ابن تيمية لم يشتغل بالفلسفة إلَّا بعد موتها واختفائها من بلاد الشَّام
صفحة 1 من اصل 1
ابن تيمية لم يشتغل بالفلسفة إلَّا بعد موتها واختفائها من بلاد الشَّام
ابن تيمية لم يشتغل بالفلسفة إلَّا بعد موتها واختفائها من بلاد الشَّام
الحمد لله،
سقطت بغداد على يد التتار عام (656هـ)، بعدها راحت الفلسفة (الإسلامية) مرحلة الاحتضار!، ولم ينته القرن السابع حتى نُزعَت روحها، وأكل الزمان أعضاءها في العراق، والشام، ومصر.
..
ذلك الزمان وُلد أحمد بن عبد الحليم ((ابن تيمية)) حيث أدركها في احتضارها، ولم يكن من أتباعها وقتئذٍ إلا عددًا قليلًا، أبرزهم:
- نصير الدين الطوسي (ت672)، وهو فيلسوف إسماعيلي، تحول إلى الإمامية، وخدم (هولاكو).
- ابن سبعين (ت668)، وهو فيلسوف صوفي من القائلين بـ(وَحْدة الوجود).
- العفيف التلمساني (ت690)، وهو كسابقه.
- صدر الدين القونوي (ت673)، تلميذ ابن عربي (الملحد الزنديق)، ومن القائلين بـ(وَحْدة الوجود) أيضًا
....
هؤلاء جميعا ماتوا قبل نهاية القرن.
وفي تلك الحقبة نستطيع أن نجد بعض المتكلمين الذين لهم اعتناء بالفلسفة، ودراسة كتب ابن سينا فقط، وهم من تلامذة فخر الدين الرازي، أو من المتأثرين بطريقته الكلامية، مثل:
- شمس الدين الخسر وشاهي (ت652).
- شمس الدين الأصفهاني (ت688).
أو ممن له معرفة بالمنطق من المتكلمين، بعد أن أدخل الغزالي مباحث المنطق إلى كتب الكلام، ومن المناطقة المشهورين في ذلك العصر: ( علاء الدين الباجي ) (ت714).
..
لوحظ أنَّ المشتغلين بالفلسفة في ذلك الوقت كانوا:
إمَّا مِن الشيعة (بشتى طوائفهم باطنية أو إمامية)
وإما من فلاسفة الصوفية
وقليل من المتكلمين الذين درسوا المنطق، وقرأوا الفلسفة من منطلقٍ كلاميٍّ وليس فلسفيًّا.
.
ومما ساعد على «قلة المشتغلين بالفلسفة»:
ارتباطها بالمذاهب الشيعية والباطنية، وهذا ما دعا إلى محاربتها من العلماء السُّنيين، كالغزالي، والسهروردي،، والسبكي، والذهبي، وغيرهم.
.
أما ابن تيمية فلم يشتغل بالفلسفة إلَّا بعد موتها واختفائها من بلاد الشَّام، ومصر، والعراق، وذلك بعد عام 710 تقريبًا، حيث أقبل على قراءة كتب الفلاسفة بنَهَمٍ شديد، ولم يفرق بين كتب فيلسوف وآخر، بل يظهر من ردوده أنه قرأ كل ما وقع تحت يده من كتب فلسفية !
والسؤال المطروح، ما سبب هذا الاهتمام المتأخر من ابن تيمية بالفلسفة بعد موتها؟
الجوب:
لم يقرأ ابن تيمية الفلسفة دارسًا ومتعلمًا ولا باحثًا عن حقيقة فيها، بل قرأها خصمًا، إلَّا أنَّ خصومته لم تكن مع الفلاسفة، بل كانت مع طوائف أخرى غيرهم،، فابن تيمية دخل في صراع مع ثلاث طوائف، هي:
الشيعة، وأهل الكلام، والصوفية.
وفي دراسته لهذه الطوائف رأى أنها استمدت بعض أصولها من الفلسفة، ووجد نفسه بحاجةٍ إلى سندٍ ((عقلي)) يستعين به على إثبات العقيدة السلفية، ويحاججهم بالعقل..
وقد لقي ضالته في كتب «الفلسفة الإسلامية» التي ترجمها العرب عن اليونانيين ونقحوها..
فابن تيمية بدراسته للفلسفة يريد ترسيخ قاعدته المشهورة: «العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح»، حيث يبين الآت:
- أن المتكلمين والصوفية والشيعة مخالفون لصحيح الفلسفة التي هم أصلا عليها!
- أنهم مخالفون للنقل.
- أن علماء السلف موافقون للعقل كما أنهم موافقون للنقل....
ويكون بهذا أبطل «الأساس» الذي بنت هذه الطوائف مذاهبها عليه.
.
وهناك سبب سياسي، يبين دوافع اعتناء ابن تيمية بالفلسفة، حيث إن الباطنية ومتفلسفة الصوفية صاروا يتعاونون مع «الكفار» ضد المسلمين، فكان في ذلك بغيته في الرد عليهم، وودفعهم لتلك الخيانة أنه في أصولهم الفلسفية يعتقدون أنه لا فرق بين دين وآخر !
.
رأيه في الفلسفة:
شنَّ -رحمه الله- حربًا ضروسًا على الفلسفة والفلاسفة بشتى طوائفهم، واختلاف مذاهبهم، حيث كان يرى أنهم في مرتبة دون كفار اليهود والنصارى، بل أعظم ضلالا وجهلا من المجوس ومشركي العرب، والهند، وكثير من الصابئين، بل كان يرى أنهم يفسدون عقائد الناس...
لذا، فإنهم لم يظهروا وينشطوا إلا في دول أهل الردة والنفاق، كدولة العبيديين (الفاطميين)، والتتار.
.
والحق إن الفلسفة مناقضة للشريعة، ولا يمكن الجمع بينهما، وقد هاجم -رحمه الله- الذين حاولوا الجمع بينهما، واتهمهم بأنهم أتوا بمذهب متناقض، مخالف للدين، ولصحيح الفلسفة، (اي: مخالف للمنقول وللمعقول)
ولهذا السبب منع ابن تيمية من استعمال مصطلح «الفلاسفة الإسلامية»؛ لأن الإسلام ليس فيه فلسفة، ودعا إلى استعمال مصطلح «الفلسفة التي كانت في الإسلام» او «الفلاسفة المنتسبين إلى الاسلام».
.
ومع كل ذلك الهجوم الشديد ضد الفلسفة إلا أنه لا يريد بنقده إلا مباحث «الالهيات» من الفلسفة كما بين وظهر في كتبه..، أما الطبيعيات والرياضيات، فهو يعترف بأن غالب كلامهم فيها جيد، وأنهم يقصدون الحق فيها، ويرى أن مذهب الفلاسفة في الطبيعيات والرياضيات خير من مذهب المتكلمين، وأن مذهب المتكلمين في الإلهيات خير من مذهب الفلاسفة، وأخذ على المتكلمين ردهم بعض الحق الذي جاء به الفلاسفة في باب الطبيعيات والرياضيات، وهذا الموقف نجد له جذورًا عند الغزالي في كتابه «تهافت الفلاسفة».
...
قسم ابن تيمية الفلاسفة أقسامًا، أعطى لكل قسم منها حكمًا يختلف عن الآخر:
أولًا، الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو:
مثل سقراط، وطاليس، وغيرهما، حيث يحسن ابن تيمية الظن فيهم، ويرى أنهم تعلموا الحكمة من أتباع الأنبياء، وأنهم كانوا يقرون بحدوث العالم، وبمعاد الأبدان، وأن الصابئين منهم كانوا مُوحِّدين.
وهذا غير دقيق، فالأبحاث الحديثة المتعلقة بهم تبين خطأ ما نقله ابن تيمية عنهم، لاسيما وأنه -رحمه الله- لم يطلع اطلاعًا مباشرًا على ما كتبه أولئك الفلاسفة أنفسهم، بل اعتمد على ما نقله عنهم مؤرخو المقالات من المسلمين.
.
ثانيًا، الفلاسفة المشَّاؤون:
(( يعني أرسطو وأتباعه ))، فابن تيمية يرى أن مذهب أكثر الإسلاميين الذين يذكرونه في كتبهم مثل: الفارابي، وابن سينا، وابن باجه، وابن رشد، وغيرهم هو مذهب أرسطو، وينبه إلى أن بعضهم مثل ابن سينا، والسهروردي، له مذهبان، أحدهما مذهب أرسطو، والآخر ما يرجحه هو من أقوال.
.
أما تقويمه لمذهبهم في الإلهيات، فيرَى أنه ليس في الطوائف المعروفين أجهل من هؤلاء، ولا أبعد عن العلم بالله منهم، ويضيف «نعم، لهم في الطبيعيات كلام غالبه جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها ذلك، لكنهم جهال بالعلم الإلهي إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ».
.
وابن تيمية يكفر اتباع أرسطو من «الإسلاميين» لمقالات كثيرة يقولون بها، منها:
- قدم العالم.
- قولهم في النبوة، حيث ينقل عنهم أنهم يرون أن للنبوة ثلاث خصائص، وهي:
أن تكون للنبي قوة حدسية، وقوة تخييلية، وقوة نفسية ؛ مما يبطل كونها من عند الله.
- إنكارهم لمعاد الأبدان، فينقل ابن تيمية عن فلاسفة الاسلام أنهم اختلفوا في معاد الأبدان والنفوس على أقوال: (إنكار المعاد مطلقًا، أو إثبات معاد النفوس العالمة دون الجاهلة، أو إثبات معاد النفوس جميعًا دون الأبدان).
وذكر أن هذه الأقوال جميعًا منقولة عن الفارابي، وأن منهم من يقول بالتناسخ...
وهنا ملاحظتان على ما ذكره ابن تيمية:
- فالفارابي لم يقل بنفي المعاد مطلقًا.
- أغفل ابن تيمية قول من قال بإثبات معاد الأبدان من الفلاسفة الإسلاميين، مثل: الكندي، وابن سينا في أحد قوليه.
وقد حدثني بهذين الأمرين أحد دكاترة الفلسفة الباحثين، ولا أزال أبحث في هذا الأمر...
.
وقد عرض ابن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه لنقد أرسطو، وقال بأنه من أجهل الناس برب العالمين، وبأنه كان ساحرًا، ووزيرًا لملك ساحر، هو: الاسكندر المقدوني.
وهذا تاريخيًّا غير ثابت، ولم أجده، وهذا من باب الأمانة العلمية.
وعلما استعرضت جميع من ردوا وجدت ردوده مِن ردود الغزالي والشهرستاني عليهم نقلًا، ومن المتكلمين كالرَّازي والأرموي وغيرهما، ومن ردود بعضهم على بعض
ولذا فردوده تكاد تخلو من الترجيح بين المختلفين، ولعلَّ السبب في هذا ما بينته آنفًا، و هو أن دراسته للفلسفة لم تكن دراسة مقصودة لذاتها، بل كانت دراسة هدفها الحجاج مع المخالفين.
.
ثالثًا، فلاسفة الصوفية:
أي مَن قالوا بـ(وَحدة الوجود)، فقد قال إنهم لم يأخذوا مذهبهم من كلام العلماء والشيوخ المشهورين عند الأمة، الذين لهم لسان صدق، بل أخذوا عقيدتهم من الفلاسفة، وأخرجوها في قالب المكاشفة.
وهذه من الفوائد الجليلة في معرفة نشأة عقيدة وحدة الوجود.
وابن تيمية يكفر هؤلاء المتفلسفة من الصوفية، لمقالات يقولون بها، منها:
- قولهم بوحدة الوجود.
حيث يذكر أنهم أخذوا قولهم هذا من الباطنية، والقرامطة، وأمثالهم.
- قولهم بتفضيل الولي على النبي.
- قولهم بأن أصحاب النار يتنعمون فيها.
- قولهم بوحدة الأديان.
ومن العجيب أنني وجدت كلامًا لابن عربي الزنديق يوضح فيه أن قولهم بتفضيل الولي على النبي يريدون بذلك شخص النبي! فالنبي من حيث هو ولي أفضل من حيث هو نبي!!
.
رابعًا، الباطنية:
حيث يرى أنهم من المتفلسفة المنتسبين إلى الاسلام، وأن أصل دينهم مأخوذ من المجوس والصابئين، وأنهم يتظاهرون بالتشيع وهم في الأصل ملاحدة. وهم عنده أشد في الكفر من الفلاسفة أمثال الفارابي وابن سينا.
...
وكذلك نقد ابن تيمية المنطق، لكن ما يهمنا هنا هو بيان سبب نقده له، فقد نقده لأنه وجد أن من أصول فساد قول المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات هو ما ذكروه في المنطق.
.
* هل أثرت الفلسفة في ابن تيمية؟
سؤال تردد في ذهني، وأقره بعض المشتغلين بالفلسفة..
وعند التأمل، لا يمكن لأي شخص أن يتعمق في دراسة مذهب فكري أو فلسفي دون أن يتأثر به من حيث يشعر أو لا يشعر، ولا بد أن يستفيد من دراسته تلك، ولا يشترط التأثر هنا بمعنى الانتهاج! بل قد يستفيد من بعض القواعد المفيدة، لأنه بنفسه أقر صحة بعض ما في ذلك العلوم أصلًا..
.
فما الذي استفاده ابن تيمية من الفلسفة، وما الذي أخذ منها؟ سؤال مهم يأتي جوابه في سبع نقاط مهمة أساسية...
لعلي أبسط القول في هذا في مقال آخر، لأسباب:
- قد طال المقام، وميلي للختصار أحب.
- رغبة تفاعل وبحث واطلاع من الإخوة الطيبين، وطلبة العلم المجتهدين
- معرفة مدى متابعة هذا المكتوب، ومدى الإعجابات والتعليقات عليه...
وكتب
أبومارية أحمد بن فتحي
الحمد لله،
سقطت بغداد على يد التتار عام (656هـ)، بعدها راحت الفلسفة (الإسلامية) مرحلة الاحتضار!، ولم ينته القرن السابع حتى نُزعَت روحها، وأكل الزمان أعضاءها في العراق، والشام، ومصر.
..
ذلك الزمان وُلد أحمد بن عبد الحليم ((ابن تيمية)) حيث أدركها في احتضارها، ولم يكن من أتباعها وقتئذٍ إلا عددًا قليلًا، أبرزهم:
- نصير الدين الطوسي (ت672)، وهو فيلسوف إسماعيلي، تحول إلى الإمامية، وخدم (هولاكو).
- ابن سبعين (ت668)، وهو فيلسوف صوفي من القائلين بـ(وَحْدة الوجود).
- العفيف التلمساني (ت690)، وهو كسابقه.
- صدر الدين القونوي (ت673)، تلميذ ابن عربي (الملحد الزنديق)، ومن القائلين بـ(وَحْدة الوجود) أيضًا
....
هؤلاء جميعا ماتوا قبل نهاية القرن.
وفي تلك الحقبة نستطيع أن نجد بعض المتكلمين الذين لهم اعتناء بالفلسفة، ودراسة كتب ابن سينا فقط، وهم من تلامذة فخر الدين الرازي، أو من المتأثرين بطريقته الكلامية، مثل:
- شمس الدين الخسر وشاهي (ت652).
- شمس الدين الأصفهاني (ت688).
أو ممن له معرفة بالمنطق من المتكلمين، بعد أن أدخل الغزالي مباحث المنطق إلى كتب الكلام، ومن المناطقة المشهورين في ذلك العصر: ( علاء الدين الباجي ) (ت714).
..
لوحظ أنَّ المشتغلين بالفلسفة في ذلك الوقت كانوا:
إمَّا مِن الشيعة (بشتى طوائفهم باطنية أو إمامية)
وإما من فلاسفة الصوفية
وقليل من المتكلمين الذين درسوا المنطق، وقرأوا الفلسفة من منطلقٍ كلاميٍّ وليس فلسفيًّا.
.
ومما ساعد على «قلة المشتغلين بالفلسفة»:
ارتباطها بالمذاهب الشيعية والباطنية، وهذا ما دعا إلى محاربتها من العلماء السُّنيين، كالغزالي، والسهروردي،، والسبكي، والذهبي، وغيرهم.
.
أما ابن تيمية فلم يشتغل بالفلسفة إلَّا بعد موتها واختفائها من بلاد الشَّام، ومصر، والعراق، وذلك بعد عام 710 تقريبًا، حيث أقبل على قراءة كتب الفلاسفة بنَهَمٍ شديد، ولم يفرق بين كتب فيلسوف وآخر، بل يظهر من ردوده أنه قرأ كل ما وقع تحت يده من كتب فلسفية !
والسؤال المطروح، ما سبب هذا الاهتمام المتأخر من ابن تيمية بالفلسفة بعد موتها؟
الجوب:
لم يقرأ ابن تيمية الفلسفة دارسًا ومتعلمًا ولا باحثًا عن حقيقة فيها، بل قرأها خصمًا، إلَّا أنَّ خصومته لم تكن مع الفلاسفة، بل كانت مع طوائف أخرى غيرهم،، فابن تيمية دخل في صراع مع ثلاث طوائف، هي:
الشيعة، وأهل الكلام، والصوفية.
وفي دراسته لهذه الطوائف رأى أنها استمدت بعض أصولها من الفلسفة، ووجد نفسه بحاجةٍ إلى سندٍ ((عقلي)) يستعين به على إثبات العقيدة السلفية، ويحاججهم بالعقل..
وقد لقي ضالته في كتب «الفلسفة الإسلامية» التي ترجمها العرب عن اليونانيين ونقحوها..
فابن تيمية بدراسته للفلسفة يريد ترسيخ قاعدته المشهورة: «العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح»، حيث يبين الآت:
- أن المتكلمين والصوفية والشيعة مخالفون لصحيح الفلسفة التي هم أصلا عليها!
- أنهم مخالفون للنقل.
- أن علماء السلف موافقون للعقل كما أنهم موافقون للنقل....
ويكون بهذا أبطل «الأساس» الذي بنت هذه الطوائف مذاهبها عليه.
.
وهناك سبب سياسي، يبين دوافع اعتناء ابن تيمية بالفلسفة، حيث إن الباطنية ومتفلسفة الصوفية صاروا يتعاونون مع «الكفار» ضد المسلمين، فكان في ذلك بغيته في الرد عليهم، وودفعهم لتلك الخيانة أنه في أصولهم الفلسفية يعتقدون أنه لا فرق بين دين وآخر !
.
رأيه في الفلسفة:
شنَّ -رحمه الله- حربًا ضروسًا على الفلسفة والفلاسفة بشتى طوائفهم، واختلاف مذاهبهم، حيث كان يرى أنهم في مرتبة دون كفار اليهود والنصارى، بل أعظم ضلالا وجهلا من المجوس ومشركي العرب، والهند، وكثير من الصابئين، بل كان يرى أنهم يفسدون عقائد الناس...
لذا، فإنهم لم يظهروا وينشطوا إلا في دول أهل الردة والنفاق، كدولة العبيديين (الفاطميين)، والتتار.
.
والحق إن الفلسفة مناقضة للشريعة، ولا يمكن الجمع بينهما، وقد هاجم -رحمه الله- الذين حاولوا الجمع بينهما، واتهمهم بأنهم أتوا بمذهب متناقض، مخالف للدين، ولصحيح الفلسفة، (اي: مخالف للمنقول وللمعقول)
ولهذا السبب منع ابن تيمية من استعمال مصطلح «الفلاسفة الإسلامية»؛ لأن الإسلام ليس فيه فلسفة، ودعا إلى استعمال مصطلح «الفلسفة التي كانت في الإسلام» او «الفلاسفة المنتسبين إلى الاسلام».
.
ومع كل ذلك الهجوم الشديد ضد الفلسفة إلا أنه لا يريد بنقده إلا مباحث «الالهيات» من الفلسفة كما بين وظهر في كتبه..، أما الطبيعيات والرياضيات، فهو يعترف بأن غالب كلامهم فيها جيد، وأنهم يقصدون الحق فيها، ويرى أن مذهب الفلاسفة في الطبيعيات والرياضيات خير من مذهب المتكلمين، وأن مذهب المتكلمين في الإلهيات خير من مذهب الفلاسفة، وأخذ على المتكلمين ردهم بعض الحق الذي جاء به الفلاسفة في باب الطبيعيات والرياضيات، وهذا الموقف نجد له جذورًا عند الغزالي في كتابه «تهافت الفلاسفة».
...
قسم ابن تيمية الفلاسفة أقسامًا، أعطى لكل قسم منها حكمًا يختلف عن الآخر:
أولًا، الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو:
مثل سقراط، وطاليس، وغيرهما، حيث يحسن ابن تيمية الظن فيهم، ويرى أنهم تعلموا الحكمة من أتباع الأنبياء، وأنهم كانوا يقرون بحدوث العالم، وبمعاد الأبدان، وأن الصابئين منهم كانوا مُوحِّدين.
وهذا غير دقيق، فالأبحاث الحديثة المتعلقة بهم تبين خطأ ما نقله ابن تيمية عنهم، لاسيما وأنه -رحمه الله- لم يطلع اطلاعًا مباشرًا على ما كتبه أولئك الفلاسفة أنفسهم، بل اعتمد على ما نقله عنهم مؤرخو المقالات من المسلمين.
.
ثانيًا، الفلاسفة المشَّاؤون:
(( يعني أرسطو وأتباعه ))، فابن تيمية يرى أن مذهب أكثر الإسلاميين الذين يذكرونه في كتبهم مثل: الفارابي، وابن سينا، وابن باجه، وابن رشد، وغيرهم هو مذهب أرسطو، وينبه إلى أن بعضهم مثل ابن سينا، والسهروردي، له مذهبان، أحدهما مذهب أرسطو، والآخر ما يرجحه هو من أقوال.
.
أما تقويمه لمذهبهم في الإلهيات، فيرَى أنه ليس في الطوائف المعروفين أجهل من هؤلاء، ولا أبعد عن العلم بالله منهم، ويضيف «نعم، لهم في الطبيعيات كلام غالبه جيد، وهو كلام كثير واسع، ولهم عقول عرفوا بها ذلك، لكنهم جهال بالعلم الإلهي إلى الغاية، ليس عندهم منه إلا قليل كثير الخطأ».
.
وابن تيمية يكفر اتباع أرسطو من «الإسلاميين» لمقالات كثيرة يقولون بها، منها:
- قدم العالم.
- قولهم في النبوة، حيث ينقل عنهم أنهم يرون أن للنبوة ثلاث خصائص، وهي:
أن تكون للنبي قوة حدسية، وقوة تخييلية، وقوة نفسية ؛ مما يبطل كونها من عند الله.
- إنكارهم لمعاد الأبدان، فينقل ابن تيمية عن فلاسفة الاسلام أنهم اختلفوا في معاد الأبدان والنفوس على أقوال: (إنكار المعاد مطلقًا، أو إثبات معاد النفوس العالمة دون الجاهلة، أو إثبات معاد النفوس جميعًا دون الأبدان).
وذكر أن هذه الأقوال جميعًا منقولة عن الفارابي، وأن منهم من يقول بالتناسخ...
وهنا ملاحظتان على ما ذكره ابن تيمية:
- فالفارابي لم يقل بنفي المعاد مطلقًا.
- أغفل ابن تيمية قول من قال بإثبات معاد الأبدان من الفلاسفة الإسلاميين، مثل: الكندي، وابن سينا في أحد قوليه.
وقد حدثني بهذين الأمرين أحد دكاترة الفلسفة الباحثين، ولا أزال أبحث في هذا الأمر...
.
وقد عرض ابن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه لنقد أرسطو، وقال بأنه من أجهل الناس برب العالمين، وبأنه كان ساحرًا، ووزيرًا لملك ساحر، هو: الاسكندر المقدوني.
وهذا تاريخيًّا غير ثابت، ولم أجده، وهذا من باب الأمانة العلمية.
وعلما استعرضت جميع من ردوا وجدت ردوده مِن ردود الغزالي والشهرستاني عليهم نقلًا، ومن المتكلمين كالرَّازي والأرموي وغيرهما، ومن ردود بعضهم على بعض
ولذا فردوده تكاد تخلو من الترجيح بين المختلفين، ولعلَّ السبب في هذا ما بينته آنفًا، و هو أن دراسته للفلسفة لم تكن دراسة مقصودة لذاتها، بل كانت دراسة هدفها الحجاج مع المخالفين.
.
ثالثًا، فلاسفة الصوفية:
أي مَن قالوا بـ(وَحدة الوجود)، فقد قال إنهم لم يأخذوا مذهبهم من كلام العلماء والشيوخ المشهورين عند الأمة، الذين لهم لسان صدق، بل أخذوا عقيدتهم من الفلاسفة، وأخرجوها في قالب المكاشفة.
وهذه من الفوائد الجليلة في معرفة نشأة عقيدة وحدة الوجود.
وابن تيمية يكفر هؤلاء المتفلسفة من الصوفية، لمقالات يقولون بها، منها:
- قولهم بوحدة الوجود.
حيث يذكر أنهم أخذوا قولهم هذا من الباطنية، والقرامطة، وأمثالهم.
- قولهم بتفضيل الولي على النبي.
- قولهم بأن أصحاب النار يتنعمون فيها.
- قولهم بوحدة الأديان.
ومن العجيب أنني وجدت كلامًا لابن عربي الزنديق يوضح فيه أن قولهم بتفضيل الولي على النبي يريدون بذلك شخص النبي! فالنبي من حيث هو ولي أفضل من حيث هو نبي!!
.
رابعًا، الباطنية:
حيث يرى أنهم من المتفلسفة المنتسبين إلى الاسلام، وأن أصل دينهم مأخوذ من المجوس والصابئين، وأنهم يتظاهرون بالتشيع وهم في الأصل ملاحدة. وهم عنده أشد في الكفر من الفلاسفة أمثال الفارابي وابن سينا.
...
وكذلك نقد ابن تيمية المنطق، لكن ما يهمنا هنا هو بيان سبب نقده له، فقد نقده لأنه وجد أن من أصول فساد قول المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات هو ما ذكروه في المنطق.
.
* هل أثرت الفلسفة في ابن تيمية؟
سؤال تردد في ذهني، وأقره بعض المشتغلين بالفلسفة..
وعند التأمل، لا يمكن لأي شخص أن يتعمق في دراسة مذهب فكري أو فلسفي دون أن يتأثر به من حيث يشعر أو لا يشعر، ولا بد أن يستفيد من دراسته تلك، ولا يشترط التأثر هنا بمعنى الانتهاج! بل قد يستفيد من بعض القواعد المفيدة، لأنه بنفسه أقر صحة بعض ما في ذلك العلوم أصلًا..
.
فما الذي استفاده ابن تيمية من الفلسفة، وما الذي أخذ منها؟ سؤال مهم يأتي جوابه في سبع نقاط مهمة أساسية...
لعلي أبسط القول في هذا في مقال آخر، لأسباب:
- قد طال المقام، وميلي للختصار أحب.
- رغبة تفاعل وبحث واطلاع من الإخوة الطيبين، وطلبة العلم المجتهدين
- معرفة مدى متابعة هذا المكتوب، ومدى الإعجابات والتعليقات عليه...
وكتب
أبومارية أحمد بن فتحي
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24479
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى