دور قبيلة الهمامة في تاريخ تونس الحديث
2 مشترك
نسمة قفصية :: قسم قفصه :: قفصه عموما
صفحة 1 من اصل 1
دور قبيلة الهمامة في تاريخ تونس الحديث
دور قبيلة الهمامة في تاريخ تونس الحديث
الهمامة
هي أكبر القبائل التونسية عددا ( أكثر من 50 ألف نسمة ) و أشدها بأسا. تسيطر على المجال الممتد بين قفصة و مجال المثاليث و جلاص، جنوب الفراشيش و ماجر حتى حدود منطقة الجريد حسب توصيف بيليسي.
و هي ذات أصول عربية قدموا إلى إفريقية ضمن الزحف الهلالي خلال القرن 11م، و لكن لم تذكرها المصادر ضمن القبائل الهلالية أو السليمية و من المرجح أن يكون الهمامة أثناء الغزو الهلالي أسرة أو فخذا لم تتحول بعد إلى قبيلة ، واصلوا طريقهم غربا حيث استقروا في البداية في المغرب الأقصى ثم عادوا إلى تونس في القرن 16م و استقروا في ربوع قفصة ، و صادفت عودتهم انتصاب الأتراك بالبلاد التونسية ، ومنذ تلك الفترة بدأ تداول اسم الهمامة كقبيلة فاعلة في البلاد .
و المتداول أن الهمامة من القبائل السليمية كما أشار إلى ذلك المرزوقي، وهناك من يرى أنها من القبائل الهلالية و بالتحديد من رياح و لكن المرجح حسب رأينا هو أنهم ينحدرون من بني همام بن مرة بن ذهل بن شيبان الذين جاوروا بني هلال في الصعيد المصري و رافقوهم في زحفهم على إفريقية كما ذكر القلقشندي في كتابه " نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ". و رغم الاختلاف في نسب الهمامة إلا أن الاتفاق حاصل حول أصولها العربية.
تنقسم هذه القبيلة إلى 3 عروش كبرى تتوزع كالتالي :
* أولاد عزيز: في الجنوب الغربي لبلاد قمودة و بلاد الهيشرية و بلاد الرقاب و يتفرعون إلى
أولاد عبد الكريم – فطناسة ( هاجرت من الجنوب بالتحديد "توزر" إلى بلاد باجة في الشمال و يبدو أنهم من بقايا قبيلة فطناسة البترية البربرية انضموا لاحقا إلى الهمامة ) – الردايدية – أولاد بالهادي – أولاد مبارك – أولاد محمد – البدور – الوذانية – أولاد يحي – أولاد ثليجان ( انتقلوا إلى ناحية زغوان )
* أولاد رضوان : شمال غربي بلاد قمودة الخصبة و جزء من بلاد الهيشرية و الحنية و يتفرعون إلى أولاد مسعود – الحرشان – أولاد سيدي سليمان و خليفة بن عرفة – أولاد عكريم – القمامدية – أولاد سلامة – أولاد ساعي – أولاد محمد بن خليفة – أولاد عمارة – أولاد مبارك – أولاد منصر – النوايل – أولاد سي بالقاسم بن نصيب – أولاد موسى بن رضوان – أولاد علي بن تليل – المليكات – أولاد يوسف – أولاد أحمد – أولاد بو علاق – الخدمة – الحوامد – أولاد عبيد – أولاد محمد – أولاد شابو – العمايمية – أولاد بية
* أولاد معمر : ببلاد عمرة على مشارف قفصة و كذلك ببلاد السقي و الصحراء أو بلاد الطرفاوي الممتدة من الجنوب الغربي لمدينة قفصة حتى الشمال الشرقي لبلاد الجريد ويتفرعون إلى
أولاد بو يحي – العكارمة ( القوادر و الشرطان ) – المقادمية – أولاد زيد – أولاد دلال – الزعابطية – المداعسة – الهناشرية – النجايمية – أولاد العابد – أولاد وهيبة – أولاد شريط – الخمايلية – أولاد خميلة – أولاد عمران – السواعي – أولاد عليم
ازدادت هذه القبيلة قوة و بأسا بعد العودة إلى المناطق المحيطة بقفصة و ذلك باندماج و انصهار الجموعات التي تمثل السكان الأصليين بالمنطقة مثل القمامدة و الحوامد و أولاد سيدي بوزيد و فطناسة.. و الجبالية المتمركزون في المناطق الجبلية كالعيايشة و بوسعد و بوعمران و السند.
اشتهر الهمامة بالفروسية و شدة البأس، و يروى أنهم كانوا يدربون أطفالهم في سن مبكرة على ركوب الخيل و القتال، و يتمتعون بسمعة سيئة لدى السلطة المركزية و جميع القبائل و المدن المجاورة . فهي قبيلة تعتمد النهب و السلب و الإغارة على القبائل الأخرى ونهب القوافل ومخزن الجباية المتجهة إلى تونس.وصفهم بيليسي بقطاع طرق إذ يقول " هؤلاء الأهالي رغم ضعفهم فإنهم مشاغبون قطاع طرق و خاصة الهمامة المعروفين بذلك . و حسب ما شاهدته فهم كذلك و قد وصل بهم الأمر إلى نهب جنود المشاة النظاميين ..". و يذكر أن غارتهم امتدت إلى صفاقس ( حيث كانوا يقطعون الطريق بين قفصة وصفاقس ) والساحل وسوسة .
يقوم نمط عيش هذه القبيلة البدوية أساسا على تربية الماشية و تتصرف في ثروة حيوانية هامة بالمقارنة مع القبائل المجاورة و لا ينافسها في ذلك إلا قبيلة جلاص . و عموما كان الهمامة يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة بمجالهم القبلي الشبه الصحراوي ، و للتغلب على هذه المصاعب ارتأوا عدة حلول منها
• الهطايا : وهي انتقال بعض العشيرة أو كلها صيفا إلى افريقية أو منطقة خصبة أخرى للحصاد مقابل الحبوب.
• الخرافة : وهي انتقال بعض العشيرة أو كلها خريفا إلى الجريد لجني التمور مقابل نسبة من المحصول أو إلى الشمال حيث يكثر فيها ثمر الصبار "الهندي" و هو ما يوفر مخزونا هاما من العلف لماشيتهم .
• التجارة : مقايضة التمر بالقمح لدى أهل افريقية و الجراد الناضج بالتمر لدى أهل الجريد أو جلب الدخان و الأسلحة من سوف (بالجزائر ) وبيعهما في الجريد وقفصة والبوادي.
• الامتناع عن دفع الجباية: أو دفعها مواشي أو المماطلة في الدفع.
• النهب و السلب و الغارات : فميعاد الهمامة كثيرا ما يطلب من القايد أن يمهلهم في دفع الجباية حتى ينهبوا و يغزوا .
شكلت هذه القبيلة عبر التاريخ الحديث مخزونا بشريا تعتمد عليه سلطة البايات عند الضرورة باعتبارها قبيلة مخزنية تنتمي للصف الحسيني ، فقد كانوا رجال الباي و سيفه منذ قيام الدولة الحسينية و بعد انقسام البلاد صفين متعاديين باشي و حسيني . و هو ما جعلها في صراع مع القبائل الباشية مثل ماجر و الفراشيش و بني زيد بحكم التجاور الجغرافي لهذه القبائل و ما يولده من صراع على المراعي و الأراضي الخصبة و نقاط المياه و سطو متبادل على المواشي التي تمثل المصدر الرئيسي للدخل بالمنطقة .
وفي النصف الأول من القرن 18 م بدأ تداول لفظ " الهمامة " على نطاق واسع لأسباب لعل أهمها"حسينيتها" فقد كانت من أهم القبائل المخزنية التي توفر المزارقية لمحلة الباي وكان لهم مكانة هامة لدى البايات الحسينيين، إذ تغافلت السلطة في بعض الأحيان عن تجاوزات الهمامة وإغارتهم على القبائل المجاورة وفي بعض الحالات ينحازون إليهم خاصة إذا كان الطرف الآخر من المحسوبين على الشق الباشي مثلما وقف الباي إلى جانب الهمامة في نزاعهم مع الفراشيش و ماجر حول سهل " قمودة ".
أبو حمزة حاتم غير متواجد حالياً الصراع حول سهل قمودة مع الفراشيش و ماجر
تعددت المواجهات المسلحة بين الهمامة الشماليين ( أولاد عزيز و أولاد رضوان ) من جهة وفرق أولاد مهنى من ماجر و أولاد عسكر من الفراشيش ، و تمحورت هذه المواجهات حول سهل " قمودة " الذي يعتبر أهم سهل رسوبي بمنطقة السباسب الوسطى، و قد امتد هذا الصراع على مدى قرن من الزمن.
و قد حاول كل من الهمامة و ماجر تبرير أحقيته في ملكية الأراضي المجاورة له إذ يروي أولاد عزيز من الهمامة أن الجد المؤسس "عزيز" بعد بسط نفوذه على كل من فطناسة و صبريّة في القرن 16م، قرر الالتحاق ببقية عروش الهمامة بالمناطق الشمالية و لأجل ذلك خاض صراعات مع عروش الفراشيش و ماجر الجنوبيين و هجّرهم من عدة مناطق لعل أهمها على الإطلاق سهول " الهيشرية " و أسكن أحفاده بالجهة الخصبة شمال وادي اللبن . وبينما تروي عروش ماجر أن مجالهم القبلي كان يمتد إلى جهات الرقاب والمكناسي جنوبا و يلامس مجالات قبائل نفات و المثاليث و بني زيد بالسباسب السفلى، و إسنادا إلى هذه الرواية تصبح سهول كل من قمودة و الهيشرية و عين رباو و هنشير الحمراء تابعة لمجالهم و قد وقع تهجيرهم بالقوة زمن عودة الهمامة من المغرب و تأسيسهم لمجالهم زمن قوة القبيلة. و مما يسمح بقبول هذه الرواية وجود عدة زوايا تابعة لماجر بمجال الهمامة وهي زاوية " إبراهيم الزاير " بالرقاب و زاوية " بودخان " جنوب شرقي الهيشرية و زاوية " أحمد بن عليّة الماجري " بالمكناسي و زاوية " سالم بن نومة " بقمودة .
مراحل الصراع
* الصراع الأول 1759/1762 كان في فترة انتفاضة إسماعيل بن يونس بن علي باشا و دار بين عروش أولاد عزيز و أولاد رضوان من جهة و فرق أولاد خلفة و تاغوت و أولاد عسكر من جهة ثانية. و يبدو أن ماجر و الفراشيش قد استغلت هذا الحدث السياسي و ما نتج عنه من ضعف السلطة المركزية و قبائل المخزن المتحالفة معها و منها الهمامة وتوظيفه لمحاولة توسيع مجالاتهم الجنوبية في الاتجاه " قمودة " و " الهيشرية " و " عين رباو " غير أن الهمامة الحسينيين سيستعيدون السهول بالقوة بعد إخماد ثورة إسماعيل بن يونس من قبل علي باي سنة 1762 . و يذكر حمودة بن عبد العزيز صاحب " الكتاب الباشي " أن مزارقية الهمامة المشاركين في محلة علي باي لعبوا دورا رئيسيا في إلحاق الهزيمة بإسماعيل و معاقبة بعض عروش ماجر والفراشيش.
* الصراع الثاني 1791/1798 عاد الصراع بعد 30 سنة من الهدوء النسبي بين الهمامة و فريق أولاد مساهل من ماجر هذه المرة بقيادة عامر بن شريفة الفرجاني و حامد بن شريفة الفرجاني. و قد امتد الصراع حوالي 7 سنوات و كان هذا الصراع الأهم من حيث الامتداد الزمني و حصيلة الضحايا من الجانبين و في الأخير تدخلت السلطة المركزية لفض الصراع و سلط حمودة باشا خطايا مالية و عينية ثقيلة على ماجر والفراشيش و خاصة على فريق أولاد مساهل و ذلك بدعوى" وقوع الفساد و الهرج في البلاد" و تعديهم على سهل قمودة .
و شهد هذا الصراع تدخل العديد من القبائل و ذلك ضمن تحالفات تعتمد الصفوف أي الصف الحسيني الذي يمثله الهمامة وحلفائها ضد الصف الباشي الذي يمثله ماجر و الفراشيش و حلفائهم.
• حلف الهمامة : تَعِدُّ الهمامة في أواسط القرن 19 حوالي 50 ألف نسمة و يتضخم صفهم بانضمام جلاص التي تُعَدُّ من أكبر القبائل التونسية في نفس الفترة الزمنية ( حوالي 60 ألف نسمة ) وفي صورة انضمام عروش ونيفة و ورغمة إليهم فإن هذا التحالف يتجاوز 100 ألف نسمة
• حلف ماجر و الفراشيش : لا يقل الوزن الديمغرافي و العسكري الذي يمثله الفراشيش و ماجر على المجموعة الأولى . فالفراشيش يعدون في نفس الفترة حوالي 47 ألف نسمة و أما ماجر فيبلغون قرابة 42 ألف نسمة و في صورة انضمام أولاد عيار الذي يبلغ عددهم 24 ألف نسمة و ورتان و بني زيد فإن العدد الجملي لهذا التحالف يتجاوز هو أيضا 100 ألف نسمة.
توزعت علاقة الهمامة بالسلطة المركزية بين الولاء و المناهضة ، فهي ملتزمة بالدفاع عن نظام البايات غير أنها كثيرا ما تقوم بأعمال الإغارة على المراكز الحضرية و القبائل المجاورة و التهرب من دفع الضرائب و الخروج عن الطاعة في الأوقات العصيبة .و هو ما يجعلنا نتساءل عن مدى ولاء الهمامة للأسرة الحسينية ؟ و يجيبنا عن هذا السؤال الأزهر الماجري الذي يرى أن الهمامة لم يكونوا لا حسينيين و لا باشيين و لكنهم ساندوا أبناء حسين بن علي كرد فعل على سياسة علي باشا تجاههم . فعروش الهمامة لم تكن كلها حسينية الانتماء خلال الصراع الحسيني- الباشي ( 1735_1740)، غير أن سياسة علي باشا الزجرية تجاههم خصوصا بعد الانتفاضة الكبرى للهمامة في وجهه سنة 1750 بسبب سياسة المشترى التي فرضها على المنتجين ( تسليم الحبوب و غيرها من المحاصيل المطلوبة في الأسواق الخارجية للبايليك مقابل سعر بخس ) و كذلك الملاحقة و التشريد التي تلت انتفاضة ابنه يونس سنة 1752 الذي وجد مساندة من بعض عروش الهمامة ، هي التي جعلتهم ينحازون لأبناء حسين باي عند عودتهم من الجزائر سنة 1756 . فالهمامة لم يكونوا حسينيين قبل هذا التاريخ ، فقد أشار المخبر محمد الصغير بن يوسف إلى أن البعض من فرق الهمامة كانوا يسخرون من الباي حسين بن علي و يطلقون عليه اسم " بيّاع الملح " تهكما ، بعد أن احتكرت السلطة تجارة الملح إلى جانب عدة منتوجات إستراتجية مثل الحبوب و الزيوت و الجلود.
و مع زحف الجيوش الفرنسية على البلاد سنة 1881 و تخاذل الباي انقلب الهمامة ضد سلطة العائلة الحسينية معلنة العصيان و انضمت بكل عروشها إلى المقاومة المسلحة للغزاة . و قد عرفت مقاومة هذه القبيلة تنظيما محكما حيث بدأت بتوحيد عروشها ثم انتقلت إلى التوحد و التنسيق مع القبائل الأخرى و خاصة جلاص. أما في ساحة المعركة فقد تميزت باعتماد فرسانها على أسلوب حرب العصابات و هي الطريقة التي أثبتت نجاعتها تاريخيا عندما تختل موازين القوى .
بدأت استعدادات الهمامة لمواجهة الجيوش الفرنسية بعقد اجتماعات عديدة كان الهدف منها التنسيق و التشاور بين مختلف عروش القبيلة و القبائل الأخرى . و ترأس هذه الاجتماعات القايد أحمد بن يوسف الذي وصفه كاتب التقرير حول الهمامة arbez بالموحد الأساسي لعروش الهمامة في هذه الانتفاضة . و كان أهم اجتماع انعقد بوطن أولاد رضوان و قد حضره عدد كبير من الأهالي المسلحين و المستعدين للتحرك في أي لحظة للالتحاق بالميعاد الكبير بسبيطلة و الذي يعتبر أهم اجتماع على الإطلاق حيث تقرر أثناءه مقاتلة الغزاة و حضره العديد من الشخصيات مثل أحمد بن يوسف قايد الهمامة و الحاج حراث قايد الفراشيش و علي الصغير قايد الفواد و شقطمة من ماجر و محمد صالح دبيش قايد أولاد عيار و قايد ورتان و عدد من وجوه جلاص . و تمكن أحمد بن يوسف و الحاج حراث من إقناع المجتمعين باتخاذ قرار المقاومة منذرين القبائل الرافضة لهذا القرار بالإغارة و النهب . و وُزعت الأدوار و المهام بين مختلف الأطراف و ضُبطت الخطة التي بقيت سرا و لم تتوضح معالمها إلا على أرض الواقع ، و المتمثلة في توزيع المقاومين حسب مقاييس تأخذ بعين الاعتبار قرب القبائل من المنطقة التي سيحاربون فيها و معرفتهم لأرض المعركة و إمكانية النجاة عند الضرورة مما يدل على حنكة عسكرية متقدمة . فأُوكلت عملية الدفاع عن طريق تبسة – القيروان الذي سيسلكه الجنرال فورجمول إلى القبائل القريبة من هذه المنطقة و هي الفراشيش و ماجر و ونيفة و أولاد عيار و ورتان ، أما الهمامة فقد اتجهوا نحو فريقا لمناوشة الجيش الفرنسي باعتماد حرب العصابات . و بعد خروج فورجمول من تبسة باتجاه القيروان طلب أحمد بن يوسف من قبيلة الهمامة كافة رفع السلاح و التوجه نحو القصرين . و خاض الهمامة معارك ضارية ضد الجيش الفرنسي نذكر منها معركة سيدي المرغني بالروحية و معركة كدية الحلفاء التي برزت فيها حنكة الهمامة القتالية ، إذ استدرجوا العدو لإيقاعه في كمين و قد سرد المؤرخ الفرنسي بروش و وقائع هذه المعركة قائلا على الساعة التاسعة من يوم 25 أكتوبر تمكن 1000 عربي من التسرب إلى كتيبة فرنسية تضم 400 جندي و هاجموهم فجأة و قد رد الصف الأول من الكتيبة على هذا الهجوم كما قامت الأربعة فيالق التابعة لقناصة إفريقيا برد الفعل شاهرين سيوفهم و في الأثناء تبخر المتمردون فتبعهم الجيش الفرنسي عندئذ وجد نفسه أمام 3000 فارس من جلاص يعاضدهم 500 من المشاة و أصبح الفرنسيين محاصرين غير قادرين على التراجع إلى الوراء فسقط منهم 20 رجلا أما المقاومون فقد فقدوا بعض الرجال و جرح البعض الآخر و رجع الهمامة و معهم أحمد بن يوسف ..
و الجدير بالملاحظة أن هذا التراجع نفسه خضع إلى تخطيط مسبق إذ بقي عدد قليل من المقاتلين قرابة 40 فارس يناوشون العدو لحماية الجيوش المتراجعة .
و بعد سقوط المدينة الرمز القيروان و نظرا لاختلال موازين القوى و عدم وصول نجدة الباب العالي ، تراجع المقاومون نحو الجنوب في اتجاه طرابلس . و بدأ يدب اليأس في صفوف العديد من الهمامة و يستسلمون للأمر الواقع طالبين الأمان ، و بذلك تشعبت الأمور أكثر إذ أصبح المقاومون مجبرين على مقاومة الاحتلال و المتخاذلين في الوقت نفسه . و يبدو أن هذا الأمر لم يزد الهمامة إلا إصرارا على مواصلة القتال بأكثر ضراوة معتمدين على حرب العصابات . و تحولت القيادة إلى علي بن ضو الذي كوّن مجموعات من المقاومين قامت بعدة عمليات ضد المتخاذلين و المتعاونين مما تسبب في انخرام الأمن في الجهة بأكملها ، ثم انتقلوا إلى نصب الكمائن للقوات الفرنسية في مناطق متفرقة مثل الرقاب و قمودة . و تؤكد هذه العمليات الجريئة مدى قدرة الهمامة على الصمود سنتين في وجه أقوى جيوش العالم آنذاك ، و لعل من العوامل المساعدة على هذا النجاح هو شجاعة فرسان الهمامة و حنكتهم الحربية و بالأخص موقف الأهالي من المستعمر حيث يقر arbez في تقريره " لازلنا بالنسبة لهؤلاء الأهالي العدو الواجب مقاومته حتى يطرد من بلادهم .."
و على إثر عجز القبائل التونسية على مقاومة الجيش الفرنسي قرر الهمامة إحداث فراغ حول هذه السلطة المستعمرة و ذلك بالهجرة الجماعية لإيالة طرابلس إذ بلغ عدد اللاجئين سنة 1882 قرابة 50 ألف نسمة . و لكن سرعان ما عادوا إلى مواطنهم بعد قبولهم بالشروط المجحفة التي وضعتها السلطة الاستعمارية للحصول على الأمان و أهمها دفع غرامة تتمثل في الأداءات على الفترة التي قضاها طالب الأمان في طرابلس و التخلي نهائيا على المطالبة بالأراضي التي صادرتها السلط الفرنسية أو أطراف أخرى و عدم مطالبة السلط بأي تعويض على الأضرار التي لحقته أثناء الانتفاضة ..
الهمامة
هي أكبر القبائل التونسية عددا ( أكثر من 50 ألف نسمة ) و أشدها بأسا. تسيطر على المجال الممتد بين قفصة و مجال المثاليث و جلاص، جنوب الفراشيش و ماجر حتى حدود منطقة الجريد حسب توصيف بيليسي.
و هي ذات أصول عربية قدموا إلى إفريقية ضمن الزحف الهلالي خلال القرن 11م، و لكن لم تذكرها المصادر ضمن القبائل الهلالية أو السليمية و من المرجح أن يكون الهمامة أثناء الغزو الهلالي أسرة أو فخذا لم تتحول بعد إلى قبيلة ، واصلوا طريقهم غربا حيث استقروا في البداية في المغرب الأقصى ثم عادوا إلى تونس في القرن 16م و استقروا في ربوع قفصة ، و صادفت عودتهم انتصاب الأتراك بالبلاد التونسية ، ومنذ تلك الفترة بدأ تداول اسم الهمامة كقبيلة فاعلة في البلاد .
و المتداول أن الهمامة من القبائل السليمية كما أشار إلى ذلك المرزوقي، وهناك من يرى أنها من القبائل الهلالية و بالتحديد من رياح و لكن المرجح حسب رأينا هو أنهم ينحدرون من بني همام بن مرة بن ذهل بن شيبان الذين جاوروا بني هلال في الصعيد المصري و رافقوهم في زحفهم على إفريقية كما ذكر القلقشندي في كتابه " نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب ". و رغم الاختلاف في نسب الهمامة إلا أن الاتفاق حاصل حول أصولها العربية.
تنقسم هذه القبيلة إلى 3 عروش كبرى تتوزع كالتالي :
* أولاد عزيز: في الجنوب الغربي لبلاد قمودة و بلاد الهيشرية و بلاد الرقاب و يتفرعون إلى
أولاد عبد الكريم – فطناسة ( هاجرت من الجنوب بالتحديد "توزر" إلى بلاد باجة في الشمال و يبدو أنهم من بقايا قبيلة فطناسة البترية البربرية انضموا لاحقا إلى الهمامة ) – الردايدية – أولاد بالهادي – أولاد مبارك – أولاد محمد – البدور – الوذانية – أولاد يحي – أولاد ثليجان ( انتقلوا إلى ناحية زغوان )
* أولاد رضوان : شمال غربي بلاد قمودة الخصبة و جزء من بلاد الهيشرية و الحنية و يتفرعون إلى أولاد مسعود – الحرشان – أولاد سيدي سليمان و خليفة بن عرفة – أولاد عكريم – القمامدية – أولاد سلامة – أولاد ساعي – أولاد محمد بن خليفة – أولاد عمارة – أولاد مبارك – أولاد منصر – النوايل – أولاد سي بالقاسم بن نصيب – أولاد موسى بن رضوان – أولاد علي بن تليل – المليكات – أولاد يوسف – أولاد أحمد – أولاد بو علاق – الخدمة – الحوامد – أولاد عبيد – أولاد محمد – أولاد شابو – العمايمية – أولاد بية
* أولاد معمر : ببلاد عمرة على مشارف قفصة و كذلك ببلاد السقي و الصحراء أو بلاد الطرفاوي الممتدة من الجنوب الغربي لمدينة قفصة حتى الشمال الشرقي لبلاد الجريد ويتفرعون إلى
أولاد بو يحي – العكارمة ( القوادر و الشرطان ) – المقادمية – أولاد زيد – أولاد دلال – الزعابطية – المداعسة – الهناشرية – النجايمية – أولاد العابد – أولاد وهيبة – أولاد شريط – الخمايلية – أولاد خميلة – أولاد عمران – السواعي – أولاد عليم
ازدادت هذه القبيلة قوة و بأسا بعد العودة إلى المناطق المحيطة بقفصة و ذلك باندماج و انصهار الجموعات التي تمثل السكان الأصليين بالمنطقة مثل القمامدة و الحوامد و أولاد سيدي بوزيد و فطناسة.. و الجبالية المتمركزون في المناطق الجبلية كالعيايشة و بوسعد و بوعمران و السند.
اشتهر الهمامة بالفروسية و شدة البأس، و يروى أنهم كانوا يدربون أطفالهم في سن مبكرة على ركوب الخيل و القتال، و يتمتعون بسمعة سيئة لدى السلطة المركزية و جميع القبائل و المدن المجاورة . فهي قبيلة تعتمد النهب و السلب و الإغارة على القبائل الأخرى ونهب القوافل ومخزن الجباية المتجهة إلى تونس.وصفهم بيليسي بقطاع طرق إذ يقول " هؤلاء الأهالي رغم ضعفهم فإنهم مشاغبون قطاع طرق و خاصة الهمامة المعروفين بذلك . و حسب ما شاهدته فهم كذلك و قد وصل بهم الأمر إلى نهب جنود المشاة النظاميين ..". و يذكر أن غارتهم امتدت إلى صفاقس ( حيث كانوا يقطعون الطريق بين قفصة وصفاقس ) والساحل وسوسة .
يقوم نمط عيش هذه القبيلة البدوية أساسا على تربية الماشية و تتصرف في ثروة حيوانية هامة بالمقارنة مع القبائل المجاورة و لا ينافسها في ذلك إلا قبيلة جلاص . و عموما كان الهمامة يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة بمجالهم القبلي الشبه الصحراوي ، و للتغلب على هذه المصاعب ارتأوا عدة حلول منها
• الهطايا : وهي انتقال بعض العشيرة أو كلها صيفا إلى افريقية أو منطقة خصبة أخرى للحصاد مقابل الحبوب.
• الخرافة : وهي انتقال بعض العشيرة أو كلها خريفا إلى الجريد لجني التمور مقابل نسبة من المحصول أو إلى الشمال حيث يكثر فيها ثمر الصبار "الهندي" و هو ما يوفر مخزونا هاما من العلف لماشيتهم .
• التجارة : مقايضة التمر بالقمح لدى أهل افريقية و الجراد الناضج بالتمر لدى أهل الجريد أو جلب الدخان و الأسلحة من سوف (بالجزائر ) وبيعهما في الجريد وقفصة والبوادي.
• الامتناع عن دفع الجباية: أو دفعها مواشي أو المماطلة في الدفع.
• النهب و السلب و الغارات : فميعاد الهمامة كثيرا ما يطلب من القايد أن يمهلهم في دفع الجباية حتى ينهبوا و يغزوا .
شكلت هذه القبيلة عبر التاريخ الحديث مخزونا بشريا تعتمد عليه سلطة البايات عند الضرورة باعتبارها قبيلة مخزنية تنتمي للصف الحسيني ، فقد كانوا رجال الباي و سيفه منذ قيام الدولة الحسينية و بعد انقسام البلاد صفين متعاديين باشي و حسيني . و هو ما جعلها في صراع مع القبائل الباشية مثل ماجر و الفراشيش و بني زيد بحكم التجاور الجغرافي لهذه القبائل و ما يولده من صراع على المراعي و الأراضي الخصبة و نقاط المياه و سطو متبادل على المواشي التي تمثل المصدر الرئيسي للدخل بالمنطقة .
وفي النصف الأول من القرن 18 م بدأ تداول لفظ " الهمامة " على نطاق واسع لأسباب لعل أهمها"حسينيتها" فقد كانت من أهم القبائل المخزنية التي توفر المزارقية لمحلة الباي وكان لهم مكانة هامة لدى البايات الحسينيين، إذ تغافلت السلطة في بعض الأحيان عن تجاوزات الهمامة وإغارتهم على القبائل المجاورة وفي بعض الحالات ينحازون إليهم خاصة إذا كان الطرف الآخر من المحسوبين على الشق الباشي مثلما وقف الباي إلى جانب الهمامة في نزاعهم مع الفراشيش و ماجر حول سهل " قمودة ".
أبو حمزة حاتم غير متواجد حالياً الصراع حول سهل قمودة مع الفراشيش و ماجر
تعددت المواجهات المسلحة بين الهمامة الشماليين ( أولاد عزيز و أولاد رضوان ) من جهة وفرق أولاد مهنى من ماجر و أولاد عسكر من الفراشيش ، و تمحورت هذه المواجهات حول سهل " قمودة " الذي يعتبر أهم سهل رسوبي بمنطقة السباسب الوسطى، و قد امتد هذا الصراع على مدى قرن من الزمن.
و قد حاول كل من الهمامة و ماجر تبرير أحقيته في ملكية الأراضي المجاورة له إذ يروي أولاد عزيز من الهمامة أن الجد المؤسس "عزيز" بعد بسط نفوذه على كل من فطناسة و صبريّة في القرن 16م، قرر الالتحاق ببقية عروش الهمامة بالمناطق الشمالية و لأجل ذلك خاض صراعات مع عروش الفراشيش و ماجر الجنوبيين و هجّرهم من عدة مناطق لعل أهمها على الإطلاق سهول " الهيشرية " و أسكن أحفاده بالجهة الخصبة شمال وادي اللبن . وبينما تروي عروش ماجر أن مجالهم القبلي كان يمتد إلى جهات الرقاب والمكناسي جنوبا و يلامس مجالات قبائل نفات و المثاليث و بني زيد بالسباسب السفلى، و إسنادا إلى هذه الرواية تصبح سهول كل من قمودة و الهيشرية و عين رباو و هنشير الحمراء تابعة لمجالهم و قد وقع تهجيرهم بالقوة زمن عودة الهمامة من المغرب و تأسيسهم لمجالهم زمن قوة القبيلة. و مما يسمح بقبول هذه الرواية وجود عدة زوايا تابعة لماجر بمجال الهمامة وهي زاوية " إبراهيم الزاير " بالرقاب و زاوية " بودخان " جنوب شرقي الهيشرية و زاوية " أحمد بن عليّة الماجري " بالمكناسي و زاوية " سالم بن نومة " بقمودة .
مراحل الصراع
* الصراع الأول 1759/1762 كان في فترة انتفاضة إسماعيل بن يونس بن علي باشا و دار بين عروش أولاد عزيز و أولاد رضوان من جهة و فرق أولاد خلفة و تاغوت و أولاد عسكر من جهة ثانية. و يبدو أن ماجر و الفراشيش قد استغلت هذا الحدث السياسي و ما نتج عنه من ضعف السلطة المركزية و قبائل المخزن المتحالفة معها و منها الهمامة وتوظيفه لمحاولة توسيع مجالاتهم الجنوبية في الاتجاه " قمودة " و " الهيشرية " و " عين رباو " غير أن الهمامة الحسينيين سيستعيدون السهول بالقوة بعد إخماد ثورة إسماعيل بن يونس من قبل علي باي سنة 1762 . و يذكر حمودة بن عبد العزيز صاحب " الكتاب الباشي " أن مزارقية الهمامة المشاركين في محلة علي باي لعبوا دورا رئيسيا في إلحاق الهزيمة بإسماعيل و معاقبة بعض عروش ماجر والفراشيش.
* الصراع الثاني 1791/1798 عاد الصراع بعد 30 سنة من الهدوء النسبي بين الهمامة و فريق أولاد مساهل من ماجر هذه المرة بقيادة عامر بن شريفة الفرجاني و حامد بن شريفة الفرجاني. و قد امتد الصراع حوالي 7 سنوات و كان هذا الصراع الأهم من حيث الامتداد الزمني و حصيلة الضحايا من الجانبين و في الأخير تدخلت السلطة المركزية لفض الصراع و سلط حمودة باشا خطايا مالية و عينية ثقيلة على ماجر والفراشيش و خاصة على فريق أولاد مساهل و ذلك بدعوى" وقوع الفساد و الهرج في البلاد" و تعديهم على سهل قمودة .
و شهد هذا الصراع تدخل العديد من القبائل و ذلك ضمن تحالفات تعتمد الصفوف أي الصف الحسيني الذي يمثله الهمامة وحلفائها ضد الصف الباشي الذي يمثله ماجر و الفراشيش و حلفائهم.
• حلف الهمامة : تَعِدُّ الهمامة في أواسط القرن 19 حوالي 50 ألف نسمة و يتضخم صفهم بانضمام جلاص التي تُعَدُّ من أكبر القبائل التونسية في نفس الفترة الزمنية ( حوالي 60 ألف نسمة ) وفي صورة انضمام عروش ونيفة و ورغمة إليهم فإن هذا التحالف يتجاوز 100 ألف نسمة
• حلف ماجر و الفراشيش : لا يقل الوزن الديمغرافي و العسكري الذي يمثله الفراشيش و ماجر على المجموعة الأولى . فالفراشيش يعدون في نفس الفترة حوالي 47 ألف نسمة و أما ماجر فيبلغون قرابة 42 ألف نسمة و في صورة انضمام أولاد عيار الذي يبلغ عددهم 24 ألف نسمة و ورتان و بني زيد فإن العدد الجملي لهذا التحالف يتجاوز هو أيضا 100 ألف نسمة.
توزعت علاقة الهمامة بالسلطة المركزية بين الولاء و المناهضة ، فهي ملتزمة بالدفاع عن نظام البايات غير أنها كثيرا ما تقوم بأعمال الإغارة على المراكز الحضرية و القبائل المجاورة و التهرب من دفع الضرائب و الخروج عن الطاعة في الأوقات العصيبة .و هو ما يجعلنا نتساءل عن مدى ولاء الهمامة للأسرة الحسينية ؟ و يجيبنا عن هذا السؤال الأزهر الماجري الذي يرى أن الهمامة لم يكونوا لا حسينيين و لا باشيين و لكنهم ساندوا أبناء حسين بن علي كرد فعل على سياسة علي باشا تجاههم . فعروش الهمامة لم تكن كلها حسينية الانتماء خلال الصراع الحسيني- الباشي ( 1735_1740)، غير أن سياسة علي باشا الزجرية تجاههم خصوصا بعد الانتفاضة الكبرى للهمامة في وجهه سنة 1750 بسبب سياسة المشترى التي فرضها على المنتجين ( تسليم الحبوب و غيرها من المحاصيل المطلوبة في الأسواق الخارجية للبايليك مقابل سعر بخس ) و كذلك الملاحقة و التشريد التي تلت انتفاضة ابنه يونس سنة 1752 الذي وجد مساندة من بعض عروش الهمامة ، هي التي جعلتهم ينحازون لأبناء حسين باي عند عودتهم من الجزائر سنة 1756 . فالهمامة لم يكونوا حسينيين قبل هذا التاريخ ، فقد أشار المخبر محمد الصغير بن يوسف إلى أن البعض من فرق الهمامة كانوا يسخرون من الباي حسين بن علي و يطلقون عليه اسم " بيّاع الملح " تهكما ، بعد أن احتكرت السلطة تجارة الملح إلى جانب عدة منتوجات إستراتجية مثل الحبوب و الزيوت و الجلود.
و مع زحف الجيوش الفرنسية على البلاد سنة 1881 و تخاذل الباي انقلب الهمامة ضد سلطة العائلة الحسينية معلنة العصيان و انضمت بكل عروشها إلى المقاومة المسلحة للغزاة . و قد عرفت مقاومة هذه القبيلة تنظيما محكما حيث بدأت بتوحيد عروشها ثم انتقلت إلى التوحد و التنسيق مع القبائل الأخرى و خاصة جلاص. أما في ساحة المعركة فقد تميزت باعتماد فرسانها على أسلوب حرب العصابات و هي الطريقة التي أثبتت نجاعتها تاريخيا عندما تختل موازين القوى .
بدأت استعدادات الهمامة لمواجهة الجيوش الفرنسية بعقد اجتماعات عديدة كان الهدف منها التنسيق و التشاور بين مختلف عروش القبيلة و القبائل الأخرى . و ترأس هذه الاجتماعات القايد أحمد بن يوسف الذي وصفه كاتب التقرير حول الهمامة arbez بالموحد الأساسي لعروش الهمامة في هذه الانتفاضة . و كان أهم اجتماع انعقد بوطن أولاد رضوان و قد حضره عدد كبير من الأهالي المسلحين و المستعدين للتحرك في أي لحظة للالتحاق بالميعاد الكبير بسبيطلة و الذي يعتبر أهم اجتماع على الإطلاق حيث تقرر أثناءه مقاتلة الغزاة و حضره العديد من الشخصيات مثل أحمد بن يوسف قايد الهمامة و الحاج حراث قايد الفراشيش و علي الصغير قايد الفواد و شقطمة من ماجر و محمد صالح دبيش قايد أولاد عيار و قايد ورتان و عدد من وجوه جلاص . و تمكن أحمد بن يوسف و الحاج حراث من إقناع المجتمعين باتخاذ قرار المقاومة منذرين القبائل الرافضة لهذا القرار بالإغارة و النهب . و وُزعت الأدوار و المهام بين مختلف الأطراف و ضُبطت الخطة التي بقيت سرا و لم تتوضح معالمها إلا على أرض الواقع ، و المتمثلة في توزيع المقاومين حسب مقاييس تأخذ بعين الاعتبار قرب القبائل من المنطقة التي سيحاربون فيها و معرفتهم لأرض المعركة و إمكانية النجاة عند الضرورة مما يدل على حنكة عسكرية متقدمة . فأُوكلت عملية الدفاع عن طريق تبسة – القيروان الذي سيسلكه الجنرال فورجمول إلى القبائل القريبة من هذه المنطقة و هي الفراشيش و ماجر و ونيفة و أولاد عيار و ورتان ، أما الهمامة فقد اتجهوا نحو فريقا لمناوشة الجيش الفرنسي باعتماد حرب العصابات . و بعد خروج فورجمول من تبسة باتجاه القيروان طلب أحمد بن يوسف من قبيلة الهمامة كافة رفع السلاح و التوجه نحو القصرين . و خاض الهمامة معارك ضارية ضد الجيش الفرنسي نذكر منها معركة سيدي المرغني بالروحية و معركة كدية الحلفاء التي برزت فيها حنكة الهمامة القتالية ، إذ استدرجوا العدو لإيقاعه في كمين و قد سرد المؤرخ الفرنسي بروش و وقائع هذه المعركة قائلا على الساعة التاسعة من يوم 25 أكتوبر تمكن 1000 عربي من التسرب إلى كتيبة فرنسية تضم 400 جندي و هاجموهم فجأة و قد رد الصف الأول من الكتيبة على هذا الهجوم كما قامت الأربعة فيالق التابعة لقناصة إفريقيا برد الفعل شاهرين سيوفهم و في الأثناء تبخر المتمردون فتبعهم الجيش الفرنسي عندئذ وجد نفسه أمام 3000 فارس من جلاص يعاضدهم 500 من المشاة و أصبح الفرنسيين محاصرين غير قادرين على التراجع إلى الوراء فسقط منهم 20 رجلا أما المقاومون فقد فقدوا بعض الرجال و جرح البعض الآخر و رجع الهمامة و معهم أحمد بن يوسف ..
و الجدير بالملاحظة أن هذا التراجع نفسه خضع إلى تخطيط مسبق إذ بقي عدد قليل من المقاتلين قرابة 40 فارس يناوشون العدو لحماية الجيوش المتراجعة .
و بعد سقوط المدينة الرمز القيروان و نظرا لاختلال موازين القوى و عدم وصول نجدة الباب العالي ، تراجع المقاومون نحو الجنوب في اتجاه طرابلس . و بدأ يدب اليأس في صفوف العديد من الهمامة و يستسلمون للأمر الواقع طالبين الأمان ، و بذلك تشعبت الأمور أكثر إذ أصبح المقاومون مجبرين على مقاومة الاحتلال و المتخاذلين في الوقت نفسه . و يبدو أن هذا الأمر لم يزد الهمامة إلا إصرارا على مواصلة القتال بأكثر ضراوة معتمدين على حرب العصابات . و تحولت القيادة إلى علي بن ضو الذي كوّن مجموعات من المقاومين قامت بعدة عمليات ضد المتخاذلين و المتعاونين مما تسبب في انخرام الأمن في الجهة بأكملها ، ثم انتقلوا إلى نصب الكمائن للقوات الفرنسية في مناطق متفرقة مثل الرقاب و قمودة . و تؤكد هذه العمليات الجريئة مدى قدرة الهمامة على الصمود سنتين في وجه أقوى جيوش العالم آنذاك ، و لعل من العوامل المساعدة على هذا النجاح هو شجاعة فرسان الهمامة و حنكتهم الحربية و بالأخص موقف الأهالي من المستعمر حيث يقر arbez في تقريره " لازلنا بالنسبة لهؤلاء الأهالي العدو الواجب مقاومته حتى يطرد من بلادهم .."
و على إثر عجز القبائل التونسية على مقاومة الجيش الفرنسي قرر الهمامة إحداث فراغ حول هذه السلطة المستعمرة و ذلك بالهجرة الجماعية لإيالة طرابلس إذ بلغ عدد اللاجئين سنة 1882 قرابة 50 ألف نسمة . و لكن سرعان ما عادوا إلى مواطنهم بعد قبولهم بالشروط المجحفة التي وضعتها السلطة الاستعمارية للحصول على الأمان و أهمها دفع غرامة تتمثل في الأداءات على الفترة التي قضاها طالب الأمان في طرابلس و التخلي نهائيا على المطالبة بالأراضي التي صادرتها السلط الفرنسية أو أطراف أخرى و عدم مطالبة السلط بأي تعويض على الأضرار التي لحقته أثناء الانتفاضة ..
منقول
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24473
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: دور قبيلة الهمامة في تاريخ تونس الحديث
حقا هي وثيقة نادرة ورائعة وفي غاية الاهمية وشخصيا لي معلومات جمة سأضيفها لتحصل الفائدة والله المستعان .....
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24473
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
أصول نسب 'الحجلاوي - مدينة سيدي بوزيد
السلام عليكم، الرجاء من كل من له معلومات عن أصول نسب 'الحجلاوي' الذين آستقروا منذ القرن 19 في شمال مدينة سيدي بوزيد. المتأكد أن هذا اللقب يرجع إلى "الحاج علي" الذي يرجع بدوره إلى "أولاد همام"..السؤال المطروح هل من الممكن أن نعرف شجرة النسب؟؟؟ لأن فيما بعد، سيصبح سهلا إيجاد نسب أولاد همام في قبائل بنو هلال أو سليم...مع الشكر في إنتظار مساعدتكم
A.HAJLAOUI-
- عدد المساهمات : 3
العمر : 37
نقاط تحت التجربة : 8561
تاريخ التسجيل : 09/03/2013
مواضيع مماثلة
» الهمامة في تاريخ تونس
» أصول نسب 'الحجلاوي". قبيلة الهمامة - مدينة سيدي بوزيد
» يوم أسود في تاريخ تونس
» تاريخ تونس .. خصوصا في العهد العثماني الذي امتد من سنة 1574 إلى سنة 1881
» قبيلة الهمامّة
» أصول نسب 'الحجلاوي". قبيلة الهمامة - مدينة سيدي بوزيد
» يوم أسود في تاريخ تونس
» تاريخ تونس .. خصوصا في العهد العثماني الذي امتد من سنة 1574 إلى سنة 1881
» قبيلة الهمامّة
نسمة قفصية :: قسم قفصه :: قفصه عموما
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى