نسمة قفصية
مرحبا بكم في موقع قفصة فيه كل تاريخ قفصة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

نسمة قفصية
مرحبا بكم في موقع قفصة فيه كل تاريخ قفصة
نسمة قفصية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نقلا عن مجلة الزيتونة

اذهب الى الأسفل

نقلا عن مجلة الزيتونة Empty نقلا عن مجلة الزيتونة

مُساهمة من طرف أحمد نصيب السبت 25 يونيو - 18:01

مجلة الزيتونة تنصح الشيخ مشفر و تنتصر للمذهب المالكي وترد على الطرف الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أعلم إن كان لمجلة الزيتونة علاقة بمنتديات الزيتونة، ولكن الذي حصل أني كنت أبحث عن دروس للشيخ مشفر على النت، فوقفت على هذا المقال الذي نال إعجابي وسررت به كثيرا، ذلك أن أدب الكاتب وغزارة علمه وحسن نصحه للطرفين وانتصاره للمذهب المالكي، شجعني أن أنقل لكم هذا المقال معبرا به عن فرحتي بأن بلد الزيتونة مازال فيه بقية من العلم النافع والاصيل.
والله أسأل أن يبارك لنا ولكم في هذا المنتدى.
التعصّب يعمي ويصمّ

الكاتب: ياسين بن علي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أرشدني أخ إلى تسجيلات أصدرها بعض الإخوة حوت جملة من الردود العلمية على أخطاء الشيخ مشفر التونسي. وقد سأل بعض الإخوة عن موقفي من تلك الردود، ورغب بعض آخر في أن أكتب شيئا يستعين به في فهم الأمر. والحقيقة، أنني تردّدت كثيرا في كتابة هذا المقال؛ لأنّني أكره إقحام نفسي في مثل هذه الأمور، وأخشى أن يساء فهم موقفي فيحسب من باب الدفاع عن جهة أو من باب التهجّم على جهة أخرى. ولكن حينما طالب أخ بالنصح وذكرني بواجب النصيحة، انقشعت ظلماء التردّد وسطع ضياء العزم، فقلت: نعم، هي نصيحة، والدين النصيحة. عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدّين النّصيحة" قلنا: لمن ؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" (مسلم).

1. ذمّ التعصّب
- قال الشوكاني (في فتح القدير، ج2 ص243): "والمتعصب وإن كان بصره صحيحا فبصيرته عمياء، وأذنه عن سماع الحق صماء، يدفع الحق وهو يظن أنه ما دفع غير الباطل، ويحسب أن ما نشأ عليه هو الحق غفلة منه وجهلا بما أوجبه الله عليه من النظر الصحيح وتلقي ما جاء به الكتاب والسنة بالإذعان والتسليم، وما أقل المنصفين بعد ظهور هذه المذاهب في الأصول والفروع؛ فإنه صار بها باب الحق مرتجا وطريق الإنصاف مستوعرة، والأمر لله سبحانه والهداية منه...".
- وقال الزّرقاني (في مناهل العرفان، ج2 ص36): "واعلم أنّ هناك أفرادا بل أقواما تعصّبوا لآرائهم ومذاهبهم، وزعموا أنّ من خالف هذه الآراء والمذاهب كان مبتدعا متبعا لهواه، ولو كان متأوّلا تأويلا سائغا يتسع له الدليل والبرهان.كأنّ رأيهم ومذهبهم هو المقياس والميزان، أو كأنّه الكتاب والسنة والإسلام وهكذا استزلهم الشيطان وأعماهم الغرور".
- وقال ابن تيمية (في مجموع الفتاوى، ج35 ص233): "فقد تنازع المسلمون في جبن المجوس والمشركين، وليس لمن رجح أحد القولين أن ينكر على صاحب القول الآخر إلا بحجة شرعية. وكذلك تنازعوا في متروك التسمية وفى ذبائح أهل الكتاب إذا سموا عليها غير الله وفى شحم الثرب والكليتين وذبحهم لذوات الظفر كالإبل والبط ونحو ذلك مما حرمه الله عليهم، وتنازعوا في ذبح الكتابي للضحايا ونحو ذلك من مسائل، وقد قال بكل قول طائفة من أهل العلم المشهورين فمن صار إلى قول مقلدا لقائله لم يكن له أن ينكر على من صار إلى القول الآخر مقلدا لقائله، لكن إن كان مع أحدهما حجة شرعية وجب الانقياد للحجج الشرعية إذا ظهرت. ولا يجوز لأحد أن يرجح قولا على قول بغير دليل، ولا يتعصب لقول على قول ولا لقائل على قائل بغير حجة، بل من كان مقلدا لزم حكم التقليد؛ فلم يرجح ولم يزيف ولم يصوب ولم يخطئ، ومن كان عنده من العلم والبيان ما يقوله سمع ذلك منه، فقبل ما تبين أنه حق ورد ما تبين أنه باطل ووقف ما لم يتبين فيه أحد الأمرين. والله تعالى قد فاوت بين الناس في قوى الأذهان كما فاوت بينهم في قوى الأبدان...".

2. الدفاع عن المذهب المالكي
إنّ من المنتسبين إلى المذهب المالكي طائفة لا يفقهون فقه المذهب وأصوله، وهؤلاء ضررهم على المذهب بخاصة والإسلام بعامة أكبر من نفعهم؛ فهؤلاء، لا يفهمون الفقه ولا يفقهون أدلته، ومع ذلك تراهم يتكلمون في أصول المذهب وفروعه دفاعا عنه، فيجمعون ما جمع حاطب في ليلة ظلماء، ويخبطون فيه خبط عشواء. لقد أذهب هؤلاء بهجة السنة النبوية بتعصّبهم، وحطّوا من قيمة الأدلة الشرعية بتعسّفهم، فلا هم نصروا المذهب، ولا هم ذبوا عن آية أو سنة، ولا هم أفادوا أو استفادوا بل ضلوا وأضلوا. قال المقرّي المالكي (في القواعد، ج2 ص396): "قاعدة: لا يجوز ردّ الأحاديث إلى المذاهب على وجه ينقص من بهجتها، ويذهب الثقة بظاهرها، فإن ذلك إفساد لها، وغضّ من منزلتها، لا أصلح الله المذاهب بفسادها، ولا رفعها بخفض درجاتها. فكل كلام يؤخذ منه ويرد، إلا ما صحّ لنا عن محمد صلى الله عليه وسلم، بل لا يجوز الردّ مطلقا؛ لأنّ الواجب أن ترد المذاهب إليها كما قال الشافعي، لا أن ترد هي إلى المذاهب، كما تسامح فيه الحنفية خصوصا والناس عموما...".
والمذهب المالكي، كغيره من المذاهب الإسلامية المعتبرة، يقوم على أصول وقواعد محرّرة مضبوطة قوامها الكتاب والسنة، فلا يخطرنّ ببال أحد أنّ المذهب المالكي يتعمّد ردّ السنّة ويتجاهلها، بل هو من المذاهب السنّية التي أسست على العمل بالحديث والأثر. وأما ما يرى من ردّ المالكية لبعض الأخبار، فليس من باب ردّ السنّة والعمل بالهوى، بل هو لو تدبّرت من صميم العمل بالسنّة؛ لأنّهم يرون عمل أهل المدينة سنة متواترة لا يعارضها خبر الآحاد، فهو إذن من باب ردّ الظنّ المعارض لليقين معارضة لا يتأتى معها الإعمال عندهم. وبالجملة، فإنّ المالكية لا يردّون حديثا إلا إذا عارضه عندهم ما هو أقوى منه. قال في مراقي السعود:
ومالك بما سوى ذاك نخع ... وما ينافي نقل طيبة منع
إذ ذاك قطعي وإن رأيا ففي ... تقديم ذا أو ذاك خلف قد قفي
ومن أراد التأكّد من هذا فعليه بكتب المذهب التي وضّحت الأصول وأبرزت الأدلة، كالتمهيد والاستذكار لابن عبد البرّ، والذخيرة للقرافي، والمعونة والإشراف للقاضي عبد الوهّاب، والمنتقى للباجي، وأحكام القرآن والقبس لابن العربي، والتوضيح لخليل وغير ذلك من الكتب التي اعتنت بالأدلة.

3. من قواعد الردّ العلمي
هناك جملة من قواعد الردّ العلمي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وسأركّز هنا على قاعدتين فقط: الإنصاف والتواضع.
فقاعدة الإنصاف تعني أن يجتنب الإنسان الهوى والتعصّب، فلا يبخس القول المخالف حقّه ولا يظهره بمظهر الضعيف التافه فيغضّ الطرف عن تفاصيله وأدلّته المعتمدة عند القائل به، بل يبيّنه كما جاء عند أصحابه ويشرحه شرحا يليق بالبحث العلمي وبأمانة النقل وواجب العدل الذي أمرنا به. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. قال ابن عبد البر (في جامع بيان العلم وفضله، ج1 ص131): "من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم".
وأمّا قاعدة التواضع فتعني أن لا يتكبّر الإنسان على مخالفه بعلمه، وأن لا يعجب بنفسه لنصر أحرزه في مناظرة مثلا، بل يلين له الجانب ويخفض له الجناح؛ لأنّ المراد الأوّل كسبه للحقّ والصواب لا خسارته بالتعالي عليه وإبراز المقدرة العلمية. لذلك، فإنّ الردّ العلمي الحقّ هو الذي يظهر فيه التواضع وحبّ النصح والخير للغير، وليس التكبّر والتفاخر بالأعلمية وتحقير المخالف وإظهاره بمظهر الجاهل الأحمق. عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ... وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (مسلم). قال ابن عبد البر (في جامع بيان العلم وفضله، ج1 ص141): "ومن أفضل آداب العالم تواضعه وترك الإعجاب بعلمه ونبذ حب الرئاسة عنه".
ومع الأسف، فإنّ من الناس من لا يلتزم بهذه القواعد، لذلك يجتاله الشيطان وينفث فيه الغرور، فيقع في المحظور والمحذور.

4. أخطاء التسجيل الفقهي
بعد أن فرغنا من مقدّمات مفيدة، نشرع الآن في بيان بعض الأخطاء التي وقع فيها الإخوة في ردهم على الشيخ مشفر. وأحبّ قبلها أن أبيّن أربعة أمور: الأول، أنني لا أدافع عن مشفر. والثاني، أنّ في التسجيلات جملة من الردود النافعة التي يجب على كلّ طالب للصواب أن يتدبّر فيها ويستفيد منها. والثالث، أنّني اكتفيت بالتعليق على جزء من التسجيل الفقهي ولم أرد التعليق على كل التسجيل أو جميع ما صدر عن الإخوة؛ لقناعتي بأنّ التعليق على الجزء يؤدي الرسالة التي أريد إيصالها. والرابع، أنّني أركّز على المنهج خاصة ولا أركّز على الأفكار التي وردت. وإليك ملاحظاتي:
1. قال في تفسير مصطلح "رجاله رجال الصحيح": أنّ كل رجل من رجال الإسناد قد روى له أحد الشيخين أي البخاري ومسلم. ثم قال: مع العلم أن عبد الرحمن بن غنم الأشعري لم يرو له أحدهما في الصحيح فليس هو من رجال الصحيح.
والصواب: أن عبد الرحمن بن غنم الأشعري روى له البخاري في الصحيح قال: وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكوننّ من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف..." (صحيح البخاري، ج3 ص230). ويراجع "التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح" لأبي الوليد الباجي.

2. قال: حديث السدل كما أخرجه أبو داود والترمذي في السنن وأحمد في مسنده وابن أبي شيبة في مصنفه والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الكبير وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه".
أقول: قال ابن عبد البر (في جامع بيان العلم وفضله، ج2 ص98-99): "قال مصعب الزبيري: ما رأيت أحدا من علمائنا يكرمون أحدا ما يكرمون عبد الله بن حسن وعنه روى مالك حديث السدل". وهذا الذي ذكره الشيخ مشفر. والمنهجية العلمية تقتضي أن تفهم دليل المخالف، وأن ترجع إليه هو لا إلى غيره أي تنظر فيه من حيث المتن والإسناد. فالذي يتحدث عنه ابن عبد البر غير الذي ذكره الأخ وأخذ يعدّد مصادره ويستكثر. ذلك، أنّ الحديث المذكور محل البحث هو حديث عبد الله بن الحسن، وكلّ الأحاديث التي ذكرها الأخ لا يوجد في سندها عبد الله بن الحسن. هذا أمر، والأمر الآخر أنّ غالب الظنّ أن المراد هنا ما حكاه مالك (في المدونة، ج1 ص197)، قال وقد سئل عن السدل: "لا بأس بالسدل في الصلاة وإن لم يكن عليه قميص الإزار ورداء فلا أرى بأسا أن يسدل... قال مالك: ورأيت عبد الله بن الحسن يفعل ذلك...". وقال ابن رشد (في البيان والتحصيل، ج1 ص250): "صفة السدل أن يسدل طرفي ردائه بين يديه فيكون صدره وبطنه مكشوفا... وأجازه في المدونة وإن لم يكن عليه إلا إزار أو سراويل تستر عورته، وحكى أنه رأى عبد الله بن الحسن وغيره يفعل ذلك...". وكما ترى، فإن الرواية عن عبد الله بن الحسن تفيد جواز السدل، وأمّا الحديث الذي جاء به الأخ وأطنب في تخريجه فيفيد النهي عن السدل. فتدبّر في هذا.

3. قال: ألا تفرق يا شيخ بين السدل والإرسال، أهذا من العجمة... ثم قال: من الإنصاف أن أخبرك، ولا بأس، تعلّم مني هذا، السدل ليس هو إرسال اليدين إنما السدل شيء آخر...
أقول: وما الفرق يا أخي بين السدل والإرسال؟
قال الفيروزآبادي (في القاموس المحيط، ج2 ص1340): "سدل الشعر يسدله، وأسدله: أرخاه وأرسله. وشعر منسدل: مسترسل...".
وقال الفيومي (في المصباح المنير، ص142): "سدلت الثوب سدلا... أرخيته وأرسلته...".
فالسدل يا أخي هو الإرسال، وللعلم فإنّهما لا يعنيان بالضرورة شيئا محددا، إنما يفهم المعنى من سياق الكلام وقرائنه. فتقول: سدل الثوب، وسدل الشعر. وكذا تقول: أرسل الثوب أو أرسل الشعر.
وللعلم أيضا، فإن السدل يطلق على إرسال اليدين، وإليك ما يلي: جاء في المصنّف (لعبد الرزاق، ج2 ص179): "باب الرجل يصلي مرسلا يديه أو يضمهما: عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أفأقبض بكفي أحدهما على كف الأخرى، أو على رأس الذراع ثم أسدلهما؟ قال: ليس بذلك بأس. قال أبو بكر: ورأيت ابن جريج يصلي في إزار ورداء مسبل يديه... عبد الرزاق عن الثوري وهشيم أو أحدهما عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يصلي مسدلا يديه". وليس القصد هنا الاستدلال بهذه الآثار على حجية السدل، إنما القصد بيان أنّ لفظ السدل قد يطلق على إرسال اليدين. فإذا فهم شخص هذا المعنى فلا إشكال في ذلك ولا يعدّ أعجميا، وإنما يبيّن له المعنى الصحيح بوضع الخطاب في سياقه.
ومما يدلّ على هذا أنّ العلماء اختلفوا في معنى السدل الوارد في حديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه". قال المناوي (في فيض القدير، ج6 ص315): "(نهى عن السدل في الصلاة) أي إرسال الثوب حتى يصيب الأرض وخص الصلاة مع أنه منهي عنه مطلقا لأنه من الخيلاء وهي في الصلاة أقبح فالسدل مكروه مطلقا وفي الصلاة أشد. والمراد سدل اليد وهو إرسالها، أو أن يلتحف بثوبه فيدخل يديه من داخله فيركع ويسجد وهو كذلك كما هو شأن اليهود، أو أراد سدل الشعر فإنه ربما ستر الجبهة وغطى الوجه، قال العراقي: ويدل عليه قوله (وأن يغطى الرجل فاه) لأنه من فعل الجاهلية كانوا يتلثمون بالعمائم فيغطون أفواههم فنهوا عنه لأنه ربما منع من إتمام القراءة أو إكمال السجود...". كان عليك يا أخي أن تنتبه إلى هذا!

4. قال: الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف كما هو معلوم عند أئمة الحديث، بل مراسيل الحسن البصري ذاتها، هاته تحديدا هي من أوهى المراسيل وأضعف المراسيل كما يقول علماء هذا الشأن وأئمة علم الحديث...
أقول: يتكلم الأخ وكأنّ المسألة من مسائل الإجماع، وغاب عنه أنها من مسائل الخلاف بين أئمة علم الحديث.
فإذا كنت يا أخي لا تحتج بالمرسل، فغيرك يحتجّ به. قال القاسمي (في قواعد التحديث، ص137-143): "للأئمة مذاهب في المرسل مرجعها إلى ثلاثة: الأول أنه ضعيف مطلقا، الثاني حجة مطلقا، الثالث التفصيل فيه. فأما المذهب الأول فهو المشهور... وأما المذهب الثاني وهو من قال (المرسل حجة مطلقا) فقد نقل عن مالك وأبي حنيفة وأحمد في رواية حكاها النووي وابن القيم وابن كثير وغيرهم، وحكاه النووي أيضا في شرح المهذب عن كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم... وقال السخاوي في فتح المغيث (قال أبو داود في رسالته: وأما المراسيل فقد كان أكثر العلماء يحتجون بها فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي رحمه الله فتكلم في ذلك وتابعه عليه أحمد وغيره)... المذهب الثالث في المرسل... ذهب كثير من الأئمة إلى الاحتجاج بالمرسل بملاحظات دققوا فيها منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى...".
وأمّا قول الأخ: مراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل، فهذا عند جماعة من أهل العلم، وأما عند غيرهم فهي جيدة. قال القاسمي (في قواعد التحديث، ص147): "قال ابن المديني: (مرسلات الحسن البصري التي رواها عنه الثقات صحاح ما أقل ما يسقط منها)، وقال أبو زرعة: (كل شيء قال الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت له أصلا ثابتا ما خلا أربعة أحاديث)، وقال يحيى بن سعيد القطان: (ما قال الحسن في حديثه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وجدنا له أصلا إلا حديثا أو حديثين)...". وذهب جمع من العلماء إلى اعتبارها وإلحاقها بالقسم القابل للتقوية، ومنهم الشافعي والبيهقي وابن الملقن وابن حجر. (ينظر مناهج المحدثين في تقوية الأحاديث الحسنة والضعيفة، للدكتور المرتضى الزين أحمد، ص143 وص150).

5. قال: الشيخ مشفر يترك الأحاديث الصحيحة ويذهب يتقمّم من هنا وهناك فجاءهم بحديث من مسند الديلمي...
أقول: تقمّم يا أخي تعني تتبع القمام في الكناسات. فهل يليق بالباحث المنصف الذي يزعم نصرة السنة أن يصف كتاب الإمام الديلمي بالقمامة؟

6. قال: (جلوس الإمام) أي الذي يقتدى به في الصلاة (بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب من السنة)، هذا الحديث ورد عن أبي هريرة عند الديلمي في مسند الفردوس، قال المناوي في فيض القدير: فيه هيثم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء، وقال الألباني...
أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله
أولا: لقد حذف الكلام وأخذ منه ما يخدم غرضه. والصواب أنّ المناوي قال (كما في فيض القدير، ج3 ص350): "أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة حجة يدلس وهو في الزهري لين انتهى". ولا شكّ أنّ قوله: "أورده الذهبي في الضعفاء" دون الإتيان بباقي الكلام يخلّ بالمعنى.
ثانيا: يبدو أنّ المتكلم الناقد لم يراجع النسخة المطبوعة من كتاب فيض القدير واكتفى بالنسخة الالكترونية. ولو راجع النسخة المطبوعة لرأى بأم عينه أنّ المراد هو "هشيم بن بشير" وليس "هيثم" كما قال. قال المناوي (في فيض القدير، ج3 ص350): "وفيه هشيم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة حجة يدلس وهو في الزهري لين انتهى".
ثالثا: اكتفى المتكلم بقوله: "أورده الذهبي في الضعفاء"، وكان عليه أن يرجع إلى كتب التراجم ليقف على حاله. قال الذهبي (في الميزان، ج7 ص90): "هشيم بن بشير السلمي، أبو معاوية الواسطي الحافظ، أحد الأعلام... وسمع من الزهري وابن عمر أيام الحج وكان مدلسا، وهو لين في الزهري...". وحاصل القول فيه أنه ثقة حافظ وكان يدلّس. ومن أراد المزيد فعليه بكتب الجرح والتعديل.

7. قال: مع العلم أن مسند الفردوس هكذا بإطلاق، هناك كتابان يسميان بمسند الفردوس، فأيهما يعني إن كان يعقل هذا الرجل؟...
أقول: لقد بلغ التعصّب هنا حدّا يفقد الصواب ويجعل المناقشة مجرد عنتريات يراد بها إبراز الأعلمية لا غير. فالشيخ قد ذكر في كلامه أنّه يعني مسند الفردوس للديلمي، ونص على ذلك صراحة حيث قال: "روى الديلمي في مسند الفردوس". ثم قال مرة أخرى بعد ذكر الحديث: "رواه في مسند الفردوس، الديلمي عن أبي هريرة". فأين الإنصاف الذي تزعمه يا أخي؟

خاتمة:
لقد دفع التعصّب بطرف إلى الدفاع عن المذهب المالكي بحجج ضعيفة واهية وبأقوال باطلة، كما دفع التعصّب الطرف الآخر إلى الإعجاب بالنفس والغرور الذي أوقع صاحبه في أخطاء فادحة شنيعة ذكرنا القليل منها وأعرضنا عن الكثير.
إنّ المناقشات الفقهية ضرورية لإحياء الفقه ودفع المجتمع نحو الارتفاع الفكري، إلا أنّ هذه النقاشات قد تتحوّل إلى نقمة تثير الفتن وتوقظها، وتشعل نار العداوة وتلهبها، وتصرف الأمّة عما ينهضها. لذلك لا بدّ من إدراك الأساس الذي قام عليه الفقه ألا وهو الاجتهاد. والاجتهاد يحتمل الاختلاف في الرأي. أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله قال: "نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف عن الأحزاب أن لا يصلينّ أحد الظهر إلا في بني قريظة. فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت. قال: فما عنف واحدا من الفريقين". وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لما رجع من الأحزاب: لا يصلينّ أحد العصر إلا في بني قريظة. فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم".

15 ذو القعدة 1430هـ

______________
أهم المراجع:
1.تفسير فتح القدير، للشوكاني، دار المعرفة - لبنان، بدون تاريخ.
2.مناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، المكتبة التوفيقية – مصر، بدون تاريخ.
3.مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، دار العربية – لبنان 1398هـ.
4.جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، دار الكتب العلمية – لبنان، بدون تاريخ.
5.صحيح البخاري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر 1953م.
6.المدونة الكبرى، دار الكتب العلمية – لبنان، الطبعة الأولى 1994م.
7.البيان والتحصيل، لابن رشد، دار الغرب الإسلامي – لبنان، الطبعة الثانية 1988م.
8.المصنف، لعبد الرزاق، دار الكتب العلمية – لبنان، الطبعة الأولى 2000م.
9.فيض القدير شرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف المناوي، دار الحديث – القاهرة، بدون تاريخ.
10. قواعد التحديث، لجمال الدين القاسمي، دار النفائس – لبنان، الطبعة الثانية 1993م.

نقلا عن مجلة الزيتونة

أحمد نصيب
أحمد نصيب
 
 

عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نقلا عن مجلة الزيتونة Empty رد: نقلا عن مجلة الزيتونة

مُساهمة من طرف أحمد نصيب السبت 25 يونيو - 18:02

هكذا يكون التاصيل العلمي
أحمد نصيب
أحمد نصيب
 
 

عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى