إعراب لا إله إلا الله
صفحة 1 من اصل 1
إعراب لا إله إلا الله
إعراب
لا إله إلا الله
تحقيق د/ حسن موسى الشاعر
تأليف ابن هشـام الأنصـاري
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية
مقدمة
لقد صنف علماؤنا القدامى كثيرا من الرسائل في بيان معنى لا إله إلا اللّه وفي إعرابها. وقد اطلعت في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة على عدد من الرسائل المخطوطة في ذلك، وهي:
- رسالة في إعراب لا إله إلا اللّه. لابن هشام الأنصاري. المتوفى سنة 761 هـ.
- رسالة في إعراب لا إله إلا اللّه. للزركشي المتوفى سنة 794هـ.
- رسالة في إعراب لا إله إلا الله. وتسمى التجريد في إعراب كلمة التوحيد لمصنفها علي بن سلطان القاري. المتوفى سنة 1014هـ.
- إنباه الأنباه على تحقيق إعراب لا إله إلا اللّه، لمصنفها إبراهيم بن حسن الكوراني، المتوفى سنة 1101هـ.
ولم يطبع من هذه الرسائل- فيما أعلم- سوى رسالة واحدة بعنوان "معنى لا إله إلا الله"للإمام الزركشي.
وهذه رسالة أخرى أقـوم بتحقيقها في إعراب لا إله إلا الله، منسوبة إلى ابن هشام الأنصاري، اطلعت عليها في قسم المخطوطات بمكتبة عارف حكمت، فرأيتها تشتمل على فوائد قيّمة وتوجيهات عديدة لم أجدها في غيرها من المصنفات. وهذا ما دعاني إلى الاهتمام بها وتحقيقها، على الرغم من أنها نسخة فريدة.
وقد عانيت كثيراً في إقامة النص، وتقويم العبارات المضطربة، وشرح الوجوه المختلفة، ونسبة الآراء إلى أصحابها. ولا أدّعي الكمال في ذلك، وحسبي أنني بذلت جهدي.
واللّه أسأل أن يوفقنا ويسدد خطانا، ويهدينا سواء السبيل، والحمد للّه رب العالمين.
ابن هشام الأنصـاري
هو أبو محمد عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري جمال الدين المشهور بابن هشام [1] .
ولد في القاهرة خامس ذي القعدة سنة 708 هـ، وتلقّى على عدد من علماء عصره، حتى فاق أقرانه، وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم.
قالت ابن خلدون: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه".
وقد ترك ابن هشام عددا من المصنفات ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود، ومن أشهر مصنفاته: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، شرح شذور الذهب، شرح قطر الندى، شرح اللمحة البدرية، التذكرة.
وقد توفي ابن هشام ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة 1 6 7 هـ. رحمه اللّه.
نسبة هذه الرسالة إلى ابن هشام:
اطلعت على هذه الرسالة، منسوبة إلى ابن هشام، في مخطوطة فريدة، بمكتبة عارف حكمت، برقم (88) مجاميع. وقد ورد في هذه المخطوطة نسبتها إلى ابن هشام مرتين، مرة في العنوان، ومرة في مقدمة الرسالة.
ولم أجد أحدا ممن ترجم لابن هشام ذكر له هذه الرسالة، ولم أعثر على نسخة أخرى تؤكد نسبتها إليه.
ولكّن الدكتور علي فودة نيل يؤكد نسبتها إلى ابن هشام للأسباب التالية: (ملخصة):
1- أن ما جاء في مقدمتها من قول المؤلف "أما بعد حمد اللّه..."هو المألوف في تقديم معظم مصنفاته.
2- أن منهج التأليف في هذه الرسالة من العرض الشامل للآراء المختلفة ومناقشتها لبيان الراجح والمرجوح شبيه بمنهج ابن هشام.
3- أن بعض ما ذكر في هذه الرسالة من آراء مذكور في كتاب المغني.
4- أن الاعتـداد في هذه الرسالة بآراء بعض العلماء السابقين، كابن عمرون، ملحوظ في بعض رسائل أُخر لابن هشام [2] .
ومما يقوي نسبتها إلى ابن هشام أنها ضمن مجموعة من الرسائل مكتوبة بخط عالم مشهور، هو العلامة محمد بن أحمد بن علي البهوتي الشهير بالخلوتي، وهو فقيه حنبلي مصري توفي سنة 1088 هـ [3] .
وعلى الرغم من قوة الأسباب التي تنسب هذه الرسالة إلى ابن هشام، فإنّي لست على ثقة من نسبتها إليه، ومما رابني في ذلك أمور، منها:
1- أن هذه الرسالة لم ترد في مصنفات ابن هشام، ولم يذكرها أحد ممّن ترجم له.
2- أن هذه الرسالة تشير إلى علاقة طيبة بين مصنفها وأبي حيان النحوي الأندلسي المشهور. فقد قال فيها المصنف: "وكنت عرضت هذا النظر على شيخنا أبي حيان، فقال...".
ومن المعروف أن ابن هشام لم يكن على وفاق مع أبي حيان، بل كان كثير المخالفة له، شديد الانحراف عنه [4] .
ومهما يكن من أمر فستبقى هذه الرسالة تذكر لابن هشام حتى يثبت خلاف ذلك بأدّلة قاطعة. واللّه أعلم.
موضوع الرسالـة
هذه رسالة قيّمة تكتسب قيمتها من أهمية الموضوع الذي تعالجه، وهو إعراب الاسم الواقع بعد إلا من كلمة التوحيد، في قولنا: "لا إله إلا اللّه".
وقد ذكر المصنّف في هذه الرسالة جواز الرفع والنصب في الاسم الواقع بعد "إلا"من كلمة التوحيد، فقال: يجوز الرفع فيما بعد إلا والنصب. والأول أكثر، نص على ذلك جماعة منهم العلامة ابن عمرون في شرحه على المفصّل. وظاهر كلام ابن عصفور والأبذيَ يقتضي أن النصب على الاستثناء أفصح، أو مساو للرفع على بعض الوجوه...
وقـد فصّـل المصنّف كثيرا في بيان أوجه الرفع والنصب، مع المناقشة والاستدلال والترجيح، فذكر للرفع ستة أوجه وللنصب وجهين. وهذا موجز للأوجه المختلفة:
فأما الرفع فمن ستة أوجه، وهي:
1- أن خبر "لا"محذوف، و"إلا الله"بدل من موضع لامع اسمها، أو من موضع اسمها قبل دخولها. وهذا هو الإعراب المشهور لدى المتقدمين وأكثر المتأخرين.
2- أن خبر لا محذوف، كـما سبق، والإبدال من الضمـير المستكن فيه. وهـذا الإعراب اختاره بعض.
3- أن الخبر محذوف أيضا، و"إلا اللّه "صفة لـ "إله"على الموضع، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".
4- أن يكون الاستثناء مفزعا، و"إله"اسم "لا"بني معها، و"إلا اللّه"الخبر. وهذا الإعراب منقول عن الشلوبين، ونقله ابن عمرون عن الزمخشري.
5- أن "لا إله"في موضع الخبر، و"إلا اللّه"في موضع المبتدأ. وهذا الإعراب منسوب للزمخشري.
6- أن تكـون "لا"مبنية مع اسمهـا، و"إلا الله"مرفوع بـ "إلـه"ارتفاع الاسم بالصفة، واستغني بالمرفوع عن الخبر، كـما في مسألة: ما مضروبٌ الزّيدان، وما قائِمٌ العَمْران.
وأما نصب ما بعد "إلا"فمن وجهـين:
1- أن يكون على الاستثناء، إذا قدر الخبر محذوفا، أي لا إله في الوجود إلا اللّه عز وجل.
2- أن يكون الخبر محذوفا، كـما سبق، و"إلا اللّه" صفة لاسم "لا"على اللفظ، أو على الموضع بعد دخول "لا"لأن موضعه النصب.
ثم ختم المصنف الرسالة بقوله: وقد تلخّـص في "لا إله إلا اللّه"عشرة أوجه، غير أن في البدل من الموضع إما من موضع اسم لا قبل الدخول، وإما من لا مع اسمها، فيتقدر سبعة. والنصب من وجهين إلا أن في وجه الصفة إما أنه صفة للفظ اسم لا إجراء لحركة البناء مجرى حركة الإِعراب، وإما أن يكون صفة لموضعه بعد دخول لا، فيتقدر ثلاثة مع السبعة، فتلك عشرة كاملة. والذي في كلام ابن عصفور من ذلك أربعة أوجه، وهو أكثر من وسع في إلا من الأوجه...
دراسة للاسم الواقع بعد إلاّ في الشواهد اللغوية
بعد الفراغ من تحقيق هذه الرسالة، قمت بدراسة وصفية، تتبعت فيها ما أمكن من الشواهد اللغوية لحالات الاسم الواقع بعد إلا، في نصوص القرآن الكَريم والحديث النبوي والشعـر العربي التي جاءت على نمط "لا إله إلا الله"، للمقارنة بين الواقع اللغوي لهذه النصوص، وما ورد في هذه الرسالة من جواز الرفع والنصب، فكانت النتيجة أن رفع الاسم الواقع بعد إلا هو الفصيح الغالب في اللغة، بل لم يرد في القرآن الكَريم والحديث النبوي غيره، وأما النصب فقد ورد في بعض الأبيات الشعرية على قلّة.
وقد جاءت الدراسة على النحو التالي:
(1) في القرآن الكريم : تتبعت الآيات القرآنية التي وردت فيها "لا إله إلا الله"أو ما كان على وفق هذا الأسلوب، فوجدتها كلها جاءت برفع الاسم الواقـع بعد "إلا"، ولم تأت قراءة واحدة، ولو شاذة؟ بالنصب.
وهذه هي الآيات مع السور التي وردت فيها في القرآن الكريم:
أ- {لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه} : الصافات (35)، محمد (19).
ب- {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} : البقرة (163 ، 255)، آل عمران (2، 6، 8 1)، النسا ء (87) والأنعـام (102 ، 106)، الأعراف (158)، التوبـة (31، 129)، هود (14)، الرعد (30)، طه (8، 98)، المـؤمنـون (116)، الـنـمـل (26)، القصص (0 7، 88)، فاطر (3)، الزمر (6)، غافر (3، 62، 65)، الدخان (، ا لحشر (22، 23)، التغابن (13)، المزمل (9).
جـ_ {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا} : النحل (2)، طه (14)، الأنبياء (25).
د- {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ} : الأنبياء (87).
هـ _ {فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} : الأنعام (17)، يونس (107).
ق قال أبو جعفر النحاس في قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [5] : ويجوز في غير القرآن: لا إله إلا إياه، نصب على الاستثناء [6] .
وكرر هذه العبارة بعينها القرطبي عند حديثه عن هذه الآية [7] .
وقال الزجاج [8] : ولو قيل: لا رجل عندك إلا زيداً جاز. ولا إله إلا اللّهَ جاز. ولكن الأجود ما في القرآن، وهو أجود أيضا في الكلام. قال اللّه عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [9] . فإذا نصبت بعد إلا فإنما نصبت على الاستثناء.
(2) في الحديث النبـوي:
وردت كلمة الشهادة (لا إله إلا اللّه) في مواضع كثيرة من الحديث، وجاءت كلها بالرفع، ومن ذلك:
أ- في صحيح البخاري، ومعه فتح الباري (1/103)، (129).
ب- في صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 183)، (188)، (197)، (206).
جـ- ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الإِقامة إلا المكتوبة".
قال أبو البقاء العكـبري [10] : الوجه هو الرفع على البدل من موضع لا، والنصب ضعيف، وقد بين ذلك في مسائل النحو، ومثل ذلك: لا إله إلا اللّه.
د- وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا شفاءَ إلا شفاؤك".
قال العكبري [11] : "شفاؤك"مرفوع بدلا من موضع "لا شفاء"ومثله لا إله إلا اللّه.
(3) في الشـعر:
أ- قال الشنفري في لا ميّته:
نصـبـت له وجـهـي ولا كِنّ دُونَـهُ ولا سترَ إلا الأتْحَمِـيُّ المُـرَعْـبَـلُ [12]
قال الزمخشري [13] : "كّن"مبنية مع لا لتضمنها معنى من المقدرة بعد لا. ودونه: في موضـع رفـع، أي لا كنّ استقر دونـه، وهو خبر لا... والأتحمي: بدل من موضع لا واسمها، لأن موضعهما رفع على أنه مبتدأ. وهو مثل قولنا (لا إله إلا اللّه)، كأنه قال: اللّه الإله.
وقال أبو البقاء [14] : الأتحمي: بدل من موضع لا واسمها. لأن موضعها رفع، ومثله قولنا (لا إله إلا اللّه).
ب- وقال الشاعرِ:
إلاّ الضَّـوابِـحَ والأصْـداءَ والبُـومـا [15] مَهـامِـهـاً وخروقـاَ لا أَنـيسَ بها
جـ- وقال آخـر:
أمـرتـكـمُ أمـري بمُنـعَـرجِ الـلّوي ولا أَمْـرَ لِلْمَـعصيِّ إلاّ مُضَـيَّعـاَ [16]
هذان البيتان استشهِـد بهما الرضي [17] على أن النصب بعد إلا فيهما قليل، كـما في قولك: لا أحد فيها إلا زيداَ.
واستشهد سيبـويه بالبيت الثاني منهـما على أن "مضيعـا"نصب على الحال. قال سيبويه [18] كأنه قال: للمعصي أمرٌ مُضَيَّعاَ. كـما جاء: فيها رجلٌ قائماً. وهذا قول الخليل رحمه اللّه. وقد يكون أيضاً على قوله: لا أحد فيها إلا زيداً.
قال ابن السيرافي [19] : يريد أن "مضـيَّعا"قد ينتصب أيضا على غير وجه الحال، على أن يكون مستثنى من "أمر"في قوله "ولا أمر"، كـما استثني زيد من رجل، في قوله: لا رجل فيها إلا زيدا. وكأنه قال: ولا أثر للمعصي إلا أمراً مُضيعا، فحذف المنعوت وقام النعت مقامه.
و وقوال الأعلم [20] (1): ونصف "مضيعا"على وجهين: أجودهما الحال، وحرف الاستثناء قد يدخـل بسم الحـال وصاحبها... والوجه الآخر أنه نصب على الاستثناء بعد النفي، والوجه البدل من موضع لا، كـما أن الرفع على البدل من موضع لا في (لا إله إلا اللَّهُ) أقوى من النصب بالاستثناء.
نسخـة الرسالـة الخطيـة
لهذه الرسالة نسخة خطية فريدة تقع في اثنتي عشرة صفحة، ضمن مجموع يضم 15 رسالة بمكتبة عارف حكـمت برقم 88 مجاميع. وهي الرسالة التاسعة في المجموع، وتقع من ورقة 29- 34. وقد كـتبت بخط نسخي عادي، بخط العلامة محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي الشهير بالخلوتي. وفي الصفحة نحو 27 سطرا وفي السطر 10 كـلمات تقريبا.
وقد ورد في آخر الرسالة الأولى ورقة 3: وعلقه لنفسه أفقر العباد، وأحوجهم إلى عفو ربه العلي محمد بن أحمد البهوتي الحنبلي، في يوم الجمعة المبارك ثاني عشر ذي القعدة من شهور سنة 1038 من الهجرة النبوية.
والنسخـة كاملة واضحة، ولكنها لا تخلو من التحريف والاضطراب والغموض في بعض المواضيع.
وقـد عملت على خدمـة النصر وضبطه وتوثيق محا شيه، والتعليق عليه، ما أمكن، لتوضيح الجوانب الدقيقة لكل مسألة.
وباللّه التوفيق، والحمد للّه أولا وآخرا.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وبه ثقـتي
قال الشيخ العلامة جمال الدين [ عبد الله بن] [21] يوسف بن هشام الأنصاري، رحمه اللّه تعالى، ونفعنا بتحقيقاته:
أما بعد حمد اللّه، والصلاة على رسوله محـمّد، صلى الله عليه وسلم، فهذه رسالة كـتبتها في إعراب لا إله إلا الله [22] سألني في وضعها بعض الأصحاب، فأجبته مستمداً من الكريم الوهاب.
[جواز الرفع والنصب في الاسم الواقع بعد إلاّ]:
يجوز الرفع فيما بعد إلا، والنصب. والأوّل أكثر [23] .
نص على ذلك جماعة منهم العلاّمة محمد بن [محمد]بن عمرون [24] في شرحه على المفصّل. وظاهر كلام ابن عصفـور [25] والأبـذي [26] يقتضي أن النصب على الاستثناء أفصح [27] ، أو مساو للرفع على بعض الوجوه، كـما سيأتي تقريره.
[أوجـه الرفـع]:
فأما الرفع فمن ستة أوجه:
أولهـا: أن خبر "لا"محذوف، و"إلاّ اللّه"بدل من موضع لا مع اسمها، أو من موضع اسمها قبل دخولها. وقع للنحويين الحَمْلان.
وهـذا الإِعراب مشهـور في كلام جماعة من أكابر هذه الصناعة، قيل أطبق عليه المعربون من المتقدمين وأكثر المتأخرين [28] .
قلت: وقد استشكل من قاعدة أن البدل لا بد أن يصحّ إحلاله في محل المبدل منه، وهو على نيِّة تكرار العامل. ولا يصحّ تكرار "لا"لو قلت: إلا عبد الله في قولك: لا أحد فيها إلا عبد الله. لم يجزْ.
وأجاب الشلوبين [29] بأن هذا في معنى، ما فيها من أحدٍ إلاّ عبدُ اللّه، ويمكنك في هذا الإحلال [30] .
قال ابن عصفور، رحمه اللّه تعالى: وهذا الإشكال لا يتقرر، لأنه لا يلزم أن يحلّ "أحد"الواقع بعد إلاّ، إنـما يلزم تقدير العامل في المبدل منه، والعامل في المبدل منه الابتداء، فإذا أبدلت منه كان
مبتدأ، وخبره محذوف. والتقدير في "لا أحد فيها إلاّ عبد الله: لا فيها [ أحدٌ] إلا عبدُ الله [31] .
وهذا فيه تأمل يظهر بما ذكره النحويون، في مسألة (ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيءٌ لا يعبأ به) من أن "إلاّ شيء"بالرفع لا غير على اللغتين [32] .
أما عند بني تميم فلأنّ (بشيء) في محل رفع، وتعذّر حمله على اللفظ [33] لأن الباء لا تزاد في الإيجاب.
وأمـا عنـد أهل الحجاز فلأنهم وإن أعملوا ما، و"بشيء"في محل نصب عندهم، فإعمالها مشروط بعدم انتقاض النفي. فـما بعد "إلا"لا يمكن تقدير عملها فيه، والبدل على نية التكرار، ولذلك قال سيبويه [34] : وتستوي اللغتان [35] .
وقد زعم ابن خروف [36] أن مراده بالاستواء فيما قبل إلاّ وفيما بعدها من المستثنى والمستثنى منه.
قال ابن الضائع [37] : "وغلط الأستاذ أبو علي [38] في النقل عنه، فنقل الاستواء فيما بعد إلاّ، لا فيما بعد المجرور، حتى يرد عليه بأنه لا يجوز بدلا مرفوع من منصوب".
قال ابن الضائع: وعِندي أن القياس أن يبقوا على لغتهم في المجرور، وإلا كان يلزم الرفع في قولنا: ما زيدٌ قائـماَ بل قاعدٌ ، وكذا في لكنْ. ولم ينقل عن الحجازيين رجوعهم إلى اللغة التميمية في ذلك. وإنـما نقل عنهم الرفع فيما بعد بل ولكن على جهة الابتداء. [39] فهاهنا ينبغي أن يرجع فيما بعد "إلا"على النصب على الاستثناء. فقول سيبويه: استوت اللغتان في الرفع، ينبغي أن يحمل على ما بعد إلاّ. ولا حجة لهم في قول سيبويه: وصارت "ما"على أقيس اللغتين [40] ، فإنه يمكن حمله على ما بعد إلاّ، كما قالوا في: ما زيد إلا منطلق، رجعوا إلى اللغة التميمية.
ويقوّى أنه يريد ما بعد إلاّ، تقديره وقوله: كأنك قلت: ما زيد إلا شيء لا يعبأ به [41] .
وقـول الأستـاذ "لا يبـدل مرفوع من منصوب"، جوابه أن البدل هنا بالحمل على المعنى [42] . فإن الشرط في البـدل تقدير تكرار العامل، فإن العامل يتكرر على أن البدل مرفوع. ويظهر البدل هنا في أنه لا يعمل فيه اللفظ المتقدم العامل في المبدل منه، بل الابتداء قولهم "لا إله إلا اللّه"، ألا ترى أنه بدل على تقدير مالنا أو ما في الوجود. ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه، لأن "لا"لا تلغى إلا مكررة [43] . وكذا البدل هنا على تقدير: ما زيد إلا شيء. وكأن "ما"لها عملان، عمل فيما بعد إلا وهو الرفع، وعمل فيما قبلها وهو النصب، فترك الأول على أحد العملين، وحمل الثاني، وهو ما بعد إلا، على العمل الآخر. انتهى [44] .
وفي كلامه نظران:
الأول: قوله "ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه "ليس معنا في اللفظ إلاّ "لا" واحدة وهي عاملة. نعم إذا أعربناه على ما سبق بدلا نوينا تكرار لا، وانتفى عمل تلك المقدرة بالدخول على المعرفة. ومن أين لزوم التكرار لتلك المقدّرة. ولو قيل إنها تكررت في الجملة كان كافيا في جوابه.
الثاني : جعله باب "لا إله إلا اللّه "وباب "ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيء"سواء. ولقائل أن يقول بينهما فرق، بأن "اللّه "مرفوع بدلا من منصوب.
وقد يعتذر له عن الثاني بأن "إلا اللّه "بدل من موضع اسم لا، لا من "لا"مع اسمهـا [45] . بل لا يفتقر إلى ذلك جميعه، فإن العامل المقدر مع البدل هو الابتداء، وهو صالح للعمل في البدل والمبدل منه، كـما تقدم في كلام ابن عصفور.
وقد رأيت في المجد المؤثل مما كتبته على المفصّل [46] أن الرفع في "ما زيد بشيء إلا شيء"يحتمل [47] ثلاثة أوجه: إما البدل من جهة المعنى كـما سبق، وإما على موضع "بشيء" قبل دخول "ما"، و إما على أن الرفع في الثاني هو الرفع في الأول، لو اتصف الأول بصفته من الإِثبات. وشبهت ذلك بمسألة التنزيل في توريث ذوي الأرحام في الفرائض [48] ، أي إعطاء الذكر ما للأنثى التي أدلى بها [49] ، وبالعكس، مع مراعاة العدد منه نفسه، فليتأمل.
ثانيها: أن خبر "لا"محذوف، كـما سبق، والإبدال من الضمير المستكن فيه. وهذا لا كلفة فيه، واختاره بعض المتأخرين [50] .
ثالثها: أن الخبر محذوف كـما سبق، و"إلا اللّه "صفة لإله على الموضع [51] ، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".
ولا يستنكرون وقوع "إلا" صفة [52] ، فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [53] . ويصير المعنى: لا إلهَ غير اللّه في الوجود. وقد جاء {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [54] بالوصف، لكنّ الخبر المحذوف قدّره بعضهم "في الوجود"، وقدّره بعضهم "كائن"، وبعضهم "لنا".
قيل والتقديران الأولان أولى من حيث كونه أدل على التوحيد المطلق من غير تقييد. ولذلك جاء {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وأعقب بقوله {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [55] .
وقد يقال إذا قدِّر "لنا"فالمراد لنا أيها العالَم الذي هو كل موجود سوى اللّه عز وجل، فاتحدت التقادير [56] .
وقـد ردّ الإمـام فخر الدين [57] على من قدر الخبر "في الوجود"لأن هذا النفي عام
مستغرق، فتقييده بالوجود مخصص، فلا يبقى النفي على عمومه المراد منه، فلا يكون هذا إقرارا بالوحدانية على الإطلاق [58] .
قال الأنـدلسي [59] : "لا إلـه حقيقة إلا من له الخلق والأمر، لابد أن يكون موجودا فينعكس بعكس النقيض فـما ليس موجودا ليس بإله. والمراد بقوله "في الوجود"مسمى الوجود الصادق على العيني والذهني، فنفي الإله عن الوجود نفي لحقيقته".
وفي ريّ الظمآن [60] : "لا يتصور نفي الماهية عندنا إلا مع الوجود. هذا مذهب أهل السنة، خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود، والدليل يأبى ذلك".
رابعها: أن يكون الاستثناء مفرغا [61] ، و"إله "اسم "لا"بني معها، و"إلاّ اللّه "الخبر [62] .
و هذا منقول عن الشلوبيـن فيما علّقه على المفصل، ونقله عن الزمخشري [63] في حواشيه ابن عمرون، وإن كـان في المفصل قال غيره، وذهب إلى أن الخبر محذوف [64] .
ومقتضى كلام ابن خروف، على ما نقله عنه ابن الضائع قول الشاعر:
ألا طعـان ألا فُرسـانَ عاديةً ألا تجشّـؤُكم حوَلْ الـتـنَّـانـير [65]
من أنه أعرب ( إلاّ تجشؤكم) خبر لا، لكن ردّه عليه بوجهين، أحدهما: أن "لا"لا تعمل في الموجب. الثاني: أنها لا تعمل في الموجب مع المعرفة، وهما لازمان لإعراب "إلاّ اللّه "خبرا.
وفي الوجهين نظر، لأنّ "لا "عند سيبويه وجمهور البصريين [66] لا عمل لها في الخبر إذا بني الاسم معها.وقولك لا رَجُلَ حاضرٌ، بمثابة: هل مِنْ رجلٍ حاضر؟ الجواب كالسؤال.
واستدل لذلك ابن عصفور في شرحه للإيضاح بجواز حمل جميع التوابع لاسمها على الموضع قبل الخبر.
والقائل إن "لا"ترفع الخبر الأخفش [67] وتابعوه.
وبنى ابن عصفـور على الاختلاف جواز: لا رجـلَ ولا امرأة قائـمان. على القول
الأول، وامتناعه علىَ الثاني [68] . مع أن كلام أبي البقاء [69] في اللباب، وابن يعيش [70] في شرح المفصل ما يوهم أن خلاف سيبويه والأخفش في "لا"مطلقا المبني معها الاسم والمعرب، حيث عللا مذهب سيبويه بضعف عمل لا.
ولكن ابن مالك [71] في التسهيل [72] نقل الاتفاق على عمل "لا"في الخبر إذا كان اسمها معربا، واختار قوله الأخفش فيما إذا بني الاسم معها.
ورتب أبو البقاء على الخلاف أن قوله الشاعر:
فلا لَغْـوٌ ولا تأثـيم فيهـا ومـا فاهـوا به أبداً مُقـيم [73]
لا يحتاج إلى تقدير "فيها"عند سيبويه، بل الثابت "فيها"خـبر الاثنين، ويحتاج لتقدير "فيها"أخرى عند سيبويه في أحد قوليه، وعند الأخفش.
وكنت عرضت هذا النظر على شيخنا أبي حيان [74] فقال: كلام ابن الضائع محمول على مذهب من يرى أنها عاملة في الخبر مطلقا. ثم اعترض عليه من وجه آخر، وهو أنه يلزم أن تعمل "لا" [75] في المعرفة. وهذا إن تم به الاعتراض على الأخفش فسيبويه سالم منه، حيث يقول إن "لا"لا عمل لها في الخبر.
على أن ابن عمرون حين نقل هذا الإِعراب عن الزمخشري في الحواشي، ردّه بأن المعرفة لا تكون خبراً عن النكرة. فيقال له هذا لا يضر سيبويه إذا كان مع النكرة ما يسوغ الإخبار عنها، وهي متقدمة على المعرفة حفظا للأصول، وقد أعرب: كم جربيا أرضك؟ [76] مبتدأ مقدما وخبرا مؤخرا.
على أن ما ذكره ابن الضائع من أن "لا"لا تعمل في الموجب، قد يقال فيه إن تلك "لا"العاملة عمل ليس، من حيث إنها إنـما عملت للشبه بليس من جهة النفي، فإذا زال النفي زال الشبه فزال العمل. أما لا النافية للجنس فعملها إنـما هو بالحمل على إن، وهي للإثبات.
وقد قال العطار [77] في شرح الكراسة: إذا قلت "لا فيها رجل"رفعت على الابتداء لا غير، لأنه لا يتقدم خبر "ما"الحجازية، يعني "لا"العاملة عمل ليس. وإلا فالعاملة عمل إنّ امتناع التقديم فيها لأجل تركبها مع لا. وإن حملت كلامه على الإِطلاق، فالكلام معه كالكلام مع ابن الضائع.
وقد ردّ ابن الحاجب [78] على من جعل "إلا اللّه "خبرا. وسبق [79] إلى ذلك الأندلسي، قال: لأنه مستثنى من الاسم، ولا يجوز أن يكون المستثنى خبرا عن المستثنى منه، لأنه مبين له [80] . ويمكن أن يقال لا نسلّم أن الاستثناء إخراج من المحكوم عليه بل من الحكـم. سلّمنا أنه إخراج من المحكوم عليه، لكن المستثنى منه المحكوم عليه ليس اسم "لا"الذي أخبر عنه بـ "إلا اللّه"، إلا أنه حذف لقصد التفريغ وأقيم المستثنى مقامه، وأعرب بإعرابه.
وهـذا فرق ما بين الأقـوال السـابقة. وهذا حيث جعلنا الاستثناء فيها تاما، وهنا مفـرغا، مع أن الخبر وهو "موجود"فيهما محذوف. إلا أن ذلك حذف لمحذوف محكوم له بحكم الثابت، وهذا فيه حذف لمحذوف معرض عنه في الإعراب.
وقد ردّ أبو البقاء العكـبري هذا الإعراب أيضا في شرح الخطب النباتية، بأنه يلزم منه الإخبار بالخاص عن العام، وهذا مع الإخبار بالمعرفة عن النكرة.
ويمكن أن يقال إنما يمنع ذلك في الإثبات، كقولنا: الحيوان إنسان. أما في النفي
فلا. وقد ردّ ابن عمرون قول من جعل "إلا اللّه"خبرا بجواز نصب "إلا اللّه"على الاستثناء، ومحال نصب خبر لا المشبهة بأن، وإن كان الرفع المشهور. انتهى.
ولقائل أن يقول إذا نصبنا لم نعتقد الخبر إلا محذوفا. ولا يحسن الرد بهذا على من جعل "إلا"خـبرا، مع تجويزه الوجوه السابقة. واللّه أعلم.
خامسها: أن "لا إلـه"في موضـع الخبر، و"إلا اللّه"في موضع المبتدأ. ذكر ذلك الزمخشري [81] في كلام تلقفه عنه بعض تلامذته، وكتب ما ملخصه: اعلم أن متقدمي الشيوخ ذهبوا إلى أن قولنا: لا إله إلا اللّه، كلام غير مستقل بنفسه، بل بتقدير خبر، أي في الـوجود، أو موجود، أو لنا. تقدير قولنا: لا رجلَ في الدار إلا زيدٌ . فجعلوا الكلام جملتين. وليس كذلك، ولا يحتاج إلى تقدير، لأن الكلام لا يخلو من وجهين: أحدهما أصل الكلام. الثاني: تفريع يزيد الكلام تحقيقا، وفائدة زائدة.
نحـو: ما جاءني رجل. يفيد نفي واحد غير معين، فيجوّز السامع مجيء اثنين. [ فلذلك يصحّ أن يقول: ما جاءني رجل بل رجلان] [82] . فإذا قيل: ما جاءني من رجل، [ فيعلم السامع أنه لم يجئه أحد من جنس الرجال]، فلم يصحّ: ما جاءني من رجل بل رجلان [83] .
وكذا {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [84] و {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [85] ، لو لم يأت بـ "ما"جوّزنا أن اللين واللعن كانا للسببين المذكورين ولغيرهما، وحين دخلت "ما"قطعنا بأن اللين لم يكن إلا للرحمة، وأن اللعن لم يكن إلاّ لأجل نقض الميثاق.
والاستثناء من تفريعات الكلام يزيده تأكيداً، فأصل الكلام: جاءني زيد.
وهذا لا يقتضي قطع السامع بأن غير زيد لم يجيء، فإذا أريد جمع المعنيين، مجيء زيد ونفي مجيء، غيره قيل: ما جاءني إلا زيد.
وكذا في مسألتنا: اللّه إله، يوازن: زيد منطلق. فلما فرّع عليه وقيل "لا إله إلا اللّه"أفاد الفائدتين: إثبات الإلهية للّه تعالى، ونفيها عمّا سواه.
فإذن "لا إلـه"في موضع الخبر، و"إلا الله"في موضع المبتدأ. يوضح هذا أن "لا"تطلب النكرة أبدا [86] ، لا تقول: لا زيد منطلق. والمبتدأ يجب أن يكون معرفة والخبر نكرة.
ثم تكلم بكلم آخر. [ انتهى ملخص كلام الزمخشري ].
وهذا الإعراب ارتضاه جماعة منهم ابن الحاجب وبعـض مشايخنا، وذكره في ابتداء تدريسه قاضي القضاة جلال الدين القزويني [87] ، رحمه الله، بالقاهرة، وأنكره بعـض العلماء، ولم يبين لفساده معنى، وقد رُدّ بمخالفته الإجماع من وجهين: أحدهما أن "لا"إنـما يبنى معها المبتدأ لا الخبر. الثاني: جوار النصب بعد إلاّ [88] .
وفي بقية الكلام المنسوب للزمخشري، رحمة اللّه عليه، تعقّب.
سادسها: أن تكون "لا"مبنية مع اسمها، و"إلا اللّه"مرفوع بإله، ارتفاع الاسم بالصفة، واستغني بالمرفوع عن الخبر، كـما في مسألة: ما مضروب الزيدان، وما قائم العمران.
وشجعني على ذلك قول الزمخشري رحمه اللّه تعالى: إله بمعنى مألوه [89] ، من أُلِـه إذا عُبِد. ولو قلت: لا معبود إلا اللّه، لم يمتنع فيه ما ذكرت.
وعـلى ذلـك اعتراضان: الأول أن هذا الوصف الرافع لمكتفى به ينظر في دخول النواسخ عليه، فقد منع سيبويه: إنّ قائـماً أخواك [90] .
الثاني: أنـه على تقـدير عمـل "إله"يكون ذلك مطوّلا [91] فيقتضي ذلك تنوينه. والتطويل كـما يكون بالعمل نصبا، كذلك يكون بالعمل رفعا.
ففي مسـائـل ابن جني [92] رحمـه اللّه تعالى، لشيخه ت إذا قلت: يا منطلق وزيد، وعطفت على المرفوع في منطلق، وقلت إنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه [93] ، أتنصب "منطلق"أم ترفعه؟ فاستقر أمرهما بعد محاورة طويلة على أن ينصب، وأنه مطوّل [94] .
والجواب عن الأول: أن الأخفش قد أجاز: إنّ قائـما أخواك. ومنع سيبويه لها إنـما هو لعدم مسوغ الابتداء بالنكرة.
قال بعض الفضلاء من أهل العصر، وقد عرضت ذلك عليه وارتضاه: قد خطر لي أن نحو "ليس قائم أخواك"يتفق الإمامان على إجازته.
وعن الثاني: أن ابن كيسان [95] اختار حذف التنوين من نحو ذلك، وجعل منه {لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} [96] و {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} [97] . وإن كان جمهور البصريين يؤولون ذلك.
قال بعض مشايخنا: وأرى أن مذهب ابن كيسان أولى لعدم التكلف.
[ وجهـا النصب] :
وأما النصب في "إلا اللّه"فمن وجهين:
أولهما: أن يكون على الاستثناء إذا قدر الخبر محذوفا، أي لا إله في الوجود إلا اللّه عز وجل. ولا يرجح عليه الرفع على البدل، كـما هو مقدر في الاستثناء التام غير الموجب، من جهة أن الترجيح هناك لحصول المشاكلة في الإتباعِ دون الاستثناء. حتى لو حصلت المشاكلة فيهما استويا، نحو: ما ضربت أحداً إلا زيدا.
نص على ذلـك جماعـة منهم الأُبذي رحمه اللّه تعالى. بل إذا حصلت المشاكلة في النصب على الاستثناء وفاتت في الإتباع ترجح النصب على الاستثناء. وهذا كذلك يترجح النصب في القياس، لكن السماع والأكثر الرفع. ولا يستنكر مثل ذلك، فقد يكون الشيء شاذا في القياس وهو واجب الاستعمال. وليس هذا موضع بسط ذلك [98] .
وقاك أبو الحسن الأبذي في شرح الكراسة: إنك إذا قلت: لا رجل في الدار إلا عمرو، كان نصب "إلا عمرو" على الاستثناء أحسن من رفعه على البدل، لما في ذلك من المشاكلة.
على أن أبا القاسم الكرماني [99] رحمه اللّه تعالى، قال في كتاب الغرائب، في قوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [100] : ولا يجوز النصب هنا، لأن الرفع يدل على أن الاعتماد على الثاني، والنصب يدل على أن الاعتماد على الأول. يعني إنك إذا أبدلت فما بعد إلا مسند إليه كالذي قبلها، إلا أن الاعتماد في الحكـم على البدل [101] ، وإذا نصبت فـما بعد إلا ليست مسندا إليه، إنـما هو مخرج.
وقد اعترض عليه بأنه لا فرق في المعنى بين قولنا: ما قام القوم إلا زيدٌ وإلا زيداً، إلا من حيث ان الرفع أولى من جهة المشاكلة.
وكلام الكرماني لا يقتضي منع النصب مطلقا، بل في الآية من جهة الأرجحية التي يجب حمل أفصح الكلام عليها.
وقي كلام بعضهم أرجحية الرفع لأن فيه إعراضا عن غير اللّه تعالى وإقبالا عليه بالكلية. وأما الاستثناء فيقتضي الاشتغال بنفي السابق وإثبات اللاحق، ففيه اشتغال بهما جميعاً. وهذا قد يرجح به النصب.... [102]
ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفا كـما سبق، و"إلا اللّه "صفة لاسم "لا"على اللفظ [103] . وفي عبارة بعضهم أو على الموضع بعد دخـول "لا"، وهما متقاربان كـما سبق مثلهما في اللفظ.
قال الأبذيَ: ولا يجوز البدل من اسم "لا"عام اللفظ، يعني في: لا رجلَ في الدار إلا، زيداً، لأن البدل في نية تكرار العامل، ولو قدر فسد المعنى، وعملت "لا"في المعرفة. انتهى.
وقال ابن الحاجب، رحمه اللّه تعالى: لأن "لا"إنما عملت للنفي [104] . وفيه ما سبق.
وقال النيلي [105] : "وإن شئت قلت إنَّ "مِنْ "مقدرة في النفي إذا كان مفردا، وجاء بعد إلا موجب لا يصح تقدير "من "فيه. وقيل لأن تقدير "لا" يقتضي النفي، ووقوعه بعد إلا يقتضي الإثبات، فيفضي إلى التناقض".
وقد تلخص في "لا إله إلا اللّه"عشرة أوجه: الرفع من ستة أوجه، غير أن البدل من الموضع إما من موضع اسم لا قبل الدخول، وإما من لا مع اسمها، فيتقدر سبعة.
والنصب من وجهين إلا أن في وجه الصفة، إما أنه صفة للفظ اسم لا إجراء لحركة البناء مجرى حركة الإعراب، وإما أن يكون صفة لموضعه بعد دخول لا، فيتقدر ثلاثة مع السبعة، فتلك عشرة كاملة.
والذي في كلام ابن عصفور من ذلك أربعة أوجه، وهو أكثر من وسّع في "إلاّ"من الأوجه.
انتهى ما خطر لي في هذه المسألة من الأوجه الواضحة، واللّه يرزقنا منه المسامحة.
والحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين.
تمت بحمد اللّه وعونه وحسن توفيقه
فهرس المصادر
1_ ابن هشام الأنصاري/ آثاره ومذهبه النحوي/ د. علي فودة نيل. منشورات جامعة الملك سعود- الرياض 1406 هـ/ 1985.
2_ أحكام الميراث في الشريعة الإِسلامية: د.جمعة برّاج. دار الفكر للنشر والتوزيع. عمان، الطبعة الأولى1401 هـ/ 1981م.
3_ أخبار النحويين البصريين: السيرافي، تحقيق د. محمد البنا، دار الاعتصام الطبعة الأولى 1405 هـ/1985م.
4_ ارتشاف الضرب: أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى النماس.
5_ الاستغناء في أحكام الاستثناء: شهاب الدين القرافي، تحقيق د. طه محسن.
6_ أسرار العربية: الأنباري، تحقيق محمد بهجة البيطار، دمشق 1377هـ/ 1957م.
7_ إشارة التعين: عبد الباقي اليماني، تحقيق د. عبد المجيد دياب، الطبعة الأولى 1406 هـ.
8_ اشتقاق أسماء اللّه: الزجاجي، تحقيق د. عبد الحسـين المبارك، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1406 هـ/ 1986م.
9_ الأشباه والنظائر: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة.
10_ الأصول في النحو: ابن السرّاج، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي.
11_ أعجب العجب في شرح لامية العرب: الزمخشري، الطبعة الأولى بالجوائب 1300 هـ.
12_ إعراب الحديث النبوي: العكبري، تحقيق د.حسن موسى الشاعر، الطبعة الثانية 1408 هـ/1987 م.
13_ إعراب القرآن الكريم: النحاس، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة الثانية 1405 هـ/ 985 1م.
14_ إعـراب لامية الشنفري: العكبري، تحقيق محمد أديب جمران، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى 1404 هـ/ 1984م.
15_ الأعلام : الزركلي، دار العلم للملايين.
16_ إنباه الرواة: القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى.
17_ الإنصاف في مسائل الخلاف: الأنباري، تحقيقَ المرحوم الشيخ محي الدين عبد الحميد.
18_ أوضح المسالك: ابن هشام الأنصاري، تحقيق المرحوم الشيخ محي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة- بيروت.
19_ إيضاح المكنون: إسماعيل باشا البغدادي.
20_ الإيضاح في شرح المفصَّل: ابن الحاجب، تحقيق د. موسى بناي العليلي، مطبعة العاني- بغداد 1982 م.
21_ البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي.
22_ البدر الطالع: الشوكاني، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1348 هـ.
23_ البلغة في تاريخ أئمة اللغة: الفيروز أبادي، تحقيق محمد المصري، دمشق 1392هـ/1972 م.
24_ بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة الحلب
ي، الطبعة الأولى 1384 هـ/1964 م.
25_ تاريخ الأدب العربي: بروكلمان، جـ5 نقله إلى العربية د. رمضان عبد التواب، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر.
26_ تاريخ العلماء النحويين: التنوخي، تحقيق د.عبد الفتاح الحلو، الرياض،1401 هـ/1981 م.
27_ التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية: الشيخ صالح الفوزان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثالثة 1407 هـ/ 1986 م.
28_ تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد: ابن هشام الأنصاري، تحقيق د. عباس الصالحي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1406 هـ/ 1986 م.
29_ تسهيل الفوائد: ابن مالك، تحقيق محمد كامل بركات، القاهرة 1968ام.
30_ التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري.
31_ التفسير الكبير: فخر الدين الرازي، الطبعة الأولى 1354 هـ/ 1935.
32_ الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، دار إحياء التراث العربي عن طبعة دار الكتب المصرية.
33_ الجني الداني في حروف المعاني: المرادي، تحقيق طه محسن 1396 هـ/ 1976 م.
34_ حاشية الصبان على شرح الأشموني: دار إحياء الكتب العربية.
35_ حاشية يس العليمي على التصريح: دار إحياء الكتب العربية.
36_ خزانة الأدب: البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي.
37_ الخصائص: ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، مطبعة دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية 1371 هـ/1952م.
38_ الدرر الكامنة: ابن حجر، تحقيق محمد سيد جاد الحق.
39_ الدرّ المصون: السمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق.
40_ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
41_ شرح أبيات سيبويه: ابن السيرافي، تحقيق د. محمد علي سلطاني، دار المأمون للتراث، دمشق 1979 م.
42_ شرح الأشموني مع الصبان، دار إحياء الكتب العربية.
43_ شرح جمل الزجاجي: ابن عصفور، تحقيق د. صاحب أبو جناح، 1400 هـ/ 1980 م. 44_ شرح ا لكافية: ا لرضي، بيروت.
45_ شرح الكافية الشافية: ابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، الطبعة الأولى 1402هـ/1982م.
46_ شرح اللمحة البدرية: ابن هشام. تحقيق د. هادي نهر.
47_ شرح المفصل: ابن يعيش، إدارة الطباعة المنيرية.
48_ فتح القدير: الشوكاني، دار الفكر- بيروت.
49_ الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
50_ الكشاف: الزمخشري، مطبعة الحلبي.
51_ كشف الظنون: حاجي خليفة- بيروت.
52_ مجلة البحوث الإسلامية، تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث، في الرياض العدد 25 لسنة 1409 هـ.
53_ مسألة في كلمة الشهادة: الزمخشري، مخطوطة برلين.
54_ المسـائل المنثورة: أبو علي الفارسيّ، تحقيق مصطفى الحدري، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
55_ المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، الطبعة الأولى، منشورات جامعة أم القرى.
56_ معاني القرآن وإعرابه: الزجاج، تحقيق د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 08 14 هـ/1988م.
57_ معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة- بيروت.
58_ معنى لا إله إلا اللّه: الزركشي، تحقيق علي محي الدين القرة داغي، دار الإصلاح، القاهرة.
59_ مغني اللبيب: ابن هشام. تحقيق د. مازن المبارك وزميله، دمشق، الطبعة الأولى 1384 هـ/1964م.
60_ المقتصد في شرح الإيضاح: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق د. كاظم بحر المرجان، 1982 م.
61- النكت في تفسير كتاب سيبويه: الأعلم الشنتمري، تحقيق زهير سلطان، الكويت 1407هـ/ 1987م.
62- همع الهوامع: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية- الكويت.
لا إله إلا الله
تحقيق د/ حسن موسى الشاعر
تأليف ابن هشـام الأنصـاري
أستاذ مشارك بكلية اللغة العربية
مقدمة
لقد صنف علماؤنا القدامى كثيرا من الرسائل في بيان معنى لا إله إلا اللّه وفي إعرابها. وقد اطلعت في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة على عدد من الرسائل المخطوطة في ذلك، وهي:
- رسالة في إعراب لا إله إلا اللّه. لابن هشام الأنصاري. المتوفى سنة 761 هـ.
- رسالة في إعراب لا إله إلا اللّه. للزركشي المتوفى سنة 794هـ.
- رسالة في إعراب لا إله إلا الله. وتسمى التجريد في إعراب كلمة التوحيد لمصنفها علي بن سلطان القاري. المتوفى سنة 1014هـ.
- إنباه الأنباه على تحقيق إعراب لا إله إلا اللّه، لمصنفها إبراهيم بن حسن الكوراني، المتوفى سنة 1101هـ.
ولم يطبع من هذه الرسائل- فيما أعلم- سوى رسالة واحدة بعنوان "معنى لا إله إلا الله"للإمام الزركشي.
وهذه رسالة أخرى أقـوم بتحقيقها في إعراب لا إله إلا الله، منسوبة إلى ابن هشام الأنصاري، اطلعت عليها في قسم المخطوطات بمكتبة عارف حكمت، فرأيتها تشتمل على فوائد قيّمة وتوجيهات عديدة لم أجدها في غيرها من المصنفات. وهذا ما دعاني إلى الاهتمام بها وتحقيقها، على الرغم من أنها نسخة فريدة.
وقد عانيت كثيراً في إقامة النص، وتقويم العبارات المضطربة، وشرح الوجوه المختلفة، ونسبة الآراء إلى أصحابها. ولا أدّعي الكمال في ذلك، وحسبي أنني بذلت جهدي.
واللّه أسأل أن يوفقنا ويسدد خطانا، ويهدينا سواء السبيل، والحمد للّه رب العالمين.
ابن هشام الأنصـاري
هو أبو محمد عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري جمال الدين المشهور بابن هشام [1] .
ولد في القاهرة خامس ذي القعدة سنة 708 هـ، وتلقّى على عدد من علماء عصره، حتى فاق أقرانه، وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم.
قالت ابن خلدون: "ما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه".
وقد ترك ابن هشام عددا من المصنفات ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود، ومن أشهر مصنفاته: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، شرح شذور الذهب، شرح قطر الندى، شرح اللمحة البدرية، التذكرة.
وقد توفي ابن هشام ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة 1 6 7 هـ. رحمه اللّه.
نسبة هذه الرسالة إلى ابن هشام:
اطلعت على هذه الرسالة، منسوبة إلى ابن هشام، في مخطوطة فريدة، بمكتبة عارف حكمت، برقم (88) مجاميع. وقد ورد في هذه المخطوطة نسبتها إلى ابن هشام مرتين، مرة في العنوان، ومرة في مقدمة الرسالة.
ولم أجد أحدا ممن ترجم لابن هشام ذكر له هذه الرسالة، ولم أعثر على نسخة أخرى تؤكد نسبتها إليه.
ولكّن الدكتور علي فودة نيل يؤكد نسبتها إلى ابن هشام للأسباب التالية: (ملخصة):
1- أن ما جاء في مقدمتها من قول المؤلف "أما بعد حمد اللّه..."هو المألوف في تقديم معظم مصنفاته.
2- أن منهج التأليف في هذه الرسالة من العرض الشامل للآراء المختلفة ومناقشتها لبيان الراجح والمرجوح شبيه بمنهج ابن هشام.
3- أن بعض ما ذكر في هذه الرسالة من آراء مذكور في كتاب المغني.
4- أن الاعتـداد في هذه الرسالة بآراء بعض العلماء السابقين، كابن عمرون، ملحوظ في بعض رسائل أُخر لابن هشام [2] .
ومما يقوي نسبتها إلى ابن هشام أنها ضمن مجموعة من الرسائل مكتوبة بخط عالم مشهور، هو العلامة محمد بن أحمد بن علي البهوتي الشهير بالخلوتي، وهو فقيه حنبلي مصري توفي سنة 1088 هـ [3] .
وعلى الرغم من قوة الأسباب التي تنسب هذه الرسالة إلى ابن هشام، فإنّي لست على ثقة من نسبتها إليه، ومما رابني في ذلك أمور، منها:
1- أن هذه الرسالة لم ترد في مصنفات ابن هشام، ولم يذكرها أحد ممّن ترجم له.
2- أن هذه الرسالة تشير إلى علاقة طيبة بين مصنفها وأبي حيان النحوي الأندلسي المشهور. فقد قال فيها المصنف: "وكنت عرضت هذا النظر على شيخنا أبي حيان، فقال...".
ومن المعروف أن ابن هشام لم يكن على وفاق مع أبي حيان، بل كان كثير المخالفة له، شديد الانحراف عنه [4] .
ومهما يكن من أمر فستبقى هذه الرسالة تذكر لابن هشام حتى يثبت خلاف ذلك بأدّلة قاطعة. واللّه أعلم.
موضوع الرسالـة
هذه رسالة قيّمة تكتسب قيمتها من أهمية الموضوع الذي تعالجه، وهو إعراب الاسم الواقع بعد إلا من كلمة التوحيد، في قولنا: "لا إله إلا اللّه".
وقد ذكر المصنّف في هذه الرسالة جواز الرفع والنصب في الاسم الواقع بعد "إلا"من كلمة التوحيد، فقال: يجوز الرفع فيما بعد إلا والنصب. والأول أكثر، نص على ذلك جماعة منهم العلامة ابن عمرون في شرحه على المفصّل. وظاهر كلام ابن عصفور والأبذيَ يقتضي أن النصب على الاستثناء أفصح، أو مساو للرفع على بعض الوجوه...
وقـد فصّـل المصنّف كثيرا في بيان أوجه الرفع والنصب، مع المناقشة والاستدلال والترجيح، فذكر للرفع ستة أوجه وللنصب وجهين. وهذا موجز للأوجه المختلفة:
فأما الرفع فمن ستة أوجه، وهي:
1- أن خبر "لا"محذوف، و"إلا الله"بدل من موضع لامع اسمها، أو من موضع اسمها قبل دخولها. وهذا هو الإعراب المشهور لدى المتقدمين وأكثر المتأخرين.
2- أن خبر لا محذوف، كـما سبق، والإبدال من الضمـير المستكن فيه. وهـذا الإعراب اختاره بعض.
3- أن الخبر محذوف أيضا، و"إلا اللّه "صفة لـ "إله"على الموضع، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".
4- أن يكون الاستثناء مفزعا، و"إله"اسم "لا"بني معها، و"إلا اللّه"الخبر. وهذا الإعراب منقول عن الشلوبين، ونقله ابن عمرون عن الزمخشري.
5- أن "لا إله"في موضع الخبر، و"إلا اللّه"في موضع المبتدأ. وهذا الإعراب منسوب للزمخشري.
6- أن تكـون "لا"مبنية مع اسمهـا، و"إلا الله"مرفوع بـ "إلـه"ارتفاع الاسم بالصفة، واستغني بالمرفوع عن الخبر، كـما في مسألة: ما مضروبٌ الزّيدان، وما قائِمٌ العَمْران.
وأما نصب ما بعد "إلا"فمن وجهـين:
1- أن يكون على الاستثناء، إذا قدر الخبر محذوفا، أي لا إله في الوجود إلا اللّه عز وجل.
2- أن يكون الخبر محذوفا، كـما سبق، و"إلا اللّه" صفة لاسم "لا"على اللفظ، أو على الموضع بعد دخول "لا"لأن موضعه النصب.
ثم ختم المصنف الرسالة بقوله: وقد تلخّـص في "لا إله إلا اللّه"عشرة أوجه، غير أن في البدل من الموضع إما من موضع اسم لا قبل الدخول، وإما من لا مع اسمها، فيتقدر سبعة. والنصب من وجهين إلا أن في وجه الصفة إما أنه صفة للفظ اسم لا إجراء لحركة البناء مجرى حركة الإِعراب، وإما أن يكون صفة لموضعه بعد دخول لا، فيتقدر ثلاثة مع السبعة، فتلك عشرة كاملة. والذي في كلام ابن عصفور من ذلك أربعة أوجه، وهو أكثر من وسع في إلا من الأوجه...
دراسة للاسم الواقع بعد إلاّ في الشواهد اللغوية
بعد الفراغ من تحقيق هذه الرسالة، قمت بدراسة وصفية، تتبعت فيها ما أمكن من الشواهد اللغوية لحالات الاسم الواقع بعد إلا، في نصوص القرآن الكَريم والحديث النبوي والشعـر العربي التي جاءت على نمط "لا إله إلا الله"، للمقارنة بين الواقع اللغوي لهذه النصوص، وما ورد في هذه الرسالة من جواز الرفع والنصب، فكانت النتيجة أن رفع الاسم الواقع بعد إلا هو الفصيح الغالب في اللغة، بل لم يرد في القرآن الكَريم والحديث النبوي غيره، وأما النصب فقد ورد في بعض الأبيات الشعرية على قلّة.
وقد جاءت الدراسة على النحو التالي:
(1) في القرآن الكريم : تتبعت الآيات القرآنية التي وردت فيها "لا إله إلا الله"أو ما كان على وفق هذا الأسلوب، فوجدتها كلها جاءت برفع الاسم الواقـع بعد "إلا"، ولم تأت قراءة واحدة، ولو شاذة؟ بالنصب.
وهذه هي الآيات مع السور التي وردت فيها في القرآن الكريم:
أ- {لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه} : الصافات (35)، محمد (19).
ب- {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} : البقرة (163 ، 255)، آل عمران (2، 6، 8 1)، النسا ء (87) والأنعـام (102 ، 106)، الأعراف (158)، التوبـة (31، 129)، هود (14)، الرعد (30)، طه (8، 98)، المـؤمنـون (116)، الـنـمـل (26)، القصص (0 7، 88)، فاطر (3)، الزمر (6)، غافر (3، 62، 65)، الدخان (، ا لحشر (22، 23)، التغابن (13)، المزمل (9).
جـ_ {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا} : النحل (2)، طه (14)، الأنبياء (25).
د- {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ} : الأنبياء (87).
هـ _ {فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} : الأنعام (17)، يونس (107).
ق قال أبو جعفر النحاس في قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [5] : ويجوز في غير القرآن: لا إله إلا إياه، نصب على الاستثناء [6] .
وكرر هذه العبارة بعينها القرطبي عند حديثه عن هذه الآية [7] .
وقال الزجاج [8] : ولو قيل: لا رجل عندك إلا زيداً جاز. ولا إله إلا اللّهَ جاز. ولكن الأجود ما في القرآن، وهو أجود أيضا في الكلام. قال اللّه عز وجل: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [9] . فإذا نصبت بعد إلا فإنما نصبت على الاستثناء.
(2) في الحديث النبـوي:
وردت كلمة الشهادة (لا إله إلا اللّه) في مواضع كثيرة من الحديث، وجاءت كلها بالرفع، ومن ذلك:
أ- في صحيح البخاري، ومعه فتح الباري (1/103)، (129).
ب- في صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 183)، (188)، (197)، (206).
جـ- ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الإِقامة إلا المكتوبة".
قال أبو البقاء العكـبري [10] : الوجه هو الرفع على البدل من موضع لا، والنصب ضعيف، وقد بين ذلك في مسائل النحو، ومثل ذلك: لا إله إلا اللّه.
د- وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا شفاءَ إلا شفاؤك".
قال العكبري [11] : "شفاؤك"مرفوع بدلا من موضع "لا شفاء"ومثله لا إله إلا اللّه.
(3) في الشـعر:
أ- قال الشنفري في لا ميّته:
نصـبـت له وجـهـي ولا كِنّ دُونَـهُ ولا سترَ إلا الأتْحَمِـيُّ المُـرَعْـبَـلُ [12]
قال الزمخشري [13] : "كّن"مبنية مع لا لتضمنها معنى من المقدرة بعد لا. ودونه: في موضـع رفـع، أي لا كنّ استقر دونـه، وهو خبر لا... والأتحمي: بدل من موضع لا واسمها، لأن موضعهما رفع على أنه مبتدأ. وهو مثل قولنا (لا إله إلا اللّه)، كأنه قال: اللّه الإله.
وقال أبو البقاء [14] : الأتحمي: بدل من موضع لا واسمها. لأن موضعها رفع، ومثله قولنا (لا إله إلا اللّه).
ب- وقال الشاعرِ:
إلاّ الضَّـوابِـحَ والأصْـداءَ والبُـومـا [15] مَهـامِـهـاً وخروقـاَ لا أَنـيسَ بها
جـ- وقال آخـر:
أمـرتـكـمُ أمـري بمُنـعَـرجِ الـلّوي ولا أَمْـرَ لِلْمَـعصيِّ إلاّ مُضَـيَّعـاَ [16]
هذان البيتان استشهِـد بهما الرضي [17] على أن النصب بعد إلا فيهما قليل، كـما في قولك: لا أحد فيها إلا زيداَ.
واستشهد سيبـويه بالبيت الثاني منهـما على أن "مضيعـا"نصب على الحال. قال سيبويه [18] كأنه قال: للمعصي أمرٌ مُضَيَّعاَ. كـما جاء: فيها رجلٌ قائماً. وهذا قول الخليل رحمه اللّه. وقد يكون أيضاً على قوله: لا أحد فيها إلا زيداً.
قال ابن السيرافي [19] : يريد أن "مضـيَّعا"قد ينتصب أيضا على غير وجه الحال، على أن يكون مستثنى من "أمر"في قوله "ولا أمر"، كـما استثني زيد من رجل، في قوله: لا رجل فيها إلا زيدا. وكأنه قال: ولا أثر للمعصي إلا أمراً مُضيعا، فحذف المنعوت وقام النعت مقامه.
و وقوال الأعلم [20] (1): ونصف "مضيعا"على وجهين: أجودهما الحال، وحرف الاستثناء قد يدخـل بسم الحـال وصاحبها... والوجه الآخر أنه نصب على الاستثناء بعد النفي، والوجه البدل من موضع لا، كـما أن الرفع على البدل من موضع لا في (لا إله إلا اللَّهُ) أقوى من النصب بالاستثناء.
نسخـة الرسالـة الخطيـة
لهذه الرسالة نسخة خطية فريدة تقع في اثنتي عشرة صفحة، ضمن مجموع يضم 15 رسالة بمكتبة عارف حكـمت برقم 88 مجاميع. وهي الرسالة التاسعة في المجموع، وتقع من ورقة 29- 34. وقد كـتبت بخط نسخي عادي، بخط العلامة محمد بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي الشهير بالخلوتي. وفي الصفحة نحو 27 سطرا وفي السطر 10 كـلمات تقريبا.
وقد ورد في آخر الرسالة الأولى ورقة 3: وعلقه لنفسه أفقر العباد، وأحوجهم إلى عفو ربه العلي محمد بن أحمد البهوتي الحنبلي، في يوم الجمعة المبارك ثاني عشر ذي القعدة من شهور سنة 1038 من الهجرة النبوية.
والنسخـة كاملة واضحة، ولكنها لا تخلو من التحريف والاضطراب والغموض في بعض المواضيع.
وقـد عملت على خدمـة النصر وضبطه وتوثيق محا شيه، والتعليق عليه، ما أمكن، لتوضيح الجوانب الدقيقة لكل مسألة.
وباللّه التوفيق، والحمد للّه أولا وآخرا.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
وبه ثقـتي
قال الشيخ العلامة جمال الدين [ عبد الله بن] [21] يوسف بن هشام الأنصاري، رحمه اللّه تعالى، ونفعنا بتحقيقاته:
أما بعد حمد اللّه، والصلاة على رسوله محـمّد، صلى الله عليه وسلم، فهذه رسالة كـتبتها في إعراب لا إله إلا الله [22] سألني في وضعها بعض الأصحاب، فأجبته مستمداً من الكريم الوهاب.
[جواز الرفع والنصب في الاسم الواقع بعد إلاّ]:
يجوز الرفع فيما بعد إلا، والنصب. والأوّل أكثر [23] .
نص على ذلك جماعة منهم العلاّمة محمد بن [محمد]بن عمرون [24] في شرحه على المفصّل. وظاهر كلام ابن عصفـور [25] والأبـذي [26] يقتضي أن النصب على الاستثناء أفصح [27] ، أو مساو للرفع على بعض الوجوه، كـما سيأتي تقريره.
[أوجـه الرفـع]:
فأما الرفع فمن ستة أوجه:
أولهـا: أن خبر "لا"محذوف، و"إلاّ اللّه"بدل من موضع لا مع اسمها، أو من موضع اسمها قبل دخولها. وقع للنحويين الحَمْلان.
وهـذا الإِعراب مشهـور في كلام جماعة من أكابر هذه الصناعة، قيل أطبق عليه المعربون من المتقدمين وأكثر المتأخرين [28] .
قلت: وقد استشكل من قاعدة أن البدل لا بد أن يصحّ إحلاله في محل المبدل منه، وهو على نيِّة تكرار العامل. ولا يصحّ تكرار "لا"لو قلت: إلا عبد الله في قولك: لا أحد فيها إلا عبد الله. لم يجزْ.
وأجاب الشلوبين [29] بأن هذا في معنى، ما فيها من أحدٍ إلاّ عبدُ اللّه، ويمكنك في هذا الإحلال [30] .
قال ابن عصفور، رحمه اللّه تعالى: وهذا الإشكال لا يتقرر، لأنه لا يلزم أن يحلّ "أحد"الواقع بعد إلاّ، إنـما يلزم تقدير العامل في المبدل منه، والعامل في المبدل منه الابتداء، فإذا أبدلت منه كان
مبتدأ، وخبره محذوف. والتقدير في "لا أحد فيها إلاّ عبد الله: لا فيها [ أحدٌ] إلا عبدُ الله [31] .
وهذا فيه تأمل يظهر بما ذكره النحويون، في مسألة (ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيءٌ لا يعبأ به) من أن "إلاّ شيء"بالرفع لا غير على اللغتين [32] .
أما عند بني تميم فلأنّ (بشيء) في محل رفع، وتعذّر حمله على اللفظ [33] لأن الباء لا تزاد في الإيجاب.
وأمـا عنـد أهل الحجاز فلأنهم وإن أعملوا ما، و"بشيء"في محل نصب عندهم، فإعمالها مشروط بعدم انتقاض النفي. فـما بعد "إلا"لا يمكن تقدير عملها فيه، والبدل على نية التكرار، ولذلك قال سيبويه [34] : وتستوي اللغتان [35] .
وقد زعم ابن خروف [36] أن مراده بالاستواء فيما قبل إلاّ وفيما بعدها من المستثنى والمستثنى منه.
قال ابن الضائع [37] : "وغلط الأستاذ أبو علي [38] في النقل عنه، فنقل الاستواء فيما بعد إلاّ، لا فيما بعد المجرور، حتى يرد عليه بأنه لا يجوز بدلا مرفوع من منصوب".
قال ابن الضائع: وعِندي أن القياس أن يبقوا على لغتهم في المجرور، وإلا كان يلزم الرفع في قولنا: ما زيدٌ قائـماَ بل قاعدٌ ، وكذا في لكنْ. ولم ينقل عن الحجازيين رجوعهم إلى اللغة التميمية في ذلك. وإنـما نقل عنهم الرفع فيما بعد بل ولكن على جهة الابتداء. [39] فهاهنا ينبغي أن يرجع فيما بعد "إلا"على النصب على الاستثناء. فقول سيبويه: استوت اللغتان في الرفع، ينبغي أن يحمل على ما بعد إلاّ. ولا حجة لهم في قول سيبويه: وصارت "ما"على أقيس اللغتين [40] ، فإنه يمكن حمله على ما بعد إلاّ، كما قالوا في: ما زيد إلا منطلق، رجعوا إلى اللغة التميمية.
ويقوّى أنه يريد ما بعد إلاّ، تقديره وقوله: كأنك قلت: ما زيد إلا شيء لا يعبأ به [41] .
وقـول الأستـاذ "لا يبـدل مرفوع من منصوب"، جوابه أن البدل هنا بالحمل على المعنى [42] . فإن الشرط في البـدل تقدير تكرار العامل، فإن العامل يتكرر على أن البدل مرفوع. ويظهر البدل هنا في أنه لا يعمل فيه اللفظ المتقدم العامل في المبدل منه، بل الابتداء قولهم "لا إله إلا اللّه"، ألا ترى أنه بدل على تقدير مالنا أو ما في الوجود. ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه، لأن "لا"لا تلغى إلا مكررة [43] . وكذا البدل هنا على تقدير: ما زيد إلا شيء. وكأن "ما"لها عملان، عمل فيما بعد إلا وهو الرفع، وعمل فيما قبلها وهو النصب، فترك الأول على أحد العملين، وحمل الثاني، وهو ما بعد إلا، على العمل الآخر. انتهى [44] .
وفي كلامه نظران:
الأول: قوله "ولا يجوز تقدير لا في الوجود إلا اللّه "ليس معنا في اللفظ إلاّ "لا" واحدة وهي عاملة. نعم إذا أعربناه على ما سبق بدلا نوينا تكرار لا، وانتفى عمل تلك المقدرة بالدخول على المعرفة. ومن أين لزوم التكرار لتلك المقدّرة. ولو قيل إنها تكررت في الجملة كان كافيا في جوابه.
الثاني : جعله باب "لا إله إلا اللّه "وباب "ما زيدٌ بشيءٍ إلا شيء"سواء. ولقائل أن يقول بينهما فرق، بأن "اللّه "مرفوع بدلا من منصوب.
وقد يعتذر له عن الثاني بأن "إلا اللّه "بدل من موضع اسم لا، لا من "لا"مع اسمهـا [45] . بل لا يفتقر إلى ذلك جميعه، فإن العامل المقدر مع البدل هو الابتداء، وهو صالح للعمل في البدل والمبدل منه، كـما تقدم في كلام ابن عصفور.
وقد رأيت في المجد المؤثل مما كتبته على المفصّل [46] أن الرفع في "ما زيد بشيء إلا شيء"يحتمل [47] ثلاثة أوجه: إما البدل من جهة المعنى كـما سبق، وإما على موضع "بشيء" قبل دخول "ما"، و إما على أن الرفع في الثاني هو الرفع في الأول، لو اتصف الأول بصفته من الإِثبات. وشبهت ذلك بمسألة التنزيل في توريث ذوي الأرحام في الفرائض [48] ، أي إعطاء الذكر ما للأنثى التي أدلى بها [49] ، وبالعكس، مع مراعاة العدد منه نفسه، فليتأمل.
ثانيها: أن خبر "لا"محذوف، كـما سبق، والإبدال من الضمير المستكن فيه. وهذا لا كلفة فيه، واختاره بعض المتأخرين [50] .
ثالثها: أن الخبر محذوف كـما سبق، و"إلا اللّه "صفة لإله على الموضع [51] ، أي موضع لا مع اسمها، أو موضع اسمها قبل دخول "لا".
ولا يستنكرون وقوع "إلا" صفة [52] ، فقد جاء {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [53] . ويصير المعنى: لا إلهَ غير اللّه في الوجود. وقد جاء {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [54] بالوصف، لكنّ الخبر المحذوف قدّره بعضهم "في الوجود"، وقدّره بعضهم "كائن"، وبعضهم "لنا".
قيل والتقديران الأولان أولى من حيث كونه أدل على التوحيد المطلق من غير تقييد. ولذلك جاء {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وأعقب بقوله {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [55] .
وقد يقال إذا قدِّر "لنا"فالمراد لنا أيها العالَم الذي هو كل موجود سوى اللّه عز وجل، فاتحدت التقادير [56] .
وقـد ردّ الإمـام فخر الدين [57] على من قدر الخبر "في الوجود"لأن هذا النفي عام
مستغرق، فتقييده بالوجود مخصص، فلا يبقى النفي على عمومه المراد منه، فلا يكون هذا إقرارا بالوحدانية على الإطلاق [58] .
قال الأنـدلسي [59] : "لا إلـه حقيقة إلا من له الخلق والأمر، لابد أن يكون موجودا فينعكس بعكس النقيض فـما ليس موجودا ليس بإله. والمراد بقوله "في الوجود"مسمى الوجود الصادق على العيني والذهني، فنفي الإله عن الوجود نفي لحقيقته".
وفي ريّ الظمآن [60] : "لا يتصور نفي الماهية عندنا إلا مع الوجود. هذا مذهب أهل السنة، خلافا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عارية عن الوجود، والدليل يأبى ذلك".
رابعها: أن يكون الاستثناء مفرغا [61] ، و"إله "اسم "لا"بني معها، و"إلاّ اللّه "الخبر [62] .
و هذا منقول عن الشلوبيـن فيما علّقه على المفصل، ونقله عن الزمخشري [63] في حواشيه ابن عمرون، وإن كـان في المفصل قال غيره، وذهب إلى أن الخبر محذوف [64] .
ومقتضى كلام ابن خروف، على ما نقله عنه ابن الضائع قول الشاعر:
ألا طعـان ألا فُرسـانَ عاديةً ألا تجشّـؤُكم حوَلْ الـتـنَّـانـير [65]
من أنه أعرب ( إلاّ تجشؤكم) خبر لا، لكن ردّه عليه بوجهين، أحدهما: أن "لا"لا تعمل في الموجب. الثاني: أنها لا تعمل في الموجب مع المعرفة، وهما لازمان لإعراب "إلاّ اللّه "خبرا.
وفي الوجهين نظر، لأنّ "لا "عند سيبويه وجمهور البصريين [66] لا عمل لها في الخبر إذا بني الاسم معها.وقولك لا رَجُلَ حاضرٌ، بمثابة: هل مِنْ رجلٍ حاضر؟ الجواب كالسؤال.
واستدل لذلك ابن عصفور في شرحه للإيضاح بجواز حمل جميع التوابع لاسمها على الموضع قبل الخبر.
والقائل إن "لا"ترفع الخبر الأخفش [67] وتابعوه.
وبنى ابن عصفـور على الاختلاف جواز: لا رجـلَ ولا امرأة قائـمان. على القول
الأول، وامتناعه علىَ الثاني [68] . مع أن كلام أبي البقاء [69] في اللباب، وابن يعيش [70] في شرح المفصل ما يوهم أن خلاف سيبويه والأخفش في "لا"مطلقا المبني معها الاسم والمعرب، حيث عللا مذهب سيبويه بضعف عمل لا.
ولكن ابن مالك [71] في التسهيل [72] نقل الاتفاق على عمل "لا"في الخبر إذا كان اسمها معربا، واختار قوله الأخفش فيما إذا بني الاسم معها.
ورتب أبو البقاء على الخلاف أن قوله الشاعر:
فلا لَغْـوٌ ولا تأثـيم فيهـا ومـا فاهـوا به أبداً مُقـيم [73]
لا يحتاج إلى تقدير "فيها"عند سيبويه، بل الثابت "فيها"خـبر الاثنين، ويحتاج لتقدير "فيها"أخرى عند سيبويه في أحد قوليه، وعند الأخفش.
وكنت عرضت هذا النظر على شيخنا أبي حيان [74] فقال: كلام ابن الضائع محمول على مذهب من يرى أنها عاملة في الخبر مطلقا. ثم اعترض عليه من وجه آخر، وهو أنه يلزم أن تعمل "لا" [75] في المعرفة. وهذا إن تم به الاعتراض على الأخفش فسيبويه سالم منه، حيث يقول إن "لا"لا عمل لها في الخبر.
على أن ابن عمرون حين نقل هذا الإِعراب عن الزمخشري في الحواشي، ردّه بأن المعرفة لا تكون خبراً عن النكرة. فيقال له هذا لا يضر سيبويه إذا كان مع النكرة ما يسوغ الإخبار عنها، وهي متقدمة على المعرفة حفظا للأصول، وقد أعرب: كم جربيا أرضك؟ [76] مبتدأ مقدما وخبرا مؤخرا.
على أن ما ذكره ابن الضائع من أن "لا"لا تعمل في الموجب، قد يقال فيه إن تلك "لا"العاملة عمل ليس، من حيث إنها إنـما عملت للشبه بليس من جهة النفي، فإذا زال النفي زال الشبه فزال العمل. أما لا النافية للجنس فعملها إنـما هو بالحمل على إن، وهي للإثبات.
وقد قال العطار [77] في شرح الكراسة: إذا قلت "لا فيها رجل"رفعت على الابتداء لا غير، لأنه لا يتقدم خبر "ما"الحجازية، يعني "لا"العاملة عمل ليس. وإلا فالعاملة عمل إنّ امتناع التقديم فيها لأجل تركبها مع لا. وإن حملت كلامه على الإِطلاق، فالكلام معه كالكلام مع ابن الضائع.
وقد ردّ ابن الحاجب [78] على من جعل "إلا اللّه "خبرا. وسبق [79] إلى ذلك الأندلسي، قال: لأنه مستثنى من الاسم، ولا يجوز أن يكون المستثنى خبرا عن المستثنى منه، لأنه مبين له [80] . ويمكن أن يقال لا نسلّم أن الاستثناء إخراج من المحكوم عليه بل من الحكـم. سلّمنا أنه إخراج من المحكوم عليه، لكن المستثنى منه المحكوم عليه ليس اسم "لا"الذي أخبر عنه بـ "إلا اللّه"، إلا أنه حذف لقصد التفريغ وأقيم المستثنى مقامه، وأعرب بإعرابه.
وهـذا فرق ما بين الأقـوال السـابقة. وهذا حيث جعلنا الاستثناء فيها تاما، وهنا مفـرغا، مع أن الخبر وهو "موجود"فيهما محذوف. إلا أن ذلك حذف لمحذوف محكوم له بحكم الثابت، وهذا فيه حذف لمحذوف معرض عنه في الإعراب.
وقد ردّ أبو البقاء العكـبري هذا الإعراب أيضا في شرح الخطب النباتية، بأنه يلزم منه الإخبار بالخاص عن العام، وهذا مع الإخبار بالمعرفة عن النكرة.
ويمكن أن يقال إنما يمنع ذلك في الإثبات، كقولنا: الحيوان إنسان. أما في النفي
فلا. وقد ردّ ابن عمرون قول من جعل "إلا اللّه"خبرا بجواز نصب "إلا اللّه"على الاستثناء، ومحال نصب خبر لا المشبهة بأن، وإن كان الرفع المشهور. انتهى.
ولقائل أن يقول إذا نصبنا لم نعتقد الخبر إلا محذوفا. ولا يحسن الرد بهذا على من جعل "إلا"خـبرا، مع تجويزه الوجوه السابقة. واللّه أعلم.
خامسها: أن "لا إلـه"في موضـع الخبر، و"إلا اللّه"في موضع المبتدأ. ذكر ذلك الزمخشري [81] في كلام تلقفه عنه بعض تلامذته، وكتب ما ملخصه: اعلم أن متقدمي الشيوخ ذهبوا إلى أن قولنا: لا إله إلا اللّه، كلام غير مستقل بنفسه، بل بتقدير خبر، أي في الـوجود، أو موجود، أو لنا. تقدير قولنا: لا رجلَ في الدار إلا زيدٌ . فجعلوا الكلام جملتين. وليس كذلك، ولا يحتاج إلى تقدير، لأن الكلام لا يخلو من وجهين: أحدهما أصل الكلام. الثاني: تفريع يزيد الكلام تحقيقا، وفائدة زائدة.
نحـو: ما جاءني رجل. يفيد نفي واحد غير معين، فيجوّز السامع مجيء اثنين. [ فلذلك يصحّ أن يقول: ما جاءني رجل بل رجلان] [82] . فإذا قيل: ما جاءني من رجل، [ فيعلم السامع أنه لم يجئه أحد من جنس الرجال]، فلم يصحّ: ما جاءني من رجل بل رجلان [83] .
وكذا {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [84] و {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [85] ، لو لم يأت بـ "ما"جوّزنا أن اللين واللعن كانا للسببين المذكورين ولغيرهما، وحين دخلت "ما"قطعنا بأن اللين لم يكن إلا للرحمة، وأن اللعن لم يكن إلاّ لأجل نقض الميثاق.
والاستثناء من تفريعات الكلام يزيده تأكيداً، فأصل الكلام: جاءني زيد.
وهذا لا يقتضي قطع السامع بأن غير زيد لم يجيء، فإذا أريد جمع المعنيين، مجيء زيد ونفي مجيء، غيره قيل: ما جاءني إلا زيد.
وكذا في مسألتنا: اللّه إله، يوازن: زيد منطلق. فلما فرّع عليه وقيل "لا إله إلا اللّه"أفاد الفائدتين: إثبات الإلهية للّه تعالى، ونفيها عمّا سواه.
فإذن "لا إلـه"في موضع الخبر، و"إلا الله"في موضع المبتدأ. يوضح هذا أن "لا"تطلب النكرة أبدا [86] ، لا تقول: لا زيد منطلق. والمبتدأ يجب أن يكون معرفة والخبر نكرة.
ثم تكلم بكلم آخر. [ انتهى ملخص كلام الزمخشري ].
وهذا الإعراب ارتضاه جماعة منهم ابن الحاجب وبعـض مشايخنا، وذكره في ابتداء تدريسه قاضي القضاة جلال الدين القزويني [87] ، رحمه الله، بالقاهرة، وأنكره بعـض العلماء، ولم يبين لفساده معنى، وقد رُدّ بمخالفته الإجماع من وجهين: أحدهما أن "لا"إنـما يبنى معها المبتدأ لا الخبر. الثاني: جوار النصب بعد إلاّ [88] .
وفي بقية الكلام المنسوب للزمخشري، رحمة اللّه عليه، تعقّب.
سادسها: أن تكون "لا"مبنية مع اسمها، و"إلا اللّه"مرفوع بإله، ارتفاع الاسم بالصفة، واستغني بالمرفوع عن الخبر، كـما في مسألة: ما مضروب الزيدان، وما قائم العمران.
وشجعني على ذلك قول الزمخشري رحمه اللّه تعالى: إله بمعنى مألوه [89] ، من أُلِـه إذا عُبِد. ولو قلت: لا معبود إلا اللّه، لم يمتنع فيه ما ذكرت.
وعـلى ذلـك اعتراضان: الأول أن هذا الوصف الرافع لمكتفى به ينظر في دخول النواسخ عليه، فقد منع سيبويه: إنّ قائـماً أخواك [90] .
الثاني: أنـه على تقـدير عمـل "إله"يكون ذلك مطوّلا [91] فيقتضي ذلك تنوينه. والتطويل كـما يكون بالعمل نصبا، كذلك يكون بالعمل رفعا.
ففي مسـائـل ابن جني [92] رحمـه اللّه تعالى، لشيخه ت إذا قلت: يا منطلق وزيد، وعطفت على المرفوع في منطلق، وقلت إنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه [93] ، أتنصب "منطلق"أم ترفعه؟ فاستقر أمرهما بعد محاورة طويلة على أن ينصب، وأنه مطوّل [94] .
والجواب عن الأول: أن الأخفش قد أجاز: إنّ قائـما أخواك. ومنع سيبويه لها إنـما هو لعدم مسوغ الابتداء بالنكرة.
قال بعض الفضلاء من أهل العصر، وقد عرضت ذلك عليه وارتضاه: قد خطر لي أن نحو "ليس قائم أخواك"يتفق الإمامان على إجازته.
وعن الثاني: أن ابن كيسان [95] اختار حذف التنوين من نحو ذلك، وجعل منه {لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} [96] و {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} [97] . وإن كان جمهور البصريين يؤولون ذلك.
قال بعض مشايخنا: وأرى أن مذهب ابن كيسان أولى لعدم التكلف.
[ وجهـا النصب] :
وأما النصب في "إلا اللّه"فمن وجهين:
أولهما: أن يكون على الاستثناء إذا قدر الخبر محذوفا، أي لا إله في الوجود إلا اللّه عز وجل. ولا يرجح عليه الرفع على البدل، كـما هو مقدر في الاستثناء التام غير الموجب، من جهة أن الترجيح هناك لحصول المشاكلة في الإتباعِ دون الاستثناء. حتى لو حصلت المشاكلة فيهما استويا، نحو: ما ضربت أحداً إلا زيدا.
نص على ذلـك جماعـة منهم الأُبذي رحمه اللّه تعالى. بل إذا حصلت المشاكلة في النصب على الاستثناء وفاتت في الإتباع ترجح النصب على الاستثناء. وهذا كذلك يترجح النصب في القياس، لكن السماع والأكثر الرفع. ولا يستنكر مثل ذلك، فقد يكون الشيء شاذا في القياس وهو واجب الاستعمال. وليس هذا موضع بسط ذلك [98] .
وقاك أبو الحسن الأبذي في شرح الكراسة: إنك إذا قلت: لا رجل في الدار إلا عمرو، كان نصب "إلا عمرو" على الاستثناء أحسن من رفعه على البدل، لما في ذلك من المشاكلة.
على أن أبا القاسم الكرماني [99] رحمه اللّه تعالى، قال في كتاب الغرائب، في قوله تعالى: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [100] : ولا يجوز النصب هنا، لأن الرفع يدل على أن الاعتماد على الثاني، والنصب يدل على أن الاعتماد على الأول. يعني إنك إذا أبدلت فما بعد إلا مسند إليه كالذي قبلها، إلا أن الاعتماد في الحكـم على البدل [101] ، وإذا نصبت فـما بعد إلا ليست مسندا إليه، إنـما هو مخرج.
وقد اعترض عليه بأنه لا فرق في المعنى بين قولنا: ما قام القوم إلا زيدٌ وإلا زيداً، إلا من حيث ان الرفع أولى من جهة المشاكلة.
وكلام الكرماني لا يقتضي منع النصب مطلقا، بل في الآية من جهة الأرجحية التي يجب حمل أفصح الكلام عليها.
وقي كلام بعضهم أرجحية الرفع لأن فيه إعراضا عن غير اللّه تعالى وإقبالا عليه بالكلية. وأما الاستثناء فيقتضي الاشتغال بنفي السابق وإثبات اللاحق، ففيه اشتغال بهما جميعاً. وهذا قد يرجح به النصب.... [102]
ثانيهما: أن يكون الخبر محذوفا كـما سبق، و"إلا اللّه "صفة لاسم "لا"على اللفظ [103] . وفي عبارة بعضهم أو على الموضع بعد دخـول "لا"، وهما متقاربان كـما سبق مثلهما في اللفظ.
قال الأبذيَ: ولا يجوز البدل من اسم "لا"عام اللفظ، يعني في: لا رجلَ في الدار إلا، زيداً، لأن البدل في نية تكرار العامل، ولو قدر فسد المعنى، وعملت "لا"في المعرفة. انتهى.
وقال ابن الحاجب، رحمه اللّه تعالى: لأن "لا"إنما عملت للنفي [104] . وفيه ما سبق.
وقال النيلي [105] : "وإن شئت قلت إنَّ "مِنْ "مقدرة في النفي إذا كان مفردا، وجاء بعد إلا موجب لا يصح تقدير "من "فيه. وقيل لأن تقدير "لا" يقتضي النفي، ووقوعه بعد إلا يقتضي الإثبات، فيفضي إلى التناقض".
وقد تلخص في "لا إله إلا اللّه"عشرة أوجه: الرفع من ستة أوجه، غير أن البدل من الموضع إما من موضع اسم لا قبل الدخول، وإما من لا مع اسمها، فيتقدر سبعة.
والنصب من وجهين إلا أن في وجه الصفة، إما أنه صفة للفظ اسم لا إجراء لحركة البناء مجرى حركة الإعراب، وإما أن يكون صفة لموضعه بعد دخول لا، فيتقدر ثلاثة مع السبعة، فتلك عشرة كاملة.
والذي في كلام ابن عصفور من ذلك أربعة أوجه، وهو أكثر من وسّع في "إلاّ"من الأوجه.
انتهى ما خطر لي في هذه المسألة من الأوجه الواضحة، واللّه يرزقنا منه المسامحة.
والحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته أجمعين.
تمت بحمد اللّه وعونه وحسن توفيقه
فهرس المصادر
1_ ابن هشام الأنصاري/ آثاره ومذهبه النحوي/ د. علي فودة نيل. منشورات جامعة الملك سعود- الرياض 1406 هـ/ 1985.
2_ أحكام الميراث في الشريعة الإِسلامية: د.جمعة برّاج. دار الفكر للنشر والتوزيع. عمان، الطبعة الأولى1401 هـ/ 1981م.
3_ أخبار النحويين البصريين: السيرافي، تحقيق د. محمد البنا، دار الاعتصام الطبعة الأولى 1405 هـ/1985م.
4_ ارتشاف الضرب: أبو حيان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى النماس.
5_ الاستغناء في أحكام الاستثناء: شهاب الدين القرافي، تحقيق د. طه محسن.
6_ أسرار العربية: الأنباري، تحقيق محمد بهجة البيطار، دمشق 1377هـ/ 1957م.
7_ إشارة التعين: عبد الباقي اليماني، تحقيق د. عبد المجيد دياب، الطبعة الأولى 1406 هـ.
8_ اشتقاق أسماء اللّه: الزجاجي، تحقيق د. عبد الحسـين المبارك، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1406 هـ/ 1986م.
9_ الأشباه والنظائر: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة.
10_ الأصول في النحو: ابن السرّاج، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي.
11_ أعجب العجب في شرح لامية العرب: الزمخشري، الطبعة الأولى بالجوائب 1300 هـ.
12_ إعراب الحديث النبوي: العكبري، تحقيق د.حسن موسى الشاعر، الطبعة الثانية 1408 هـ/1987 م.
13_ إعراب القرآن الكريم: النحاس، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة الثانية 1405 هـ/ 985 1م.
14_ إعـراب لامية الشنفري: العكبري، تحقيق محمد أديب جمران، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى 1404 هـ/ 1984م.
15_ الأعلام : الزركلي، دار العلم للملايين.
16_ إنباه الرواة: القفطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى.
17_ الإنصاف في مسائل الخلاف: الأنباري، تحقيقَ المرحوم الشيخ محي الدين عبد الحميد.
18_ أوضح المسالك: ابن هشام الأنصاري، تحقيق المرحوم الشيخ محي الدين عبد الحميد، الطبعة الخامسة- بيروت.
19_ إيضاح المكنون: إسماعيل باشا البغدادي.
20_ الإيضاح في شرح المفصَّل: ابن الحاجب، تحقيق د. موسى بناي العليلي، مطبعة العاني- بغداد 1982 م.
21_ البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي.
22_ البدر الطالع: الشوكاني، مطبعة السعادة، الطبعة الأولى 1348 هـ.
23_ البلغة في تاريخ أئمة اللغة: الفيروز أبادي، تحقيق محمد المصري، دمشق 1392هـ/1972 م.
24_ بغية الوعاة: السيوطي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة الحلب
ي، الطبعة الأولى 1384 هـ/1964 م.
25_ تاريخ الأدب العربي: بروكلمان، جـ5 نقله إلى العربية د. رمضان عبد التواب، الطبعة الثانية، دار المعارف بمصر.
26_ تاريخ العلماء النحويين: التنوخي، تحقيق د.عبد الفتاح الحلو، الرياض،1401 هـ/1981 م.
27_ التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية: الشيخ صالح الفوزان، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثالثة 1407 هـ/ 1986 م.
28_ تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد: ابن هشام الأنصاري، تحقيق د. عباس الصالحي، دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى 1406 هـ/ 1986 م.
29_ تسهيل الفوائد: ابن مالك، تحقيق محمد كامل بركات، القاهرة 1968ام.
30_ التصريح على التوضيح: الشيخ خالد الأزهري.
31_ التفسير الكبير: فخر الدين الرازي، الطبعة الأولى 1354 هـ/ 1935.
32_ الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، دار إحياء التراث العربي عن طبعة دار الكتب المصرية.
33_ الجني الداني في حروف المعاني: المرادي، تحقيق طه محسن 1396 هـ/ 1976 م.
34_ حاشية الصبان على شرح الأشموني: دار إحياء الكتب العربية.
35_ حاشية يس العليمي على التصريح: دار إحياء الكتب العربية.
36_ خزانة الأدب: البغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، دار الكتاب العربي.
37_ الخصائص: ابن جني، تحقيق محمد علي النجار، مطبعة دار الكتب المصرية، الطبعة الثانية 1371 هـ/1952م.
38_ الدرر الكامنة: ابن حجر، تحقيق محمد سيد جاد الحق.
39_ الدرّ المصون: السمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط، دار القلم، دمشق.
40_ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
41_ شرح أبيات سيبويه: ابن السيرافي، تحقيق د. محمد علي سلطاني، دار المأمون للتراث، دمشق 1979 م.
42_ شرح الأشموني مع الصبان، دار إحياء الكتب العربية.
43_ شرح جمل الزجاجي: ابن عصفور، تحقيق د. صاحب أبو جناح، 1400 هـ/ 1980 م. 44_ شرح ا لكافية: ا لرضي، بيروت.
45_ شرح الكافية الشافية: ابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، الطبعة الأولى 1402هـ/1982م.
46_ شرح اللمحة البدرية: ابن هشام. تحقيق د. هادي نهر.
47_ شرح المفصل: ابن يعيش، إدارة الطباعة المنيرية.
48_ فتح القدير: الشوكاني، دار الفكر- بيروت.
49_ الكتاب: سيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
50_ الكشاف: الزمخشري، مطبعة الحلبي.
51_ كشف الظنون: حاجي خليفة- بيروت.
52_ مجلة البحوث الإسلامية، تصدرها الرئاسة العامة لإدارات البحوث، في الرياض العدد 25 لسنة 1409 هـ.
53_ مسألة في كلمة الشهادة: الزمخشري، مخطوطة برلين.
54_ المسـائل المنثورة: أبو علي الفارسيّ، تحقيق مصطفى الحدري، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق.
55_ المساعد على تسهيل الفوائد: ابن عقيل، تحقيق د. محمد كامل بركات، الطبعة الأولى، منشورات جامعة أم القرى.
56_ معاني القرآن وإعرابه: الزجاج، تحقيق د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 08 14 هـ/1988م.
57_ معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة- بيروت.
58_ معنى لا إله إلا اللّه: الزركشي، تحقيق علي محي الدين القرة داغي، دار الإصلاح، القاهرة.
59_ مغني اللبيب: ابن هشام. تحقيق د. مازن المبارك وزميله، دمشق، الطبعة الأولى 1384 هـ/1964م.
60_ المقتصد في شرح الإيضاح: عبد القاهر الجرجاني، تحقيق د. كاظم بحر المرجان، 1982 م.
61- النكت في تفسير كتاب سيبويه: الأعلم الشنتمري، تحقيق زهير سلطان، الكويت 1407هـ/ 1987م.
62- همع الهوامع: السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية- الكويت.
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24473
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى