خطبة السلطان المغربي سليمان العلوي
صفحة 1 من اصل 1
خطبة السلطان المغربي سليمان العلوي
خطبة السلطان المغربي سليمان العلوي
-رحمه الله-
في الانتصار للسنة ومحاربة بدع الطوائف الضالة
مقدمة الخطبة
بقلم: الشيخ العلامة محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله
الحمد لله القائل: ﴿إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾[المائدة:72]، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد النبي المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار وعلى من اتبعهم بإحسان من المؤمنين الأخيـار.
أما بعـد:
فيقول أفقر العباد إلى ربه الكبير المتعالي محمد تقي الدين الحسيني الهلالي، إن الخطبة المباركة التي أنشأها أمير المؤمنين المولى سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل الملك المغربي العلوي العظيم، هي جيش من جيوش التوحيد والسنة؛ لتطهير العقول من الشرك والبدعة، وتوجيههم لاتبَّاع الكتاب والسنة؛ إذ لا صلاح ولا فلاح للمسلمين إلا بذلك.
وقد عُنيَ بها العلماء المخلصين من يوم صدورها إلى يومنا هذا بالطبع والنشر والشرح([1])، لما اشتملت عليه من النصيحة للمسلمين، وإبعادهم عن سلوك طريق المجرمين الذين يأكلون خير الله، ويعبدون غير الله، وقد صدتهم الشياطين عن التمسك بسنة سيد المرسلين.
وقد وفق الله جماعة من الحنفاء ذوي الغيرة على الدين إلى طبعها ونشرها؛ تنويرا وإصلاحا لقلوب إخوانهم المسلمين جزاهم الله خير ما يجزي به المحسنين، والتمَسوا منِّي أن أجعل لها مقدمة تكشف النقاب عن سبب إنشائها، والغرض المراد بها؛ فلبيت الدعوة راجيا أن ينفع الله بهذا العمل كل قارئ وسامع، ويهدينـا جميعا صراطه المستقيم، ويجعلنا من الذين أنعم عليهم من النبييـن والصديقيـن والشهـداء والصالحيـن.
سبب إنشاء هذه الخطبة وتعميمها في جميع المساجد المغربية من قبل الملك المذكور أحسن الله إليه، وقدس روحه.
قال صاحب «الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى» الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري([2]) ما نصه باختصار وتصرف: «وفي سنة ست وعشرين ومائتين وألف وجه السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي في جماعة من علماء المغرب وأعيانه، مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل العباس بن كيران، والفقيه المولى الأمين بن جعفر الحسني الرتبي، والفقيه العلامة الشهير أبي عبد الله محمد العربي الساحلي، وغيرهم من علماء المغرب وشيوخه، فوصلوا إلى الحجاز وقضوا المناسك وزاروا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاروا فيه في الروضة المباركة، وسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم.
حكى صاحب الجيش : أن المولى إبراهيم ذهب إلى الحج واستصحب معه جواب السلطان، فكان سببا لتسهيل الأمر عليهم وعلى كل من تعلق بهم من الحجاج شرقا وغربا، حتى قضوا مناسكهم على الأمن والأمان والبر والإحسان.
قال: حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان يعني «ابن سعود» ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام، من صلاة، وطهارة، وصيام، ونهي عن المنكر الحرام، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بهما جهارا من غير نكير.
وذكروا أن حاله كحال آحاد الناس، لا يتميز عن غيره بزي ولا مركوب ولا لباس، وأنه لما اجتمع بالمولى إبراهيم أظهر لـه التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم، وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته، وكان الذي تولى الكلام معه هو الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي، فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟
فقال لـه القاضي : بلغنا أنكم تقولنا بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوي.
فقال: معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة»([3])؛ فهل في هذا من مخالفة؟!
قالوا: لا، وبمثل هذا نحن نقول نحن أيضا.
ثم قال القاضي: وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم.
فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه وقال: معاذ الله، إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، وكذا غيره من الأنبياء، حياة فوق حياة الشهداء([4]).
ثم قال القاضي : وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم، وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها.
فقال: معاذ الله، أن ننكر ما ثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم لماَّ عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها، وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية، من الأموات أن تقضى لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الله، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى، وتذكير مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور، ثم يدعوا لـه بالمغفرة ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رحمه الله؛ ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة، فأي مخالفة للسنة في هذا القدر؟». من الجزء الثامن صفحة 122من الكتاب المذكور. (طبع دار الكتاب بالدار البيضاء ـ بالمغرب)
قال محمد تقي الدين الهلالي: وسبب إيفاد السلطان المولى سليمان المذكور هذا الوفد واهتمامه به هذا الاهتمام: أن الملك السعودي عبد الله ملك الدولة السعودية المشتملة على نجد والحجاز لما فتح الله له الحجاز، وتوطدت دولته، كتب إلى جميع ملوك المسلمين وأمرائهم يشرح لهم دعوة الدولة السعودية وعقيدتها المطابقة للكتاب والسنة، وينفي عنها ما نسبه إليها فقهاء السوء في جميع البلدان من أنها تكفر المسلمين، ولا تعظم النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبغي لكل مسلم حنيف أن يفعله.
وقد أغرى رجال الدولة العثمانية فقهاء السوء في جميع البلاد الإسلامية التي يشملها حكمهم، وطعنوا في الدولة العربية السعودية؛ لأنها طهرت الحرمين الشريفين مـن الشرك والعقائد الفاسدة، ومنعتهم من التسلط عليهما وعلى ما جاورهما من البلاد كنجد والعراق.
ومن جملة الملوك الذين كتب إليهم ملك الدولة السعودية عبد الله بن سعود: ملك المغرب المولى سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع غيره من الأمراء والرؤساء أن يبعثوا وفودا إلى الحرمين للاجتماع بالملك السعودي ومعرفة ما يدعوا إليه؛ لأنهم لم يكونوا مستقلين أحرارا أقوياء كما كان ملوك المغرب؛ لأن الدولة العثمانية كانت مستولية على بلاد العرب ومصر وبلدان الشمال الإفريقي كلها إلا المغرب الأقصى؛ فإنها لم تستطع أن تستولي عليه مع استيلائها على الجزائر المجاورة لـه.
ولذلك انفرد المولى سليمان رحمه الله ملك المغرب بهذه المزية، وانشأ هذه الخطبة المباركة، وأمر جميع المساجد أن يخطبوا بها على الشعب المغربي، لتنوير العقول وإعلان براءة الدولة وسنة رسوله؛ فقدس الله روحه، ورحمه وسائر ملوك هذه الدولة العلوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلطان مولاي سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله من مفاخر ملوك المسلمين في القرن الثاني عشر؛ إذ كان علاّمة مشاركا تحريرا سلفيا، مصلحا كبيرا، عاملا بعلمه، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا للسنة، محاربا للبدع، معلما للأمة ما علمه الله، منفذا فيها لأحكام الله، ومن ذلك: منعه للمواسم التي اعتاد المغاربة إقامتها لصالحيهم.
قال في الاستقصاء: «وهي جديرة بالإبطال، فسقى الله ثراه وجعل في عليين مثواه.
وكتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة، والتغالي في البدعة وبين فيها بعض آداب زيارة الأولياء وحذر من تغالي العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً»([5]).
ووجه خطبته المعروفة من إنشائه وبلاغته لخطباء المساجد يخطبون بها في الجمع، حذر فيها من اتباع أهل البدع، وأنكر عليهم، ونهى عن الاجتماع في المواسم بالإنشاد والآلات والرقص وأوعدهم بالعقوبة إن لم ينتهوا.
وهي خطبة جليلة دلت على مقامه رضي الله عنه في الدين، ومبلغ غيرته عليه، وإخلاصه لـه فما أجدرها بأن يعيد جميع خطباء المغرب الخطبة بها في كل مناسبة؛ اقتداءاً بهذا الإمام الجليل، وما أجدر الوعاظ والمدرسين أن يدرسوها للعامة ويعظوهم بها، رغبة في إسماعهم كلمة الله، وتبليغهم ما يجهله الكثير منهم من أحكامه التي هي من الأهمية بالمقام الأول.
بل ما أجدر أساتذة المدارس والواضعين لبرامج التعليم فيها أن يجعلوها من بين مواد الدراسة والحفظ للتلاميذ؛ لينشئوا عارفين بدينهم ونقاوته مما يلصقه به أعداؤه المبتدعون، مقدرين فضل أسلافهم العاملين المجدين خصوصا من كان مثل مولانا سليمان عليه من الله الرحمة والرضوان.
وإنه مازال العلماء والمصلحون مهتبلين بهذه الخطبة، مقدرين لها قدرها؛ فهذا الفقيه الأديب اللوذعي الأريب السيد الحبيب الرشيدي لمـا سمعها مدحها ومدح منشئها بقصيدة غراء اشتملت على (40) بيتا منها:
يا حسنها مـن خطبة أحيـا بها*** ما مات من سنن الشيوخ المجـد
ومنها:
فيهـا دعـا لله قومـا أعلنـوا *** بالشطح والتصفيق والفعل الـردي
جعلـوا مواسم ما لها في سنـة *** أصل بأضرحـة الفحـول الزهـد
رفضوا علوم الشرع إيغالا كمـا*** جلسـوا لتنقيص الشيوخ بمرصـد
فَهُمُو على دين النبي أضر مـن *** متبوعهـم والكـل عـاد معتـد
حتى رمـاهـم ربنـا بثواقـب*** من عدل سيدنا الهمـام الأوحـد
فأقامـهم - والله راض عنه- فـي*** سجـن المهـانة بالمقـام الأبعـد
وهذا أبو القاسم الزياني([6]) يقول فيها في: «الترجمانة الكبرى التي جمعت أخبار العالم برا وبحرا»: «الخطبة التي لم يسمع مثلها فيما مضى من العصور، ولا ذكرها ملك ولا عالم مشهور؛ فهي سادسة خطب الخلفاء الأربع اللواتي انتفع الناس بها أجمع، مع خطبة الإبريز التي أملاها عمر بن عبد العزيز، فَمن سمع هذه الخطبة وتأملها علم عِلم اليقين وتحقق أنها برزت من قلب خالص عارف بما أعده الله في الآخرة للمتقين، وأن ذلك من المواهب الربانية، وفوق المواهب اللدنية، وأن أمير المؤمنين ممن يقال فيه ويكون القائل قصر عما فيه، الإمام الذي ضاهت أسرار كلامه كلام (الإحياء) وهي «قوت القلوب» إلى الأموات والأحياء وحاذى بعبارة (حكم ابن عطاء) (والتنوير) فكان ما فيها من (لطائف المنن) ما هو طبق الحديث والتفسير»([7]).
إلى آخره، وهو ثناء طويل من نسق ما قبله، فراجعه إن شئت.
ومثلهما في المتقدمين كثير، وكذلك من المتأخرين؛ فقد ذكر جلها وأثنى عليها وعلى منشئها من أجلها فقيد السلفية والدعوة للإصلاح الديني العلامة عبد السلام السرغيني([8]) برد الله ثراه في محاضرته في«الدعوة لإقامة السنة ومحاربة البدع» التي ألقاها بالنادي الذي كان للمسامرات بالمدرسة بفاس.
وهؤلاء علماء القرويين عندما قاموا قومتهم الموفقة ورفعوا عريضة بتأريخ 17 المحرم عام 1352لجلالة السلطان المعظم سيدي محمد بن يوسف دام الله علاه، بواسطة ممثله بفاس حضرة الباشا، أرفقوها بنسخة من هذه الخطبة الجليلة، مستندين عليها مثنين على منشئها قدس الله روحه، وهي جديرة بكل ذلك وبأكثر منه، رحم الله منشئها ووفق علماءنا وولاتنا للإقتداء به والسير على منواله في القيام بواجبهم الديني من الدعوة والإرشاد، فيستحقوا إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويهيئوا الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس قبل أن يحل عليهم الحديث الشريف «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»([9]).
ويؤدوا الأمانة التي أخذ الله ميثاقهم بتبليغها ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾[آل عمران:187].
وهذا ما دعانا اليوم للقيام بنشرها؛ رغبة في حصول النفع بها بعد ممات صاحبها، كما فعل بها في حياته، وتسهيلا على من أراد الحصول عليها ممن يريد الدعوة إلى الله بها، والله سبحانه من وراء القصد.
نَصُّ الخُطْبَة
الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة، وحفظ ملة نبيه الكريم، وصفيه الرؤوف الرحيم، من الإضاعة إلى قيام الساعة، وجعل التأسي به انفع الوسائل النافعة.
أحمده حمدا ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه، وأشكره شكرا يقصر عنه لسان البراعة، واستمد معونته بلسان المذلة والضراعة، وأصلي على محمد رسوله المخصوص بمقام الشفاعة، على العموم والإشاعة، والرضا عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسب الاستطاعة.
أما بعد:
أيها الناس، شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم واستعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم؛ فإن الله قد استرعاءنا جماعتكم، وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء:59]، سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية.
﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾[الحج:41].
ولهذا نرثي لغفلتكم! أو عدم إحساسكم! ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم.
فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا الله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوا، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا.
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾[الكهف:103-104].
وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من «عيساوة»([10]) و«جلالة»([11]) وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يترقبون للهوهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات، وكل ذلك حرام ممنوع، والإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع.
فأنشدكم الله عباد الله: هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه سيد الشهداء موسما؟
وهل فعل سيد الأمة أبو بكر لسيد الإرسال صلى الله عليه وعلى جميع الصحابة والآل موسما؟
وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ثُم أنشدكم الله: هل زخرفت على عهد رسول الله المساجد؟
أو زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد؟
كأني بكم تقولون في نحو هذه المواسم المذكورة وفي زخرفة أضرحة الصالحين، وغير ذلك من أنواع الابتداع: حسبنا الاقتداء والاتباع ﴿إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾[الزخرف:22].
وهذه المقالة قالها الجاحدون! ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾[المؤمنون:36]، وقد رد الله مقالتهم، ووبخهم وما أقالهم؛ فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين وأهل الصلاح والدين، «خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي..» ([12]) الحديث.
وبالضرورة أنه لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها؛ فقد قبُض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَقد الدين قد سُجِّل، ووعْدُ الله بإكماله قد عُجِّل، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:03].
قال عمر رضي الله عنه على منبره: « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ السُّنَنُ، وَفُرِضَتْ [لَكُمْ] الْفَرَائِضُ، وَتُرِكْتُمْ عَلَى الجَادَّةِ؛ فَلاَ تَمِيلُوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا»([13]).
فليس في دين الله ولا فيما شرع نبي الله: أن يتقرب بغناء ولا شطح، والذكر الذي أمر الله به وحث عليه ومدح الذاكرين به، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد؛ فهذه طريقة الخلف، فمن قال بغير طريقتهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع؛ ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[النساء:115] ([14])، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108].
فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟!
أأمناً من مكر الله؟!
أم تلبيسا على عباد الله!؟
أم منابذة لمن النواصي بيده؟!
أم غروراً لمن الرجوع بعدُ إليه؟!
فتوبوا واعتبروا، وغيروا المناكر واستغفروا؛ فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع، ما بين العاصي والمداهن المطيع.
أفيزين لكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم؟
أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم؟
فتوبوا إلى رب الأرباب، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق لمعروف أو إطعام أو نفقة، فعلى مَن ذَكر الله في كتابه ووعدكم فيهم بجزيل ثوابه، كَذوِي الضرورة الغير الخافية والمرضى الذين لستم بأَولى منهم بالعافية؛ ففي مثل هذا تُسَد الذرائع، وفيه تُمتَثل أوامر الشرائع؛ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ﴾[التوبة:60].
ولا يتقرب على مالك النواصي، بالبدع والمعاصي، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون، والأتقياء المفلحون: أكل الحلال وقيام الليالي، ومجاهد النفس في حفظ الأحوال، بالأقوال والأفعال، « الْبَطْنُ وَمَا حَوَى، وَالرَّأْسُ وَمَا وَعَى»([15])، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهتدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خُلُقِ القرآن يحدى، وصلاة وصيام واجتناب مواقع الأثام، وبيع النفس والمال من الله.
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[التوبة:111]. الآية.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153].
الصراط المستقيم: كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم([16])، وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، وتغيير الأحكام الشرعية بالبدع والإحداث والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص.
﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَناً﴾[فاطر:08].
عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه([17]): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« يجاء بالرجل يوم القيامة وبين يديه راية يحملها، وأناس يتبعونها، فيسأل عنهم ويسألون عنه»([18]).
﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ* وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا﴾[البقرة:166-167].
فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلائق: أن يمنعوا هؤلاء الطوائف، من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم؛ فإياكم ثم إياكم والبدع؛ فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية.
فمن المنقول عن الملل، والمشهور في الأواخر والأول: أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلاث، وشحت السماء وحلت النقماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقعت بركة الزروع؛ لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد.
والأدب مع الله ثلاثة:
- حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع.
- ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع.
- ومراعاتها في الضيق والاتساع.
لا ما يفعله هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[آل عمران:31].
عَنْ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ رضي الله عنه قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً،ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا- أَوْ قَالَ: أَوْصِنَا-؛ فَقَالَ: أُصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، لِمَنْ وَلَّى اللهُ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيّاً؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ»([19]).
وهانحن عباد الله أرشدناكم وأنذرناكم وحذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63].
=====
([1]): وقد نقلتها البصائر وقسمتها إلى جزئين، جزء نشرته في العدد (27)، الصفحة (1)، يوم الجمعة 20 ربيع الثاني 1355هـ الموافق ليوم 10 جوليت 1936م، وجزء في العدد (28)، الصفحة (1)، يوم الجمعة 27 ربيع الثاني 1355هـ الموافق ليوم 17 جوليت 1936م.
وقد صدرتها بمقدمة كنت قد نقلتها على هذا المنتدى الطيب قريبا.
([2]): هو المؤرخ والباحث المشهور أبو العباس أحمد بن خالد بن مُحمد بن مُحمد الكبير بن محمد الصغير بن محمد الشهير بابن ناصر الدرعي، ينتهي نسبه إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولد بسلا عام 1250هـ، وبها توفي عام 1315هـ، كانت أسرته مشهورة بالفضل والعلم والرياسة، كانت مختصة بالزاوية المعروفة بزاوية البركة قرب تامكروت، قبل أن يهاجر والده سنة 1220هـ إلى مدينة سلا، وينتقل منها إلى مدينة العرائش، ليعود سنة 1250هـ إلى سلا.
من مصنفاته الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وطلعة المشتري في النسب الجعفري، وزهر الأفنان في شرح قصيدة ابن الونان، وكشف العرين عن ليوث بني مرين، و غيرها من المصنفات.[أنظر ترجمته في الاستقصا (1/9)].
([3]): انظر تخريجه في مختصر العلو (ص:77-78)ط. المكتب الإسلامي.
([4]):وهي حياة برزخية لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله سبحانه، وليست من جنس حياة أهل الدنيا بل هي نوع آخر يحصل بها له صلى الله عليه وسلم الإحساس بالنعيم، ويسمع بها سلام المسلم عليه عندما يرد الله عليه روحه ذلك الوقت، وكذلك الشهداء حياتهم برزخية وحياة الأنبياء أكمل منها، لهذا وجب التنبيه أنه لا يجوز أن يطلب منهم شيء بعد وفاتهم، كالاستغاثة أو نحو ذلك، لأن هذا شرك بالله ولم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان.
([5]):الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى (8/123) ط. دار الكتاب بالدار البيضاء ـ بالمغرب.
([6]):أبو القاسم الزياني الملقب بذي الوزارتين(1147 هـ- 1249 هـ)، وزير ومؤرخ الدولة العلوية، من أصل آمازيغي، زار مناطق عديدة مثل تركيا ومصر وسوريا وسواحل أوروبا الجنوبية، واستطاع أن يكتب خمسة عشر مصنفًا كبير الحجم. وأهم كتبه المشهورة الترجمانة الكبرى الذي جمع فيه أخبار العالم وعلومه.
وللمزيد حول الزياني راجع مقدمة محقق الترجمانة (من الصفحة 29 حتى 45).
([7]): الترجمانة الكبرى في أخبار المعمورة برا وبحرا (ص:471)ت. عبد الكريم الفيلالي.
([8]): هو العلامة عبدالسلام بن محمد السرغيني، أصله من قبيلة «السراغنة» بالمغرب الأقصى، فقيه مطَّلع، استوطن فاسا، كان مدرسا بالمدرسة الثانوية بفاس، وله دروس حافلة بالقرويين، عين قاضيا في قبيلته السراغنة، وبقي هناك إلى أن توفي بها سنة 1354هـ.
من شيوخه: أحمد بن الخياط وأحمد بن الجلالي الأمغاري وأحمد بن المأمون البلغيتي ومحمد فتحا القادري ومحمد فتحا كنون وحماد الصنهاجي عبدالسلام بناني.
ومن مؤلفاته: كتاب «المسامرة» وهو عبارة عن محاضرة ألقاها بنادي المسامرة بالمدرسة العليا الإدريسية بفاس.[أنظر ترجمته في : سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة (ص.77)ط. دار الغرب الإسلامي].
([9]): أخرجه أحمد (7571)، وأبو داود (3658)، والترمذي (2649)، و ابن ماجة (266) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (6284).
([10]): الطريقة العيساوية و التي تعرف عندنا بالعيساوة، تنتسب هذه الطائفة إلى محمد بن عيسى المغربي وتشتهر باستعمالها للمدائح بصوت مرتفع واستخدام نوع من الموسيقى مع الرقص والمجون وفعل بعض الأشياء كإدخال الإبر في أجسادهم ولعق الآلات الحادة وغيرها من المخازي والله المستعان.
([11]): وهم أتباع عبد القادر الجيلاني وهذه الطريقة تسمى القادرية أو الجيلانية.
([12]): أخرجه البخاري (2651)، ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ولفظه: «خيركم قرني». ومن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ: «خير الناس قرني» أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2472)، والترمذي (3859)، وأحمد (3594)، وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه (7228)، والبزار في مسنده (1777)، وابن أبي عاصم في السنة (2/975)ط. دار الصميعي.
تنبيه: قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: «..وبهذه المناسبة لابد لي من وقفة أو جملة معترضة قصيرة، وهي: أن الشائع اليوم على ألسنة المحاضرين، والمرشدين، والواعظين، رواية الحديث بلفظ: «خير القرون قرني»، هذا اللفظ لا نعرف له أصلا في كتب السنة، مع أن هذا الحديث دخل في زمرة الأحاديث المتواترة لكثرتها، وإنما اللفظ الصحيح الذي جاء في الصحيحين وغيرهما، إنما هو بلفظ: «خير الناس قرني»، ليس: «خير القرون قرني»، إنما هو: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ...».». من: سلسلة الهدى والنور، شريط: (396).
([13]): أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الحدود: باب ما جاء في الرجم.
([14]): قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (7/38): «فكل من شاق الرسول من بعدما تبين له الهدى، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وكل ما ابتع غير سبيل المؤمنين فقد شاق الرسول من بعدما تبين له الهدي. فإن كان يظن أنه متبع سبيل المؤمنين وهو مخطئ فهو بمنزلة من ظن أنه متبع للرسول وهو مخطئ، وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة مخالفة الرسول، وأن كل ما أجمعوا عليه فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول ...».
([15]): قطعة من حديث رواه الترمذي (2458)، وقال: «هذا حديث غريب»، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (2/319) رقم (1724).
([16]): وهو الصراط الذي أمرنا أن نتبعه فقد أخرج الدارمي في سننه (206)، وابن حبان في مقدمة صحيحه (7)، وأحمد في مسنده (4131)، عن عبد الله بنُ مسعودٍ رضي الله عنه قال: «خَطَّ لنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم خطًّا ثمّ قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال: «هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾» والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (6/ 89)، وحسَّنه الشيخ الألباني في المشكاة (166).
وعند ابنِ كثيرٍ في تفسيره: «أنّ رجلاً سأل ابنَ مسعود رضي الله عنه: ما الصراطُ المستقيم ؟ قال: تركنا محمَّد صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادُّ وعن يساره جوادٌّ، ثمّ رجال يدعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثمَّ قرأ ابن مسعود الآية».
والجوادُّ: من جدَدَ، وجمعها جادّة، وهي معظم الطريق، [انظر: النهاية لابن الأثير: (1/ 313)].
([17]): قالت البصائر: «كذا في الأصل المنقول عنه: المقداد بن معد يكرب ولا يوجد في الإصابة هذا الاسم إنما الموجود المقداد بن الأسود والمقدام بن معد كرب ولعله الصواب هنا، راجع ج3 من الإصابة ص:454-455 وبعد فانظر من خرج الحديث وما رتبته فإني لم أقف عليه».
والصواب ما جاء في الأصل، فلربما سقطت الياء، لهذا ظنت البصائر أنه معد كرب وانظر الإصابة بتحقيق التركي (10/309). وأما تخريج الحديث ستجده فيما يلي.
([18]): رواه ابن أبي عاصم في السنة (2/739) رقم (1133)ط. الصميعي، قال محقق السنة: «رواه الطبراني في الكبير (20/275) رقم (652)، من طريق محمد بن إسماعيل عن أبيه به.
قال الهيثمي في المجمع (5/375): رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهوضعيف».
وقال محقق السنة: «لم يعزه إلى الكبير ولم أجده في مجمع البحرين».
قلت: والحديث ضعفه الألباني في ظلال الجنة (1099).
([19]): أخرجه أبوداود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجة (42)، وقال الترمذي :«حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2549)، وفي صحيح الترغيب والترهيب (1/123) رقم (37). وقال: «قوله: «عضوا عليها بالنواجذ» أي: اجتهدوا على السنة والزموها، واحرصوا عليها كما يلزم العاض على الشيء بنواجذه، خوفا من ذهابه وتفلته. و«النواجذ» بالنون والجيم والدال المعجمة: هي الأنياب وقيل الأضراس».
-رحمه الله-
في الانتصار للسنة ومحاربة بدع الطوائف الضالة
مقدمة الخطبة
بقلم: الشيخ العلامة محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله
الحمد لله القائل: ﴿إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾[المائدة:72]، وصل اللهم على عبدك ورسولك محمد النبي المختار، وعلى آله وأصحابه الأبرار وعلى من اتبعهم بإحسان من المؤمنين الأخيـار.
أما بعـد:
فيقول أفقر العباد إلى ربه الكبير المتعالي محمد تقي الدين الحسيني الهلالي، إن الخطبة المباركة التي أنشأها أمير المؤمنين المولى سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل الملك المغربي العلوي العظيم، هي جيش من جيوش التوحيد والسنة؛ لتطهير العقول من الشرك والبدعة، وتوجيههم لاتبَّاع الكتاب والسنة؛ إذ لا صلاح ولا فلاح للمسلمين إلا بذلك.
وقد عُنيَ بها العلماء المخلصين من يوم صدورها إلى يومنا هذا بالطبع والنشر والشرح([1])، لما اشتملت عليه من النصيحة للمسلمين، وإبعادهم عن سلوك طريق المجرمين الذين يأكلون خير الله، ويعبدون غير الله، وقد صدتهم الشياطين عن التمسك بسنة سيد المرسلين.
وقد وفق الله جماعة من الحنفاء ذوي الغيرة على الدين إلى طبعها ونشرها؛ تنويرا وإصلاحا لقلوب إخوانهم المسلمين جزاهم الله خير ما يجزي به المحسنين، والتمَسوا منِّي أن أجعل لها مقدمة تكشف النقاب عن سبب إنشائها، والغرض المراد بها؛ فلبيت الدعوة راجيا أن ينفع الله بهذا العمل كل قارئ وسامع، ويهدينـا جميعا صراطه المستقيم، ويجعلنا من الذين أنعم عليهم من النبييـن والصديقيـن والشهـداء والصالحيـن.
سبب إنشاء هذه الخطبة وتعميمها في جميع المساجد المغربية من قبل الملك المذكور أحسن الله إليه، وقدس روحه.
قال صاحب «الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى» الشيخ أبو العباس أحمد بن خالد الناصري([2]) ما نصه باختصار وتصرف: «وفي سنة ست وعشرين ومائتين وألف وجه السلطان المولى سليمان رحمه الله ولده الأستاذ الأفضل المولى أبا إسحاق إبراهيم بن سليمان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج مع الركب النبوي في جماعة من علماء المغرب وأعيانه، مثل الفقيه العلامة القاضي أبي الفضل العباس بن كيران، والفقيه المولى الأمين بن جعفر الحسني الرتبي، والفقيه العلامة الشهير أبي عبد الله محمد العربي الساحلي، وغيرهم من علماء المغرب وشيوخه، فوصلوا إلى الحجاز وقضوا المناسك وزاروا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاروا فيه في الروضة المباركة، وسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم.
حكى صاحب الجيش : أن المولى إبراهيم ذهب إلى الحج واستصحب معه جواب السلطان، فكان سببا لتسهيل الأمر عليهم وعلى كل من تعلق بهم من الحجاج شرقا وغربا، حتى قضوا مناسكهم على الأمن والأمان والبر والإحسان.
قال: حدثنا جماعة وافرة ممن حج مع المولى إبراهيم في تلك السنة أنهم ما رأوا من ذلك السلطان يعني «ابن سعود» ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه ومن أتباعه غاية الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام، من صلاة، وطهارة، وصيام، ونهي عن المنكر الحرام، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت تفعل بهما جهارا من غير نكير.
وذكروا أن حاله كحال آحاد الناس، لا يتميز عن غيره بزي ولا مركوب ولا لباس، وأنه لما اجتمع بالمولى إبراهيم أظهر لـه التعظيم الواجب لأهل البيت الكريم، وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته، وكان الذي تولى الكلام معه هو الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي، فكان من جملة ما قال ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفنا السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟
فقال لـه القاضي : بلغنا أنكم تقولنا بالاستواء الذاتي المستلزم لجسمية المستوي.
فقال: معاذ الله، إنما نقول كما قال مالك: «الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة»([3])؛ فهل في هذا من مخالفة؟!
قالوا: لا، وبمثل هذا نحن نقول نحن أيضا.
ثم قال القاضي: وبلغنا عنكم أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم.
فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه وقال: معاذ الله، إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره، وكذا غيره من الأنبياء، حياة فوق حياة الشهداء([4]).
ثم قال القاضي : وبلغنا أنكم تمنعون من زيارته صلى الله عليه وسلم، وزيارة سائر الأموات مع ثبوتها في الصحاح التي لا يمكن إنكارها.
فقال: معاذ الله، أن ننكر ما ثبت في شرعنا، وهل منعناكم أنتم لماَّ عرفنا أنكم تعرفون كيفيتها وآدابها، وإنما نمنع منها العامة الذين يشركون العبودية بالألوهية، من الأموات أن تقضى لهم أغراضهم التي لا يقضيها إلا الله، وإنما سبيل الزيارة الاعتبار بحال الموتى، وتذكير مصير الزائر إلى ما صار إليه المزور، ثم يدعوا لـه بالمغفرة ويسأل الله تعالى المنفرد بالإعطاء والمنع، هذا قول إمامنا أحمد بن حنبل رحمه الله؛ ولما كان العوام في غاية البعد عن إدراك هذا المعنى منعناهم سدا للذريعة، فأي مخالفة للسنة في هذا القدر؟». من الجزء الثامن صفحة 122من الكتاب المذكور. (طبع دار الكتاب بالدار البيضاء ـ بالمغرب)
قال محمد تقي الدين الهلالي: وسبب إيفاد السلطان المولى سليمان المذكور هذا الوفد واهتمامه به هذا الاهتمام: أن الملك السعودي عبد الله ملك الدولة السعودية المشتملة على نجد والحجاز لما فتح الله له الحجاز، وتوطدت دولته، كتب إلى جميع ملوك المسلمين وأمرائهم يشرح لهم دعوة الدولة السعودية وعقيدتها المطابقة للكتاب والسنة، وينفي عنها ما نسبه إليها فقهاء السوء في جميع البلدان من أنها تكفر المسلمين، ولا تعظم النبي صلى الله عليه وسلم كما ينبغي لكل مسلم حنيف أن يفعله.
وقد أغرى رجال الدولة العثمانية فقهاء السوء في جميع البلاد الإسلامية التي يشملها حكمهم، وطعنوا في الدولة العربية السعودية؛ لأنها طهرت الحرمين الشريفين مـن الشرك والعقائد الفاسدة، ومنعتهم من التسلط عليهما وعلى ما جاورهما من البلاد كنجد والعراق.
ومن جملة الملوك الذين كتب إليهم ملك الدولة السعودية عبد الله بن سعود: ملك المغرب المولى سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع غيره من الأمراء والرؤساء أن يبعثوا وفودا إلى الحرمين للاجتماع بالملك السعودي ومعرفة ما يدعوا إليه؛ لأنهم لم يكونوا مستقلين أحرارا أقوياء كما كان ملوك المغرب؛ لأن الدولة العثمانية كانت مستولية على بلاد العرب ومصر وبلدان الشمال الإفريقي كلها إلا المغرب الأقصى؛ فإنها لم تستطع أن تستولي عليه مع استيلائها على الجزائر المجاورة لـه.
ولذلك انفرد المولى سليمان رحمه الله ملك المغرب بهذه المزية، وانشأ هذه الخطبة المباركة، وأمر جميع المساجد أن يخطبوا بها على الشعب المغربي، لتنوير العقول وإعلان براءة الدولة وسنة رسوله؛ فقدس الله روحه، ورحمه وسائر ملوك هذه الدولة العلوية.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلطان مولاي سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله من مفاخر ملوك المسلمين في القرن الثاني عشر؛ إذ كان علاّمة مشاركا تحريرا سلفيا، مصلحا كبيرا، عاملا بعلمه، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا للسنة، محاربا للبدع، معلما للأمة ما علمه الله، منفذا فيها لأحكام الله، ومن ذلك: منعه للمواسم التي اعتاد المغاربة إقامتها لصالحيهم.
قال في الاستقصاء: «وهي جديرة بالإبطال، فسقى الله ثراه وجعل في عليين مثواه.
وكتب رسالته المشهورة التي تكلم فيها على حال متفقرة الوقت وحذر فيها رضي الله عنه من الخروج عن السنة، والتغالي في البدعة وبين فيها بعض آداب زيارة الأولياء وحذر من تغالي العوام في ذلك وأغلظ فيها مبالغة في النصح للمسلمين جزاه الله خيراً»([5]).
ووجه خطبته المعروفة من إنشائه وبلاغته لخطباء المساجد يخطبون بها في الجمع، حذر فيها من اتباع أهل البدع، وأنكر عليهم، ونهى عن الاجتماع في المواسم بالإنشاد والآلات والرقص وأوعدهم بالعقوبة إن لم ينتهوا.
وهي خطبة جليلة دلت على مقامه رضي الله عنه في الدين، ومبلغ غيرته عليه، وإخلاصه لـه فما أجدرها بأن يعيد جميع خطباء المغرب الخطبة بها في كل مناسبة؛ اقتداءاً بهذا الإمام الجليل، وما أجدر الوعاظ والمدرسين أن يدرسوها للعامة ويعظوهم بها، رغبة في إسماعهم كلمة الله، وتبليغهم ما يجهله الكثير منهم من أحكامه التي هي من الأهمية بالمقام الأول.
بل ما أجدر أساتذة المدارس والواضعين لبرامج التعليم فيها أن يجعلوها من بين مواد الدراسة والحفظ للتلاميذ؛ لينشئوا عارفين بدينهم ونقاوته مما يلصقه به أعداؤه المبتدعون، مقدرين فضل أسلافهم العاملين المجدين خصوصا من كان مثل مولانا سليمان عليه من الله الرحمة والرضوان.
وإنه مازال العلماء والمصلحون مهتبلين بهذه الخطبة، مقدرين لها قدرها؛ فهذا الفقيه الأديب اللوذعي الأريب السيد الحبيب الرشيدي لمـا سمعها مدحها ومدح منشئها بقصيدة غراء اشتملت على (40) بيتا منها:
يا حسنها مـن خطبة أحيـا بها*** ما مات من سنن الشيوخ المجـد
ومنها:
فيهـا دعـا لله قومـا أعلنـوا *** بالشطح والتصفيق والفعل الـردي
جعلـوا مواسم ما لها في سنـة *** أصل بأضرحـة الفحـول الزهـد
رفضوا علوم الشرع إيغالا كمـا*** جلسـوا لتنقيص الشيوخ بمرصـد
فَهُمُو على دين النبي أضر مـن *** متبوعهـم والكـل عـاد معتـد
حتى رمـاهـم ربنـا بثواقـب*** من عدل سيدنا الهمـام الأوحـد
فأقامـهم - والله راض عنه- فـي*** سجـن المهـانة بالمقـام الأبعـد
وهذا أبو القاسم الزياني([6]) يقول فيها في: «الترجمانة الكبرى التي جمعت أخبار العالم برا وبحرا»: «الخطبة التي لم يسمع مثلها فيما مضى من العصور، ولا ذكرها ملك ولا عالم مشهور؛ فهي سادسة خطب الخلفاء الأربع اللواتي انتفع الناس بها أجمع، مع خطبة الإبريز التي أملاها عمر بن عبد العزيز، فَمن سمع هذه الخطبة وتأملها علم عِلم اليقين وتحقق أنها برزت من قلب خالص عارف بما أعده الله في الآخرة للمتقين، وأن ذلك من المواهب الربانية، وفوق المواهب اللدنية، وأن أمير المؤمنين ممن يقال فيه ويكون القائل قصر عما فيه، الإمام الذي ضاهت أسرار كلامه كلام (الإحياء) وهي «قوت القلوب» إلى الأموات والأحياء وحاذى بعبارة (حكم ابن عطاء) (والتنوير) فكان ما فيها من (لطائف المنن) ما هو طبق الحديث والتفسير»([7]).
إلى آخره، وهو ثناء طويل من نسق ما قبله، فراجعه إن شئت.
ومثلهما في المتقدمين كثير، وكذلك من المتأخرين؛ فقد ذكر جلها وأثنى عليها وعلى منشئها من أجلها فقيد السلفية والدعوة للإصلاح الديني العلامة عبد السلام السرغيني([8]) برد الله ثراه في محاضرته في«الدعوة لإقامة السنة ومحاربة البدع» التي ألقاها بالنادي الذي كان للمسامرات بالمدرسة بفاس.
وهؤلاء علماء القرويين عندما قاموا قومتهم الموفقة ورفعوا عريضة بتأريخ 17 المحرم عام 1352لجلالة السلطان المعظم سيدي محمد بن يوسف دام الله علاه، بواسطة ممثله بفاس حضرة الباشا، أرفقوها بنسخة من هذه الخطبة الجليلة، مستندين عليها مثنين على منشئها قدس الله روحه، وهي جديرة بكل ذلك وبأكثر منه، رحم الله منشئها ووفق علماءنا وولاتنا للإقتداء به والسير على منواله في القيام بواجبهم الديني من الدعوة والإرشاد، فيستحقوا إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ويهيئوا الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس قبل أن يحل عليهم الحديث الشريف «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»([9]).
ويؤدوا الأمانة التي أخذ الله ميثاقهم بتبليغها ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه﴾[آل عمران:187].
وهذا ما دعانا اليوم للقيام بنشرها؛ رغبة في حصول النفع بها بعد ممات صاحبها، كما فعل بها في حياته، وتسهيلا على من أراد الحصول عليها ممن يريد الدعوة إلى الله بها، والله سبحانه من وراء القصد.
نَصُّ الخُطْبَة
الحمد لله الذي تعبدنا بالسمع والطاعة، وأمرنا بالمحافظة على السنة والجماعة، وحفظ ملة نبيه الكريم، وصفيه الرؤوف الرحيم، من الإضاعة إلى قيام الساعة، وجعل التأسي به انفع الوسائل النافعة.
أحمده حمدا ينتج اعتماد العبد على ربه وانقطاعه، وأشكره شكرا يقصر عنه لسان البراعة، واستمد معونته بلسان المذلة والضراعة، وأصلي على محمد رسوله المخصوص بمقام الشفاعة، على العموم والإشاعة، والرضا عن آله وصحبه الذين اقتدوا بهديه بحسب الاستطاعة.
أما بعد:
أيها الناس، شرح الله لقبول النصيحة صدوركم، وأصلح بعنايته أموركم واستعمل فيما يرضيه آمركم ومأموركم؛ فإن الله قد استرعاءنا جماعتكم، وأوجب لنا طاعتكم، وحذرنا إضاعتكم، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾[النساء:59]، سيما فيما أمر الله به ورسوله، أو هو محرم بالكتاب والسنة النبوية، وإجماع الأمة المحمدية.
﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ﴾[الحج:41].
ولهذا نرثي لغفلتكم! أو عدم إحساسكم! ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم.
فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا الله إسراركم وإعلانكم، واعلموا أن الله بفضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوا، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوزاعا، وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا به سقرا.
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾[الكهف:103-104].
وكل ذلك بدعة شنيعة، وفعلة فظيعة، وسبة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبيس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من «عيساوة»([10]) و«جلالة»([11]) وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يترقبون للهوهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات، وكل ذلك حرام ممنوع، والإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع.
فأنشدكم الله عباد الله: هل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه سيد الشهداء موسما؟
وهل فعل سيد الأمة أبو بكر لسيد الإرسال صلى الله عليه وعلى جميع الصحابة والآل موسما؟
وهل تصدى لذلك أحد من التابعين رضي الله عنهم أجمعين.
ثُم أنشدكم الله: هل زخرفت على عهد رسول الله المساجد؟
أو زوقت أضرحة الصحابة والتابعين الأماجد؟
كأني بكم تقولون في نحو هذه المواسم المذكورة وفي زخرفة أضرحة الصالحين، وغير ذلك من أنواع الابتداع: حسبنا الاقتداء والاتباع ﴿إنَّا وجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾[الزخرف:22].
وهذه المقالة قالها الجاحدون! ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾[المؤمنون:36]، وقد رد الله مقالتهم، ووبخهم وما أقالهم؛ فالعاقل من اقتدى بآبائه المهتدين وأهل الصلاح والدين، «خَيْرُ القُرُونِ قَرْنِي..» ([12]) الحديث.
وبالضرورة أنه لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها؛ فقد قبُض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعَقد الدين قد سُجِّل، ووعْدُ الله بإكماله قد عُجِّل، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا﴾[المائدة:03].
قال عمر رضي الله عنه على منبره: « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ السُّنَنُ، وَفُرِضَتْ [لَكُمْ] الْفَرَائِضُ، وَتُرِكْتُمْ عَلَى الجَادَّةِ؛ فَلاَ تَمِيلُوا بِالنَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا»([13]).
فليس في دين الله ولا فيما شرع نبي الله: أن يتقرب بغناء ولا شطح، والذكر الذي أمر الله به وحث عليه ومدح الذاكرين به، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن على طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد؛ فهذه طريقة الخلف، فمن قال بغير طريقتهم فلا يستمع، ومن سلك غير سبيلهم فلا يتبع؛ ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾[النساء:115] ([14])، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّه عَلَى بَصِيرَة أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّه وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108].
فما لكم يا عباد الله ولهذه البدع؟!
أأمناً من مكر الله؟!
أم تلبيسا على عباد الله!؟
أم منابذة لمن النواصي بيده؟!
أم غروراً لمن الرجوع بعدُ إليه؟!
فتوبوا واعتبروا، وغيروا المناكر واستغفروا؛ فقد أخذ الله بذنب المترفين من دونهم، وعاقب الجمهور لما أغضوا عن المنكر عيونهم، وساءت بالغفلة عن الله عقبى الجميع، ما بين العاصي والمداهن المطيع.
أفيزين لكم الشيطان وكتاب الله بأيديكم؟
أم كيف يضلكم وسنة نبيكم تناديكم؟
فتوبوا إلى رب الأرباب، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون، ومن أراد منكم التقرب بصدقة، أو وفق لمعروف أو إطعام أو نفقة، فعلى مَن ذَكر الله في كتابه ووعدكم فيهم بجزيل ثوابه، كَذوِي الضرورة الغير الخافية والمرضى الذين لستم بأَولى منهم بالعافية؛ ففي مثل هذا تُسَد الذرائع، وفيه تُمتَثل أوامر الشرائع؛ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ﴾[التوبة:60].
ولا يتقرب على مالك النواصي، بالبدع والمعاصي، بل بما يتقرب به الأولياء والصالحون، والأتقياء المفلحون: أكل الحلال وقيام الليالي، ومجاهد النفس في حفظ الأحوال، بالأقوال والأفعال، « الْبَطْنُ وَمَا حَوَى، وَالرَّأْسُ وَمَا وَعَى»([15])، وآيات تتلى، وسلوك الطريقة المثلى، وحج وجهاد، ورعاية السنة في المواسم والأعياد، ونصيحة تهتدى، وأمانة تؤدى، وخلق على خُلُقِ القرآن يحدى، وصلاة وصيام واجتناب مواقع الأثام، وبيع النفس والمال من الله.
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[التوبة:111]. الآية.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾[الأنعام:153].
الصراط المستقيم: كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم([16])، وليس الصراط المستقيم كثرة الرايات، والاجتماع للبيات، وحضور النساء والأحداث، وتغيير الأحكام الشرعية بالبدع والإحداث والتصفيق والرقص، وغير ذلك من أوصاف الرذائل والنقص.
﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَناً﴾[فاطر:08].
عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه([17]): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :« يجاء بالرجل يوم القيامة وبين يديه راية يحملها، وأناس يتبعونها، فيسأل عنهم ويسألون عنه»([18]).
﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ* وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا﴾[البقرة:166-167].
فيجب على من ولاه الله من أمر المسلمين شيئا من السلطان والخلائق: أن يمنعوا هؤلاء الطوائف، من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم؛ فإياكم ثم إياكم والبدع؛ فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية.
فمن المنقول عن الملل، والمشهور في الأواخر والأول: أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلاث، وشحت السماء وحلت النقماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقعت بركة الزروع؛ لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد.
والأدب مع الله ثلاثة:
- حفظ الحرمة بالاستسلام والاتباع.
- ورعاية السنة من غير إخلال ولا ابتداع.
- ومراعاتها في الضيق والاتساع.
لا ما يفعله هؤلاء الفقراء، فكل ذلك كذب على الله وافتراء، ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾[آل عمران:31].
عَنْ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ رضي الله عنه قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً،ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا- أَوْ قَالَ: أَوْصِنَا-؛ فَقَالَ: أُصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، لِمَنْ وَلَّى اللهُ عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيّاً؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ»([19]).
وهانحن عباد الله أرشدناكم وأنذرناكم وحذرناكم، فمن ذهب بعد لهذه المواسم، أو أحدث بدعة في شريعة نبيه أبي القاسم، فقد سعى في هلاك نفسه، وجر الوبال عليه وعلى أبناء جنسه، وتله الشيطان للجبين، وخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[النور:63].
=====
([1]): وقد نقلتها البصائر وقسمتها إلى جزئين، جزء نشرته في العدد (27)، الصفحة (1)، يوم الجمعة 20 ربيع الثاني 1355هـ الموافق ليوم 10 جوليت 1936م، وجزء في العدد (28)، الصفحة (1)، يوم الجمعة 27 ربيع الثاني 1355هـ الموافق ليوم 17 جوليت 1936م.
وقد صدرتها بمقدمة كنت قد نقلتها على هذا المنتدى الطيب قريبا.
([2]): هو المؤرخ والباحث المشهور أبو العباس أحمد بن خالد بن مُحمد بن مُحمد الكبير بن محمد الصغير بن محمد الشهير بابن ناصر الدرعي، ينتهي نسبه إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولد بسلا عام 1250هـ، وبها توفي عام 1315هـ، كانت أسرته مشهورة بالفضل والعلم والرياسة، كانت مختصة بالزاوية المعروفة بزاوية البركة قرب تامكروت، قبل أن يهاجر والده سنة 1220هـ إلى مدينة سلا، وينتقل منها إلى مدينة العرائش، ليعود سنة 1250هـ إلى سلا.
من مصنفاته الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، وطلعة المشتري في النسب الجعفري، وزهر الأفنان في شرح قصيدة ابن الونان، وكشف العرين عن ليوث بني مرين، و غيرها من المصنفات.[أنظر ترجمته في الاستقصا (1/9)].
([3]): انظر تخريجه في مختصر العلو (ص:77-78)ط. المكتب الإسلامي.
([4]):وهي حياة برزخية لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله سبحانه، وليست من جنس حياة أهل الدنيا بل هي نوع آخر يحصل بها له صلى الله عليه وسلم الإحساس بالنعيم، ويسمع بها سلام المسلم عليه عندما يرد الله عليه روحه ذلك الوقت، وكذلك الشهداء حياتهم برزخية وحياة الأنبياء أكمل منها، لهذا وجب التنبيه أنه لا يجوز أن يطلب منهم شيء بعد وفاتهم، كالاستغاثة أو نحو ذلك، لأن هذا شرك بالله ولم يفعله الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان.
([5]):الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى (8/123) ط. دار الكتاب بالدار البيضاء ـ بالمغرب.
([6]):أبو القاسم الزياني الملقب بذي الوزارتين(1147 هـ- 1249 هـ)، وزير ومؤرخ الدولة العلوية، من أصل آمازيغي، زار مناطق عديدة مثل تركيا ومصر وسوريا وسواحل أوروبا الجنوبية، واستطاع أن يكتب خمسة عشر مصنفًا كبير الحجم. وأهم كتبه المشهورة الترجمانة الكبرى الذي جمع فيه أخبار العالم وعلومه.
وللمزيد حول الزياني راجع مقدمة محقق الترجمانة (من الصفحة 29 حتى 45).
([7]): الترجمانة الكبرى في أخبار المعمورة برا وبحرا (ص:471)ت. عبد الكريم الفيلالي.
([8]): هو العلامة عبدالسلام بن محمد السرغيني، أصله من قبيلة «السراغنة» بالمغرب الأقصى، فقيه مطَّلع، استوطن فاسا، كان مدرسا بالمدرسة الثانوية بفاس، وله دروس حافلة بالقرويين، عين قاضيا في قبيلته السراغنة، وبقي هناك إلى أن توفي بها سنة 1354هـ.
من شيوخه: أحمد بن الخياط وأحمد بن الجلالي الأمغاري وأحمد بن المأمون البلغيتي ومحمد فتحا القادري ومحمد فتحا كنون وحماد الصنهاجي عبدالسلام بناني.
ومن مؤلفاته: كتاب «المسامرة» وهو عبارة عن محاضرة ألقاها بنادي المسامرة بالمدرسة العليا الإدريسية بفاس.[أنظر ترجمته في : سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة (ص.77)ط. دار الغرب الإسلامي].
([9]): أخرجه أحمد (7571)، وأبو داود (3658)، والترمذي (2649)، و ابن ماجة (266) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة». والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (6284).
([10]): الطريقة العيساوية و التي تعرف عندنا بالعيساوة، تنتسب هذه الطائفة إلى محمد بن عيسى المغربي وتشتهر باستعمالها للمدائح بصوت مرتفع واستخدام نوع من الموسيقى مع الرقص والمجون وفعل بعض الأشياء كإدخال الإبر في أجسادهم ولعق الآلات الحادة وغيرها من المخازي والله المستعان.
([11]): وهم أتباع عبد القادر الجيلاني وهذه الطريقة تسمى القادرية أو الجيلانية.
([12]): أخرجه البخاري (2651)، ومسلم (2535) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ولفظه: «خيركم قرني». ومن حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بلفظ: «خير الناس قرني» أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2472)، والترمذي (3859)، وأحمد (3594)، وكذلك أخرجه ابن حبان في صحيحه (7228)، والبزار في مسنده (1777)، وابن أبي عاصم في السنة (2/975)ط. دار الصميعي.
تنبيه: قال الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله: «..وبهذه المناسبة لابد لي من وقفة أو جملة معترضة قصيرة، وهي: أن الشائع اليوم على ألسنة المحاضرين، والمرشدين، والواعظين، رواية الحديث بلفظ: «خير القرون قرني»، هذا اللفظ لا نعرف له أصلا في كتب السنة، مع أن هذا الحديث دخل في زمرة الأحاديث المتواترة لكثرتها، وإنما اللفظ الصحيح الذي جاء في الصحيحين وغيرهما، إنما هو بلفظ: «خير الناس قرني»، ليس: «خير القرون قرني»، إنما هو: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ...».». من: سلسلة الهدى والنور، شريط: (396).
([13]): أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الحدود: باب ما جاء في الرجم.
([14]): قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (7/38): «فكل من شاق الرسول من بعدما تبين له الهدى، فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وكل ما ابتع غير سبيل المؤمنين فقد شاق الرسول من بعدما تبين له الهدي. فإن كان يظن أنه متبع سبيل المؤمنين وهو مخطئ فهو بمنزلة من ظن أنه متبع للرسول وهو مخطئ، وهذه الآية تدل على أن إجماع المؤمنين حجة من جهة أن مخالفتهم مستلزمة مخالفة الرسول، وأن كل ما أجمعوا عليه فلا بد أن يكون فيه نص عن الرسول ...».
([15]): قطعة من حديث رواه الترمذي (2458)، وقال: «هذا حديث غريب»، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (2/319) رقم (1724).
([16]): وهو الصراط الذي أمرنا أن نتبعه فقد أخرج الدارمي في سننه (206)، وابن حبان في مقدمة صحيحه (7)، وأحمد في مسنده (4131)، عن عبد الله بنُ مسعودٍ رضي الله عنه قال: «خَطَّ لنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم خطًّا ثمّ قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال: «هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾» والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (6/ 89)، وحسَّنه الشيخ الألباني في المشكاة (166).
وعند ابنِ كثيرٍ في تفسيره: «أنّ رجلاً سأل ابنَ مسعود رضي الله عنه: ما الصراطُ المستقيم ؟ قال: تركنا محمَّد صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادُّ وعن يساره جوادٌّ، ثمّ رجال يدعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثمَّ قرأ ابن مسعود الآية».
والجوادُّ: من جدَدَ، وجمعها جادّة، وهي معظم الطريق، [انظر: النهاية لابن الأثير: (1/ 313)].
([17]): قالت البصائر: «كذا في الأصل المنقول عنه: المقداد بن معد يكرب ولا يوجد في الإصابة هذا الاسم إنما الموجود المقداد بن الأسود والمقدام بن معد كرب ولعله الصواب هنا، راجع ج3 من الإصابة ص:454-455 وبعد فانظر من خرج الحديث وما رتبته فإني لم أقف عليه».
والصواب ما جاء في الأصل، فلربما سقطت الياء، لهذا ظنت البصائر أنه معد كرب وانظر الإصابة بتحقيق التركي (10/309). وأما تخريج الحديث ستجده فيما يلي.
([18]): رواه ابن أبي عاصم في السنة (2/739) رقم (1133)ط. الصميعي، قال محقق السنة: «رواه الطبراني في الكبير (20/275) رقم (652)، من طريق محمد بن إسماعيل عن أبيه به.
قال الهيثمي في المجمع (5/375): رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهوضعيف».
وقال محقق السنة: «لم يعزه إلى الكبير ولم أجده في مجمع البحرين».
قلت: والحديث ضعفه الألباني في ظلال الجنة (1099).
([19]): أخرجه أبوداود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجة (42)، وقال الترمذي :«حديث حسن صحيح»، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2549)، وفي صحيح الترغيب والترهيب (1/123) رقم (37). وقال: «قوله: «عضوا عليها بالنواجذ» أي: اجتهدوا على السنة والزموها، واحرصوا عليها كما يلزم العاض على الشيء بنواجذه، خوفا من ذهابه وتفلته. و«النواجذ» بالنون والجيم والدال المعجمة: هي الأنياب وقيل الأضراس».
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24471
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» السلطان سليمان القانونى ... أكبر ملوك الإسلام
» موقعة موهاكس (هذا هو سليمان القانوني الذي شوهت سمعته بمسلسل "حريم السلطان")
» فضيحة نانسي عجرم.... صورة الجزء العلوي عاري
» هيكل سليمان
» خطبة جمعة
» موقعة موهاكس (هذا هو سليمان القانوني الذي شوهت سمعته بمسلسل "حريم السلطان")
» فضيحة نانسي عجرم.... صورة الجزء العلوي عاري
» هيكل سليمان
» خطبة جمعة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى