الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
+5
AMAL MASMOUDI
كيلاني
عدي
تونسي
شاذلي
9 مشترك
صفحة 3 من اصل 3
صفحة 3 من اصل 3 • 1, 2, 3
الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
لم يحقق رجل إعلام ما حققه وزير الإعلام العراقي الأسبق محمد سعيد الصحاف ليس لأنه ظهر في ظروف مصيرية، أو حساسة سياسيا، وليس لأن العراق كان سيدخل الحرب قبالة واجباته الإعلامية الكثيرة، بل لأن هذا الرجل استطاع ليس أن يكون خصما عنيدا للأمريكيين، بل أن يثير دهشتهم وإحساسهم بالفزع وبالشك أمامه.
لم تكن مهمة العراق في قمة الحرب الإعلامية هو تقديم تقارير عسكرية بالمعنى الأكاديمي الدقيق، بوجوه عسكرية ومناظرات استراتيجية عسكرية، بل من خلال ذلك الوجه العراقي الذي كان يخرج الى العالم بعبارات لا يفهمها الناس، ولكنها كانت تثير الكثير من الفزع، بين الأمريكيين الذين لأول مرة وعلى لسان وزير الدفاع دونالد رامسيفلد اعترفت أن محمد سعيد الصحاف خلخل خططها، بمجرد خروجه اليومي الى الناس للحديث عن النصر الكبير.
شخصية «براغماتية»!
جريدة «لاديبيش» على غرار الكثير من الصحف الفرنسية مؤخرا، نشرت تحقيقا صحفيا عن وزير الإعلام العراقي السابق، وكتبت بعض الحقائق التي عكست الشخصية البراغماتية للرجل، في ظل ظروف صنعت منه البطل الذي خسر حصانه وسيفه و... لسانه!
الصعود العجيب للصحاف لم يكن أقل من ظهوره المسرحي، ربما لأنه في الحقيقة لم يكن شيئا تحديدا قبل أربعة أعوام، يقول بعض العراقيين.. وعبارة لم يكن شيئا تعني في الحقيقة أنه لم يكن مهما، بالمعنى الذي كان يستعمله النظام السابق للكلام عن الذين كانوا يصلون الى المناصب الكبيرة والمهمة والذين عادة كانوا يمرون بامتحان الولاء ليس الى العراق، بل الى صدام حسين شخصيا..
كان محمد سعيد الصحاف صحفيا، ثم تولى منصبا مهما في حياته، حين قرر «عدي» أن يمنحه «شرف» إدارة جريدة الثورة التي كانت الناطق الرسمي باسم صدام حسين، بيد أن تلك الإدارة لم تكن علانية كما يحدث في الجرائد المهمة، بل الغريب أن الصحاف أدار جريدة رسمية وهو غير «مرسم» بالمعنى الإداري الكامل.
كان يشرف على الجريدة، ويراجع كل صغيرة وكبيرة فيها، كما حظي من بعد على الإشراف الدقيق جدا على الإعلام المرئي والمسموع والذي كان أيضا موجهاً أساسا الى الولاء لصدام حسين أكثر من الولاء الى العراق، كان حصانا فقط، يمكن الركوب عليه لأجل صياغة المفردات الأجمل للدفاع عن نظام كانت أسنانه تسقط الواحدة تلو الأخرى..
نظام بوليسي
مع بداية سنة 2000، دخل العراق مرحلته الاكثر حرجا، ربما لأن المعارضين ازداد عددهم، لم يكونوا من الذين يهربون الى الخارج، كانوا في الداخل، ببساطة شديدة كانوا من الطبقة الشعبية الأكثر فقراً، والتي كانت تعاني من الضياع الحقيقي في ظل النظام البوليسي الذي كان يمارسه صدام حسين عليهم، ناهيك عن إحساس الشعب بالتعب الشديد من الحروب التي يهدد بها صدام حسين جيرانه في كل مرة كان يريد فيها العودة الى الأضواء، العراقيون الذين يريدون علاقات طبيعية مع جيرانهم العرب، ضاقوا ذرعا من الوضع الذي كان يمضي بهم الى أقصى أنواع الكارثة، فلم يكن كافيا أن يعيش النظام ويستمر على حساب الكثير من الضحايا ومن المحرومين، إنما كان يعتدي على الشعب، فيما تبقى من الذين كانوا يموتون ببطء داخل نفس شعورهم بالضغينة لنظامهم، كان محمد سعيد الصحاف ذلك الحصان بالضبط الذي يجيد الجري في الهواء، دونما القبض على شيء، سوى على بقايا أشياء يظنها حقيقية أو أبدية، ولهذا كان اللجوء إليه لسد الفراغ الإعلامي يعني التدقيق على العبارات التي يمكنها إحداث الصدمة للحديث عن الآخر، كان الآخر هو الجيران الدائمين للعراق، وكان الآخر أيضا الشعب الذي أحيانا يتحرك ولو قليلا للتعبير عن رفضه الموت بذلك الشكل البائس والمؤسف على حد سواء.
لغة فانتازية
بتاريخ 11 مايو 2000 كتب محمد سعيد الصحاف افتتاحية في جريدة «بابل» التي كان يديرها رسمياً نجل الرئيس العراقي «عدي»، كانت الافتتاحية تعبيرا شديد اللهجة ضد طلبة جامعة بغداد الذين ألقي القبض على بعضهم قبل شهرين بتهمة «الإساءة للنظام»، والحقيقة أن الطلبة آنذاك تضامنوا مع زملائهم طلبة الموصل الذين قررت السلطات العراقية حبس العديد منهم بتهم متعددة.. لم يتكلم الإعلام، لا العراقي، ولا الدولي بالتفاصيل عن ذلك «الشغب» الذي حدث في الجامعات العراقية، ولكن الصحاف في افتتاحيته كتب بتلميحات مباشرة عن الطلبة، وعن الخيانة التي لا يمكن النظر إليها بغير القتل، بلغته الفانتازية وأسلوبه التكنوقراطي المباشر، بكلماته المنتقاة بدقة متناهية استطاع الصحاف أن يلفت الانتباه إليه، هو الذي من السبعينات لم يكن أكثر من موظف عادي في كل الوزارات، هو الذي كاد ينتهي الى موظف بسيط في الأرشيف في وزارة الإعلام استطاع بذكائه وبدهائه أن يقنع «عدي» الذي أحضره الى صدام حسين قائلا له «سنحتاج إليه كثيرا»، ربما كان ذلك من غرائب التاريخ الذي برهن أن محمد سعيد الصحاف بعد سنوات من تلك الحادثة سيصبح وزيرا للإعلام في أعنف مرحلة يمر بها العراق الحديث!
أن تسأل أحداً اليوم: هل تعرف الصحاف؟ لا بد أنه سيبتسم، ربما سيضحك..لأن اسمه ارتبط بالحرب الأمريكية على العراق، ولأنه كان المهرج الأكبر في ساحة صدام حسين.، الإعلام الأمريكي الذي ركَّز كثيرا على شخصية الصحاف كتب الكثير، كما أن أكبر شركات اللعب الأمريكية صنعت لعبة يمكنك الضغط على بطنها ليخرج منها صوت شبيه بصوت الصحاف قائلا: ستكون أمريكا عبرة للعالم!. كان مدهشا أن تثير تلك اللعبة استحسان وخوف الأمريكيين في نفس الوقت، لأنهم أرادوا أن يتسلوا بالعبارات الضخمة التي تصدر عن الصحاف وفي الوقت نفسه كانوا يخافون من احتمال ان تكون أمريكا عبرة للعالم.
لعبة الحرب
إحدى النساء الأمريكيات علَّقت على لعبة الصحاف التي وزّع منها قبل وأثناء الحرب أكثر من مليوني نسخة، قالت أن ابنها جندي يشارك في الحرب، وأنها تشعر بالرعب كلما مرت بمحل يعرض هذه اللعبة، لأنها تعرف أن الحرب ليست لعبة أبدا، ذلك الشك الذي لم يكن شك أم أمريكية ذهب ابنها «لتحرير» العراق، بل هو شك الدبلوماسيين الأمريكيين الذين فجأة توقفوا عن الكلام، كانوا غير قادرين على محاكاة الأيام الأولى من الحرب، وغير قادرين أكثر على إثبات عكس ما يقوله الصحاف للعالم عن هزيمة الأمريكيين الوشيكة، كان ظهوره اليومي أشبه بالكابوس، بحيث إنه يعني أن الحرب لن تنتهي ببساطة وأن خطة الصدمة والترويع أحدثت الصدمة في نفسية الأمريكيين الذين راحوا يشدون أنفاسهم بينما الصحاف يتكلم عن أمريكا التي ستكون «عبرة للعالم».
في اليوم الثامن من الحرب، خرج رامسفيلد عن صمته إزاء وزير الإعلام العراقي وقال في ندوة صحفية داخل البنتاجون إنه يتمنى أن تنتهي الحرب كي يقطع لسان الصحاف.. قالها ضاحكا ليقنع الصحافيين أنه يتسلى بالايجازات اليومية للصحاف، ولكن الصحافة الأمريكية كتبت بعدها تلك الحقيقة التي لم يكن يحب أحد في أمريكا الكلام عنها «الورطة الأمريكية في العراق» لأن الأيام تعني أن الصدمة هي الكذبة الأعنف ليس ضد الجنود الأمريكيين فقط، بل ضد الشعب الأمريكي الذي صدق الديمقراطية وأراد أن يقطع البحار والأنهار ليحرر دولة من ديكتاتورها بينما هناك وعلى مرأى من العالم تمارس إسرائيل ديكتاتورية أعنف ضد الفلسطينيين المدنيين. محمد سعيد الصحاف استطاع ان يكسب الحرب الإعلامية، وأن يصوب إصبعه للأمريكيين قائلا لهم كلامي أو كلامكم ليزداد الضغط الإعلامي الأمريكي على قادة البيت الأبيض، وبالخصوص على وزير الدفاع الذي كان وراء خطة الحرب كلها ، ثم بنفس الطريقة المباغتة التي بدأت فيها الحرب، انتهى كل شيء، ليلة واحدة قبل سقوط بغداد تحدث الصحاف للمرة الأخيرة وبنفس الأسلوب واعداً الولايات المتحدة الأمريكية بالهزيمة ليكتشف العالم صباحا وصول الدبابات الى العاصمة التي سقط فيها التمثال البرونزي للرئيس المخلوع صدام حسين وسط عيون غير مصدقة وأخرى لا تعرف هل عليها ان تفرح أم عليها أن تحزن؟ ولم يتطرق أحد بعدها الى الصحاف الذي اختفى مع آخر عبارة قالها «سيشهد التاريخ على كل شيء»..
لكن فجأة، وبعد شهرين من سقوط العراق، بعد شهرين من الحرب المدمرة نشرت جريدة «دايلي ميرور» البريطانية خبرا صغيرا مفاده الصحاف بين أيدي الأمريكيين وعاد اسم الصحاف من جديد، مجلة ماجازين ديسرائيل اليهودية الصادرة في فرنسا نشرت موضوعا مماثلا عن الصحاف قائلة: الصحاف يسلِّم نفسه، كان ذلك الخبر الأقرب الى الحقيقة لأن صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية نشرت بدورها مقالا عن مفاوضات دامت عشرين يوما بين الصحاف وصحفيين برتغاليين والجيش الأمريكي وأن الصحاف في الحقيقة كان على اتصال بالأمريكيين الذين سهلوا له عملية القبض عليه ففي ذلك الاثنين الذي ذاع فيه خبر إلقاء القبض على الصحاف في حاجز تفتيشي تقليدي أقامه أمريكيون في وسط بغداد والحال أن ذلك الحاجز نصب في تلك المنطقة بالذات قبل ثلاثة أيام من «إلقاء القبض» على وزير الإعلام العراقي الأسبق، ولأن المفاوضات كانت قبل ذلك بأسابيع فإن جريدة جيروزاليم بوست الإسرائيلية ذكرت عن مصادر مطلعة أن عملية إلقاء القبض كانت مسرحية لا تختلف عن مسرحية محمد سعيد الصحاف كما تقول الجريدة !
لعبة الورق
قبل أيام نشرت جريدة لاروبوبليكا الإيطالية ملفا عن العراق، ومن ضمنه عن محمد سعيد الصحاف، وتساءلت: لماذا تم سحب ورقة سعيد الصحاف من لعبة الورق التي صنعها البنتاجون الأمريكي لاصطياد الشخصيات العراقية المطلوب القبض عليها، فقد تبيَّن أن ورق اللعب الذي وصل الى العراق بعد انتهاء الحرب بشهر تقريبا لم يكن فيه الصحاف، وهو ما ظل يثير الكثير من التساؤل الذي لم يرد عليه سوى أحد الجنود بتعليقه الصحاف كان مهرجا فمن ذا الذي يريد القبض على المهرجين؟ هل صحيح أن الصحاف كان مهرجا فقط في نظر الأمريكيين؟ دونالد رامسفيلد كاد يقدم استقالته في اليوم العاشر من الحرب، بسبب الصحاف.الذي ساهم في إحباط معنويات الأمريكيين فكيف يمكن القول الآن إنه لا يثير أي شيء، وإن استسلامه أو إلقاء القبض عليه سيان؟ ولماذا تم إطلاق سراح الصحاف بتلك السرعة مع انه كان محل بحث مزعوم ولماذا لم يرغب باول في الرد على سؤال طرحته عليه صحفية فرنسية حول موضوع وزير الإعلام العراقي السابق مكتفيا بالقول: «لا تعليق»؟ فعبارة «لا تعليق» في القاموس الأمريكي تعني الكثير، أو ببساطة شديدة تعني «سري للغاية» وهو ما تناولته بعض الصحف الإنجليزية للحديث عن «الصفقة الغريبة» التي يطلق عليها عنوان «أسرار المهرج الصحاف» حسب «دايلي ميرور»!.
بقي أن نتساءل (تقول الجريدة) عن الوزيرين اللذين قيل إنهما ساهما في سقوط بغداد، وهل يمكن تصور ان يكون الصحاف واحدا منهما؟ قد يكون الأمر سابقاً لأوانه للتأكيد على ذلك، ولكن الشيء الأكيد هو ان رجلا مثل محمد سعيد الصحاف لا يمكن أن يكون « شيئا عاديا» لهذا فهو يثير كل هذه الأسئلة، بالخصوص بعد المقابلة التي أجرتها معه فضائية عربية وأخرى برتغالية لم يخرج منها أحد بشيء منه أكثر من عبارة «لا تعليق» التي تعني بالنسبة لرجل مثله : «الصمت يساوي البقاء على قيد الحياة»، فلن يستطيع أحد أن يعرف ما الذي حدث سوى الصحاف الذي لن يقول شيئا لأن «رامسفيلد» قطع لسانه «على الطريقة الأمريكية» تقول الجريدة !
منقوووول من صحيفة الجزيرة
لم يحقق رجل إعلام ما حققه وزير الإعلام العراقي الأسبق محمد سعيد الصحاف ليس لأنه ظهر في ظروف مصيرية، أو حساسة سياسيا، وليس لأن العراق كان سيدخل الحرب قبالة واجباته الإعلامية الكثيرة، بل لأن هذا الرجل استطاع ليس أن يكون خصما عنيدا للأمريكيين، بل أن يثير دهشتهم وإحساسهم بالفزع وبالشك أمامه.
لم تكن مهمة العراق في قمة الحرب الإعلامية هو تقديم تقارير عسكرية بالمعنى الأكاديمي الدقيق، بوجوه عسكرية ومناظرات استراتيجية عسكرية، بل من خلال ذلك الوجه العراقي الذي كان يخرج الى العالم بعبارات لا يفهمها الناس، ولكنها كانت تثير الكثير من الفزع، بين الأمريكيين الذين لأول مرة وعلى لسان وزير الدفاع دونالد رامسيفلد اعترفت أن محمد سعيد الصحاف خلخل خططها، بمجرد خروجه اليومي الى الناس للحديث عن النصر الكبير.
شخصية «براغماتية»!
جريدة «لاديبيش» على غرار الكثير من الصحف الفرنسية مؤخرا، نشرت تحقيقا صحفيا عن وزير الإعلام العراقي السابق، وكتبت بعض الحقائق التي عكست الشخصية البراغماتية للرجل، في ظل ظروف صنعت منه البطل الذي خسر حصانه وسيفه و... لسانه!
الصعود العجيب للصحاف لم يكن أقل من ظهوره المسرحي، ربما لأنه في الحقيقة لم يكن شيئا تحديدا قبل أربعة أعوام، يقول بعض العراقيين.. وعبارة لم يكن شيئا تعني في الحقيقة أنه لم يكن مهما، بالمعنى الذي كان يستعمله النظام السابق للكلام عن الذين كانوا يصلون الى المناصب الكبيرة والمهمة والذين عادة كانوا يمرون بامتحان الولاء ليس الى العراق، بل الى صدام حسين شخصيا..
كان محمد سعيد الصحاف صحفيا، ثم تولى منصبا مهما في حياته، حين قرر «عدي» أن يمنحه «شرف» إدارة جريدة الثورة التي كانت الناطق الرسمي باسم صدام حسين، بيد أن تلك الإدارة لم تكن علانية كما يحدث في الجرائد المهمة، بل الغريب أن الصحاف أدار جريدة رسمية وهو غير «مرسم» بالمعنى الإداري الكامل.
كان يشرف على الجريدة، ويراجع كل صغيرة وكبيرة فيها، كما حظي من بعد على الإشراف الدقيق جدا على الإعلام المرئي والمسموع والذي كان أيضا موجهاً أساسا الى الولاء لصدام حسين أكثر من الولاء الى العراق، كان حصانا فقط، يمكن الركوب عليه لأجل صياغة المفردات الأجمل للدفاع عن نظام كانت أسنانه تسقط الواحدة تلو الأخرى..
نظام بوليسي
مع بداية سنة 2000، دخل العراق مرحلته الاكثر حرجا، ربما لأن المعارضين ازداد عددهم، لم يكونوا من الذين يهربون الى الخارج، كانوا في الداخل، ببساطة شديدة كانوا من الطبقة الشعبية الأكثر فقراً، والتي كانت تعاني من الضياع الحقيقي في ظل النظام البوليسي الذي كان يمارسه صدام حسين عليهم، ناهيك عن إحساس الشعب بالتعب الشديد من الحروب التي يهدد بها صدام حسين جيرانه في كل مرة كان يريد فيها العودة الى الأضواء، العراقيون الذين يريدون علاقات طبيعية مع جيرانهم العرب، ضاقوا ذرعا من الوضع الذي كان يمضي بهم الى أقصى أنواع الكارثة، فلم يكن كافيا أن يعيش النظام ويستمر على حساب الكثير من الضحايا ومن المحرومين، إنما كان يعتدي على الشعب، فيما تبقى من الذين كانوا يموتون ببطء داخل نفس شعورهم بالضغينة لنظامهم، كان محمد سعيد الصحاف ذلك الحصان بالضبط الذي يجيد الجري في الهواء، دونما القبض على شيء، سوى على بقايا أشياء يظنها حقيقية أو أبدية، ولهذا كان اللجوء إليه لسد الفراغ الإعلامي يعني التدقيق على العبارات التي يمكنها إحداث الصدمة للحديث عن الآخر، كان الآخر هو الجيران الدائمين للعراق، وكان الآخر أيضا الشعب الذي أحيانا يتحرك ولو قليلا للتعبير عن رفضه الموت بذلك الشكل البائس والمؤسف على حد سواء.
لغة فانتازية
بتاريخ 11 مايو 2000 كتب محمد سعيد الصحاف افتتاحية في جريدة «بابل» التي كان يديرها رسمياً نجل الرئيس العراقي «عدي»، كانت الافتتاحية تعبيرا شديد اللهجة ضد طلبة جامعة بغداد الذين ألقي القبض على بعضهم قبل شهرين بتهمة «الإساءة للنظام»، والحقيقة أن الطلبة آنذاك تضامنوا مع زملائهم طلبة الموصل الذين قررت السلطات العراقية حبس العديد منهم بتهم متعددة.. لم يتكلم الإعلام، لا العراقي، ولا الدولي بالتفاصيل عن ذلك «الشغب» الذي حدث في الجامعات العراقية، ولكن الصحاف في افتتاحيته كتب بتلميحات مباشرة عن الطلبة، وعن الخيانة التي لا يمكن النظر إليها بغير القتل، بلغته الفانتازية وأسلوبه التكنوقراطي المباشر، بكلماته المنتقاة بدقة متناهية استطاع الصحاف أن يلفت الانتباه إليه، هو الذي من السبعينات لم يكن أكثر من موظف عادي في كل الوزارات، هو الذي كاد ينتهي الى موظف بسيط في الأرشيف في وزارة الإعلام استطاع بذكائه وبدهائه أن يقنع «عدي» الذي أحضره الى صدام حسين قائلا له «سنحتاج إليه كثيرا»، ربما كان ذلك من غرائب التاريخ الذي برهن أن محمد سعيد الصحاف بعد سنوات من تلك الحادثة سيصبح وزيرا للإعلام في أعنف مرحلة يمر بها العراق الحديث!
أن تسأل أحداً اليوم: هل تعرف الصحاف؟ لا بد أنه سيبتسم، ربما سيضحك..لأن اسمه ارتبط بالحرب الأمريكية على العراق، ولأنه كان المهرج الأكبر في ساحة صدام حسين.، الإعلام الأمريكي الذي ركَّز كثيرا على شخصية الصحاف كتب الكثير، كما أن أكبر شركات اللعب الأمريكية صنعت لعبة يمكنك الضغط على بطنها ليخرج منها صوت شبيه بصوت الصحاف قائلا: ستكون أمريكا عبرة للعالم!. كان مدهشا أن تثير تلك اللعبة استحسان وخوف الأمريكيين في نفس الوقت، لأنهم أرادوا أن يتسلوا بالعبارات الضخمة التي تصدر عن الصحاف وفي الوقت نفسه كانوا يخافون من احتمال ان تكون أمريكا عبرة للعالم.
لعبة الحرب
إحدى النساء الأمريكيات علَّقت على لعبة الصحاف التي وزّع منها قبل وأثناء الحرب أكثر من مليوني نسخة، قالت أن ابنها جندي يشارك في الحرب، وأنها تشعر بالرعب كلما مرت بمحل يعرض هذه اللعبة، لأنها تعرف أن الحرب ليست لعبة أبدا، ذلك الشك الذي لم يكن شك أم أمريكية ذهب ابنها «لتحرير» العراق، بل هو شك الدبلوماسيين الأمريكيين الذين فجأة توقفوا عن الكلام، كانوا غير قادرين على محاكاة الأيام الأولى من الحرب، وغير قادرين أكثر على إثبات عكس ما يقوله الصحاف للعالم عن هزيمة الأمريكيين الوشيكة، كان ظهوره اليومي أشبه بالكابوس، بحيث إنه يعني أن الحرب لن تنتهي ببساطة وأن خطة الصدمة والترويع أحدثت الصدمة في نفسية الأمريكيين الذين راحوا يشدون أنفاسهم بينما الصحاف يتكلم عن أمريكا التي ستكون «عبرة للعالم».
في اليوم الثامن من الحرب، خرج رامسفيلد عن صمته إزاء وزير الإعلام العراقي وقال في ندوة صحفية داخل البنتاجون إنه يتمنى أن تنتهي الحرب كي يقطع لسان الصحاف.. قالها ضاحكا ليقنع الصحافيين أنه يتسلى بالايجازات اليومية للصحاف، ولكن الصحافة الأمريكية كتبت بعدها تلك الحقيقة التي لم يكن يحب أحد في أمريكا الكلام عنها «الورطة الأمريكية في العراق» لأن الأيام تعني أن الصدمة هي الكذبة الأعنف ليس ضد الجنود الأمريكيين فقط، بل ضد الشعب الأمريكي الذي صدق الديمقراطية وأراد أن يقطع البحار والأنهار ليحرر دولة من ديكتاتورها بينما هناك وعلى مرأى من العالم تمارس إسرائيل ديكتاتورية أعنف ضد الفلسطينيين المدنيين. محمد سعيد الصحاف استطاع ان يكسب الحرب الإعلامية، وأن يصوب إصبعه للأمريكيين قائلا لهم كلامي أو كلامكم ليزداد الضغط الإعلامي الأمريكي على قادة البيت الأبيض، وبالخصوص على وزير الدفاع الذي كان وراء خطة الحرب كلها ، ثم بنفس الطريقة المباغتة التي بدأت فيها الحرب، انتهى كل شيء، ليلة واحدة قبل سقوط بغداد تحدث الصحاف للمرة الأخيرة وبنفس الأسلوب واعداً الولايات المتحدة الأمريكية بالهزيمة ليكتشف العالم صباحا وصول الدبابات الى العاصمة التي سقط فيها التمثال البرونزي للرئيس المخلوع صدام حسين وسط عيون غير مصدقة وأخرى لا تعرف هل عليها ان تفرح أم عليها أن تحزن؟ ولم يتطرق أحد بعدها الى الصحاف الذي اختفى مع آخر عبارة قالها «سيشهد التاريخ على كل شيء»..
لكن فجأة، وبعد شهرين من سقوط العراق، بعد شهرين من الحرب المدمرة نشرت جريدة «دايلي ميرور» البريطانية خبرا صغيرا مفاده الصحاف بين أيدي الأمريكيين وعاد اسم الصحاف من جديد، مجلة ماجازين ديسرائيل اليهودية الصادرة في فرنسا نشرت موضوعا مماثلا عن الصحاف قائلة: الصحاف يسلِّم نفسه، كان ذلك الخبر الأقرب الى الحقيقة لأن صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية نشرت بدورها مقالا عن مفاوضات دامت عشرين يوما بين الصحاف وصحفيين برتغاليين والجيش الأمريكي وأن الصحاف في الحقيقة كان على اتصال بالأمريكيين الذين سهلوا له عملية القبض عليه ففي ذلك الاثنين الذي ذاع فيه خبر إلقاء القبض على الصحاف في حاجز تفتيشي تقليدي أقامه أمريكيون في وسط بغداد والحال أن ذلك الحاجز نصب في تلك المنطقة بالذات قبل ثلاثة أيام من «إلقاء القبض» على وزير الإعلام العراقي الأسبق، ولأن المفاوضات كانت قبل ذلك بأسابيع فإن جريدة جيروزاليم بوست الإسرائيلية ذكرت عن مصادر مطلعة أن عملية إلقاء القبض كانت مسرحية لا تختلف عن مسرحية محمد سعيد الصحاف كما تقول الجريدة !
لعبة الورق
قبل أيام نشرت جريدة لاروبوبليكا الإيطالية ملفا عن العراق، ومن ضمنه عن محمد سعيد الصحاف، وتساءلت: لماذا تم سحب ورقة سعيد الصحاف من لعبة الورق التي صنعها البنتاجون الأمريكي لاصطياد الشخصيات العراقية المطلوب القبض عليها، فقد تبيَّن أن ورق اللعب الذي وصل الى العراق بعد انتهاء الحرب بشهر تقريبا لم يكن فيه الصحاف، وهو ما ظل يثير الكثير من التساؤل الذي لم يرد عليه سوى أحد الجنود بتعليقه الصحاف كان مهرجا فمن ذا الذي يريد القبض على المهرجين؟ هل صحيح أن الصحاف كان مهرجا فقط في نظر الأمريكيين؟ دونالد رامسفيلد كاد يقدم استقالته في اليوم العاشر من الحرب، بسبب الصحاف.الذي ساهم في إحباط معنويات الأمريكيين فكيف يمكن القول الآن إنه لا يثير أي شيء، وإن استسلامه أو إلقاء القبض عليه سيان؟ ولماذا تم إطلاق سراح الصحاف بتلك السرعة مع انه كان محل بحث مزعوم ولماذا لم يرغب باول في الرد على سؤال طرحته عليه صحفية فرنسية حول موضوع وزير الإعلام العراقي السابق مكتفيا بالقول: «لا تعليق»؟ فعبارة «لا تعليق» في القاموس الأمريكي تعني الكثير، أو ببساطة شديدة تعني «سري للغاية» وهو ما تناولته بعض الصحف الإنجليزية للحديث عن «الصفقة الغريبة» التي يطلق عليها عنوان «أسرار المهرج الصحاف» حسب «دايلي ميرور»!.
بقي أن نتساءل (تقول الجريدة) عن الوزيرين اللذين قيل إنهما ساهما في سقوط بغداد، وهل يمكن تصور ان يكون الصحاف واحدا منهما؟ قد يكون الأمر سابقاً لأوانه للتأكيد على ذلك، ولكن الشيء الأكيد هو ان رجلا مثل محمد سعيد الصحاف لا يمكن أن يكون « شيئا عاديا» لهذا فهو يثير كل هذه الأسئلة، بالخصوص بعد المقابلة التي أجرتها معه فضائية عربية وأخرى برتغالية لم يخرج منها أحد بشيء منه أكثر من عبارة «لا تعليق» التي تعني بالنسبة لرجل مثله : «الصمت يساوي البقاء على قيد الحياة»، فلن يستطيع أحد أن يعرف ما الذي حدث سوى الصحاف الذي لن يقول شيئا لأن «رامسفيلد» قطع لسانه «على الطريقة الأمريكية» تقول الجريدة !
منقوووول من صحيفة الجزيرة
شاذلي-
- عدد المساهمات : 88
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 10515
تاريخ التسجيل : 29/08/2010
رد: الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
ahh le sizau si batarالسيف البتار كتب:لم ار مقصا و لا رفشاشاذلي كتب:ليست الخشية من المقص إنما الحسرة
تكتب بقلبك و بعدها يحذف
كفانا و لنعد لموضوعنا
أقول أن الصحاف و من جنده يعرف ماتريد الأكثرية سماعه و هو يعطي الأكثرية ما تريد
فما قولك؟
فهيا نناقش ويكيليكس انطلاقا من مهنية الصحاف و اوامر صدام و قرارات العلوج
و الافعى المتمددة من ام قصر الى ابواب تمثال صدام
j'atteste que toi tu n'à pas vu le sizau
car il n'existe pas wallah tu a réson
marion-
- عدد المساهمات : 33
العمر : 35
نقاط تحت التجربة : 10260
تاريخ التسجيل : 27/11/2010
رد: الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
احسنت اخيmarion كتب:ahh le sizau si batarالسيف البتار كتب:لم ار مقصا و لا رفشاشاذلي كتب:ليست الخشية من المقص إنما الحسرة
تكتب بقلبك و بعدها يحذف
كفانا و لنعد لموضوعنا
أقول أن الصحاف و من جنده يعرف ماتريد الأكثرية سماعه و هو يعطي الأكثرية ما تريد
فما قولك؟
فهيا نناقش ويكيليكس انطلاقا من مهنية الصحاف و اوامر صدام و قرارات العلوج
و الافعى المتمددة من ام قصر الى ابواب تمثال صدام
j'atteste que toi tu n'à pas vu le sizau
car il n'existe pas wallah tu a réson
المقص نجده في موضعين اثنين
_ عند الحجام
_ عند الفلاح يزبر بيه في الطماطم و غيرو
و احيانا نجده عند الخياط
السيف البتار-
- عدد المساهمات : 397
العمر : 64
نقاط تحت التجربة : 11329
تاريخ التسجيل : 19/01/2010
رد: الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
et si batar mentenon
voila une rose pour toi
tu es tres jontil et tres galant
voila une rose pour toi
tu es tres jontil et tres galant
marion-
- عدد المساهمات : 33
العمر : 35
نقاط تحت التجربة : 10260
تاريخ التسجيل : 27/11/2010
رد: الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
شكرا اخوتي على هذا الحوار
الهادف
الرصين
الراي و الراي الاخر
ابداء الراي و سماع الراي الاخر
الترفع عن السفاسف في الردود
و قد ساهم في هذا النقاش بعض خيرة اقلام المنتدى
و الذين شاركوا في الحوار هم
شاذلي
محمد
عدي
كيلاني
امل
السيف البتار
marion
دون ان ننسى العبد الله حامد
فادعو جميع الاخوة الى الاقتداء بهذا الاسلوب الرصين
البعيد عن التشنج و العصبية
فبروح التسامح نبني
و يعلو المنتدى
===================
دمتم بود
الهادف
الرصين
الراي و الراي الاخر
ابداء الراي و سماع الراي الاخر
الترفع عن السفاسف في الردود
و قد ساهم في هذا النقاش بعض خيرة اقلام المنتدى
و الذين شاركوا في الحوار هم
شاذلي
محمد
عدي
كيلاني
امل
السيف البتار
marion
دون ان ننسى العبد الله حامد
فادعو جميع الاخوة الى الاقتداء بهذا الاسلوب الرصين
البعيد عن التشنج و العصبية
فبروح التسامح نبني
و يعلو المنتدى
===================
دمتم بود
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
اذا لم تكن شاهدا على عصرك ...و لم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق و الباطل ... و اذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر ... فكن ما تشاء : مصليا متعبدا في المحراب ام شاربا للخمر في الحانات ... فكلا الامران يصبحان سواء -
=======================
حامد عماري-
- عدد المساهمات : 2469
العمر : 54
نقاط تحت التجربة : 14497
تاريخ التسجيل : 29/07/2009
رد: الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
عطرتم موضوعي بمروركم
شكرا
شكرا
شاذلي-
- عدد المساهمات : 88
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 10515
تاريخ التسجيل : 29/08/2010
رد: الوزير الذي خسر حصانه وسيفه ولسانه
رأي : كل موضوع ينزل
يصبح حقا مشاعا للجميع
و هذا يا سي الشاذلي
سيكسبك حقوقا في مواضيع الآخرين
يصبح حقا مشاعا للجميع
و هذا يا سي الشاذلي
سيكسبك حقوقا في مواضيع الآخرين
كلثوم-
- عدد المساهمات : 43
العمر : 34
نقاط تحت التجربة : 10287
تاريخ التسجيل : 27/11/2010
صفحة 3 من اصل 3 • 1, 2, 3
مواضيع مماثلة
» رسالة من رجال الأمن الشرفاء إلى الوزير الجديد المهندس علي العريض
» بالصور ...الخطأ الذي نعمله من غير قصد والصح الذي لازم نعمله
» الذي يسب الله !!!!؟؟؟؟
» العسكر الذي لا يغل
» ما الذي أوصلنا الى هذا ؟؟؟؟؟
» بالصور ...الخطأ الذي نعمله من غير قصد والصح الذي لازم نعمله
» الذي يسب الله !!!!؟؟؟؟
» العسكر الذي لا يغل
» ما الذي أوصلنا الى هذا ؟؟؟؟؟
صفحة 3 من اصل 3
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى