إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص
صفحة 1 من اصل 1
إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص
إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص
الاختيارات العلمية للإمام الألباني
1- إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص:
قال -رحمه الله-: «السنة التي جرى عليها السلف من الصحابة والتابعين
والأئمة المجتهدين إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فيقص؛ فإن إعفاءِها
مطلقًا هو من قبيل ما سماه الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية)»([1]).
«... فقص اللحية -كما تفعل بعض الجماعات([2])- هو كحلقها من حيث التشبه،
والسنة التي جرى عليها السلف من الصحابة وغيرهم إعفاؤها إلا ما زاد على
القبضة فتحصل الزيادة»([3]).
«واعلم أن الأخذ من اللحية ما زاد على القبضة ثابت عن ابن عمر وأبي هريرة
-وهما من رواة حديث الإعفاء- وعن غيرهما من السلف ومنهم الإمام أحمد، دون
مخالف لهم»([4]).
«واعلم أنه لم يثبت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من
اللحية، لا قولاً، كهذا، ولا فعلاً كالحديث المتقدم برقم (288).
نعم ثبت ذلك عن بعض السلف، وإليك المتيسر منها:
1- عن مروان بن سالم المقفع قال:
«رأيت ابن عمر يقبض على لحيته؛ فيقطع ما زاد على الكف»([5]).
رواه أبو داود وغيره بسند حسن؛ كما بينته في «الإرواء» (920)، و«صحيح أبي داود» (2041).
2- عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج، لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئًا حتى يحج.
وفي رواية: أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه.
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/353).
وروى الخلال في «الترجل» (ص11-المصورة) بسند صحيح عن مجاهد قال: رأيت ابن
عمر قبض على لحيته يوم النحر، ثم قال للحجام: خذ ما تحت القبضة.
قال الباجي في «شرح الموطأ» (3/32):
«يريد أنه كان يقص منها مع حلق رأسه، وقد استحب ذلك مالك -رحمه الله-؛ لأن
الأخذ منها على وجه لا يغير الخلقة من الجمال، والاستئصال لهما مثلة».
3- عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {وليقضوا تفثهم}.
«التفث: حلق الرأس، وأخذ الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار،
والأخذ من العارضين، (وفي رواية: اللحية)، ورمي الجمار، والموقف بعرفة
والمزدلفة».
رواه ابن أبي شيبة (4/85) وابن جرير في «التفسير» (17/109) بسند صحيح.
4- عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: {ثم ليقضوا تفثهم}، فذكر نحوه بتقديم وتأخير، وفيه:
«وأخذ من الشاربين واللحية».
رواه ابن جرير أيضًا، وإسناده صحيح، أو حسن على الأقل.
5- عن مجاهد مثله بلفظ:
«وقص الشارب ... وقص اللحية».
رواه ابن جرير بسند صحيح أيضًا.
6- عن المحاربي (وهو عبد الرحمن بن محمد) قال: سمعت رجلاً يسأل ابن جريج
عن قوله: {ثم ليقضوا تفثهم}، قال: «الأخذ من اللحية ومن الشارب ...».
رواه ابن جرير بسند صحيح أيضًا.
7- في «الموطأ» أيضًا أنه بلغه:
أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم، دعا بالجملين، فقص شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب، وقبل أن يهل محرمًا.
8- عن أبي هلال قال: حدثنا شيخ -أظنه من أهل المدينة- قال: رأيت أبا هريرة يحفي عارضيه: يأخذ منهما. قال: ورأيته أصفر اللحية.
رواه ابن سعد في «الطبقات» (4/334).
قلت: والشيخ المدني هذا أراه عثمان بن عبيد الله، فإن ابن سعد روى بعده
أحاديث بسنده الصحيح عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبيد الله قال:
رأيت أبا هريرة يصفِّر لحيته ونحن في الكتاب.
وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه (3/1/156)، فقال:
«عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع مولى سعيد بن العاص المديني، ويقال: مولى
سعد بن أبي وقاص، رأى أبا هريرة وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد يصفرون
لحاهم. روى عنه ابن أبي ذئب».
فهو هذا، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (3/177)، فالسند عندي حسن. والله أعلم.
قلت: وفي هذه الآثار الصحيحة ما يدل على أن قص اللحية، أو الأخذ منها كان
أمراً معروفًا عند السلف، خلافًا لظن بعض إخواننا من أهل الحديث الذين
يتشددون في الأخذ منها، متمسكين بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «وأعفوا
اللحى»، غير منتبهين لما فهموه من العموم أنه غير مراد لعدم جريان عمل
السلف عليه، وفيهم من روى العموم المذكور، وهم عبد الله بن عمر، وحديثه في
«الصحيحين»، وأبو هريرة، وحديثه عند مسلم، وهما مخرجان في «جلباب المرأة
المسلمة» (ص 185-187/طبعة المكتبة الإسلامية)، وابن عباس، وحديثه في «مجمع
الزوائد» (5/169).
ومما لا شك فيه أن راوي الحديث أعرف بالمراد منه من الذين لم يسمعوه من
النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرص على اتباعه منهم، وهذا على فرض أن المراد
بـ (الإعفاء) التوفير والتكثير؛ كما هو مشهور، لكن قال الباجي في «شرح
الموطأ» (7/266) نقلاً عن القاضي أبي الوليد: «ويحتمل عندي أن يريد أن
تعفى اللحى من الإحفاء؛ لأن كثرتها أيضاً ليس بمأمور بتركه.
وقد روى ابن القاسم عن مالك: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية و شذ.
قيل لمالك: فإذا طالت جداً?
قال: أرى أن يؤخذ منها و تقص.
وروي عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللحية ما فضل عن القبضة».
قلت: أخرجه عنهما الخلال في «الترجل» (ص 11- مصورة) بإسنادين صحيحين, وروى
عن الإمام أحمد أنه سئل عن الأخذ من اللحية? قال: كان ابن عمر يأخذ منها
ما زاد على القبضة, وكأنه ذهب إليه.
قال حرب: قلت له: ما الإعفاء? قال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: كان هذا عنده الإعفاء.
قلت: ومن المعلوم أن الراوي أدرى بمرويه من غيره, ولا سيما إذا كان حريصاً
على السنة كابن عمر, و هو يرى نبيه صلى الله عليه وسلم -الآمر بالإعفاء-
ليلاً نهاراً. فتأمل.
ثم روى الخلال من طريق إسحاق قال: «سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه? قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.
قلت: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «احفوا الشوارب, وأعفوا اللحى»?
قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه.
ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه».
قلت: لقد توسعت قليلاً بذكر هذه النصوص عن بعض السلف والأئمة; لعزتها,
ولظن الكثير من الناس أنها مخالفة لعموم: «وأعفوا اللحى», ولم يتنبهوا
لقاعدة أن الفرد من أفراد العموم إذا لم يجر العمل به, دليل على أنه غير
مراد منه.
وما أكثر البدع التي يسميها الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية) إلا من
هذا القبيل, ومع ذلك فهي عند أهل العلم مردودة؛ لأنها لم تكن من عمل
السلف, وهم أتقى وأعلم من الخلف, فيرجى الانتباه لهذا فإن الأمر دقيق
ومهم([6]).
([1]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5/5).
قال شيخنا –رحمه الله- «من المسائل الفقهية الدقيقة التي يترتب من فهمها وهي قائمة على أصل شرعي من فهم هذا الأصل سهل عليه.
أولاً: أن يفهم هذا الفرع وبالتالي فروع كثيرة جداً.
كل نص عام ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه جزء يدخل تحت هذا النص
العام نعلم بطريقة أو بأخرى أن هذا الجزء لم يعمل به الرسول صلى الله عليه
وسلم أو سلفنا الصالح، فحين ذاك يكون العمل بهذا الجزء رغم كونه داخلاً
بالنص العام يكون إحداثاً بالدين.
والحقيقة الغفلة عن هذه القاعدة هي التي ورطت المسلمين في القرون المتأخرة
بخاصة حتى وسعوا على أنفسهم الإحداث بالدين والتقرب إلى الله رب العالمين
بما أحدثوه من البدع والمحدثات، وأنا أضرب على هذا أمثلة، فالمهم منها
مثال لم يجر العمل به إلى اليوم بين المسلمين ومثيلهم بالعشرات بل بالمئات
بل الألوف مثل ذاك الفرق أن هذا المثال الذي سأذكره لم يجر العمل به، بل
مستنكر لا لأنه بدعة، وإنما لأنه لم يجر العمل به، وإنما البدع الأخرى مثل
هذه تماماً استسهلوها وعملوا بها لأن العادة جرت على ذلك، نضرب لذلك
مثالاً:
كلنا يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل عن صلاة
الفرد بخمس -وفي رواية- بسبع وعشرين درجة»، صلاة الجماعة والحديث العام
والأشمل «يد الله على الجماعة»، فلو أن رجلاً دخل المسجد في وقت صلاة
العشاء واحد يصلي هنا، وواحد يصلي هناك السنة القبلية فلو أن رجلاً بدا له
ونادى هؤلاء المتفرقين في صلاة السنة القبلية، قال: تعالوا نصلي جماعة خير
من هذا التفرق، وقال عليه الصلاة والسلام: «صلاة الجماعة تفضل صلاة
الفرد...» الحديث.
سنقول: لا يجوز، ليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا، ولا أحد من
أصحابه -والحديث عام- هذا علمنا إنه صلاة الجماعة على المكتوبات، ما جمعهم
على السنة القبلية.
إذاً هل عملت بالنص العام هنا؟
السائل: لا.
الحجة إنه لم يجر العمل في السلف في هذا النص العام هو جواب عما سألت تماماً لو كانوا يعلمون.
اعفوا اللحى نص عام مثل صلاة الجماعة نص عام لكن إذا واحد ترك لحيته ووصلت لسرته عمل بالنص العام، لكن هل عمل السلف به؟
الجواب -عند من لا يعلم-: لا.
عند من لا يعلم يظل هذا الذي لا يعلم عند النص العام.
أما الذي يعلم فيقول: هذه الجزئية من النص العام لم يجر عليها عمل من السلف الصالح.
لا نعلم عن أحد من السلف الصالح فضلاً عن رسول الله سيدهم وإمامهم أنه كان يعفو عن لحيته عفواً عاماً، هذا أولاً.
وثانياً: نعلم عن كثيرين منهم العكس من ذلك تماماً إنهم كانوا يأخذون
منهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، لكن هنا بالنسبة للرواية المروية عن ابن
عمر هذا شبهة ذلك لأن هناك روايتين:
الرواية الأولى: هي التي ذكرتها في حج أو عمرة.
بينما هناك رواية أخرى ثابتة عنه مطلقاً، وتلقى ذلك عنه بعض التابعين،
ومنهم سالم بن عبد الله بن عمر، فكان يأخذ من لحيته. وحديث عن أبي هريرة،
وعن جماعة من التابعين بل وإبراهيم بن يزيد النخعي وهو من صغار التابعين
يروي عن الصحابة أنهم كانوا يأخذون من لحيتهم، فلذلك وجود هذا الأخذ وعدم
وجود الإعفاء المطلق يجعل إعفاء الزائد على القبضة من محدثات الأمور؛
كالجماعة في الرواتب والنوافل.
سائل: بالنسبة إلى كلمة الأخذ الوارد عن الصحابة وبعض التابعين أنهم كانوا يأخذون بتحديد القبضة أم يأخذون فقط؟
الشيخ الألباني -رحمه الله-: في بعض الروايات تحديد القبضة، وبعض هذه
الروايات ليس فيها تحديد، نقف عند ابن عمر؛ لأن ابن عمر هو من رواة حديث
الإعفاء، ومن المشاهدين للرسول عليه الصلاة والسلام بتطبيقه هو وبخاصة
أننا نعلم جميعاً أن ابن عمر كان من أشد وأحرص الصحابة اقتداءاً بالنبي
صلى الله عليه وسلم حتى في جزئيات قد عورض فيها من قبل صحابة آخرين، فمثل
هذا لا يمكن أن نتصور فيه أنه يرى الرسول يأمر بالإعفاء ويطبقه إعفاء
عاماً ثم يخالفه إلى ما نهاه عنه، فهذا أمر مستحيل.
([2]) قال-رحمه الله- في " سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2570).: «ومن عجيب
أمرهم أنهم يطنطنون في خطبهم ومحاضراتهم بوجوب تبني الإسلام كلا لا يتجزأ،
فإذا بهم أول من يكفر بما إليه يدعون، وأن ذلك لبين في أعمالهم وأزيائهم؛
فتراهم أو ترى الأكثرين منهم لا يهتمون بالتزيي بزي نبيهم صلى الله عليه
وسلم إلى الاهتمام بالتشبه بحسن البنا وأمثاله: لحية قصيرة، وكرافيت (ربطة
العنق)، وبعضهم تكاد لحيتهم تكون على مذهب العوام في بعض البلدان: خير
الذقون إشارة تكون، مع تزييه بلباس أهل العلم: العمامة والجبة، وقد تكون
كالخرج، طويلة الذيل كلباس النساء، فإنا لله وإنا إليه راجعون»(أ).
([3]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5/125).
([4]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (1/457).
([5]) قال -رحمه الله- في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (11/785-786).
قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي في «إعفاء اللحى وقص الشارب» (ص14):
«ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة؛ لفعل ابن عمر». وعلق عليه فقال:
«الحجة في روايته لا في رأيه؛ ولا شك أن قول الرسول وفعله أحق وأولى بالاتباع من قول غيره أو فعله؛ كائنًا ما كان»!
فأقول: نعم؛ لكن نصب المخالفة بين النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر خطأ؛
لأنه ليس هناك حديث من فعله أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يأخذ من لحيته.
وقوله:
«وفروا اللحى»؛ يمكن أن لا يكون على إطلاقه، فلا يكون فعل ابن عمر مخالفًا
له، فيعود الخلاف بين العلماء إلى فهم النص، وابن عمر -باعتباره راويًا-
يمكن أن يقال: الراوي أدرى بمرويه من غيره، لا سيما وقد وافقه على الأخذ
منها بعض السلف كما تقدم، دون مخالف له منهم فيما علمنا. والله أعلم.
ثم وقفت على أثر هام يؤيد ما تقدم من الأخذ، مرويًا عن السلف؛ فروى
البيهقي في «شعب الإيمان» (2/263/1): أخبرنا أبو الطاهر الفقيه: ثنا أبو
عثمان البصري: ثنا محمد بن عبد الوهاب: أنا يعلى بن عبيد: ثنا سفيان عن
منصور عن إبراهيم قال:
كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها. يعني: اللحية.
قلت: وهذا إسناد جيد».
([6]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5/375-380).
منقول للامانة
الاختيارات العلمية للإمام الألباني
1- إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فتقص:
قال -رحمه الله-: «السنة التي جرى عليها السلف من الصحابة والتابعين
والأئمة المجتهدين إعفاء اللحية إلا ما زاد على القبضة فيقص؛ فإن إعفاءِها
مطلقًا هو من قبيل ما سماه الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية)»([1]).
«... فقص اللحية -كما تفعل بعض الجماعات([2])- هو كحلقها من حيث التشبه،
والسنة التي جرى عليها السلف من الصحابة وغيرهم إعفاؤها إلا ما زاد على
القبضة فتحصل الزيادة»([3]).
«واعلم أن الأخذ من اللحية ما زاد على القبضة ثابت عن ابن عمر وأبي هريرة
-وهما من رواة حديث الإعفاء- وعن غيرهما من السلف ومنهم الإمام أحمد، دون
مخالف لهم»([4]).
«واعلم أنه لم يثبت في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من
اللحية، لا قولاً، كهذا، ولا فعلاً كالحديث المتقدم برقم (288).
نعم ثبت ذلك عن بعض السلف، وإليك المتيسر منها:
1- عن مروان بن سالم المقفع قال:
«رأيت ابن عمر يقبض على لحيته؛ فيقطع ما زاد على الكف»([5]).
رواه أبو داود وغيره بسند حسن؛ كما بينته في «الإرواء» (920)، و«صحيح أبي داود» (2041).
2- عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج، لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئًا حتى يحج.
وفي رواية: أن عبد الله بن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه.
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/353).
وروى الخلال في «الترجل» (ص11-المصورة) بسند صحيح عن مجاهد قال: رأيت ابن
عمر قبض على لحيته يوم النحر، ثم قال للحجام: خذ ما تحت القبضة.
قال الباجي في «شرح الموطأ» (3/32):
«يريد أنه كان يقص منها مع حلق رأسه، وقد استحب ذلك مالك -رحمه الله-؛ لأن
الأخذ منها على وجه لا يغير الخلقة من الجمال، والاستئصال لهما مثلة».
3- عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {وليقضوا تفثهم}.
«التفث: حلق الرأس، وأخذ الشاربين، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظفار،
والأخذ من العارضين، (وفي رواية: اللحية)، ورمي الجمار، والموقف بعرفة
والمزدلفة».
رواه ابن أبي شيبة (4/85) وابن جرير في «التفسير» (17/109) بسند صحيح.
4- عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: {ثم ليقضوا تفثهم}، فذكر نحوه بتقديم وتأخير، وفيه:
«وأخذ من الشاربين واللحية».
رواه ابن جرير أيضًا، وإسناده صحيح، أو حسن على الأقل.
5- عن مجاهد مثله بلفظ:
«وقص الشارب ... وقص اللحية».
رواه ابن جرير بسند صحيح أيضًا.
6- عن المحاربي (وهو عبد الرحمن بن محمد) قال: سمعت رجلاً يسأل ابن جريج
عن قوله: {ثم ليقضوا تفثهم}، قال: «الأخذ من اللحية ومن الشارب ...».
رواه ابن جرير بسند صحيح أيضًا.
7- في «الموطأ» أيضًا أنه بلغه:
أن سالم بن عبد الله كان إذا أراد أن يحرم، دعا بالجملين، فقص شاربه وأخذ من لحيته قبل أن يركب، وقبل أن يهل محرمًا.
8- عن أبي هلال قال: حدثنا شيخ -أظنه من أهل المدينة- قال: رأيت أبا هريرة يحفي عارضيه: يأخذ منهما. قال: ورأيته أصفر اللحية.
رواه ابن سعد في «الطبقات» (4/334).
قلت: والشيخ المدني هذا أراه عثمان بن عبيد الله، فإن ابن سعد روى بعده
أحاديث بسنده الصحيح عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبيد الله قال:
رأيت أبا هريرة يصفِّر لحيته ونحن في الكتاب.
وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه (3/1/156)، فقال:
«عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع مولى سعيد بن العاص المديني، ويقال: مولى
سعد بن أبي وقاص، رأى أبا هريرة وأبا قتادة وابن عمر وأبا أسيد يصفرون
لحاهم. روى عنه ابن أبي ذئب».
فهو هذا، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (3/177)، فالسند عندي حسن. والله أعلم.
قلت: وفي هذه الآثار الصحيحة ما يدل على أن قص اللحية، أو الأخذ منها كان
أمراً معروفًا عند السلف، خلافًا لظن بعض إخواننا من أهل الحديث الذين
يتشددون في الأخذ منها، متمسكين بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «وأعفوا
اللحى»، غير منتبهين لما فهموه من العموم أنه غير مراد لعدم جريان عمل
السلف عليه، وفيهم من روى العموم المذكور، وهم عبد الله بن عمر، وحديثه في
«الصحيحين»، وأبو هريرة، وحديثه عند مسلم، وهما مخرجان في «جلباب المرأة
المسلمة» (ص 185-187/طبعة المكتبة الإسلامية)، وابن عباس، وحديثه في «مجمع
الزوائد» (5/169).
ومما لا شك فيه أن راوي الحديث أعرف بالمراد منه من الذين لم يسمعوه من
النبي صلى الله عليه وسلم، وأحرص على اتباعه منهم، وهذا على فرض أن المراد
بـ (الإعفاء) التوفير والتكثير؛ كما هو مشهور، لكن قال الباجي في «شرح
الموطأ» (7/266) نقلاً عن القاضي أبي الوليد: «ويحتمل عندي أن يريد أن
تعفى اللحى من الإحفاء؛ لأن كثرتها أيضاً ليس بمأمور بتركه.
وقد روى ابن القاسم عن مالك: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية و شذ.
قيل لمالك: فإذا طالت جداً?
قال: أرى أن يؤخذ منها و تقص.
وروي عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللحية ما فضل عن القبضة».
قلت: أخرجه عنهما الخلال في «الترجل» (ص 11- مصورة) بإسنادين صحيحين, وروى
عن الإمام أحمد أنه سئل عن الأخذ من اللحية? قال: كان ابن عمر يأخذ منها
ما زاد على القبضة, وكأنه ذهب إليه.
قال حرب: قلت له: ما الإعفاء? قال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: كان هذا عنده الإعفاء.
قلت: ومن المعلوم أن الراوي أدرى بمرويه من غيره, ولا سيما إذا كان حريصاً
على السنة كابن عمر, و هو يرى نبيه صلى الله عليه وسلم -الآمر بالإعفاء-
ليلاً نهاراً. فتأمل.
ثم روى الخلال من طريق إسحاق قال: «سألت أحمد عن الرجل يأخذ من عارضيه? قال: يأخذ من اللحية ما فضل عن القبضة.
قلت: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «احفوا الشوارب, وأعفوا اللحى»?
قال: يأخذ من طولها ومن تحت حلقه.
ورأيت أبا عبد الله يأخذ من طولها ومن تحت حلقه».
قلت: لقد توسعت قليلاً بذكر هذه النصوص عن بعض السلف والأئمة; لعزتها,
ولظن الكثير من الناس أنها مخالفة لعموم: «وأعفوا اللحى», ولم يتنبهوا
لقاعدة أن الفرد من أفراد العموم إذا لم يجر العمل به, دليل على أنه غير
مراد منه.
وما أكثر البدع التي يسميها الإمام الشاطبي بـ (البدع الإضافية) إلا من
هذا القبيل, ومع ذلك فهي عند أهل العلم مردودة؛ لأنها لم تكن من عمل
السلف, وهم أتقى وأعلم من الخلف, فيرجى الانتباه لهذا فإن الأمر دقيق
ومهم([6]).
([1]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5/5).
قال شيخنا –رحمه الله- «من المسائل الفقهية الدقيقة التي يترتب من فهمها وهي قائمة على أصل شرعي من فهم هذا الأصل سهل عليه.
أولاً: أن يفهم هذا الفرع وبالتالي فروع كثيرة جداً.
كل نص عام ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وفيه جزء يدخل تحت هذا النص
العام نعلم بطريقة أو بأخرى أن هذا الجزء لم يعمل به الرسول صلى الله عليه
وسلم أو سلفنا الصالح، فحين ذاك يكون العمل بهذا الجزء رغم كونه داخلاً
بالنص العام يكون إحداثاً بالدين.
والحقيقة الغفلة عن هذه القاعدة هي التي ورطت المسلمين في القرون المتأخرة
بخاصة حتى وسعوا على أنفسهم الإحداث بالدين والتقرب إلى الله رب العالمين
بما أحدثوه من البدع والمحدثات، وأنا أضرب على هذا أمثلة، فالمهم منها
مثال لم يجر العمل به إلى اليوم بين المسلمين ومثيلهم بالعشرات بل بالمئات
بل الألوف مثل ذاك الفرق أن هذا المثال الذي سأذكره لم يجر العمل به، بل
مستنكر لا لأنه بدعة، وإنما لأنه لم يجر العمل به، وإنما البدع الأخرى مثل
هذه تماماً استسهلوها وعملوا بها لأن العادة جرت على ذلك، نضرب لذلك
مثالاً:
كلنا يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل عن صلاة
الفرد بخمس -وفي رواية- بسبع وعشرين درجة»، صلاة الجماعة والحديث العام
والأشمل «يد الله على الجماعة»، فلو أن رجلاً دخل المسجد في وقت صلاة
العشاء واحد يصلي هنا، وواحد يصلي هناك السنة القبلية فلو أن رجلاً بدا له
ونادى هؤلاء المتفرقين في صلاة السنة القبلية، قال: تعالوا نصلي جماعة خير
من هذا التفرق، وقال عليه الصلاة والسلام: «صلاة الجماعة تفضل صلاة
الفرد...» الحديث.
سنقول: لا يجوز، ليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا، ولا أحد من
أصحابه -والحديث عام- هذا علمنا إنه صلاة الجماعة على المكتوبات، ما جمعهم
على السنة القبلية.
إذاً هل عملت بالنص العام هنا؟
السائل: لا.
الحجة إنه لم يجر العمل في السلف في هذا النص العام هو جواب عما سألت تماماً لو كانوا يعلمون.
اعفوا اللحى نص عام مثل صلاة الجماعة نص عام لكن إذا واحد ترك لحيته ووصلت لسرته عمل بالنص العام، لكن هل عمل السلف به؟
الجواب -عند من لا يعلم-: لا.
عند من لا يعلم يظل هذا الذي لا يعلم عند النص العام.
أما الذي يعلم فيقول: هذه الجزئية من النص العام لم يجر عليها عمل من السلف الصالح.
لا نعلم عن أحد من السلف الصالح فضلاً عن رسول الله سيدهم وإمامهم أنه كان يعفو عن لحيته عفواً عاماً، هذا أولاً.
وثانياً: نعلم عن كثيرين منهم العكس من ذلك تماماً إنهم كانوا يأخذون
منهم: عبد الله بن عمر بن الخطاب، لكن هنا بالنسبة للرواية المروية عن ابن
عمر هذا شبهة ذلك لأن هناك روايتين:
الرواية الأولى: هي التي ذكرتها في حج أو عمرة.
بينما هناك رواية أخرى ثابتة عنه مطلقاً، وتلقى ذلك عنه بعض التابعين،
ومنهم سالم بن عبد الله بن عمر، فكان يأخذ من لحيته. وحديث عن أبي هريرة،
وعن جماعة من التابعين بل وإبراهيم بن يزيد النخعي وهو من صغار التابعين
يروي عن الصحابة أنهم كانوا يأخذون من لحيتهم، فلذلك وجود هذا الأخذ وعدم
وجود الإعفاء المطلق يجعل إعفاء الزائد على القبضة من محدثات الأمور؛
كالجماعة في الرواتب والنوافل.
سائل: بالنسبة إلى كلمة الأخذ الوارد عن الصحابة وبعض التابعين أنهم كانوا يأخذون بتحديد القبضة أم يأخذون فقط؟
الشيخ الألباني -رحمه الله-: في بعض الروايات تحديد القبضة، وبعض هذه
الروايات ليس فيها تحديد، نقف عند ابن عمر؛ لأن ابن عمر هو من رواة حديث
الإعفاء، ومن المشاهدين للرسول عليه الصلاة والسلام بتطبيقه هو وبخاصة
أننا نعلم جميعاً أن ابن عمر كان من أشد وأحرص الصحابة اقتداءاً بالنبي
صلى الله عليه وسلم حتى في جزئيات قد عورض فيها من قبل صحابة آخرين، فمثل
هذا لا يمكن أن نتصور فيه أنه يرى الرسول يأمر بالإعفاء ويطبقه إعفاء
عاماً ثم يخالفه إلى ما نهاه عنه، فهذا أمر مستحيل.
([2]) قال-رحمه الله- في " سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2570).: «ومن عجيب
أمرهم أنهم يطنطنون في خطبهم ومحاضراتهم بوجوب تبني الإسلام كلا لا يتجزأ،
فإذا بهم أول من يكفر بما إليه يدعون، وأن ذلك لبين في أعمالهم وأزيائهم؛
فتراهم أو ترى الأكثرين منهم لا يهتمون بالتزيي بزي نبيهم صلى الله عليه
وسلم إلى الاهتمام بالتشبه بحسن البنا وأمثاله: لحية قصيرة، وكرافيت (ربطة
العنق)، وبعضهم تكاد لحيتهم تكون على مذهب العوام في بعض البلدان: خير
الذقون إشارة تكون، مع تزييه بلباس أهل العلم: العمامة والجبة، وقد تكون
كالخرج، طويلة الذيل كلباس النساء، فإنا لله وإنا إليه راجعون»(أ).
([3]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5/125).
([4]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (1/457).
([5]) قال -رحمه الله- في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (11/785-786).
قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي الحنبلي في «إعفاء اللحى وقص الشارب» (ص14):
«ورخص بعض أهل العلم في أخذ ما زاد على القبضة؛ لفعل ابن عمر». وعلق عليه فقال:
«الحجة في روايته لا في رأيه؛ ولا شك أن قول الرسول وفعله أحق وأولى بالاتباع من قول غيره أو فعله؛ كائنًا ما كان»!
فأقول: نعم؛ لكن نصب المخالفة بين النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمر خطأ؛
لأنه ليس هناك حديث من فعله أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يأخذ من لحيته.
وقوله:
«وفروا اللحى»؛ يمكن أن لا يكون على إطلاقه، فلا يكون فعل ابن عمر مخالفًا
له، فيعود الخلاف بين العلماء إلى فهم النص، وابن عمر -باعتباره راويًا-
يمكن أن يقال: الراوي أدرى بمرويه من غيره، لا سيما وقد وافقه على الأخذ
منها بعض السلف كما تقدم، دون مخالف له منهم فيما علمنا. والله أعلم.
ثم وقفت على أثر هام يؤيد ما تقدم من الأخذ، مرويًا عن السلف؛ فروى
البيهقي في «شعب الإيمان» (2/263/1): أخبرنا أبو الطاهر الفقيه: ثنا أبو
عثمان البصري: ثنا محمد بن عبد الوهاب: أنا يعلى بن عبيد: ثنا سفيان عن
منصور عن إبراهيم قال:
كانوا يأخذون من جوانبها وينظفونها. يعني: اللحية.
قلت: وهذا إسناد جيد».
([6]) «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (5/375-380).
منقول للامانة
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى