الجامع الكبير في تستور
صفحة 1 من اصل 1
الجامع الكبير في تستور
بحلول
سنة 2009 تكون قد مرت على حملة التهجير الكبرى للأندلسيين نحو بلدان
المغرب العربي أربعة قرون، وكان العدد الإجمالي للقادمين الجدد إلى تونس
قرابة 80 ألفا، وقد فتح لهم عثمان داي الذي كان يحكم تونس آنذاك أبواب
الاستقرار في نحو 20 قرية تونسية، ما زالت عادات أهلها وتقاليدهم وألقاب
عائلاتهم آتية مباشرة من الأندلس. وتعتبر مدينة تستور الواقعة على بعد 80
كلم إلى الشمال الغربي للعاصمة التونسية إحدى أهم المدن التي احتفظت إلى
الآن بطابعها الأندلسي، إذ شيد فيها القادمون الجدد كثيرا من الأحياء التي
ما زالت تحمل نفس التسميات الأولى، مثل حي «الثغريين» وحي «الحارة» وحي
«الفلة» وحي «الرحيبة». وجلب المهجرون من الأندلس الكثير من الصناعات
والمهارات التي أثرت العمارة والفلاحة والحدادة والخياطة بأنواعها في
تونس، وخصوصا المعتمدة منها على المواد المحلية مثل الطين والجير والجبس.
ويعتبر الجامع الكبير بتستور من أهم المعالم المعمارية التي شيدها
الأندلسيون في المدينة. وجاء هذا الجامع بعد أن أصبح الجامع المبني بحي
الرحيبة سنة 1609 للميلاد غير قادر على استيعاب أعداد المصلين إثر قدوم
موجة ثانية من المهاجرين. ويذكر أحمد الحمروني في كتابه «معجم المدائن
التونسية» أن هذا الجامع قد شُرع في بنائه سنة 1630 على يد محمد تغرينو،
وكانت البداية ببيت الصلاة ثم الصومعة، ثم جاء الدور على الصحن الكبير،
حيث توجد المزولة التي صنعها أحمد الحرار سنة 1760 للميلاد، ثم أضيفت بعد
ذلك الأروقة والمحراب الخارجي المشابه لجامع ابن طولون بالقاهرة. أما
بالنسبة إلى الصحن الصغير المفتوح على بطحاء السوق ببوابتيه ورواقه وكذلك
الميضأة، فقد أضيفت إلى الجامع سنة 1730 للميلاد، أي بعد قرن من بداية
تشييد الجامع.
وقد وظفت في الجامع الكبير بتستور الأعمدة والتيجان التي تم جلبها من
المواقع الأثرية الرومانية، وعددها كما يذكر أحمد الحمروني 68، ثم تم
اقتناء سبعة أعمدة وتيجان جديدة من الطراز الحسيني من تونس العاصمة لإضافة
الصحن الصغير. وتتضح تأثيرات الأراقونيين والعمارة في طليطلة في بناء
وزخرفة هذا الجامع، فعمارته تجسم النهضة المعمارية التي عرفتها إيطاليا
وإسبانيا خلال تلك الفترة، فقد تم تزويق المحراب بالآجر البارز، كما بنيت
الجدران بصناديق من التربة المحلية مدعومة بالآجر، وهو ما يعرف إلى اليوم
بـ«الطابية». وبنيت الصومعة بقسميها على قاعدة مربعة ودربوز مدرجه حلزوني.
وتوجد بالصومعة ساعة فريدة تتوسط إحدى الواجهات وتدور عقاربها من اليمين
إلى اليسار معاكسة لساعات الكنائس، ويعبر الشكل المشابه لواجهة معبد
بيزنطي وسقف بيت الصلاة بمنحدراته الأربعة المقرمدة والصومعة المماثلة
لصوامع الكنائس بأسطواناتها المخروطة عن تأثر كبير بالعمارة المسيحية،
تماما مثلما يعبر عن ذلك المحراب بمسلاته الدافعة للأذى وزخارفه النباتية
والهندسة المعتمدة على الأضلاع الثلاثة والستة، كما هو الشأن في التيجان
التي تشير إلى تأثيرات يهودية.
المعروف، حسب بعض المصادر التاريخية، أن بعض اليهود المطرودين بدورهم قد
أعلنوا إسلامهم عند قدومهم إلى تونس، وكانت تعيش في مدينة تستور جالية
يهودية مهمة، البعض منها لا يزال يعيش هناك، والبعض الآخر لا يزال يحتفظ
ببعض ممتلكاته وعقاراته إلى الآن.
ومن غرائب العمارة الموجودة في الجامع الكبير بتستور يمكن أن نذكر النجمة
السداسية الموجودة في أعلى الصومعة وفي أكثر من موقع ببيت الصلاة، وهي
المعروفة بخاتم سليمان، والمشهورة بنجمة داوود (عليهما السلام). وقد فسرها
البعض على أساس التسامح الديني بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الكتاب،
فالتعايش بين الشكل المثلث والشكل المسدس في جامع يؤمه المسلمون قلما
وُجد، والتزاوج بين النجمة ذات الأضلاع الخمسة وقبتي المحراب والوسط كما
في جامعي القيروان وقرطبة، وبما خُط عليهما من آيات من سورة الرحمن
وأدعية، لا يمكن تفسيره إلا كدليل رمزي على التسامح بين الأديان والحوار
بين الحضارات. وقد تدل صور مفاتيح العقود المتدلية من قباب بيت الصلاة
المكونة للسقف الداخلي على مختلف الأطراف المساهمة في بناء الجامع، ومع كل
ما حمله الجامع الكبير بتستور من دلائل على حسن توظيف المواد المحلية في
البناء، فإنه يبقى من بين أهم شواهد العمارة الإسلامية المتفردة بزينتها
ومعالمها وأقسامها المختلفة.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
إنك لا تدع شيئاً إتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيرا منه
مواضيع مماثلة
» الدليل الجامع
» التحدي الكبير
» نقل عفش مبارك الكبير
» فشل العرب الكبير
» تفسير رؤية الثعبان الكبير في المنام
» التحدي الكبير
» نقل عفش مبارك الكبير
» فشل العرب الكبير
» تفسير رؤية الثعبان الكبير في المنام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى