تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
+2
MELODY
حمزة سديرة
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
المجلس
الوطني
للحريات
بتونس
الوطني
للحريات
بتونس
الرئيس الشرفي
المرحوم الدكتور الهاشمي العياري
العنوان البريدي
4 نهج أبو ظبي- تونس 1000
الهاتف و الفاكس
(216-71) 240907
المحاكمة المنعرج
انتصاب المحكمة العسكرية ببوشوشة و باب سعدون خلال صائفة سنة 1992
اكـتوبر 2002
الـمجلـــس
الرئيس الشرفي: المرحوم د.الهاشمي العياري
انتصاب المحكمة العسكرية ببوشوشة و باب سعدون خلال صائفة سنة 1992
اكـتوبر 2002
الـمجلـــس
الرئيس الشرفي: المرحوم د.الهاشمي العياري
1. إبراهيم بن حميدة
2. ألفة لملوم
3. إيمان درويش
4. احلام بلحاج
5. احمد السميعي
6. احمد القلعي
7. احمد الكيلاني
8. احمد المعروفي
9. البشير المركبن
10. توفيق بن بريك
11. التيجاني حرشة
12. جلال الزغلامي
13. جمال الدين الجاني
14. جمال الدين بيدة
15. خالد بن مبارك
16. خديجة الشريف
17. خليل الزاوية
18. سامي نصر
19. سعيد المشيشي
20. سعيدة العكرمي
21. سناء بن عاشور
22. سهام بن سدرين
23. صالح الحمزاوي
24. صدري الخياري
25. الطاهر المستيري
26. عادل العرفاوي
27. عبد الجبار بسيس
28. عبد الجليل البدوي
29. عبد الرؤوف العيادي
30. عبد الستار بن فرج
31. عبد القادر بن خميس
32. عبد اللطيف بن سالم
33. عبد اللطيف عبيد
34. العربي عبيد
35. علي الزديني
36. علي بن رمضان
37. علي بن سالم
38. عمر المستيري
39. فاطمة قسيلة
40. فيصل شراد
41. كمال الجندوبي
42. محمد البشري
43. محمد الطالبي
44. محمد المستيري
45. محمد النوري
46. محمد شقرون
47. محمد صالح الخميري
48. محمد عبو
49. محمد علي البدوي
50. محمد مختار العرباوي
51. محمد نجيب الحسني
52. مصطفى بن جفر
53. مصطفى كريم
54. المنجي بن صالح
55. المنصف المرزوقي
56. المنصف المستيري
57. نزبهة رجيبة (أم زياد)
58. نور الدين بن تيشة
59. نورة برصالي
60. الهادي المناعي
61. هالة عبد الجواد
هيئة الاتصال
سهام بن سدرين ناطقة رسمية
عبد الرؤوف العيادي كاتب عام
محمد الطالبي
احمد السميعي
الطاهر المستيري
عبد القادر بن خميس
الهادي المناعي
فهـــرس
الـمجلـــس 2
فهـــرس 3
توطــئة 5
السياق العام 6
تقـــديم 10
طغيان إدارة أمن الدولة 10
توسّل المؤسسة القضائية 11
ما هي حقيقة الوقائع التي نسبت إلى المتّهمين و كيف عللت المحكمة قضاءها ؟ 13
الإجراءات لدى القضاء العسكري 20
I - المحكمة العسكرية : محكمة لا دستورية و غير مختصّة 20
قضاة لهم رأي مسبق في الملف 21
II – إدارة أمن الدولة : ضابطة عدلية أم آلة للقتل و التعذيب و التنكيل ؟ 22
تزييف محاضر الاستنطاق لدى مصالح أمن الدولة 23
وفاة ما لا يقل عن ثمانية محتفظ بهم تحت التعذيب 24
الاختطافات و الاعتقال السري الخارج عن أي إطار قانوني 24
III - التحقيق العسكري : 26
قاض يدلس المحاضر و يعذب المتهمين بمقر المحكمة : 26
تعمد قاضي التحقيق عدم إنتداب محامين 27
عام و نصف بعد اغتيال فيصل بركات تحت التعذيب قاضي التحقيق يصدر بطاقة جلب ضده 28
تجزئة القضية إلى ملفين 29
دائرة الإتهام العسكرية : 30
عندما تنظر دائرة الاتهام في قراري فتح البحث في يوم واحد 31
خرق سرية الأبحاث 31
IV - محاكمة دون حضور المتهمين و دون تمكين المحامين من الإطلاع على الملف : 31
خرق واجب ختم المحجوز وتأمينه بكتابة المحكمة 32
البوليس السياسي يضيّق على علنية الجلسات 32
منع المحامين من الاطلاع على الملف 32
تغييب المتهمين عن الجلسات 33
– V أحكام جائرة غير قابلة للإستئناف : 36
أطباء تجاهلوا التوافق التام بين الأثار المعاينة و طرق التعذيب المستعملة 37
حكم يستند إلى محجوز ملفّق: 38
V I عميد المحامين يعرقل دورالدفاع: 40
المجموعة التي تخلّى عنها القضاء العسكري لفائدة محاكم الحق العام 43
بعض أصداء المحاكمة في الإعلام التونسي 45
الصحافة لســان إدانة و تحريض. 45
العفو التشريعي العام لم يعد يحتمل التأجيل 48
توطــئة
شكّلت القضية التي نظرت فيها المحكمة العسكرية في صائفة سنة 1992 منعرجا حقيقيا في الحياة السياسية بتونس في "العهد الجديد". فقد كانت نقطة انطلاق الآلة التي طحنت عموم المجتمع المدني و السلط المضادة الناشئة بتونس.
كما شكّلت تلك المحاكمة محطّة هامة في تاريخ القضاء بتونس من وجه اختبار حقيقة التغيير الذي زعمت السلطة أنّها دشّنته عبر إلغاء محكمة أمن الدولة و سنّ نصوص تكفل مزيد الحقوق و الضمانات للمتقاضي مثل قانون التحفّظ و الإيقاف التحفّظي و المصادقة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب إلى غيرها من النصوص التي جعلت منها السلطة مادة لدعايتها و خاصة تلك الموجّهة إلى الجهات الأجنبية.
ففي هذه المحاكمة تكرّست تبعية القضاء و فيها وقع تهميش الدفاع و ضرب حق المحالين في الدفاع حيث انتهك هذا الدفاع في وضح النهار و بكلّ استهتار.
و في هذه المحاكمة حصلت آلة التعذيب على غطائها الشرعي و من حصيلتها تكوّن السواد الأعظم من المساجين السياسيين بتونس حيث صدر على إثر هذه المحاكمة 46 حكما بالسجن المؤبّد. وهكذا تكرّس الحكم البوليسي و دعّم أركانه.
إنّ هذه المحاكمة لا تمثّل على وجه التحقيق سابقة في توظيف السلطة للقضاء. فقد وجدت أزمات في تاريخ القضاء التونسي مثل أزمة اليوسفية سنة 1957 مرورا بتأسيس محكمة أمن الدولة سنة 1968 لقمع الحركة الشبابية اليسارية ثمّ الأزمة النقابية سنة 1978... كلّها قامت كأمثلة على هذا التوظيف. غير أنّ هذا لا يمنع من اعتبار هذه المحاكمة الحدث الكبير في سوئه الذي طبع العشرية الأخيرة من تاريخ تونس.
فعلاوة على ما نتج عن هذه المحاكمة من خراب ما تزال تونس تدفع إلى اليوم ثمنه، فإنّها تمدّ آثارها وتلقي بظلالها السوداء على مستقبل تونس و ترهنه. و هذا هو بالضبط ما دفع المجلس الوطني للحريات بتونس إلى تسليط الأضواء - و بلا أدنى مجاملة لاي طرف – على هذه المحاكمة التي بقيت تحت حصار الصمت، وذلك قصد تفكيك الميكانزمات المتعدّدة التي حكمتها.
السياق العام
أحالت السلطة بتونس، خلال الفترة المتراوحة بين 9 جويلية و 30 أوت 1992، 279 مواطنا أمام القضاء العسكري صلب القضية الأولى عدد 76110 التي نظرت فيها المحكمة العسكرية ببوشوشة و القضية الثانية عدد 76111 التي نظرت فيها المحكمة العسكرية بباب سعدون بتهمة التآمر و العمل على تغيير هيئة الدولة.
و قد شكّلت هذه المحاكمة منعرجا في الحياة السياسية بتونس. فإضافة إلى ما رمت إليه السلطة من خلالها من تصفية أحد الخصوم السياسيين رأت فيه قوة مهددة لهيمنة الحزب الحاكم على الحياة العمومية بعد تجربة الانتخابات المزورة لسنة 1989، فقد جعلت منها في الآن ذاته فرصة لتحجيم الجيش الوطني حيث طال القمع العديد من الضباط السامين به.
و في الواقع فإنّ الإحالة على القضاء العسكري التي وزعت صلب قضيتين اثنتين (بالرغم من أنّ أوراق الملف هي ذاتها في القضيتين)، كشفت عن وجود ثلاثة قضايا منفصلة تم النظر فيها في آن واحد، و هي قضية قياديي حركة النهضة و كوادرها، و القضية المتعلّقة بالمجموعة الثانية التي عرفت بـ"طلائع الفداء" و قضية "اجتماع براكة الساحل" و التي أحيل فيها كبار ضباط الجيش بتهمة "محاولة قلب النظام".
و ما يتعيّن التذكير به هو أنّ المحكمة العسكرية قد برأت ساحة الضباط المحالين عليها صلب ما أطلق عليه اجتماع "براكة الساحل" التي ثبت أنها كانت من محض تلفيق جهاز أمن الدولة الذي تولّى الأبحاث فيها.
إلاّ أنّ السلطة رفضت ردّ الاعتبار إليهم و اعترضت على عودتهم إلى سلكهم، و لم يكن سنّ البعض منهم يتجاوز الثلاثين إلاّ بقليل. كما يذكر أنّ عملية تطهير الجيش هذه و التي طالت حوالي الخمسين من كبار ضباطه، تمّت بالنسبة للعدد الأكبر دون إحالة على المحاكم و إنّما إثر إيقاف لمدة قصيرة و دون توجيه تهم محدّدة إليهم (راجع الملحق عدد 4 ).
و قد كشفت هذه المحاكمة حقيقة تهيش المؤسسات بالبلاد و ظهور جهاز البوليس بمظهر الماسك بزمام السلطة. فقد تم بسط نفوذه المطلق خلال تلك المحاكمة، إذ تمّ بواسطته إشاعة أجواء من الترهيب والخوف و ذلك سواء عبر تدخلها غير الشرعي في تنظيم المحاكمة و سير إجراءاتها أو من خلال التأثير على وسائل الصحافة الممالية، أو باسكات أصوات الهياكل المستقلّة من المجتمع المدني.
و في هذا السياق يجدر التذكير بالأحداث التالية :
- أفضت الانتخابات التشريعية التي نُظمت يوم 2 أفريل 1989- و التي تميّزت بتشجيع السلطة لظاهرة الاستقطاب الثنائي بين الحزب الحاكم و حركة النهضة الاسلامية - إلى احتكار الحزب الحاكم للمجلس النيابي و هو ما ولّد شعورا بالخيبة.
- تم وضع المنظمة النقابية – الاتحاد العام التونسي للشغل – تحت وصاية السلطة إثر مؤتمرها الذي انعقد بمدينة سوسة في أفريل 1989 .
- تنتهز السلطة سنة 1991 أحداث حرب الخليج لتشد الخناق على الصحافة انتهت باحتجاب عدة عناوين مستقلة و هو ما حدا بحوالي 300 من المثقفين إلى توقيع نداء للاحتجاج على وضع الإعلام.
- في نهاية سنة 1990 وبداية سنة 1991 نظم الطلبة و التلاميذ عدة مظاهرات و تم ايقاف العديد ممن يعتقد أنّهم أنصار لحركة النهضة من طرف البوليس. و بمناسبة وفاة أحد التلاميذ حصلت مواجهات عنيفة بين الطلبة الاسلاميين (الذين لجأوا أحيانا إلى رمي الحجارة و قوارير المولوتوف) من جهة و قوات البوليس من جهة أخرى.
- و في نهاية السنة الدراسية 1990-1991 استغلّت السلطة صدامات عنيفة دارت بالمركب الجامعي بين قوى البوليس و الطلبة الاسلاميين لتعلن حل الاتحاد العام التونسي للطلبة و فرض الوجود البوليسي القوي داخل المؤسسة الجامعية و سن ترتيبات قانونية تعوق حرية التعبير و النشاط النقابي للطلبة ( منشور وزير التربية بتاريخ 12 مارس 1991).
- خلال فيفري 1991 هاجم بعض ممن يعتقد أنّهم أنصار لحركة النهضة مقر لجنة تنسيق الحزب الحاكم بباب سويقة، و هو ما أدّى إلى نشوب حريق و وفاة أحد الحراس في ظروف مسترابة. و تم إثر ذلك إحالة 28 شخصا و صدرت في حقهم أحكام قاسية بالسجن إثر محاكمة مستعجلة وصلت حد الإعدام الذي شمل خمس منهم. و في أكتوبر 1991 تم شنق ثلاثة من المحكوم عليهم بالإعدام.
- و حصلت خلال السداسية الأولى من سنة 1991 حملات إيقاف واسعة في صفوف المنتسبين إلى حركة النهضة و أنصارها و قد تم في المدة المتراوحة بين أفريل و جوان 1991 إيقاف العناصر التي ستحال على القضاء العسكري خلال شهر أوت 1992.
- عقد يوم 22 ماي 1991 وزير الداخلية ندوة صحافية – بثت عن طريق التلفزة - "كشف" خلالها عن وجود مؤامرة لقلب نظام الحكم خطّط لها عناصر حركة النهضة.
- أصدرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بلاغين الأوّل خلال شهر جوان و الثاني خلال شهر ديسمبر من سنة 1991 ندّدت فيهما بالموت المستراب لأربعة من الموقوفين بمخافر البوليس و بظروف الإيقاف فيها و انتهاك الشرعية من طرفه. و طالبت بفتح بحث في الموضوع. و ردّا على ذلك شنّت السلطة حملة تشويه إعلامية بواسطة الصحافة الموالية لها ضد الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و اتهمتها بالتواطؤ مع الاسلاميين و تجاوز اختصاصها طبق القانون الأساسي المنظّم لها. و أردفت السلطة حملتها تلك بسن "قانون التصنيف" رمت من خلاله إلى استبعاد العناصر المناضلة من قيادة الرابطة و إلى احتواء الرابطة بإغراقها بمنخرطين موالين للسلطة.
- خلال جوان 1991 و بتكليف رسمي من السلطة تشكّلت لجنة برئاسة الرشيد إدريس، الذي كان يحتلّ آنذاك منصب رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان و الحريات الأساسية، قصد البحث في حالات الوفاة التي سجلت بمراكز الأمن. إلاّ أنّ نتيجة البحث لم تنشر للعموم إلى يومنا هذا.
- انتهزت السلطة إيقاف المسار الانتخابي بالجزائر (جانفي 1992 ) و ما نتج عنه من أعمال عنف لتبرّر سياسة الأمن الشامل و ذلك بدعم دوّلي.
- يوم 13 جوان 1992 قرّر المجلس الوطني للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان رفض تعديلات القانون الهادف إلى ضرب استقلالية قرار الرابطة، و التي دخلت حيز التنفيذ و أعلن عدم إذعانه لأحكامها. وبعد حوالي ساعة من الإعلان عن موقفها ذلك قرّر وزير الداخلية آنذاك حلّ الرابطة و وجّه انذارا بإخلاء مقرّها. و بقيت منحلّة إلى نهاية شهر أفريل 1993 و ذلك عشية التئام القمة العالمية لحقوق الإنسان. و تم دعوتها لتغيير قيادتها خلال مؤتمر فيفري 1994.
و في تاريخ انعقاد المحاكمات لدى المحكمة العسكرية الذي بدأ يوم 9 جويلية 1992 لم يكن هناك أي منظمة وطنية تتولّى مهمة الملاحظ لسير الجلسات بها. إذ لم يتولّ ذلك سوى موفدي منظمة العفو الدولية الذين حرّروا تقريرا جيدا في أعمالهم. أمّا الأحزاب السياسية بتونس فقد التزمت حيال الحدث صمتا رهيبا.
تقـــديم
طغيان إدارة أمن الدولة
سنتعرض إلى الخروق الفادحة التي شابت المحاكمة من الزاوية الإجرائية، الأمر الذي انعدمت معه شروط المحاكمة العادلة طبق المعايير الدولية.
فقد ثبت أن إحالة المتهمين تمت على محكمة غير مختصة ( القضـاء العسكري ) و إن الهيئة التي نظرت في القضية كانت تفتقر لشرط الحياد باعتبارها راجعة بالنظر لوزارة الدفاع الوطني.
كما كشفت الإجراءات أن وزارة الداخلية ممثلة في فرقة أمن الدولة هي التي تولت الأبحاث و أعمال الحجز دون أن تكون مختصة أو مخولة لذلك طبق القانون الإجرائي.
و يلاحظ في خصوص العلاقة بين إدارة أمن الدولة و المحكمة العسكرية طغيان دور الأولى بما جعلها تقوم بالدور الأساسي سواء في إيقاف المتهمين و استنطاقهم ثمّ إحالتهم على القضاء العسكري أو في مرحلة مثولهم أمام القضاء بتنظيم دخول المحامين و مراقبته بفضاء المحكمة العسكرية التي لها شرطتها الخاصة العسكرية، أو إحضار المتهمين و حتى تنظيم الحضور داخل قاعة الجلسة! و يتواصل هذا الدور حتى بعد صدور الحكم بمتابعة ظروف إقامة السجين و العمل على التنكيل به و إيذائه و إحكام الحصار عليه و إعطاء التعليمات لإدارة السجن للتصرف معه بالصورة التي يراها البوليس السياسي.
و لا ينتهي دور إدارة أمن الدولة عند هذا الحدّ بل يتواصل بعد قضاء السجين لعقوبته إذ يخضع للمراقبة الإدارية - وهي عقوبة تكميلية – يمارسها في الواقع البوليس السياسي الذي يسترجع الإشراف المباشر على معارض السلطة ليحاصره و يشددّ عليه في إقامته و مصدر قوته و يحول دون إعادة اندماجه بالمجتمع و ذلك بأن يفرض عليه الحضور المتكرر بمركز الأمن أو الحرس الذي يعينه له لتسجيل حضوره و التوقيع بدفتر معد للغرض عدّة مرات في اليوم بما يجعله غير قادر للتفرغ للعمل أو لتدبير شؤونه الخاصة.
أما فيما يتعلق بأصل التهم وهي "الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة" و غيرها، فقد ثبت من الحكمين الصادرين في القضيتين أنهما اكتفيا بالقول بأن أساس الإدانة هو شهادة المتهمين على بعضهم البعض و إقرار البعض منهم و المحجوز الذي لا يتعلق في أكثره بالقضية و إنما أوتي به و قد كان يتعلق بالقضية التي نظرت فيها محكمة أمن الدولة في صائفة سنة 1987 !
و بذلك فقد تهافتت " الوقائع " الملفقة التي ساقها الاتهام بتنسيق مع أجهزة النظام الدعائية (تلفزة، صحف الخ…) الواحدة بعد الأخرى فالمعلوم أن النظام في مسعى منه لتقديم القضية على أن وقائعها تتعلق بالإعداد لانقلاب شارك فيه ضباط عديدون من الجيش افتعل وقائع ما أسماه "اجتماع براكة الساحل" ثم لما ثبت زيفها أشار إلى وجود مخطط للحصول على "صاروخ سنتجر" بقصد إصابة طائرة رئيس الدولة وهي بالجوّ كما حاولت السلطة عبر قلم الاتهام إيجاد صلة بين المتهمين و مجموعة أخرى مستقلة " طلائع الفداء " و التي حجز عنها المتفجرات.
توسّل المؤسسة القضائية
لم تكن الإحالة على القضاء العسكري خلال صائفة 1992 سوى مقدمة أرادتها السلطة لتسخير القضاء في معالجة العلاقة مع المعارضة السياسية ثم وسعت استعماله ليشمل المناضلين الحقوقيين و الصحفيين و غيرهم إلى أن آل الأمر اليوم إلى جعل القضاء مجرد جهاز يعمل بتعليمات السلطة التنفيذية ليست له أي سلطة حقيقية وقد أخلى المحكمة و فضاءها للبوليس السياسي يفعل فيها ما يشاء و يقرر ما يشاء (محاكمة حمّا الهمامي في 02 فيفري 2002 حيث تحكم البوليس السياسي في تنظيم الجلسة التي هي من اختصاص رئيس المحكمة ).
و لم يصب هذا التدهور القضاء في جانب المحاكمات السياسية فقط و إنما تجاوزها ليشمل القضاء العادي - الحق العام - الذي بات هو أيضا يعاني من تدخل السلطة و من تضييق لحقوق الإنسان وهو ما أتينا عليه في التقرير السنوي 2000/2001 الذي أعدّه المجلس الوطني للحريات بتونس.
و ترافق هذا التدهور مع هجوم شامل و منهجي على الدفاع الذي ضيّق من مجاله و حوصر دوره إلى أن أصبحنا نشاهد المحاكمات تجري دون تمكينه من المرافعة أصلا مثلما حصل في قضية زهير اليحياوي و عبد الله الزواري و حمّا الهمامي ( في الطور التعقيبي ) سنة 2002 بما يكشف عن خطة لدى السلطة في إلغاء دور الدفاع في المحاكمات ذات الطابع السياسي أو ما تطلق عليه السلطة " القضايا الحساسة ". و إذا كانت السلطة هي المسؤولة بالدرجة الأولى على تدهور أوضاع القضاء الذي حولته إلى مجرد جهاز يأتمر بأوامرها وينفذ تعليماتها فإن عدّة أطراف أخرى ساهمت في ذلك و تواطأت مع السلطة أو أنها تخلفت عن القيام بواجباتها.
و في هذا السياق نبدأ بالقضاة ذاتهم الذين تخلّى العديد منهم عن واجبهم في تطبيق القانون و الاحتكام إلى وجدانهم الخالص و ذلك بالخرق المتعمد لحقوق المظنون فيه وهو ما حصل خلال محاكمة أوت 1992 عبر تجاهل موجبات البطلان العديدة في خصوص إجراءات التتبع أو الإحالة، و عبر التلفيق في تعليل الأحكام والتشديد فيها استجابة لرغبة السلطة التنفيذية بل أن البعض منهم ( حكام تحقيق ) قد تواطأ مع البوليس السياسي في الاعتداء على سلامة المتهمين و تدليس المحاضر.
كما نذكر بالدور المتواطئ لبعض المشرفين على هياكل المحاماة مثل العميد عبد الوهاب الباهي الذي لم يتورع عن مساعدة المحكمة في تجاوز حقوق الدفاع و التعاون مع السلطة على حساب تلك الحقوق، كما لم يتورع عن مباركة تلك المحاكمة و التنويه باحترامها لحقوق الدفاع صلب تصريحات أدلى بها للصحافة نتولى نشرها عقب هذا و مثله فعل رئيس فرع المحامين بتونس إبراهيم بودربالة الذي أشاد بـ"الأحكام الحضارية ".
و لم يكن دور بعض الأطباء أقلّ خطورة و ذلك سواء من خلال ما قاموا به أثناء أعمال التعذيب بإرشاد متعاطيه على الحالة التي عليها الضحية و مدى تحملها للتعذيب من عدمه حسبما بلغنا عن بعض المتهمين أو من خلال الاختبار الطبي الذي أجري في القضية و الذي تعمد فيه أطباء بارزين عدم إظهار الحقيقة في أسباب الإصابات التي كان يعاني منها المتهمون جراء خضوعهم للتعذيب المادي.
و لم يقل دور عدّة أحزاب معارضة و بعض شخصيات حقوقية خطورة و ذلك عبر التنويه بالمحاكمة و بالظروف الطيبة التي تمت فيها، خاصة و أنهم لم يحضروا جلساتها و لا هم تابعوا أطوارها.
و اليوم و إزاء الواقع المتردي للقضاء بتونس فإن الأمر يطرح على جميع القوى و القطاعات معالجته على نحو يجعل القضاء سلطة تخضع إلى القانون و تقيدها أحكامه و يكون القاضي فيها خاضعا لوجدانه الخالص و ما يمليه عليه واجبه في احترام القانون و حسن تطبيقه.
ما هي حقيقة الوقائع التي نسبت إلى المتّهمين و كيف عللت المحكمة قضاءها ؟
أعلن عبد الله القلال وزير الداخلية السابق يوم 22 ماي 1991 في ندوة صحفية عن "اكتشاف مخطط لقلب نظام الحكم بمشاركة مجموعة من العسكريين من مختلف القطاعات و الرتب" مؤكدا أنهم عقدوا لقاءا في براكة الساحل وضعوا بمناسبته خطة للاستيلاء على السلطة.
و كانت البلاد شهدت في الأسابيع السابقة لذلك التاريخ - أي غداة حدوث حريق مقر الحزب الحاكم في منطقة باب سويقة بالعاصمة أدى إلى وفاة أحد الحراس و قد نسبته الرواية الرسمية إلى حركة النهضة - انطلاق حملة اعتقالات واسعة، خارج إطار القانون و القضاء، طالت عشرات الآلاف من المواطنين بين مدنيين و عسكريين نسبت إليهم تهمة الانتماء إلى حركة النهضة الاسلامية.
و أحدثت هذه الحملة من المداهمات و الاعتقالات مناخا من الرعب لا مثيل له على المجتمع مدعمة بحملة سياسية و إعلامية نسبت بعض الأحداث و الوقائع إلى حركة النهضة و افتعلت أحداث و وقائع أخرى بغرض تلفيقها لها مثل حادثة سرقة المتفجرات من طرف نبيل الواعر و بعض أصدقائه ثم جماعة الحبيب الأسود و"طلائع الفداء" و نهاية باجتماع العسكريين في براكة الساحل و صاروخ "الستينجر".
و لقد أكدت الأبحاث و الأحكام الصادرة في القضيتين عدد 76110 و عدد76111 أن المتهمين بارتكاب سرقة المتفجرات في جهة الكبارية سنة 1991 لم تكن تربطهم بحركة النهضة أي علاقة سياسية أو تنظيمية وأن ضمّ ملفهم لملف القضية عدد 76111 كان لغايات دعائية و سياسية فقط. دليل ذلك تأكيد المحكمة صلب حكمها الصادر يوم 30 أوت 1992 ثبوت انعدام أي رابط لنبيل الواعر و أصدقائه بحركة النهضة و بطلائع الفداء كثبوت أن سرقة المتفجرات كانت عملا معزولا و لم يكن بتحريض من أي عنصر من عناصر الحركة المذكورة. كلّ هذا ثبت بعد أن تعمدت التلفزة التونسية مرات عديدة تهويل المسألة و إظهارها على أنها حلقة في سلسلة للتحضير للأعتداء على أمن الدولة و قلب نظام الحكم. ثم مع انكشاف حقيقة الحادثة المذكورة تمّ التركيز إعلاميا على انكشاف أمر مجموعة الحبيب الأسود "طلائع الفداء" التي تمّ تقديمها على أنها تمثل الجهاز العسكري لحركة النهضة و على أنها كانت تجمع الأسلحة و تستقطب العسكريين و رجال الأمن للإعداد للانقلاب المرتقب.
و قد تم في هذا الإطار و بداية من يوم 23 نوفمبر 1990 إيقاف العشرات من قيادات و عناصر حركة النهضة من بينهم علي لعريض و زياد الدولاتلي. و تأكد عجز الاتهام في إثبات علاقة أعضاء حركة النهضة بالتنظيم المذكور و أنشطته. كما عجز في تبيين تورطهم في أي عمل يهدف لاستقطاب العسكريين أو غيرهم من رجال الأمن و الحرس. و قد جاء الحكم الصادر في القضية عدد76111 حاسما في هذه النقطة بالذات إذ اعتبر أن حركة النهضة و طلائع الفداء و "سرايا الشهداء" تنظيمات مستقلة عن بعضها البعض و لا رابط تنظيمي بينها. و بسبب ذلك حكم بإدانة الحبيب الأسود باعتباره قيادة تنظيم طلائع الفداء في حين حكم ضدّ كل من علي لعريض و زياد الدولاتلي و سحنون الجوهري بناءا على الوقائع موضوع النظر في القضية عدد76110 و المتمحور حول "وضع خطة للتصعيد و افتكاك السلطة".
و في هذا الإطار يتأكدّ أيضا بطلان ما أعلنه عبد الله القلال وزير الداخلية آنذاك خلال الندوة الصحفية المذكورة آنفا عن "كشف اجتماع براكة الساحل و وجود تنظيم تابع لحركة النهضة داخل الجيش" و هو ما كان له مفعوله القوي على الرأي العام و الملاحظين داخليا و خارجيا.
فالعديد من العسكريين الذين أعلن عبد الله القلال تورطهم في القضية لم يكونوا مطلقا محلّ تتبّع أو حتى استنطاق من أمثال الرائدين خديم الله و البوغانمي حيث جاءت ملفات القضية خالية من أي إشارة لهما و الحال أن اسميهما ملآ صفحات الجرائد و شاشات التلفزيون لفترة طويلة بوصفهما من أخطر العناصر المورطة في محاولة الانقلاب(ملحق عدد 1).
كما أكدّت الأبحاث أن اجتماع براكة الساحل كان ضربا من ضروب مخيلة البوليس السياسي و هو لم يحصل مطلقا في الواقع. و دليل ذلك أنه ثبت للمحكمة التي بتت في القضية عدد76110 أن المتهمين – التابعين لوحدات عسكرية مختلفة موزعة على عديد مناطق البلاد - كانوا في تاريخ الاجتماع المزعوم يباشرون أعمالهم و أنشطتهم المهنية أو الخاصة و بالتالي يستحيل عليهم التواجد في براكة الساحل. و نشير هنا إلى أنّ الادعاء لم يحدّد مكانه و لم يجر تشخيصا له. وهو ما أجبر المحكمة على إسقاط الاجتماع المذكور من المستندات و الحجج التي انبنى عليها الحكم كإجبارها على القضاء بعدم سماع الدعوى في حق البعض ممن اتهموا بحضوره و عقده من أمثال الرائد كوردة و النقيب الفرجاني و النقيب الأجنف و غيرهم… ومثلما كشفت الأبحاث أن واقعة اجتماع براكة الساحل كانت واقعة وهمية أثبتت نفس الأبحاث أن الربط بين حادثة مقرّ لجنة التنسيق للتجمع الدستوري الديمقراطي و حركة النهضة كان مفتعلا .
ثم جاء التركيز على قضية صاروخ "الستينجر" المنسوبة للهادي الغالي و بعض أصدقائه : إذ جاء في الاعترافات المنسوبة للهادي الغالي أنه فكر في جلب صاروخ و استعماله للاعتداء على حياة رئيس الدولة. لكن الأبحاث أثبتت أن لا أحد داخل البلد و لا خارجها كان يتوفر على إمكانية شراء أو جلب الصاروخ المذكور الذي لم يعثر له على أثر. و لقد كشفت الأحداث اللاحقة لصدور الأحكام عدم حياد السلطة الحاكمة عن المنهج الذي اعتمدته في التعاطي مع هذه القضية و المتهمين فيها .
كما كشفت الأبحاث و المرافعات تجردّ التهم المنسوبة للمحالين من كل دليل مادي يؤيدها و انعدام أركانها الواقعية و القانونية ذلك أن النيابة العمومية وجهت لأغلب المظنون فيهم تهم "الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة" و "تحريض السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح" و "الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها"... ونظرا لأن جريمة "الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة" المنصوص عليها و على عقابها صلب الفصل 72 من المجلة الجنائية تقتضي إثبات "حصول اتفاق بين المحالين على قلب نظام الحكم و إعداد العدة و القيام بالأعمال التحريضية اللازمة للوصول لذلك الهدف و الشروع في تنفيذ ما عقدوا عليه العزم في اليوم المحددّ لافتكاك السلطة". فلقد ثبت من خلال أوراق الملف - بما في ذلك الاستنطاقات المجراة من طرف إدارة أمن الدولة والمسجلة تحت التعذيب - أن التهمة المذكورة، وهي التهمة الرئيسية، فاقدة لكل الأركان إذ اتضح أن المحالين في القضيتين عدد 76110 و عدد 76111 لا ينتمون لتنظيم واحد بل خلاف ذلك تماما ثبت أن بعض المحالين في الملفين المذكورين ينتمون لثلاثة مجموعات : النهضة، طلائع الفداء و جماعة الكبارية. و هي مجموعات لا يربطها ببعضها أي رابط تنظيمي أو سياسي - مثلما سبق بيانه - في حين أن عددا آخر من المتهمين ليس لهم أي انتماء لهذه المجموعات أو غيرها و قد تم حشرهم حشرا في الملف سواء في إطار الحملة على مؤسسة الجيش أو في إطار تضخيم الملفات للإيحاء بجدية الاتهام و صحته.
و لم يقدّم الاتهام أي دليل مادي على حصول اتفاق بين أطراف القضية على ضبط تاريخ محددّ للانقضاض على الحكم و على افتكاك السلطة علاوة على ثبوت انعدام أي عمل تحضيري لتحقيق الغاية المذكورة فضلا عن الشروع الفعلي في التنفيذ و الانجاز. و لا أدل على ذلك من أن المحكمة اعتمدت على وقائع متفرقة و موزعة في الزمان و المكان وهي وقائع و أحداث لم تنسب للمتهمين بل نسبت لغيرهم كما أنها أسست حكما على محجوز لم يحجز عن من سلط عليهم الحكم بل عن غيرهم.
أما بالنسبة للوقائع فيتضح من خلال مراجعة قراري ختم البحث و قراري دائرة الاتهام و الحكمين الصادرين أنه تم اعتماد جميع التحركات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد خلال سنتي الدراسة 1990 - 1991 و1991 - 1992 من مظاهرات و تحركات في مناطق مختلفة من البلاد - و التي كانت في أغلبها بتأطير من أعضاء حركة النهضة - كدليل على توفر أركان الجريمة و لا يهم إن كانت هذه التحركات في المركب الجامعي أو في أحد المعاهد.
كما أنه لا يهم كيف انطلقت تلك التحركات و لا من يقف وراءها إن وجد بل الأهم من كل ذلك بالنسبة للمحكمة تسجيل مجرّد حصولها لتبرير الإدانة. و قد أكد المحامون تهافت كلّ حكم يؤسس إدانة بشر على أفعال لم يرتكبها أو اقترفها غيره أو على أفعال و وقائع مفتعلة لم تحصل أصلا - مثلما هو الشأن بالنسبة إلى اجتماع براكة الساحل أو صاروخ الستينجر المزعومين - أكدوا أنه لا يعقل محاكمة شخص من أجل وقائع و أفعال ارتكبها غيره و أوقف مرتكبها و أحيل على محكمة أخرى غير المحكمة العسكرية من أجل ما نسب إليه. و قد بتت بعض المحاكم المتعهدة بملفات تلك الوقائع في بعض من هو بين أيديها سواء بالإدانة أو بالبراءة و أن بعضها لم يقل بعد كلمته في الموضوع.
و لا غرابة بعد ذلك أن تكون الحجة على إدانة المحالين أمام المحكمة العسكرية ارتكاب بعض الأنفار - الذين لم تثبت أيّ علاقة لهم بالمحالين على القضاء العسكري - و كذلك في حصول بعض الأحداث و التحركات المتفرقة و الموزعة على مساحة زمنية تجاوزت السنتين. و قد وصل التناقض في تعليل الأحكام درجة قصوى باعتماده على تأكيد الإدانة على حوادث أدين من نسبت إليهم أو حكم ببراءتهم و قد كان بعض المحالين أمام المحكمة العسكرية مشمولين في الأبحاث فيها و انتهى الأمر بحفظها في حقهم مثلما هو الحال بالنسبة للدكتور بن نجمة الذي حفظت في حقه التهم المؤسسة على حادثة باب سويقة لبراءته منها ليرى نفسه أمام المحكمة العسكرية محكوما بالإدانة بناءا على حصول الحادثة المذكورة !
مثلما أكدّ المحامون النائبون في القضية و في مقدمتهم الأستاذ العميد محمد شقرون و الأستاذ عبد الرؤوف العيادي رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان آنذاك أنه لم تتوفر في المحاكمة الشروط الدنيا للمحاكمة العادلة في كلّ المراحل التي عرفتها القضية بداية من الأبحاث المجراة من طرف إدارة أمن الدولة خارج إطار القانون و بدون إذن القضاء مرورا بأعمال التحقيق العسكري نهاية بأعمال المحكمة و سير المحاكمة التي اتسمت بالمساس الخطير بمصالح المتهمين الشرعية و بخرق أحكام مجلة الإجراءات الجزائية و هضم حقوق الدفاع، مثلما أكدّ المحامون و كشفوا الخروق المذكورة و عمليات القتل المتعمد التي ذهب ضحيتها عدد هام ممن شملتهم الأبحاث مثل الوكيل عبد العزيز المحواشي و عبد الرؤوف العريبي و فيصل بركات و عامر الدقاشي وغيرهم ممن تمّ حفظ التهم في حقهم لإنقراض الدعوى بموجب الوفاة.
كما وصل الأمر بالحبيب بن يوسف رئيس محكمة باب سعدون إلى حدّ إهانة المتهمين و تبرير تعذيبهم إذ كان واجه خلال الجلسة الافتتاحية كلّ من تمسك بأن ما سجل عليه لدى إدارة أمن الدولة انتزع منه تحت التعذيب بردّه : "اتحبوا تقلبوا النظام و ما يعذّبوكمش." !
الإجراءات لدى القضاء العسكري
I - المحكمة العسكرية : محكمة لا دستورية و غير مختصّة
أول ما تمسك به المحامون النائبون هو مسألة الوجود القانوني للمحكمة العسكرية ذاتها ذلك أن الأمر الذي أنشأها و نظم طرق التقاضي أمامها صدر في 10 جانفي 1957 بإسم "مجلة المرافعات و العقوبات العسكرية", أي قبل وضع الدستور الذي نظم مؤسسات الجمهورية و خاصة السلطة القضائية...
حيث توحدت كل الهيئات القضائية تحت إشراف المجلس الأعلى للقضاء الذي لا وجود فيه لعسكريين و لا إشارة في قانونه الأساسي للقضاء العسكري, هذا فضلا عن وضعه لطرق في تعيين القضاة مخالفة للمجلة العسكرية بما يجعل أمر 1957 في حكم المنسوخ ضمنيا إثر صدور الدستور غرة جوان 59 و يجعل المحاكم العسكرية لا شرعية لوجودها. و في أحسن الأحوال فإنها محاكم استثنائية لا تتوفر فيها الضمانات الموجودة في بقية المحاكم العادية بسبب خضوع قضاتها مباشرة للسلطة التنفيذية التي تعينهم و ترقيهم... عن طريق وزير الدفاع, كما أن أحكامها نهائية لا تقبل الطعن بالاستئناف... و آجال التعقيب على أحكامها مختصرة للغاية (أربعة أيام)...
و بالنظر إلى أنها محكمة استثنائية خاضعة للسلطة التنفيذية لا تتوفر فيها الضمانات الموجودة أو على الأقل المفترضة في محاكم الحق العام, فإنها هيئة قضائية تابعة و غيرمستقلة و لا محايدة تحكم طبق تعليمات السلطة التنفيذية مباشرة.
المسألة الثانية التي طرحت تتعلق بصلاحية و أهلية النظر الحكمي للمحكمة العسكرية في جرائم الاعتداء على أمن الدولة المنسوبة للمتهمين ؟
حيث أن الفصل 5 من مجلة المرافعات العسكرية في فقرته الأخيرة يؤكد " يمكن منح هذه المحاكم - أي العسكرية - بموجب قانون خاص حق النظر في جميع أو بعض الجرائم المخلة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي ". و لأن هذا القانون الخاص لم يصدر. بل و صدر قانون 02 جويلية 1968 المحدث لمحكمة أمن الدولة يؤكد أن جرائم الإعتداء على أمن الدولة من الاختصاص المطلق لمحكمة أمن الدولة دون سواها و لو كان المتهم عسكريا حسب صريح فصليها الأول و التاسع عشر.
و بإلغاء محكمة أمن الدولة وجب النظر في هاته الجرائم من طرف محاكم الحق العام كجنايات عادية بعد إلغاء محكمة أمن الدولة المختصة و لأن المحكمة العسكرية لا يحق لها بموجب الفصل 5 النظر فيها.
و رغما عن هذا الدفع الجوهري الذي تمسك به المحامون طعنا في إختصاص المحكمة العسكرية, خاصة و المحالين عليها أغلبهم مدنيون فإن المحكمة العسكرية قررت مواصلة النظر في القضية رغم التحجير الصريح للفصل 5 من الأمر المنظم لإجراءاتها النظر في قضايا الإعتداء على أمن الدولة.
قضاة لهم رأي مسبق في الملف
عديد المتهمين سبق إحالتهم على الدائرة الجناحية للمحكمة العسكرية التي أصدرت أحكاما بإدانتهم, قبل نظر الدائرتين الجنائيتين بباب سعدون و بوشوشة. هاته الدائرة الجناحية تكونت من قضاة انتصبوا ثانية في الدائرتين الجنائيتين.
و لقد دفع المحامون بأن هؤلاء الضباط-الحكام لهم رأي سابق بالإدانة بإعتبار موضوع القضايا الجنائية والجناحية واحدا و متفرعا عن تحقيق واحد والأفعال مرتبطة... و عليه فلا يجوز لقاض له رأي مسبق في قضية أن يحكم فيها. إلا أن المحكمة واصلت النظر رغم التجريح في قضاتها.
دفع كذلك المحامون بأن متهمين إثنين محالين هما من رتب أعلى من رتبة القضاة الذين يحاكمونهم و هذا إخلال بمبدإ في القضاء العسكري بأن لا يحاكم العسكري من طرف من هو أدنى منه درجة و رتبة.
و رغم تنصيص الفقرة العاشرة من الفصل 10 من أمر 57 للمرافعات العسكرية تنصيصا صريحا على هذا المبدإ فإن المحكمة خالفته و واصلت النظر.
كما طعن في تركيبة المحكمة لعدم وجود مستشارين من قوات الأمن الداخلي رغم محاكمتها لأفراد من هاته القوات طبق ما يقتضيه الفصل 22 من قانون 06 أوت 1982 المتعلق بالقانون الأساسي لهاته القوات. إلا ان المحكمة لم تعر هذا الطعن هو الآخر أية أهمية.
II – إدارة أمن الدولة : ضابطة عدلية أم آلة للقتل و التعذيب و التنكيل ؟
لقد أثارتعهد فرقة امن الدولة بالبحث في القضية عديد المآخذ أهمها :
أولا : القول بإنعدام و جودها القانوني بعد حل و إلغاء محكمة أمن الدولة, لأنها كانت ضابطة عدلية للمحكمة المذكورة زالت بزوالها إذ الفرع يتبع الأصل. و القول بصحة أبحاثها يثير التساؤل حول جدوى قرار إلغاء محكمة أمن الدولة علما و أن القانون الذي أنشأ محكمة أمن الدولة لا يتضمن بشكل صريح أو بالتلميح ضابطة عدلية تابعة لها و بالتالي فإنها جهاز إداري لا عدلي و لا حق له في البحث أصلا.
ثانيا: إذا سلمنا جدلا بأن إدارة أمن الدولة ضابطة عدلية بالمفهوم القانوني فهي ضابطة عدلية مدنية و نحن في قضية عسكرية. و القضاء العسكري له ضابطته العدلية الخاصة نصت عليها فصول المرافعات العسكرية من 16 إلى 20. و إنه لا يحق للضابطة العدلية لمحاكم الحق العام ( و النص لا يقول بالضابطة العدلية للمحاكم الاستثنائية...) تعقب الجرائم إلا إذا لم يكن هنالك ضباط عدليون عسكريون و عند قيام حالة تلبس فحسب...في حين كان للجيش جهاز قضائه العسكري يديره و كيل عام عسكري... و له مؤسساته الحكمية و الاستقرائية في كل من تونس و صفاقس... و بالتالي فلا حق لفرقة أمن الدولة بالبحث و كل أعمالها باطلة لعدم الإختصاص الحكمي.
ثالثا : إن فرقة أمن الدولة قامت بالايقافات و التفتيش و حتى الحجز... على كامل تراب الجمهورية و الحال أنّ قاضيي التحقيق و المحكمة العسكرية الدائمة بتونس لهما حدود نظرهما الترابي الذي تجاوزته فرقة أمن الدولة. فللمحكمة العسكرية الدائمة بصفاقس دائرتها الترابية, حيث تمت إيقافات بها دون تعهد منها و من قاضي تحقيقها و دون إنابة منهما لأعوان فرقة أمن الدولة... مما يجعل أبحاثها التي وقعت خارج الحدود الترابية للمحكمة العسكرية الدائمة بتونس باطلة قانونا.
و هذ ا البطلان ينسحب كذلك على قاضي التحقيق و على دائرة الإتهام و على المحكمة ذاتها في كل الأفعال و الأشخاص الذين يخرجون عن إختصاصها الترابي. و هو ما لم تعره المحكمة أي اهتمام رغم دفع المحامين بهذا البطلان، لوجود محاكم عسكرية أخرى بالجمهورية.
رابعا : بحث أولي خارج إطار القانون
و إذا كانت إدارة أمن الدولة هيئة للضبط القضائي ذات إختصاص ترابي و حكمي, فهل قامت بإجراء البحث تحت إمرة قاضي التحقيق و فق ما يقتضيه القانون من بحث عن أدلّة و الجرائم و من احترام لكرامة المتهمين ؟
لقد ساد المحاكمة عرض مطول من المتهمين و محاميهم لأعمال مفزعة قام بها أعوان فرقة أمن الدولة بدأت بحملات تمشيط و محاصرة للأحياء و المدن و القرى و مداهمات ليلية و بالأسلحة النارية للمساكن و البيوت و إقتحام للإدارات و حتى الثكنات العسكرية. و من ترويع للأهالي و الأطفال و الزوجات و الشيوخ و من إيقاف لهؤلاء دونما ذنب سوى القرابة من المظنون فيهم . و حتى الأصدقاء لم يسلموا... و بلغ الأمر في عديد الحالات حد الإعتداء على هؤلاء بأشكال متنوعة أضرت بأبدانهم و أرزاقهم و أعراضهم... حيث إشتكى العديد من تعرية نسائهم أو التهديد بذلك أثناء البحث... و قدم عديد المتهمين و محاميهم أدلة دامغة على إيقافهم شهورا قبل تقديمهم للقضاء العسكري.
تزييف محاضر الاستنطاق لدى مصالح أمن الدولة
ثبت من خلال الشكايات المقدمة من طرف المحامين و العائلات للسلط القضائية المختصة أن الصادق شورو الذي سجل في المحضر أنه أوقف يوم 29 جوان 1991 قد أوقف خلال شهر مارس 1991 كما ثبت أن عبد الكريم المطوي الذي سجل أنه أوقف يوم 9 ماي 1991 قد أوقف يوم 17 فيفري 1991 وأن عبد الله الزواري الذي سجل أنه أوقف يوم 18 جوان 1991 قد أوقف يوم 23 أفريل 1991 و كذلك العكروت الذي سجل أنه أوقف يوم 10 جوان 1991 أنه أوقف في الواقع في نفس اليوم و المكان مع عبد الله الزواري و غير تلك الحالات كثيرة. لكن أبرز شكل من التزييف الرسمي يتجلى من خلال حالة عبد اللطيف المكي الذي استشهد عبد الله القلال بالتصريحات المنسوبة إليه خلال الندوة الصحفية التي عقدها في 22 ماي 1991 غير أن تاريخ الإيقاف المنصص عليه بمحضر الاستنطاق هو يوم غرة جويلية 1991. و قد أقرت المحكمة صلب حكمها بحصول تجاوزات في آجال الاحتفاظ.
وفاة ما لا يقل عن ثمانية محتفظ بهم تحت التعذيب
كشف عديد المتهمين أمام المحكمة عن آثار تعذيب بقيت عالقة بأجسامهم رغم مرور أكثر من عام و نصف على حدوثها ( فقدان بعض الحواس و شل بعض الأعضاء كالعضو التناسلي...), و بلغ الأمر حدّ قتل العديد من المتهمين تحت التعذيب ( عبد العزيز المحواشي, عبد الرؤوف العريبي, عامر دقاشي, فتحي الخياري، المولدي بن عمر، رشيد الشماخي، عبد الوهاب العبداللي، فيصل بركات... ) و حضور البعض الآخر للجلسة فاقدا لقدراته العقلية ( فقدان الذاكرة - أحدهم كان يهذي بجلسة باب سعدون... )
و لقد حضر سير أعمال المحاكمة بعض أعوان البوليس السياسي الذين قاموا بتعذيب المتهمين مما أثار إحتجاجهم بالصياح " جلادين... جلادين... طالبين... طالبين... محاكمة الجلادين... "
و روى عديد المتهمين للمحكمة – أشكال التعذيب الذي مورس عليهم و الذي إتسم بقسوة بالغة و فظاعة مروعة و رغما عن ذلك واصلت المحكمة النظر دون إتخاذ أي إجراء في تحقيق حصولها و تتبع مقترفيها.
الاختطافات و الاعتقال السري الخارج عن أي إطار قانوني
من أخطر ما حدث خلال هذه القضية ما ذكره بعض المتهمين من اختطافهم من داخل السجن المدني بتونس بعد إسعافهم بالإفراج المؤقت من قبل قاضي التحقيق بالمكتب السابع بالمحكمة الإبتدائية بتونس منوبي بن حميدان المتعهد بالبحث في تهم منسوبة لهم قبل انطلاق القضية العسكرية و فيما كانوا يحزمون متاعهم كانت تنتظرهم عربات أعوان فرقة أمن الدولة التي نقلتهم خارج إلى ضيعة بجهة نعسان معصوبي العينين حيث تداول على تعذيبهم أشخاص ملثمون إتضح أن المشرف عليهم هو المدعو عبد الرحمان القاسمي شهر "بوكاسا". هذا ما أكده لنا السيد عبد الكريم المطوي ( ملحق عدد3) ثم تدعمت شهادته مع تصريحات الصحفي عبد الله الزواري .
و لقد بلغ إلى المجلس في هذا السياق أن عديد الأشخاص ( و منهم ضباط و أعوان من قوات الأمن الداخلي و الديوانة...) وقع تعذيبهم بتلك الضيعة تعذيبا شديدا في نفس الفترة ثم أطلق سراحهم دونما تهمة أو إنابة من التحقيق العسكري أو غيره و لم تجر لهم أي محاكمة... ثم عزلوا من وظيفتهم ...
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
III - التحقيق العسكري :
قاض يدلس المحاضر و يعذب المتهمين بمقر المحكمة :
أول مثار في شأن التحقيق العسكري هو كما أشرنا إليه عدم جواز إنابة الضابطة العدلية المدنية المتمثلة في فرقة أمن الدولة.
و المثار الثاني الذي تمسك به المحامون هو الإنابة المطلقة و العامة التي أعطاها القاضي لفرقة امن الدولة بعكس ما تقتضيه أحكام الفصل 57 من مجلة الإجراءات الجزائية التي لا تجيز له تفويض صلاحيته إلا في بعض الأعمال و عند التعذر. كما إحتج المحامون على تفويضه حق الحجز الذي هو من إختصاصه مما نجم عنه حسب قولهم عديد الأضرار بالعدالة و بالمتهمين.
أما بالعدالة فهو تقديم فرقة امن الدولة لعديد المحجوزات التي كانت تابعة لقضايا حوكم فيها أفرادها قبل سنوات... و محجوز تابع لمحاكمة أعضاء حركة النهضة التي أجريت سنة 1987 أمام محكمة أمن الدولة.
كما إشتكى عديد المتهمين من الإستيلاءات على بعض الأموال و المصوغ و الكتب... من بيوتهم عند تفتيشها من طرف أعوان أمن الدولة ...
تعمد قاضي التحقيق عدم إنتداب محامين
الخرق الثالث الذي لوحظ هو تعمد قاضي التحقيق العسكري عدم إنتداب محامين للدفاع عن المتهمين رغم خطورة الجرائم و رغم مطالبة العديد منهم بذلك حسب ذكرهم بما شكل خرقا صريحا للقانون الإجرائي الذي يوجب إنابة محام في مادة الجنايات.
و لقد أكد بعضهم أنه تم إرجاعه إلى البوليس السياسي أو وضع بجناح العزلة بالسجن لإصراره على إنتداب محام أمام التحقيق.
و لقد أكد عديد المحامين النائبين أصالة أنه تم منعهم من دخول بناية المحكمة أثناء مباشرة القاضي للتحقيق و أنهم لم يتمكنوا من معرفة مصير حرفائهم إلا أشهرا عدة بعد إيقافهم... و أن القاضي لم يمكنهم من الإطلاع على الملف طبق ما يقتضيه القانون بل سلمهم في أحسن الحالات محضر سماع حريفهم لا غير, و أن التحقيق لم يكن محايدا و لا نزيها و لم يسع إلى إثبات الحقيقة بقدر سعيه إلى الإيقاع بالمتهمين ضاربا عرض الحائط بكل قيم القضاء الإستقرائي من بحث عن أدلة الإدانة و البراءة على حد سواء.
و أثناء المداولات ثبت أن قاضي تحقيق المكتب الأول الرائد عياد بن قايد كان يرسل إستدعاءات للمحامين النائبين أصالة ثم يعمد إلى أمر الشرطة العسكرية بمنعهم من دخول بناية المحكمة و يحتج على المتهمين ببلوغ الإستدعاء للمحامي النائب أصالة و مستدلا بإمضائه و خاتمه على جذر الإستدعاء... ليطلب منهم الإجابة في الأصل بعد ثبوت تغيب المحامي عن واجبه في الحضور!
و لقد أكد كثير من المتهمين أنهم قدموا للقاضي المذكور في ساعات متأخرة من الليل و هم في حالة بدنية سيئة جراء التعذيب لكنه أصر على بحثهم دون إيلاء أية أهمية لحالتهم الصحية المتدهورة و دونما إتخاذ أي إجراء في شأنها.
و لقد إشتكى أغلب المتهمين من تحيز قاضي التحقيق المذكور عياد بن قايد و تهديده لهم بإرجاعهم لفرقة أمن الدولة إن هم تراجعوا في أقوالهم المسجلة أمامها أو عند تمسكهم بأن تلك الأقوال إنتزعت منهم جراء التعذيب الذي سلط عليهم.
و لقد أكد بعض المتهمين أن قاضي التحقيق الأول عياد بن قايد أمر البوليس السياسي بضربهم بمكاتب الإنتظار المحاذية لمكتبه كما أمر أعوان الشرطة العسكرية بضرب بعض المتهمين لإصرارهم على التراجع فيما سجلته عليهم فرقة أمن الدولة... و أكد أحدهم أن القاضي المذكور صاح في وجهه قائلا " أعلاش نردك للداخليه نعذبك أنا لهنا !"...
كما ذكر البعض أن قاضي المكتب الأول المذكور كان يجري التحقيق بكثير من الحدة و الغضب "يصيح و يضرب على الطاولة"... و قال كثير من المتهمين أن القاضي عياد بن قايد كان يملي على كاتبه عكس ما يقولونه له...
و لقد رفض القاضي معاينة آثار التعذيب في جل الحالات و أمام إصرار أحد المحامين على ذلك أمام الأضرار البادية على المتهم سجل القاضي "و طلب المحامي تسجيل معاينته لآثار..." أي معاينة المحامي لا القاضي...
كما قام القاضي في حالات قليلة و عند إلحاح الأولياء و المحامين بعرض المتهمين على أطباء من السجن... إتضح أن أحدهم و يُدعى هيثم المقنم غيرمسجل بهيئة الأطباء, حسب تصريحها لأحد المأمورين العموميين بطلب من أحد المحامين في القضية.
عام و نصف بعد اغتيال فيصل بركات تحت التعذيب قاضي التحقيق يصدر بطاقة جلب ضده
و مما ورد بالتحقيق إصدار قاضي المكتب الثاني إلى مدير الشرطة العدلية أمر بنشر بطاقات جلب جوالة ضد فيصل بركات بتاريخ 22 ماي 1992 و أخرى في 25 ماي 1992, و يردّ مدير الشرطة العدلية في 25 ماي 1992 بأنه "تم نشر بطاقة جلب جوالة تحت عدد 91/4125" مع العلم أن هذا المواطن توفى جراء التعذيب بمركز الأمن بنابل و ذلك منذ 8 أكتوبر 1991 و ق أعلم بموته الوكيل حسن بن عبد الله في 17 أكتوبر 1991. و منذ ذلك التاريخ تدعي السلطة أن وفاته راجعة إلى حادث مرور و هي تضع العراقيل أمام كلّ بحث يروم إجلاء حقيقة موت فيصل بركات.
فيصل بركات توفى في سن الخامسة و العشرين
تجزئة القضية إلى ملفين
و من غرائب القضية تجزئتها إلى قضيتين دونما موجب قانوني ؛ واحدة وقع النظر فيها بمقر المحكمة بباب سعدون و الثانية وقع النظر فيها ببوشوشة بقاعة محكمة أمن الدولة ذاتها.
كما أجري فيها تحقيقان واحد أشرف عليه القاضي بالمكتب الأول الرائد عياد بن قايد, و الثاني أشرف عليه قاضي التحقيق العسكري بالمكتب الثاني النقيب مروان بوقرّة.
و تخلل التحقيق تبادل بين القاضيين للمتهمين ؛ فواحد يتخلى للآخر عن متهم و كذا الآخر و لم يفهم سبب ذلك و لا مبرّره الإجرائي.
كما وقع خرق أحكام الفصل 104 من مجلة الإجراءات الجزائية, حيث تعددت قرارات القاضيين المذكورين قبل ختم البحث بعكس ما يوجبه المشرع من ختم التحقيق بقرار واحد.
و هاته القرارات هي :
أ) قرارات "لكل غاية قانونية ترجى" و لم يفهم أحد شيئا من ذلك.
ب) قرارات تفكيك.
ج) قرارات تخلّ لقاضي التحقيق الثاني عن بعض المتهمين.
د) قرارات تخلّ لمحاكم الحق العام عن عدد ضخم من المتهمين.
ه) قرارات إحالة لبعض المتهمين على الدائرة الجناحية العسكرية...
و) قراري إحالة المتهمين على الدائرة الجنائية و هما الذان تعهّدت بموجبهما محكمتا بوشوشة و باب سعدون.
دائرة الإتهام العسكرية :
لقد أثارت هاته المرحلة من القضية مطاعن ثلاثة بالأساس : رئيس للهيئة له رأي مسبق في الملف
تعلق هذا المطعن برئيسها حسن بن فلاح الذي ترأس الدائرة الجنائية في قضية باب سويقة. حيث دفع المحامون بأن من بين مستندات الإتهام الواقعية و القانونية قضية باب سويقة ونسخة الحكم الصادر فيها.
و لما تضمنت مستندات الإتهام هاته الواقعة التي حكم فيها القاضي المذكور.
فإن المحامين جرّحوا في القاضي المذكور لسبق إبداء رأيه في موضوع الإتهام مما يعد مخالفة لحكم الفصلين 296 م إ ج و 248 م م م ت. لأنه لا يجوز للقاضي المشاركة في الحكم في الملف الذي أبدى فيه رأيه و لو كان بدائرة استقرائية.
المطعن الثاني : إن المحكمة عليها الإنتظار لما عسى أن يسفر عليه تعقيب قرار الإتهام و لا يجوز لها بدء المحاكمة بناءا على قرار مازال محل الطعن. لكن المحكمة واصلت النظر في القضية رغم أنّ قرار إحالتها عليها محلّ طعن قائم عند النظر.
عندما تنظر دائرة الاتهام في قراري فتح البحث في يوم واحد
بعد طول انتظار و بعد أن استمرت الأبحاث لقرابة السنتين اتفق قاضيا التحقيق المتعهدان بالملفين عدد 2815 و 3391 بإصدار قراري ختم البحث في القضيتين في يوم واحد ( 29 ماي 1992 ) ليحالا على دائرة الاتهام التي بتت فيهما في يوم واحد كذلك (13 جوان 1992) و لسائل أن يتساءل كيف تمكن رئيس و أعضاء الدائرة المذكورة من الاطلاع في ظرف ثلاثة عشر يوما على ملفين يحتويان على آلاف الأوراق و الحجج و مئات المحجوزات و المحاضر و البت فيهما في يوم واحد.
خرق سرية الأبحاث
الملحوظة الأخيرة في خصوص مرحلة التحقيق والإتهام هي الندوة الصحفية التي عقدها وزير الداخلية عبد الله القلال و التي كشف فيها وقائع القضية – عكس ما يقتضيه القانون - حيث إعتبر المحامون أن إنعقادها في 22 ماي 1991 قبل ختم البحث الذي تم في 29 ماي 1992 هتك لسرية البحث وتأثير بالغ على قضاته وعلى قضاة دائرة الإتهام.
IV - محاكمة دون حضور المتهمين و دون تمكين المحامين من الإطلاع على الملف :
لقد بدأت المحاكمة في ظل حملة إعلامية تشهيرية استهدفت المتهمين جندت لها كل وسائل الإعلام. و لم ترع قرينة البراءة و لا أعراض المحاكمين... و ساد المحاكمة جو من الصخب الإعلامي أثار إحتجاج المحامين أمام محكمة باب سعدون في اليوم طالبين إيقاف هذا السيل العارم من التهجمات على موكليهم. حيث خف الأمر بعض الشيء بعدها... دون تدخل صريح من المحكمة في هذا الشأن.
خرق واجب ختم المحجوز وتأمينه بكتابة المحكمة
و يذكر أنّه عند إفتتاح محاكمة بوشوشة في نفس بناية و قاعة الجلسات التي كانت مخصصة لمحكمة أمن الدولة تمّ عرض محجوز القضية بشكل إشهاري تشهيري تحت عناوين تدين مسبقا المتهمين.
و تساءل المحامون في أول جلسة عمن قام بهذا المعرض و عن مراميه و عن خرقه لواجب ختم المحجوز وتأمينه بكتابة المحكمة - أهي المحكمة التي تقيم هذا العرض بإعتبار المحجوز في عهدتها ؟... أم غيرها أستولى عليه ولا رقابة لها عليه - محتجين على هذا التشهير بموكليهم و المقصود به التأثير على الحضور و خاصة الصحافيين و الملاحظين الأجانب، معتبرينه دليلا قاطعا على عدم استقلال المحكمة وتدخل السلطة في المحاكمة.
البوليس السياسي يضيّق على علنية الجلسات
و لقد غصت قاعة المحكمة و أبوابها و المعابر المؤدية إليها بحضور مكثف للبوليس السياسي رغم تواجد الدائرتين في ثكنتين للجيش.
فيما تم منع عديد المحامين من الحضور و وقعت مشادات بين محامين مغاربة و جزائريين و بين أعوان من البوليس السياسي. كما قاموا بمنع محام كندي و آخر فرنسي وهو الأستاذ آلان مونو من الجلوس إلى جانب زملائهما التونسيين - بدعوى أنهما ملاحظين و يجب عليهما الجلوس في مقاعد الملاحظين لا المحامين - مما يعطي فكرة عن السيطرة الكاملة للبوليس السياسي على قاعة الجلسة.
الملحظ الآخر : هو منع الأهالي من متابعة محاكمة ذويهم حيث لم يسمح إلا لنفرين فقط من عائلة كل متهم بالحضور بالمحكمة يوم سماعه فحسب (أنظر الملحق عدد 3).
منع المحامين من الاطلاع على الملف
ومنذ البداية جد صراع مرير وطويل بين المحكمة و المحامين في شأن الإطلاع على كامل أوراق الملف حيث ختم بإنسحابهم الجماعي أمام محكمة بوشوشة إحتجاجا على عدم تمكينهم من الإطلاع على كامل أوراق الملف و تقييد المحامي بالإطلاع على ما يخص حريفه فقط. و عند تحوّل بعض المحامين إلى مكتبه بمقر المحكمة العسكرية بباب سعدون لمطالبته بالاطلاع على كامل أوراق الملف انفعل الرئيس البشير كدوس من هذا الطلب و ضرب برجله كدس أوراق القضية الضخم و صاح "من يستطيع الاطلاع على كل هذه الورقات ؟ أنا لا استطيع".
ثم مكنوا من ذلك بعد وقوع الإستنطاقات و قبل بداية المرافعات بوقت قصير و أخرت القضية لأجل تسعة أيام أولا, ثم ثلاثة أيام ثانيا, و هما أجلان جد قصيران لا يتناسبان و ضخامة الملف حسب قول المحامين و لا يكفيان لإعداد لوسائل دفاعهم سيما و قد تخلل فترة التأخير نشر القضية الثانية بباب سعدون.
واعتبر جانب من المحامين أن فتح محاكمتين في ذات الوقت في شان قضية واحدة هي عمل مدبر من السلطة بغية تشتيت الدفاع و عرقلته.
تغييب المتهمين عن الجلسات
كما حدث جدال بين المحكمة و الدفاع حول تغييب المتهمين عن جلسات الإستنطاق، حيث كانوا يقدمون فرادى للجلسة للإستنطاق دون بقية المتهمين و تمسك المحامون بأن تغييب الشخص عن محاكمته أمر غير مقبول قانونا حسب صريح الفصول 141 و 143 و 173 و ما بعدهم.
خاصة و أنّ الأمر يتعلّق بإتهام بأفعال جماعية و من حق كل متهم أن يستمع إلى ما سيقوله فيه آخر و يمكن من الرد إن لزم...لكن المحكمة اعتبرت في مستندات حكمها أن "لرئيس المحكمة حق التصرف"...
و لقد كان سير الاستنطاقات جد سريع وغير دقيق من حيث الأفعال والقانون, حيث بَان أن المحكمة حريصة على الإسراع بسماع المتهمين و الدفاع...
و فيما كانت إستجوابات الرئيس محمد الحبيب بن يوسف بمحاكمة باب سعدون دقيقة بعض الشيء في توجيه الأسئلة للمتهمين غير أنه بالغ في التهجم على المتهمين خاصة في اليوم الأول من المحاكمة, ثم لان بعض الشيء بعد تهديد المحامين بالانسحاب و إعتراضهم على ما أبداه من إنحياز كامل للإتهام وإدانة مسبقة للمتهمين. كان على العكس رئيس دائرة بوشوشة البشير كدوس يسير الجلسة بكثير من الأريحية لكن الأسئلة كانت بعيدة كل البعد عن الدقة القانونية وحتى الواقعية حيث كانت دائما بالشكل التالي" أنت مشمول في القضية - ما دورك في الحركة ؟ "و لقد رد أحد المتهمين بما يقتضيه القانون وهو المتهم كمال بسباس حيث سأل الرئيس " بودي نعرف التهم ؟؟؟ "
و لقد تمحورت إجابات المتهمين في جلها حول النقاط التالية :
روايتهم لظروف إعتقالهم و تعذيبهم بوزارة الداخلية حيث ذكروا صورا جد مرعبة عن أشكال الإعتداءات الجسدية و الجنسية و اللفظية التي تعرضوا لها... و أصر جميعهم على كشف أجسامهم و آثار التعذيب للمحكمة و التي بقيت عالقة رغم مرور ما يتجاوز سنة كاملة على حدوثها.
و قال أحدهم و هو ضابط سام بالجيش "الحمد لله أني أنجبت أبناء قبل دخولي إلى الداخلية" قاصدا بذلك خصيه على أيدي فرقة أمن الدولة, كما كان المتهم جلال مبروك يدخل محمولا على الأعناق لعجزه عن التنقّل...
و لقد كانت دوما إجابة الرئيس بشير كدوس حول عرض المتهمين لآثار التعذيب بأبدانهم "لسنا مختصين". و لقد أكد عديد المتهمين على الإعتداءات التي تعرضوا لها كإدخال عصا غليظة بالدبر حد النزيف... و وضعهم على قوارير بلورية مهشمة مما أحدث لهم جروحا بليغة بمؤخراتهم...
كما تحدث بعضهم عن وقوع تعذيبهم أمام ذويهم و الإعتداء على هؤلاء حيث ذكر المتهم محمد عيادي أنه تم تعرية زوجته أمامه أثناء حصة تعذيبه...
و أطنب المتهمون كلهم في ذكر وقائع بحثهم أمام قاضي التحقيق العسكري بالمكتب الأول الرائد عياد بن قايد و إخلاله بأبسط قواعد النزاهة و اللياقة و الإنسانية التي يجب أن يتصف بها القاضي. و سردوا عديد الوقائع الدالة على تواطئه مع فرقة أمن الدولة.
كما سجل غالب المتهمين تراجعهم في إعترافاتهم مؤكدين أنها إنتزعت منهم تحت التعذيب و دون أية قراءة منهم لمضامين المحاضر التي سجلت عليهم.
و أسهب العسكريون – الذين احتجوا على منعهم من المثول أمام المحكمة العسكرية (التي لم تقل بعد بإدانتهم) برتبهم و زيهم - في تقديم الأدلة على إستحالة إجتماعهم بالمكان الذي سماه الإدعاء بـ"براكة الساحل".وعلى عدم مشاركتهم في أي عمل بغية الإطاحة بالسلطة.
كما قدم العديد منهم أدلة على براءته من أي عمل سياسي و إستنكروا ما لقوه و سلكهم من مهانة و إذلال من طرف ضباط جهاز الداخلية.
أما المدنيون فقد تمسكوا بإنتمائهم لحزب النهضة نافين ما زاد على ذلك وخاصة محاولة الإعتداء على امن الدولة الداخلي... مؤكدين أنهم حركة سياسية سلمية... تؤمن بالتعددية و تطمح للمساهمة في الحياة السياسية و أن محاكمتهم تعدّ "حلقة من حلقات الإضطهادات التي مارسها حزب الدستور على كل معارضيه حيث أسّس نظاما دمويا لا يتحمل معارضة موازية.
كما طالب العسكريون كلهم بإعلان براءتهم وقال بعضهم أنهم ينتظرون من المحكمة و من سلكهم أن ينصفهم... و يرفع عنهم ما لحقهم من ذل وإعتداء وحشر مفضوح في هاته القضية... وطالب أحدهم بمتابعة الذين عذبوه بالداخلية. وبأنه تمكن من معرفة أسمائهم لكن المحكمة لم تسجل الشكوى ولم تحرر على المتهم أسماء الأعوان.
ولقد كانت قبلها مرافعة النيابة بمحكمة بوشوشة من طرف العميد محمد قزقز جد قصيرة ولم تتعرض تفصيلا للوقائع والأحداث ولا للجرائم بصفة محددة ولا لنصوصها ومعتمدات إدعائها، طالبة في الأخير عقوبة الإعدام ضد 18 متهما.
فيما كانت مرافعة النيابة بمحكمة باب سعدون من طرف الضابط محمد بن عبد الله جد متشنجة ختمها بطلب الإعدام للشركاء و السجن للفاعلين الأصليين ؟
و لقد كان يتنقل بين المحكمتين الضابط عبد الجليل عبان الذي كان المساعد الأول للعميد محمد قزقز في مباشرة الدعوى العامة منذ إنطلاقها... و في مسايرة الجلستين حيث كان على إتصال دائم بأعضاء المحكمتين ويتردّد كثيرا على قاعاتها وحتى قاعة حجرة الشورى ...
مرافعات الدفاع
أما الدفاع فلقد مثله عديد المحامين النائبين أصالة و بموجب تكليف من الهيئة الذين ركزوا على عدم دستورية المحكمة وبانها قضاء إستثنائي... و عدم إختصاصها و على حشر القضاء العسكري في نزاع مدني و سياسي. كما تعرضوا طويلا للتعذيب الجسدي الذي يبطل كل أعمال فرقة أمن الدولة... و إجراءات التتبع المعيبة من النواحي الشكلية و خاصة فيما تعلق بالإيقاف و الإيقاف التحفظي الذان تجاوزا الحدود القصوى المضبوطة بالقانون. كما قدم المحامون أدلة براءة منوبيهم العسكريين و إستحالة إجتماعهم ببراكة الساحل...
فيما تمسك محامو الطرف المدني بأن المحاكمة سياسية و أن منوبيهم لم يمارسوا إلا حقوقا دستورية وأساسا حق التنظم والتجمع والتظاهر والتعبير...و بأن الإدعاء لم يقدم أصلا أدلة على إتهامه... وبأنه عار من كل معتمد قانوني.
– V أحكام جائرة غير قابلة للإستئناف :
لقد كانت حيثيات الإتهام جد ضبابية عامة و جامعة دون تحديد دقيق للأفعال المنسوبة للمتهمين و دون تكييفها من الوجهة القانونية.
و إستندت على ثالوث لا رابع له :
إقرار المتهمين و شهادة بعضهم على بعض المحجوز.
شهادة المدعو عبد القادر بن عباس.
و كذا الحكم كانت حيثياته مستندة إلى نفس الثالوث ؛ الإقرار - المحجوز و شهادة المدعو عبد القادر بن عباس. المستند الأول الإقرار :
لقد ركز الدفاع على أنه أضعف الأدلة في المادة الجزائية و بأنه إنتزع تحت تاثير الإكراه و التعذيب اللذين ثبتا من وفاة بعض من المتهمين و إيواء العديد منهم المستشفى و بقاء آثاره و ما خلّفه من سقوط بدني لكثير من المحالين على المحكمة و أكد الأطباء و الخبراء الذين إنتدبتهم المحكمة ذاتها قيام هاته الأضرار وإن لم يحدّدوا مصدرها.
أطباء تجاهلوا التوافق التام بين الأثار المعاينة و طرق التعذيب المستعملة
لتعليل رفضها لتشكيات مجموع المتهمين من التعذيب التي تخللت كلّ أطوار القضية أستندت المحكمة إلى الاختبار الطبي الذي أجراه الدكاترة محمود يعقوب و المنصف بن موسى و توفيق السخيري بتسخير من القاضي عبد الرزاق بوعتور القاضي المقرّر لدى المحكمة العسكرية الدائمة بتونس و ذلك بمقتضى القرار عدد 76110 المؤرخ في 23 جويلية 1992 و الذي حدد للخبراء المنتدبين مهمة فحص المشتكين و معاينة أثار عنف محتملة لديهم و تحديد مصدرها و التاريخ التقريبي لحدوثها عند الاقتضاء. و يبقى هذا الاختبار إلى يومنا هذا حالة استثنائية في تاريخ المحاكمات السياسية حيث ترفض المحاكم التونسية آليا طلبات الدفاع و المتهمين في الإذن بإجراء الاختبارات الطبية - المنصوص عليها بالقانون التونسي - للتثبت من صحة الشكايات من التعذيب.
و قد تمكن المجلس الوطني للحريات بتونس من الحصول على تقارير الاختبار المتعلقة بـ25 من المشتكين و عَرَضها للتقييم على ثلة من أهل الاختصاص بهدف تحديد مدى دقتها و نزاهتها. كما تمكنا من جمع شهادات عدد من الأشخاص الذين شملهم الاختبار والذين أفرج عنهم في السنوات الأخيرة.
و قد أثبت الاخصائيون أن الخبراء الذين انتدبتهم المحكمة سقطّوا في الانحياز و وجهوا بحثهم بهدف استبعاد فرضية سوء المعاملة. كما تعمدوا تجنّب الإجابة على الأسئلة المطروحة في التسخير القضائي (أنظر الملحق عدد 5 ). و هكذا وصل بهم الأمر في بعض الحالات إلى وضع تشخيص خيالي. و الأخطر من ذلك أنّ قراءة متعمقة لتقاريرهم تؤدي إلى الاستنتاج الجدي بالتشكيك في أمانة تدوينهم لتشكيات المتضررين. و رغم ذلك فإنّ القضاة لم يترددوا في اعتماد اختبار لم يُجب على اسئلتهم.
لكنّ الخبراء عاينوا وجود ندوب (أثار رضوح traumatic sequelae) جلية و في مواضع دالة - من بينها عدد مرتفع من الجُدَرات الندبية (cicatrical keloids)- رغم طول المدّة الزمنية الفاصلة بين حدوث الإصابات و تاريخ إجراء الاختبار.
لقد تجاهل الخبراء التوافق التام و البديهي بين شكاوي المتضررين من جهة و اللأثار المعاينة من قبلهم من جهة ثانية و طرق التعذيب المعتمدة من طرف البوليس التونسي في تلك الفترة ( "الأرجوحة"، "الدجاجة المصلية"، التعليق الضرب على الجهاز التناسلي، الاغتصاب بواسطة إدخال عصا في الدبر...) من ناحية ثالثة.
و لقد سقط الحكم في هذا الباب في تناقض صارخ حيث من جهة يقول "بأن الإختبارات الطبية و إن تضمنت معاينة آثار عنف فإنها لم تحدد مصدرها و تاريخها..." و إزاء إصرار المحامين على التحرير على الخبراء و سماعهم بالجلسة حول مصدر و تاريخ هاته الآثار فإن حيثيات المحكمة قالت بأنه " طلب غير ذي فائدة لأن تقاريرهم (أي تقارير الأطباء الخبراء الذين كلفتهم المحكمة لمعاينة آثار التعذيب) كانت واضحة و مقنعة ".
كما كان الحكمان محرفين لوقائع المحاكمة حيث قضي بالإدانة على إعتبار هذا الإقرار حجة سليمة يؤاخذ بها صاحبه رغم وقوع التراجع فيه و رغم ما ثبت من فساده.
كما إعتبر الإقرار شهادة من المتهمين و عليهم في حين تراجع فيه صاحبه. فكيف يكون شهادة على الغير ؟؟؟
حكم يستند إلى محجوز ملفّق:
و الملاحظ هنا أن المحجوز تمثل في مكاتيب وكتب ومجلات ونشريات وجرائد… وسكاكين و سلاسل و صور و قوارير "مولوتوف" و أسلحة بدائية ومسدسات وبنادق صيد… و قال أحد المحامين للمحكمة -كان ضابطا بالجيش - أنها لا تمكن من السيطرة على مركز أمن واحد فضلا عن تمكين أصحابها من الإستيلاء على أجهزة دولة بحالها.
و الأخطر في هذا الباب أن المحجوز ثبت من المداولات أن جزءا منه راجع لمحاكمة أعضاء حركة النهضة و المحسوبين عليها سنة 1987... و آخر حوكم به مجموعة باب سويقة... و آخر تابع لمجموعة أفراد من بن عروس (تمت محاكمتهم)... و آخر تابع للمتهمين الذين تمت إحالتهم من القضاء العسكري على محاكم الحق العام، مما جعل المحامين يستنكرون " محاكمة منوبيهم بمحجوز غيرهم ".
و لم يقدم الإدعاء محجوزا تابعا لحركة النهضة كحزب و تنظيم بل كل ما تم حجزه كان ملكا شخصيا للمتهمين المنتمين لهذا التنظيم.
و لقد احتج أحد المحامين على إعتبار صور شمسية قامت بها الشرطة الفنية في قضايا صدرت فيها أحكام على أصحابها مدة طويلة قبل إنطلاق المحاكمة... على إعتبارها محجوزا متسائلا من قام بسحبها من المحاكم التي تعتبر من أرشيف الملفات المحكوم فيها ؟
و أستغرب الدفاع قول الإدعاء بأن المسدسات تابعة لمتهمين فارين… وكيف يقع حجز عن متهم بحالة فرار ؟ وكيف يحاكم بها الحاضرون ؟؟
وقال أحد المحامين : ومن قال أنها لهؤلاء الفارين أصلا...
و رغم عدم عرض المحكمة أيا من هذا المحجوز على المتهمين - كل فيما حجز عنه ويخصه كما يقتضيه القانون - ورغم ما وقع الدفع به في خصوص هذا الباب من وقوع الحجز خارج نظر المحكمة الترابي من طرف مأمور عمومي غير مختص و لا أهلية له في الحجز أصلا، فإن المحكمة إعتبرته عنصرا مثبتا للجرائم.
شهادة السيد عبد القادر بن عباس [ الذي قدمته النيابة بالجلسة ]:
أخذت المحكمة بهذه الشهادة بالرغم من أوجه بطلانها المتمثلة في تلقيها بالجلسة خلاف الصيغ القانونية و عدم تمكين الدفاع من مناقشتها، ومعرفة من إستشهد به أمام فرقة أمن الدولة ؟ ومن قدمه لها ؟ و عدم تمكين الدفاع من تقديم أي من شهوده.
و لقد برّر الحكم رفضه قبول أحد شهود الدفاع بـ "نشر الصحافة المحلية قول الشاهد" و كأن الصحف ركيزة إثبات في القانون, علما و أن المحامين طلبوا شهادة السادة أحمد المستيري - الهادي البكوش - الشاذلي النفاتي - منصر الرويسي -رشيد إدريس… لكن المحكمة لم تستمع إلى أي من هؤلاء.
و لقد كان الحكم نهائيا، غير قابل لأي وسيلة من وسائل المراجعة في الأصل من طرف قضاة من رتبة أعلى، خلاف ما تقتضيه الصكوك الدولية - التي تعتبر حق إستئناف الأحكام من شروط المحاكمة العادلة - أن يمكن المحكوم عليه من طلب مراجعة حكمه أمام حكام من درجة ثانية يعيدون النظر في قضيته واقعا وقانونا.
و لقد نص الفصل 43 من مجلة المرافعات و العقوبات العسكرية على أن الأحكام العسكرية تنفذ بعد أربـع و عشرين ساعة من مضي أجل الطعن فيها بالتعقيب أو من صدور القرار القاضي بالرفض.
و فعلا فلقد عقب المحكوم عليهم أحكامهم - الذين تراوحت من السجن المؤبد إلى السجن لآماد مختلفة - أمام محكمة التعقيب العسكرية، التي تنعقد جلساتها بمقر محكمة التعقيب التي يعوض أحد مستاشريها بضابط من رتبة سامية.
و رافع ثانيـة أ مامها عـدد قليل من المحامين المباشرين لدى التعقيب ممن كانوا نائبين بباب سعدون وبوشوشة، حيث لم تدم الجلسة إلا ساعتين، أظهر أثنائها قضاة محكمة التعقيب و خاصة الضابط العسكري تبرما وقلقا بدفاع المحامين و رغبة في إنهاء النظر في القضية في دقائق معدودة.
وفعلا أصدرت محكمة التعقيب قرارا إثر الجلسة مباشرة برفض كل الطعون القانونية التي قدمت إليها رغم كثرة و متانة أسبابها. و أسدل الستار بذلك على القضية بعد صدور حكم الرفض.
V I عميد المحامين يعرقل دورالدفاع:
منذ إنطلاق الجلسة الأولى حضر المحاكمة العميد الأستاذ عبد الوهاب الباهي عميد الهيئة الوطنية للمحامين آنذاك و أثناء غيابه نابه الأستاذ الهادي التريكي, ومرة واحدة نابه الأستاذ رفيق داي الدالي الذي إنسحب إثر مصادمة بين المحامين والمحكمة وإحتجاجهم على موقف الهيئة - المتخاذل في نظرهم.
ولم يتقدم الاستاذ الباهي للمحكمة إلا بصفته عميدا حيث لم يكن نائبا لأي من المتهمين.
وحضر من المحامين النائبين أصالة و هم على سبيل الذكر لا الحصر الأساتذة العميد محمد شقرون - الذي تولّى قيادة الدفاع و تابع كل جلسات المحاكمة رغم تقدم سنه - و الأستاذ البشير الفرشيشي و الأستاذ عبد الرؤوف العيادي (رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان) و الأستاذ محمد نجيب الحسني و الأستاذ لطفي الباجي والأستاذ محمود المهيري (عن جمعية المحامين الشبان ) و الأستاذ خليفة المقدميني و الأستاذة سعيدة العكرمي و الأستاذ بلقاسم خميس و الأستاذ فتحي عبيد و الأستاذ نور الدين البحيري و الأستاذ نجيب الحلواني و الأستاذة زهور كوردة و شقيقها الأستاذ حاتم كوردة و الأستاذ عبد الوهاب معطر والأستاذ حسن الغضباني و الأستاذ عبد السلام العريف و الأستاذ عمر الصوالحي و الأستاذ زين العابدين الوسلاتي و الأستاذ نبيل بالحاج و الأستاذ شوقي الطبيب و الأستاذ العربي عبيد و الأستاذ أنور الحجلاوي و الأستاذ نجيب بن يوسف والأستاذة سميرة كراولي و الأستاذ نعمان الفقي و الأستاذ فريد نصري.
فيما حضر جمع من المحامين الشبان المتربصين إنتدبتهم الهيئة للدفاع عن المتهمين الذين لم يكلفوا محاميا أصالة. و لقد كان كل الذين كلفتهم هياكل الهيئة محامين متمرنين لم يمض على دخولهم المهنة إلا وقت قصير، دون المحامين المرسّمين لدى التعقيب والمتمرسين ذوي التجربة الطويلة إعتبارا لما كانت عليه التهم من بالغ الخطورة.
و لقد فسّر العديد ذلك برغبة السلطة في تغييب هؤلاء المحامين عن رحاب المحكمة العسكرية و بتواطوء العميد مع السلطة في تسهيل المحاكمة عليها, حيث كلما حمي الوطيس بين المحكمة و الدفاع تدخل العميد بقوله " سيدي الرئيس بإتفاق مع الوزارة و العمادة... "..." سيدي الرئيس العمادة تطلب رفع الجلسة ". و لقد كان الرئيس يجيب دوما العميد فورا إلى طلباته في رفع الجلسة.
حتى إحتج العميد الأستاذ شقرون - النائب أصالة - على العميد الباهي بقوله " أنت لست نائبا في القضية : المفروض أن تتركنا نباشر دفاعنا و لا تتدخل إلا إذا وقع المس من حرمة المحامي والدفاع ". "هذا غير معقول : " نحن نسخن و أنت تبرد... نحن نسخن و أنت تبرد... "
و لقد ظهر واضحا أثناء جلسات المحاكمة أن العميد الباهي كان إلى جانب السلطة في تيسير عمل المحكمة وإتمام المحاكمة... و لم يكن إلى جانب الدفاع في الذود عن حقوقه، و لم يقلل من تدخلاته في هذا الإتجاه إلا بعد ما لاحظه له العميد شقرون من خرقه لتقاليد المهنة و تجاوزه دور العميد وأعرافه.
و لقد حضر ممثلون عن جمعية المحامين الشبان كامل جلسات المحاكمة نخص بالذكر منهم ( الأساتذة عبد الرؤوف العيادي رئيسها آنذاك ومحمود المهيري كاتبها العام آنذاك وكمال البلطي ).
وهي الوحيدة في قطاع المحامين بل وفي نطاق هيئات المجتمع المدنبي كلها التي أصدرت بيانا ندّدت فيه بالتعذيب الذي ظهر في تلك القضية وذلك بإمضاء رئيسها الأستاذ عبد الرؤوف العيادي.
أما المحامين المتمرنين الذين باشروا الدفاع فمنهم من لم يمر على دخوله المحاماة إلا بضع أسابيع لكنهم أجهدوا أنفسهم و منهم من قام بمراجعات بمكاتب الكليات حيث كانت مداخلاتهم جد متينة و صلبة قانونيا، إضافة إلى جرأة في التبليغ دفعت إليها فيما يبدو شخصية العميد شقرون و تدخلاته القوية حيث نسج الشبان على منوال مرافعته. و لقد توتر ممثل النيابة بمحكمة باب سعدون محمد بن عبد الله من تدخلات المحامين الشبان ومرافعاتهم لكن الأستاذ إبراهبم بودربالة ( رئيس فرع تونس للمحامين ) لاحظ للمحكمة تجاوز النيابة في حق الزملاء وكان هذا هو الحضور الوحيد لرئيس الفرع بالمحاكمة. و لم يمكّن المحامون من قاعة مخصصة لهم، فيما لوحظ وجود جناح كامل للبوليس السياسي.
و لقد عبر المتهمون عن ذلك بترديدهم في آخر يوم من محاكمة باب سعدون " ألف تحية للدفاع على الوقفة التاريخية ".
المجموعة التي تخلّى عنها القضاء العسكري لفائدة محاكم الحق العام
الظاهر أنّ إحالة المتهمين بارتكاب جرائم سياسية على المحاكم العادية كان الهدف منه توقّي الاحتجاجات الصادرة عن المنظمان الحقوقية الأجنبية على وجه الخصوص لما يحصل من خروق خطيرة في حقّ الدفاع والحقوق الأساسية للمواطن.
وفعلا، لقد تخلى التحقيق العسكري عن مجموعة كبيرة من المتهمين لفائدة محاكم الحق العام فاق عددها الألف متهم حيث أبقى القضاء العسكري على الكوادر و الإطارات العليا لحركة النهضة متخليا عما اعتبرهم الإطارات الدنيا لهذا الحزب لفائدة محاكم الحق العام. و لقد تمّت محاكمتهم جماعات جماعات بالمحاكم الإبتدائية لجهاتهم بسرعة بالغة وضمن حصص ليلية في كثير من الأحيان و سلطت عليهم عقوبات جدّ قاسية قلبت المعادلة التي ارتآها القضاء العسكري.
فعوض أن تكون أحكام هؤلاء المتخلي عنهم أقلّ من أحكام الأشخاص الذين أبقي عليهم القضاء العسكري كانت النتيجة العكس حيث عوقب المحالين على محاكم الحق العام بعقوبات أشدّ ممن بقي لدى القضاء العسكري رغم وضعهم داخل حزب النهضة باعتبارهم عنار قاعدية و ليست قيادية.
و نسوق هنا مثلا ما حدث بمحكمة الكاف حيث أحيلت لها مجموعة من الأشخاص من القضاء العسكري تمت محاكمتهم في نفس الأيام التي كانت تنظر فيها المحكمة العسكرية بسرعة فائقة.
حيث قدموا لمحكمة الإبتدائية بالكاف يوم الخميس 5 جويلية 1992 في إطار القضية عدد 42624 كل من توفيق الكباوي و عمر النعيمي ! فطلب المحامون التأخير لإعداد وسائل الدفاع فأخرت القضية عقب الجلسة للمفاوضة فأصدر الحكم مباشرة في الأصل دون اعتبار لحق الدفاع أصلا.
و بتدخل من الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بالكاف عبد الحميد الدريسي رفعت القضية في أقل من أسبوع إلى محكمة الإستئناف دون تلخيص الحكم الإبتدائي حيث نظرت فيها يوم 15 جويلية 1992 تحت عدد 30313 فطلب المحامون ثانية التأخير للدفاع لكن صدر الحكم مباشرة إثر الجلسة بتقرير حكم البداية بـ8 سنوات سجن (4 من أجل الاحتفاظ و عامين من أجل عقد اجتماعات دون رخصة و عامين من أجل ترويج أخبار زائفة).
و بنفس الكيفية حوكم كل من عبد الحميد الشارني و عادل السوفي بـ13 عاما سجن (4 من أجل الاحتفاظ عام لعقد اجتماعات عام مسك سلاح 1 حمل سلاح 4 صنع متفجرات 2 ترويج أخبار زائفة) ضمن القضية الإبتدائية عدد 42623 و عدد 30312 بالإستئناف. و لقد كانت الأسلحة المعاقب عليها مجرّد سكاكين و المتفجرات قارورات حارقة "مولوتوف".
كما تجدر الملاحظة أنّ عديد الأشخاص الذين تمت محاكمتهم لدى القضاء العسكري أعيد محاكمتهم بجهاتهم من طرف محاكم الحق العام و لم يحترم مبدأ اتصال القضاء حيث شكّلت انطلاقة لدوسه بشكل فظّ.
فـالحبيب اللوز مثلا و هو من قادة حركة النهضة، أعيدت محاكمته بالكاف صلب القضية الإبتدائية الجناحية عدد 33707 في 21 أفريل 1993 بعامين من أجل الاحتفاظو 6 أشهر من أجل عقد اجتماعات دون ترخيص رغم احتجاجه بسبق محاكمته من قبل القضاء العسكري - الذي قضى بسجنه مدى الحياة من أجل نفس الأفعال – و قدم ما يفيد ذلك. كما نشير إلى أنّ نفس المواطن سبقت إدانته من قبل نفس محكمة الكاف في 25 مارس 1992 صلب الملف عدد 28183.
و في السياق نفسه نذكر مثل السيد مصطفى العرفاوي الذي أدانته المحكمة العسكرية صلب القضية عدد 76111 لكن ذلك لم يمنع محكمة سليانة من الحكم عليه يوم 8 أوت 1992 بالسجن مذة 3 سنوات و 4 أشهر من أجل نفس الأفعال – الانتماء لحركة النهضة - في نطاق القضية عدد 18141. فيما أحيل على محكمة الاستئناف بالكاف صلب القضيتين عدد 27779 و 32872 لاجل نفس التهم و هي "الاحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها" و "عقد اجتماعات دون ترخيص"...
بعض أصداء المحاكمة في الإعلام التونسي
لم يعد هناك من شك في أن محاكمات صائفة 1992 امام القضاء العسكري كانت الخطوة الأولى التي وضعها النظام على طريق استحواذه على المجتمع التونسي و أن الإعداد لهذه المحاكمة و ما تخللها من تجـاوزات و ما أسفرت عنه من أحكـام قاسيـة كان بمثابة العقاب النموذجي الذي لوح به النظام أمام كل مخالف في الرأي إسلاميا كان أم غير إسلامي. و كان بمثابة الموت الذي دبّ في مؤسساتنا وحوّلها إل قوالب فارغة لا روح فيها. و كان بمثابة الشبح الذي ألقى بظلاله المظلمة على المجتمع فحوّل تونس إلى مقبرة يخيّم عليها الصمت و يسكنها الرعب.
فكيف كان تصوير الإعلام لهذه المحاكمة و ما تعلق بها ؟
يتوجّب علينا التنبيه إلى انّ بعض الصحف التي كانت تمنح نفسها بعض الحرية و تحرص على المصداقية و التي كان من الممكن أن تقول كلمة حقّ مهما قلّت – هذه الصحف وقع إيقافها بطرق مختلفة مثل جريدة "الرأي" التي أجبرت على التوقّف في جانفي 1988 و مجلّة "المغرب العربي"( التي سجن مديرها ) وأسبوعية "لوفار" الناطقة بالفرنسية، و غيرها... حيث لم يكن وضع الإعلام يتيح لمواقف بعض الشخصيات فرصة قول رأي منصف في موضوع المحاكمة و ما تخللها من خروق.
الصحافة لســان إدانة و تحريض.
بالرجوع الى بعض العناوين الصحفية اليومية و الأسبوعية الصادرة في أواسط 1991 و ماتلاها، يمـكن أن نلاحظ إنحيازا واضحا، أي الزواية الرسمية حول ما "اقترفه" عناصر النهضة و تهويلا للوقائع كان أبعد ما يكون عن تبليغ المعلومة الى الرأي العام بل جعل الصحف التي نشرت هذه الوقائع بوقا لوزارة الداخلية و لسان إدانة و تحريض لا يمكن إلآ أن يؤثر سلبا في مجريات المحاكمة، و إلآ أن يكون حكما مسبقا على المتهمين الذين لم تتح الصحف لهم أو لمن ينوبهم فرصا لمحاولة رواية الوقائع كما يرونها وبما من شأنه أن يقدم رأيهم في الموضوع.
و هكذا حكمت الصحف على المتهمين قبل محاكمتهم و أدانتهم من أجل تهم خطيرة مثل "المؤامرة الإرهابية التي كانت تستهدف سلامة و استقرار البلاد... " و بعض الصحف تحدثت عن صاروخ "ستنغر" كما لو كان حقيقة واقعة استهدفت حياة رئيس الدولة و الحال أن أيا من أطوار هذه القضية لم يثبت فيه وجود هذا الصاروخ (أنظر الملحق عدد1 و مجلة "حقائق" عدد 317 بتاريخ 4 أكتوبر 1991 ) و قد استمر مسلسل التحريض هذا حتى قبل بضعة أسابيع من المحاكمة و فتحت الجرائد صفحاتها للأعداء التقليديين لحركة النهضة ليستغلوا جميع المناسبات و جميع المواضيع مهما كانت بعيدة عن موضوع المحاكمة ليركزوا موقف السلطة ويورطوا خصومهم في الفكر مع العلم بأنه وقع أثناء هذه الحملة الإعلامية المورطة للمتهمين توظيف ما كان يقع في الجزائر توظيفا مجحفا كان القصد منه تبرير الحل الأمني ("حقائق" عدد 351 بتاريخ 5 جوان 1992).
أما موقف السياسيين في هذا المستوى من المحاكمة فهو متراوح بين :
- البروز بالغياب و الصمت على موضوع المحاكمة رغم ما تمثله من رهان على مستقبل البلاد في المجالات السياسية و حقوق الإنسان و الحريات.
- تزكية للمحاكمة لا تكاد تخفي روح التشفي في خصوم سياسيين، اعتبر أصحاب هذا الموقف أن حسم خلافهم السياسي و العقائدي مع " النهضة " يمكن أن يتم في محاكم النظام!
الإعلام التونسي يسد منافذ التعقيب و العفو و نخب البلاد "ترتاح" للأحكام الجائرة.
لقد كانت المحاكمة مليئة بالتجاوزات و قد دشنت بها السلطة عهد مصادرتها للقضاء التونسي و كانت أحكامها – التي غاب فيها الحكم بالإعدام – أحكاما قاسية. ومع ذلك فقد ظهرت العناوين الصحفية والبيانات السياسية غداة النطق بالحكم طافحة بمظاهر التزكية و شهادات الزور و المواقف الحقوقية الباهتة - مع بعض الإستثناءات التي سيذكرها التاريخ بلا ريب و يحسبها لأصحابها. وبعضها في الوثائق المصاحبة لهذا التقرير ( "الشروق" بتاريخ 2 سبتمبر 1992) و يمكن تقسيم هذه المواقف الإعلامية أو التي عكسها الإعلام كالتالي :
موقف طي صفحة المحاكمة دون رغبة حقيقية في قراءة ما فيها. و قد عبر أصحاب هذا الموقف عن إرتياحهم الى خلو الأحكام المنطوق بها من حكم الإعدام .
موقف تأييد الأحكام. وكان أصحاب هذا الموقف أغلب زعماء الأحزاب الرسمية الذين نوهوا باستقلال القضاء و أشادوا بما قدمته المحاكمة من صورة مضيئة " لتونس الإعتدال و الذكاء ". و بعض هؤلاء ذهب الى حد اعتبار "أن احترام الحقوق أمام المحكمة العسكرية يعتبر من الإيجابيات المسجلة في هذا الظرف !" و كأن تونس كانت في ظروف حرب، وكأنه مسموح لمحاكمة دون أخرى أن تنتهك الحقوق.
و طبعا لم ينس أصحاب هذا الموقف أن ينتهزوا فرصة التعليق على الأحكام ليلمحوا الى انتظاراتهم و ما يرجونه بعد اقفال السجن على "المتطرفين" من تشريك "جميع الكفاءات الوطنية في ازالة عوامل التطرف وعزل عناصره و تطويقها" وقد صمت أصحاب هذا الموقف عما واكب هذه المحاكمة منذ انطلاقها من تعديات على الحرمات و تعذيب... وكان هذ الصمت آثما.
موقف التشفي و استغلال مآسي المساجين لتلميع صورة السلطة و التقرب منها و الدفاع عنها ضد "الأطراف" الأجنبية التي ليس لها أن تعطي تونس حسب هؤلاء دروسا في احترام حقوق الإنسان، وقد ذهب بعض هؤلاء الى حدّ الإصداع بوجوب المطالبة بعناصر النهضة المتواجدين بالخارج و نفي حق اللجوء السياسي الأمر الذي كان و لازال مطلب السلطة.
موقف الصمت ( من جديد ) و يتمثل في غياب أصوات كان من المفروض سماعها في مثل هذا الظرف ولكنها فضلت "الحياد" المريب و الوقوف فوق الربوة ( أنظر الملاحق عدد 6 و 7 و 8 و "الصباح" بتاريخ 1و 2 سبتمبر 1992 و "الشروق" بتاريخ 2 سبتمبر 1992 ) و كأنّه فات فطنتها أنّ النار التي أشعلتها هذه المحاكمة يمكن أن تمتدّ ألسنتها لتحرق الجميع بمن فيهم أصحاب هذا الموقف... و هذا ما كان بالفعل.
هذا عرض سريع و لكنه قريب من الحقيقة الى حد كبير لأصداء محاكمة الإسلاميين في صيف 1992 وقد اعتمد فيه على عدد من الوثائق يعد قليلا بالنظر الى حجم المادة الإعلامية و الحبر الكثير الذي أسالته هذه المحاكمة. و قد وقع الإستغناء في هذا التقرير عن المصادر الإعلامية المسموعة و المرئية لإستحالة الحصول عليها. ولو تيسرت في يوم من الأيام إمكانية البحث في أرشيف الإذاعة و التلفزة - إذا لم يقع إتلافها فإن هذا البحث سيثمر مزيدا من الإقتناع - ان كان يقبل مزيدا – بأن الإعلام التونسي و خاصة الإعلام المرئي و المسموع جماهيريا هو نقمة على المجتمع و مصدر أساسي لآلامه و تضييع حقوقه.
العفو التشريعي العام لم يعد يحتمل التأجيل
ما زال المئات ممن شملتهم المحاكمة لدى القضاء العسكري و كذلك المدني يقبعون بالسجون التونسية منذ ما زيد الآن عن عشر سنوات في ظروف قاسية، مهينة ومدمرة، أدت في عديد الحالات إلى الموت و منهم من أطلق سراحه و ما زال يعاني من جراء المراقبة الإدارية غير القانونية و عدم استرداد الحقوق و المنع من الشغل والعلاج وغيره و منهم من اضطر إلى اللجوء إلى السرية أو الهجرة القسرية سبق للمجلس أن أتى على تفاصيلها صلب التقرير السنوي الذي أعدّه سنة 2002.
و قد دأبت السلطة في دعايتها على تقديمهم للرأي العام الوطني و الدولي على أنهم ارتكبوا جرائم إرهابية وأن القضاء قال كلمته في شأن ما نسب إليهم. و الواقع أن هؤلاء المساجين لم يفعلوا سوى ممارسة حقوقهم المكفولة لهم صلب دستور البلاد من تعبير و تنظيم و أن الأصح هو تصنيفهم باعتبارهم مساجين رأي عاملهم النظام بصورة تتنافى مع مقتضيات القانون.
ان العفو التشريعي العام يشكل اليوم المدخل الأساسي الذي لا مناص منه لكل إصلاح سياسي يخرج البلاد من الأزمة الخانقة التي تردت فيها. إن العفو التشريعي العام لم يعد يحتمل التأجيل حيث أن خطورة الوضع يفرض إلتفاف كل القوى الديمقراطية حول هذا المطلب حتى تنمحي هذه الحقبة السوداء من تاريخ تونس.
لقد فتح المجلس الوطني للحريات بتونس ملف المحاكمات السياسية و هو يرجو من جميع الطاقات الحقوقية و الديمقراطية مواصلة هذا العمل التوثيقي من منطلق إيمانه بواجب الكشف عن الحقيقة خاصة في ظلّ ما يجري من تعتيم و تشويه رمت من ورائه السلطة تبرير قمعها و إضفاء غطاء شرعي عليه. و حتى يتمكن الجميع من الوعي الكامل بالانعكاسات الوخيمة التي أدى إليها الخيار الأمني و تجريم الرأي المخالف و ملاحقة المعارضين و تفشي ظاهرة التعذيب بالتوازي مع إفلات الجلادين من العقاب.
كما يعتقد المجلس أنّ هذا العمل يندرج في إطار معالجته انهيار المؤسسة القضائية بالوقوف على أسبابه و شرح ميكانيزماته بما يسمح من تدارك هذا الوضع و تجاوزه خدمة لأهداف الحركة الحقوقية و الديمقراطية في إقامة دولة القانون و المؤسسات.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
شكرا لك أخي حمزة.. دمت متميزا
MELODY-
- عدد المساهمات : 3297
العمر : 40
المكان : GAFSA
المهنه : Institutrice
الهوايه : Internet
نقاط تحت التجربة : 13403
تاريخ التسجيل : 16/07/2007
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
الشعب التونسي
ليس في حاجة الى تقارير
الشعب التونسي فايق
و يعرف كل واحد ما له و ما عليه
ليس في حاجة الى تقارير
الشعب التونسي فايق
و يعرف كل واحد ما له و ما عليه
جابر-
- عدد المساهمات : 53
العمر : 43
نقاط تحت التجربة : 10168
تاريخ التسجيل : 02/01/2011
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
الشعب التونسي
ليس في حاجة الى تقارير
زعمة تقول إنت على خاطروا هو هكا ولا هكا ما يقراش
ibn_al_sa7aba-
- عدد المساهمات : 2987
العمر : 41
نقاط تحت التجربة : 14397
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
الشعب التونسي في حاجة الى هذه التقارير بعد 23 سنة من الكذب و التعتيم و السقوط...
MELODY-
- عدد المساهمات : 3297
العمر : 40
المكان : GAFSA
المهنه : Institutrice
الهوايه : Internet
نقاط تحت التجربة : 13403
تاريخ التسجيل : 16/07/2007
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
yiziw mil kithb 3al li3bad hram 3likom
1asma-
- عدد المساهمات : 3
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 9481
تاريخ التسجيل : 16/11/2011
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
toghltou w ba3d twahlou aghlatkom 3ala li3bad nthaf
1asma-
- عدد المساهمات : 3
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 9481
تاريخ التسجيل : 16/11/2011
رد: تقاريرقضائية تونسية تفند حقيقة التهم المنسوبة لحركة النهضة الاسلامية...وتسقط محاولات التشويه المتعمد لهذه الحركة السياسية الاسلامية
ili fil ma9ala kolouuuuuuu kiiiiiiiiiiiiiiithb
1asma-
- عدد المساهمات : 3
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 9481
تاريخ التسجيل : 16/11/2011
مواضيع مماثلة
» بيــــان لحركة النهضة حول تحييد المساجد
» النظام الاساسي لحركة النهضة التونسية
» أخر محاولات الهروب
» الحركة الأمازيغية في تونس
» الاحزاب السياسية المعترف بها الي حد هذا التاريخ
» النظام الاساسي لحركة النهضة التونسية
» أخر محاولات الهروب
» الحركة الأمازيغية في تونس
» الاحزاب السياسية المعترف بها الي حد هذا التاريخ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى