تفسير سورة العصر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة العصر
تفسير سورة العصر
بسم الله الرحمن الرحيم : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
هذه السورة، سورة العصر هي التي قال فيها الإمام الشافعي -رحمه الله-: "لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم" وقد شرح ابن القيم -رحمه الله- كلام الإمام الشافعي في كتابه مفتاح السعادة، وبين رحمه الله أن هذه الآية مشتملة على أربعة أمور: -
الأمر الأول: العلم وهو معرفة الحق، وهو الذي دل عليه قوله جل وعلا: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فالمؤمن يعلم أن الله حق، وأن وعده حق، وأن رسوله حق، وأن لقاءه حق، وأن الملائكة حق، وأن النبيين حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، ثم يعمل بذلك.
وقد دل عليه قوله جل وعلا: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثم يدعو الناس إلى ذلك وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ويصبروا على العلم والعمل والتعليم فهذه أربعة أشياء إذا كملها الإنسان يكون مكملا لنفسه، ومكملا لغيره.
وهذه السورة أقسم الله -جل وعلا- فيها بالعصر، وهو الدهر كاملا، أو العصر وهو الوقت المعروف، أقسم به جل وعلا على أن الإنسان لفي خسر، والمراد كل الإنسان في خسر، في خسارة وهلاك، إلا من استثناهم الله -جل وعلا- بعد ذلك إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .
والخسران هذا بيَّنه الله -جل وعلا- بأنه خسران الدنيا والآخرة في قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ .
وفي الآخرة يخسر نفسه وماله وأهله، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة كقول الله -جل وعلا-: قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ وقال جل وعلا: فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ وقال جل وعلا: إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ .
وفي هذه السورة استثنى الله -جل وعلا- فيها مَن اتصفوا بالصفات الأربع التي تقدم ذكرها.
فقوله جل وعلا: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يعني: آمنوا بما يجب الإيمان به، وهي أركان الإيمان التي بيَّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ يعني: أوصى بعضهم بعضا بالحق، وهذا دليل على أن الإنسان في نفسه قد عمل الحق؛ لأنه لا يوصي غيره بالحق إلا إذا عمل به، وهذا يدل على أن هناك أمرا بالمعروف.
وقوله جل وعلا: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ يعني: أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله، وذلك يقضي بأن هناك نهيا عن المنكر، فهؤلاء موصفون بأنهم مؤمنون، وأنهم يعملون الصالحات، وأنهم يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الله جل وعلا.
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وإن كان من عمل الصالحات إلا أن الله -جل وعلا- خصه بهذا الذكر لشدة أو لحصول الغفلة عنه من كثير من الناس؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا اهتدى في نفسه، فإن ذلك يكفي، وهذا من الخلط؛ ولهذا قال الله: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فلا ينفع الإنسان أن يخرج من هذه الخسارة، إلا إذا أمر بالمعروف، ونهى عن المنكر.
وقد يظن بعض الناس أن قول الله -جل وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يعارض هذه الآية؛ لأن هذه الآية تأمر بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر؛ وذلك يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ يظن بعض الناس أنه إذا اهتدى في نفسه كفى.
وقد أجاب العلماء عن ذلك وقالوا: إن الآيتين معناهما واحد، ولا اختلاف بينهما؛ لأن الله -جل وعلا- قال في آية المائدة: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ما قال جل وعلا: لا يضركم من ضل إذا لم تأمروه بالمعروف وتنهوه عن المنكر، ولكن الله -جل وعلا- إذا ضل إنسان وكان أخوه المسلم يأمره بالمعروف، وإن كان هذا كافرا، يعني: إذا ضل إنسان بكفره، أو ضل الطريق المستقيم، أو وقع في شيء من المعاصي، وأمره أخوه بالمعروف ونهاه عن المنكر، ولكنه بقي على ضلاله، فإن هذا المؤمن تبرأ ذمته.
وأما إذا لم يأمره بالمعروف ولم ينهه عن المنكر فلا تبرأ ذمته؛ لأن من اهتداء الإنسان أن يكون آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وإذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر لم يكن مهتديا؛ ولهذا جعله الله -جل وعلا- في هذا الآية في خسارة، وذلك دليل على أنه غير مهتد.
وقول الله -جل وعلا-: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يدل على أن من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فليس بمهتد.
فالشاهد أن قوله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ أي: إذا ضل بعد أن أمرتموه بالمعروف، ونهيتموه عن المنكر ووقع منه ضلال، فلا يضركم ذلك شيئا؛ لأن إثمه إنما يعود لنفسه. أما إذا لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر فتأتي هذه الآية، آية العصر، ويكون الإنسان في خسارة. نعم.
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: تفسير سورة العصر
نسأل الله السلامة والعافية وأن يلهمنا رشدنا ويسدد خطانا ويثبتنا في الدنيا والآخرة انه ولي ذلك والقادر عليه .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: تفسير سورة العصر
أمين
اللهم ارحمنا اذا جاء منكر ونكير والقيا علينا السؤال
اللهم ارحمنا اذا ورينا التراب وغلقت من القبور الابواب
فاذا الوحشة والوحدة وهول الحساب
اللهم ارحمنا فانك بنا راحم ولا تعذبنا فانك علينا قادر
فاذا الوحشة والوحدة وهول الحساب
اللهم ارحمنا فانك بنا راحم ولا تعذبنا فانك علينا قادر
اللهم ارحمنا اذا جاء منكر ونكير والقيا علينا السؤال
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
حواء-
- عدد المساهمات : 2558
العمر : 50
نقاط تحت التجربة : 14076
تاريخ التسجيل : 11/04/2008
رد: تفسير سورة العصر
آمين يا رب
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة العصر
» قراءة سورة العصر عند الافتراق
» تفسير نفيس/ [تفسير سورة الفاتحة] للشيخ العلامة محمد بوخبزة
» بعض المواقع النافعة ...
» تفسير سورة يوسف
» قراءة سورة العصر عند الافتراق
» تفسير نفيس/ [تفسير سورة الفاتحة] للشيخ العلامة محمد بوخبزة
» بعض المواقع النافعة ...
» تفسير سورة يوسف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى