التزيين فقط من إبليس أما العمل فمن الإنسان نفسه
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
التزيين فقط من إبليس أما العمل فمن الإنسان نفسه
حزب الشيطان: المجادلة (آية:19): استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون).
(يا أيها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان
فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من
احد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم).
)يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين)
(إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدواً، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)
(يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان)
(ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان)
من يتبع خطوات الشيطان إلى أين يصل؟
(إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدواً، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)
فما هي الخطوات التي ذكرها القرآن الكريم التي من يسلكها يكون قد سلك طريق الشيطان واتبع خطواته؟
1- أكل الحرام:
البقرة (آية:168):يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين.
المائدة (آية:90): (يا أيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والانصاب
والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)الأنعام (آية:142):
(ومن الانعام حموله وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان
انه لكم عدو مبين (.
2-البخل والإسراف والرياء في الإنفاق:
النساء (آية:38): (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا)
الإسراء (آية:27): (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ً)
البقرة (آية:268): (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)
3- التحاكم إلى غير شرع الله واللجوء في قضايا الحياة اليومية إلى منهج غير منهج الله سبحانه وتعالى:
النساء (آية:60): (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما
انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به
ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا)
النحل (آية:63): (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب اليم).
لقمان (آية:21): (وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه اباءنا اولو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير).
4- الدعوة إلى الكفر والارتداد عن الدين:
الحشر (آية:16): (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين)
النمل (آية:24): (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون )
يس (آية:60): (ألم اعهد إليكم يا بني ادم أن لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين)
محمد (آية:25): (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم)
مريم (آية:44): (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً).
5- الخوض في آيات الله بغير الله، والحديث في الدين من غير بصيرة ولا هدى:
النساء (آية 83): (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه
إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل
الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً).
الأنعام (آية:68): (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى
يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم
الظالمين).
الحج (آية:3): (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد).
6- تزيين الأعمال الفاسدة والمحرمة على أنها جميلة ومحببة إلى النفس: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)
العنكبوت (آية:38): (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين).
الأنفال (آية:48): (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم
من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء
منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب).
الأنعام (آية:43): (فلولا إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).
7- زرع العداوة والبغضاء بين الناس:
المجادلة (آية:10): (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين امنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
المائدة (آية:91): (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون).
يوسف (آية:5): (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين).
يوسف (آية:100): (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا
تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء
بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء
انه هو العليم الحكيم).
الإسراء (آية:53): (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).
البقرة (آية:208): (يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين).
8- الحث على التعري والتفسخ وترك الاحتشام وكشف العورات:
الأعراف (آية:20): (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من
سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا
من الخالدين)
الأعراف (آية:22): (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما
وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما الم أنهكما عن تلكما
الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين).
الأعراف (آية:27): يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من
الجنه ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما انه يراكم هو وقبيله من حيث لا
ترونهم انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون).
النساء (آية:119): (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن اذان الانعام
ولامرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر
خسرانا مبيناً).
9- يخوف الناس من الدين والالتزام به:
ال عمران (آية:175): (إنما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين)
ما هي وسيلة الشيطان في ذلك؟
التزيين فقط، أما العمل فمن الإنسان نفسه:
ابراهيم (آية:22): (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق
ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي
فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي اني كفرت بما
اشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب اليم).
النساء (آية:120): (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غروراً).
الفرقان (آية:29): (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً).
ماذا يفعل المؤمن إذا شعر بأن وسوسة الشيطان تمكنت منه، أو قام بالاستجابة لوسوسة الشيطان؟
الاعراف (آية:200): (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم).
الاعراف (آية:201): (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)
ذكر الله تعالى يبعد الشيطان:
الزخرف (آية:36): (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين).
قال البيضاوي رحمه الله: (يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات
وانهماكه في الشهوات
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في التحذير من إبليس وجنوده وبيان شيء من حيله ومكره:
ولما علم سبحانه وتعالى أن آدم، وبنيه قد بُلوا بهذا العدو، وأنه قد سُلط
عليهم أمدهم بعساكر، وجُندٍ يلقونه بها، وأمد عدوهم أيضاً بجند وعساكر
يلقاهم بها وأقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر التي هي بالإضافة
إلى الآخرة كنفسٍ واحدةٍ من أنفاسها.
واشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله
فيَقْتُلُون ويُقْتَلون، وأخبر أن ذلك وعد مؤكد في أشرف كتبه وهي التوراة،
والإنجيل، والقرآن، واخبر أنه لا أوفى بعهده منه سبحانه وتعالى.
ثم أمرهم أن يستبشروا بهذه الصفقة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر إلى
المشتري من هو، وإلى الثمن المبذول في هذه السلعة، وإلى من جرى على يديه
هذا العقد، فأي فوز أعظم من هذا، وأي تجارة أربح منه.
ثُمّ أكد سبحانه هذا بقوله: { يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذّابٍ أَلِيم* تُؤْمِنُونُ
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُم ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَيُدْخِلْكُم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ
العَظِيمُ } [الصف: 10-13].
ولم يسلط هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب أنواع المخلوقات إليه،
إلا لأن الجهاد أحب شيء إليه، وأهله أرفع الخلق عنده درجات وأقربهم إليه
وسيلة.
فعقد سبحانه لواء هذا الحرب لخلاصة مخلوقاته، وهو القلب الذي هو محل
معرفته، ومحبته، وعبوديته، والإخلاص له والتوكل عليه، والإنابة إليه،
فولاه أمر هذه الحرب.
وأيده بجنده من الملائكة لا يفارقونه، قال تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ
مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللهِ }
[لرعد: 11] يثبتونه ويحفظونه، ويأمرونه بالخير، ويحضونه عليه، ويَعِدونه
بكرامة الله، ويصبرونه، ويقولون إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد.
ثم أمده بجند آخر من وحيه، وكلامه، فأرسل إليه رسوله صلى الله عليه وسلم،
وأنزل إليه كتابه، فازداد قوة إلى قوته، ومدداً إلى مدده وعدة إلى عدته.
وأيده مع ذلك بالعقل وزيراً له ومدبراً، وبالمعرفة مشيرة عليه وناصحة له،
وبالإيمان مثبتاً له، ومؤيداً وناصراً، وباليقين كاشفاً له عن حقيقة الأمر
كأنه يعاين ما وعد الله تعالى به أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه.
فالعقل: يدبر أمر جيشه، والمعرفة: تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها
اللاحقة بها، والإيمان: يثبته ويقويه ويصبره، واليقين: يقدم به ويحمل به
الحملات الصادقة.
ثم أمد سبحانه القائم بهذه الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة، فجعل العين
طليعته، والأذن صاحب خبرِهِ، واللسان ترجمان، واليدين والرجلين أعوانه.
وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له، ويسألون أن يقيه السيئات، ويدخله الجنات، وتولى سبحانه الدفع عنه والدفاع عنه بنفسه.
وقال هؤلاء حزبي وحزب الله المفلحون، قال تعالى: { أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ
أَلآ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ } وهؤلاء جندي وجند الله هم
الغالبون.
وعلَّم سبحانه عباده كيفية هذه الحرب والجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات،
فقال: { يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران: 20].
ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة، فلا يتم له الصبر إلا
بمصابرة العدو، وهي مقاومته، ومنازلته، فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمر آخر
وهو المرابطة وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل معه العدو ولزوم ثغر
العين، والأذن واللسان، والبطن، واليد، والرجل.
فهذه الثغور منها يدخل العدو، فيجوس خلال الديار، ويفسد ما قدر عليه،
فالمرابطة لزوم هذه الثغور، ولا يخلي مكانها فيصادف العدو الثغر خالياً
فيدخل منه.
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير الخلق بعد النبيين
والمرسلين، وأعظمهم حماية، وحراسة من الشيطان، وقد أخلو المكان الذي
أُمِروا بلزومه يوم أحد، فدخل منه العدو فكان ما كان.
وجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى الله تعالى فلا ينفع
الصبر ولا المصابرة، ولا المرابطة، إلا بالتقوى ولا تقوم التقوى إلا على
ساق الصبر، فانظر الآن فيك إلى التقاء الجيشين واصطدام العسكريين، وكيف
تدال مرة، ويدال عليك مرة أخرى.
أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره، فوجد القلب في حصنه جالساً على كرسي
مملكته، أمره نافذ في أعوانه، وجنده قد حفوا به يقاتلون عنه، ويدافعون عن
حوزته، فلم يمكنه الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه.
فسأل عن أخص الجند به، وأقربهم منه منزلة، فقيل له هي النفس، فقال لأعوانه
أدخلوا عليها من مرادها، وانظروا مواقع محبتها، وما هو محبوبها، فعِدوها
به، ومَنُّوها إياه، وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها.
فإذا اطمأنت إليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها، ثم جروها بها إليكم.
فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه ملكتم ثغور العين، والأذن واللسان،
والفم واليد، والرجل، فرابطوا على هذه الثغور كل المرابطة فمتى دخلتم منها
إلى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن الجراحات.
ولا تخلو هذه الثغور، ولا تمكنوا سرية تدخل فيه إلى القبب فتخرجكم منها،
وإن غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها، حتى لا تصل إلى القلب وإن
وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئاً.
فإذا استوليتم على هذه الثغور، فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتباراً
بل اجعلوا نظره تفرجاً، واستحساناً، وتلهياً، فإن استرق نظره عبرة،
فافسدوها عليه بنظرة الغفلة، والاستحسان والشهوة، فإنه أقرب إليه، وأعلق
بنفسه، وأخف عليه.
ودونكم ثغر العين فإن منه تنالون بغيتكم، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل
النظر، فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة، ثم أسقيه بماء الأمنية، ثم لا
أزال أعده وأمنيه حتى أُقَوّي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة، إلا الانخلاع
من العصمة.
فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم، وهونوا عليه أمره
وقولوا له مقدار نظرةٍ تدعوك إلى تسبيح الخالق والتأمل لبديع صنعه، وحسن
هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك
العينين سدى وما خلق هذه الصورة ليحجبها عن النظر.
ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر، فاجتهدوا أن لا
تدخلوا منه إلا الباطل فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه، وتخيروا له
أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب، وامزجوه بما تهوى النفس مزجاً وألقوا
الكلمة فإن رأيتم منه إصغاء إليها، فزجوه بأخواتها، وكلما صادفتم منه
استحسان شيء فالهجوا له بذكره.
وإياكم أن يدخل هذا الثغر شيء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه
وسلم أو كلام النصحاء، فإن غُلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء، فحولوا بينه
وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به، إما بإدخال ضده عليه وإما بتهويل
ذلك وتعظيمه، وأن هذا الأمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها إليه،
وهو حِملٌ يثقل عليها لا تستقل به ونحو ذلك.
وإما بإرخاصه على النفوس، وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند
الناس وأعز عليهم وأغرب عندهم والقابلون له أكثر، وأما الحق فهو مهجور
وقائله معرّض نفسه للعداوة. والرائج بين الناس أولى بالإيثار ونحو ذلك،
فيدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه ويخرجون له الحق في قالب
يكرهه ويثقل عليه.
وإذا شئت أن تعرف ذلك انظر إلى إخوانهم من شياطين الإنس، كيف يخرجون الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب كثرة الفضول وتتبع عثرات الناس،
والتعرض من البلاء لما لا يطيق، وإلقاء الفتن بين الناس ونحو ذلك.
والمقصود أن الشيطان لزم ثغر الأذن أن يدخل فيها ما يضر العبد ولا ينفعه،
ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعه، وإن دخل بغير اختيار أفسد عليه.
ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم، وهو قبالة الملك،
فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه، وامنعوه أن يجري عليه شيء مما
ينفعه، من ذكر الله تعالى، واستغفاره، وتلاوة كتابه ونصيحة عباده، والتكلم
بالعلم النافع، ويكون في هذا الثغر أمران عظيمان، لا تبالون بأيّهما ظفرتم:
أحدهما: التكلم بالباطل، فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.
والثاني: السكوت عن الحق، فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس، كما أن الأول
أخٌ ناطقٌ، وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح
"المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطقٌ، والساكت عن الحق شيطان أخرس".
فالرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق، أو يمسك عن باطل. وزينوا له التكلم
بالباطل بكل طريق، وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق. وعلموا يا بني أن ثغر
اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبهم منه على مناخرهم في النار.
فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر.
وأوصيكم بوصية فاحفظوها، لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة،
ويكون الآخر على لسان السامع، فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها،
ويطلب من أخيه إعادتها، وكونوا أعواناً على الإنس بكل طريق، وادخلوا عليهم
من كل باب، واقعدوا لهم كل مرصد.
أما سمعتم الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي
لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنّهُمْ مِن
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن
شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 16- 18].
أو ما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقه كلها، فلا يفوتني من طريق إلا قعدت له
بطريق غيره، حتى أصيب منه حاجتي أو بعضها.
وقد حذّرهم ذلك رسولهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم: « إن الشيطان قد قعد
لابن آدم بطرقه كلها، وقعد له بطريق الإسلام . فقال أتسلم وتذر دينك ودين
آبائك، فخالفه وأسلم.
فقعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، فخالفه وهاجر، فقعد
له بطريق الجهاد، فقال: أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة. »
فهكذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير، فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له
على طريق الصدقة، وقوله له في نفسه: أتخرج المال فتبقى مثل هذا السائل،
وتصير بمنزلته أنت وهو سواء.
أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه، فقال: هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم.
واقعدوا له بطريق الحج، فقولوا: طريقة مخوفة مشقة، يتعرض سالكها لتلف
النفس والمال، وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير عنها وذكر
صعوبتها وآفاتها.
ثم اقعدوا لهم على طرق المعاصي فحسنوها في أعين بني آدم، وزينوها في
قلبوهم واجعلوا أكثر أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن ادخلوا عليهم
فنِعم العون عن لكم.
ثم الزموا ثغر اليدين والرجلين، فامنعوها أن تبطش بما يضركم وتمشي فيه.
واعلموا أن أكبر أعوانكم على لزوم الثغور مصالحة النفس الأمارة فأعينوها
واستعينوا بها، وأمدوها واستمدوا منها، وكونوا معها على حرب النفس
المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وإبطال قواها ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع
موادها عنها.
فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمارة، وانطاعت لكم أعوانها
فاستنزلوا القلب من حصنه، واعزلوه عن مملكته، وولوا مكانه النفس الأمارة،
فإنها لا تأمر إلا بما ترونه وتحبونه، ولا تجيئكم بما تركهونه البتة، مع
أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها، بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت
إلى فعله.
فإن أحسستم من القلب منازعة إلى مملكته، وأردتم الأمن من ذلك فاعقدوا بينه
وبين النفس عقد النكاح، فزينوها وجملوها وأروها إياه في أحسن صورة عروس
توجد، وقولوا له: ذق طعم هذا الوصال وتمتع بهذه العروس، كما ذقت طعم الحرب
وباشرت مرارة الطعن والضرب.
ثم وازن بين لذة هذه المسألة ومرارة تلك المحاربة، فدع الحرب تضع أوزارها،
فليست بيوم وتنقضي، وإنما هو حرب متصل بالموت، وقواك تضعف عن حرب دائم.
واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:
أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة
بكل طريق، فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك، فإن القلب إذا غفل عن
الله تعالى تمكنتم منه ومن إغوائه.
والثاني: جند الشهوات، فزينوها في قلوبهم، وحسنوها في أعينهم، وصولوا
عليهم بهذين العسكرين، فليس لكم من بني آدم أبلغ منهما، واستعينوا على
الغفلة بالشهوات، وعلى الشهوات بالغفلة، واقرنوا بين الغافلين.
ثم استعينوا بهما على الذاكر، ولا يغلب واحدٌ خمسة،فإن مع كل واحد من
الغافلين شياطين صاروا أربعة، وشيطان الذاكر معهم، وإذا رأيتم جماعة
مجتمعين على ما يضركم- من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم
تقدروا على تفريقهم- فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البطالين،
فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم بهم.
وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها، وادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب
إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا أعوناً له على تحصيلها، وإذا كان
الله قد أمرهم أن يصبروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا
أنتم وصابروا ورابطوا عليهم بالثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة
والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.
واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور،
فخذوا عليه طريق الشهوة، ودعوا طريق الغضب، ومنهم من يكون سلطان الغضب
عليه أغلب، فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه، ولا تعطلوا ثغرها، فإن من لم يملك
نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة، فزوجوا بين غضبه
وشهوته وامزوجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، وإلى
الغضب من طريق الشهوة.
واعلموا انه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين، وإنما أخرجت
أبويهم من الجنة بالشهوة، وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه
قطعت أرحامهم وسفكت دماءهم وبه قتل احد ابني آدم أخاه، واعلوا أن الغضب
جمرة في قلب ابن آدم، والشهوة نارٌ تثور من قلبه وإنما تطفأ النار بالماء
والصلاة والذكر والتكبير.
فإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فإن
ذلك يطفأ عنهم نار الغضب والشهوة، وقد أمرهم نبيهم بذلك فقال إن الغضب
جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس
بذلك فليتوضأ، وقال لهم إنما تطفأ النار بالماء وقد أوصاهم أن يستعينوا
عليكم بالصبر والصلاة.
فحولوا بينهم وبين ذلك وأنسوهم إياه، واستعينوه عليهم بالشهوة والغضب،
وأبلغ أسلحتكم فيهم وأنكاها الغفلة واتباع الهوى، وأعظم أسلحتهم فيكم
وأمنع حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى، فإذا رأيتم الرجل مخالفاً لهواه
فاهربوا من ظله ولا تدنوا منه.
والمقصود أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداءه ويعينهم بها
على نفسه فيقاتلونه بسلاحه ويكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير
اللهم جنبنا شياطين الإنس والجن، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن
أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعظمتك أن نُُغتال من تحت أرجلنا. وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
).
(يا أيها الذين امنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان
فانه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من
احد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم).
)يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين)
(إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدواً، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)
(يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان)
(ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان)
من يتبع خطوات الشيطان إلى أين يصل؟
(إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدواً، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)
فما هي الخطوات التي ذكرها القرآن الكريم التي من يسلكها يكون قد سلك طريق الشيطان واتبع خطواته؟
1- أكل الحرام:
البقرة (آية:168):يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين.
المائدة (آية:90): (يا أيها الذين امنوا إنما الخمر والميسر والانصاب
والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)الأنعام (آية:142):
(ومن الانعام حموله وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان
انه لكم عدو مبين (.
2-البخل والإسراف والرياء في الإنفاق:
النساء (آية:38): (والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا)
الإسراء (آية:27): (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ً)
البقرة (آية:268): (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)
3- التحاكم إلى غير شرع الله واللجوء في قضايا الحياة اليومية إلى منهج غير منهج الله سبحانه وتعالى:
النساء (آية:60): (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما
انزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به
ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا)
النحل (آية:63): (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب اليم).
لقمان (آية:21): (وإذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه اباءنا اولو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير).
4- الدعوة إلى الكفر والارتداد عن الدين:
الحشر (آية:16): (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين)
النمل (آية:24): (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون )
يس (آية:60): (ألم اعهد إليكم يا بني ادم أن لا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين)
محمد (آية:25): (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم)
مريم (آية:44): (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً).
5- الخوض في آيات الله بغير الله، والحديث في الدين من غير بصيرة ولا هدى:
النساء (آية 83): (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه
إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل
الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً).
الأنعام (آية:68): (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى
يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم
الظالمين).
الحج (آية:3): (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد).
6- تزيين الأعمال الفاسدة والمحرمة على أنها جميلة ومحببة إلى النفس: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)
العنكبوت (آية:38): (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين).
الأنفال (آية:48): (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم
من الناس واني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء
منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب).
الأنعام (آية:43): (فلولا إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).
7- زرع العداوة والبغضاء بين الناس:
المجادلة (آية:10): (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين امنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
المائدة (آية:91): (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون).
يوسف (آية:5): (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين).
يوسف (آية:100): (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا
تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء
بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء
انه هو العليم الحكيم).
الإسراء (آية:53): (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا).
البقرة (آية:208): (يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين).
8- الحث على التعري والتفسخ وترك الاحتشام وكشف العورات:
الأعراف (آية:20): (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من
سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا
من الخالدين)
الأعراف (آية:22): (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما
وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما الم أنهكما عن تلكما
الشجرة واقل لكما ان الشيطان لكما عدو مبين).
الأعراف (آية:27): يا بني ادم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج ابويكم من
الجنه ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما انه يراكم هو وقبيله من حيث لا
ترونهم انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون).
النساء (آية:119): (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن اذان الانعام
ولامرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر
خسرانا مبيناً).
9- يخوف الناس من الدين والالتزام به:
ال عمران (آية:175): (إنما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافون ان كنتم مؤمنين)
ما هي وسيلة الشيطان في ذلك؟
التزيين فقط، أما العمل فمن الإنسان نفسه:
ابراهيم (آية:22): (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق
ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي
فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي اني كفرت بما
اشركتمون من قبل ان الظالمين لهم عذاب اليم).
النساء (آية:120): (يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان الا غروراً).
الفرقان (آية:29): (لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً).
ماذا يفعل المؤمن إذا شعر بأن وسوسة الشيطان تمكنت منه، أو قام بالاستجابة لوسوسة الشيطان؟
الاعراف (آية:200): (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله انه سميع عليم).
الاعراف (آية:201): (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)
ذكر الله تعالى يبعد الشيطان:
الزخرف (آية:36): (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين).
قال البيضاوي رحمه الله: (يتعام ويعرض عنه لفرط اشتغاله بالمحسوسات
وانهماكه في الشهوات
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في التحذير من إبليس وجنوده وبيان شيء من حيله ومكره:
ولما علم سبحانه وتعالى أن آدم، وبنيه قد بُلوا بهذا العدو، وأنه قد سُلط
عليهم أمدهم بعساكر، وجُندٍ يلقونه بها، وأمد عدوهم أيضاً بجند وعساكر
يلقاهم بها وأقام سوق الجهاد في هذه الدار في مدة العمر التي هي بالإضافة
إلى الآخرة كنفسٍ واحدةٍ من أنفاسها.
واشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله
فيَقْتُلُون ويُقْتَلون، وأخبر أن ذلك وعد مؤكد في أشرف كتبه وهي التوراة،
والإنجيل، والقرآن، واخبر أنه لا أوفى بعهده منه سبحانه وتعالى.
ثم أمرهم أن يستبشروا بهذه الصفقة التي من أراد أن يعرف قدرها فلينظر إلى
المشتري من هو، وإلى الثمن المبذول في هذه السلعة، وإلى من جرى على يديه
هذا العقد، فأي فوز أعظم من هذا، وأي تجارة أربح منه.
ثُمّ أكد سبحانه هذا بقوله: { يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذّابٍ أَلِيم* تُؤْمِنُونُ
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُم ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* يَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُم وَيُدْخِلْكُم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ
العَظِيمُ } [الصف: 10-13].
ولم يسلط هذا العدو على عبده المؤمن الذي هو أحب أنواع المخلوقات إليه،
إلا لأن الجهاد أحب شيء إليه، وأهله أرفع الخلق عنده درجات وأقربهم إليه
وسيلة.
فعقد سبحانه لواء هذا الحرب لخلاصة مخلوقاته، وهو القلب الذي هو محل
معرفته، ومحبته، وعبوديته، والإخلاص له والتوكل عليه، والإنابة إليه،
فولاه أمر هذه الحرب.
وأيده بجنده من الملائكة لا يفارقونه، قال تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ
مِّنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِن أَمْرِ اللهِ }
[لرعد: 11] يثبتونه ويحفظونه، ويأمرونه بالخير، ويحضونه عليه، ويَعِدونه
بكرامة الله، ويصبرونه، ويقولون إنما هو صبر ساعة وقد استرحت راحة الأبد.
ثم أمده بجند آخر من وحيه، وكلامه، فأرسل إليه رسوله صلى الله عليه وسلم،
وأنزل إليه كتابه، فازداد قوة إلى قوته، ومدداً إلى مدده وعدة إلى عدته.
وأيده مع ذلك بالعقل وزيراً له ومدبراً، وبالمعرفة مشيرة عليه وناصحة له،
وبالإيمان مثبتاً له، ومؤيداً وناصراً، وباليقين كاشفاً له عن حقيقة الأمر
كأنه يعاين ما وعد الله تعالى به أولياءه وحزبه على جهاد أعدائه.
فالعقل: يدبر أمر جيشه، والمعرفة: تصنع له أمور الحرب وأسبابها ومواضعها
اللاحقة بها، والإيمان: يثبته ويقويه ويصبره، واليقين: يقدم به ويحمل به
الحملات الصادقة.
ثم أمد سبحانه القائم بهذه الحرب بالقوى الظاهرة والباطنة، فجعل العين
طليعته، والأذن صاحب خبرِهِ، واللسان ترجمان، واليدين والرجلين أعوانه.
وأقام ملائكته وحملة عرشه يستغفرون له، ويسألون أن يقيه السيئات، ويدخله الجنات، وتولى سبحانه الدفع عنه والدفاع عنه بنفسه.
وقال هؤلاء حزبي وحزب الله المفلحون، قال تعالى: { أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ
أَلآ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ } وهؤلاء جندي وجند الله هم
الغالبون.
وعلَّم سبحانه عباده كيفية هذه الحرب والجهاد فجمعها لهم في أربع كلمات،
فقال: { يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
واتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [آل عمران: 20].
ولا يتم أمر هذا الجهاد إلا بهذه الأمور الأربعة، فلا يتم له الصبر إلا
بمصابرة العدو، وهي مقاومته، ومنازلته، فإذا صابر عدوه احتاج إلى أمر آخر
وهو المرابطة وهي لزوم ثغر القلب وحراسته لئلا يدخل معه العدو ولزوم ثغر
العين، والأذن واللسان، والبطن، واليد، والرجل.
فهذه الثغور منها يدخل العدو، فيجوس خلال الديار، ويفسد ما قدر عليه،
فالمرابطة لزوم هذه الثغور، ولا يخلي مكانها فيصادف العدو الثغر خالياً
فيدخل منه.
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، خير الخلق بعد النبيين
والمرسلين، وأعظمهم حماية، وحراسة من الشيطان، وقد أخلو المكان الذي
أُمِروا بلزومه يوم أحد، فدخل منه العدو فكان ما كان.
وجماع هذه الثلاثة وعمودها الذي تقوم به هو تقوى الله تعالى فلا ينفع
الصبر ولا المصابرة، ولا المرابطة، إلا بالتقوى ولا تقوم التقوى إلا على
ساق الصبر، فانظر الآن فيك إلى التقاء الجيشين واصطدام العسكريين، وكيف
تدال مرة، ويدال عليك مرة أخرى.
أقبل ملك الكفرة بجنوده وعساكره، فوجد القلب في حصنه جالساً على كرسي
مملكته، أمره نافذ في أعوانه، وجنده قد حفوا به يقاتلون عنه، ويدافعون عن
حوزته، فلم يمكنه الهجوم عليه إلا بمخامرة بعض أمرائه وجنده عليه.
فسأل عن أخص الجند به، وأقربهم منه منزلة، فقيل له هي النفس، فقال لأعوانه
أدخلوا عليها من مرادها، وانظروا مواقع محبتها، وما هو محبوبها، فعِدوها
به، ومَنُّوها إياه، وانقشوا صورة المحبوب فيها في يقظتها ومنامها.
فإذا اطمأنت إليه وسكنت عنده فاطرحوا عليها كلاليب الشهوة وخطاطيفها، ثم جروها بها إليكم.
فإذا خامرت على القلب وصارت معكم عليه ملكتم ثغور العين، والأذن واللسان،
والفم واليد، والرجل، فرابطوا على هذه الثغور كل المرابطة فمتى دخلتم منها
إلى القلب فهو قتيل أو أسير أو جريح مثخن الجراحات.
ولا تخلو هذه الثغور، ولا تمكنوا سرية تدخل فيه إلى القبب فتخرجكم منها،
وإن غلبتم فاجتهدوا في إضعاف السرية ووهنها، حتى لا تصل إلى القلب وإن
وصلت ضعيفة لا تغني عنه شيئاً.
فإذا استوليتم على هذه الثغور، فامنعوا ثغر العين أن يكون نظره اعتباراً
بل اجعلوا نظره تفرجاً، واستحساناً، وتلهياً، فإن استرق نظره عبرة،
فافسدوها عليه بنظرة الغفلة، والاستحسان والشهوة، فإنه أقرب إليه، وأعلق
بنفسه، وأخف عليه.
ودونكم ثغر العين فإن منه تنالون بغيتكم، فإني ما أفسدت بني آدم بشيء مثل
النظر، فإني أبذر به في القلب بذر الشهوة، ثم أسقيه بماء الأمنية، ثم لا
أزال أعده وأمنيه حتى أُقَوّي عزيمته وأقوده بزمام الشهوة، إلا الانخلاع
من العصمة.
فلا تهملوا أمر هذا الثغر وأفسدوه بحسب استطاعتكم، وهونوا عليه أمره
وقولوا له مقدار نظرةٍ تدعوك إلى تسبيح الخالق والتأمل لبديع صنعه، وحسن
هذه الصورة التي إنما خلقت ليستدل بها الناظر عليه وما خلق الله لك
العينين سدى وما خلق هذه الصورة ليحجبها عن النظر.
ثم امنعوا ثغر الأذن أن يدخل منه ما يفسد عليكم الأمر، فاجتهدوا أن لا
تدخلوا منه إلا الباطل فإنه خفيف على النفس تستحليه وتستحسنه، وتخيروا له
أعذب الألفاظ وأسحرها للألباب، وامزجوه بما تهوى النفس مزجاً وألقوا
الكلمة فإن رأيتم منه إصغاء إليها، فزجوه بأخواتها، وكلما صادفتم منه
استحسان شيء فالهجوا له بذكره.
وإياكم أن يدخل هذا الثغر شيء من كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه
وسلم أو كلام النصحاء، فإن غُلبتم على ذلك ودخل من ذلك شيء، فحولوا بينه
وبين فهمه وتدبره والتفكر فيه والعظة به، إما بإدخال ضده عليه وإما بتهويل
ذلك وتعظيمه، وأن هذا الأمر قد حيل بين النفوس وبينه فلا سبيل لها إليه،
وهو حِملٌ يثقل عليها لا تستقل به ونحو ذلك.
وإما بإرخاصه على النفوس، وأن الاشتغال ينبغي أن يكون بما هو أعلى عند
الناس وأعز عليهم وأغرب عندهم والقابلون له أكثر، وأما الحق فهو مهجور
وقائله معرّض نفسه للعداوة. والرائج بين الناس أولى بالإيثار ونحو ذلك،
فيدخلون الباطل عليه في كل قالب يقبله ويخف عليه ويخرجون له الحق في قالب
يكرهه ويثقل عليه.
وإذا شئت أن تعرف ذلك انظر إلى إخوانهم من شياطين الإنس، كيف يخرجون الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب كثرة الفضول وتتبع عثرات الناس،
والتعرض من البلاء لما لا يطيق، وإلقاء الفتن بين الناس ونحو ذلك.
والمقصود أن الشيطان لزم ثغر الأذن أن يدخل فيها ما يضر العبد ولا ينفعه،
ويمنع أن يدخل إليها ما ينفعه، وإن دخل بغير اختيار أفسد عليه.
ثم يقول: قوموا على ثغر اللسان، فإنه الثغر الأعظم، وهو قبالة الملك،
فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه، وامنعوه أن يجري عليه شيء مما
ينفعه، من ذكر الله تعالى، واستغفاره، وتلاوة كتابه ونصيحة عباده، والتكلم
بالعلم النافع، ويكون في هذا الثغر أمران عظيمان، لا تبالون بأيّهما ظفرتم:
أحدهما: التكلم بالباطل، فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم ومن أكبر جندكم وأعوانكم.
والثاني: السكوت عن الحق، فإن الساكت عن الحق أخ لكم أخرس، كما أن الأول
أخٌ ناطقٌ، وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح
"المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطقٌ، والساكت عن الحق شيطان أخرس".
فالرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق، أو يمسك عن باطل. وزينوا له التكلم
بالباطل بكل طريق، وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق. وعلموا يا بني أن ثغر
اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبهم منه على مناخرهم في النار.
فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر.
وأوصيكم بوصية فاحفظوها، لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة،
ويكون الآخر على لسان السامع، فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها،
ويطلب من أخيه إعادتها، وكونوا أعواناً على الإنس بكل طريق، وادخلوا عليهم
من كل باب، واقعدوا لهم كل مرصد.
أما سمعتم الذي أقسمت به لربهم حيث قلت: { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي
لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنّهُمْ مِن
بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن
شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [الأعراف: 16- 18].
أو ما تروني قد قعدت لابن آدم بطرقه كلها، فلا يفوتني من طريق إلا قعدت له
بطريق غيره، حتى أصيب منه حاجتي أو بعضها.
وقد حذّرهم ذلك رسولهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم: « إن الشيطان قد قعد
لابن آدم بطرقه كلها، وقعد له بطريق الإسلام . فقال أتسلم وتذر دينك ودين
آبائك، فخالفه وأسلم.
فقعد له بطريق الهجرة، فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، فخالفه وهاجر، فقعد
له بطريق الجهاد، فقال: أتجاهد فتقتل فيقسم المال وتنكح الزوجة. »
فهكذا فاقعدوا لهم بكل طرق الخير، فإذا أراد أحدهم أن يتصدق فاقعدوا له
على طريق الصدقة، وقوله له في نفسه: أتخرج المال فتبقى مثل هذا السائل،
وتصير بمنزلته أنت وهو سواء.
أو ما سمعتم ما ألقيت على لسان رجل سأله آخر أن يتصدق عليه، فقال: هي أموالنا إن أعطيناكموها صرنا مثلكم.
واقعدوا له بطريق الحج، فقولوا: طريقة مخوفة مشقة، يتعرض سالكها لتلف
النفس والمال، وهكذا فاقعدوا على سائر طرق الخير بالتنفير عنها وذكر
صعوبتها وآفاتها.
ثم اقعدوا لهم على طرق المعاصي فحسنوها في أعين بني آدم، وزينوها في
قلبوهم واجعلوا أكثر أعوانكم على ذلك النساء، فمن أبوابهن ادخلوا عليهم
فنِعم العون عن لكم.
ثم الزموا ثغر اليدين والرجلين، فامنعوها أن تبطش بما يضركم وتمشي فيه.
واعلموا أن أكبر أعوانكم على لزوم الثغور مصالحة النفس الأمارة فأعينوها
واستعينوا بها، وأمدوها واستمدوا منها، وكونوا معها على حرب النفس
المطمئنة فاجتهدوا في كسرها وإبطال قواها ولا سبيل إلى ذلك إلا بقطع
موادها عنها.
فإذا انقطعت موادها وقويت مواد النفس الأمارة، وانطاعت لكم أعوانها
فاستنزلوا القلب من حصنه، واعزلوه عن مملكته، وولوا مكانه النفس الأمارة،
فإنها لا تأمر إلا بما ترونه وتحبونه، ولا تجيئكم بما تركهونه البتة، مع
أنها لا تخالفكم في شيء تشيرون به عليها، بل إذا أشرتم عليها بشيء بادرت
إلى فعله.
فإن أحسستم من القلب منازعة إلى مملكته، وأردتم الأمن من ذلك فاعقدوا بينه
وبين النفس عقد النكاح، فزينوها وجملوها وأروها إياه في أحسن صورة عروس
توجد، وقولوا له: ذق طعم هذا الوصال وتمتع بهذه العروس، كما ذقت طعم الحرب
وباشرت مرارة الطعن والضرب.
ثم وازن بين لذة هذه المسألة ومرارة تلك المحاربة، فدع الحرب تضع أوزارها،
فليست بيوم وتنقضي، وإنما هو حرب متصل بالموت، وقواك تضعف عن حرب دائم.
واستعينوا يا بني بجندين عظيمين لن تغلبوا معهما:
أحدهما: جند الغفلة، فأغفلوا قلوب بني آدم عن الله تعالى والدار الآخرة
بكل طريق، فليس لكم شيء أبلغ في تحصيل غرضكم من ذلك، فإن القلب إذا غفل عن
الله تعالى تمكنتم منه ومن إغوائه.
والثاني: جند الشهوات، فزينوها في قلوبهم، وحسنوها في أعينهم، وصولوا
عليهم بهذين العسكرين، فليس لكم من بني آدم أبلغ منهما، واستعينوا على
الغفلة بالشهوات، وعلى الشهوات بالغفلة، واقرنوا بين الغافلين.
ثم استعينوا بهما على الذاكر، ولا يغلب واحدٌ خمسة،فإن مع كل واحد من
الغافلين شياطين صاروا أربعة، وشيطان الذاكر معهم، وإذا رأيتم جماعة
مجتمعين على ما يضركم- من ذكر الله أو مذاكرة أمره ونهيه ودينه، ولم
تقدروا على تفريقهم- فاستعينوا عليهم ببني جنسهم من الإنس البطالين،
فقربوهم منهم، وشوشوا عليهم بهم.
وبالجملة فأعدوا للأمور أقرانها، وادخلوا على كل واحد من بني آدم من باب
إرادته وشهوته، فساعدوه عليها، وكونوا أعوناً له على تحصيلها، وإذا كان
الله قد أمرهم أن يصبروا لكم ويصابروكم ويرابطوا عليكم الثغور فاصبروا
أنتم وصابروا ورابطوا عليهم بالثغور، وانتهزوا فرصكم فيهم عند الشهوة
والغضب، فلا تصطادون بني آدم في أعظم من هذين الموطنين.
واعلموا أن منهم من يكون سلطان الشهوة عليه أغلب وسلطان غضبه ضعيف مقهور،
فخذوا عليه طريق الشهوة، ودعوا طريق الغضب، ومنهم من يكون سلطان الغضب
عليه أغلب، فلا تخلوا طريق الشهوة قلبه، ولا تعطلوا ثغرها، فإن من لم يملك
نفسه عند الغضب فإنه بالحري أن لا يملك نفسه عند الشهوة، فزوجوا بين غضبه
وشهوته وامزوجوا أحدهما بالآخر، وادعوه إلى الشهوة من باب الغضب، وإلى
الغضب من طريق الشهوة.
واعلموا انه ليس لكم في بني آدم سلاح أبلغ من هذين السلاحين، وإنما أخرجت
أبويهم من الجنة بالشهوة، وإنما ألقيت العداوة بين أولادهم بالغضب فبه
قطعت أرحامهم وسفكت دماءهم وبه قتل احد ابني آدم أخاه، واعلوا أن الغضب
جمرة في قلب ابن آدم، والشهوة نارٌ تثور من قلبه وإنما تطفأ النار بالماء
والصلاة والذكر والتكبير.
فإياكم أن تمكنوا ابن آدم عند غضبه وشهوته من قربان الوضوء والصلاة فإن
ذلك يطفأ عنهم نار الغضب والشهوة، وقد أمرهم نبيهم بذلك فقال إن الغضب
جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس
بذلك فليتوضأ، وقال لهم إنما تطفأ النار بالماء وقد أوصاهم أن يستعينوا
عليكم بالصبر والصلاة.
فحولوا بينهم وبين ذلك وأنسوهم إياه، واستعينوه عليهم بالشهوة والغضب،
وأبلغ أسلحتكم فيهم وأنكاها الغفلة واتباع الهوى، وأعظم أسلحتهم فيكم
وأمنع حصونهم ذكر الله ومخالفة الهوى، فإذا رأيتم الرجل مخالفاً لهواه
فاهربوا من ظله ولا تدنوا منه.
والمقصود أن الذنوب والمعاصي سلاح ومدد يمد بها العبد أعداءه ويعينهم بها
على نفسه فيقاتلونه بسلاحه ويكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه
انتهى كلامه رحمه الله بتصرف يسير
اللهم جنبنا شياطين الإنس والجن، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن
أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعظمتك أن نُُغتال من تحت أرجلنا. وصلى الله
وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
).
abouimed-
- عدد المساهمات : 2452
العمر : 60
المكان : القصرين
المهنه : ولد القصرين و يرفض الذل
الهوايه : الحرية ضاهر و باطن
نقاط تحت التجربة : 15118
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
رد: التزيين فقط من إبليس أما العمل فمن الإنسان نفسه
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
حواء-
- عدد المساهمات : 2558
العمر : 50
نقاط تحت التجربة : 14042
تاريخ التسجيل : 11/04/2008
مواضيع مماثلة
» كيف يقي الإنسان نفسه ..
» قوانين مكتب العمل و نظام العمل وزارة الموارد البشرية
» ومـا إبليس ؟!
» مرتبتك عند إبليس
» نواب إبليس
» قوانين مكتب العمل و نظام العمل وزارة الموارد البشرية
» ومـا إبليس ؟!
» مرتبتك عند إبليس
» نواب إبليس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى