شرح حديث:من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو ردّ
صفحة 1 من اصل 1
شرح حديث:من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو ردّ
شرح حديث:من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو ردّ،وبيان بلادة فهم الوهابية له،ومخالفتهم للسّلف في تقسيم البدعة إلى حسنة ومذمومة:
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ.
وفي رواية:مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
وأخرجه مسلم في صحيحه بلفظ:مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ.
شرح الغريب:
أحدث في اللّغة: كُلّ شَيْء فُعِلَ عَلَى غَيْر مِثَال سَابِقٍ يُسَمَّى بِدْعَة سَوَاء كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا.
أحدث في الشّرع:قال الحافظ في فتح الباري على البخاري: وَالْمُرَاد بِهَا مَا أُحْدِث ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْع وَيُسَمَّى فِي عُرْف الشَّرْع "بِدْعَة".
وقال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم:أي : من اخترع في الشّرع ما لا يشهد له أصل من أصوله فهو مفسوخ ، لا يعمل به ، ولا يلتفت إليه.
فِي أَمْرِنَا: أي في ديننا.
فهو ردّ: أي مردود غير مقبول عند الله تعالى،مذموم في شرعه الحكيم.
شرح الحديث:
قال الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري شرح البخاري عند قول سيدنا عمر رضي الله عنه: ( نِعْمَ الْبِدْعَةُ ):وَالْبِدْعَة أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْر مِثَالٍ سَابِقٍ ، وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْع فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْت مُسْتَحْسِنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ .
وقال أيضا :وَهَذَا الْحَدِيث مَعْدُود مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة مِنْ قَوَاعِده ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مَنْ اِخْتَرَعَ فِي الدِّين مَا لَا يَشْهَد لَهُ أَصْل مِنْ أُصُوله فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ .
وقال أيضا:وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر " وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة " وَفِي حَدِيث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة " وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَات الْأُمُور فَإِنَّ كُلّ بِدْعَة ضَلَالَة "،وَهَذَا الْحَدِيث فِي الْمَعْنَى قَرِيب مِنْ حَدِيث عَائِشَة الْمُشَار إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِع الْكَلِم قَالَ الشَّافِعِيّ " الْبِدْعَة بِدْعَتَانِ : مَحْمُودَة وَمَذْمُومَة ، فَمَا وَافَقَ السُّنَّة فَهُوَ مَحْمُود وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ مَذْمُوم " أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن الْجُنَيْد عَنْ الشَّافِعِيّ ، وَجَاءَ عَنْ الشَّافِعِيّ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبه قَالَ "الْمُحْدَثَات ضَرْبَانِ مَا أُحْدِث يُخَالِف كِتَابًا أَوْ سُنَّة أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا فَهَذِهِ بِدْعَة الضَّلَال ، وَمَا أُحْدِث مِنْ الْخَيْر لَا يُخَالِف شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهَذِهِ مُحْدَثَة غَيْر مَذْمُومَة " اِنْتَهَى . وَقَسَّمَ بَعْض الْعُلَمَاء الْبِدْعَة إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَهُوَ وَاضِح.انتهى كلام الحافظ
قال الشيخ فريد الباجي: والذي دعا الامام الشّافعي وهو من السّلف، والحافظ ابن حجر وهو من أئمة الخلف إلى هذا التّقسيم في البدعة ، بأنها قد تكون حسنة مقبولة في الشّرع، وقد تكون مذمومة مردودة في الشّرع ، هو الحديث نفسه، إذ أن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم اشترط في ردّ المحدثة المبتدعة في الدّين أن لا تكون منه،أي لا تندرج تحت أصل شرعيّ من كتاب وسنة وإجماع أو قياس وغيرها من قواعد الأصول والاستنباط، وهذا واضح من منطوق الحديث الشريف، وكذلك من مفهومه، فإنّ القيد الذي اشترطه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله" ما ليس منه " دلّ بمفهوم المخالفة أنّ البدعة لا تكون مردودة في الشّرع وعند الله تعالى، إذا كانت تندرج تحت أصل شرعيّ باستنباط وفهم يتماشى مع أصول اللّغة وقواعد التشّريع، فتكون حينئذ منه أي من الدّين،وعليه فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو من قسّم البدعة إلى قسمين:مردودة ومقبولة،وهذا ما فهمه الشّافعي من الحديث وهو من أهل اللّسان العربي يدرك معاني اللغة العربية أكثر من الوهابيّة أدعياء السّلفية،ولم ينفرد الشّافعي بذلك فقد سبقه إلى هذا التّقسيم سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كما رواه مالك والبخاري ومسلم لمّا جمع الصّحابة والتّابعين رضي الله عنهم على صلاة التّراويح في جماعة طيلة شهر رمضان والحال أن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يفعلها إلا أيّاما قليلة،ولم يأمرهم بذلك ولم يفعله طيلة الشهر الكريم، فلما خرج عمر رضي الله عنه ورآهم مجتمعين يصلّون التراويح مواظبين عليها جماعة بما لم يكن في عهد النّبوة قال:نعمة البدعة هذه. أي البدعة تنقسم إلى حسنة وقبيحة حسب القيد الذي اشترطه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
شبهة وهابية وردّها:
إلا أنّ بعض الجفاة في الادراك والغلاة في الدّين ممن يدّعون اتّباع السّلف باللّسان ويخالفونهم في الفهم والأعمال، احتجّوا معارضين هذا التّفسير بحديث آخر صحيح أخرجه مسلم في صحيحه: وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وفي رواية النّسائي وابن خزيمة في صحيحه: وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ويزعمون أنّه يخالف فهم عمر والشافعي، حتى تجرّأ بعضهم فقال:نحن نتبع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا نتبع عمر،وكأنّهم بذلك يجعلون أنفسهم أفضل من سيدنا عمر في اتباع النّبي صلّى الله عليه وسلّم،وهذا لا يخفى ما فيه من تطاول على السّلف وتعال وغرور، مع ادّعائهم أنهم يعملون بالسّنة بفهم السّلف، ولهذا سموا أنفسهم سلفيّة كذبا وزورا.
والرّد عليهم في ذلك:
أنّه لا تعارض بين الحديثين إلاّ في أذهانكم الجافّة،وحاشى سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الصّحيحة أن تتعارض في ما بينها،وكيف يكون كذلك وكلّه من عند الله تعالى إمّا بوحي جليّ أو خفيّ؟وهو صلّى الله عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يُوحى،ولا يخرج من فيه إلا الحقّ،وأنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: "كلّ بدعة ضلالة" ظاهره مطلق في كلّ بدعة سواء عليه أمرنا أو ليس عليه أمرنا،ومعلوم في أصول الفقه أنّ المطلق من النّصوص الشّرعيّة الصّحيحة جاز تقييده بنصّ آخر شرعيّ صحيح جاء مُقيّدا له،فيحمل المطلق على المقيّد كي لا تتعارض النّصوص،وهو مقدّم عند جميع العلماء على التّرجيح،ولم يقل أحد بإبقاء المطلق على إطلاقه وإلغاء المُقيّد،وبخاصّة إذا كان الجمع يستقيم على قواعد اللّغة،لأنّ التّقدير في كلام النبيّ قوله صلّى الله عليه وسلّم"كلّ بدعة ضلالةٌ" أي كلُّ بدعةٍ كائنةٍ فِي ديننا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُضلالةٌ. وهو صحيح لا يتعارض مع ما تقدّم من كلامه صلّى الله عليه وسلّم، ويكون إعراب الجملة المقدّرة " كائنةٍ فِي ديننا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ" في محلّ جرّ صفة لبدعةٍ،والأوصاف قيود معنويّة،ويستقيم بذلك الكلام وتقبله اللّغة ويتوافق مع الحديث الصحيح المتقدّم،ويكون المعنى: كلُّ بدعة لا تندرج تحت أصل شرعيّ ضلالةٌ،وبه نقول على ضلالة التّعميم الكلّي من غير تخصيص لجميع البدع في الدّين التّي لا تندرج تحت أصل شرعيّ. قال الحافظ في الفتح:وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ " كُلّ بِدْعَة ضَلَالَة " مَا أُحْدِث وَلَا دَلِيل لَهُ مِنْ الشَّرْع بِطَرِيقِ خَاصّ وَلَا عَامّ.
فبان لك بحمد الله تعالى إن كنت من أهل العلم والبصيرة، بعد هذا الشّرح والتفسير مدى الجهل بالدّين عند هذه الطائفة الشاذّة،وظهر لك أنّ قاعدة الوهابيّة أدعياء السلفيّة: أنّ كل شيء لم يفعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو بدعة ضلالة على الاطلاق،هو من ابتداعهم في الدّين،وتهديم لقواعد الاسلام المتين، فلو أنّ الصّحابة فهموا فهم الوهابية لما جمعوا لنا المصحف في كتاب واحد،ولم يكن ذلك في عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
قال الحافظ في شرحه على البخاري: وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام : فِي أَوَاخِر " الْقَوَاعِد "
الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام:
" فَالْوَاجِبَة ": كَالِاشْتِغَالِ بِالنَّحْوِ الَّذِي يُفْهَم بِهِ كَلَام اللَّه وَرَسُوله لِأَنَّ حِفْظ الشَّرِيعَة وَاجِب ، وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِذَلِكَ فَيَكُون مِنْ مُقَدَّمَة الْوَاجِب ، وَكَذَا شَرْح الْغَرِيب وَتَدْوِين أُصُول الْفِقْه وَالتَّوَصُّل إِلَى تَمْيِيز الصَّحِيح وَالسَّقِيم.
" وَالْمُحَرَّمَة ": مَا رَتَّبَهُ مَنْ خَالَفَ السُّنَّة مِنْ الْقَدَرِيَّة وَالْمُرْجِئَة وَالْمُشَبِّهَة " وَالْمَنْدُوبَة ": كُلّ إِحْسَان لَمْ يُعْهَد عَيْنُهُ فِي الْعَهْد النَّبَوِيّ كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى التَّرَاوِيح وَبِنَاء الْمَدَارِس وَالرُّبَط وَالْكَلَام فِي التَّصَوُّف الْمَحْمُود وَعَقْد مَجَالِس الْمُنَاظَرَة إِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه.
" وَالْمُبَاحَة ": كَالْمُصَافَحَةِ عَقِب صَلَاة الصُّبْح وَالْعَصْر ، وَالتَّوَسُّع فِي الْمُسْتَلَذَّات مِنْ أَكْل وَشُرْب وَمَلْبَس وَمَسْكَن . وَقَدْ يَكُون بَعْض ذَلِكَ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَاف الْأَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
والسلام على من اتبع الحقّ ورفض هواه.
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ.
وفي رواية:مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
وأخرجه مسلم في صحيحه بلفظ:مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ.
شرح الغريب:
أحدث في اللّغة: كُلّ شَيْء فُعِلَ عَلَى غَيْر مِثَال سَابِقٍ يُسَمَّى بِدْعَة سَوَاء كَانَ مَحْمُودًا أَوْ مَذْمُومًا.
أحدث في الشّرع:قال الحافظ في فتح الباري على البخاري: وَالْمُرَاد بِهَا مَا أُحْدِث ، وَلَيْسَ لَهُ أَصْل فِي الشَّرْع وَيُسَمَّى فِي عُرْف الشَّرْع "بِدْعَة".
وقال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم:أي : من اخترع في الشّرع ما لا يشهد له أصل من أصوله فهو مفسوخ ، لا يعمل به ، ولا يلتفت إليه.
فِي أَمْرِنَا: أي في ديننا.
فهو ردّ: أي مردود غير مقبول عند الله تعالى،مذموم في شرعه الحكيم.
شرح الحديث:
قال الحافظ ابن حجر كما في فتح الباري شرح البخاري عند قول سيدنا عمر رضي الله عنه: ( نِعْمَ الْبِدْعَةُ ):وَالْبِدْعَة أَصْلُهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْر مِثَالٍ سَابِقٍ ، وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْع فِي مُقَابِلِ السُّنَّةِ فَتَكُونُ مَذْمُومَةً ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْت مُسْتَحْسِنٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَنْدَرِجُ تَحْتَ مُسْتَقْبَحٍ فِي الشَّرْعِ فَهِيَ مُسْتَقْبَحَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ وَقَدْ تَنْقَسِمُ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ .
وقال أيضا :وَهَذَا الْحَدِيث مَعْدُود مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة مِنْ قَوَاعِده ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مَنْ اِخْتَرَعَ فِي الدِّين مَا لَا يَشْهَد لَهُ أَصْل مِنْ أُصُوله فَلَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ .
وقال أيضا:وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث جَابِر " وَكُلّ بِدْعَة ضَلَالَة " وَفِي حَدِيث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة " وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَات الْأُمُور فَإِنَّ كُلّ بِدْعَة ضَلَالَة "،وَهَذَا الْحَدِيث فِي الْمَعْنَى قَرِيب مِنْ حَدِيث عَائِشَة الْمُشَار إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْ جَوَامِع الْكَلِم قَالَ الشَّافِعِيّ " الْبِدْعَة بِدْعَتَانِ : مَحْمُودَة وَمَذْمُومَة ، فَمَا وَافَقَ السُّنَّة فَهُوَ مَحْمُود وَمَا خَالَفَهَا فَهُوَ مَذْمُوم " أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن الْجُنَيْد عَنْ الشَّافِعِيّ ، وَجَاءَ عَنْ الشَّافِعِيّ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبه قَالَ "الْمُحْدَثَات ضَرْبَانِ مَا أُحْدِث يُخَالِف كِتَابًا أَوْ سُنَّة أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا فَهَذِهِ بِدْعَة الضَّلَال ، وَمَا أُحْدِث مِنْ الْخَيْر لَا يُخَالِف شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهَذِهِ مُحْدَثَة غَيْر مَذْمُومَة " اِنْتَهَى . وَقَسَّمَ بَعْض الْعُلَمَاء الْبِدْعَة إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة وَهُوَ وَاضِح.انتهى كلام الحافظ
قال الشيخ فريد الباجي: والذي دعا الامام الشّافعي وهو من السّلف، والحافظ ابن حجر وهو من أئمة الخلف إلى هذا التّقسيم في البدعة ، بأنها قد تكون حسنة مقبولة في الشّرع، وقد تكون مذمومة مردودة في الشّرع ، هو الحديث نفسه، إذ أن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم اشترط في ردّ المحدثة المبتدعة في الدّين أن لا تكون منه،أي لا تندرج تحت أصل شرعيّ من كتاب وسنة وإجماع أو قياس وغيرها من قواعد الأصول والاستنباط، وهذا واضح من منطوق الحديث الشريف، وكذلك من مفهومه، فإنّ القيد الذي اشترطه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله" ما ليس منه " دلّ بمفهوم المخالفة أنّ البدعة لا تكون مردودة في الشّرع وعند الله تعالى، إذا كانت تندرج تحت أصل شرعيّ باستنباط وفهم يتماشى مع أصول اللّغة وقواعد التشّريع، فتكون حينئذ منه أي من الدّين،وعليه فالرّسول صلّى الله عليه وسلّم هو من قسّم البدعة إلى قسمين:مردودة ومقبولة،وهذا ما فهمه الشّافعي من الحديث وهو من أهل اللّسان العربي يدرك معاني اللغة العربية أكثر من الوهابيّة أدعياء السّلفية،ولم ينفرد الشّافعي بذلك فقد سبقه إلى هذا التّقسيم سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه كما رواه مالك والبخاري ومسلم لمّا جمع الصّحابة والتّابعين رضي الله عنهم على صلاة التّراويح في جماعة طيلة شهر رمضان والحال أن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لم يفعلها إلا أيّاما قليلة،ولم يأمرهم بذلك ولم يفعله طيلة الشهر الكريم، فلما خرج عمر رضي الله عنه ورآهم مجتمعين يصلّون التراويح مواظبين عليها جماعة بما لم يكن في عهد النّبوة قال:نعمة البدعة هذه. أي البدعة تنقسم إلى حسنة وقبيحة حسب القيد الذي اشترطه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
شبهة وهابية وردّها:
إلا أنّ بعض الجفاة في الادراك والغلاة في الدّين ممن يدّعون اتّباع السّلف باللّسان ويخالفونهم في الفهم والأعمال، احتجّوا معارضين هذا التّفسير بحديث آخر صحيح أخرجه مسلم في صحيحه: وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وفي رواية النّسائي وابن خزيمة في صحيحه: وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. ويزعمون أنّه يخالف فهم عمر والشافعي، حتى تجرّأ بعضهم فقال:نحن نتبع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا نتبع عمر،وكأنّهم بذلك يجعلون أنفسهم أفضل من سيدنا عمر في اتباع النّبي صلّى الله عليه وسلّم،وهذا لا يخفى ما فيه من تطاول على السّلف وتعال وغرور، مع ادّعائهم أنهم يعملون بالسّنة بفهم السّلف، ولهذا سموا أنفسهم سلفيّة كذبا وزورا.
والرّد عليهم في ذلك:
أنّه لا تعارض بين الحديثين إلاّ في أذهانكم الجافّة،وحاشى سنّة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الصّحيحة أن تتعارض في ما بينها،وكيف يكون كذلك وكلّه من عند الله تعالى إمّا بوحي جليّ أو خفيّ؟وهو صلّى الله عليه وسلّم لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يُوحى،ولا يخرج من فيه إلا الحقّ،وأنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: "كلّ بدعة ضلالة" ظاهره مطلق في كلّ بدعة سواء عليه أمرنا أو ليس عليه أمرنا،ومعلوم في أصول الفقه أنّ المطلق من النّصوص الشّرعيّة الصّحيحة جاز تقييده بنصّ آخر شرعيّ صحيح جاء مُقيّدا له،فيحمل المطلق على المقيّد كي لا تتعارض النّصوص،وهو مقدّم عند جميع العلماء على التّرجيح،ولم يقل أحد بإبقاء المطلق على إطلاقه وإلغاء المُقيّد،وبخاصّة إذا كان الجمع يستقيم على قواعد اللّغة،لأنّ التّقدير في كلام النبيّ قوله صلّى الله عليه وسلّم"كلّ بدعة ضلالةٌ" أي كلُّ بدعةٍ كائنةٍ فِي ديننا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُضلالةٌ. وهو صحيح لا يتعارض مع ما تقدّم من كلامه صلّى الله عليه وسلّم، ويكون إعراب الجملة المقدّرة " كائنةٍ فِي ديننا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ" في محلّ جرّ صفة لبدعةٍ،والأوصاف قيود معنويّة،ويستقيم بذلك الكلام وتقبله اللّغة ويتوافق مع الحديث الصحيح المتقدّم،ويكون المعنى: كلُّ بدعة لا تندرج تحت أصل شرعيّ ضلالةٌ،وبه نقول على ضلالة التّعميم الكلّي من غير تخصيص لجميع البدع في الدّين التّي لا تندرج تحت أصل شرعيّ. قال الحافظ في الفتح:وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ " كُلّ بِدْعَة ضَلَالَة " مَا أُحْدِث وَلَا دَلِيل لَهُ مِنْ الشَّرْع بِطَرِيقِ خَاصّ وَلَا عَامّ.
فبان لك بحمد الله تعالى إن كنت من أهل العلم والبصيرة، بعد هذا الشّرح والتفسير مدى الجهل بالدّين عند هذه الطائفة الشاذّة،وظهر لك أنّ قاعدة الوهابيّة أدعياء السلفيّة: أنّ كل شيء لم يفعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو بدعة ضلالة على الاطلاق،هو من ابتداعهم في الدّين،وتهديم لقواعد الاسلام المتين، فلو أنّ الصّحابة فهموا فهم الوهابية لما جمعوا لنا المصحف في كتاب واحد،ولم يكن ذلك في عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.
قال الحافظ في شرحه على البخاري: وَقَالَ اِبْن عَبْد السَّلَام : فِي أَوَاخِر " الْقَوَاعِد "
الْبِدْعَة خَمْسَة أَقْسَام:
" فَالْوَاجِبَة ": كَالِاشْتِغَالِ بِالنَّحْوِ الَّذِي يُفْهَم بِهِ كَلَام اللَّه وَرَسُوله لِأَنَّ حِفْظ الشَّرِيعَة وَاجِب ، وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِذَلِكَ فَيَكُون مِنْ مُقَدَّمَة الْوَاجِب ، وَكَذَا شَرْح الْغَرِيب وَتَدْوِين أُصُول الْفِقْه وَالتَّوَصُّل إِلَى تَمْيِيز الصَّحِيح وَالسَّقِيم.
" وَالْمُحَرَّمَة ": مَا رَتَّبَهُ مَنْ خَالَفَ السُّنَّة مِنْ الْقَدَرِيَّة وَالْمُرْجِئَة وَالْمُشَبِّهَة " وَالْمَنْدُوبَة ": كُلّ إِحْسَان لَمْ يُعْهَد عَيْنُهُ فِي الْعَهْد النَّبَوِيّ كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى التَّرَاوِيح وَبِنَاء الْمَدَارِس وَالرُّبَط وَالْكَلَام فِي التَّصَوُّف الْمَحْمُود وَعَقْد مَجَالِس الْمُنَاظَرَة إِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه.
" وَالْمُبَاحَة ": كَالْمُصَافَحَةِ عَقِب صَلَاة الصُّبْح وَالْعَصْر ، وَالتَّوَسُّع فِي الْمُسْتَلَذَّات مِنْ أَكْل وَشُرْب وَمَلْبَس وَمَسْكَن . وَقَدْ يَكُون بَعْض ذَلِكَ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَاف الْأَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
والسلام على من اتبع الحقّ ورفض هواه.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى