العقل والقلب عند الإمام ابن تيمية
صفحة 1 من اصل 1
العقل والقلب عند الإمام ابن تيمية
::العقل والقلب عند الإمام ابن تيمية ::
****************************
جاء في لسان العرب: "القلبُ: مُضغةٌ من الفُؤَاد مُعلَّقةٌ بالنِّياطِ...والجمع: أَقْلُبٌ وقُلوبٌ... وقد يعبر بالقلبِ عن العقل"[1].
وجاء في تاج العروس: "القلب هو الفؤاد، أو مُضغَةٌ منه، وقيل: هما مترادفانِ، والذي جعل القلبَ أخصَّ من الفؤاد حديثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاكم أهلُ اليمن، هم أرقُّ قلوبًا، وألينُ أفئدةً)).
وقيل: إن القلب سُمِّي بهذا الاسم لتَقَلُّبه جريًا على كلام القائل:
ما سُمِّيَ القَلْبُ إلا من تَقلُّبِه *** والرَّأيُ يَصْرِفُ بالإِنسان أَطْوارا[2]
وفسَّر الفراء قول الله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37]؛ أي: عقلٌ.
وقد ورد لفظ القلب في القرآن الكريم في 144/ مائة وأربعةٍ وأربعين موضعًا، والعقل هو أحد دلالاتِ القلب الواردة في القرآن؛ قال -تعالى-: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا)[الأعراف: 179].
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)[الحج: 46].
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].
وقيل لابن عباس - رضي الله عنهما -: بماذا نِلْتَ العلم؟ قال: "بلسان سؤول، وقلب عقول".
فهذه الآيات توحِّد بين القلب والعقل في عملية الفهم والإدراك، وابن تيمية يرى أن القلب في أحدِ معانيه هو العقل، يقول في فتاواه: "فصلاحُ القلب وحقُّه، والذي خُلِق من أجله، هو أن يعقِل الأشياء، لا أقول أن يعلمَها فقط، فقد يعلم الشيءَ مَن لا يكون عاقلاً له، بل غافلاً عنه مُلغِيًا له، والذي يعقِل الشيءَ هو الذي يقيِّده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه، فيكون وقت الحاجة إليه غنيًّا، فيطابق عمله قوله وباطنه ظاهره، وذلك هو الذي أوتي الحكمة"[3].
ويقول أيضًا: "فالعقل قائمٌ بنفس الإنسان التي تعقِل، وأما من البدن، فهو متعلِّق بقلبه كما قال -تعالى-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)[الحج: 46]"[4].
وتعلق العقل بالقلب لا يعني أنهما واحد؛ حيث إن العقل قوَّة الإدراك والفهم في القلب، يقول ابن تيمية: "فإن العقل في القلب مثل البصر في العين، يُراد به الإدراك تارة، ويراد به القوة التي جعلها الله في العين يحصل بها الإدراك"[5].
والقلب يقومُ بعملية الإدراك عن طريق الحواسِّ مثل السمع والبصر في عالم الشهادة، ويدرك المعقولات في عالم الغيب، مثل أوامر الله - تعالى -.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "والقلب يعقلُ هذا المشهود وهذا المسموع، فلا بدَّ أن يعقِل ما أمر الله به وأخبر، كما لا بدَّ أن يعقل ما شهِدنا وحسسنا، فيعقِل الشهادة والغيب، بمعنى ضبط العلم، بجريانِ ذلك على وجهٍ كلي ثابت في النفس"[6].
وهكذا فإننا نجد ابن تيمية يؤكِّد صلة العقل بالقلب الإنساني، ولكن كيف ينسجم هذا القول مع قوله إن العقل عَرَض أو غريزة في الإنسان، وهو آلة الإدراك والفهم والفقه؟ فهذا القول الأخير يُثبِت أن العقل ليس شيئًا ماديًّا، وليس له حيِّز محدود في المكان.
هنا يعرض ابن تيمية آراءً متعدِّدة عن مكان العقل وصلته بالقلب، ثم صلته بالدماغ.
أما عن صلته بالقلب، فإن ابن تيميَّة لا يقصد بالقلب "العضو الجسمي" الذي يضخُّ الدم في الجسم، وإنما يقصد به باطن الإنسان مطلقًا، يقول - رحمه الله -: "فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلِّق بقلبه، لكن لفظ القلب قد يراد به الغُدَّة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفُها عَلَقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجسد مُضغَة إذا صَلَحت صَلَح لها سائر الجسد، وإذا فَسَدت فسَد لها سائر الجسد)).
وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا، فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك، وقد سُمِّيَ القَلِيب قليبًا لأنه أخرج قلبه وهو باطنه"
--
فهمي قطب الدين النجار
****************************
جاء في لسان العرب: "القلبُ: مُضغةٌ من الفُؤَاد مُعلَّقةٌ بالنِّياطِ...والجمع: أَقْلُبٌ وقُلوبٌ... وقد يعبر بالقلبِ عن العقل"[1].
وجاء في تاج العروس: "القلب هو الفؤاد، أو مُضغَةٌ منه، وقيل: هما مترادفانِ، والذي جعل القلبَ أخصَّ من الفؤاد حديثُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاكم أهلُ اليمن، هم أرقُّ قلوبًا، وألينُ أفئدةً)).
وقيل: إن القلب سُمِّي بهذا الاسم لتَقَلُّبه جريًا على كلام القائل:
ما سُمِّيَ القَلْبُ إلا من تَقلُّبِه *** والرَّأيُ يَصْرِفُ بالإِنسان أَطْوارا[2]
وفسَّر الفراء قول الله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37]؛ أي: عقلٌ.
وقد ورد لفظ القلب في القرآن الكريم في 144/ مائة وأربعةٍ وأربعين موضعًا، والعقل هو أحد دلالاتِ القلب الواردة في القرآن؛ قال -تعالى-: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا)[الأعراف: 179].
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)[الحج: 46].
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37].
وقيل لابن عباس - رضي الله عنهما -: بماذا نِلْتَ العلم؟ قال: "بلسان سؤول، وقلب عقول".
فهذه الآيات توحِّد بين القلب والعقل في عملية الفهم والإدراك، وابن تيمية يرى أن القلب في أحدِ معانيه هو العقل، يقول في فتاواه: "فصلاحُ القلب وحقُّه، والذي خُلِق من أجله، هو أن يعقِل الأشياء، لا أقول أن يعلمَها فقط، فقد يعلم الشيءَ مَن لا يكون عاقلاً له، بل غافلاً عنه مُلغِيًا له، والذي يعقِل الشيءَ هو الذي يقيِّده ويضبطه ويعيه ويثبته في قلبه، فيكون وقت الحاجة إليه غنيًّا، فيطابق عمله قوله وباطنه ظاهره، وذلك هو الذي أوتي الحكمة"[3].
ويقول أيضًا: "فالعقل قائمٌ بنفس الإنسان التي تعقِل، وأما من البدن، فهو متعلِّق بقلبه كما قال -تعالى-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)[الحج: 46]"[4].
وتعلق العقل بالقلب لا يعني أنهما واحد؛ حيث إن العقل قوَّة الإدراك والفهم في القلب، يقول ابن تيمية: "فإن العقل في القلب مثل البصر في العين، يُراد به الإدراك تارة، ويراد به القوة التي جعلها الله في العين يحصل بها الإدراك"[5].
والقلب يقومُ بعملية الإدراك عن طريق الحواسِّ مثل السمع والبصر في عالم الشهادة، ويدرك المعقولات في عالم الغيب، مثل أوامر الله - تعالى -.
يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "والقلب يعقلُ هذا المشهود وهذا المسموع، فلا بدَّ أن يعقِل ما أمر الله به وأخبر، كما لا بدَّ أن يعقل ما شهِدنا وحسسنا، فيعقِل الشهادة والغيب، بمعنى ضبط العلم، بجريانِ ذلك على وجهٍ كلي ثابت في النفس"[6].
وهكذا فإننا نجد ابن تيمية يؤكِّد صلة العقل بالقلب الإنساني، ولكن كيف ينسجم هذا القول مع قوله إن العقل عَرَض أو غريزة في الإنسان، وهو آلة الإدراك والفهم والفقه؟ فهذا القول الأخير يُثبِت أن العقل ليس شيئًا ماديًّا، وليس له حيِّز محدود في المكان.
هنا يعرض ابن تيمية آراءً متعدِّدة عن مكان العقل وصلته بالقلب، ثم صلته بالدماغ.
أما عن صلته بالقلب، فإن ابن تيميَّة لا يقصد بالقلب "العضو الجسمي" الذي يضخُّ الدم في الجسم، وإنما يقصد به باطن الإنسان مطلقًا، يقول - رحمه الله -: "فالعقل قائم بنفس الإنسان التي تعقل، وأما من البدن فهو متعلِّق بقلبه، لكن لفظ القلب قد يراد به الغُدَّة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن التي جوفُها عَلَقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجسد مُضغَة إذا صَلَحت صَلَح لها سائر الجسد، وإذا فَسَدت فسَد لها سائر الجسد)).
وقد يراد بالقلب باطن الإنسان مطلقًا، فإن قلب الشيء باطنه كقلب الحنطة واللوزة والجوزة ونحو ذلك، وقد سُمِّيَ القَلِيب قليبًا لأنه أخرج قلبه وهو باطنه"
--
فهمي قطب الدين النجار
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: العقل والقلب عند الإمام ابن تيمية
مقال جميل والله
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» والقلب يتوارده جيشان من الباطل
» رثاء ابن الوردي لشيخ الإسلام ابن تيمية
» خطر بعض أراء بن تيمية
» من نفائس شيخ الإسلام ابن تيمية
» // لامــــيـّــة شيخ الاسلام بن تيمية في العقيدة //
» رثاء ابن الوردي لشيخ الإسلام ابن تيمية
» خطر بعض أراء بن تيمية
» من نفائس شيخ الإسلام ابن تيمية
» // لامــــيـّــة شيخ الاسلام بن تيمية في العقيدة //
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى