنَّته
فَمَا وَافَقَهَا فَهُوَ حَقّ وَمَا خَالَفَهَا فَالْخَلَل فِي سَمْع الرَّائِي ،
فَرُؤْيَا الذَّات الْكَرِيمَة حَقّ وَالْخَلَل إِنَّمَا هُوَ فِي سَمْع الرَّائِي
أَوْ بَصَره ، قَالَ : وَهَذَا خَيْر مَا سَمِعْته فِي ذَلِكَ ... )) إلى أن قال
:
((قُلْت : وَيَظْهَر لِي فِي التَّوْفِيق بَيْن جَمِيع مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ
مَنْ رَآهُ عَلَى صِفَة أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَخْتَصّ بِهِ فَقَدْ رَآهُ وَلَوْ
كَانَتْ سَائِر الصِّفَات مُخَالِفَة ، وَعَلَى ذَلِكَ فَتَتَفَاوَت رُؤْيَا مَنْ
رَآهُ فَمَنْ رَآهُ عَلَى هَيْئَته الْكَامِلَة فَرُؤْيَاهُ الْحَقّ الَّذِي لَا
يَحْتَاج إِلَى تَعْبِير وَعَلَيْهَا يَتَنَزَّل قَوْله " فَقَدْ رَأَى الْحَقّ
وَمَهْمَا نَقَصَ مِنْ صِفَاته فَيَدْخُل التَّأْوِيل بِحَسَبِ ذَلِكَ ، وَيَصِحُّ
إِطْلَاقُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَآهُ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ
رَآهُ حَقِيقَةً)) اهـ .
وذكر عن الإمام الغزالي قوله :
((قَالَ الْغَزَالِيّ
: لَيْسَ مَعْنَى قَوْله " رَآنِي " أَنَّهُ رَأَى جِسْمِي وَبَدَنِي وَإِنَّمَا
الْمُرَاد أَنَّهُ رَأَى مِثَالًا صَارَ ذَلِكَ الْمِثَال آلَة يَتَأَدَّى بِهَا
الْمَعْنَى الَّذِي فِي نَفْسِي إِلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ قَوْله " فَسَيَرَانِي فِي
الْيَقَظَة " لَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ يَرَى جِسْمِي وَبَدَنِي ، قَالَ :
وَالْآلَة تَارَة تَكُون حَقِيقَة وَتَارَة تَكُون خَيَالِيَّة ، وَالنَّفْس غَيْر
الْمِثَال الْمُتَخَيَّل ، فَمَا رَآهُ مِنْ الشَّكْل لَيْسَ هُوَ رُوح
الْمُصْطَفَى وَلَا شَخْصه بَلْ هُوَ مِثَال لَهُ عَلَى التَّحْقِيق )) اهـ
.
********************
الثّامن : شيخ الإسلام زكريا
الأنصاري رحمه الله تعالى
نقل المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير
(6/172) فتوى لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى وكان من نص السؤال
:
((وهل يمتنع أن يتسمى إبليس باسم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقول
للنائم إنه النبي عليه الصلاة والسلام ويأمره بطاعة ليتوصل بذلك إلى معصية كما
يمتنع عليه التشكل في صورته الشريفة أم لا ، وبه تتميز الرؤية له صلى الله عليه
وآله وسلم الصادقة من الكاذبة ؟ ... وهل المرئي ذاته صلى الله عليه وسلم أو روحه أو
مثل ذلك ؟ )) الخ نص السؤال.
وكان ممّا أجاب به شيخ الإسلام رحمه الله
:
((الرؤية الصادقة هي الخالصة من الأضغاث والأضغاث أنواع : الأول تلاعب الشيطان
ليحزن الرائي كأنه يرى أنه قطع رأسه ، الثاني أن يرى أن بعض الأنبياء يأمره بمحرم
أو محال . الثالث ما تتحدث به النفس في اليقظة تمنيا فيراه كما هو في المنام ،
ورؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك لذاته ورؤيته بغير صفته
إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج إلى تعبير والثانية تحتاج إليه ويحمل على هذا قول
النووي : الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت صفته المعروفة أو غيرها وللعلماء في ذلك
كلام كثير ليس هذا محل ذكره وفيما ذكرته كفاية )) اهـ كلام شيخ الإسلام
.
********************
يتبع
عدل سابقا من قبل إسماعيل في الخميس 7 مايو - 12:06 عدل 1 مرات
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
التّاسع : الفقيه الإمام ابن حجر
الهيتمي رحمه الله تعالى
قال الفقيه الإمام أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي
رحمه الله تعالى في شرح الشمائل عند قوله r«من رآني في المنام فقد رآني فإنَّ
الشّيطان لا يتمثّل بي » :
((وفي رواية لمسلم : إنَّه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل
بصورتي . وفي رواية للبخاري : فإن الشيطان لا يتكونني . وفي أخرى له : لا يتراءى بي
. أي لا يستطيع أن يتمثّل بي .
لأن الله تعالى وإن مكّنه من التّصور بأي صورة
أراد لم يمكنه أن يتصور بصورته r قال جماعة : محل هذا إذا رآه r في صورته التي كان
عليها وبالغ بعضهم فقال في صورته التي قبض عليها ومن هؤلاء ابن سيرين رحمه الله
تعالى فإنه صح عنه أنَّه كان إذا قصت عليه رؤياه قال للرائي صف لي الذي رأيته فإن
وصف له صفة لم يعرفها قال لم تره ويؤيده حديث عاصم بن كليب ولفظه عند الحاكم بسند
جيد قلت لابن عباس رضي الله عنهما رأيت النبي r في المنام فقال صفه لي فقال فذكرت
الحسن بن علي فشبهه به فقال قد رأيته ولا يعارضه خبر من رآني في المنام فقد رآني
فإنني أرى في كل صورة لأنه ضعيف .
وقال آخرون : لا يشترط ذلك . منهم ابن العربي
رضي الله تعالى عنه فقال ما حاصله رؤيته عليه السلام بصفته المعلومة إدراك للحقيقة
وبغيرها إدراك للمثال فإن الصواب أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تغيرهم
الأرض فإدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثال، ومعنى قوله فسيراني
تفسير من رآني لأنه حق وغيب.
وقوله فكأنما رآني أي أنَّه لو رآني يقظة لطابق ما
رآه نومًا فيكون الأول حقًّا وحقيقة والثاني حقًّا وتمثيلاً هذا إن رآه بصفته
المعروفة وإلاَّ فهو مثال فإن رآه مقبلاً عليه مثلاً فهو خير للرائي وعكسه بعكسه
.
ومنهم القاضي عياض رحمه الله تعالى حيث قال : قوله فقد رآني أو فقد رأى الحق
يحتمل أنَّ المراد به إنَّ من يراه بصورته المعروفة في حياته كانت رؤياه حقًّا ومن
رآه بغير صورته كانت رؤيا تأويل. وتعقبه النووي رحمه الله تعالى فقال : هذا ضعيف بل
الصحيح إنّه يراه حقيقةً سواء كان صفته المعروفة أو غيرها .
وأجاب عنه بعض
الحفاظ[12] بأن كلام القاضي عياض لا ينافي ذلك بل ظاهر كلامه أنه رآه حقيقة في
الحالين لكن في الأول لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير وفي الثانية تحتاج
إليه.
ومنهم الباقلاني وغيره فإنهم ألزموا الأولين بأن من رآه بغير صفته تكون
رؤياه أضغاثًا وهو باطل إذ من المعلوم أنَّه يرى يومًا على حالته اللائقة به
محافظةً لحالته في الدنيا ولو تمكن الشيطان من التمثل بشيء مما كان عليه أو ينسب
إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي فالأولى تنزيه رؤياه ورؤيا شيء ينسب
إليه عن ذلك فإنه أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عُصِمَ من الشيطان في اليقظة
.
فالصحيح أنّ رؤيته في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثًا بل هي حق في نفسها وإن
رئي بغير صفته إذ تصور تلك الصور من قبل الله تعالى فعلم أنَّ الصحيح بل الصواب كما
قاله بعضهم إنَّ رؤياه حق على أي حالة فرضت ثم إن كان بصورته الحقيقية في وقت ما
سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهولته أو آخر عمره لم يحتج إلى تأويل وإلاَّ
احتاجت لتعبير يتعلّق بالرائي .
ومن ثم قال بعض علماء التعبير : من رآه شيخًا
فهو غاية سلم ومن رآه شابًا فهو غاية حرب ومن رآه متبسّمًا فهو متمسّك بسنّته .
وقال بعضهم : من رآه على هيئته وحاله كان دليلاً على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره
بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسًا كان دليلاً على سوء حال الرائي .
قال ابن
أبي جمرة: رؤياه في صورة حسنة حسن في دين الرائي ومع شين أو نقص في بعض بدنه خلل في
دين الرائي لأنه كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها ما قابلها وإن كانت ذاتها على أحسن حال
وأكمله وهذه هي الفائدة الكبرى في رؤيته r إذ بها يعرف حال الرائي .
وقال غيره
أحوال الرائي بالنسبة إليه مختلفة إذ هي رؤيا بصيرة لا عين ورؤيا البصيرة لا تستدعي
حصر المرء بل يُرى شرقًا وغربًا وأرضًا وسماء كما ترى الصورة في مرآة إذا قابلتها
وليس جرمها متنقّلاً كجرم المرآة فاختلاف رؤيته كأن يراه إنسان شيخًا وآخر شابًا في
حالة واحدة كاختلاف الصورة الواحدة في مرائي مختلفة الأشكال والمقادير فتكبر وتصغر
وتعوج وتطول في الكبيرة والصغيرة والمعوجة والطويلة وبهذا علم جواز رؤية جماعة له r
في آن واحد من أقطار متباعدة وأوصاف مختلفة . وأجاب عن هذا أيضًا البدر الزركشي
بأنه r سراج ونور والشمس في هذا العالم مثال نوره في العوالم كلها فكما أنّ الشمس
يراها كل من في المشرق والمغرب في ساعة واحدة بصفات مختلفة كذلك هو r . )) اهـ كلام
ابن حجر من شرح الشمائل وله كلام في الفتاوى الحديثية وشرح همزية الإمام البوصيري
عند قوله:
ليته خصّني برؤية وجه زال عن كل من رآه
الشقاء
********************
العاشر : الشيخ الملاّ علي
القاري الحنفي رحمه الله تعالى
قال الشيخ الملاّ علي القاري الحنفي رحمه
الله تعالى في شرح الشمائل عند قوله r«مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ رَآنِي
فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي » :
((اعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى كما
حفظ نبيّه r حال اليقظة من تمكن الشيطان منه وإيصال الوسوسة فكذلك حفظه الله بعد
خروجه من دار التكليف فإنه لا يقدر أن يتمثل بصورته وأن يتخيل للرائي بما ليس هو
فرؤية الشخص في المنام إياه r بمنزلة رؤيته في اليقظة في أنّها رؤية حقيقية لا رؤية
شخص آخر لأن الشيطان لا يقدر أن يتمثّل بصورته r ويتشكّل بها ولا أن يتشكل بصورة
نفسه ويتخيل إلى الرائي أنَّها صورته r فلا احتياج لمن رأى النبي r في المنام بأي
صورة كانت أن يعبر هذا ويظن أنَّه شيء آخر وإن رآه بغير صورته في حياته r على ما
ذكره مَيْرَك فإن قيل قد رأى النبي r خلق كثير في حالة واحدة على وجوه مختلفة قلنا
هذه الاختلافات ترجع إلى اختلاف حال الرائين لا إلى المرئي كما في المرآة فمن رآه
متبسِّمًا مثلاً يدل على أنَّه يستن بسنّته r ورؤيته غضبان على خلاف ذلك ومن رآه
ناقصًا يدل على نقصان اتّباعه سنته فإن الناظر يرى الطائر الأبيض مثلاً من وراء
الزجاج الأخضر ذا خضرة[13] وقس على هذا قاله صاحب الأزهار وهو في غاية التحقيق
ونهاية التدقيق، إلاَّ أنّه قد ترجع إلى محل المرأى كما روي أنَّه r رُئِيَ في قطعة
من مسجد كأنه ميت فعبّره بعض العارفين بأن دخول تلك البقعة في المسجد ليس على طريق
السّنّة ففتّش عنها فوجدت إنَّها كانت مغصوبة))
اهـ.
********************
الحادي عشر : الإمام المناوي رحمه
الله تعالى
قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير شرح الجامع
الصغير (6/169) :
(("من رآني في المنام".. أي رآني بصفتي التي أنا عليها وهكذا
بغيرها على ما يأتي إيضاحه"فقد رآني"أي فليبشر بأنه رآني حقيقة أي حقيقتي كما هي ،
فلم يتحد الشرط والجزاء ، وهو في معنى الإخبار أي من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست
بأضغاث أحلامية ولا تخيلات شيطانية )) إلى أن قال :
((وظاهر الحديث أن رؤياه
صحيحة وإن كان على غير صفته المعروفة وبه صرح النووي مضعفا لتقييد الحكيم الترمذي
وعياض[14] وغيرهما بما إذا رآه على صورته المعروفة في حياته وتبعه عليه بعض
المحققين ثم قال : فإن قيل : كيف يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة
واحدة في مكانين والبدن الواحد لا يكون إلا في مكان واحد ؟ قلنا : التغيير في صفاته
لا في ذاته فتكون ذاته حيث شاء الله وصفاته متخيلة في الأذهان والإدراك لا يشترط
فيه تحقق الإبصار ولا قرب المسافة ولا كون المتخيل ظاهرا على الأرض حيا حياة دنيوية
وإنما الشرط كونه موجودا .اه .
وما ذكر ملخص من كلام القرطبي حيث قال : اختلف
في معنى الحديث فقال قوم من القاصرين هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كما
يرى في اليقظة وهو قول يدرك فساده ببادئ العقل إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على
صورته التي مات عليها وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين وأن يحيى الآن ويخرج
من قبره ويخاطب الناس ويخلو قبره عنه فيزار غير جثته ويسلم على غائب لأنه يرى ليلا
ونهارا على اتصال الأوقات وهذه جهالات لا يتفوه بالتزامها من له أدنى مسكة من عقل
وملتزم ذلك مختل مخبول .
وقال قوم من رآه بصفته فرؤياه حق أو بغيرها فأضغاث
أحلام ومعلوم أنه قد يرى على حالة مخالفة ومع ذلك تكون تلك الرؤيا حقا كما لو رؤي
قد ملأ بلدا أو دارا بجسمه فإنه يدل على امتلاء تلك البلدة بالحق والشرع وتلك الدار
بالبركة وكثيرا ما وقع ذلك.
قال :والصحيح أن رؤيته على أي حال كان غير باطلة ولا
من الأضغاث بل حق في نفسها وتصوير تلك الصورة وتمثيل ذلك المثال ليس من الشيطان بل
مثل الله ذلك للرائي بشرى فينبسط للخير أو إنذار فيزجر عن الشر أو تنبيه على خير
يحصل وقد ذكرنا أن المرئي في المنام أمثلة المرئيات لا أنفسها غير أن تلك الأمثلة
تارة تطابق حقيقة المرئي وتارة لا وأن المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدرك
في النوم ، وقد لا ، فإذا لم تظهر في اليقظة كذلك فالمقصود بتلك الصورة معناها لا
عينها ، ولذا خالف المثال صورة المرئي بزيادة أو نقص أو تغير لون أو زيادة عضو أو
بعضه فكله تنبيه على معاني تلك الأمور. اه .
وحاصل كلامه أن رؤيته بصفته إدراك
لذاته وبغيرها إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج لتعبير والثانية تحتاجه ولسلفنا
الصوفية ما يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ حيث قالوا : هنا ميزان يجب التنبيه له
وهو أن الرؤية الصحيحة أن يرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح فإن رآه بغيرها كطويل
أو قصير أو شيخ أو شديد السمرة لم يكن رآه وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم غير حجة بل ذلك المرئي صورة الشرع بالنسبة لاعتقاد الرائي
أو خياله أو صفته أو حكم من أحكام الإسلام أو بالنسبة للمحل الذي رأى فيه تلك
الصورة .)) اهـ كلامه .
وقال أيضًا في (6/171):
(( "من رآني"يعني في
النوم"فقد رأى الحق"أي الرؤيا الصحيحة الصادقة وهي التي يريها الملك الموكل ، يضرب
أمثال الرؤية بطريق الحكمة لبشارة أو نذارة أو معاتبة ليكون على بصيرة من أمره
وتوفيق من ربه ... قال ابن أبي جمرة : الشيطان لا يتصور بصورته أصلا فمن رآه في
صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذلك خلل
في دين الرائي قال : هذا هو الحق وقد جرب فوجد كذلك وبه تحصل الفائدة الكبرى في
رؤياه حتى يظهر الرائي هل عنده خلل أم لا ؟ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم نوراني
كالمرآة الصقيلة فما كان في الناظر فيها من حسن أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها
حسنة لنقص ولا شين فيها وكذا يقال في كلامه في النوم فما وافق سنته فهو حق وما لم
يوافقها فخلل في سمع الرائي . قال : ويؤخذ من قوله فإن الشيطان إلخ أن من تمثلت
صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره
أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل هو أصدق من مرأى غيرهم لتنوير قلوبهم )) اهـ.
وقال
أيضًا (6/172) :
(( "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" ... قال الحجة[15] :
وليس المراد أنه يرى بدنه بل مثالا له صار آلة يتأدى بها المعنى والآلة تكون حقيقية
وخيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من التشكل ليس روح النبي صلى الله عليه
وسلم ولا شخصه بل مثاله اه )) اهـ[16] .
يتبع
الهيتمي رحمه الله تعالى
قال الفقيه الإمام أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي
رحمه الله تعالى في شرح الشمائل عند قوله r«من رآني في المنام فقد رآني فإنَّ
الشّيطان لا يتمثّل بي » :
((وفي رواية لمسلم : إنَّه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل
بصورتي . وفي رواية للبخاري : فإن الشيطان لا يتكونني . وفي أخرى له : لا يتراءى بي
. أي لا يستطيع أن يتمثّل بي .
لأن الله تعالى وإن مكّنه من التّصور بأي صورة
أراد لم يمكنه أن يتصور بصورته r قال جماعة : محل هذا إذا رآه r في صورته التي كان
عليها وبالغ بعضهم فقال في صورته التي قبض عليها ومن هؤلاء ابن سيرين رحمه الله
تعالى فإنه صح عنه أنَّه كان إذا قصت عليه رؤياه قال للرائي صف لي الذي رأيته فإن
وصف له صفة لم يعرفها قال لم تره ويؤيده حديث عاصم بن كليب ولفظه عند الحاكم بسند
جيد قلت لابن عباس رضي الله عنهما رأيت النبي r في المنام فقال صفه لي فقال فذكرت
الحسن بن علي فشبهه به فقال قد رأيته ولا يعارضه خبر من رآني في المنام فقد رآني
فإنني أرى في كل صورة لأنه ضعيف .
وقال آخرون : لا يشترط ذلك . منهم ابن العربي
رضي الله تعالى عنه فقال ما حاصله رؤيته عليه السلام بصفته المعلومة إدراك للحقيقة
وبغيرها إدراك للمثال فإن الصواب أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تغيرهم
الأرض فإدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثال، ومعنى قوله فسيراني
تفسير من رآني لأنه حق وغيب.
وقوله فكأنما رآني أي أنَّه لو رآني يقظة لطابق ما
رآه نومًا فيكون الأول حقًّا وحقيقة والثاني حقًّا وتمثيلاً هذا إن رآه بصفته
المعروفة وإلاَّ فهو مثال فإن رآه مقبلاً عليه مثلاً فهو خير للرائي وعكسه بعكسه
.
ومنهم القاضي عياض رحمه الله تعالى حيث قال : قوله فقد رآني أو فقد رأى الحق
يحتمل أنَّ المراد به إنَّ من يراه بصورته المعروفة في حياته كانت رؤياه حقًّا ومن
رآه بغير صورته كانت رؤيا تأويل. وتعقبه النووي رحمه الله تعالى فقال : هذا ضعيف بل
الصحيح إنّه يراه حقيقةً سواء كان صفته المعروفة أو غيرها .
وأجاب عنه بعض
الحفاظ[12] بأن كلام القاضي عياض لا ينافي ذلك بل ظاهر كلامه أنه رآه حقيقة في
الحالين لكن في الأول لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير وفي الثانية تحتاج
إليه.
ومنهم الباقلاني وغيره فإنهم ألزموا الأولين بأن من رآه بغير صفته تكون
رؤياه أضغاثًا وهو باطل إذ من المعلوم أنَّه يرى يومًا على حالته اللائقة به
محافظةً لحالته في الدنيا ولو تمكن الشيطان من التمثل بشيء مما كان عليه أو ينسب
إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي فالأولى تنزيه رؤياه ورؤيا شيء ينسب
إليه عن ذلك فإنه أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عُصِمَ من الشيطان في اليقظة
.
فالصحيح أنّ رؤيته في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثًا بل هي حق في نفسها وإن
رئي بغير صفته إذ تصور تلك الصور من قبل الله تعالى فعلم أنَّ الصحيح بل الصواب كما
قاله بعضهم إنَّ رؤياه حق على أي حالة فرضت ثم إن كان بصورته الحقيقية في وقت ما
سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهولته أو آخر عمره لم يحتج إلى تأويل وإلاَّ
احتاجت لتعبير يتعلّق بالرائي .
ومن ثم قال بعض علماء التعبير : من رآه شيخًا
فهو غاية سلم ومن رآه شابًا فهو غاية حرب ومن رآه متبسّمًا فهو متمسّك بسنّته .
وقال بعضهم : من رآه على هيئته وحاله كان دليلاً على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره
بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابسًا كان دليلاً على سوء حال الرائي .
قال ابن
أبي جمرة: رؤياه في صورة حسنة حسن في دين الرائي ومع شين أو نقص في بعض بدنه خلل في
دين الرائي لأنه كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها ما قابلها وإن كانت ذاتها على أحسن حال
وأكمله وهذه هي الفائدة الكبرى في رؤيته r إذ بها يعرف حال الرائي .
وقال غيره
أحوال الرائي بالنسبة إليه مختلفة إذ هي رؤيا بصيرة لا عين ورؤيا البصيرة لا تستدعي
حصر المرء بل يُرى شرقًا وغربًا وأرضًا وسماء كما ترى الصورة في مرآة إذا قابلتها
وليس جرمها متنقّلاً كجرم المرآة فاختلاف رؤيته كأن يراه إنسان شيخًا وآخر شابًا في
حالة واحدة كاختلاف الصورة الواحدة في مرائي مختلفة الأشكال والمقادير فتكبر وتصغر
وتعوج وتطول في الكبيرة والصغيرة والمعوجة والطويلة وبهذا علم جواز رؤية جماعة له r
في آن واحد من أقطار متباعدة وأوصاف مختلفة . وأجاب عن هذا أيضًا البدر الزركشي
بأنه r سراج ونور والشمس في هذا العالم مثال نوره في العوالم كلها فكما أنّ الشمس
يراها كل من في المشرق والمغرب في ساعة واحدة بصفات مختلفة كذلك هو r . )) اهـ كلام
ابن حجر من شرح الشمائل وله كلام في الفتاوى الحديثية وشرح همزية الإمام البوصيري
عند قوله:
ليته خصّني برؤية وجه زال عن كل من رآه
الشقاء
********************
العاشر : الشيخ الملاّ علي
القاري الحنفي رحمه الله تعالى
قال الشيخ الملاّ علي القاري الحنفي رحمه
الله تعالى في شرح الشمائل عند قوله r«مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَام فَقَدْ رَآنِي
فَإِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَمَثَّل بِي » :
((اعلم أنَّ الله سبحانه وتعالى كما
حفظ نبيّه r حال اليقظة من تمكن الشيطان منه وإيصال الوسوسة فكذلك حفظه الله بعد
خروجه من دار التكليف فإنه لا يقدر أن يتمثل بصورته وأن يتخيل للرائي بما ليس هو
فرؤية الشخص في المنام إياه r بمنزلة رؤيته في اليقظة في أنّها رؤية حقيقية لا رؤية
شخص آخر لأن الشيطان لا يقدر أن يتمثّل بصورته r ويتشكّل بها ولا أن يتشكل بصورة
نفسه ويتخيل إلى الرائي أنَّها صورته r فلا احتياج لمن رأى النبي r في المنام بأي
صورة كانت أن يعبر هذا ويظن أنَّه شيء آخر وإن رآه بغير صورته في حياته r على ما
ذكره مَيْرَك فإن قيل قد رأى النبي r خلق كثير في حالة واحدة على وجوه مختلفة قلنا
هذه الاختلافات ترجع إلى اختلاف حال الرائين لا إلى المرئي كما في المرآة فمن رآه
متبسِّمًا مثلاً يدل على أنَّه يستن بسنّته r ورؤيته غضبان على خلاف ذلك ومن رآه
ناقصًا يدل على نقصان اتّباعه سنته فإن الناظر يرى الطائر الأبيض مثلاً من وراء
الزجاج الأخضر ذا خضرة[13] وقس على هذا قاله صاحب الأزهار وهو في غاية التحقيق
ونهاية التدقيق، إلاَّ أنّه قد ترجع إلى محل المرأى كما روي أنَّه r رُئِيَ في قطعة
من مسجد كأنه ميت فعبّره بعض العارفين بأن دخول تلك البقعة في المسجد ليس على طريق
السّنّة ففتّش عنها فوجدت إنَّها كانت مغصوبة))
اهـ.
********************
الحادي عشر : الإمام المناوي رحمه
الله تعالى
قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير شرح الجامع
الصغير (6/169) :
(("من رآني في المنام".. أي رآني بصفتي التي أنا عليها وهكذا
بغيرها على ما يأتي إيضاحه"فقد رآني"أي فليبشر بأنه رآني حقيقة أي حقيقتي كما هي ،
فلم يتحد الشرط والجزاء ، وهو في معنى الإخبار أي من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست
بأضغاث أحلامية ولا تخيلات شيطانية )) إلى أن قال :
((وظاهر الحديث أن رؤياه
صحيحة وإن كان على غير صفته المعروفة وبه صرح النووي مضعفا لتقييد الحكيم الترمذي
وعياض[14] وغيرهما بما إذا رآه على صورته المعروفة في حياته وتبعه عليه بعض
المحققين ثم قال : فإن قيل : كيف يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة
واحدة في مكانين والبدن الواحد لا يكون إلا في مكان واحد ؟ قلنا : التغيير في صفاته
لا في ذاته فتكون ذاته حيث شاء الله وصفاته متخيلة في الأذهان والإدراك لا يشترط
فيه تحقق الإبصار ولا قرب المسافة ولا كون المتخيل ظاهرا على الأرض حيا حياة دنيوية
وإنما الشرط كونه موجودا .اه .
وما ذكر ملخص من كلام القرطبي حيث قال : اختلف
في معنى الحديث فقال قوم من القاصرين هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كما
يرى في اليقظة وهو قول يدرك فساده ببادئ العقل إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على
صورته التي مات عليها وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين وأن يحيى الآن ويخرج
من قبره ويخاطب الناس ويخلو قبره عنه فيزار غير جثته ويسلم على غائب لأنه يرى ليلا
ونهارا على اتصال الأوقات وهذه جهالات لا يتفوه بالتزامها من له أدنى مسكة من عقل
وملتزم ذلك مختل مخبول .
وقال قوم من رآه بصفته فرؤياه حق أو بغيرها فأضغاث
أحلام ومعلوم أنه قد يرى على حالة مخالفة ومع ذلك تكون تلك الرؤيا حقا كما لو رؤي
قد ملأ بلدا أو دارا بجسمه فإنه يدل على امتلاء تلك البلدة بالحق والشرع وتلك الدار
بالبركة وكثيرا ما وقع ذلك.
قال :والصحيح أن رؤيته على أي حال كان غير باطلة ولا
من الأضغاث بل حق في نفسها وتصوير تلك الصورة وتمثيل ذلك المثال ليس من الشيطان بل
مثل الله ذلك للرائي بشرى فينبسط للخير أو إنذار فيزجر عن الشر أو تنبيه على خير
يحصل وقد ذكرنا أن المرئي في المنام أمثلة المرئيات لا أنفسها غير أن تلك الأمثلة
تارة تطابق حقيقة المرئي وتارة لا وأن المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدرك
في النوم ، وقد لا ، فإذا لم تظهر في اليقظة كذلك فالمقصود بتلك الصورة معناها لا
عينها ، ولذا خالف المثال صورة المرئي بزيادة أو نقص أو تغير لون أو زيادة عضو أو
بعضه فكله تنبيه على معاني تلك الأمور. اه .
وحاصل كلامه أن رؤيته بصفته إدراك
لذاته وبغيرها إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج لتعبير والثانية تحتاجه ولسلفنا
الصوفية ما يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ حيث قالوا : هنا ميزان يجب التنبيه له
وهو أن الرؤية الصحيحة أن يرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح فإن رآه بغيرها كطويل
أو قصير أو شيخ أو شديد السمرة لم يكن رآه وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم غير حجة بل ذلك المرئي صورة الشرع بالنسبة لاعتقاد الرائي
أو خياله أو صفته أو حكم من أحكام الإسلام أو بالنسبة للمحل الذي رأى فيه تلك
الصورة .)) اهـ كلامه .
وقال أيضًا في (6/171):
(( "من رآني"يعني في
النوم"فقد رأى الحق"أي الرؤيا الصحيحة الصادقة وهي التي يريها الملك الموكل ، يضرب
أمثال الرؤية بطريق الحكمة لبشارة أو نذارة أو معاتبة ليكون على بصيرة من أمره
وتوفيق من ربه ... قال ابن أبي جمرة : الشيطان لا يتصور بصورته أصلا فمن رآه في
صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذلك خلل
في دين الرائي قال : هذا هو الحق وقد جرب فوجد كذلك وبه تحصل الفائدة الكبرى في
رؤياه حتى يظهر الرائي هل عنده خلل أم لا ؟ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم نوراني
كالمرآة الصقيلة فما كان في الناظر فيها من حسن أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها
حسنة لنقص ولا شين فيها وكذا يقال في كلامه في النوم فما وافق سنته فهو حق وما لم
يوافقها فخلل في سمع الرائي . قال : ويؤخذ من قوله فإن الشيطان إلخ أن من تمثلت
صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره
أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل هو أصدق من مرأى غيرهم لتنوير قلوبهم )) اهـ.
وقال
أيضًا (6/172) :
(( "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة" ... قال الحجة[15] :
وليس المراد أنه يرى بدنه بل مثالا له صار آلة يتأدى بها المعنى والآلة تكون حقيقية
وخيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من التشكل ليس روح النبي صلى الله عليه
وسلم ولا شخصه بل مثاله اه )) اهـ[16] .
يتبع
عدل سابقا من قبل إسماعيل في الخميس 7 مايو - 12:04 عدل 1 مرات
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
{ حول كلمة في
كلام الإمام المناوي }
في بعض كلام الإمام المناوي الّذي نقلناه ما قد
يُتَوهَّم منه أنّ الإمام المناوي رحمه الله لا يقول بهذا الرَّأي ، والجُملَة
المُشكِلَة مِن كَلاَمِه قوله رحمه الله تعالى :
((وحاصل كلامه أن رؤيته بصفته
إدراك لذاته وبغيرها إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج لتعبير والثانية تحتاجه ولسلفنا
الصوفية ما يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ حيث قالوا : هنا ميزان يجب التنبيه له
وهو أن الرؤية الصحيحة أن يرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح فإن رآه بغيرها كطويل
أو قصير أو شيخ أو شديد السمرة لم يكن رآه وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى
النبي صلى الله عليه وسلم غير حجة بل ذلك المرئي صورة الشرع بالنسبة لاعتقاد الرائي
أو خياله أو صفته أو حكم من أحكام الإسلام أو بالنسبة للمحل الذي رأى فيه تلك
الصورة .)) اهـ.
فمفهوم منها أوّلاً أنّ من يَرى النّبي صلى الله عليه وسلم بغير
صفته الثّابتة بالنّقل الصّحيح ، ما رآه ، هذا ما فَهِمتُه أوَّلاً واعتقدت أنّ
المناوي يقصده .
ولكنِّي أعدت النّظر فيما قال ، فتبيّن لي خلاف ذلك ،
وسُأَبيِّنهُ جَهدِي ، فأقول وبالله التّوفيق :
أوّلاً : عدم اتّفاق المعنى
المُتَبَادَر مع كلام الإمام القرطبي
* صدر عِبَارة الإمام المناوي قوله
((ولسلفنا الصوفية ما يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ حيث قالوا))
* ولفظة
(ذلك) عائدة على كلام الإمام أبوالعباس القرطبي كما يُفهَم من السّياق.
*
والإمام المناوي يُقرِّر أنّ ما سينقله بعد –وفيه العبارة المُشكِلَة- يتّفق في
المعنى مع كلام الإمام القرطبي ، مع اختلاف في اللّفظ.
* أي أنّا لو توصّلنا إلى
المعنى الّذي يعتقده القرطبي ، توصّلنا إلى المعنى الّذي سينقله المناوي ..
*
فلننظر إلى كلام الإمام القرطبي ، فإنّه يقول صَرَاحَةً :
((معلوم أنه قد يرى
على حالة مخالفة ومع ذلك تكون تلك الرؤيا حقا))
ويقول :
((الصحيح أن رؤيته
على أي حال كان غير باطلة ولا من الأضغاث بل حق في نفسها وتصوير تلك الصورة وتمثيل
ذلك المثال ليس من الشيطان بل مثل الله ذلك للرائي))
((غير أن تلك الأمثلة تارة
تطابق حقيقة المرئي وتارة لا وأن المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدرك في
النوم ، وقد لا))
((لذا خالف المثال صورة المرئي بزيادة أو نقص أو تغير لون أو
زيادة عضو أو بعضه فكله تنبيه على معاني تلك الأمور))
* هذا رأي الإمام القرطبي
بدا واضحًا وصريحًا .
* والإمام المناوي يُقرِّر أنّ هذا المعنى الّذي يعتقده
القرطبي يتّفق ولا يختلف مع المعنى الّذي سينقله .
* غير أنّا إذا نظرنا إلى
المعنى الّذي نقله المناوي ، توهّمنا أنّه يختلف ولا يتّفق مع معنى الإمام القرطبي
، فهل توهُّمُنَا هذا صحيح ؟
* لا يمكن القول بذلك ، لأنّ فيه تجهيل قبيح للإمام
المناوي واتّهامه بعدم الدّراية بما ينقل بل بما يقول..
* فإن قيل : ولكن هذا
الّذي يظهر لنا من صريح الكلام المنقول!!!
قلنا : قَد عَلِمَ بَذِلَك المناوي
فقال ((وإن اختلف اللفظ)) فرحمة الله على المناوي .
فلم يبقى إلاّ أن نُبيَّن
المقصود من العبارة المنقولة ..
ثانيًا : مُخَالَفَة العبارة المُوهِمَة لما سبق
أن قرّره المناوي
الإمام المناوي يقول من قبل في أوّل شرحه للحديث :
((من
رآني في المنام .. أي رآني بصفتي التي أنا عليها وهكذا بغيرها على ما يأتي إيضاحه
))
قوله عاطفًا ((هكذا بغيرها)) ماذا يُفهَم مِنهَا ؟؟؟
ويقول :
((وظاهر
الحديث أن رؤياه صحيحة وإن كان على غير صفته المعروفة )) فهذا ماذا تفهَم منه إلاَّ
أنّ المناوي يعتقد بذلك ؟؟
ثالثًا : فِهمَنا للعبارة المُوهِمَة وتأويلنا
لها
* يبقى الآن النّظر في العبارة المُشكِلَة من كلام المناوي والمقصود بها
فأقول وبالله التّوفيق :
* إنَّك إذا ما تأمَّلت النُّصوص السّابقة وجدت كثيرًا
منها يَصُب في أنّ :
((رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم :
1- بصفته المعلومة
: إدراك لذاته
2- ورؤيته بغير صفته : إدراك لمثاله
فالأولى : (1-) لا تحتاج
إلى تعبير
والثانية : (2-) تحتاج إليه))
وأقول أنَّهُ إِذَا فُهِمَ هذا
التّفصيل حقّ فهمه ، لَمَا أُشكِلَ ذلك النّص ، لقوة احتمال أنّ المقصود في نص
العبارة المُشكِلَة : القسم الثّاني من هذين القسمين ، ولنُعِد النّظر في عبارة
المناوي مع التّعليق حيث يلزم :
((وحاصل كلامه أن رؤيته بصفته إدراك لذاته
وبغيرها إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج لتعبير والثانية تحتاجه ولسلفنا الصوفية ما
يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ حيث قالوا : هنا ميزان يجب التنبيه له وهو أن
الرؤية الصحيحة (قال الهاشمي الحسني : إذًا كلامهم في الرُّؤية الصّحيحة ! الّتي هي
الأولى بالنّسبة لهذا التّقسيم وهي الرّؤية بصفته المعلومة ، وهي المُعبَّر عنها
بـ"الرؤية الحقيقيّة" كما في كلام القاضي عياض ، ونحيل لأوّل نص نقلنا فيه عن
القاضي لبيان تفصيل ذلك ) أن يرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح فإن رآه بغيرها
كطويل أو قصير أو شيخ أو شديد السمرة لم يكن رآه (قال الهاشمي الحسني : مكمن الخلاف
في هذا الإطلاق ؛ أي كلمة "لم يكن رآه" ، فالبعض يحمله على عمومه وإطلاقه ، ونحن
نحمله على الرّؤية الصحيحة أعني الرّؤية الحقيقيّة المتضمّنة رؤية النّبي r بكامل
صفاته ، لما تقدّم من قرائن ، فالمعنى : أنّ من رأى النّبي r بغير الصّفات المنقولة
بالإسناد الصحيح لم يكن رآه رؤية حقيقيّة لا تحتاج إلى تعبير ولم يكن أدرك ذات
النبي r بل أدرك مثاله الشّريف r) وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى النبي صلى
الله عليه وسلم غير حجة (قال الهاشمي الحسني : لأن غاية حُجِّيَّة الجزم الّذي في
نفس الرّائي أن يكون قد رآه r فعلاً ، أمّا هل هذه الرُّؤية حقيقيّة وصحيحة وأنّه
أدرك ذاته الشريفة r ؟ ، أم أنّه رآه r رؤية تحتاج إلى تأويل وأدرك مثاله لا ذاته r
؟ ، فهذا كلُّه لا تُرجِّح شيئًا منه نفس الرّائي) بل ذلك المرئي صورة الشرع (قال
الهاشمي الحسني : ولو أنّ المقصود بقولهم "لم يكن رآه" إطلاق أنّ من رآه r في غير
صفته ما رآه، لكان أن قالوا أنّ المرئي أضغاث أحلام، أمّا وأنَّهم قد قالوا أنّ
المرئي صورة الشّرع فهذا يعني بالتّأكيد أنّهم لا يقصدون إطلاق ذلك، وأنّ عندهم
اعتبار للرُّؤية الّتي يظهر فيها r بغير صفته، فتأمَّل في هذا) بالنسبة لاعتقاد
الرائي أو خياله أو صفته أو حكم من أحكام الإسلام أو بالنسبة للمحل الذي رأى فيه
تلك الصورة))
وبهذا انتهى بيان هذا ، فما فيه من صواب فمن الله ، وما فيه من خطأ
فمن نفسي ومن الشّيطان ، والحمدُ لله رب العالمين
.
********************
الثّاني عشر : العلامة الشيخ علي
الأجهوري المالكي رحمه الله تعالى
قال العلامة الشيخ علي الأجهوري
المالكي[17] رحمه الله تعالى في خاتمة معراجه الكبير المسمى بالنور الوهاج في
الكلام على الإسراء والمعراج :
((وأما رؤية جماعة له في آن واحد على صفات مختلفة
فهي ممكنة بل واقعة ولا غرابة في ذلك فإنَّ آلة رؤية كل واحد بحسب مقامه وهي
كالمرآة وهي تكون تارة صغيرة وتارة كبيرة وتارة مستقيمة وتارة معوجة وتارة صقيلة
جدًّا وتارة لا تكون كذلك والصورة الواحدة تختلف في المرآة بحسب ذلك فتُرَى صغيرة
في المرآة الصغيرة وكبيرة في المرآة الكبيرة ومعوجّة في المرآة المعوجّة ومستقيمة
في المرآة المستقيمة . وعلى صفة في الصقيلة جدًّا وعلى غيرها في غيرها .
هذا ولا
يقال إنَّ بعضهم يراه عليه الصلاة والسلام أبيض وبعضهم يراه أسود في آن واحد وبعضهم
يراه شيخًا وبعضهم يراه شابًا كذلك والمرآة الحسية لا يرى فيها الأبيض أسود ولا
عكسه ولا الشيخ شابًا ولا عكسه ؟
ويجاب : بأنّ مرآة الرائي تخالف المرآة الحسية
في ذلك لقيام صفة تقتضي ذلك من ثواب الإيمان والطاعات أو ضد ذلك فليست كالمرآة
الحسية من كل وجه بل هي بمنزلة المرآة الحسية في الجملة إذ المرآة لا تختلف فيها
صورة المرئي بالبياض والسواد والشيب وخلافه فلا ترى في مرآة صورة الأبيض أسود ولا
عكسه ولا صورة الشايب غير شايب ولا عكسه مع أن ذلك واقع في رؤيته عليه الصلاة
والسلام فيراه إنسان شايبًا ويراه إنسان شابًا ونحو ذلك )) اهـ
.
********************
الثّالث عشر : العلامة الإمام الشيخ
الباجوري رحمه الله تعالى
قال العلامة الإمام الشيخ إبراهيم الباجوري
رحمه الله تعالى –الإمام المعروف صاحب الحواشي المشهورة ومنها شرح الجوهرة- في
كتابه (المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية) [ ص(203) طبعة الحلبي 1375هـ]
:
(( قوله [من رآني في المنام فقد رآني] أي من رآني في حال النوم فقد رآني حقًّا
أو فكأنما رآني في اليقظة فهو على التشبيه والتمثيل وليس المراد رؤية جسمه الشريف
وشخصه المنيف بل مثاله على التحقيق وقوله [فإن الشيطان لا يتمثَّل بي] أي لا يستطيع
ذلك لأنه سبحانه وتعالى جعله محفوظًا من الشيطان في الخارج فكذلك في المنام سواء
رآه على صفته المعروفة أو غيرها على المنقول المقبول عند ذوي العقول وإنما ذلك
يختلف باختلاف حال الرائي لأنه كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها ما يقابله فقد يراه جمع
بأوصاف مختلفة.)) اهـ.+
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
مشكور أخ إسماعيل على أهمية الموضوع
أنا ما نكذبش عليك مازلت ما قريتوش
لكن أعدك أن أقرأه في أقرب فرصة
أنا ما نكذبش عليك مازلت ما قريتوش
لكن أعدك أن أقرأه في أقرب فرصة
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
... كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا * يرمى بصخر فيلقي أطيب الثمر ...
أنين الصمت-
- عدد المساهمات : 1248
العمر : 39
المكان : الجبال الصلدة
المهنه : بطالة مؤقتة
الهوايه : الصمت
نقاط تحت التجربة : 12341
تاريخ التسجيل : 26/12/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
أحسنت يا خير الله فقد شوشت على موضوع الاخ اسماعيل الذي كثر به شيوخ الاسلام لاننا لا نعرف من اطلق عليه هذا الاسم الا شيخ الاسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم الجوزية والله المستعان .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
أنين الصمت كتب:مشكور أخ إسماعيل على أهمية الموضوع
أنا ما نكذبش عليك مازلت ما قريتوش
لكن أعدك أن أقرأه في أقرب فرصة
:rendeer:
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثر في المدّة الأخيرة طرح مواضيع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة أو مناما
وهذا الموضوع تكلم فيه علماء الأمة وأطنبوا في ذلك
فالمسألة إجتهادية وطالما أن الحديث صحيح فالإختلاف في الفهم وارد بين مثبت وناف
وكلّ من الطرفين قدّم دليله واعتمد قول علماء معتبرين.
فالمسألة إجتهادية وليس من الإنصاف تبديع أو تضليل من أخذ برأي من الرأيين.
والسلام عليكم ورحمة الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثر في المدّة الأخيرة طرح مواضيع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة أو مناما
وهذا الموضوع تكلم فيه علماء الأمة وأطنبوا في ذلك
فالمسألة إجتهادية وطالما أن الحديث صحيح فالإختلاف في الفهم وارد بين مثبت وناف
وكلّ من الطرفين قدّم دليله واعتمد قول علماء معتبرين.
فالمسألة إجتهادية وليس من الإنصاف تبديع أو تضليل من أخذ برأي من الرأيين.
والسلام عليكم ورحمة الله
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
أبو أويس كتب:بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كثر في المدّة الأخيرة طرح مواضيع رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة أو مناما
وهذا الموضوع تكلم فيه علماء الأمة وأطنبوا في ذلك
فالمسألة إجتهادية وطالما أن الحديث صحيح فالإختلاف في الفهم وارد بين مثبت وناف
وكلّ من الطرفين قدّم دليله واعتمد قول علماء معتبرين.
فالمسألة إجتهادية وليس من الإنصاف تبديع أو تضليل من أخذ برأي من الرأيين.
والسلام عليكم ورحمة الله
بارك الله لك ..وصلت للمفيد..
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
AMAL MASMOUDI-
- عدد المساهمات : 3540
العمر : 45
المكان : قفصة
الهوايه : النت
نقاط تحت التجربة : 16129
تاريخ التسجيل : 21/02/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
abouhayder كتب:أحسنت يا خير الله فقد شوشت على موضوع الاخ اسماعيل الذي كثر به شيوخ الاسلام لاننا لا نعرف من اطلق عليه هذا الاسم الا شيخ الاسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم الجوزية والله المستعان .
هذا مبلغ علمكم وهودليل منتهى تعصبكم وجهلكم.
Shaker-
- عدد المساهمات : 295
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 12167
تاريخ التسجيل : 20/11/2008
رد: أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
كل اناء بالذي فيه يرشح
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» صورة (عمامة النبي وبردته وعصاه) .. *صلى الله عليه وسلم*
» ما هي أحسن طريقة لرؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام
» حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم
» حوض النبي صلى الله عليه وسلم
» صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
» ما هي أحسن طريقة لرؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المنام
» حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم
» حوض النبي صلى الله عليه وسلم
» صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى