الصيام والوجة الاخر للجوع

إن فرض الصيام في الإسلام، كما هو في بقية الأديان أيضا، يشير إلى أن هناك هدفا كبيرا وساميا، وأنه يتجاوز معنى الامتناع عن الطعام والشراب إلى قضية اجتماعية واقتصادية بالإضافة إلى هدف العبادة وإظهار الطاعة والانقياد لأوامر الخالق عز وجل، وربما لا يمكننا الوصول إلى مغزى تلك العبادة بشكل عقلي محض، ولكننا نستطيع البحث في الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية للصوم، ومدى قدرتنا على تحقيق هذه الأبعاد، من خلال قواعد موضوعية علمية بعيدا عن التعليق بالغيبيات والاستسلام لمظهرية العبادة بالمعنى المدرسي البسيط.
وبالنظر للشكل الذي يطبق فيه فعل الصوم فإن أهميته تكمن في كونه السلوك الذي يساوي بين الناس في لحظة معينة، هي عبارة عن إشارة لما يجب أن يكون عليه حال المجتمع، في كل الأزمان والأوقات، فنهار رمضان عينة للخروج بالنتائج، فهناك مساواة بين الغني والفقير والصغير والكبير والحاكم والمحكوم، وبذلك تنزع النفس الإنسانية إلى التدرب على الانسجام مع الآخرين عندما يكون الهم واحدا، والشعور بالحاجة متساوية، فكل صائم مهما كان مستواه الاجتماعي والاقتصادي هو في النهاية يتعرض لوخز المعدة والشوق للطعام، وشدة العطش والبحث عن نقطة تبلل الريق، أي أن الجوع حالة إنسانية لا تخص فردا دون الآخر، فكل الصائمين لا يستطيعون التمتع بالطعام والشراب أثناء صومهم، وذلك الحرمان ما هو إلا درس في الصبر والشعور مع الآخرين والإحساس بمعاناتهم، ومن ثم البحث عن المشترك بين أفراد المجتمع بكافة فئاته وأطيافه، ليكون ذلك دافعا للتكافل والتعاضد والتعاون.
أما الجانب الاقتصادي فإنه لا يخفى أيضا، فالإنسان لا يسمح له بالأكل طوال النهار، وفي الليل يكون نائما، وبذلك تقل الساعات المتوقع للإنسان أن يأكل بها أو يستهلك فيها الطعام والشراب، وبحساب النسبة والتناسب فمن المفترض أن يوفر كل شخص ثلثي المقدار الذي يحتاجه في الأيام الأخرى، ولذا فمن المفترض حسابيا وبزيادة نسبة معينة أن يكون مقدار ما يوفره الصيام يساوي على الأقل نصف ما ينفقه الفرد في الأشهر الأخرى، وهذا الفائض يستخدم لخدمة المجتمع من خلال إقامة المشاريع والمصالح الاقتصادية للتقليل من الفقر والجوع والحرمان، فكأن الصوم الذي هو الجوع يستخدم لمعالجة الجوع في المجتمع.

ولكن واقع الحال يقول ، إن مجموع الإنفاق في رمضان يساوي أضعاف ما ينفق في الشهور الأخرى، فالموائد في رمضان تضم كل الأصناف حتى التي لم نكن نأكلها في غيره، كما نحرص على أن تكون أصناف المأكولات أغلى ثمنا مما كانت عليه في غيره، واهتمامنا بالطعام والشراب يزداد أضغافا أخرى فتفقد النفس الحكمة من السمو الروحي والفكري بالتحرر من الملذات والشهوات، ثم إن الحرمان من الطعام والشراب الذي كان في النهار يعوض أضعافا مضاعفة من خلال السهر طوال الليل، هذا بالإضافة إلى ما يسمى السهرات الرمضانية التي تصبح في رمضان مطلبا ملحا وكأنها جزء منه، مما يزيد النفقات والمصاريف، ويتحول رمضان إلى سوق للاستهلاك المفرط والتبذير.
ولذا فإن مواصفات الصيام الذي ذكرناه تخرجه من دائرة الغاية الكبرى التي من أجلها فرض إلى دائرة ما يسمى الجوع القسري، أو التظاهر بالجوع ليستريح الضمير، وليشعر الإنسان أنه أسقط فرضا من الفروض الواجبة عليه، ومن ثم ليدخل الجنة بسلام! ولا أدري إن كان إسقاط الفرض بهذه الطريقة مقبولا كما يعتقد فقهاؤنا! أم أننا بحاجة إلى مراجعة صيامنا وطرق تعاملنا مع رمضان، وعاداتنا الاستهلاكية، ومظاهرنا السطحية في التعامل مع المشهد، وإلا فما الفائدة من الصوم إن كان يزيد المشكلة الاقتصادية، ويشوه المجتمع ويفاقم أزمة السير ويرفع الأسعار، ويضيق الأخلاق، ونحن لسنا بحاجة إلى جوع آخر يزيد سخطنا وتبرمنا، ومن هنا نفهم قول النبي محمد عليه السلام رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش .

الصيام والوجة الاخر للجوع

الصيام والوجة الاخر للجوع

رد: الصيام والوجة الاخر للجوع