التحذير من تتبع زلات العلماء
صفحة 1 من اصل 1
التحذير من تتبع زلات العلماء
التحذير من تتبع زلات العلماء، صلاة الجنازة بغير طهارة مثال لذلك
________________________________________
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فهذا مبحث لطيف في التحذير من تتبع زلات العلماء، مع ذكر مثال لذلك (( جواز صلاة الجنازة للمُحْدِث (أي يصلي: بغير طهارة) )).
[تَحْذيرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ تَتَبُّعِ زلاَّتِ العلماء]:
لقد حذَّرَ أهلُ العلمِ مِنْ تَتَبُّعِ زلاَّتِ العلماء وأقوالِهم الشاذة، وإليك بعض أقوالِهم:
1- قالَ الإمامُ سُليمان بنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ (ت:143هـ):
[لَوْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ أَوْ زَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ].
فَعَلَّقَ الإمَامُ ابنُ عبد البر (ت:463هـ) قائلاً: [هذا إجماع لا أعلم فيه خِلافاً، والحمد لله]([1]).
2- وقالَ الإمامُ إبراهيمُ بنُ أبي عَبْلَة (ت:152هـ): [مَنْ حَمَلَ شَاذَّ الْعُلَمَاءِ حَمَلَ شَرّاً كَثِيراً]([2]).
3- وقال الإمامُ الأَوْزَاعِيُّ (ت:157هـ) : [مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ]([3]).
4- وقَالَ الإمَامُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان (ت:198هـ):
[لَو أَنَّ رَجُلاً عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ، بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الْنَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدينَةِ فِي الْسَّمَاعِ - يعني الغناء -، وَأَهْلِ مَكَّة فِي الْمُتْعَةِ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبِي، كَانَ بِهِ فَاسِقَاً]([4]).
5- وقالَ الإمامُ أبُو إسْحاق إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي (ت:282هـ):
[دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَضِدِ، فَدَفَعَ إِلَىَّ كِتَاباً نَظَرْتُ فِيهِ، وَكَانَ قَدْ جُمِعَ لَهُ الرُّخَصُ مِنْ زَلَلِ الْعُلَمَاءِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ زِنْدِيقٌ.
فَقَالَ: لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الأَحَادِيثُ ؟
قُلْتُ: الأَحَادِيثُ عَلَى مَا رُوِيَتْ، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحِ الْمُتْعَةَ، وَمَنْ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحِ الْغِنَاءَ وَالْمُسْكِرَ، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّةٌ، وَمَنْ جَمَعَ زَلَلَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ.
فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ فَأُحْرِقَ ذَلِكَ الْكِتَابُ]([5]).
6- وقَالَ الإمَامُ الذَّهَبِيُّ (ت:748هـ):
[وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ، وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ]([6]).
[زلةُ العالمِ لا يَصِح اعتمادُها ولا الأخذُ بِها تَقليداً له]:
قال الإمام الشاطبي (ت:790هـ): [زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بِها تقليدًا له، وذلك لأنَّها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدًّا بِها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنَّه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بِها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً؛ فإنَّ هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين، وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل وغيره ما يرشد إلى هذا المعنى]([7]).
[لا يصح اعتماد زلات العلماء في الخلاف]:
قال الإمام الشاطبي (ت:790هـ): [لا يصح اعتمادها خلافًا في المسائل الشرعية؛ لأنَّها لمتصدر في الحقيقة عن اجتهاد، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهادٌ، فهو لم يصادف فيها محلاً، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، وإنما يعد في الخلاف الأقوالُ الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوي أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا؛ فلذلك قيل: إنه لا يصح أنْ يُعتد بِها في الخلاف، كما لم يَعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها]([8]).
[نشر الأقوال الشاذة في عصرنا الحاضر]:
وبعد هذا التحذير الشديد من أهل العلم، نجد من ينشر زلات العلماء واقوالَهم الشاذة بين الناس، فأسأل الله الإعانة على التصدي لَهم، وأسأله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.
[مِنَ الأقوال الشاذة: مشروعية صلاة الجنازة بغير طهارة]
عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: ((لا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الْجَنَازَةِ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ))([9]).
1- قال الإمام ابن عبد البر (ت:463هـ): [وهو إجماعُ العلماءِ والسلف والخلف، إلا الشعبيَّ، فإنه أجاز الصلاة عليها على غير وضوء، فَشَذَّ عَنِ الجميعِ، ولم يقل بقوله أحدٌ مِن أئمةِ الفتوى بالأمصار ولا مِن حملة الآثار.
وقد قال ابنُ عُلَيَّة - وهو ممن يُرغب عن كثير من قوله -: الصلاة على الميت استغفارٌ له، والاستغفارُ يجوز بغير وضوء]([10]).
قلتُ (أحمد بن سالم): وحتى لا يظنَّ أحدٌ أنَّ ابنَ علية هذا من العلماء الذين يعتدُّ بأقوالِهم، فسأذكر لكم ترجمته وأقوال أهل العلم([11]) فيه حتى يستبين أمره:
فهو: إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّة. قال عنه الإمام الشافعي: [هو ضالٌ، جلس بباب الضوال، يُضِل الناس]. وقال الإمام العجلي: [جَهميٌّ، خبيثٌ، ملعون]. وقال الإمام ابن عبد البر: [له شذوذٌ كثيرٌ، ومذاهب عند أهل السنة مهجورة، وليس قوله عندهم مما يعد خلافاً]. وقال الإمام الذهبي: [جهميٌّ هالكٌ، كان يُناظر، ويقول بخلق القرآن].
ثم قال أيضاً: [قولُ الشعبي هذا لم يَلْتَفِتْ أحدٌ إليه ولا عَرَّجَ عليه، وقد أجمعوا أنه لا يُصلَّى عليها إلا إلى القبلة، ولو كانت دُعاءً كما زعم الشعبي لجازت إلى غير القبلة، ولَمَّا أجمعوا على التكبير فيها واستقبال القبلة بِها عُلِمَ أنَّها صلاةٌ ولا صلاةَ إلا بوضوء]([12]).
2- وقال الإمام ابن بطال (ت:449هـ) في "شرح صحيح البخاري": [غرض البخارى الرد على الشعبى، فإنه أجاز الصلاة على الجنازة بغير طهارة، قال: لأنَّها دعاء ليس فيها ركوع ولا سجود، والفقهاء مجمعون من السلف والخلف على خلاف قوله، فلا يلتفت إلى شذوذه. وأجمعوا أنَّها لا تصلى إلا إلى القبلة، ولو كانت دعاء كما زعم الشعبى لجازت إلى غير القبلة]([13]).
3- وقال الإمام الماوردي (ت:450هـ): [فَهِيَ صَلاةٌ شَرْعِيَّةٌ يَجِبُ فِيهَا طَهَارَةُ الأَعْضَاءِ، وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ، إِلا أَنَّ الشَّعْبِيَّ وَابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ، فَإِنَّهُمَا قَالا: لَيْسَتْ صَلاةً شَرْعِيَّةً وَإِنَّمَا دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ يَجُوزُ فِعْلُهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، هَذَا قَوْلٌ خَرَقَا فِيهِ الإِجْمَاعَ، وَخَالَفَا فِيهِ الْكَافَّةَ]([14]).
4- وقال الإمام النووي (ت:676هـ): [وَأَجْمَعَتْ الأُمَّة عَلَى تَحْرِيم الصَّلاة بِغَيْرِ طَهَارَة مِنْ مَاء أَوْ تُرَاب، وَلا فَرْق بَيْن الصَّلاة الْمَفْرُوضَة وَالنَّافِلَة وَسُجُود التِّلاوَة وَالشُّكْر وَصَلاة الْجِنَازَة، إِلا مَا حُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ وَمُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلهمَا: تَجُوز صَلاة الْجِنَازَة بِغَيْرِ طَهَارَة، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى خِلافه]([15]).
5- وقال ابن رشد الحفيد (ت:595هـ): [واتفق الأكثر على أن من شرطها الطهارة].
ثم قال: [وَشَذَّ قَومٌ، فقالوا: يجوز أن يُصَلي على الجنازة بغير الطهارة، وهو قول الشعبي، وهؤلاء ظنوا أن اسم الصلاة لا يتناول صلاة الجنازة، وإنما يتناولها اسم الدعاء إذ كان ليس فيها ركوع ولا سجود]([16]).
6- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ): [وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ أَنَّ مَسَّ الْمُصْحَفِ لا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ، وَلا يَجُوزُ لَهُ صَلاةُ جِنَازَةٍ، وَيَجُوزُ لَهُ سُجُودُ التِّلاوَةِ. فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ]([17]).
وقال أيضاً: [وَصَلاةُ الْجِنَازَةِ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ، لَكِنْ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ لَهَا تَحْرِيْمًا وَتَحْلِيلاً فَهِيَ صَلاةٌ]([18]).
7- وقال الإمام ابنُ هُبَيْرَةَ (ت:560هـ): [واتفقوا على أنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّة الصلاة على الجنازة الطهارة وستر العورة]([19]).قلتُ: والاتفاق هنا هو اتفاق الأئمة الأربعة.
8- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ): [ونَقَلَ ابن عَبد البَرّ الاتِّفاق عَلَى اشتِراط الطَّهارَة لَها إِلاَّ عَن الشَّعبِيّ، قالَ: ووافَقَهُ إِبراهِيم بن عُلَيَّة وهُو مِمَّن يُرغَب عَن كَثِير مِن قَوله. ونَقَلَ غَيره أَنَّ ابن جَرِير الطَّبَرِيّ وافَقَهُما عَلَى ذَلِكَ وهُو مَذهَب شاذّ]([20]).
9- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية:
[الفتوى رقم (14876):
س: هل يجوز المشي والصلاة على الجنازة لشخص جنب، وذلك بالتيمم. عِلمًا أنه لو ذهب ليتطهر لفاتته الجماعة في الصلاة على الميت ؟ وما الحكم لمن سبق له أن تبع الجنازة وصلى عليها بالتيمم وهو جنب ؟
ج: الطهارةُ شرطٌ لصحة الصلاة على الجنازة، ولا يصح التيمم لها مع وجود الماء والقدرة على استعماله، وإذا لم يتمكن من الصلاة عليه مع الجماعة صلى على قبره بعد دفنه إذا لم يمض للدفن شهر، وأما المشي في تشييع الجنازة للجنب فلا بأس في ذلك.
وأما ما سبق منك من الصلاة على الجنازة بالتيمم مع وجود الماء - فعليك الاستغفار من ذلك.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبد الله بن غديان ** نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي ** الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز]([21]).
خلاصة البحث: حَكَمَ العلماءُ على هذا القول بالشذوذِ والبطلان ومخالفة وخرق الإجماع، وأول مَن قال بِهذا القول هو الإمام الشعبي (ت:103هـ)، وهو قول ابن عُليَّة (ت:218هـ) - وهو مما لا يُعتد بقوله -، وهو قول الإمام ابن جرير الطبري (ت:310هـ)، وأيضاً هو مذهب الشيعة الإمامية([22]).
فيجب على المسلم الحذر من هذا القول، ولا يتبع زلات العلماء، فإنه شرٌ مُستطير وخطرٌ عظيم.
_______حاشية______
([1]) جامع بيان العلم (2/927).
([2]) أخرجه الخطيب في "الكفاية في معرفة أصول علم الرواية" (1/419/392). وسنده حسن.
([3]) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/211). وسنده حسن.
([4]) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص449/رقم1632).
([5]) أخرجه البيهقي في $السنن الكبرى# (10/211). وسنده صحيح.
([6])سير أعلام النبلاء (8/90).
([7])الموافقات (5/136-137).
([8]) الموافقات (5/138-139).
([9]) إسناده صحيح: أخرجه مالك في "الموطأ" (رقم:618-ط.دار الغرب الإسلامي)
([10]) "الاستذكار" (8/283).
([11]) "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر (1/119/64-ط.دار الفاروق).
([12]) "الاستذكار" (8/283-284).
([13]) "شرح صحيح البخاري" (3/305).
([14]) "الحاوي الكبير" (3/52-ط.دار الكتب العلمية).
([15]) "شرح صحيح مسلم" (3/103).
([16]) "بداية المجتهد" (1/558-ط.دار السلام).
([17]) "مجموع الفتاوى" (21/270).
([18]) "مجموع الفتاوى" (26/195).
([19]) "إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم" (ق18/ب-مخطوطة من مكتبة الأزهر).
([20]) "فتح الباري" (4/93-ط.دار طيبة).
([21]) "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/176-177/المجموعة الثانية).
([22]) "المجموع" للنووي (5/181-ط.الإرشاد)، و"بحار الأنوار" للمجلسي الشيعي(78/365-ط.مؤسسة الوفاء).
___________
________________________________________
الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
فهذا مبحث لطيف في التحذير من تتبع زلات العلماء، مع ذكر مثال لذلك (( جواز صلاة الجنازة للمُحْدِث (أي يصلي: بغير طهارة) )).
[تَحْذيرُ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ تَتَبُّعِ زلاَّتِ العلماء]:
لقد حذَّرَ أهلُ العلمِ مِنْ تَتَبُّعِ زلاَّتِ العلماء وأقوالِهم الشاذة، وإليك بعض أقوالِهم:
1- قالَ الإمامُ سُليمان بنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ (ت:143هـ):
[لَوْ أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ أَوْ زَلَّةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ].
فَعَلَّقَ الإمَامُ ابنُ عبد البر (ت:463هـ) قائلاً: [هذا إجماع لا أعلم فيه خِلافاً، والحمد لله]([1]).
2- وقالَ الإمامُ إبراهيمُ بنُ أبي عَبْلَة (ت:152هـ): [مَنْ حَمَلَ شَاذَّ الْعُلَمَاءِ حَمَلَ شَرّاً كَثِيراً]([2]).
3- وقال الإمامُ الأَوْزَاعِيُّ (ت:157هـ) : [مَنْ أَخَذَ بِنوَادِرِ العُلَمَاءِ، خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ]([3]).
4- وقَالَ الإمَامُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّان (ت:198هـ):
[لَو أَنَّ رَجُلاً عَمِلَ بِكُلِّ رُخْصَةٍ، بِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي الْنَّبِيذِ، وَأَهْلِ الْمَدينَةِ فِي الْسَّمَاعِ - يعني الغناء -، وَأَهْلِ مَكَّة فِي الْمُتْعَةِ، أَوْ كَمَا قَالَ أَبِي، كَانَ بِهِ فَاسِقَاً]([4]).
5- وقالَ الإمامُ أبُو إسْحاق إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي (ت:282هـ):
[دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَضِدِ، فَدَفَعَ إِلَىَّ كِتَاباً نَظَرْتُ فِيهِ، وَكَانَ قَدْ جُمِعَ لَهُ الرُّخَصُ مِنْ زَلَلِ الْعُلَمَاءِ وَمَا احْتَجَّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ زِنْدِيقٌ.
فَقَالَ: لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الأَحَادِيثُ ؟
قُلْتُ: الأَحَادِيثُ عَلَى مَا رُوِيَتْ، وَلَكِنْ مَنْ أَبَاحَ الْمُسْكِرَ لَمْ يُبِحِ الْمُتْعَةَ، وَمَنْ أَبَاحَ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبِحِ الْغِنَاءَ وَالْمُسْكِرَ، وَمَا مِنْ عَالِمٍ إِلاَّ وَلَهُ زَلَّةٌ، وَمَنْ جَمَعَ زَلَلَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ أَخَذَ بِهَا ذَهَبَ دِينُهُ.
فَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ فَأُحْرِقَ ذَلِكَ الْكِتَابُ]([5]).
6- وقَالَ الإمَامُ الذَّهَبِيُّ (ت:748هـ):
[وَمَنْ تَتَبَّعَ رُخَصَ المَذَاهِبِ، وَزَلاَّتِ المُجْتَهِدِيْنَ، فَقَدْ رَقَّ دِيْنُهُ]([6]).
[زلةُ العالمِ لا يَصِح اعتمادُها ولا الأخذُ بِها تَقليداً له]:
قال الإمام الشاطبي (ت:790هـ): [زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة، ولا الأخذ بِها تقليدًا له، وذلك لأنَّها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدًّا بِها؛ لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب إلى صاحبها الزلل فيها، كما أنَّه لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير، ولا أن يشنع عليه بِها، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً؛ فإنَّ هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين، وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل وغيره ما يرشد إلى هذا المعنى]([7]).
[لا يصح اعتماد زلات العلماء في الخلاف]:
قال الإمام الشاطبي (ت:790هـ): [لا يصح اعتمادها خلافًا في المسائل الشرعية؛ لأنَّها لمتصدر في الحقيقة عن اجتهاد، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإن حصل من صاحبها اجتهادٌ، فهو لم يصادف فيها محلاً، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد، وإنما يعد في الخلاف الأقوالُ الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة، كانت مما يقوي أو يضعف، وأما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا؛ فلذلك قيل: إنه لا يصح أنْ يُعتد بِها في الخلاف، كما لم يَعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل، والمتعة، ومحاشي النساء، وأشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها]([8]).
[نشر الأقوال الشاذة في عصرنا الحاضر]:
وبعد هذا التحذير الشديد من أهل العلم، نجد من ينشر زلات العلماء واقوالَهم الشاذة بين الناس، فأسأل الله الإعانة على التصدي لَهم، وأسأله أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.
[مِنَ الأقوال الشاذة: مشروعية صلاة الجنازة بغير طهارة]
عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَقُولُ: ((لا يُصَلِّي الرَّجُلُ عَلَى الْجَنَازَةِ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ))([9]).
1- قال الإمام ابن عبد البر (ت:463هـ): [وهو إجماعُ العلماءِ والسلف والخلف، إلا الشعبيَّ، فإنه أجاز الصلاة عليها على غير وضوء، فَشَذَّ عَنِ الجميعِ، ولم يقل بقوله أحدٌ مِن أئمةِ الفتوى بالأمصار ولا مِن حملة الآثار.
وقد قال ابنُ عُلَيَّة - وهو ممن يُرغب عن كثير من قوله -: الصلاة على الميت استغفارٌ له، والاستغفارُ يجوز بغير وضوء]([10]).
قلتُ (أحمد بن سالم): وحتى لا يظنَّ أحدٌ أنَّ ابنَ علية هذا من العلماء الذين يعتدُّ بأقوالِهم، فسأذكر لكم ترجمته وأقوال أهل العلم([11]) فيه حتى يستبين أمره:
فهو: إبراهيم بن إسماعيل بن عُلَيَّة. قال عنه الإمام الشافعي: [هو ضالٌ، جلس بباب الضوال، يُضِل الناس]. وقال الإمام العجلي: [جَهميٌّ، خبيثٌ، ملعون]. وقال الإمام ابن عبد البر: [له شذوذٌ كثيرٌ، ومذاهب عند أهل السنة مهجورة، وليس قوله عندهم مما يعد خلافاً]. وقال الإمام الذهبي: [جهميٌّ هالكٌ، كان يُناظر، ويقول بخلق القرآن].
ثم قال أيضاً: [قولُ الشعبي هذا لم يَلْتَفِتْ أحدٌ إليه ولا عَرَّجَ عليه، وقد أجمعوا أنه لا يُصلَّى عليها إلا إلى القبلة، ولو كانت دُعاءً كما زعم الشعبي لجازت إلى غير القبلة، ولَمَّا أجمعوا على التكبير فيها واستقبال القبلة بِها عُلِمَ أنَّها صلاةٌ ولا صلاةَ إلا بوضوء]([12]).
2- وقال الإمام ابن بطال (ت:449هـ) في "شرح صحيح البخاري": [غرض البخارى الرد على الشعبى، فإنه أجاز الصلاة على الجنازة بغير طهارة، قال: لأنَّها دعاء ليس فيها ركوع ولا سجود، والفقهاء مجمعون من السلف والخلف على خلاف قوله، فلا يلتفت إلى شذوذه. وأجمعوا أنَّها لا تصلى إلا إلى القبلة، ولو كانت دعاء كما زعم الشعبى لجازت إلى غير القبلة]([13]).
3- وقال الإمام الماوردي (ت:450هـ): [فَهِيَ صَلاةٌ شَرْعِيَّةٌ يَجِبُ فِيهَا طَهَارَةُ الأَعْضَاءِ، وَسِتْرُ الْعَوْرَةِ، وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَافَّةِ، إِلا أَنَّ الشَّعْبِيَّ وَابْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ، فَإِنَّهُمَا قَالا: لَيْسَتْ صَلاةً شَرْعِيَّةً وَإِنَّمَا دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ يَجُوزُ فِعْلُهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، هَذَا قَوْلٌ خَرَقَا فِيهِ الإِجْمَاعَ، وَخَالَفَا فِيهِ الْكَافَّةَ]([14]).
4- وقال الإمام النووي (ت:676هـ): [وَأَجْمَعَتْ الأُمَّة عَلَى تَحْرِيم الصَّلاة بِغَيْرِ طَهَارَة مِنْ مَاء أَوْ تُرَاب، وَلا فَرْق بَيْن الصَّلاة الْمَفْرُوضَة وَالنَّافِلَة وَسُجُود التِّلاوَة وَالشُّكْر وَصَلاة الْجِنَازَة، إِلا مَا حُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ وَمُحَمَّد بْن جَرِير الطَّبَرِيِّ مِنْ قَوْلهمَا: تَجُوز صَلاة الْجِنَازَة بِغَيْرِ طَهَارَة، وَهَذَا مَذْهَب بَاطِل وَأَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى خِلافه]([15]).
5- وقال ابن رشد الحفيد (ت:595هـ): [واتفق الأكثر على أن من شرطها الطهارة].
ثم قال: [وَشَذَّ قَومٌ، فقالوا: يجوز أن يُصَلي على الجنازة بغير الطهارة، وهو قول الشعبي، وهؤلاء ظنوا أن اسم الصلاة لا يتناول صلاة الجنازة، وإنما يتناولها اسم الدعاء إذ كان ليس فيها ركوع ولا سجود]([16]).
6- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728هـ): [وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ أَنَّ مَسَّ الْمُصْحَفِ لا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ، وَلا يَجُوزُ لَهُ صَلاةُ جِنَازَةٍ، وَيَجُوزُ لَهُ سُجُودُ التِّلاوَةِ. فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ ثَابِتَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ]([17]).
وقال أيضاً: [وَصَلاةُ الْجِنَازَةِ قَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ، لَكِنْ هَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ لَهَا تَحْرِيْمًا وَتَحْلِيلاً فَهِيَ صَلاةٌ]([18]).
7- وقال الإمام ابنُ هُبَيْرَةَ (ت:560هـ): [واتفقوا على أنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّة الصلاة على الجنازة الطهارة وستر العورة]([19]).قلتُ: والاتفاق هنا هو اتفاق الأئمة الأربعة.
8- وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت:852هـ): [ونَقَلَ ابن عَبد البَرّ الاتِّفاق عَلَى اشتِراط الطَّهارَة لَها إِلاَّ عَن الشَّعبِيّ، قالَ: ووافَقَهُ إِبراهِيم بن عُلَيَّة وهُو مِمَّن يُرغَب عَن كَثِير مِن قَوله. ونَقَلَ غَيره أَنَّ ابن جَرِير الطَّبَرِيّ وافَقَهُما عَلَى ذَلِكَ وهُو مَذهَب شاذّ]([20]).
9- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية:
[الفتوى رقم (14876):
س: هل يجوز المشي والصلاة على الجنازة لشخص جنب، وذلك بالتيمم. عِلمًا أنه لو ذهب ليتطهر لفاتته الجماعة في الصلاة على الميت ؟ وما الحكم لمن سبق له أن تبع الجنازة وصلى عليها بالتيمم وهو جنب ؟
ج: الطهارةُ شرطٌ لصحة الصلاة على الجنازة، ولا يصح التيمم لها مع وجود الماء والقدرة على استعماله، وإذا لم يتمكن من الصلاة عليه مع الجماعة صلى على قبره بعد دفنه إذا لم يمض للدفن شهر، وأما المشي في تشييع الجنازة للجنب فلا بأس في ذلك.
وأما ما سبق منك من الصلاة على الجنازة بالتيمم مع وجود الماء - فعليك الاستغفار من ذلك.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبد الله بن غديان ** نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي ** الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز]([21]).
خلاصة البحث: حَكَمَ العلماءُ على هذا القول بالشذوذِ والبطلان ومخالفة وخرق الإجماع، وأول مَن قال بِهذا القول هو الإمام الشعبي (ت:103هـ)، وهو قول ابن عُليَّة (ت:218هـ) - وهو مما لا يُعتد بقوله -، وهو قول الإمام ابن جرير الطبري (ت:310هـ)، وأيضاً هو مذهب الشيعة الإمامية([22]).
فيجب على المسلم الحذر من هذا القول، ولا يتبع زلات العلماء، فإنه شرٌ مُستطير وخطرٌ عظيم.
_______حاشية______
([1]) جامع بيان العلم (2/927).
([2]) أخرجه الخطيب في "الكفاية في معرفة أصول علم الرواية" (1/419/392). وسنده حسن.
([3]) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/211). وسنده حسن.
([4]) مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (ص449/رقم1632).
([5]) أخرجه البيهقي في $السنن الكبرى# (10/211). وسنده صحيح.
([6])سير أعلام النبلاء (8/90).
([7])الموافقات (5/136-137).
([8]) الموافقات (5/138-139).
([9]) إسناده صحيح: أخرجه مالك في "الموطأ" (رقم:618-ط.دار الغرب الإسلامي)
([10]) "الاستذكار" (8/283).
([11]) "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر (1/119/64-ط.دار الفاروق).
([12]) "الاستذكار" (8/283-284).
([13]) "شرح صحيح البخاري" (3/305).
([14]) "الحاوي الكبير" (3/52-ط.دار الكتب العلمية).
([15]) "شرح صحيح مسلم" (3/103).
([16]) "بداية المجتهد" (1/558-ط.دار السلام).
([17]) "مجموع الفتاوى" (21/270).
([18]) "مجموع الفتاوى" (26/195).
([19]) "إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم" (ق18/ب-مخطوطة من مكتبة الأزهر).
([20]) "فتح الباري" (4/93-ط.دار طيبة).
([21]) "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/176-177/المجموعة الثانية).
([22]) "المجموع" للنووي (5/181-ط.الإرشاد)، و"بحار الأنوار" للمجلسي الشيعي(78/365-ط.مؤسسة الوفاء).
___________
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24473
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى