قصة أبى غياث المالكي وزوجته لبابة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصة أبى غياث المالكي وزوجته لبابة
قصة أبى غياث المالكي وزوجته لبابة
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك
قصة أبى غياث المالكي وزوجته لبابة
قا ل ابن جرير الطبرى :
كنت في مكة في موسم الحج فرأيت رجلا من خرسان ينادي ويقول : يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي ،
فقدت كيسا فيه ألف دينار ، فمن رده إلى جزاه الله خيرا وأعتقه من النار ، وله الأجر والثواب يوم الحساب .
فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له : يا خرساني بلدنا حالتها شديدة ، وأيام الحج معدودة ،
ومواسمه محدودة ، وأبواب الكسب مسدودة ، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير ، يطمع في عهد عليك ،
لو رد المال إليك ، تمنحه شيئا شيئا يسيرا ، ومالا حلالا .
قال الخرساني :
فما مقدار حلوانه ؟ كم يريد ؟
قال الشيخ الكبير :
يريد العشر مائة دينار عشر الألف .
فلم يرض الخرسانى وقال : لا أفعل ولكنى أفوض أمره إلى الله ،
وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبرى:
فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير ، وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير ،
فتبعته حتى عاد إلى منزله ، فكان كما ظننت ، سمعته ينادى على امرأته ويقول : يا لبابة .
فقالت له : لبيك أبا غياث .
قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا ،
فقلت له : أعطنا منه مائة دينار ، فأبى وفوض أمره إلى الله ، ماذا أفعل يا لبابة ؟
لا بد لى من رده ، إنى أخاف ربى ، أخاف أن يضاعف ذنبي .
فقالت له زوجته :
يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ، ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي ،
وأنت تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ، خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعي ,
واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ، ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ،
فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ، أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك .
فقال لها يا لبابة :
أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمري ،
وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقرى ، وأستوجب
غضب الجبار، وأنا قريب من قبرى ، لا والله لا أفعل .
قال ابن جرير الطبري :
فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته ، فلما أصبحنا في
ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادى ...
يقول :
يا أهل مكة ، يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ،
من وجد كيسا فيه ألف دينار، فليرده إلى وله الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير ، وقال :
يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك ، وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع ، فجد على من وجد المال بشئ حتى لا يخالف الشرع ،
وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت ، فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل ،
فهلا أعطيتهم
عشرة دنانير فقط بدلا من مائة ، يكون لهم فها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة .
فقال له الخرساني :
لا أفعل ، وأحتسب مالي عند الله ، وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبري :
ثم افترق الناس وذهبوا ، فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار ، سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول :
يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ، من وجد كيسا
فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير فقال له :
يا خرساني ، قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ،
ثم عشرة فأبيت ، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا ، يشتري بنصفه إربة يطلبها ،
وبالنصف الأخر شاة يحلبها ، فيسقى الناس ويكتسب ، ويطعم أولاده ويحتسب .
قال الخرسانى :
لا أفعل ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ،
فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال .
يقول ابن جرير :
فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ، حتى دخل الشيخ منزله ،
فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال : خذ مالك ، وأسأل الله أن يعفوي عنى ، ويرزقني من فضله .
فأخذها الخرسانى وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ، قال :
يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف دينار ، وقال لي : أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك ، فربطتها في هذا الكيس
حتى أنفقه على من يستحق ، والله ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى ههنا
رجلا أولى بها منك ، فخذه بارك الله لك فيه ، وجزاك خيرا على أمانتك ،
وصبرك على فقرك ، ثم ذهب وترك المال .
فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول :
رحم الله صاحب المال في قبره ، وبارك الله في ولده .
قال ابن جرير :
فوليت خلف الخراساني فلحقني أبو غياث وردني ، فقال لي إجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم ،
سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول : سمعت مالكا يقول : سمعت نافعا يقول : عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لعمر وعلي رضي الله عنهما ، إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس ، فاقبلاها ولا ترداها ، فترداها على الله عز وجل ،
وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر .
ثم قال : يا لبابة ، يا فلانة ، يا فلانة ، وصاح ببناته والأختين وزوجته وأمها ، وقعد وأقعدني ، فصرنا عشرة ، فحل الكيس وقال :
أبسطوا حجوركم فبسطت حجري ، وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه ، فمدوا أيديهم ، وأقبل يعد دينارا دينارا ، حتى إذا بلغ العاشر إلي ،
قال : ولك دينار ، حتى فرغ من الكيس ، وكان فيه ألف دينار ، فأعطانى مائة دينار .
يقول ابن جرير الطبرى :
فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى بالمائة دينار ، فلما أردت الخروج قال لي :
يا فتى إنك لمبارك ، وما رأيت هذا المال قط ولا أملته ، وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به ،
واعلم أني كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالى ، ثم أخلعه حتى تصلى بناتي واحدة واحدة ، ثم أخرج للعمل إلى ما بين
الظهر والعصر ، ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز ، ثم أخلع ثيابى لبناتى فيصلين فيه الظهر والعصر ،
وهكذا فى المغرب والعشاء الآخرة ، وما كنا نتصور أن نرى هذه الدنانير ، فنفعهن الله بما أخذن ، ونفعني وإياك بما أخذنا ،
ورحم صاحب المال في قبره ، وأضعف الثواب لولد ، وشكر الله له
قال ابن جرير :
فودعته ، وأخذت مائة دينار ، كتبت العلم بها سنتين ، أتقوت بها وأشتري منها الورق
وأسافر وأعطي الأجرة ، وبعد ستة عشر عاما ذهبت إلى مكة ، وسألت عن الشيخ ،
فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ، وماتت زوجته وأمها والأختان ، ولم يبق إلا البنات ، فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بملوك وأمراء ،
وذلك لما انتشر خبر صلاح والدهن فى الآفاق ، فكنت أنزل على أزواجهن ،
فيأنسون بي ويكرموني حتى توفاهن الله ، فبارك الله لهم فيما صاروا إليه .
يقول تعالى :
{ ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه }
[الطلاق: 2/3] .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24473
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
وضّاح-
- عدد المساهمات : 435
العمر : 38
نقاط تحت التجربة : 11094
تاريخ التسجيل : 27/10/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى