حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده
،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فإنّ حقوق المصطفى أجل ّ وأكرم وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم، والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة ،وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعرضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لأمر إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم ،فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جلّ ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار ،ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة ،وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة . فحق علينا إذاً أن نحبه ونجلّه ونعظمه ونهابه ،فبهذا نكون من المفلحين { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[لأعراف: من الآية157] فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }[الفتح:8و9] وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الضمير في قوله جل ّشأنه :{وتعزروه وتوقروه}راجع إلى رسول الله، ومعناه : تعظموا رسول الله وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته. فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله وعظيم منزلته عند ربه . واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته ؛وذلك عند ذكره، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ،وتعظيم أهل بيته وصحابته . قال أبو إبراهيم التجيبي :"واجب على كل مؤمن متى ذكره ــ أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ،ويتوقر ويسكن من حركته ،ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛ ويتأدب بما أدبنا الله به ". ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في صدق وتمام المحبة لرسول الله، فهذا عمر بن الخطاب يقول للعباس : إن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب ؛لأن ذلك أحب إلى رسول الله . وسئل على بن أبي طالب :كيف كان حبكم لرسول الله؟ قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا،ومن الماء البارد على الظمأ. وكان عمرو بن العاص يقول:"ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله ولا أجلّ في عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ؛لأني لم أكن أملأ عيني منه " .
قال ابن تيمية: " ومن حقه أنه أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن حقه أن يحب أن يؤثره العطشان بالماء ، والجائع بالطعام ،وأنه يحب أن يوقى بالأنفس والأموال ،كما قال سبحانه وتعالى :{ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ }[التوبة: من الآية120] فعلم أن رغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله من المشقة معه حرام ". وقال ابن قيم الجوزية: "فرأس الأدب مع الرسول :كمال التسليم له والانقياد لأمره ،وتلقي خبره بالقبول والتصديق ،دون أن يحمله معارضة بخيال باطل ،يسميه معقولاً ،أو يُحّمله شبهة أو شكاً، أويقدم عليه آراء الرجال ،وزبالات أذهانهم ،فيوحد بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان ،كما وحّد المرسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والتذلل والإنابة والتوكل ". وقال أيضاً : "ومن الأدب معه : أن لا يستشكل قوله ، بل تستشكل الآراء لقوله ، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ،ولا يوقف قبول ما جاء به الرسول على موافقة أحد ".
وإذا كانت محبة رسول الله وتوقيره من أجل أعمال القلوب ،وأفضل شعب الإيمان ،فإن بغضه من أشنع الذنوب واخطرها ،لقد قال الله تعالى : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] فأخبر تعالى أن شانئه (أي مبغضه) هو الأبتر ، والبتر: القطع ،فبيّن سبحانه أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد ،"وأن الله تعالى بتر شانيء رسوله من كل خير ،فيبتر ذكره وأهله وماله ،فيخسر ذلك في الآخرة،ويبتر حياته فلا ينتفع بها ،ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده ،ويبتر قلبه فلا يعي الخير ،ولا يؤهله لمعرفته ومحبته ،والإيمان برسله ،ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة ،ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً،ولاعوناً ،ويبتره من جميع القربات والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعماً،ولايجد لها حلاوة،وإن باشرها بظاهره، فقلبه شارد عنها . ولذا قال أبو بكر بن عيّاش: أهل السنة يموتون،ويحى ذكرهم،وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم ،لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به رسول الله فكان لهم نصيب من قوله : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح]،وأهل البدعة شنأوا ماجاء به الرسول فكان لهم نصيب من قوله تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } "(). وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا [ عند مسلم : كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ] فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا ، [ وعند مسلم : فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ . قَالَ : فَرَفَعُوهُ ] فَكَانَ يَقُولُ : " مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَاكَتَبْتُ لَهُ " [ وعند مسلم : قَالُوا : هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ ، فَأُعْجِبُوا بِهِ ] [ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " كَانَ يَقُول : " مَا أَرَى يُحْسِن مُحَمَّد إِلَّا مَا كُنْت أَكْتُب لَهُ " ] ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ [ وعند مسلم : فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ ] ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُا لْأَرْضُ [ وعند مسلم : قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَىَ وَجْهِهَا ] فَقَالُوا : " هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ [ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " لَمَّا لَمْ يَرْضَ دِينهمْ " ] نَبَشُواعَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ " ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا : " هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ " ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَااسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ [ وعند مسلم : فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذاً ] .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ معلقاً على هذه القصةِ : " فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي صلى اللهُ عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له ؛قصمهُ اللهُ وفضحهُ بأن أخرجهُ من القبرِ بعد أن دُفن مراراً ، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ ، يدلُ كلّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قالهُ ، وأنه كان كاذباً ، إذ كان عامةُ الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد ، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ،وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم ممن طعن عليه وسبهُ ،ومظهرٌ لدينه ، ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يمكن للناسِ أن يقيموا عليه الحد ".
وسأل الخليفة العباسي هارونُ الرشيد الإمامَ مالك بن أنس في رجل شتم النبي- - وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده؟! فغضب مالك وقال :يا أمير المؤمنين ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها، من شتم الأنبياء قتل ،ومن شتم أصحاب النبي جلد.
قال القاضي عياض :" اعلم ـ وفقنا الله وإيّاك ـ أنّ جميع من سب النبي،أو عابه ،أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه ،أو خصلة من خصاله ،أو عرّض به ،أو شبهه بشيء على طريق السب له ، أو الإزراء عليه ،أو التصغيرلشأنه ،أو الغض منه ،والعيب له؛ فهو سابٌّ له؛ والحكم فيه حكم الساب ،يقتل ... وكذلك من لعنه أو دعا عليه ،أو تمنى مضرة له،أونسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذّم ،أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر ،ومنكر من القول وزور ،أو عيَره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه،أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه . وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرّاً ".
وقال ابن تيمية:"أما انتهاك عرض رسول الله- - فإنه مناف لدين الله بالكلية، فإن العرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم،فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطل الدينُ، فقيام المدح، والثناء عليه،والتعظيم، والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإن كان ذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه .. ".
وإذا تقرر وجوب القيام بحقه، وطاعته ومحبته والتسليم والانقياد له ،ووجوب توقيره وتعظيمه ،والحذر من سوء الأدب معه ،فإنه يتعين في نفس الوقت عدم الغلو فيه ،ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إيّاها ،فلايشرك مع الله تعالى في أيّ نوع من أنواع العبادة .. فهوصلوات ربي وسلامه عليه عبد الله ورسوله ، والحق وسط بين الغالي والجافي . ولاريب أن علينا تجاه هذا النبي الكريم صلوات ربي وتسليمه عليه حقوقاً كثيرة يجب القيام بها وتحقيقها ،فلابد من تصديقه فيما أخبر ،وطاعته فيما أمر،واجتناب ما نهى عنه وزجر ،وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ،وأن ننصره ونؤيده ونمنعه من كل ما يؤذيه ويسيء إليه . وإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً ،ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ، والله الموفق والمعين.
الحمد لله وحده
،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فإنّ حقوق المصطفى أجل ّ وأكرم وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا من حقوق السادات على مماليكهم، والآباء على أولادهم لأن الله تعالى أنقذنا به من النار في الآخرة ،وعصم به لنا أرواحنا وأبداننا وأعرضنا وأموالنا وأهلينا وأولادنا في العاجلة، فهدانا به لأمر إذا أطعناه فيه أدانا إلى جنات النعيم ،فأية نعمة توازي هذه النعم وأية منة تداني هذه المنن. ثم إنه جلّ ثناؤه ألزمنا طاعته وتوعدنا على معصيته بالنار ،ووعدنا باتباعه الجنة فأي رتبة تضاهي هذه الرتبة ،وأي درجة تساوي في العلا هذه الدرجة . فحق علينا إذاً أن نحبه ونجلّه ونعظمه ونهابه ،فبهذا نكون من المفلحين { فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[لأعراف: من الآية157] فالآية بينت أن الفلاح إنما يكون لمن جمع إلى الإيمان به تعزيره ولا خلاف أن التعزير هنا التعظيم . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }[الفتح:8و9] وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الضمير في قوله جل ّشأنه :{وتعزروه وتوقروه}راجع إلى رسول الله، ومعناه : تعظموا رسول الله وتفخموه في أدب المخاطبة والتحدث إليه ومجالسته. فهذه الآيات وغيرها نزلت لتبين مقام شرف رسول الله وعظيم منزلته عند ربه . واعلم أن حرمة النبي بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته ؛وذلك عند ذكره، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ،وتعظيم أهل بيته وصحابته . قال أبو إبراهيم التجيبي :"واجب على كل مؤمن متى ذكره ــ أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ،ويتوقر ويسكن من حركته ،ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛ ويتأدب بما أدبنا الله به ". ولقد ضرب الصحابة أروع الأمثلة في صدق وتمام المحبة لرسول الله، فهذا عمر بن الخطاب يقول للعباس : إن تسلم أحب إليّ من أن يسلم الخطاب ؛لأن ذلك أحب إلى رسول الله . وسئل على بن أبي طالب :كيف كان حبكم لرسول الله؟ قال : كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا،ومن الماء البارد على الظمأ. وكان عمرو بن العاص يقول:"ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله ولا أجلّ في عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت ؛لأني لم أكن أملأ عيني منه " .
قال ابن تيمية: " ومن حقه أنه أخبر أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن حقه أن يحب أن يؤثره العطشان بالماء ، والجائع بالطعام ،وأنه يحب أن يوقى بالأنفس والأموال ،كما قال سبحانه وتعالى :{ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ }[التوبة: من الآية120] فعلم أن رغبة الإنسان بنفسه أن يصيبه ما يصيب رسول الله من المشقة معه حرام ". وقال ابن قيم الجوزية: "فرأس الأدب مع الرسول :كمال التسليم له والانقياد لأمره ،وتلقي خبره بالقبول والتصديق ،دون أن يحمله معارضة بخيال باطل ،يسميه معقولاً ،أو يُحّمله شبهة أو شكاً، أويقدم عليه آراء الرجال ،وزبالات أذهانهم ،فيوحد بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان ،كما وحّد المرسِل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والتذلل والإنابة والتوكل ". وقال أيضاً : "ومن الأدب معه : أن لا يستشكل قوله ، بل تستشكل الآراء لقوله ، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه ،ولا يوقف قبول ما جاء به الرسول على موافقة أحد ".
وإذا كانت محبة رسول الله وتوقيره من أجل أعمال القلوب ،وأفضل شعب الإيمان ،فإن بغضه من أشنع الذنوب واخطرها ،لقد قال الله تعالى : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:3] فأخبر تعالى أن شانئه (أي مبغضه) هو الأبتر ، والبتر: القطع ،فبيّن سبحانه أنه هو الأبتر بصيغة الحصر والتوكيد ،"وأن الله تعالى بتر شانيء رسوله من كل خير ،فيبتر ذكره وأهله وماله ،فيخسر ذلك في الآخرة،ويبتر حياته فلا ينتفع بها ،ولا يتزود فيها صالحاً لمعاده ،ويبتر قلبه فلا يعي الخير ،ولا يؤهله لمعرفته ومحبته ،والإيمان برسله ،ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة ،ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصراً،ولاعوناً ،ويبتره من جميع القربات والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعماً،ولايجد لها حلاوة،وإن باشرها بظاهره، فقلبه شارد عنها . ولذا قال أبو بكر بن عيّاش: أهل السنة يموتون،ويحى ذكرهم،وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم ،لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به رسول الله فكان لهم نصيب من قوله : {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح]،وأهل البدعة شنأوا ماجاء به الرسول فكان لهم نصيب من قوله تعالى {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } "(). وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا [ عند مسلم : كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ ] فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا ، [ وعند مسلم : فَانْطَلَقَ هَارِباً حَتَّىَ لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ . قَالَ : فَرَفَعُوهُ ] فَكَانَ يَقُولُ : " مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَاكَتَبْتُ لَهُ " [ وعند مسلم : قَالُوا : هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ ، فَأُعْجِبُوا بِهِ ] [ وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " كَانَ يَقُول : " مَا أَرَى يُحْسِن مُحَمَّد إِلَّا مَا كُنْت أَكْتُب لَهُ " ] ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ [ وعند مسلم : فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ ] ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُا لْأَرْضُ [ وعند مسلم : قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَىَ وَجْهِهَا ] فَقَالُوا : " هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ [ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " لَمَّا لَمْ يَرْضَ دِينهمْ " ] نَبَشُواعَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ " ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا : " هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ " ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَااسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ [ وعند مسلم : فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذاً ] .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ معلقاً على هذه القصةِ : " فهذا الملعونُ الذي افترى على النبي صلى اللهُ عليه وسلم أنه ما كان يدري إلا ما كتب له ؛قصمهُ اللهُ وفضحهُ بأن أخرجهُ من القبرِ بعد أن دُفن مراراً ، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادةِ ، يدلُ كلّ أحدٍ على أن هذا عقوبة لما قالهُ ، وأنه كان كاذباً ، إذ كان عامةُ الموتى لا يصيبهم مثل هذا ، وأن هذا الجُرمَ أعظمُ من مجرد الارتداد ، إذ كان عامةُ المرتدين يموتون ولا يصيبهم مثل هذا ،وأن اللهَ منتقمٌ لرسولهِ صلى اللهُ عليه وسلم ممن طعن عليه وسبهُ ،ومظهرٌ لدينه ، ولكذبِ الكاذبِ إذا لم يمكن للناسِ أن يقيموا عليه الحد ".
وسأل الخليفة العباسي هارونُ الرشيد الإمامَ مالك بن أنس في رجل شتم النبي- - وذكر له أن فقهاء العراق أفتوه بجلده؟! فغضب مالك وقال :يا أمير المؤمنين ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها، من شتم الأنبياء قتل ،ومن شتم أصحاب النبي جلد.
قال القاضي عياض :" اعلم ـ وفقنا الله وإيّاك ـ أنّ جميع من سب النبي،أو عابه ،أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه ،أو خصلة من خصاله ،أو عرّض به ،أو شبهه بشيء على طريق السب له ، أو الإزراء عليه ،أو التصغيرلشأنه ،أو الغض منه ،والعيب له؛ فهو سابٌّ له؛ والحكم فيه حكم الساب ،يقتل ... وكذلك من لعنه أو دعا عليه ،أو تمنى مضرة له،أونسب إليه مالا يليق بمنصبه على طريق الذّم ،أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهُجر ،ومنكر من القول وزور ،أو عيَره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه،أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه . وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرّاً ".
وقال ابن تيمية:"أما انتهاك عرض رسول الله- - فإنه مناف لدين الله بالكلية، فإن العرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم،فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطل الدينُ، فقيام المدح، والثناء عليه،والتعظيم، والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإن كان ذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه .. ".
وإذا تقرر وجوب القيام بحقه، وطاعته ومحبته والتسليم والانقياد له ،ووجوب توقيره وتعظيمه ،والحذر من سوء الأدب معه ،فإنه يتعين في نفس الوقت عدم الغلو فيه ،ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله إيّاها ،فلايشرك مع الله تعالى في أيّ نوع من أنواع العبادة .. فهوصلوات ربي وسلامه عليه عبد الله ورسوله ، والحق وسط بين الغالي والجافي . ولاريب أن علينا تجاه هذا النبي الكريم صلوات ربي وتسليمه عليه حقوقاً كثيرة يجب القيام بها وتحقيقها ،فلابد من تصديقه فيما أخبر ،وطاعته فيما أمر،واجتناب ما نهى عنه وزجر ،وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ،وأن ننصره ونؤيده ونمنعه من كل ما يؤذيه ويسيء إليه . وإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد أن نحقق محبته اعتقاداً وقولاً وعملاً ،ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ، والله الموفق والمعين.
Shaker-
- عدد المساهمات : 295
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 12133
تاريخ التسجيل : 20/11/2008
رد: حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم
اللهم بارك لنا في إخواننا وفي أعمالهم وأعمارهم وأرزاقهم...
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.واجب على كل مؤمن متى ذكره صلى الله عليه وسلم ــ أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ،ويتوقر ويسكن من حركته ،ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ؛ ويتأدب بما أدبنا الله به
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16430
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
مواضيع مماثلة
» من معجزات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
» أجمل وأروع ملف عن المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) باللغتين ( العربية / الإنجليزية )
» لا بارك الله فى مالٍ أزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم
» أجر الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم
» تم الإنتهاء من أكبر موقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
» أجمل وأروع ملف عن المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) باللغتين ( العربية / الإنجليزية )
» لا بارك الله فى مالٍ أزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم
» أجر الصلاة على الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم
» تم الإنتهاء من أكبر موقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى