على رسلكم! إنّه إبراهيم عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
على رسلكم! إنّه إبراهيم عليه السلام
على رسلكم! إنّه إبراهيم عليه السلام
(وقفات مع قصّة إبراهيم وأهله - مع الجبّار)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
حديث قصة إبراهيم عليه السلام وزوجه سارة - مع الملك الجبّار:
خرّجه البخاري عن سعيد بن تليد. و مسلم عن أبي الطاهر -يعني: أحمدَ بن عمرو المصري-؛ كلاهما عن ابن وهب عن جرير بن حازم. والبخاري عن سليمان ومحمد بن محبوب عن حمّاد بن زيد؛ كلاهما "جرير وحمّاد" عن أيوب. وأبو داود عن محمد بن المثنى، والبزار عن أبي حفص عمرو بن عليّ؛ كلاهما عن عبد الوهّاب - يعني: عبدَ المجيد الثقفي – عن هشام بن حسّان؛ كلاهما "أيوب وهشام" عن محمد بن سيرين. وخرّجه البخاري من طريق الأعرج؛ كلاها "ابن سيرين والأعرج" عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا، وابن محبوب به، موقوفا؛ وهذا خلاف غير موهن في شيء؛ فإنّ ابن سيرين "كان يقف كثيرا من حديثه تخفيفًا" فتح؛ فالحديث ثابت الرفع إسنادًا، وهو ثابت كذلك حُكمًا؛ إذْ مثله خارج عن الرأي؛ على أنّ رواة الصحيح اختلفوا في موضع الوقف على وجهين؛ "فوقع في رواية كريمة والنسفي موقوفًا، ولغيرهما مرفوعًا" فتح):
وسياق ابن محبوب: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَّا ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89]. وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63]. وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ، إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلًا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي، فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: يَا سَارَةُ: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلاَ تُكَذِّبِينِي ... الحديث.
ووقع عند البزار من رواية عمرو بن عليّ: "إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله".
والحديث عند أبي داود من رواية ابن المثنّى، مثل رواية الجماعة: "ثنتان في ذات الله".
ويشهد لرواية عمرو بن عليّ، ما أخرجه أحمد عن عفّان، حدثنا حماد بن سَلَمة، عن علي بن زيد (هو ابن جدعان)، عن أبي نضرة، قال: خطبنا ابنُ عباس على منبر البصرة ... ح، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة من طريق عمرو بن عاصم، ثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ قال في حديث الشفاعة في قول إبراهيم عليه السلام: "إني كذبت في الإسلام ثلاث كذبات، وإنه لا يهمني اليوم إلا نفسي"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإنْ حاول بهِنَّ إلّا عن دين الله". وإسناد المروزي صحيح.
وطريقة أهل العلم، أنه: إذا كانت الأخبار مختلفة، وأمكن استعمالها، فاستعمالها أَوْلَى بنا من أن نجعلها متضادّة. ذكره ابن المنذر، وقال ابن خزيمة: " كل خبرين يجوز أنْ يؤلَّف بينهما في المعنى، لم يجز أنْ يقال: هما متضادّان متهاتران"، بل إنّ بعض أهل العلم ممّن وقفنا على كلامهم يؤلّفون بين الخبر الذين يصرّحون بضعفه، والخبر الذي يصرّحون بصحّته. وقد أشار أبو العبّاس القرطبي في المفهم 6: 184 – 185 إلى طريقة حسنة في حمل الكذبات الثلاث على أنّ جميعها في الله، فقال: إنّ الثنتين "في ذات الله"، يعني مدافعةً عن إثبات وجود الله تعالى وتوحيده وأنّه المستحق للإلهية لا غيره، أمّا الثالثة فهي وإن كانت في شأن سارة في الظاهر، إلّا إنها في الله في الباطن؛ إذْ فيها مدافعة عن حُكم الله عزّ وجلّ الذي هو تحريم سارة المؤمنة زوج إبراهيم عليه السلام على الجبّار المشرك.اهـ. بتصرُّف.
وممّا يدلّ على أنّ الكذبة الثالثة (والتي هي من باب المعاريض في الحقيقة) محاولة من إبراهيم عليه السلام للذود عن دين الله، قوله في الصحيح: "يَا سَارَةُ: لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلاَ تُكَذِّبِينِي". أقول: ما أشبه قوله عليه السلام بقول نبيّنا صلى الله عليه وسلّم يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض". خرّجه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه.
أقول في جميع ما تقدّم:
لم أدقّق في كل حرف، ولم أوازن حيث تجب الموازنة - لضيق الوقت عنها ولعلي أستدرك ذلك -؛ فمن وجد عِلما فليبذله، أو غلطا فليبيّنه، أو خطأ فليصلحه، أو وَهْما فلينبّه عليه، أو سهوا فليرشد إليه ..
يتبع بإذن الله تعالى:
- محلّ لوط عليه السلام من قول إبراهيم عليه السلام: "ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك"، وتوجيه ذلك.
- أقوال أهل العلم في استظهار السبب الذي حمل إبراهيم على هذه الوصية مع أن ذلك الظالم يريد اغتصابها على نفسها أختا كانت أو زوجة.
- تزييف قول البعض بأنّ إبراهيم عليه السلام أراد بهذه الوصية النجاة بنفسه والتضحية بزوجته دفعا للضرر الأشد (قتله) بالضرر الأخف (اغتصاب زوجته).
- صور من شجاعة إبراهيم عليه السلام وثبات نفسه عند أشدّ الخطوب وأخطرها وأعظمها ضررا على النفس.
- كلمة لـ: ول ديورانت في هذا الصدد، مع التعليق عليها.
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: على رسلكم! إنّه إبراهيم عليه السلام
أقوال العلماء حول الحديث
نص الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل . قوله : { إني سقيم } . وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا } . وقال : بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه فسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي ، فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي ، فلا تكذبيني " . أهـ أخرجه البخاري ومسلم
شرح العلماء للحديث :
1- قال الإمام النووي في " شرح مسلم " (6/100) :
قال المازري : أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى فالأنبياء معصومون منه ، سواء كثيره وقليله ، وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ، ويعد من الصفات كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف . قال القاضي عياض : الصحيح أن الكذب فيما يتعلق بالبلاغ لا يتصور وقوعه منهم ، سواء جوزنا الصغائر منهم وعصمتهم منه ، أم لا ، وسواء قل الكذب ، أم كثر ؛ لأن منصب النبوة يرتفع عنه ، وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( ثنتين في ذات الله تعالى وواحدة في شأن سارة ) فمعناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع ، وأما في نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين : أحدهما أنه ورى بها ، فقال في سارة : أختي في الإسلام ، وهو صحيح في باطن الأمر ، وسنذكر إن شاء الله تعالى تأويل اللفظين الآخرين . والوجه الثاني أنه لو كان كذبا لا تورية فيه لكان جائزا في دفع الظالمين ، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله ، أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا ، وسأل عن ذلك ، وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به ، وهذا كذب جائز ، بل واجب لكونه في دفع الظالم ، فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم . قال المازري : وقد تأول بعضهم هذه الكلمات ، وأخرجها عن كونها كذبا ، قال : ولا معنى للامتناع من إطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : أما إطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع لورود الحديث به ، وأما تأويلها فصحيح لا مانع منه . قال العلماء : والواحدة التي في شأن سارة هي أيضا في ذات الله تعالى ؛ لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة ، وقد جاء ذلك مفسرا في غير مسلم ، فقال : ما فيها كذبة إلا بما حل بها عن الإسلام أي يجادل ويدافع . قالوا : وإنما خص الاثنتين بأنهما في ذات الله تعالى لكون الثالثة تضمنت نفعا له ، وحظا مع كونها في ذات الله تعالى . وذكروا في قوله : ( إني سقيم ) أي سأسقم لأن الإنسان عرضة للأسقام ، وأراد بذلك الاعتذار عن الخروج معهم إلى عيدهم ، وشهود باطلهم وكفرهم . وقيل : سقيم بما قدر علي من الموت . وقيل : كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت .
وأما قوله ( بل فعله كبيرهم ) فقال ابن قتيبة وطائفة : جعل النطق شرطا لفعل كبيرهم ، أي فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون . وقال الكسائي : يوقف عند قوله : بل فعله أي فعله فاعله ، فأضمر ، ثم يبتدئ فيقول : كبيرهم هذا ، فاسألوهم عن ذلك الفاعل . وذهب الأكثرون إلى أنها على ظاهرها ، وجوابها ما سبق . والله أعلم .
2- قال الإمام ابن الجوزي في " كشف المشكل من حديث الصحيحين " (1/982) :
اعلم أن الكذب لا يجوز على الأنبياء بحال فهذا أصل ينبغي أن يعتقد ولا يناقض بأخبار الآحاد فإنه ثابت بدليل أقوى منها وإنما المعنى أن إبراهيم قال قولا يشبه الكذب قال أبو بكر بن الأنباري كلام إبراهيم كان صدقا عند البحث وإنما أراد النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال قولا يشبه الكذب في الظاهر وليس بكذب قال ابن عقيل : دلالة العقل تصرف ظاهر هذا اللفظ وذاك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه فكيف مع وجود الكذب منه وإنما استعير ذكر الكذب لأنه بصورة الكذب فسماه كذبا مجازا ولا يجوز سوى هذا قلت واعلم أن تلك الكلمات إنما كانت من إبراهيم على جهة المعاريض غير أن الأنبياء يحذرون من كلمة تشبه الكذب ولذلك يقول الخليل إذا قيل له في القيامة اشفع لنا إني كذبت وبيان أنها كانت من جهة المعاريض أنه روي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله ( بل فعله ) ويقول فعله من فعله وقال ابن قتيبة معناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا وكذلك ( إني سقيم ) أي سأسقم فهو كقوله تعالى ( إنك ميت ) أي ستموت . أهـ
3- قال الإمام محمد بن أنور الكشميري في " العرف الشذي شرح سنن الترمذي " (3/387) :
قوله : ( ثلاث كذبات إلخ ) اتفق العلماء على أن الثلاثة توريات لا كذبات صريحة . أهـ
زيادة : ذهب الإمام الرازي إلى تضعيف الحديث في " التفسير الكبير " (22/185) فقال : واعلم ان بعض الحشوية روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، فقلت : الأولى أن لا يقبل مثل هذه الأخبار ، فقال على طريق الاستنكار : ان لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة ، فقلت له : يا مسكين ان قلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم - عليه السلام - ، وان أردناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب . أهـ
وقد نقل الإمام ابن عادل الحنبلي في " اللباب في علوم الكتاب " (16/324) رأي الإمام الرازي وارتضاه .
نص الحديث :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، ثنتين منهن في ذات الله عز وجل . قوله : { إني سقيم } . وقوله : { بل فعله كبيرهم هذا } . وقال : بينا هو ذات يوم وسارة ، إذ أتى على جبار من الجبابرة ، فقيل له : إن هاهنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس ، فأرسل إليه فسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : أختي ، فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك ، وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي ، فلا تكذبيني " . أهـ أخرجه البخاري ومسلم
شرح العلماء للحديث :
1- قال الإمام النووي في " شرح مسلم " (6/100) :
قال المازري : أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى فالأنبياء معصومون منه ، سواء كثيره وقليله ، وأما ما لا يتعلق بالبلاغ ، ويعد من الصفات كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف . قال القاضي عياض : الصحيح أن الكذب فيما يتعلق بالبلاغ لا يتصور وقوعه منهم ، سواء جوزنا الصغائر منهم وعصمتهم منه ، أم لا ، وسواء قل الكذب ، أم كثر ؛ لأن منصب النبوة يرتفع عنه ، وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( ثنتين في ذات الله تعالى وواحدة في شأن سارة ) فمعناه أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم المخاطب والسامع ، وأما في نفس الأمر فليست كذبا مذموما لوجهين : أحدهما أنه ورى بها ، فقال في سارة : أختي في الإسلام ، وهو صحيح في باطن الأمر ، وسنذكر إن شاء الله تعالى تأويل اللفظين الآخرين . والوجه الثاني أنه لو كان كذبا لا تورية فيه لكان جائزا في دفع الظالمين ، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنسانا مختفيا ليقتله ، أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصبا ، وسأل عن ذلك ، وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به ، وهذا كذب جائز ، بل واجب لكونه في دفع الظالم ، فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم . قال المازري : وقد تأول بعضهم هذه الكلمات ، وأخرجها عن كونها كذبا ، قال : ولا معنى للامتناع من إطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : أما إطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع لورود الحديث به ، وأما تأويلها فصحيح لا مانع منه . قال العلماء : والواحدة التي في شأن سارة هي أيضا في ذات الله تعالى ؛ لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة ، وقد جاء ذلك مفسرا في غير مسلم ، فقال : ما فيها كذبة إلا بما حل بها عن الإسلام أي يجادل ويدافع . قالوا : وإنما خص الاثنتين بأنهما في ذات الله تعالى لكون الثالثة تضمنت نفعا له ، وحظا مع كونها في ذات الله تعالى . وذكروا في قوله : ( إني سقيم ) أي سأسقم لأن الإنسان عرضة للأسقام ، وأراد بذلك الاعتذار عن الخروج معهم إلى عيدهم ، وشهود باطلهم وكفرهم . وقيل : سقيم بما قدر علي من الموت . وقيل : كانت تأخذه الحمى في ذلك الوقت .
وأما قوله ( بل فعله كبيرهم ) فقال ابن قتيبة وطائفة : جعل النطق شرطا لفعل كبيرهم ، أي فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون . وقال الكسائي : يوقف عند قوله : بل فعله أي فعله فاعله ، فأضمر ، ثم يبتدئ فيقول : كبيرهم هذا ، فاسألوهم عن ذلك الفاعل . وذهب الأكثرون إلى أنها على ظاهرها ، وجوابها ما سبق . والله أعلم .
2- قال الإمام ابن الجوزي في " كشف المشكل من حديث الصحيحين " (1/982) :
اعلم أن الكذب لا يجوز على الأنبياء بحال فهذا أصل ينبغي أن يعتقد ولا يناقض بأخبار الآحاد فإنه ثابت بدليل أقوى منها وإنما المعنى أن إبراهيم قال قولا يشبه الكذب قال أبو بكر بن الأنباري كلام إبراهيم كان صدقا عند البحث وإنما أراد النبي {صلى الله عليه وسلم} أنه قال قولا يشبه الكذب في الظاهر وليس بكذب قال ابن عقيل : دلالة العقل تصرف ظاهر هذا اللفظ وذاك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه فكيف مع وجود الكذب منه وإنما استعير ذكر الكذب لأنه بصورة الكذب فسماه كذبا مجازا ولا يجوز سوى هذا قلت واعلم أن تلك الكلمات إنما كانت من إبراهيم على جهة المعاريض غير أن الأنبياء يحذرون من كلمة تشبه الكذب ولذلك يقول الخليل إذا قيل له في القيامة اشفع لنا إني كذبت وبيان أنها كانت من جهة المعاريض أنه روي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله ( بل فعله ) ويقول فعله من فعله وقال ابن قتيبة معناه إن كانوا ينطقون فقد فعله كبيرهم هذا وكذلك ( إني سقيم ) أي سأسقم فهو كقوله تعالى ( إنك ميت ) أي ستموت . أهـ
3- قال الإمام محمد بن أنور الكشميري في " العرف الشذي شرح سنن الترمذي " (3/387) :
قوله : ( ثلاث كذبات إلخ ) اتفق العلماء على أن الثلاثة توريات لا كذبات صريحة . أهـ
زيادة : ذهب الإمام الرازي إلى تضعيف الحديث في " التفسير الكبير " (22/185) فقال : واعلم ان بعض الحشوية روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ، فقلت : الأولى أن لا يقبل مثل هذه الأخبار ، فقال على طريق الاستنكار : ان لم نقبله لزمنا تكذيب الرواة ، فقلت له : يا مسكين ان قلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم - عليه السلام - ، وان أردناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ولا شك أن صون إبراهيم عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب . أهـ
وقد نقل الإمام ابن عادل الحنبلي في " اللباب في علوم الكتاب " (16/324) رأي الإمام الرازي وارتضاه .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات
» قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام إفلاش رائع للأطفال
» قصه ادريس عليه السلام
» الخضر عليه السلام من الأنبياء
» قصة سيدنا ايوب عليه السلام
» قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام إفلاش رائع للأطفال
» قصه ادريس عليه السلام
» الخضر عليه السلام من الأنبياء
» قصة سيدنا ايوب عليه السلام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى