هل يتعارض العقل مع النقل؟
صفحة 1 من اصل 1
هل يتعارض العقل مع النقل؟
هل يتعارض العقل مع النقل؟
العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح :
من المحال أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح ، بل العقل الصريح يشهد للنقل الصحيح ويؤيده ، ذلك أن الذي خلق العقل هو الذى أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده، فهو سبحانه أعلم بما يصلح الإنسان وبما يسعده في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سورة الملك، فإذا التزم الإنسان بمنهج ربه وشرعته ، كان من المحال أن يضل أو يشقى ...
الهداية تكون فى قيادة النقل الصحيح للعقل الصريح:
والدليل قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ()وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ( الشورى : 52)
وقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}المائدة 66 وقال تعالى : { فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف157
وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم أن صلاح الإنسانية فى اتباع منهجه فى الحياة ، وأن سنته وحدها هى سبيل النجاة فقال : " كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى "قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال :" من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى "
( البخارى ) وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ، ثم قال : " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( الأنعام : 153) فإن الله أسس دينه وبناه على الاتباع وإدراكه وقبوله على العقل.
الضلال الحقيقى فى قيادة النقل الباطل للعقل الصريح:
لا يمكن لعاقل يعلم أن صلاح الصنعة فى اتباع نظام التشغيل الذى وضعه صانعها الموصوف بالعلم والخبرة وجودة الصنعة ، ثم يعمد إلى نظام بديل لا علاقة له بالصنعة فى قليل أو كثير ، قد وضعه إنسان عاجز فقير .
فإذا كان المسلم العاقل مقرا بذلك فيما يحدث بين البشر ، فكيف يترك هداية الله ، ويطلب الهداية ويستوردها من تشريعات اليهود والنصارى ، والبوذية وعباد الهوى فى الشرق والغرب . قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْتُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}( آل عمران : 100)
وقال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}( البقرة : 135)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال: " فمن ؟ )
الوعيد الشديد لمن لم يلتزم بالنقل الصحيح
من المعلوم أن الصانع يضع شروطا دقيقة لضمان الصنعة ضد عيوب التشغيل ؛ فيلتزم بان صنعته لا يمكن أن تفسد إذا التزم المشترى فى تشغيلها بدليل التشغيل.
فإذا فسدت الصنعة نتيجة عدم التزام المشترى بدليل التشغيل ، فإنه لا يمكن أن يطالب المصنع بإصلاح الصنعة ، بل لابد أن يدفع التكلفة اللازمة لإصلاحها .
إذا كان ذلك معلوما فى تعامل المخلوق مع المخلوق ، ألا يستحق الإنسان شديد العقاب لو أفسد صنعة الله ، وقد وضع له نظاما فى حياته يسعده فى دنياه وبعد مماته ، ثم يظلم نفسه أو غيره باتباعه نظاما باطلا ، من وضع إنسان عاجز فقير من أمثاله . قال تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } ( الروم : 41)
وقال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ( الكهف : 57)
وقال تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ( المائدة : 44)
وقال تعالى{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
( النساء : 65)
أسباب التعارض بين العقل والنقل :العقل والنقل وسيلتان لغاية واحدة هى : الوصول إلى الله ، والوسائل التى تؤدى إلى غاية واحدة لا يمكن أن تتعارض . وما خالف النصوص الصحيحة فهو إما شبهات فاسدة ، يعلم بالعقل بطلانها ، أو أحاديث موضوعة ودلالات ضعيفة . قال ابن تيمية رحمه الله:
(العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ولكن كثيرا من الناس يغلطون إما فى هذا وإما فى هذا )
وقال : (المنقول عن الأنبياء لا يخالف بعضه بعضا ، ولكن كثيرا من الناس يظن تناقض ذلك ، وهؤلاء من الذين اختلفوا فى الكتاب ، وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد ) .
وقال: (الرسل لا يخبرون بمحالات العقول، بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ).
السبب الأول للتعارض : عدم ثبوت النقل
إذا تعارض العقل مع النقل فالسبب الأول أن النقل لم يثبت ، فينسب مدعى التعارض إلى دين الله ما ليس منه ، كالذين ينقلون للناس الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة . فماذا يصنع العاقل إذا سمع مرة خطيبا يذكر حديث يرفعه إلى رسول الله فيقول: ( إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد) ( صحيح الجامع ) ثم يسمعه مرة أخرى يروى حديثا آخر فيه : ( أول ما خلق الله العقل ، فقال له : اقبل . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت أشرف منك ).
ثم يسمع خطيبا آخر يروى حديث عن النبي: (أول ما خلق الله نورى ) إي نور النبي
فالعاقل يقف حائرا بين تلك الروايات ، ومن الخطأ التوفيق بينها قبل البحث عن ثبوتها ، وبالبحث وجد أن الحديث الأول صحيح، وأما الثانى فموضوع باتفاق . وأما الثالث فجزء من حديث موضوع من اختراعات الصوفية ،
وقد ذكر العلامة ابن القيم أمثلة كثيرة للأحاديث الموضوعة تبين منافاتها للعقل الصريح ، مثل الحديث الموضوع الذى فيه : (عليكم بالعدس ، فإنه يرقق القلب ، ويكثر الدمعة ، قدس فيه سبعون نبيا )
وقد سئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث ، وقيل له أنه يروى عنك ، قال : ( وعنى ؟ ما أرفع شيئا فى العدس ، إنه شهوة اليهود ، ولو قدس فيه نبى واحد لكان شفاء من الأدواء ، فكيف بسبعين نبيا ، وقد سماه الله أدنى ، وذم من اختاره على المن والسلوى ، وجعله قرين الثوم والبصل ).
السبب الثانى : عدم فهم العقل للنقل
إذا صح النقل ولم يفهمه العقل ، فلابد من تنزيه كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عن التضارب والخطأ ، ورد العيب إلى قصور العقل فى إدراك الفهم الصحيح .فإن كتاب الله وحى لا يأتيه الباطل من بين يديه فيتعارض ظاهرا ، ولا من خلفه فيتعارض باطنا . قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ( فصلت: 42)
وقال تعالى فى بيان أن تعظيم كلام الله وخشيته وتقواه سبب فى فتح الله على القلوب بالعلم : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ( البقرة : 282)
ومن أمثلة التعارض بين العقل والنقل ، بسبب عدم فهم العقل لما صح فى النقل وقد بين ذلك ابن تيمية في الأمثلة التالية:
(1) ادعاء بعض المستشرقين التعارض بين آيات القرآن فى إثبات الهداية للنبي ، ثم نفيها عنه فقال تعالى فى إثباتها وقال :{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ( الشورى : 52)
وقال نافيا لها : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } ( القصص : 56 )
ومعلوم أن الهداية المثبتة للنبي قال ابن تيمية رحمه الله: هي الهداية الشرعية التكليفية ، وهى هداية البيان والدلالة والإرشاد ، وأما تلك الهداية المنفية عن النبى صلى الله عليه وسلم فهي الهداية الكونية التي قدرها الله لمن شاء .
(2) ادعاء كثير من المستشرقين ، وأتباعهم من العلمانيين تعارض حديث الذباب مع العقل الصريح ، وهو حديث صحيح رواه البخارى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال: قال:" إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم ، فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ، فإن فى أحد جناحيه شفاء ، وفى الآخر داء " المؤمنون صدقوا بكلام نبيهم عليه الصلاة والسلام سواء عرفوا الحكمة أم لم يعرفوا.
وقد بان على لسان الغربيين أنفسهم أنه إحدى معجزات النبى صلى الله عليه وسلم الطبية التى يجب أن تسجل بأحرف ذهبية ، حيث أثبتت التجارب العلمية أن أقرب مبيد لتلك الجراثيم التى نقلها الذباب إلى الإناء هو مبيد البكتريا فى الجناح الآخر للذبابة نفسها .
ملخص من كتاب سهل في التوحيد والعقيد، ومحاضرات الشيخ الدكتور الرضواني
العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح :
من المحال أن يتعارض العقل الصريح مع النقل الصحيح ، بل العقل الصريح يشهد للنقل الصحيح ويؤيده ، ذلك أن الذي خلق العقل هو الذى أرسل إليه النقل ، ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده، فهو سبحانه أعلم بما يصلح الإنسان وبما يسعده في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى:{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} سورة الملك، فإذا التزم الإنسان بمنهج ربه وشرعته ، كان من المحال أن يضل أو يشقى ...
الهداية تكون فى قيادة النقل الصحيح للعقل الصريح:
والدليل قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ()وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } ( الشورى : 52)
وقال تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}المائدة 66 وقال تعالى : { فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف157
وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم أن صلاح الإنسانية فى اتباع منهجه فى الحياة ، وأن سنته وحدها هى سبيل النجاة فقال : " كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى "قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال :" من أطاعنى دخل الجنة ، ومن عصانى فقد أبى "
( البخارى ) وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ، ثم قال : " هذا سبيل الله " ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه " ثم قرأ : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " ( الأنعام : 153) فإن الله أسس دينه وبناه على الاتباع وإدراكه وقبوله على العقل.
الضلال الحقيقى فى قيادة النقل الباطل للعقل الصريح:
لا يمكن لعاقل يعلم أن صلاح الصنعة فى اتباع نظام التشغيل الذى وضعه صانعها الموصوف بالعلم والخبرة وجودة الصنعة ، ثم يعمد إلى نظام بديل لا علاقة له بالصنعة فى قليل أو كثير ، قد وضعه إنسان عاجز فقير .
فإذا كان المسلم العاقل مقرا بذلك فيما يحدث بين البشر ، فكيف يترك هداية الله ، ويطلب الهداية ويستوردها من تشريعات اليهود والنصارى ، والبوذية وعباد الهوى فى الشرق والغرب . قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْتُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}( آل عمران : 100)
وقال تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}( البقرة : 135)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه " قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال: " فمن ؟ )
الوعيد الشديد لمن لم يلتزم بالنقل الصحيح
من المعلوم أن الصانع يضع شروطا دقيقة لضمان الصنعة ضد عيوب التشغيل ؛ فيلتزم بان صنعته لا يمكن أن تفسد إذا التزم المشترى فى تشغيلها بدليل التشغيل.
فإذا فسدت الصنعة نتيجة عدم التزام المشترى بدليل التشغيل ، فإنه لا يمكن أن يطالب المصنع بإصلاح الصنعة ، بل لابد أن يدفع التكلفة اللازمة لإصلاحها .
إذا كان ذلك معلوما فى تعامل المخلوق مع المخلوق ، ألا يستحق الإنسان شديد العقاب لو أفسد صنعة الله ، وقد وضع له نظاما فى حياته يسعده فى دنياه وبعد مماته ، ثم يظلم نفسه أو غيره باتباعه نظاما باطلا ، من وضع إنسان عاجز فقير من أمثاله . قال تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } ( الروم : 41)
وقال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} ( الكهف : 57)
وقال تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ( المائدة : 44)
وقال تعالى{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
( النساء : 65)
أسباب التعارض بين العقل والنقل :العقل والنقل وسيلتان لغاية واحدة هى : الوصول إلى الله ، والوسائل التى تؤدى إلى غاية واحدة لا يمكن أن تتعارض . وما خالف النصوص الصحيحة فهو إما شبهات فاسدة ، يعلم بالعقل بطلانها ، أو أحاديث موضوعة ودلالات ضعيفة . قال ابن تيمية رحمه الله:
(العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ولكن كثيرا من الناس يغلطون إما فى هذا وإما فى هذا )
وقال : (المنقول عن الأنبياء لا يخالف بعضه بعضا ، ولكن كثيرا من الناس يظن تناقض ذلك ، وهؤلاء من الذين اختلفوا فى الكتاب ، وإن الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد ) .
وقال: (الرسل لا يخبرون بمحالات العقول، بل بمحارات العقول، فلا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ).
السبب الأول للتعارض : عدم ثبوت النقل
إذا تعارض العقل مع النقل فالسبب الأول أن النقل لم يثبت ، فينسب مدعى التعارض إلى دين الله ما ليس منه ، كالذين ينقلون للناس الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة . فماذا يصنع العاقل إذا سمع مرة خطيبا يذكر حديث يرفعه إلى رسول الله فيقول: ( إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى بما هو كائن إلى الأبد) ( صحيح الجامع ) ثم يسمعه مرة أخرى يروى حديثا آخر فيه : ( أول ما خلق الله العقل ، فقال له : اقبل . ثم قال : وعزتي وجلالي ما خلقت أشرف منك ).
ثم يسمع خطيبا آخر يروى حديث عن النبي: (أول ما خلق الله نورى ) إي نور النبي
فالعاقل يقف حائرا بين تلك الروايات ، ومن الخطأ التوفيق بينها قبل البحث عن ثبوتها ، وبالبحث وجد أن الحديث الأول صحيح، وأما الثانى فموضوع باتفاق . وأما الثالث فجزء من حديث موضوع من اختراعات الصوفية ،
وقد ذكر العلامة ابن القيم أمثلة كثيرة للأحاديث الموضوعة تبين منافاتها للعقل الصريح ، مثل الحديث الموضوع الذى فيه : (عليكم بالعدس ، فإنه يرقق القلب ، ويكثر الدمعة ، قدس فيه سبعون نبيا )
وقد سئل عبد الله بن المبارك عن هذا الحديث ، وقيل له أنه يروى عنك ، قال : ( وعنى ؟ ما أرفع شيئا فى العدس ، إنه شهوة اليهود ، ولو قدس فيه نبى واحد لكان شفاء من الأدواء ، فكيف بسبعين نبيا ، وقد سماه الله أدنى ، وذم من اختاره على المن والسلوى ، وجعله قرين الثوم والبصل ).
السبب الثانى : عدم فهم العقل للنقل
إذا صح النقل ولم يفهمه العقل ، فلابد من تنزيه كلام الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عن التضارب والخطأ ، ورد العيب إلى قصور العقل فى إدراك الفهم الصحيح .فإن كتاب الله وحى لا يأتيه الباطل من بين يديه فيتعارض ظاهرا ، ولا من خلفه فيتعارض باطنا . قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ( فصلت: 42)
وقال تعالى فى بيان أن تعظيم كلام الله وخشيته وتقواه سبب فى فتح الله على القلوب بالعلم : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ( البقرة : 282)
ومن أمثلة التعارض بين العقل والنقل ، بسبب عدم فهم العقل لما صح فى النقل وقد بين ذلك ابن تيمية في الأمثلة التالية:
(1) ادعاء بعض المستشرقين التعارض بين آيات القرآن فى إثبات الهداية للنبي ، ثم نفيها عنه فقال تعالى فى إثباتها وقال :{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ( الشورى : 52)
وقال نافيا لها : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } ( القصص : 56 )
ومعلوم أن الهداية المثبتة للنبي قال ابن تيمية رحمه الله: هي الهداية الشرعية التكليفية ، وهى هداية البيان والدلالة والإرشاد ، وأما تلك الهداية المنفية عن النبى صلى الله عليه وسلم فهي الهداية الكونية التي قدرها الله لمن شاء .
(2) ادعاء كثير من المستشرقين ، وأتباعهم من العلمانيين تعارض حديث الذباب مع العقل الصريح ، وهو حديث صحيح رواه البخارى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال: قال:" إذا وقع الذباب فى إناء أحدكم ، فليغمسه كله ، ثم ليطرحه ، فإن فى أحد جناحيه شفاء ، وفى الآخر داء " المؤمنون صدقوا بكلام نبيهم عليه الصلاة والسلام سواء عرفوا الحكمة أم لم يعرفوا.
وقد بان على لسان الغربيين أنفسهم أنه إحدى معجزات النبى صلى الله عليه وسلم الطبية التى يجب أن تسجل بأحرف ذهبية ، حيث أثبتت التجارب العلمية أن أقرب مبيد لتلك الجراثيم التى نقلها الذباب إلى الإناء هو مبيد البكتريا فى الجناح الآخر للذبابة نفسها .
ملخص من كتاب سهل في التوحيد والعقيد، ومحاضرات الشيخ الدكتور الرضواني
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: هل يتعارض العقل مع النقل؟
مقالة رائعة بحق
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» العقل
» شئ لا يصدقه العقل !!
» كلمات من ثلاثة احرف تهز العقل
» قوة التفكير بين العقل والضمير
» الأدب صورة العقل
» شئ لا يصدقه العقل !!
» كلمات من ثلاثة احرف تهز العقل
» قوة التفكير بين العقل والضمير
» الأدب صورة العقل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى