تعريف الصوفية والتصوف
+4
ibn_al_sa7aba
Shaker
ayoub
أبو أويس
8 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تعريف الصوفية والتصوف
تعريف الصوفية و التصوف
الحمد لله العزيز الجبار، خالق الليل والنهار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المختار، صلى الله عليه وعلى ءاله وأصحابه الأخيار، ما غابت شمس وطلع نهار.
فصل في تعريف التصوف وبيان حال الصوفية
ليعلم أن التصوف جليل القدر، عظيم النفع، أنواره لامعة، وثماره يانعة، فهو يزكي النفس من الدنس، ويطهر الأنفاس من الأرجاس، ويوصل الإنسان إلى مرضاة الرحمن، وخلاصته اتباع شرع الله، وتسليم الأمور كلها لله، والالتجاء في كل الشئون إليه مع الرضى بالمقدّر، من غير إهمال في واجب ولا مقاربة لمحظور.
وقد اختلف في تعريفه فقيل: " التصوف الجِدُّ في السلوك إلى ملك الملوك"، وقيل: "التصوف الموافقة للحق"، وقيل:"إنما سميت الصوفية صوفية لصفاء أسرارها ونقاء ءاثارها"، وقال بشر بن الحارث: "الصوفي من صفا قلبه لله ".
وقد سئل الإمام أبو علي الرَوْذباري عن الصوفي فقال: "من لبس الصوف على الصفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم)"، وسئل الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري عن الصوفي فأجاب: "من صفا عن الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والمدر"، وقال الشيغ محمّد ميارة المالكي في شرح المرشد المعين: "في اشتقاق التصوف أقوال إذ حاصله اتصاف بالمحامد، وترك للأوصاف المذمومة، وقيل من الصفاء" اهـ.
وقيل غير ذلك من الأقوال التي هي مسطورة في كتب القوم.
فصل
التصوف مبني على الكتاب والسنة كما قال سيد الطائفة الصوفية الجنيد البغدادي رضي الله عنه: "طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلا على المقتفين ءاثار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)"اهـ، وقال الشيخ تاج الدين السبكي: "ونرى أن طريق الشيخ الجنيد وصحبه مقوَّم" اهـ، وقال سهل التُّستَري رضي الله عنه: " أصول مذهبنا- يعني الصوفية- ثلاثة: الاقتداء بالنبي (صلّى الله عليه وسلّم) في الأخلاق والأفعال، والاكل من الحلال، وإخلاص النيّة في جميع الأفعال" اهـ، وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: " ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخَالة"،وانما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
( سـورة السجدة/٢٤) اهـ. وقال سيدنا الامام الكبير أحمد الرفاعي رضي الله عنه للقطب أبي اسحاق ابراهيم الأعزب رضي الله عنه:"ما أخذ جدك طريقًا لله إلا اتباع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فإن من صحت صحبته مع سرِّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) اتبع ءادابه وأخلاقه وشريعته وسنته، ومن سقط من هذه الوجوه فقد سلك سبيل الهالكين" اهـ، وقال أيضًا: "واعلم أن كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة" اهـ، وقال رضي الله عنه أيضا: "الصوفي هو الفقيه العامل بعلمه " اهـ.
وقد حكى العارف بالله الشعراني في مقدمة كتابه الطبقات إجماع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الصوفية إلا من تبحر في علم الشريعة وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها، وتبحر في لغة العرب حتى عرف مَجازاتها واستِعاراتِها وغير ذلك.
والحكمة في هذا الإجماع الذي حكاه الشعراني ظاهرةٌ لأن الشخص إذا تصدَّرَ للمشيخة والإرشاد اتخذه المريدون قدوةً لهم ومرجعًا يرجعون إليه في مسائل دينهم، فإذا لم يكن متقنًا لعلم الشرع متبحرًا فيه قد يضل المريدين بفتواه فيحل لهم الحرام ويحرم عليهم الحلال وهو لا يشعر، أيضا فإن أغلب البدع القبيحة والخرافات إنما دخلت في الطريق بسبب كثير من المشايخ الذين تصدروا بغير علم ونصبوا أنفسهم للإرشاد من غير أن يكونوا مستحقين لهذا المنصب الجليل، ولذلك تجد الكثير من المنتسبين إلى التصوف اليوم والى طرق أهله قد أعماهم الجهل فيظنون أنهم بمجرد أخذهم لطريقة صوفية معيّنة يرتقون إلى أعالي الدرجات، وبمجرد قراءتهم للأوراد يصلون إلى مقام الإرشاد، وفي نفس الوقت يهملون تعلم العلوم الشرعية الضرورية وتطبيقها، فيتخبطون في الجهل والفساد وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ويدخلون في طريق القوم البدع الفاسدة والفتاوى الشاذة والأقوال الضالّة التي ما أنزل الله بها من سلطان ويزعمون أن هذا من الأسرار التي لا يطلع عليها إلا أهل الباطن ولا يفهمها أهل الشريعة الذين هم أهل الظاهر، وإذا قدّم لهم شخص نصيحة يقولون: أنتم أهل الظاهر ونحن أهل الباطن لا تفهمون هذا، فلذلك سمّاهم أهل العلم والصوفية الصادقون بالمتصوفة أي أدعياء التصوف، ويكفي في الرد عليهم قول الإمام الرفاعي: "كل طريقة تخالف الشريعة فهي زندقة"، وقال رضي الله عنه: "شيّدوا أركان هذه الطريقة المحمدية بإحياء السنة وإماتة البدعة" ا.هـ.، وقال: "كلّ الآداب منحصرة في متابعة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) قولا وفعلا وحالا وخلقًا، فالصوفي ءادابه تدل على مقامه، زِنوا أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه بميزان الشرع" ا.هـ.، وقال: "أيها الصوفي لم هذه البطالة؟ صِرّ صوفيا حتى نقول لك: أيها الصوفي " ا.هـ. وقال: "لا تقولوا كما يقول بعض المتصوفة: نحن أهل الباطن وهم أهل الظاهر، هذا الدين الجامع باطنه لبّ ظاهره، وظاهره ظرف باطنه لولا الظاهر لما بَطُن، لولا الظاهر لما كان الباطن ولما صح، القلب لا يقوم بلا جسد بل لولا الجسد لفسد، والقلب نور الجسد. هذا العلم الذي سمّاه بعضهم بعلم الباطن هو إصلاح القلب " ثم قال: "فإذا تعين لك أن الباطن لب الظاهر والظاهر ظرف الباطن ولا فرق بينهما ولا غنى لكليهما عن الآخر، فقل: نحن من أهل الظاهر وكأنك قلت ومن أهل الباطن. أيُّ حالة باطنة للقوم لم يأمر ظاهر الشرع بعملها؟ أيُّ حالة ظاهرة لم يأمر ظاهر الشرع بإصلاح الباطن لها" ا.هـ.
فعلى ما ذكر يتبين أن كل بدعة تراها في الطرق السائرة فلك أن تعرض ما تراه وتسمعه فيها من البدع القولية أو الفعلية على قواعد الشرع فإن لم توافقه فانبذها، قال السيد أحمد الرفاعي: "كل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة، إذا رأيتم شخصًا تربع في الهواء فلا تلتفتوا إليه حتى تنظروا حاله عند الأمر والنهي " ا.هـ. ، أي يوزن أفعاله وأقواله بميزان الشرع فإن لم يوافقها فيترك، وقال رضي الله عنه: "سلّم للقوم أحوالهم ما لم يخالفوا الشرع، فإن خالفوا الشرع فكن مع الشرع " اهـ.
فصل
لكون التصوف مبنيًّا على الكتاب والسنة دخل فيه عظماء العلماء وانضم إلى زمرة أهلهِ فحولٌ من الكبراء كالحافظ أبي نُعَيمٍ، والمحدث المؤرخ أبي القاسم النصرَاباذي، وأبي علي الرَوذباري، وأبي العباسْ الدَينوري، وأبي حامد الغزالي، والقاضي بكارِ بن قتيبةَ، والقاضي رُوَيمْ بن أحمد البغدادي، وأبي القاسمِ عبد الكريم بن هوازن القشيري الجامع بين الشريعة والحقيقة، والشيخ الفقيه محمد بن خَفيفٍ الشيرازي الشافعي، والحافظ ذي المصنفات في الحديث والرجال أبي الفضل محمد المقدسي، والشيخ عز الدين بن عبد السلام المالكي، والحافظ ابن الصلاح، والنووي، وتقي الدين السبكي وابنه تاج الدين السبكي، وأبي الحسن الهِيكاري، والفقيه نجم الدين الخَبوشاني الشافعي، والفقيه المحقق سراج الدين أبي حفص عمر المعروف بابن الملقِّن الشافعي، والحافظ جمال الدين محمد بن علي الصابوني، والحافظ شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن الدمياطي، والحافظ أبي طاهر السِّلَفي، والمسند المعمّر جمال الدين أبي المحاسنْ يوسف الحنبلي، وقاضي القضاة شمس الدين أبي عبد الله محمد المقدسي، والمفتي شرف الدين أبي البركات محمد الجُذامي المالكي، والإمام بهاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضائل هبة الله بن سلامة، والحافظ أبي القاسم سليمان الطبراني صاحب المعاجم المعروفة، والمفتي جمال الدين محمد المعروف بابن النقيب، وقاضي القضاة الشيخ عز الدين عبد العزيز، ووالده قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد، ووالده شيخ الإسلام برهان الدين ابراهيم بن سعد بن جماعة الكِناني الشافعي، والشيخ أبي عبد الله محمد بن الفُرات، وقاضي القضاة تقي الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين بن رُزَيْن الحموي الشافعي، وشيخ الإسلام صدر الدين أبي الحسن محمد، وشيخ شيوخ عصره عماد الدين أبي الفتح عمر، وشيخ الإسلام معين الدين أبي عبد الله محمد، والشيخ المفسّر النحوي أبي حيان الأندلسي، وقطب الدين القَسطلاني المشهور، والمفسر كمال الدين ابن النقيب، والحافظ أبي موسى المَديني، والعلامة نجم الدين أبي النعمان بشير بن أبي بكر حامد الجُبعْبري التبريزي، والحافظ جلال الدين السيوطي، والشيخ عبد الواحد بن عاشرٍ الأنصاري المالكي، والعلامة المحققِ الشيخ أحمد بن المبارك اللّمْطي، وغيرهم خلق كثير مما تضيق عن ذكرهم هذه الأسطر، فلا تجد عالمًا كبيرًا ومحققا شهيرا إلا ودخل في طريق القوم والتمس بركتهم ونال الحظوة بسبب الانتسابِ إليهم، فمن قرأ تراجم العلماء والمحدثين وتتبع سيرتَم واستقصى أخبارهم أدرك ذلك، ومن أنكر ذلك فهو جاهل متعنت لا اعتداد به ولا عبرة بما يقول.
ويكفي في بيان فضل الصوفية ما ذكر عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي حمزة الصوفي: "ماذا تقول يا صوفي " ا.هـ.، فالصوفي عند من يعرفه هو العامل بالكتاب والسنة يؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات ويترك التنعم في المأكل والملبس ونحو ذلك، فهذه الصفة في الحقيقة صفة الخلفاء الأربعة، فلذلك صنف الحافظ أبو نُعيم كتابه الضخم المسمى "حلية الأولياء" أراد به أن يميز الصوفية المحققين من غيرهم لمّا كثر في زمانه الطعن من بعض الناس في الصوفية، ودعوى التصوف من طائفة أخرى هم خلاف الصوفية في المعنى، فبدأ بذكر الخلفاء الأربعة، وقد صنف خلق كثير من العلماء كتبًا في هذا الشأن منها طبقات الصوفية للمحدث الحافظ أبي عبد الرحمن محمد السُلَميّ النيسابوري، وطبقات الصوفية للحافظ البارع أبي سعيد النقّاش الحنبلي، وطبقات الصوفية للحكيم الترمذي، وطبقات الصوفية للحافظ ابن الملقّن الشافعي وكل هؤلاء من أهل الحديث.
وقد أكثر الحافظ البيهقي الرواية عن شيخه أبي علي الرَوذْباري أحد مشاهير الصوفية الذي كان تلميذ الجنيد رضي الله عنه. قال الشيخ منصور البُهوتي الحنبلي في كتابه كشاف القناع (۱) ما نصه: "ونقل إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن الإمام أحمد قال عن الصوفية- أي الصادقين-: لا أعلم أقوامًا أفضل منهم، قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة، قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يُغشى عليه فقال: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾(سورة الزمر/٤٧) ولعل مُراده سماع القرآن، وعذرهم لقوة الوارد، قاله في الفروع"، اهـ. وصاحب الفروع هو شمس الدين بن مفلح الحنبلي(٢).
فيتبين من هذا كله أن طرق أهل الله كالرفاعية والقادرية وسائر الطرق المستقيمة أسست على وفق القرءان الكريم والحديث الشريف.
-----------------------------------------
(۱) كشاف القناع عن متن الإقناع (۱٨٤/٥).
(٢) تلميذ ابن تيمية
Shaker-
- عدد المساهمات : 295
العمر : 44
نقاط تحت التجربة : 12133
تاريخ التسجيل : 20/11/2008
رد: تعريف الصوفية والتصوف
اللهم إرفع من بيننا كل الأسماء و كل المسميات و ليسد بيننا إسم مسلم و ما أحلاه من إسم
ibn_al_sa7aba-
- عدد المساهمات : 2987
العمر : 41
نقاط تحت التجربة : 14397
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: تعريف الصوفية والتصوف
المسلم من سلم الناس من يده و لسانه
abouimed-
- عدد المساهمات : 2452
العمر : 60
المكان : القصرين
المهنه : ولد القصرين و يرفض الذل
الهوايه : الحرية ضاهر و باطن
نقاط تحت التجربة : 15118
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
رد: تعريف الصوفية والتصوف
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،
والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" متفق عليه. وزاد الترمذي والنسائي:
"والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم" وزاد البيهقي: "والمجاهد
من جاهد نفسه في طاعة الله".
الله صلى الله عليه وسلم : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده،
والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" متفق عليه. وزاد الترمذي والنسائي:
"والمؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم" وزاد البيهقي: "والمجاهد
من جاهد نفسه في طاعة الله".
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: تعريف الصوفية والتصوف
بارك الله لك وبارك بك
وجزاك الله خير الجزاء
ونستغفر الله من جميع الذنوب ونتوب إليه
أمين
وجزاك الله خير الجزاء
ونستغفر الله من جميع الذنوب ونتوب إليه
أمين
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
حواء-
- عدد المساهمات : 2558
العمر : 50
نقاط تحت التجربة : 14042
تاريخ التسجيل : 11/04/2008
رد: تعريف الصوفية والتصوف
بشم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه اجمعين
اما بعد .ان الكلام عن التصوف بهذا الوصف فهو مخالف الشريعة
والتصوف المعروف عند السلف ليس هذا
قال عليه الصلاة والسلام (من احدث في امرنا هذا فهو رد )
خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل واشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه اجمعين
اما بعد .ان الكلام عن التصوف بهذا الوصف فهو مخالف الشريعة
والتصوف المعروف عند السلف ليس هذا
قال عليه الصلاة والسلام (من احدث في امرنا هذا فهو رد )
خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
رد: تعريف الصوفية والتصوف
الحمد لله على نعمة الاسلام .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
رد: تعريف الصوفية والتصوف
أولاً : أقوال العلماء
فهذا هو إمام أهل السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله يقول
: ( لولده عبد الله يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا
بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ويقول عن الصوفية لا
أعلم أقواماً أفضل منهم ) كتاب تنوير القلوب ص 405 وغذاء الألباب لشرح
منظومة الآداب للسفاريني 1\120
وهذا هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله يقول
: ( ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن
سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق ) . كتابه
المنقذ من الضلال صفحة 49
وهذا هو سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمة الله يقول : ( قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تتهدم دنيا وأخرى وقعد غيرهم على الرسوم ) كتاب نور التحقيق للشيخ حامد صغر ص 96
ويقول الأمام مالك رحمة الله تعالى
من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما
فقد تحقق ) من حاشية العلامة على العدوي على شرح الأمام الزرقاني على متن
العزبة في الفقه المالكي , وشرح عين العلم وزين الحلم للأمام ملا علي قاري
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( حبب إلى من دنياكم ثلاث : ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والإقتداء بطريق أهل التصوف ) . من كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للأمام العجلوني
وهذا هو الأمام الحجة شيخ الشافعية النووي رحمه الله وهو ثقة بإجماع الأمة يقول : ( أصول طريق التصوف
خمسة : تقوى الله في السر والعلانية , إتباع السنة في الأقوال والأفعال ,
الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار , الرضا عن الله تعالى في القليل
والكثير , الرجوع إلى الله في السراء والضراء ) كتاب مقاصد الإمام النووي
والتوحيد والعبادات وأصول التصوف ص 20
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى : الباب الثامن في أحوال الصوفية
" : أعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ لأن حاصل قول
الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق
البدنية , وهذا طريق حسن , وقال أيضاً : والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر
وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية , ويجتهدون ألا يخلو سرهم وبالهم عن ذكر
الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم , منطبعون على كمال الأدب مع الله
عز وجل وهؤلاء هم خير فرق الآدميين . في كتابه اعتقادات فرق المسلمين
والمشركين
وتحدث الأمام أحمد ابن تيمية رحمة الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة فقال :
( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض ,
وإبراهيم بن أدهم , وأبي سليمان الدارني , ومعروف الكرخي , والسري السقطي
, والجنيد بن محمد , وغيرهم من المتقدمين , مثل الشيخ عبد القادر
الجيلاني, والشيخ حماد , والشيخ أبي البيان , وغيرهم من المتأخرين فهم لا
يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر
والنهي الشرعيين , بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت .
وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف , وهذا كثير من
كلامهم ) . الجزء العاشر من مجموع فتاويه
وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى تحت عنوان الصوفية :
حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم وقد تشبعت الأقوال فيهم
تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها , بحيث قال الشيخ
أبو محمد الجويني : لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم . والصحيح صحته ,
وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة .... ثم
تحدث عن تعاريف التصوف
إلى أن قال : والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجي الرحمة بذكرهم
ويستنزل الغيث بدعائهم , فرضي الله عنهم وعنا بهم . كتابه معيد النعيم
ومبيد النقم
وهذا هو الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى يقول
: إن كثيراً من الجُهَّال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع
والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون وحاشاهم (
الصوفية ) من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به فأول شي بنوا عليه طريقهم إتباع
السنة واجتناب ما خالفها , الاعتصام لشاطبي.
وهذا هو الإمام السيوطي رحمه الله تعالى يقول : أن التصوف
في نفسه علم شريف وأن مداره على أتباع السنة وترك البدع وعلمت أيضاً أنه
قد كثر الدخيل فيه من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم فأدخلوا فيه ما ليس
منه فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع , كتاب تأييد الحقيقة العلية للسيوطي
ص57
وقال الإمام المحاسبي رحمه الله تعالى :
( فأصبحت راغباً في مذهبهم , مقتبساً من فوائدهم قابلا لآدابهم , محباً
لطاعتهم , لا اعدل بهم شيئاً , ولا أوثر عليهم أحداً , ففتح الله لي علما
اتضح لي برهانه , وأنار لي فضله , ورجوت النجاة لمن اقرَّ به أو انتحله ,
وأيقنت بالغوث لمن عمل به , ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه , ورأيت الرَّيْن
متراكماً على قلب من جهله وجحده ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه , ورأيت
انتحاله والعمل بحدوده واجباً علي فاعتقدته في سريرتي ,وانطويت علية
بضميري , وجعلته أساس ديني وبنيت عليه أعمالي وتقلَّبْت فيه بأحوالي وسألت
الله عز وجلَّ أن يوزِعَني شكر ما أنعم به علي وان يقويني علىَّ القيام
بحدود ما عرَّفني به , مع معرفتي بتقصيري في ذلك , وأني لا أدرك شكره
أبداً ) كتاب الوصايا ص 27 _32 للأمام أبي عبد الله الحارث المحاسبي
المتوفى 243هـ
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في علم التصوف
: ( هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة , وأصله أن طريقة هؤلاء
القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريق
الحق والهداية , وأصلها العكوفُ على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى ,
والإعراضُ عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة
ومال وجاه , والانفرادُ عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاماً في
الصحابة والسلف , فلمَّا فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده
, وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا , اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية
) مقدمة ابن خلدون ص 328
ويقول ابن عابدين رحمة الله تعالى :
( ولا كلام لنا مع الصُدَّق من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة
رديَّة , فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد : إن أقواما يتواجدون
ويتمايلون ؟ فقال دعوهم مع الله تعالى يفرحون , فإنهم قوم قطعت الطريق
اكبادَهم , ومزَّق النصبُ فؤادهم , وضاقوا ذرعا فلا حرج عليهم إذا تنفسوا
مداواة لحالهم ) . الرسالة السابعة , شفاء العليل وبل الغليل في حكم
الوصية بالختمات والتهاليل ص 172_173 للفقيه الكبير ابن عابدين
وقال أبو الحسن الندوي رحمه الله في كتابه المسلمون في الهند :
يقول أبو الحسن الندوي في كتابه المسلمون في الهند: " إن هؤلاء الصوفية
كانوا يبايعون الناس على التوحيد والإخلاص واتباع السنة، والتوبة عن
المعاصي وطاعة الله ورسوله، ويحذرون من الفحشاء والمنكر والأخلاق السيئه
والظلم والقسوة ويرغبونهم في التحلي بالأخلاق الحسنه والتخلي عن الرذائل
مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب الجاه، وتزكية النفس وإصلاحها،
ويعلمونهم ذكر الله والنصح لعباده والقناعه والإيثار، وعلاوة على هذه
البيعه التى كانت رمز الصله العميقه الخاصه بين الشيخ ومريديه إنهم كانوا
يعضون الناس دائما، ويحاولون أن يلهبوا فيهم عاطفة الحب لله سبحانه،
والحنين إلى رضاه، ورغبة شديده لإصلاح النفس وتغيير الحال
ثانياً : أقوال العارفين
فهذا هو سلطان الأولياء والعارفين سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله يقول
:كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة , طر إلى الحق عزَّوجلَّ بجناحي
الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك
العبادات المفروضة زندقة وارتكاب المحظورات معصية . الفتح الرباني ص 179 .
ويقول كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل .
وهذا الشيخ أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر باذي رحمه الله يقول: أصل التصوف
ملازمة الكتاب والسنة وترك الهواء والبدع , وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية
أعذار الخلق , وحسن صحبة الرفقاء , والقيام بخدمتهم , واستعمال الأخلاق
الجميلة ,والمداومة على الأوراد , وترك ارتكاب الرخص والتأويلات , وما ضل
احدٌ ف بهذا الطريق إلا بفساد الابتداء يؤثر في الانتهاء , طبقات الصوفية
ص 488
وقال الشيخ أبو بكر الكتاني محمد بن علي رحمه الله : التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف , طبقات الصوفية ص 145
وقال سيد الطائفتين العارف بالله أبو القاسم الجنيد البغدادي رحمه الله تعالى :
الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه
وسلم واتبع سنته ولزم طريقته ,فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه , طبقات
الصوفة ص 159 ويقول : ( من لم يحفظ القران ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في
هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة )
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عن الصوفي
: إنَّ سالك سبيل الله قليل والمدعي فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له ,
الأولى : أن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة على توفيقاته
إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما إذ لا يمكن سلوك هذا السيل إلا بعد التلبس
بمكارم الشريعة كلها والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب على جملة من
النوافل فكيف يصل إلية من أهمل الفرائض .
وقد أثر عن السري السقطي رحمه الله تعالى أنه كان يقول: التصوف
اسم لثلاثة معاني هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعة ولا يتكلم بباطن في
علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ولا تحمله الكرامات على هتك أستار
محارم الله ويقول : المتصوف لا يتكلم بباطن علم ينقضه علية ظاهر الكتاب
والسنَّة .
وورد عن العارف بالله الشيخ أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى أنه يقول :
لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى
تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
ويقول أبو الحسن الشاذلي رحمة الله :
إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل
لنفسك أنَّ الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب
الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير
ذلك من الأقوال الكثيرة التي تبين إن الاستقامة على الشريعة المطهرة هي
أفضل من أي كرامة .
وقال الشيخ محيي الدين بن عربي قدس سره : لا يرتجي الوصول من لم يتبَّع الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله
: من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من
مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه .
وقال الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله :
أصول طريقتنا ـ أي منهج الصوفية ـ سبعة : التمسك بالكتاب , والاقتداء
بالسنة , وأكل الحلال , وكف الأذى , وتجنب المعاصي , لزوم التوبة , وأداء
الحقوق .
وقال أبو حفص احد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال .
وورد عن العارف بالله الشيخ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى أنه يقول
: قد درج أشياخ الطريق كلهم على أن أحداً منهم لا يتصدر في الطريق إلا بعد
تبحره في علوم الشريعة وقال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في
مقدمة رسالته المشهورة متحدثاً عن الصوفية : ( جعل الله هذه الطائفة صفوة
أوليائه , وفضَّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله
وسلامه عليهم وجعل قلوبهم معادن أسراره واختصَّهم من بين الأمة بطوالع
أنواره , فهم الغياث للخلق , والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق .
صفَّاهم من كدورات البشرية , ورقَّاهم إلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من
حقائق الأحدية , ووفَّقهم للقيام بآداب العبودية , وأشهدهم مجاري أحكام
الربوبية , فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف وتحققوا بما مَنَّة
سبحانه لهم من التقليب والتصريف , ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق
الافتقار ونعت الانكسار , ولم يتَّكِلوا على ما حصل منهم من الأعمال أو
صفا لهم من الأحوال , علما منهم بأنه جلَّ وعلاَّ يفعل ما يريد ويختار من
يشاء من العبيد , لا يحكم عليه خلق , ولا يتوجه عليه لمخلوق حق ثوابه
ابتداء فضل , وعذابه حكم بعدل , وأمره قضاء فصل ) . الرسالة القشيرية
للأمام أبي القاسم القشيري ص2.
واختم بقول سيدي الشيخ العارف بالله عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه : ( طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة فمن خالفهما فليس منا ) وفي هذا القدر كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقة التصوف والصوفية . فإن كان هذا هو التصوف فأي علم اشرف من هذا العلم والله أعلم
فهذا هو إمام أهل السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله يقول
: ( لولده عبد الله يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم زادوا علينا
بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ويقول عن الصوفية لا
أعلم أقواماً أفضل منهم ) كتاب تنوير القلوب ص 405 وغذاء الألباب لشرح
منظومة الآداب للسفاريني 1\120
وهذا هو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله يقول
: ( ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن
سيرهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق ) . كتابه
المنقذ من الضلال صفحة 49
وهذا هو سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمة الله يقول : ( قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تتهدم دنيا وأخرى وقعد غيرهم على الرسوم ) كتاب نور التحقيق للشيخ حامد صغر ص 96
ويقول الأمام مالك رحمة الله تعالى
من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما
فقد تحقق ) من حاشية العلامة على العدوي على شرح الأمام الزرقاني على متن
العزبة في الفقه المالكي , وشرح عين العلم وزين الحلم للأمام ملا علي قاري
ويقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( حبب إلى من دنياكم ثلاث : ترك التكلف وعشرة الخلق بالتلطف والإقتداء بطريق أهل التصوف ) . من كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للأمام العجلوني
وهذا هو الأمام الحجة شيخ الشافعية النووي رحمه الله وهو ثقة بإجماع الأمة يقول : ( أصول طريق التصوف
خمسة : تقوى الله في السر والعلانية , إتباع السنة في الأقوال والأفعال ,
الأعراض عن الخلق في الإقبال والأدبار , الرضا عن الله تعالى في القليل
والكثير , الرجوع إلى الله في السراء والضراء ) كتاب مقاصد الإمام النووي
والتوحيد والعبادات وأصول التصوف ص 20
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى : الباب الثامن في أحوال الصوفية
" : أعلم أن أكثر من حصر فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ لأن حاصل قول
الصوفية أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق
البدنية , وهذا طريق حسن , وقال أيضاً : والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر
وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية , ويجتهدون ألا يخلو سرهم وبالهم عن ذكر
الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم , منطبعون على كمال الأدب مع الله
عز وجل وهؤلاء هم خير فرق الآدميين . في كتابه اعتقادات فرق المسلمين
والمشركين
وتحدث الأمام أحمد ابن تيمية رحمة الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة فقال :
( فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض ,
وإبراهيم بن أدهم , وأبي سليمان الدارني , ومعروف الكرخي , والسري السقطي
, والجنيد بن محمد , وغيرهم من المتقدمين , مثل الشيخ عبد القادر
الجيلاني, والشيخ حماد , والشيخ أبي البيان , وغيرهم من المتأخرين فهم لا
يسوغون للسالك ولو طار في الهواء أو مشى على الماء أن يخرج عن الأمر
والنهي الشرعيين , بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إلى أن يموت .
وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف , وهذا كثير من
كلامهم ) . الجزء العاشر من مجموع فتاويه
وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى تحت عنوان الصوفية :
حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم وقد تشبعت الأقوال فيهم
تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها , بحيث قال الشيخ
أبو محمد الجويني : لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حد لهم . والصحيح صحته ,
وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة .... ثم
تحدث عن تعاريف التصوف
إلى أن قال : والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجي الرحمة بذكرهم
ويستنزل الغيث بدعائهم , فرضي الله عنهم وعنا بهم . كتابه معيد النعيم
ومبيد النقم
وهذا هو الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى يقول
: إن كثيراً من الجُهَّال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع
والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون وحاشاهم (
الصوفية ) من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به فأول شي بنوا عليه طريقهم إتباع
السنة واجتناب ما خالفها , الاعتصام لشاطبي.
وهذا هو الإمام السيوطي رحمه الله تعالى يقول : أن التصوف
في نفسه علم شريف وأن مداره على أتباع السنة وترك البدع وعلمت أيضاً أنه
قد كثر الدخيل فيه من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم فأدخلوا فيه ما ليس
منه فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع , كتاب تأييد الحقيقة العلية للسيوطي
ص57
وقال الإمام المحاسبي رحمه الله تعالى :
( فأصبحت راغباً في مذهبهم , مقتبساً من فوائدهم قابلا لآدابهم , محباً
لطاعتهم , لا اعدل بهم شيئاً , ولا أوثر عليهم أحداً , ففتح الله لي علما
اتضح لي برهانه , وأنار لي فضله , ورجوت النجاة لمن اقرَّ به أو انتحله ,
وأيقنت بالغوث لمن عمل به , ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه , ورأيت الرَّيْن
متراكماً على قلب من جهله وجحده ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه , ورأيت
انتحاله والعمل بحدوده واجباً علي فاعتقدته في سريرتي ,وانطويت علية
بضميري , وجعلته أساس ديني وبنيت عليه أعمالي وتقلَّبْت فيه بأحوالي وسألت
الله عز وجلَّ أن يوزِعَني شكر ما أنعم به علي وان يقويني علىَّ القيام
بحدود ما عرَّفني به , مع معرفتي بتقصيري في ذلك , وأني لا أدرك شكره
أبداً ) كتاب الوصايا ص 27 _32 للأمام أبي عبد الله الحارث المحاسبي
المتوفى 243هـ
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في علم التصوف
: ( هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة , وأصله أن طريقة هؤلاء
القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريق
الحق والهداية , وأصلها العكوفُ على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى ,
والإعراضُ عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة
ومال وجاه , والانفرادُ عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاماً في
الصحابة والسلف , فلمَّا فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده
, وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا , اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية
) مقدمة ابن خلدون ص 328
ويقول ابن عابدين رحمة الله تعالى :
( ولا كلام لنا مع الصُدَّق من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة
رديَّة , فقد سئل إمام الطائفتين سيدنا الجنيد : إن أقواما يتواجدون
ويتمايلون ؟ فقال دعوهم مع الله تعالى يفرحون , فإنهم قوم قطعت الطريق
اكبادَهم , ومزَّق النصبُ فؤادهم , وضاقوا ذرعا فلا حرج عليهم إذا تنفسوا
مداواة لحالهم ) . الرسالة السابعة , شفاء العليل وبل الغليل في حكم
الوصية بالختمات والتهاليل ص 172_173 للفقيه الكبير ابن عابدين
وقال أبو الحسن الندوي رحمه الله في كتابه المسلمون في الهند :
يقول أبو الحسن الندوي في كتابه المسلمون في الهند: " إن هؤلاء الصوفية
كانوا يبايعون الناس على التوحيد والإخلاص واتباع السنة، والتوبة عن
المعاصي وطاعة الله ورسوله، ويحذرون من الفحشاء والمنكر والأخلاق السيئه
والظلم والقسوة ويرغبونهم في التحلي بالأخلاق الحسنه والتخلي عن الرذائل
مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب الجاه، وتزكية النفس وإصلاحها،
ويعلمونهم ذكر الله والنصح لعباده والقناعه والإيثار، وعلاوة على هذه
البيعه التى كانت رمز الصله العميقه الخاصه بين الشيخ ومريديه إنهم كانوا
يعضون الناس دائما، ويحاولون أن يلهبوا فيهم عاطفة الحب لله سبحانه،
والحنين إلى رضاه، ورغبة شديده لإصلاح النفس وتغيير الحال
ثانياً : أقوال العارفين
فهذا هو سلطان الأولياء والعارفين سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله يقول
:كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة هي زندقة , طر إلى الحق عزَّوجلَّ بجناحي
الكتاب والسنة ادخل عليه ويدك في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك
العبادات المفروضة زندقة وارتكاب المحظورات معصية . الفتح الرباني ص 179 .
ويقول كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل .
وهذا الشيخ أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر باذي رحمه الله يقول: أصل التصوف
ملازمة الكتاب والسنة وترك الهواء والبدع , وتعظيم حرمات المشايخ ورؤية
أعذار الخلق , وحسن صحبة الرفقاء , والقيام بخدمتهم , واستعمال الأخلاق
الجميلة ,والمداومة على الأوراد , وترك ارتكاب الرخص والتأويلات , وما ضل
احدٌ ف بهذا الطريق إلا بفساد الابتداء يؤثر في الانتهاء , طبقات الصوفية
ص 488
وقال الشيخ أبو بكر الكتاني محمد بن علي رحمه الله : التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف , طبقات الصوفية ص 145
وقال سيد الطائفتين العارف بالله أبو القاسم الجنيد البغدادي رحمه الله تعالى :
الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه
وسلم واتبع سنته ولزم طريقته ,فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه , طبقات
الصوفة ص 159 ويقول : ( من لم يحفظ القران ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في
هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة )
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي عن الصوفي
: إنَّ سالك سبيل الله قليل والمدعي فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له ,
الأولى : أن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة على توفيقاته
إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما إذ لا يمكن سلوك هذا السيل إلا بعد التلبس
بمكارم الشريعة كلها والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب على جملة من
النوافل فكيف يصل إلية من أهمل الفرائض .
وقد أثر عن السري السقطي رحمه الله تعالى أنه كان يقول: التصوف
اسم لثلاثة معاني هو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعة ولا يتكلم بباطن في
علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ولا تحمله الكرامات على هتك أستار
محارم الله ويقول : المتصوف لا يتكلم بباطن علم ينقضه علية ظاهر الكتاب
والسنَّة .
وورد عن العارف بالله الشيخ أبو يزيد البسطامي رحمه الله تعالى أنه يقول :
لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى
تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
ويقول أبو الحسن الشاذلي رحمة الله :
إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل
لنفسك أنَّ الله تعالى ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب
الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة إلى غير
ذلك من الأقوال الكثيرة التي تبين إن الاستقامة على الشريعة المطهرة هي
أفضل من أي كرامة .
وقال الشيخ محيي الدين بن عربي قدس سره : لا يرتجي الوصول من لم يتبَّع الرسول صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عطاء الله السكندري رحمه الله
: من ألزم نفسه آداب السنة نوَّر الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من
مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه .
وقال الإمام سهل بن عبد الله التستري رحمه الله :
أصول طريقتنا ـ أي منهج الصوفية ـ سبعة : التمسك بالكتاب , والاقتداء
بالسنة , وأكل الحلال , وكف الأذى , وتجنب المعاصي , لزوم التوبة , وأداء
الحقوق .
وقال أبو حفص احد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال .
وورد عن العارف بالله الشيخ أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى أنه يقول
: قد درج أشياخ الطريق كلهم على أن أحداً منهم لا يتصدر في الطريق إلا بعد
تبحره في علوم الشريعة وقال الإمام أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في
مقدمة رسالته المشهورة متحدثاً عن الصوفية : ( جعل الله هذه الطائفة صفوة
أوليائه , وفضَّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله
وسلامه عليهم وجعل قلوبهم معادن أسراره واختصَّهم من بين الأمة بطوالع
أنواره , فهم الغياث للخلق , والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق .
صفَّاهم من كدورات البشرية , ورقَّاهم إلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من
حقائق الأحدية , ووفَّقهم للقيام بآداب العبودية , وأشهدهم مجاري أحكام
الربوبية , فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف وتحققوا بما مَنَّة
سبحانه لهم من التقليب والتصريف , ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق
الافتقار ونعت الانكسار , ولم يتَّكِلوا على ما حصل منهم من الأعمال أو
صفا لهم من الأحوال , علما منهم بأنه جلَّ وعلاَّ يفعل ما يريد ويختار من
يشاء من العبيد , لا يحكم عليه خلق , ولا يتوجه عليه لمخلوق حق ثوابه
ابتداء فضل , وعذابه حكم بعدل , وأمره قضاء فصل ) . الرسالة القشيرية
للأمام أبي القاسم القشيري ص2.
واختم بقول سيدي الشيخ العارف بالله عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه : ( طريقتنا مبنية على الكتاب والسنة فمن خالفهما فليس منا ) وفي هذا القدر كفاية لمن أراد أن يعرف حقيقة التصوف والصوفية . فإن كان هذا هو التصوف فأي علم اشرف من هذا العلم والله أعلم
abouimed-
- عدد المساهمات : 2452
العمر : 60
المكان : القصرين
المهنه : ولد القصرين و يرفض الذل
الهوايه : الحرية ضاهر و باطن
نقاط تحت التجربة : 15118
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
وخلافاً لما يكتب ويقال عن موقف الأئمة الأربعة رضوان الله تعالى عليهم من التصوف والصوفية ، أثبت العارف بالله تعالى الشيخ أحمد العلوي المستغانمي في كتاب ( رسالة الناصر معروف في الذب عن التصوف) محبتهم لهم واعتقادهم فيهم ، فقال : ( أما جمهور الأئمة وأكابر الملة فجميعهم مطبقون على أن التصوف
هو زبدة الدين والغاية القصوى من سنن الموحدين ، وكفاه فضلاً أنه عبارة عن
السير في ( مقام الإحسان) الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة المصرح بها في
حديث جبريل عليه السلام ) .
وقال ( وماذا عسى تقوله الأئمة ومن لهم
اطلاع على أحوال قوم وهبوا أنفسهم لله وبذلوا جهده في طاعة الله ، وأسسوا
قوائم مجدهم على تقوى من الله إلى أن عرفوا بين الخصوص والعموم بأنهم أهل
الله وخاصته من خلقه ، دانو إلى الله بخالص التوجه فدانت لهم العباد
وأشرقت بأنوار هداهم النواحي والبلاد ) أ.هـ
وهأنذا أذكر لكم ما صح
نقله عن المجتهدين وأئمة الدين وغيرهم من الكتاب المطلعين من جهة ما يرجع
للتصوف واحترام أهله من عهد التابعين إلى يومنا هذا ، وبذلك تدركون كون
مذهب الصوفية مجمعاً على إعظامه واحترامه بين سائر طبقات الأمة إلا
من[30]شذ والنادر لا حكم له .
ونبدأ بمرجع عظيم للكل ـ في التصوف
ـ ونعني به الإمام الحسن البصري ـ ثم نستفيض منه إلي الأئمة الأربعة
وأتباعهم وكرام أهل البيت وأصفياء الله لنبين آرائهم ومواقفهم من الصوفية والتصوف ـ رضوان الله عليهم أجمعين .
رأي الإمام حسن البصري
من ذلك ما جاء عن الحسن البصري رضي الله عنه الذي اتفق أكثر المحققين من مؤرخي الإسلام علي أنه أول من فتح الكلام في مذهب التصوف
، وأول متصدر لنشر تعليمه بالخصوص ، وهذا مما علم بالتواتر بين علماء
السنة . قال العالمة ابن الحاج في جزئه الثاني من مدخله ما نصه :
إن
الحسن البصري [31] رضي الله عنه هو أول من فتح الكلام في طرق القوم ، وهو
رضيع إحدى زوجات النبي r وآله . وهي أم سلمة رضي الله عنها , وقد قيل : إن
المذهب كانت تعرف رجله باسم المتصوفة من عهده ، وكان الحسن يجل ويحترم
المنتمين لذلك الجناب ، ويشهد لهذا ما أخرجه أبو نصر عبد الله ابن علي
الطوسي المتوفى سنة 378 هـ في كتاب ( اللمع ) قال حاكياً عن الحسن البصري
رضي الله عنه إني رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه ، وقال
معي أربعة داونق فيكفيني ما معي ، وكان الحسن يذكر ذلك علي سبيل الإعجاب
بحال ذلك الصوفي . وأظنك أيها الأخ لا تجهل مكانة الحسن البصري في الإسلام
ومنزلته بين التابعين ، وهذا النقل كما أنه جاء عن الطوسي جاء عن التجيبي
أيضا نقله عن ( سيدي ابن عجيبة ) في شرحه ( المباحث الأصلية ) ، مما يشهد
أيضا لعظمة المتصوفة والتصوف
في نظر السلف ما يروي عن ( سيفان الثوري ) وهو من عظماء أئمة القرن الثاني
ومجتهديهم قولة لولا ( أبو هشام ) الصوفي ما عرفنا دقيق الرياء . ومن ذلك
ما ذكره عنه ( أبن القيم الجوزيه ) في شرحه علي منازل السائرين أنه كان
يقول : أعز الخلق خمسة انفس " عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير
شاكر وشريف سني " .
رأي الإمــام مــالك
فتأمل يرحمك الله
قوله لولا ( أبو هشام الصوفي ) ما عرفت الرياء وهذا صريح في أخذه عن
المتصوفة واحترامه لجنابهم ثم تأمل قول ( الإمام مالك ) في غير ما كتاب :
" من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق " , ومن جمع
بينهما فقد تحقق ، نقله عنه ( التتائي في شرحه علي مقدمه ابن رشد ) ,
وكذلك ( الشيخ زروق ) ففي القاعدة الرابعة من قواعده قال : ونحن حيث
تلقينا هاته القولة عن الإمام مالك من أوثق المصادر , اتضح عندنا يقيناً
انه رحمه الله كان صوفياً ، لا محباً للصوفية فقد وإلا لزمه تسلط الحكم
عليه , المستفاد من صريح قوله ( ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ) برأه الله
من ذلك . وهذه الصراحة من الإمام كافيه في إعظامه لمذهب التصوف بدون الفقه باطل , وخلاصه القول : أن الإمام مالكاً رضي الله عنه كان جامعاً بين التصوف والفقه . وهذا لا يستبعد من مقام الإمام ما دام التصوف
عبارة عن صدق التوجه إلى الله عز وجل . نعم قد يقول القائل فلماذا لم يظهر
عن الإمام نظير ما ظهر علي غيره من المنتمين للتصوف ( كالحارث المحاسبي )
في ذلك العصر وطبقته ؟ والجواب أن عذر الإمام ( أي الإمام مالك رضي الله
عنه) في ذلك : هو تفرغه وقيامه بما دعت إليه الضرورة من لزوم حفظ القواعد
الفقهية وضبط النقول الشرعية خصوصا وهو يري من نفسه الكفاءة لأمر الذي لم
يتوافر لغيره غالباُ , وكل ذلك لا يمنع أن يختص الإمام في خاصته وحد ذاته
بما اختص به غيره من خاصة المتصوفة بان تكون له المشاركة في علمهم ودقائق
أسرارهم التي أمروا بعدم إفشائها لغير أهلها , وقد أثبت ذلك لنفسه حسبما
نقله عنه ( أبو إسحاق الشاطبى ) في الجزء الرابع صحيفة 361 من كتاب (
الموافقات ) قال : " واخبر المالك عنه نفسه انه عنده أحاديث وعلوم ما تكلم
فيها ولا حدث بها " وقد ذكر الشيخ سحنون في تعليقه على الموطأ نقلاً عن
القاضي عياض .
قال :" وبلغ شيوخ الإمام مالك تسعمائة شيخ : ثلاثمائة
من التابعين , وستمائة من تابعهم ممن اختارهم لدينه وفقه وتيقظه , ولزم (
ابن هرمز ) كما في المدرج ثلاثة عشر سنة , ويروي ست عشرة سنة من الصباح
إلي الزوال في علم قال مالك لم أبثه لأحد من الناس " . انتهي بلفظة .
وعليه
فهل تري أيها الأخ إن هذا العلم المخبر عنه هو من مدخول الفقه , فما أظن
إذ لو كان كذلك لما ساخ له كتمانه حيث إن الفقه في الدين يشترك في لزوم
معرفته جميع المكلفين ويجل عن كتمانه العلماء الأعلام لما في طيه وكتمانه
من التعرض لنقمة الله لحديث ( من كتم علماً علمه الله إياه ألجمه الله
بلجام من النار يوم القيامة ) ، ولكنك تستبعد أن يكون للإمام مالك من
العلوم الموروثة عن النبي r وآله ، غير ما دونه للعموم ، وهذا الأستبعاد
إنما يتصور مع عدم الإطلاع على ما أشتملت عليه دفاتر السنة من النصوص
المثبتة لنظير ذلك وإليكم ما أخرجه البخاري رضي الله عنه :
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : ( حفظت عن رسول الله r وآله وعاءين من العلم أما
أحدهما فقد بثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته فيكم لقطعتم مني هذا البلعوم
) . ولا شك أن هذا صريح في تأييد ما أخرجه الشاطبي وغيره عن الإمام مالك ،
وليس هذا الخبر مما ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، ولا مما ينفرد
بنقله البخاري أيضاً فإن المطلع لا تستعصي عليه النقول الصحيحة التي
يستشهد بها في هذا الباب من أقوال السلف ، وهذا ملخص للإمام من جهة علاقته
بالتصوف .
كما
يشهد لذلك ما أخرجه الشعراني في ( اليواقيت والجواهر ) ، وغيره من الحفاظ
عن ( ابن عباس رضي الله عنهما ) : لو قلت لكم ما أعلم من تفصيل قوله تعالى
:
“اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن”َّ لرجمتموني ، أو لقلتم إني
كافر[32]
ويترجم عن ذلك أيضاً ما يروى عن ( الإمام علي زين العابدين بن الحسين ) رضي الله عنهما حيث يقول :
يارب جوهر علم لو أبوح به لقيـل لي أنت ممن يعبد الوثنـا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبـح ما يأتونـه حسنـا
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى ذاك ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
وقد
ذكره الإمام الغزالي في ( منهاج العابدين ) قلت : " وكل ما ورد في هذا
الباب هو مصداق ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن رسول الله r وآله أنه
قال " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلى العلماء بالله فإذا نطقوا
به أنكره أهل الغرة بالله " .
موقف الإمام أبي حنيفة
أما ما ينقل عن ( الإمام أبي حنيفة النعمان ) رضي الله عنه في التصوف
فليس هو بأقل من ذلك . ذكر ( صاحب النصرة النبوية ) وهكذا صاحب كتاب ( أهل
الفتوحات والأذواق ) أن الإمام رحمه الله ـ كان محباً للصوفية محترماً
لمكانتهم ولربما يوجد له من التساهل معهم ما لم يوجد لغيره من الأئمة .
وكما ذكر : أنه سئل عما يفعله الصوفية في الحضرة وما يتظاهرون به . أهم
صادقون في ذلك ؟
فأجاب " إن لله رجالاً يدخلون الجنة بدفوفهم
ومزاميرهم " ، وما قال هذا رضي الله عنه إلا سداً لذريعة الاعتراض على
المنتسبين إلى الله والله أعلم .
لولا تفهم أيها الأخ أن غايتنا في
إثبات هذا النقل الانتصار لشبه الدفوف والمزامير وما يفعله بعض الملتصقين
بالقوم إنما الغرض هو أن نذكر لك كيف كان تساهل الإمام مع المنتسبين
للتصوف ولو مع ارتكابهم لبعض المشتبهات ، وهذا ما يخص أبا حنيفة رضي الله
عنه باختصار .
موقف الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل
واما ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فيزيد على ذلك بكثيرحسبما نقل
عنه في غير ما كتب وممن تتبع ذلك الإمام الشعراني في غالب كتبه فقال نقلاً
عن الإمام : استفدت من مجالستهم أمرين لم أستفدهما من مشايخ العلم : قولهم
: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ، وقولهم أشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها
بالخير شغلتك بضده . ذكره النووي في ( شرح المهذب ) وقال الشعراني : كثياً
ما كان الشافعي يوصي ( الإمام أحمد ) باحترامهم ومجالستهم أيضاً ويشهد
لذلك ما جاء في كتاب ( جامع مجالس الصوفية ) " وكانا يحضران معهم في مجالس
ذكرهم فقيل لهما ما لكما تترددان إل مثل هؤلاء ؟ فقالا لهم : إن هؤلاء
عندهم رأس الأمر كله ، وهو تقوى الله ومحبته " . وكان الشعراني يقول : كفى
مدحاً إذعان الإمام الشافعي ( لشيبان الراعي ) وكان لذلك قصة معروفة ،
وكذلك ذكر الشعراني إذعان الإمام أحمد له بعد ما ذكر عدة حكايات جرت
بينهما في مسائل علمية فلتراجعوا تلك المظان إن كانت لكم سعة من الوقت
وطلبتم سعة من العلم والوضوح .
وبالجملة إن إذعان أئمة الاجتهاد لرجال التصوفكان مشتهراً في ذلك العصر وعلى الأخص منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
وقد ذكر الشيخ المختار الكنتي في كتابه ( جزوة الأنوار ) أن الإمام
الشافعي كان كثير الإلتجاء للاولياء ، متفانياً في حبهم ، وكان يقول هم
أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي إلى أن رماه بعض المعتزلة بالرفض فقال مجيباً
لهم :-
قالوا ترفضت غير شـك ما لرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غيـر شـك خيـر إمـام وخيـر هـاد
إن كان حب الولي رفضاً فإننـي أرفـض العبـادي
وقال في حب أهل البيت نظير ذلك معلناً إجلاله لهم :-
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
ومن المعلومأن أئمة الصوفية معظهم من أهل البيت كالرفاعي والجيلاني
والدسوقي والشاذلي وآل باعلوي في اليمن وسواهم وان آل البيت هم أئمة
الأئمة ، وهداة الحق فيها إلى الله : من الصوفية الكرام وغيرهم لقول رسول
الله r وآله " تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي :
كتاب الله وعترتي " وفي رواية : ( تركت فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن
تضلوا أبدا ، أما الثقل الأكبر : فهو كتاب الله تعالى : حبل ممدود بين
السماء والأرض :طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيديكم ، وأما الثقل الثاني
فعترتي أهل بيتي . فقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض يوم القيامة )[33]
وحيث صار من المعلوم أن كبار أهل التصوف
قديماً وحاضراً إنما هم الأئمة من أهل البيت ، بدءاً من إمام الأئمة
الإمام جعفر الصادق ، ومن بعده الإمام الجنيد ( وكان يسمى بسيد الطائفة )
، ثم الإمام الرفاعي فعبد القادر الجيلاني ، وكان الشيخ أبن تيمية يجله
بقوله ( قدس الله تعالى سره ) إذا ذكره ويقدره ، ويستشهد بحاله من
مكانةعلماء الإسلام الأجلاء ، كما يستشهد بأقواله في أستقامة أهل التصوف
السني . كما يجل الإمام الجنيد سيد الطائفتين ( الفقهاء والصوفية ) ومعروف
الكرخي ، والحارث المحاسبي ، والسري السقطي وغيرهم ( راجع المجلد العاشر
والحادي عشر من فتاوي الشيخ ابن تيمية ) . ففيهما تفصيل واسع ، وتفضيل
جليل للتصوف والصوفية ، لذلك يعتبره بعض العلماء هو والشيخ أبن القيم
الجوزية من الصوفية لسيرتهما وإنصافهما منهج التصوف الحق وأهله .
وخلافاً لما يكتب ويقال عن موقف الأئمة الأربعة رضوان الله تعالى عليهم من التصوف والصوفية ، أثبت العارف بالله تعالى الشيخ أحمد العلوي المستغانمي في كتاب ( رسالة الناصر معروف في الذب عن التصوف) محبتهم لهم واعتقادهم فيهم ، فقال : ( أما جمهور الأئمة وأكابر الملة فجميعهم مطبقون على أن التصوف
هو زبدة الدين والغاية القصوى من سنن الموحدين ، وكفاه فضلاً أنه عبارة عن
السير في ( مقام الإحسان) الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة المصرح بها في
حديث جبريل عليه السلام ) .
وقال ( وماذا عسى تقوله الأئمة ومن لهم
اطلاع على أحوال قوم وهبوا أنفسهم لله وبذلوا جهده في طاعة الله ، وأسسوا
قوائم مجدهم على تقوى من الله إلى أن عرفوا بين الخصوص والعموم بأنهم أهل
الله وخاصته من خلقه ، دانو إلى الله بخالص التوجه فدانت لهم العباد
وأشرقت بأنوار هداهم النواحي والبلاد ) أ.هـ
وهأنذا أذكر لكم ما صح
نقله عن المجتهدين وأئمة الدين وغيرهم من الكتاب المطلعين من جهة ما يرجع
للتصوف واحترام أهله من عهد التابعين إلى يومنا هذا ، وبذلك تدركون كون
مذهب الصوفية مجمعاً على إعظامه واحترامه بين سائر طبقات الأمة إلا
من[30]شذ والنادر لا حكم له .
ونبدأ بمرجع عظيم للكل ـ في التصوف
ـ ونعني به الإمام الحسن البصري ـ ثم نستفيض منه إلي الأئمة الأربعة
وأتباعهم وكرام أهل البيت وأصفياء الله لنبين آرائهم ومواقفهم من الصوفية والتصوف ـ رضوان الله عليهم أجمعين .
رأي الإمام حسن البصري
من ذلك ما جاء عن الحسن البصري رضي الله عنه الذي اتفق أكثر المحققين من مؤرخي الإسلام علي أنه أول من فتح الكلام في مذهب التصوف
، وأول متصدر لنشر تعليمه بالخصوص ، وهذا مما علم بالتواتر بين علماء
السنة . قال العالمة ابن الحاج في جزئه الثاني من مدخله ما نصه :
إن
الحسن البصري [31] رضي الله عنه هو أول من فتح الكلام في طرق القوم ، وهو
رضيع إحدى زوجات النبي r وآله . وهي أم سلمة رضي الله عنها , وقد قيل : إن
المذهب كانت تعرف رجله باسم المتصوفة من عهده ، وكان الحسن يجل ويحترم
المنتمين لذلك الجناب ، ويشهد لهذا ما أخرجه أبو نصر عبد الله ابن علي
الطوسي المتوفى سنة 378 هـ في كتاب ( اللمع ) قال حاكياً عن الحسن البصري
رضي الله عنه إني رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه ، وقال
معي أربعة داونق فيكفيني ما معي ، وكان الحسن يذكر ذلك علي سبيل الإعجاب
بحال ذلك الصوفي . وأظنك أيها الأخ لا تجهل مكانة الحسن البصري في الإسلام
ومنزلته بين التابعين ، وهذا النقل كما أنه جاء عن الطوسي جاء عن التجيبي
أيضا نقله عن ( سيدي ابن عجيبة ) في شرحه ( المباحث الأصلية ) ، مما يشهد
أيضا لعظمة المتصوفة والتصوف
في نظر السلف ما يروي عن ( سيفان الثوري ) وهو من عظماء أئمة القرن الثاني
ومجتهديهم قولة لولا ( أبو هشام ) الصوفي ما عرفنا دقيق الرياء . ومن ذلك
ما ذكره عنه ( أبن القيم الجوزيه ) في شرحه علي منازل السائرين أنه كان
يقول : أعز الخلق خمسة انفس " عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير
شاكر وشريف سني " .
رأي الإمــام مــالك
فتأمل يرحمك الله
قوله لولا ( أبو هشام الصوفي ) ما عرفت الرياء وهذا صريح في أخذه عن
المتصوفة واحترامه لجنابهم ثم تأمل قول ( الإمام مالك ) في غير ما كتاب :
" من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق " , ومن جمع
بينهما فقد تحقق ، نقله عنه ( التتائي في شرحه علي مقدمه ابن رشد ) ,
وكذلك ( الشيخ زروق ) ففي القاعدة الرابعة من قواعده قال : ونحن حيث
تلقينا هاته القولة عن الإمام مالك من أوثق المصادر , اتضح عندنا يقيناً
انه رحمه الله كان صوفياً ، لا محباً للصوفية فقد وإلا لزمه تسلط الحكم
عليه , المستفاد من صريح قوله ( ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ) برأه الله
من ذلك . وهذه الصراحة من الإمام كافيه في إعظامه لمذهب التصوف بدون الفقه باطل , وخلاصه القول : أن الإمام مالكاً رضي الله عنه كان جامعاً بين التصوف والفقه . وهذا لا يستبعد من مقام الإمام ما دام التصوف
عبارة عن صدق التوجه إلى الله عز وجل . نعم قد يقول القائل فلماذا لم يظهر
عن الإمام نظير ما ظهر علي غيره من المنتمين للتصوف ( كالحارث المحاسبي )
في ذلك العصر وطبقته ؟ والجواب أن عذر الإمام ( أي الإمام مالك رضي الله
عنه) في ذلك : هو تفرغه وقيامه بما دعت إليه الضرورة من لزوم حفظ القواعد
الفقهية وضبط النقول الشرعية خصوصا وهو يري من نفسه الكفاءة لأمر الذي لم
يتوافر لغيره غالباُ , وكل ذلك لا يمنع أن يختص الإمام في خاصته وحد ذاته
بما اختص به غيره من خاصة المتصوفة بان تكون له المشاركة في علمهم ودقائق
أسرارهم التي أمروا بعدم إفشائها لغير أهلها , وقد أثبت ذلك لنفسه حسبما
نقله عنه ( أبو إسحاق الشاطبى ) في الجزء الرابع صحيفة 361 من كتاب (
الموافقات ) قال : " واخبر المالك عنه نفسه انه عنده أحاديث وعلوم ما تكلم
فيها ولا حدث بها " وقد ذكر الشيخ سحنون في تعليقه على الموطأ نقلاً عن
القاضي عياض .
قال :" وبلغ شيوخ الإمام مالك تسعمائة شيخ : ثلاثمائة
من التابعين , وستمائة من تابعهم ممن اختارهم لدينه وفقه وتيقظه , ولزم (
ابن هرمز ) كما في المدرج ثلاثة عشر سنة , ويروي ست عشرة سنة من الصباح
إلي الزوال في علم قال مالك لم أبثه لأحد من الناس " . انتهي بلفظة .
وعليه
فهل تري أيها الأخ إن هذا العلم المخبر عنه هو من مدخول الفقه , فما أظن
إذ لو كان كذلك لما ساخ له كتمانه حيث إن الفقه في الدين يشترك في لزوم
معرفته جميع المكلفين ويجل عن كتمانه العلماء الأعلام لما في طيه وكتمانه
من التعرض لنقمة الله لحديث ( من كتم علماً علمه الله إياه ألجمه الله
بلجام من النار يوم القيامة ) ، ولكنك تستبعد أن يكون للإمام مالك من
العلوم الموروثة عن النبي r وآله ، غير ما دونه للعموم ، وهذا الأستبعاد
إنما يتصور مع عدم الإطلاع على ما أشتملت عليه دفاتر السنة من النصوص
المثبتة لنظير ذلك وإليكم ما أخرجه البخاري رضي الله عنه :
عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال : ( حفظت عن رسول الله r وآله وعاءين من العلم أما
أحدهما فقد بثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته فيكم لقطعتم مني هذا البلعوم
) . ولا شك أن هذا صريح في تأييد ما أخرجه الشاطبي وغيره عن الإمام مالك ،
وليس هذا الخبر مما ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، ولا مما ينفرد
بنقله البخاري أيضاً فإن المطلع لا تستعصي عليه النقول الصحيحة التي
يستشهد بها في هذا الباب من أقوال السلف ، وهذا ملخص للإمام من جهة علاقته
بالتصوف .
كما
يشهد لذلك ما أخرجه الشعراني في ( اليواقيت والجواهر ) ، وغيره من الحفاظ
عن ( ابن عباس رضي الله عنهما ) : لو قلت لكم ما أعلم من تفصيل قوله تعالى
:
“اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن”َّ لرجمتموني ، أو لقلتم إني
كافر[32]
ويترجم عن ذلك أيضاً ما يروى عن ( الإمام علي زين العابدين بن الحسين ) رضي الله عنهما حيث يقول :
يارب جوهر علم لو أبوح به لقيـل لي أنت ممن يعبد الوثنـا
ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبـح ما يأتونـه حسنـا
إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى ذاك ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
وقد
ذكره الإمام الغزالي في ( منهاج العابدين ) قلت : " وكل ما ورد في هذا
الباب هو مصداق ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن رسول الله r وآله أنه
قال " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلى العلماء بالله فإذا نطقوا
به أنكره أهل الغرة بالله " .
موقف الإمام أبي حنيفة
أما ما ينقل عن ( الإمام أبي حنيفة النعمان ) رضي الله عنه في التصوف
فليس هو بأقل من ذلك . ذكر ( صاحب النصرة النبوية ) وهكذا صاحب كتاب ( أهل
الفتوحات والأذواق ) أن الإمام رحمه الله ـ كان محباً للصوفية محترماً
لمكانتهم ولربما يوجد له من التساهل معهم ما لم يوجد لغيره من الأئمة .
وكما ذكر : أنه سئل عما يفعله الصوفية في الحضرة وما يتظاهرون به . أهم
صادقون في ذلك ؟
فأجاب " إن لله رجالاً يدخلون الجنة بدفوفهم
ومزاميرهم " ، وما قال هذا رضي الله عنه إلا سداً لذريعة الاعتراض على
المنتسبين إلى الله والله أعلم .
لولا تفهم أيها الأخ أن غايتنا في
إثبات هذا النقل الانتصار لشبه الدفوف والمزامير وما يفعله بعض الملتصقين
بالقوم إنما الغرض هو أن نذكر لك كيف كان تساهل الإمام مع المنتسبين
للتصوف ولو مع ارتكابهم لبعض المشتبهات ، وهذا ما يخص أبا حنيفة رضي الله
عنه باختصار .
موقف الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل
واما ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فيزيد على ذلك بكثيرحسبما نقل
عنه في غير ما كتب وممن تتبع ذلك الإمام الشعراني في غالب كتبه فقال نقلاً
عن الإمام : استفدت من مجالستهم أمرين لم أستفدهما من مشايخ العلم : قولهم
: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ، وقولهم أشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها
بالخير شغلتك بضده . ذكره النووي في ( شرح المهذب ) وقال الشعراني : كثياً
ما كان الشافعي يوصي ( الإمام أحمد ) باحترامهم ومجالستهم أيضاً ويشهد
لذلك ما جاء في كتاب ( جامع مجالس الصوفية ) " وكانا يحضران معهم في مجالس
ذكرهم فقيل لهما ما لكما تترددان إل مثل هؤلاء ؟ فقالا لهم : إن هؤلاء
عندهم رأس الأمر كله ، وهو تقوى الله ومحبته " . وكان الشعراني يقول : كفى
مدحاً إذعان الإمام الشافعي ( لشيبان الراعي ) وكان لذلك قصة معروفة ،
وكذلك ذكر الشعراني إذعان الإمام أحمد له بعد ما ذكر عدة حكايات جرت
بينهما في مسائل علمية فلتراجعوا تلك المظان إن كانت لكم سعة من الوقت
وطلبتم سعة من العلم والوضوح .
وبالجملة إن إذعان أئمة الاجتهاد لرجال التصوفكان مشتهراً في ذلك العصر وعلى الأخص منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
وقد ذكر الشيخ المختار الكنتي في كتابه ( جزوة الأنوار ) أن الإمام
الشافعي كان كثير الإلتجاء للاولياء ، متفانياً في حبهم ، وكان يقول هم
أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي إلى أن رماه بعض المعتزلة بالرفض فقال مجيباً
لهم :-
قالوا ترفضت غير شـك ما لرفض ديني ولا اعتقادي
لكن توليت غيـر شـك خيـر إمـام وخيـر هـاد
إن كان حب الولي رفضاً فإننـي أرفـض العبـادي
وقال في حب أهل البيت نظير ذلك معلناً إجلاله لهم :-
إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
ومن المعلومأن أئمة الصوفية معظهم من أهل البيت كالرفاعي والجيلاني
والدسوقي والشاذلي وآل باعلوي في اليمن وسواهم وان آل البيت هم أئمة
الأئمة ، وهداة الحق فيها إلى الله : من الصوفية الكرام وغيرهم لقول رسول
الله r وآله " تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي :
كتاب الله وعترتي " وفي رواية : ( تركت فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن
تضلوا أبدا ، أما الثقل الأكبر : فهو كتاب الله تعالى : حبل ممدود بين
السماء والأرض :طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيديكم ، وأما الثقل الثاني
فعترتي أهل بيتي . فقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا
علي الحوض يوم القيامة )[33]
وحيث صار من المعلوم أن كبار أهل التصوف
قديماً وحاضراً إنما هم الأئمة من أهل البيت ، بدءاً من إمام الأئمة
الإمام جعفر الصادق ، ومن بعده الإمام الجنيد ( وكان يسمى بسيد الطائفة )
، ثم الإمام الرفاعي فعبد القادر الجيلاني ، وكان الشيخ أبن تيمية يجله
بقوله ( قدس الله تعالى سره ) إذا ذكره ويقدره ، ويستشهد بحاله من
مكانةعلماء الإسلام الأجلاء ، كما يستشهد بأقواله في أستقامة أهل التصوف
السني . كما يجل الإمام الجنيد سيد الطائفتين ( الفقهاء والصوفية ) ومعروف
الكرخي ، والحارث المحاسبي ، والسري السقطي وغيرهم ( راجع المجلد العاشر
والحادي عشر من فتاوي الشيخ ابن تيمية ) . ففيهما تفصيل واسع ، وتفضيل
جليل للتصوف والصوفية ، لذلك يعتبره بعض العلماء هو والشيخ أبن القيم
الجوزية من الصوفية لسيرتهما وإنصافهما منهج التصوف الحق وأهله .
abouimed-
- عدد المساهمات : 2452
العمر : 60
المكان : القصرين
المهنه : ولد القصرين و يرفض الذل
الهوايه : الحرية ضاهر و باطن
نقاط تحت التجربة : 15118
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
رد: تعريف الصوفية والتصوف
أورد لكم من كتاب النافع الكبير ، الصغير الحجم ألا وهو " معراج التشوف إلى حقائق التصوف " لسيدي أبن عجيبة رحمه الله رحمة واسعة من عنده .
العلامة الجليل والصوفي الكبير سيدي أحمد بن محمد عجيبة الحسني رحمه الله
بسم
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
الحمد لله الذي حقق الحقائق وأوضح الطرائق والصلاة والسلام على مولانا
محمد سيد الخلائق. المخصوص بتواتر المعجزات وتظاهر الخوارق. ورضي الله
تعالى عن أصحابه الأعلام الذين أظهر الله بهم دينه القويم في أقصى المغارب
والمشارق. وبعد: فعلم التصوف هو سيد العلوم ورئيسها ولباب الشريعة وأساسها وكيف لا وهو تفسير لمقام الإحسان الذي هو مقام الشهود والعيان.
كما
أن علم الكلام تفسير لمقام الإيمان. وعلم الفقه تفسير لمقام الإسلام. وقد
اشتمل حديث جبريل عليه السلام على تفسير الجميع. ف‘ذا تقرر أنه أفضل
العلوم تبين أن الاشتغال به أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى لكونه سببا
للمعرفة الخاصة الذي هي معرفة العيان. وقد اشتمل على حقائق عريقة وعبارات
دقيقة اصطلح القوم على استعمالها فينبغي الوقوف على معانيها لمن أراد
الخوض فيه والوقوف على معانيه.
وقد أردت بحول الله وقوته أن أجمع
نبذة صالحة من حقائق هذا الفن واصطلاحاته لعل الله ينفع من يريد الوقوف
على هذا العلم. وسميته: معراج التشوف إلى حقائق التصوف وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق وسأذكر لكل حقيقة ما يتعلق بها بداية ووسطا ونهاية.
التصوف:علم
يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك أو غيبة الخلق في شهود الحق أو
مع الرجوع إلى الأثر. في أوله علم ووسطه عمل وآخره موهبة.
واشتقاقه
إما من الصفاء لأن مداره على التصفية أو من الصفة. لأنها تصاف بالكملات أو
من صفة المسجد النبوي لأنهم مشبهون بأهل الصفة في التوجه والانقطاع أو من
الصوف لأن جل لباسهم الصوف تقللا من الدنيا وزهدا فيها. اختاروا ذلك لأنه
كان لباس الأنبياء عليهم السلام. وهذا الاشتقاق أنسب إليه لغة وأظهر نسبة.
لأن لباس الصوف حكم ظاهر على الظاهر ونسبتهم إليه أمر باطن والحكم بالظاهر
أوقف وأقرب. يقال: تصوف إذا لبس الصوف. كما يقال: تقمص إذا لبس القميص.
والنسبة إليه صوفي. قال سهيل: الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر
وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والمدر، أي لا رغبة له في شيء
دون مولاه (وفي مثل هذا قيل: ليس التصوف لبس الصوف ترقعة ** ولا بكاؤك إذ غنا المغنون. بل التصوف
أن تصفوا بلا كدر *** وتتبع الحق والقرآن والدين). الجنيد: الصوفي كالأرض
يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا المليح. وقال أيضا: الصوفي كالأرض
يطأها البر والفاجر وكالسماء يظل كل شيء وكالمطر يسقي كل شيء. التوبة:
الرجوع عن كل فعل قبيح إلى كل فعل مليح. أو عن كل وصف دني إلى التحقيق بكل
وصف سني. أو عن شهود الخلق إلى الاستغراق في شهود الحق.
وشروطها:
الندم والانقطاع ونفي الإصرار وأما رد المظالم ففرض مستقل تصح بدونه كما
تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من غير نوعه. فتوبة العامة: م الذنوب وتوبة
الخاصة: من العيوب. وتوبة خاصة الخاصة: من كل ما يشغل السر عن حضرة علام
الغيوب. وكل المقامات تفتقر إلى التوبة. فالتوبة تفتقر إلى توبة أخرى بعدم
نصحها والخوف يفتقر إليها بحصول الأمن والاغترار والرجى بحصول القنوط
والإياس والصبر بحصول الجزع والزهد بخواطر الرغبة والورع بتتبع الرخص
وخواطر الطمع والتوكل بخواطر التدبير والاختبار والاهتمام بالرزق والرضى
والتسليم بالكراهية والتبري عند نزول الأقدار والمراقبة بسوء الأدب في
الظاهر وخواطر السوء في الباطن والمحاسبة بتضييع الأوقات في غير ما يقرب
إلى الحق والمحبة بميل القلب إلى غير المحبوب والمشاهدة بالتفات السر إلى
غير المشهود أو باشتغاله بالوقوف مع شئ من الحس وعدم زيادة الترقي في
معاريج الأسرار ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستغفر في المجلس الواحد
سبعين مرة أو مائة.
والتوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء:
الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وعدم الإسرار بالجنان ومهاجرة لسيئ
الخلان. وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة: القلة والعلة
والذلة والغربة. الإنابة: وهي أخص من التوبة لأنها رجوع يصحبه انكسار
ونهوض إلى السير . وهي ثلاث: رجوع من الذنب إلى التوبة ومن الغفلة إلى
اليقظة ومن الفرق إلى الجمع على الله. الخوف: انزعاج القلب من لحوق مكروه
أو فوت مرغوب وثمرته النهوض إلى الطاعة والهروب من المعصية فإظهار الخوف
مع التقصير دعوى فخوف العامة: من العقاب وفوت الثواب وخوف الخاصة: من
العتاب وفوت الاقتراب. وخوف خاصة الخاصة: من الاحتجاب بعروض سوء الأدب.
الرجاء: سكون القلب إلى انتظار محبوب بشرط السعي في أسبابه. وإلا فأمنية
وغرور. فرجاء العامة: حسن المآب بحصول الثواب. ورجاء الخاصة: حصول الرضوان
والاقتراب. ورجاء خاصة الخاصة: التمكن من الشهود وزيادة الترقي في أسرار
الملك الودود. والخوف والرجاء للقلب كجناحي الطير. لا يطير إلا بهما.
وربما يترجح الرجاء عند العارفين والخوف عند الصالحين. الصبر: حبس القلب
على حكم الرب. فصبر العامة: حبس القلب على مشاق الطاعات ورفض المخالفات .
وصبر الخاصة: حبس النفس على الرياضات والمجاهدات وارتكاب الأهوال في سلوك
طريق الأحوال مع مراقبة القلب في دوام الحضور. وطلب رفع الستور. وصبر خاصة
الخاصة: حبس الروح أو السر في المشاهدات والمعاينات أو دوام النظر والعكوف
في الحضرة.( الصبر كالسبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل).
الشكر:
فرح القلب بحضور النعمة. مع صرف الجوارح في طاعة المنعم. والاعتراف بنعمة
على وجه الخضوع ومرجعه لثلاث: شكر باللسان وهو اعتراف بالنعمة . بنعمة
الإستكانة وشكر بالبدن وهو اتصاف بالخدمة وشكر بالقلب وهو شهود المنعم عند
حصول النعمة ومرجعه الكل إلى ما قاله الجنيد: ألا يعصى الله بنعمه. فشكر
العامة: الثناء باللسان وشكر الخاصة: الخدمة بالأركان وشكر خاصة الخاصة:
الاستغراق في شهود المنان. الورع: كف النفس عن ارتكاب ما تكره عاقبته.
فورع العامة: ترك الحرام المتشابه وورع الخاصة ترك كل ما يكدر القلب ويجد
منه حزازة أو ظلمة ويجمع قوله عليه السلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
وورع خاصة الخاصة: رفض التعلق بغير الله وسد باب الطمع في غير الله وعكوف
الهم على الله وعدم الركون إلى شيء سواه. وهذا الورع الذي هو ملاك الدين.
كما قال الحسن البصري حين سئل. ما ملاك الدين؟ فقال الورع. وقيل له، وما
فساد الدين؟ فقال: الطمع فالورع الذي يقابل الطمع كل المقابلة هو: ورع
خاصة الخاصة: وجزء منه يعدل آلاف من الصلاة والصيام. ولذا قال في التنوير:
وليس يدل على فهم العبد كثرة علمه ولا مداومته على ورده وإنما يدل على
نوره وفهمه غناه بربه وانحياشه إليه بقلبه والتحرر من رق الطمع والتحلي
بحلية الورع يعني ورع الخاصة أو خاصة الخاصة والله تعالى أعلم.
الزهد:
خلو القلب من التعلق بغير الرب، أو برودة الدنيا من القلب. وعزوف النفس
عنها . فزهد العامة : ترك ما فضل عن الحاجة في كل شئ وزهد الخاصة: ترك ما
يشغل عن التقرب إلى الله في كل حال. وزهد خاصة الخاصة: ترك النظر إلى ما
سوى الله في جميع الأوقات. وحاصل الجميع، برودة القلب عن سوى وعن الرغبة
في غير المولى، وهو سبب المحبة كما قال عليه السلام: ازهد في الدنيا يحبك
الله... الحديث وهو سبب السر والوصول. إذ لا سير للقلب إذا تعلق بشئ سوى
المحبوب.
التوكل: ثقة القلب بالله حتى لا يعتمد على سواه، أو
التعلق بالله والتعويل عليه في كل شئ علما بأنه عالم بكل شئ. وأن تكون بما
في يد الله أوثق منك بما في يدك. فأدناه أن تكون مع الله كالموكل مع
الوكيل الشفيق الملاطف. ووسطه كالطفل مع أمه .
لا يرجع في جميع
أموره إلا إليها وأعلاه أن تكون كالميت مع الغاسل. فالأول للعامة والثاني
للخاصة والثلث لخاصة الخاصة. فالأول يخطر بباله تهمة والثاني لا اتهام له
لكن يتعلق بأمه عند الحاجة والثالث لا اتهام ولا تعلق لأنه فان عنم نفسه
ينظر كل ساعة ما يفعل الله به. الرضى والتسليم: الرضى تلقي المهالك بوجه
ضاحك أو سرور يجده القلب عند حلول القضاء أو ترك الاختبار على الله فيما
دبر وأمضا أو شرح الصدر ورفع الإنكار لما يرد من الواحد القهار.
والتسليم:
ترك التدبير والاختيار بالسكون تحت مجاري الأقدار. فيرادف الرضى على الحد
الأخير والرضى أعم منه على الأولين وقيل: الرضى عند النزول والتسليم قبل
النزول وهو التفويض بعينه فبدايتهما الصبر والمجاهدة ووسطهما بالسكون مع
خواطر التبرم والكراهية ونهايتهما بفرح وسكون مع عدم التبرم فالأول للعامة
والثاني للخاصة والثالث لخاصة الخاصة ويغتفر الخاطر الأول عند الجميع لضعف
البشرية إذ لا يخلوا منه بشرؤ. المراقبة: إدامة علم البعد بالطلاع الرب،
أو القيام بحقوق الله سرا وجهرا خالصا من الأوهام، صادقا في الإحترام وهي
أصل كل الخير وبقدرها تكون المشاهدة .
فمن عظمت مراقبته عظمت بعد
ذلك مشاهدته. فمراقبة أهل الظاهر: حفظ الجوارح من الهفوات ومراقبة أهل
الباطن: حفظ القلوب من الإسترسال مع الخواطر والغفلات ومراقبة أهل باطن
الباطن: حفظ السر من المساكنة إلى غير الله.
المحاسبة: عتاب
النفس على تضييع الأنفاس والأوقات في غير أنواع الطاعات. وتكون آخر
النهار. كما أن المشارطة تكون أول النهار. يقوا لنفسه في أول نهاره: هذا
يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاجتهد في تعمير أوقاته بما يقربك إلى الله. ولو
مت بالأمس لفاتك الخير الذي تفوزين فيه. وكذلك يقول لها عند إقبال الليل
ويحاسبها عند إدباره، هكذا يدوم معها حتى تتمكن من الحضرة، فحينئذ يتحد
الوقت وهو لاستغراق في الشهود فلا يبقى من يحاسب ولا من يعاقب. فتحصل أن
المشارطة أولا والمحاسبة آخرا والمراقبة دائما ما دام في السير ، فإذا حصل
الوصول فلا محاسبة ولا مشارطة.
المحبة: ميل دائم، بقلب هائم،
ويظهر هذا الميل أولا على الجوارح الطاهرة بالخدمة، وهو مقام الأبرار
وثانيا على القلوب الشائقة بالتصفية والتحلية وهو مقام المريدين السالكين
وثالثا على الأرواح والأسرار الصافية بالتمكين من شهود المحبوب، وهو مقام
العارفين، فبداية المحبة ظهور أثرها بالخدمة ووسطها ظهور أثرها بالسكر
والهيام ونهايتها ظهوره بالكون والصحو في مقام العرفان، فلهذا انقسم الناس
على ثلاث مراتب: أرباب الخدمة وأرباب الأحوال وأرباب المقامات. فبدايتها
سلوك وخدمة ووسطها جذب ووفاء ونهايتها صحو وبقاء.
المشاهدة
والمعاينة: المشاهدة رؤية الذات اللطيفة في مظاهر تجلياتها الكثيفة، فترجع
إلى تكثيف اللطيف، فإذا ترقق الوداد ورجعت الأنوار الكثيفة لطيفة، فهي
المعاينة، فترجع إلى تلطيف الكثيف. فالمعاينة أرق من المشاهدة وأتم.
والحاصل أن شهود الذات لا يمكن إلا بواسطة تكثيف أسرارها اللطيفة في مظاهر
التجليات.
إذ لا يمكن إدراك اللطيف ما دام لطيفا. فرؤية التجليات
كثيفة المشاهدة. وردها إلى أصلها بانطباق بحر الأحدية عليها معاينة وقيل
هما سواء.
المعرفة: وهي التمكن من المشاهدة واتصالها. فهي شهو
دائم بقلب هائم. فلا يشهد إلا مولاه ولا يعرج على أحد سواه. مع إقامة
العدل وحفظ مراسم الشريعة فهذه حدود المقامات قد انتهت في المعرفة. ثم
نرجع إلى حقائق أخرى يكثر استعمالها بداية ونهاية منها: التقوى: وهي
امتثال الأوامر واجتناب المناكر الظواهر والسرائر. أو مواصلة الطاعات
والاعراض عن المخالفات فتقوى العامة: اجتناب الذنوب وتقوى الخاصة: التخلي
عن العيوب وتقوى خاصة الخاصة: الغيبة عن السوى بالعكوف في حضرة علام
الغيوب.
الاستقامة: استعمال العلم بأقوال الرسوزل عليه السلام
وأفعاله وأحواله وأخلاقه من غير تعمق وتأنق. ولا ميل مع أوهام الوسواس
والخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات أو القيام بين يدي الله
تعالى على حقيقة الصدق في جميع الحالات وهي الأقوال بترك الغيبة وفي
الأفعال بترك البدعة وفي الأحوال بعدم الخروج عن أحوال للسنن الشريعة.
فاستقامة العامة: بموافقة السنة واستقامة الخاصة: بالتخلق بالأخلاق
النبوية واستقامة خاصة الخاصة: بالتخلق بأخلاق الرحمان مع الاستغراق في
حضرة العيان.
الإخلاص: إخراج الخلق من معاملة الحق، أو إفراد
الحق تعالى في الطاعة بالقصد أو غيبة القلب عن غير الرب. فإخلاص العامة:
تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين. وإخلاص الخاصة: تصفيتهاعن طلب العوض
في الدارين. وإخلاص خاصة الخاصة: التبري من الحول والقوة ومن رؤية الغير
في القصد والحركة حجتى يكون العمل بالله ومن الله وإلى الله غائبا عما
سواه
الصدق: إسقاط حظوظ النفس في الوجهة إلى الله تعالى تعويلا
على ثلج اليقين أو استواء الظاهر والباطن في الأقوال والأفعال والأحوال
وملازمة الكتمان غيرة على أسرار الرحمان. وحاصله: تصفية الباطن من
الإنتفاتات إلى غير بالكلية والفرق بينه وبين الإخلاص أن الإخلاص ينفي
الرك الجلي والخفي والصدق ينفي النفاق والمداهنة بالكلية فمثال الصدق مع
الإخلاص كالتشحرة للذهب فهو ينفي عنه عواريض النفاق ويصفيه من كدرات
الأوهام وكذلك أن صاحب الإخلاص لا يخلوا من مداهنة النفس ومسامحة الهوى
بخلاف الصدق فإنه يذهب بالمداهنات ويرفع المسامحات إذ لا يشم رائحة الصدق
من داهن نفسه أو غيره فيما دق أو جل. وعلامة الصدق: استواء السر
والعلانية. فلا يبالي صاحب الصدق بكشف ما يكره إطلاع الناس عليه ولا
يستحيي من ظهوره لغيره اكتفاء بعلم الله به فصدق العامة: تصفية الأعمال من
طاب الأعراض وصدق الخاصة: تصفية الأحوال من قصد غير الله وصدق خاصة
الخاصة: تصفية مشرب التوحيد من الإلتفاتات إلى ما سوى الله. ويقال لصاحب
المقام الأول: صادق وللثاني والثالث: صديق. وأما التصديق بوجود الحق أو
بوجود الخصوصية عند الأولياء وتعظيمهم لأجلها فهو تصديق لا صدق. خلاف ما
يعتقده بعض فقراء زماننا هذا. ويقال لمن عظم تصديقه: صديق أيضا. فالصديق
يطلق على معظم صدقه أو تصديقه.
الطمأنينة: وهي سكون القلب إلى
الله عاريا عن التقلب والإضطراب ثقة بضمانه أو اكتفاء بعلمه أو رسوخا في
معرفته وتكون من وراء الحجاب بتواتر الأدلة واستعمال الفكرة أو بتوال
الطاعة ومجاهدة الرياضة وتكون بعد زوال الحجاب بتمكن النظرة ورسوخ
المعرفة. فقوم اطمأنوا بوجود الله من طريق البرهان أو البيان وقوم اطمأنوا
بشهود الله بعد ظهوره من طريق العيان. فالأول : العلماء والثاني للعباد
والزهاد والصالحين. والثالث: للعارفين المقربين.
الشوق
والإشتياق: الشوق يزول برؤية الحبيب ولقائه والإشتياق لا يزول أبدا. لطلب
الروح الزيادة في كشف الأسرار والقرب إلى الأبد . فشوق العامة: إلى زخاريف
جنابه وشوق الخاصة إلى نيل رضوانه وشوق خاصة الخاصة : إلى حضرة عيانه.
الغيرة:
كراهية رؤية حبيبك عند غيرك فيهيج التنافس في حيازته. قال الشبلي: الغيرة
غيرتان: فغيرة البشرية على النفوس وغيرة الإلهية على القلوب. ومعناه: أن
الطبع البشري يكره أن يرى محبوبه عند غيره كالزوجة مثلا والحق تعالى يكره
أن يرى قلوب أوليائه متعلقة بغيره وفي الحديث: لا شخص أغير من الله. ولذلك
حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما في الوجود إلا غيرة الألوهية سرت في
مظاهر تجلياتها. فغيرة النفوس للعامة وهي غيرتهم على هتك حرمة حريمهم
وغيرة القلوب للخاصة وهي غيرتهم على قلوبهم أن تميل لغير محبوبهم وغيرة
الأرواح والأسرار لخاصة الخاصة وهي غيرتهم على أرواحهم أن تلتفت إلى شيء
دون محبوبهم وغيرتهم على الحبيب أن يميل إلى غيرهم وعلى هذا الأمر العظيم
حق للعبد أن يغار كما قال الشاعر: إذا لم أنافس في هواك ولم أغر عليك
ففيمن ليت شعر أنافس فلا تمقتن نفسي فأنت حبيبها فكل امرئ يصبوا إلى من
يجانس وقد يغار الحق تعالى على أوليائه فينتقم من أعدائهم إذا أذوهم ومن
غيرته أيضا عليهم أن يظهرهم لجملة الخلق فيضر بهم على خلقه حتى يلقوه تحت
أستار الخمول وهم عرائس حضرته. الفتوة: وهي الإيثار على النفس بما تحب،
والإحسان إلى الخلق بما يحب، ولذا تكمل الفتوة إلا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، حيث يقول في موضع لا يذكر فيه أحد إلا نفسه: أمتي أمتي وقيل ل:
لا ترى لنفسك فضلا على غيرك. والفتى من لا خصم له ومرجعها إلى السخاء
والتواضع والشجاعة في مواطن الاضطراب . ففتوة العامة: بالأموال وفتوة
الخاصة : بالنفوس وفتوة خاصة الخاصة: بالأرواح وبذل المهج في جانب
المحبوب.
الإرادة: وهي قصد الوصول إلى المحبوب بنعت المجاهدة.
والتحبب إلى الله بما يرضى. والخلوص في نصيحة الأمة والأنس بالخلوة والصبر
على مقاسات الأهوال ومنازلات الأحوال. والإيثار لأمره والحياء من نظره
وبذل المجهود في محبوبه والتعرض لكل سبب يوصل إليه وصحبة من يدل عليه
والقناعة بالخمول وعدم سكون القلب إلى شيء دون الوصول وهي أول منزلة
القاصدين وبدء طريق السالكين. والمريد: من الإرادة له دون مولاه وهي ثلاث
مراتب : إرادة التبرك والحرمة وهي لمن ضعفت همته وكثرت علاقته وإرادة
الوصول إلى الحضرة وهي لأهل التجريد وقوة العزم وإرادة الخلافة وكمال
المعرفة وهي لمن ظهرت نجابته وكملت أهليته وصرح له بالخلافة من شيخ كامل
لأو هاتف صادق.
المجاهدة: وهي فطم النفس عن المألوفات وحملها
مخالفة هواها في عموم الأوقات وخرق عوائدها في جميع الخالات. قال بعضهم
مرجعها إلى ثلاث: لا تأكل إلا عند الفاقة ولا تنم إلا عند الغفلة ولا
تتكلم إلا عند الضرورة. ونهايتها المشاهدة فلا مجاهدة بعدها فلا تجتمع
مجاهدة ومشاهدة إذ نهاية التعب تمام السفر فإذا حصل الوصول فما بقي إلا
الراحة ومشاهدة الحبيب مع حفظ الأدب وهي ثلاث: مجاهدة الظواهر بدوام
الطاعات وكف المنهيات ومجاهدة البواطن ينفي الخواطر الرديئة ودوام الحضور
في الحضرة القدسية ومجاهدة السرائر باستدامة الشهود وعدم الإلتفات إلى غير
المعبود.الولاية: وهي حصول الأنس بعد المكابدة واعتناق الروح بعد المجاهدة وحاصلها
تحقيق الفناء في الذات بعد ذهاب حس الكائنات فيبقى ما لم يكن ويبقى ما لم
يزل فأولها التمكن من الفناء ونهايتها تحقيق البقاء وبقاء البقاء ويبقى
الترقي والاتساع فيها أبدا سرمدا. قال إبراهيم بن أدهم لرجل: أتحب أن تكون
لله دائما؟ قال الرجل: نعم، قال: لا ترغب في شيء من الدنيا والآخرة وفرغ
نفسك لله عز وجل وأقبل بوجهك عليه يرفق عليك ويواليك. وقال غيره: الولي من
كان همه الله وشغله الله وفناؤه دائما في الله. وتطلق على ثلاث مراتب
ولاية عامة وهي لأهل الإيمان والتقوى كما في الآية وولاية خاصة: وهي لأهل
الاستشراق على العلم بالله وولاية خاصة الخاصة: وهي لأهل التمكن في معرفة
الله على نعت العيان. وفي الحديث: قيل: من أولياء الله يا رسول الله؟ قال:
المتحابون في الله وفي رواية : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس
إلى ظاهرها... الحديث. فشمل الحديث، ولاية الخاصة وخاصة الخاصة والله
تعالى أعلم.
الحرية: وهي الحرية الكسبية، وهي سبب للظفر بالحرية
الوهمية. وهي غيبة العبد في مظاهر الرب. فتنتفى ظلمة الحدوث في نور القدم
وتختفي قوالب العبودية في تجلي مظاهر الربوبية. فيبقى الحق بلا خلق فحينئذ
يكتب للعبد عقد الحرية فتكون عبادته وعبوديته شكرا لا قهرا كما قال سيد
العارفين : أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال إمام هذه الطائفة الجنيدي: عبادة
العارف تاج على الرؤوس، يعني كمال الكمال. العبودية: ; وهي القيام بأدب
الربوبية، مع شهود ضعف البشرية. وقال بعضهم: هي القيام بحق الطاعات، بشرط
التوقير والنظر إلى ما منك بعين التقصير، أو ترك الاختيار فيما يبدوا من
الأقدار، أو التبري من الحلول والقوة والإقرار بما يوليك ويعطيك من المنة.
وعلامتها: ترك التدبير بشهود التقدير، وأجمع العبارات فيها، قول ابن عطاء
الله: حفظ الحدود، والوفاء بالعهود، والرضى بالموجود، والصبر على المفقود.
قلت: وأحسن ما في تفسير العبودية، أن تقدر أن لك عبدا اشتريته بمالك، فكما
تحب أن يكون عبدك معك، فكن أنت مع مولاك، فالعبد لا يملك مع سيده شيئا من
نفسه ولا ماله ولا يمكنه مع فهرية سيده تدبير ولا اختيار ولا يتزيا إلا
بزي العبيد أهل الخدمة ويكون عند أمر سيده ونهيه وإذا كان حاذقا فاهما عمل
ما يرضي سيده قبل أن يأمره ويفهم عن سيده بأدنى إشارة إلى غير ذلك من
الأدب المرضية في العبيد المؤدبين. وقال أبو علي الدقاق رضي الله عنه:
العبودية أتم من العبادة. فأول المراتب: عبادة ثم عبودية ثم عبودة.
فالعبادة للعوام والعبودية للخواص والعبودة لخواص الخواص، قلت: والعبودة
هي: الحرية الوهمية والله تعالى أعلم.
القناعة: الاكتفاء
بالقسمة، وعدم التشوف للزيادة |أو الاستغناء بالموجود وترك التشوف إلى
المفقود وهي الحياة الطيبة والرزق الحسن، في قوله تعالى: ليرزقهم الله
رزقا حسنا. على قول : أي والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتل بعضهم أو مات
ليرزقن الله من بقى منهم خرجا يجولان فلقيا القناعة فستقرا فيها ومرجعها
إلى سد باب الطمع وفتح باب الورع وهي مطلوبة في أمور الدنيا فقط وأما أمور
الآخرة أو في زيادة العلم أو الترقي في المعرفة فمذمومة ولذلك قيل:
القناعة من الله حرمان.
العافية:وهي سكون القلب وخلوه من
الإنزعاج والاضطراب والتقلب ثم إن كان بالسكون إلى الله والرضى عنه فهي
العافية الكاملة وإن كان بجريان الأسباب للموافقة فهي العافية العادية.
وفي الحديث: ما أعطى أحد بعد اليقين خيرا من العافية. فعافية العامة
سكونهم إلى الأسباب فإذا انخرمت اضطربت قلوبهم وتزلزلت لخراجها من نور
اليقين . وعافية الخاصة: سكونهم إلى مسبب الأسباب. فعافيتهم دائمة وربما
يزيد يقينهم إذا انخرمت الأسباب. كما قال بعضهم: نحن كالنجوم كلما اشتدت
الظلمة قوي نورنا. وقال ذو النون رضي الله عنه: لو كانت السماء من زجاج
والأرض من نحاس ومصر كلها عيالي ما اهتممت لهم برزق. وعافية خاصة الخاصة:
سكونهم إلى شهود الحق غائبين عن الأسباب وعدمها في بحر التوحيد وأسرار
التفريد. لا تنزل الهموم بساحتهم ولا تكدر صفاء مشربهم جعلنا الله منهم
آمين.
اليقين: وهو سكون القلب إلى الله بعلم لا يتغير ولا يتحول
ولا يتقلب ولا يزول عند هيجان المحركات أو ارتفاع الريب في مشاهدة الغيب
وعلامته ثلاث: رفع الهمة عن الخلق عند الحاجة وترك المدح في العطية
والتنزه عن ذمهم عند المنعة . فيقين العامة: بتوحيد أفعاله، فسكنوا إليه
في المنع والعطاء. ويقين الخاصة: بتوحيد صفاته، فرأوا الخلق موتى ليس
بيدهم حركة ولا سكون. ويقين خاصة الخاصة: بتوحيد ذاته. فشاهدوه في كل شيء
وعرفوه عند كل شيء ولم يشاهدوا معه شيئا. علم اليقين وعين اليقين وحق
اليقين. علم اليقين: ما كان ناشئا عن البرهان. وعين اليقين: ما نشأ عن
الكشف والبيان. وحق اليقين: ما نشأ عن الشهود والعيان. فعلم اليقين لأرباب
العقول من أهل الإيمان. وعين اليقين: لأرباب الوجدان من أهل الاستشراف على
العيان. وحق اليقين: لأهل الرسوخ والتمكين في مقام الإحسان. ومثال ذلك:
كمن سمع بمكة مثلا ولم يرها. فعنده علم اليقين بوجودها. فإذا استشرف عليها
ورآها ولم يدخلها فعنده عين اليقين فإذا دخلها وعرف طرقها وأماكنها فهذا
عنده حق اليقين وكذلك الناس في معرفة الحق تعالى. فأهل الحجاب استدلوا حتى
حصل لهم العلم اليقيني بوجود الحق . وأهل السير من المريدين المستشرفين
على الفناء في الذات حصل لهم عين اليقين حتى أشرفت عليهم أنوار المعاني
وغابت عنهم ظلال الأواني غير أنهم باقون في دهشة الفناء لم يتمكنوا من
دوام شهود الحق. فإذا تمكنوا من دوام شهوده ورسخت أقدامهم في معرفته حصل
لهم حق اليقين. وهذه نهاية النعمة. وغاية السعادة. جعلنا الله منهم بمنه
وكرمه.
النعمة: هي ملازمة الأفراح ومباعدة الأتراح وإصابة
الأغراض ونزاهة الأعراض. وهي على قسمين: نعمة ظاهرة كالصحة والعافية
والكفاية من الحلال . ونعمة باطنة كالإيمان والهداية والمعرفة. والناس في
النعمة الظاهرة على ثلاثة أقسام: قوم فرحوا بالنعمة لما لهم فيها من
المتعة فحجبوا بها عن المنعم وقوم فرحوا بالنعمة لإقبال المنعم عليهم حيث
ذكرهم بها. وقوم فرحوا بالنعم دون شيء سواه. (قل الله ثم ذرهم في خوضهم
يلعبون) فشكر الأولين يزول بزوالها وشكر الثالث دائم في السراء والضراء
وهذا شكر الخواص.
الفراسة: وهي خاطر يهجم على القلب أو وارد
يتجلى فيه لا يحظى غالبا إذا صفا القلب. وفي الحديث: اتقوا فراسة المؤمن،
فإنه ينظر بنور الله. وهي على حسب قوة القرب والمعرفة. فكما قوى القرب
وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة لأن الروح إذا قربت من حضرة الحق لا يتجلى
فيها غالبا إلا الحق وهي ثلاث مراتب: فراسة العامة، وهي كشف ما في ضمائر
الناس وما غاب من أحوالهم وهي فتنة في حق من لم يتخلق بأخلاق الرحمان.
وفراسة الخاصة وهي كشف أسرار المقامات والمنازلات والإطلاع على أنوار
الملكوت. وفراسة خاصة الخاصة: وهي كشف أسرار الذات وأنوار الصفات والغرق
في بحر أسرار الجبروت. وقال الكتاني: هي مكاشفة الحق، ومعانية الغيب. وقال
الواسطي: هي سواطع أنوار الذات وتمكين جملة السرائر في الغيوب من غيب إلى
غيب حتى يشهد الأشياء من حيث إشهاده الحق إياها فيتكلم على ضمائر الحق.
قلت: قوله: فيتكلم ..... إلى آخره ليس بشرط في فراسة الخاصة والله تعالى
أعلم.
الخلق: وهي ملكة تصدر عنه الأفعال بسهولة ثم إن كانت
الأفعال حسنه كالحلم والعفو والجود ونحوها سمي خلقا حسنا . وإن كانت سيئة
كالغضب والعجلة والبخل سمي خلقا سيئا. قال وهب: ما تخلق عبد بخلق أربعين
صباحا إلا جعل الله ذلك طبيعة فيه. فالخلق الحسن يكتسب والسيئ يجاهد حتى
يزول. والخلق الحسن يعدل الصيام والقيام وهي ثمرة التصوف . فمن لم يحسن خلقه فتصوفه أشجار بلا ثمار ومرجع حسن الخلق، ألا تغضب ولا تغضب ولا تبخل ولا تحقد وبالله التوفيق.
الجود
والسخاء والإيثار: فالجود من لا يصعب على صاحبه البذل، فمن أعطى البعض
وأبقى الأكثر فصاحب سخاء. ومن بذل الأكثر فصاحب جود. ومن قاسى الضراء وآثر
غيره فصاحب إيثار. فجود العامة: بالأموال . وجود الخاصة بالنفوس وجود خاصة
الخاصة بالأرواح ليبذلونها للموت بالمجاهدة ثم تحيا الحياة الأبدية
بالمشاهدة.
الفقر: وهو نقض اليد من الدنيا وصيانة القلب من إظهار
الشكوى ونعت الفقير الصادق ثلاثة أشياء: صيانة فقره وحفظ سره وإقامة دينه.
قال جعفر الخلدي: خدمت ستمائة شيخ، فما وجدت من شفى قلبي من أربع مسائل،
حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: سل عن مسائلك؟
فقلت: وما التوحيد؟ فقال: هو ترك التفكر في ذات الله، فكل ما أتى به الوهم
أو جلاه الفهم فربما عز وجل مخالف لذلك، فقلت: وما التصوف؟
فقال: ترك الدعاوي وكتمان المعاني. فقلت: وما الفقر؟ فقال: هو سر من أسرار
الله يودعه فيمن يشاء من عباده فمن كتمه فهو من أهله وزاده الله منه، ومن
باح به نفته الله عنه. قلت: جواب كل إنسان على قدر مقامه، كما قال عليه
السلام: خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون، فقوله عليه السلام في التوحيد
أعلاه: ترك التفكر في ذات الله، أي لأن التفكر في كنه الربوبية منهي عنه
إذ لا يدرك ، وأما التفكر في أسرار الربوبية وأنوار صفاتها فلا عبادة أعظم
منها. وقال عليه السلام في التوحيد: كل ما أتى به وهم...إلى آخره لا يدرك
إلا حس الكائنات فهو قصير والفهم بالذوق لا يدرك أسرار التوحيد، لأنها
خارجة عن الوهم ودرك العقل. فظهر معنى قوله عليه السلام: كل ما أتى به
الوهم... إلى آخره، وقوله عليه السلام في شأن الفقر : من كتمه فهو من
أهله، أي فيكون من السابقين ويزيده تعالى من أسراره وأنواره وهي حلاوة
المعاملة والمعرفة. يحكى عن أبي علي الدقاق: أنه جلس يوما مع بعض أصحابه
فكانت منه غفلة، حتى شكى ضيق حاله، فلما تفرق أصحابه، نام بعضهم فهتف به
هاتف وقال: بالله أبغ أبا عبد الله علي الدقاق ما أقول لك، ثم أنشد : قل
للرويجل من ذوي الأقدار الفقر من شيمة الأحرار(البيت الأول ناقص الوزن) إن
الذي ألبست من حلل التقى لو شاء ربك كنت عنها عار
الذكر: وهو إذا
أطلق ينصرف لذكر اللسان، وهو ركن قوي في طريق الوصول وهو منشور الولاية.
فمن ألهم الذكر فقد أعطي المنشور. ومن سلب الذكر فقد عزل. فذكر العامة:
باللسان. وذكر الخاصة: بالجنان. وذكر خاصة الخاصة: بالروح والسر؟، وهو
الشهود والعيان. فيذكر الله عند كل شيئ وعلى كل شيئ يعرف الله فيه. وهنا
يخص اللسان ويبقى كالمبهوت في محل العيان وبعد ذكر اللسان في هذا المقام
يكون ذلك ضعفا وبطالة ....
الوقت: قد يطلقونه على ما يكون العبد
عليه في الحال من قبض وبسط أو حزن أو سرور. وقال أبو علي الدقاق: الوقت ما
أنت به في الحال. فإن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا و‘ن كنت بالعقبى فوقتك
العقبى. يريد أن الوقت ما كان الغالب على الإنسان. وقد يعنون به الزمان
الذي بين الماضي والمستقبل. يقولون: إن الصوفي وقته. يريدون: أنه مشغل بما
هو أولى به في الوقت. لا يدبر في مستقبل ولا ماضي بل يهمه ما هو فيه. وكل
وقت له آداب يطلب فيه . فمن أخل بأدبه، مقته، ولذلك قيل: الوقت كالسيف،
فمن لآ ينه سلم ومن خاشنه قسم. وملاينته القيام بأدبه بوقت القهرية.
آدابه:
الرضى والتسليم تحت مجاري الأقدار. ووقت النعمة، آدابه: الشكر، ووقت
الطاعات، آدابه: شهود المنة من الله ، ووقت المعصية: التوبة والإنابة.
الحال والمقام: الحال معنى يرد على القلب من غير تعمل ولا اجتناب،ولا تسبب
ولا اكتساب. من بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج أو هيبة أو اهتياج. ويظهر
أثره على الجوارح قبل التمكين من شطح ورقص وسير وهيام. وهو أثر المحبة،
لأنها تحرك الساكن أولا ثم تسكن وتطمئن. ولذا قيل فيها: أولها جنون ووسطها
فنون وآخرها سكون. وقد يكتسب الحال بنوع تعمل كحضور حلق الذكر واستعمال
السماع وقد يطلب اكتسابه بخرق عوائد النفس حين يعتريها برودة وفتور، وفرق
وكسل. فينبغي أن يتحرك في تسخينها بما يثقل عليها من خرق العوائد وقد يطلق
الحال على المقام فيقال: فلان ضار عنده الشهود مثلا حالا، ومنه قول
المجذوب: حققت ما وجدت غير وأمسيت في الحال هان
وأما المقام: فهو ما
يتحقق العبد بمنازلته واجتهاده من الأدب وما يتمكن فيه من مقامات اليقين،
بتكسب وتطلب . فمقام كل أحد موضع إقامته، فالمقامات تكون أولا أحوالا حيث
لم يتمكن المريد منها لأنها تتحوصل ثم تصير مقامات بعد التمكين. كالتوبة
مثلا تحصل ثم تنقص حتى تصير مقاما وهي التوبة النصوح وهكذا بقية المقامات.
وشرطه: ألا يترقى مقاما حتى يستوفي أحكامه فمن لا توبة له، لا تصح له
إنابة ومن لا إنابة له لا تصح له استقامته. ومن لا ورع له لا يصح له زهد.
وهكذا. وقد يتحقق المقام الأول بالثاني، إذا ترقى عنه قبل أحكامه، إن كان
له شيخ كامل وقد يطوي عنه المقامات ويدسه إلى الفناء. إن رآه أهلا بتوقد
قريحته ورقة فطنته. فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب. هذا معنى المقام بفتح
الميم. وأما بالضم فمعناه الإقامة ولا يكمل لأحد منازلة مقام، إلا بشهود
إقامة الحق تعالى فيه. وفي الحكم: من علامات النجح في النهاية الرجوع إلى
الله في البداية وقال أيضا: من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
.القبض والبسط: وهما حالتان بعد الترقي من حال الخوف والرجاء. فالقبض
للعارف بمنزلة الخوف المطالب. والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمريد. والفرق
بين الخوف والقبض وبين الرجاء أن الخوف متعلقه مستقبل، إما فوات محبوب أو
هموم محذور. بخلاف القبض، فإنه معنى يحصل في القلب ‘ما بسبب أو لا. وكذلك
الرجاء، يكون لانتظار محبوب في المستقبل. والبسط شيء موهوب يحصل في الوقت.
فحقيقة القبض: انكماش وضيق يحصل في القلب يوجب السكون والهدوء. والبسط:
انطلاق وانشراح للقلب يوجب التحرك والانبساط . ولكل واحد آداب مذكور في
المطولات.
الخواطر والواردات: الخواطر: خطابات ترد على القلب،
تكون بإلقاء ملك، أو شيطان أو حديث نفس. فإذا كان من الملك، فإلهام أو من
الشيطان فوسواس أومن النفس فهواجس. فما وافق الحق ودعا إلى اتباعه فمن
الملك وما وافق الباطل أو دعا إلى معصية غالبا فمن الشيطان. وقد يدعوا إلى
الطاعة حيث يترتب عنها معصية كالربا وحب المدح وما دعا إلى إتباع الشهرة
والدعة أي الراحة فمن النفس. قال أبو علي الدقاق: من أكل الحرام لم يفرق
بين الإلهام والوسواس وكذلك من كان قوته معلوما. وفرق الجنيد بين هواجس
النفس ووسواس الشيطان بأن ما دعت إليه النفس لا تنتقل عنه بل تعاوده مرة
بعد مرة، إلا بعد مجاهدة كبيرة ووسواس الشيطان ينتقل عنها، فإذا خالفته في
معصية انتقل لأخرى وربما يذهب بالتعود ونحوه ولذلك كانت النفس أخبث من
سبعين شيطانا. وأما الواردات: فهي ما يرد على القلوب من التجليات القوية
والخواطر المحمودة بما لا يكون للعبد فيه تكسب والفرق بين الخواطر
والواردات أن الواردات أعم من الخواطر لأن الخواطر تختص بنوع خطاب أو ما
يتضمن معناه. والواردات: تكون وارد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط
ووارد شوق ووارد خوف إلى غير ذلك من المعاني وقد يختطفه عن شاهد حسه وهو
قريب من الحال وقد يأتي الوارد بكشف غيب فيجب تصديقه إن صفا القلب من
كدرات الخواطر والله تعالى أعلم.
النفس والروح والسر:النفس عند
القوم: عبارة عما يذم من أفعال العبد وأخلاقه، فالأول ما كان من كسب العبد
كمعاصيه ومخالفته والثاني ما كان من جبلته وطبيعته، كالكبر والحسد والغضب
وسوء الخلق وقلة الاحتمال وغير ذلك من الأخلاق الذميمة، ينسب للنفس أدبا
مع الحق. والروح: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية.
والسر: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية للخواص
والسر لخواص الخواص، والنفس لأهل عالم الملك والروح لأهل عالم الملكوت
والسر لأهل عالم الجبروت. وسيأتي حقائقها. وهل النفس والروح والسر متعددات
في نفسها أو متحدة؟ وإنما تختلف التسمية باختلاف التصفية. قال بعضهم:
النفس لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المذمومة، كما أن الروح
لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المحمودة، ومحلها واحد، وهو
الإنسان، فالنفس والروح من الأجساد اللطيفة ، كالملائكة والشياطين. وهما
ساكنان في الإنسان فكما أن البصر محل الرؤية والأذن محل السمع والأنف محل
الشم من ذات واحدة فكذلك محل الأوصاف الذميمة النفس ومحل الأوصاف الحميدة
الروح وأما السر فهو لطيف مودع في القلب كالروح إلا أنه أشرف من الروح
لكمال صفائه. وقال الساحلي: النفس والقلب والروح والسر والباطن أسماء
لمسمى واحد، وهو اللطيفة الربانية التي كان الإنسان بها إنسانا وتختلف
أسماؤها باختلاف أوصافها، فإن مالت لجهة النقص سميت نفسا وإن تخلصت من
مقام الإسلام إلى مقام الإيمان سميت قلبا وإن تخلصت منه إلى مقام الإحسان
ولكن بقي فيها أثر النقص كأثر الجراحات بعد البرء سميت روحا، وإن ذهبت تلك
الأثر وصفيت سميت بالسر وإن أشكل الأمر سميت بالباطن والاختلاف في الروح
شهير. قال بعضهم: هي الحياة. وقال بعضهم: أعيان مودعة في هذه القوالب.
أجرى الله العادة بخلق الحياة في القالب ما دامت فيه. فاإنسان حي بالحياة،
ولكن الأرواح مودعة في القوالب، ولها ترق في حال النوم ومفارقة ورجوع هي
التي وقع بها النفخ. وأما النفس هي مخلوقة في الجنين قبل نفخ الروح. بها
يقع التحرك وهي ملازمة للبدن لا تفارقه إلا بالموت. فتخرج الروح أولا ثم
تنقطع النفس فتنقطع الحياة للإنسان. فالإنسان روح ونفس وجسد.
والحشر
للجملة وكذلك العقاب والثواب. والأرواح مخلوقة قبل الأبدان سارية فيها
سريان النار في الفحم والماء في العود الأرطب. قلت: هذه الأعيان المودعة
في القوالب هي اللطيفة الربانية اللاهوتية وهي التي تتطور وتختلف أسماؤها
باختلاف تطورها كما قال الربانية اللاهوتية. وهي التي تتطور وتختلف
أسماؤها باختلاف تطورها كما قال الساحلي والله أعلم.
وكون
الأرواح حادثة يجري على مذهب أهل الفرق وأما أهل الجمع فلا حادث عندهم
لفناء الكائنات عن نظرهم. قال الجنيد: إذا اقترن الحادث بالقديم، تلاشى
الحادث وبقي القديم وسألت بعض إخواننا العارفين: هل الأرواح حادثة أو
قديمة؟ فقال الرجال: الأشباح عندهم قديمة يشير إلى مقام الفناء كما تقدم
لكنه سر مكتوم.
النصر والتأييد والعصمة: النصر تقوية الجوارح على
فعل الخير والتأييد تقوية البصيرة من داخل في الباعث الباطني تأييد.
والبطش ومساعدة الأسباب من خارج نصر. وهو جامع الهداية التي مرجعها
للبصيرة العلمية الكاشفة. لما عليه الشيئ بحقيقته والرشد الذي مرجعه إلى
الإرادة الباعثة إلى جهة السعادة والتسديد الذي مرجعه إلى القوة على توجيه
الحركات إلى صوب المطلوب وتيسيرها عليه ويقرب من التأكيد الجامع لما ذكر.
العصمة:وهي
عبارة عن جود إلهي. يسنح في الباطن يقوى به الإنسان على تحري الخير وتجنب
الشر حتى يصير كصانع في باطنه غير محسوس. قاله الغزالي. فهذه ست حقائق:
الهداية والرشد والعصمة والتسديد والنصر والتأييد وقد علمت كلها من كلام
الغزالي رضي الله عنه. والتحقيق أن الهداية هي تصويب العبد إلى طريق توصله
إلى الحق وقد تطلق على بيانها فقط. والرشد: هو توجيه القلب إلى طريق
السعادة والتسديد: هو القدرة على سلوك طريق الخير وتجنب الشر. والعصمة: هو
جود إلهي إلى آخر ما تقدم.
الحكمة: وهي اتفاق الشيء وإبداعه ففي
العلم تحقيقه والعمل به. وفي الأقوال: إيجازه وتكثير معانيه . وفي العمل
إتقانه وإكماله. ويقال: نزلت الحكمة على ثلاث فرق: على ألسنة العرب، وأيدي
الصين، وعقول اليونان والله تعالى أعلم.
العقل: وهو نور يميز به
بين النافع والضار. ويحجز صاحبه عن ارتكاب الأوزار. أو نور روحاني تدرك به
النفس العلوم الضرورية والنظرية أو قوة مهيأة لقبول العلم. سمي عقلا. لأنه
يعقل صاحبه عما لا ينبغي وهو على قسمين: عقل أكبر وعقل أصغر. أما العقل
الأكبر فهو أول نور أظهره الله للوجود. ويقال له: الروح الأعظم ويسمى أيضا
القبضة المحمدية ومن نوره يمتد العقل الأصغر كامتداد القمر من نور الشمس.
فلا يزال نوره ينموا بالطاعة والرياضة والتطهير من الهوى حتى يدخل العبد
مقام الإحسان وتشرق عليه شمس العرفان فينطوي نوره في نور العقل الأكبر
كانطواء نور القمر عند طلوع الشمس. فيرى من الأسرار والغيوب ما لم يكن يره
قبل. لأن العقل الأصغر نوره ضعيف. لا يدرك إلا افتقار الصنعة إلى صانعها،
ولا يدري ما وراء ذلك. بخلاف العقل الأكبر فإنه يدرك الصانع القديم قبل
التجلي وبعده لصفاء نوره وشدة شعاعه. وفي بعض الأخبار: أول ما خلق الله
العقل، فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال : فوعزتي وجلالي
لا أجعلك إلا فيمن أحببت من عبادي. أو كما قال عليه السلام، والحديث متكلم
فيه. فالعقل الأكبر لا يناله إلا المحبون الذين اختارهم الله لمعرفته
الخاصة. وأما العقل الأصغر فيعطيه للخاص والعام. وهو على قسمين: عقل موهوب
وعقل مكسوب. فالموهوب هو الذي جعله الله فيه غريزة والمكسوب هو الذي يكتسب
بالتجارب والرياضات وارتكاب المحن. قال بعضهم: وعلامة الغقل ثلاث: تقوى
الله عز وجل وصدق الحديث وترك ما لا يعني وقال عليه السلام: ألا وإن من
علامة العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى
القبور والتأهب ليوم النشور. وقال بعض الحكماء: خير ما أعطى الإنسان، عقل
يزجره فإن لم يكن فحياء يمنعه. فإن لم يكن فمال يستره.
فإن لم
يكن فصاعقة تحرقه تستريح منه البلاد والعباد. وهل الأرواح قبل الأشباح كان
لها عقل أم لا؟ والتحقيق أنها كانت لها عقول مقتبسة من العقل الأكبر فلذلك
أقرت بالربوبية بل كانت علامة دراكة للإشياء كما قال ابن البناء: والمعرفة
والإدراك إنما يكونان بالعقل. فلما برزت لعالم الأشباح أزال الله منها ذلك
العقل الذي هو من العقل الأكبر وأنبت فيها العقل الأصغر عند اجتناب الولد
في البطن. فما زال ينموا إلى الحلم وقيل إلى الأربعين سنة فإذا اتصل العبد
بالطبيب عالجه حتى يوصله إلى العقل الأكبر فيكون صاحبه من الأولياء الكبار
وبالله التوفيق.
التوحيد: وهو على قسمين: توحيد البرهان وهو
إفراد الحق بالأفعال والصفات والذات من طريق البرهان. وتوحيد العيان وهو
إفراد الحق بالوجود في الأزل والأبد. قال الجنيد رضي الله عنه: هو معنى
تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم
العلامة الجليل والصوفي الكبير سيدي أحمد بن محمد عجيبة الحسني رحمه الله
بسم
الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
الحمد لله الذي حقق الحقائق وأوضح الطرائق والصلاة والسلام على مولانا
محمد سيد الخلائق. المخصوص بتواتر المعجزات وتظاهر الخوارق. ورضي الله
تعالى عن أصحابه الأعلام الذين أظهر الله بهم دينه القويم في أقصى المغارب
والمشارق. وبعد: فعلم التصوف هو سيد العلوم ورئيسها ولباب الشريعة وأساسها وكيف لا وهو تفسير لمقام الإحسان الذي هو مقام الشهود والعيان.
كما
أن علم الكلام تفسير لمقام الإيمان. وعلم الفقه تفسير لمقام الإسلام. وقد
اشتمل حديث جبريل عليه السلام على تفسير الجميع. ف‘ذا تقرر أنه أفضل
العلوم تبين أن الاشتغال به أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى لكونه سببا
للمعرفة الخاصة الذي هي معرفة العيان. وقد اشتمل على حقائق عريقة وعبارات
دقيقة اصطلح القوم على استعمالها فينبغي الوقوف على معانيها لمن أراد
الخوض فيه والوقوف على معانيه.
وقد أردت بحول الله وقوته أن أجمع
نبذة صالحة من حقائق هذا الفن واصطلاحاته لعل الله ينفع من يريد الوقوف
على هذا العلم. وسميته: معراج التشوف إلى حقائق التصوف وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق وسأذكر لكل حقيقة ما يتعلق بها بداية ووسطا ونهاية.
التصوف:علم
يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك أو غيبة الخلق في شهود الحق أو
مع الرجوع إلى الأثر. في أوله علم ووسطه عمل وآخره موهبة.
واشتقاقه
إما من الصفاء لأن مداره على التصفية أو من الصفة. لأنها تصاف بالكملات أو
من صفة المسجد النبوي لأنهم مشبهون بأهل الصفة في التوجه والانقطاع أو من
الصوف لأن جل لباسهم الصوف تقللا من الدنيا وزهدا فيها. اختاروا ذلك لأنه
كان لباس الأنبياء عليهم السلام. وهذا الاشتقاق أنسب إليه لغة وأظهر نسبة.
لأن لباس الصوف حكم ظاهر على الظاهر ونسبتهم إليه أمر باطن والحكم بالظاهر
أوقف وأقرب. يقال: تصوف إذا لبس الصوف. كما يقال: تقمص إذا لبس القميص.
والنسبة إليه صوفي. قال سهيل: الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر
وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والمدر، أي لا رغبة له في شيء
دون مولاه (وفي مثل هذا قيل: ليس التصوف لبس الصوف ترقعة ** ولا بكاؤك إذ غنا المغنون. بل التصوف
أن تصفوا بلا كدر *** وتتبع الحق والقرآن والدين). الجنيد: الصوفي كالأرض
يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا المليح. وقال أيضا: الصوفي كالأرض
يطأها البر والفاجر وكالسماء يظل كل شيء وكالمطر يسقي كل شيء. التوبة:
الرجوع عن كل فعل قبيح إلى كل فعل مليح. أو عن كل وصف دني إلى التحقيق بكل
وصف سني. أو عن شهود الخلق إلى الاستغراق في شهود الحق.
وشروطها:
الندم والانقطاع ونفي الإصرار وأما رد المظالم ففرض مستقل تصح بدونه كما
تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من غير نوعه. فتوبة العامة: م الذنوب وتوبة
الخاصة: من العيوب. وتوبة خاصة الخاصة: من كل ما يشغل السر عن حضرة علام
الغيوب. وكل المقامات تفتقر إلى التوبة. فالتوبة تفتقر إلى توبة أخرى بعدم
نصحها والخوف يفتقر إليها بحصول الأمن والاغترار والرجى بحصول القنوط
والإياس والصبر بحصول الجزع والزهد بخواطر الرغبة والورع بتتبع الرخص
وخواطر الطمع والتوكل بخواطر التدبير والاختبار والاهتمام بالرزق والرضى
والتسليم بالكراهية والتبري عند نزول الأقدار والمراقبة بسوء الأدب في
الظاهر وخواطر السوء في الباطن والمحاسبة بتضييع الأوقات في غير ما يقرب
إلى الحق والمحبة بميل القلب إلى غير المحبوب والمشاهدة بالتفات السر إلى
غير المشهود أو باشتغاله بالوقوف مع شئ من الحس وعدم زيادة الترقي في
معاريج الأسرار ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستغفر في المجلس الواحد
سبعين مرة أو مائة.
والتوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء:
الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وعدم الإسرار بالجنان ومهاجرة لسيئ
الخلان. وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة: القلة والعلة
والذلة والغربة. الإنابة: وهي أخص من التوبة لأنها رجوع يصحبه انكسار
ونهوض إلى السير . وهي ثلاث: رجوع من الذنب إلى التوبة ومن الغفلة إلى
اليقظة ومن الفرق إلى الجمع على الله. الخوف: انزعاج القلب من لحوق مكروه
أو فوت مرغوب وثمرته النهوض إلى الطاعة والهروب من المعصية فإظهار الخوف
مع التقصير دعوى فخوف العامة: من العقاب وفوت الثواب وخوف الخاصة: من
العتاب وفوت الاقتراب. وخوف خاصة الخاصة: من الاحتجاب بعروض سوء الأدب.
الرجاء: سكون القلب إلى انتظار محبوب بشرط السعي في أسبابه. وإلا فأمنية
وغرور. فرجاء العامة: حسن المآب بحصول الثواب. ورجاء الخاصة: حصول الرضوان
والاقتراب. ورجاء خاصة الخاصة: التمكن من الشهود وزيادة الترقي في أسرار
الملك الودود. والخوف والرجاء للقلب كجناحي الطير. لا يطير إلا بهما.
وربما يترجح الرجاء عند العارفين والخوف عند الصالحين. الصبر: حبس القلب
على حكم الرب. فصبر العامة: حبس القلب على مشاق الطاعات ورفض المخالفات .
وصبر الخاصة: حبس النفس على الرياضات والمجاهدات وارتكاب الأهوال في سلوك
طريق الأحوال مع مراقبة القلب في دوام الحضور. وطلب رفع الستور. وصبر خاصة
الخاصة: حبس الروح أو السر في المشاهدات والمعاينات أو دوام النظر والعكوف
في الحضرة.( الصبر كالسبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل).
الشكر:
فرح القلب بحضور النعمة. مع صرف الجوارح في طاعة المنعم. والاعتراف بنعمة
على وجه الخضوع ومرجعه لثلاث: شكر باللسان وهو اعتراف بالنعمة . بنعمة
الإستكانة وشكر بالبدن وهو اتصاف بالخدمة وشكر بالقلب وهو شهود المنعم عند
حصول النعمة ومرجعه الكل إلى ما قاله الجنيد: ألا يعصى الله بنعمه. فشكر
العامة: الثناء باللسان وشكر الخاصة: الخدمة بالأركان وشكر خاصة الخاصة:
الاستغراق في شهود المنان. الورع: كف النفس عن ارتكاب ما تكره عاقبته.
فورع العامة: ترك الحرام المتشابه وورع الخاصة ترك كل ما يكدر القلب ويجد
منه حزازة أو ظلمة ويجمع قوله عليه السلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
وورع خاصة الخاصة: رفض التعلق بغير الله وسد باب الطمع في غير الله وعكوف
الهم على الله وعدم الركون إلى شيء سواه. وهذا الورع الذي هو ملاك الدين.
كما قال الحسن البصري حين سئل. ما ملاك الدين؟ فقال الورع. وقيل له، وما
فساد الدين؟ فقال: الطمع فالورع الذي يقابل الطمع كل المقابلة هو: ورع
خاصة الخاصة: وجزء منه يعدل آلاف من الصلاة والصيام. ولذا قال في التنوير:
وليس يدل على فهم العبد كثرة علمه ولا مداومته على ورده وإنما يدل على
نوره وفهمه غناه بربه وانحياشه إليه بقلبه والتحرر من رق الطمع والتحلي
بحلية الورع يعني ورع الخاصة أو خاصة الخاصة والله تعالى أعلم.
الزهد:
خلو القلب من التعلق بغير الرب، أو برودة الدنيا من القلب. وعزوف النفس
عنها . فزهد العامة : ترك ما فضل عن الحاجة في كل شئ وزهد الخاصة: ترك ما
يشغل عن التقرب إلى الله في كل حال. وزهد خاصة الخاصة: ترك النظر إلى ما
سوى الله في جميع الأوقات. وحاصل الجميع، برودة القلب عن سوى وعن الرغبة
في غير المولى، وهو سبب المحبة كما قال عليه السلام: ازهد في الدنيا يحبك
الله... الحديث وهو سبب السر والوصول. إذ لا سير للقلب إذا تعلق بشئ سوى
المحبوب.
التوكل: ثقة القلب بالله حتى لا يعتمد على سواه، أو
التعلق بالله والتعويل عليه في كل شئ علما بأنه عالم بكل شئ. وأن تكون بما
في يد الله أوثق منك بما في يدك. فأدناه أن تكون مع الله كالموكل مع
الوكيل الشفيق الملاطف. ووسطه كالطفل مع أمه .
لا يرجع في جميع
أموره إلا إليها وأعلاه أن تكون كالميت مع الغاسل. فالأول للعامة والثاني
للخاصة والثلث لخاصة الخاصة. فالأول يخطر بباله تهمة والثاني لا اتهام له
لكن يتعلق بأمه عند الحاجة والثالث لا اتهام ولا تعلق لأنه فان عنم نفسه
ينظر كل ساعة ما يفعل الله به. الرضى والتسليم: الرضى تلقي المهالك بوجه
ضاحك أو سرور يجده القلب عند حلول القضاء أو ترك الاختبار على الله فيما
دبر وأمضا أو شرح الصدر ورفع الإنكار لما يرد من الواحد القهار.
والتسليم:
ترك التدبير والاختيار بالسكون تحت مجاري الأقدار. فيرادف الرضى على الحد
الأخير والرضى أعم منه على الأولين وقيل: الرضى عند النزول والتسليم قبل
النزول وهو التفويض بعينه فبدايتهما الصبر والمجاهدة ووسطهما بالسكون مع
خواطر التبرم والكراهية ونهايتهما بفرح وسكون مع عدم التبرم فالأول للعامة
والثاني للخاصة والثالث لخاصة الخاصة ويغتفر الخاطر الأول عند الجميع لضعف
البشرية إذ لا يخلوا منه بشرؤ. المراقبة: إدامة علم البعد بالطلاع الرب،
أو القيام بحقوق الله سرا وجهرا خالصا من الأوهام، صادقا في الإحترام وهي
أصل كل الخير وبقدرها تكون المشاهدة .
فمن عظمت مراقبته عظمت بعد
ذلك مشاهدته. فمراقبة أهل الظاهر: حفظ الجوارح من الهفوات ومراقبة أهل
الباطن: حفظ القلوب من الإسترسال مع الخواطر والغفلات ومراقبة أهل باطن
الباطن: حفظ السر من المساكنة إلى غير الله.
المحاسبة: عتاب
النفس على تضييع الأنفاس والأوقات في غير أنواع الطاعات. وتكون آخر
النهار. كما أن المشارطة تكون أول النهار. يقوا لنفسه في أول نهاره: هذا
يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاجتهد في تعمير أوقاته بما يقربك إلى الله. ولو
مت بالأمس لفاتك الخير الذي تفوزين فيه. وكذلك يقول لها عند إقبال الليل
ويحاسبها عند إدباره، هكذا يدوم معها حتى تتمكن من الحضرة، فحينئذ يتحد
الوقت وهو لاستغراق في الشهود فلا يبقى من يحاسب ولا من يعاقب. فتحصل أن
المشارطة أولا والمحاسبة آخرا والمراقبة دائما ما دام في السير ، فإذا حصل
الوصول فلا محاسبة ولا مشارطة.
المحبة: ميل دائم، بقلب هائم،
ويظهر هذا الميل أولا على الجوارح الطاهرة بالخدمة، وهو مقام الأبرار
وثانيا على القلوب الشائقة بالتصفية والتحلية وهو مقام المريدين السالكين
وثالثا على الأرواح والأسرار الصافية بالتمكين من شهود المحبوب، وهو مقام
العارفين، فبداية المحبة ظهور أثرها بالخدمة ووسطها ظهور أثرها بالسكر
والهيام ونهايتها ظهوره بالكون والصحو في مقام العرفان، فلهذا انقسم الناس
على ثلاث مراتب: أرباب الخدمة وأرباب الأحوال وأرباب المقامات. فبدايتها
سلوك وخدمة ووسطها جذب ووفاء ونهايتها صحو وبقاء.
المشاهدة
والمعاينة: المشاهدة رؤية الذات اللطيفة في مظاهر تجلياتها الكثيفة، فترجع
إلى تكثيف اللطيف، فإذا ترقق الوداد ورجعت الأنوار الكثيفة لطيفة، فهي
المعاينة، فترجع إلى تلطيف الكثيف. فالمعاينة أرق من المشاهدة وأتم.
والحاصل أن شهود الذات لا يمكن إلا بواسطة تكثيف أسرارها اللطيفة في مظاهر
التجليات.
إذ لا يمكن إدراك اللطيف ما دام لطيفا. فرؤية التجليات
كثيفة المشاهدة. وردها إلى أصلها بانطباق بحر الأحدية عليها معاينة وقيل
هما سواء.
المعرفة: وهي التمكن من المشاهدة واتصالها. فهي شهو
دائم بقلب هائم. فلا يشهد إلا مولاه ولا يعرج على أحد سواه. مع إقامة
العدل وحفظ مراسم الشريعة فهذه حدود المقامات قد انتهت في المعرفة. ثم
نرجع إلى حقائق أخرى يكثر استعمالها بداية ونهاية منها: التقوى: وهي
امتثال الأوامر واجتناب المناكر الظواهر والسرائر. أو مواصلة الطاعات
والاعراض عن المخالفات فتقوى العامة: اجتناب الذنوب وتقوى الخاصة: التخلي
عن العيوب وتقوى خاصة الخاصة: الغيبة عن السوى بالعكوف في حضرة علام
الغيوب.
الاستقامة: استعمال العلم بأقوال الرسوزل عليه السلام
وأفعاله وأحواله وأخلاقه من غير تعمق وتأنق. ولا ميل مع أوهام الوسواس
والخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات أو القيام بين يدي الله
تعالى على حقيقة الصدق في جميع الحالات وهي الأقوال بترك الغيبة وفي
الأفعال بترك البدعة وفي الأحوال بعدم الخروج عن أحوال للسنن الشريعة.
فاستقامة العامة: بموافقة السنة واستقامة الخاصة: بالتخلق بالأخلاق
النبوية واستقامة خاصة الخاصة: بالتخلق بأخلاق الرحمان مع الاستغراق في
حضرة العيان.
الإخلاص: إخراج الخلق من معاملة الحق، أو إفراد
الحق تعالى في الطاعة بالقصد أو غيبة القلب عن غير الرب. فإخلاص العامة:
تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين. وإخلاص الخاصة: تصفيتهاعن طلب العوض
في الدارين. وإخلاص خاصة الخاصة: التبري من الحول والقوة ومن رؤية الغير
في القصد والحركة حجتى يكون العمل بالله ومن الله وإلى الله غائبا عما
سواه
الصدق: إسقاط حظوظ النفس في الوجهة إلى الله تعالى تعويلا
على ثلج اليقين أو استواء الظاهر والباطن في الأقوال والأفعال والأحوال
وملازمة الكتمان غيرة على أسرار الرحمان. وحاصله: تصفية الباطن من
الإنتفاتات إلى غير بالكلية والفرق بينه وبين الإخلاص أن الإخلاص ينفي
الرك الجلي والخفي والصدق ينفي النفاق والمداهنة بالكلية فمثال الصدق مع
الإخلاص كالتشحرة للذهب فهو ينفي عنه عواريض النفاق ويصفيه من كدرات
الأوهام وكذلك أن صاحب الإخلاص لا يخلوا من مداهنة النفس ومسامحة الهوى
بخلاف الصدق فإنه يذهب بالمداهنات ويرفع المسامحات إذ لا يشم رائحة الصدق
من داهن نفسه أو غيره فيما دق أو جل. وعلامة الصدق: استواء السر
والعلانية. فلا يبالي صاحب الصدق بكشف ما يكره إطلاع الناس عليه ولا
يستحيي من ظهوره لغيره اكتفاء بعلم الله به فصدق العامة: تصفية الأعمال من
طاب الأعراض وصدق الخاصة: تصفية الأحوال من قصد غير الله وصدق خاصة
الخاصة: تصفية مشرب التوحيد من الإلتفاتات إلى ما سوى الله. ويقال لصاحب
المقام الأول: صادق وللثاني والثالث: صديق. وأما التصديق بوجود الحق أو
بوجود الخصوصية عند الأولياء وتعظيمهم لأجلها فهو تصديق لا صدق. خلاف ما
يعتقده بعض فقراء زماننا هذا. ويقال لمن عظم تصديقه: صديق أيضا. فالصديق
يطلق على معظم صدقه أو تصديقه.
الطمأنينة: وهي سكون القلب إلى
الله عاريا عن التقلب والإضطراب ثقة بضمانه أو اكتفاء بعلمه أو رسوخا في
معرفته وتكون من وراء الحجاب بتواتر الأدلة واستعمال الفكرة أو بتوال
الطاعة ومجاهدة الرياضة وتكون بعد زوال الحجاب بتمكن النظرة ورسوخ
المعرفة. فقوم اطمأنوا بوجود الله من طريق البرهان أو البيان وقوم اطمأنوا
بشهود الله بعد ظهوره من طريق العيان. فالأول : العلماء والثاني للعباد
والزهاد والصالحين. والثالث: للعارفين المقربين.
الشوق
والإشتياق: الشوق يزول برؤية الحبيب ولقائه والإشتياق لا يزول أبدا. لطلب
الروح الزيادة في كشف الأسرار والقرب إلى الأبد . فشوق العامة: إلى زخاريف
جنابه وشوق الخاصة إلى نيل رضوانه وشوق خاصة الخاصة : إلى حضرة عيانه.
الغيرة:
كراهية رؤية حبيبك عند غيرك فيهيج التنافس في حيازته. قال الشبلي: الغيرة
غيرتان: فغيرة البشرية على النفوس وغيرة الإلهية على القلوب. ومعناه: أن
الطبع البشري يكره أن يرى محبوبه عند غيره كالزوجة مثلا والحق تعالى يكره
أن يرى قلوب أوليائه متعلقة بغيره وفي الحديث: لا شخص أغير من الله. ولذلك
حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما في الوجود إلا غيرة الألوهية سرت في
مظاهر تجلياتها. فغيرة النفوس للعامة وهي غيرتهم على هتك حرمة حريمهم
وغيرة القلوب للخاصة وهي غيرتهم على قلوبهم أن تميل لغير محبوبهم وغيرة
الأرواح والأسرار لخاصة الخاصة وهي غيرتهم على أرواحهم أن تلتفت إلى شيء
دون محبوبهم وغيرتهم على الحبيب أن يميل إلى غيرهم وعلى هذا الأمر العظيم
حق للعبد أن يغار كما قال الشاعر: إذا لم أنافس في هواك ولم أغر عليك
ففيمن ليت شعر أنافس فلا تمقتن نفسي فأنت حبيبها فكل امرئ يصبوا إلى من
يجانس وقد يغار الحق تعالى على أوليائه فينتقم من أعدائهم إذا أذوهم ومن
غيرته أيضا عليهم أن يظهرهم لجملة الخلق فيضر بهم على خلقه حتى يلقوه تحت
أستار الخمول وهم عرائس حضرته. الفتوة: وهي الإيثار على النفس بما تحب،
والإحسان إلى الخلق بما يحب، ولذا تكمل الفتوة إلا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، حيث يقول في موضع لا يذكر فيه أحد إلا نفسه: أمتي أمتي وقيل ل:
لا ترى لنفسك فضلا على غيرك. والفتى من لا خصم له ومرجعها إلى السخاء
والتواضع والشجاعة في مواطن الاضطراب . ففتوة العامة: بالأموال وفتوة
الخاصة : بالنفوس وفتوة خاصة الخاصة: بالأرواح وبذل المهج في جانب
المحبوب.
الإرادة: وهي قصد الوصول إلى المحبوب بنعت المجاهدة.
والتحبب إلى الله بما يرضى. والخلوص في نصيحة الأمة والأنس بالخلوة والصبر
على مقاسات الأهوال ومنازلات الأحوال. والإيثار لأمره والحياء من نظره
وبذل المجهود في محبوبه والتعرض لكل سبب يوصل إليه وصحبة من يدل عليه
والقناعة بالخمول وعدم سكون القلب إلى شيء دون الوصول وهي أول منزلة
القاصدين وبدء طريق السالكين. والمريد: من الإرادة له دون مولاه وهي ثلاث
مراتب : إرادة التبرك والحرمة وهي لمن ضعفت همته وكثرت علاقته وإرادة
الوصول إلى الحضرة وهي لأهل التجريد وقوة العزم وإرادة الخلافة وكمال
المعرفة وهي لمن ظهرت نجابته وكملت أهليته وصرح له بالخلافة من شيخ كامل
لأو هاتف صادق.
المجاهدة: وهي فطم النفس عن المألوفات وحملها
مخالفة هواها في عموم الأوقات وخرق عوائدها في جميع الخالات. قال بعضهم
مرجعها إلى ثلاث: لا تأكل إلا عند الفاقة ولا تنم إلا عند الغفلة ولا
تتكلم إلا عند الضرورة. ونهايتها المشاهدة فلا مجاهدة بعدها فلا تجتمع
مجاهدة ومشاهدة إذ نهاية التعب تمام السفر فإذا حصل الوصول فما بقي إلا
الراحة ومشاهدة الحبيب مع حفظ الأدب وهي ثلاث: مجاهدة الظواهر بدوام
الطاعات وكف المنهيات ومجاهدة البواطن ينفي الخواطر الرديئة ودوام الحضور
في الحضرة القدسية ومجاهدة السرائر باستدامة الشهود وعدم الإلتفات إلى غير
المعبود.الولاية: وهي حصول الأنس بعد المكابدة واعتناق الروح بعد المجاهدة وحاصلها
تحقيق الفناء في الذات بعد ذهاب حس الكائنات فيبقى ما لم يكن ويبقى ما لم
يزل فأولها التمكن من الفناء ونهايتها تحقيق البقاء وبقاء البقاء ويبقى
الترقي والاتساع فيها أبدا سرمدا. قال إبراهيم بن أدهم لرجل: أتحب أن تكون
لله دائما؟ قال الرجل: نعم، قال: لا ترغب في شيء من الدنيا والآخرة وفرغ
نفسك لله عز وجل وأقبل بوجهك عليه يرفق عليك ويواليك. وقال غيره: الولي من
كان همه الله وشغله الله وفناؤه دائما في الله. وتطلق على ثلاث مراتب
ولاية عامة وهي لأهل الإيمان والتقوى كما في الآية وولاية خاصة: وهي لأهل
الاستشراق على العلم بالله وولاية خاصة الخاصة: وهي لأهل التمكن في معرفة
الله على نعت العيان. وفي الحديث: قيل: من أولياء الله يا رسول الله؟ قال:
المتحابون في الله وفي رواية : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس
إلى ظاهرها... الحديث. فشمل الحديث، ولاية الخاصة وخاصة الخاصة والله
تعالى أعلم.
الحرية: وهي الحرية الكسبية، وهي سبب للظفر بالحرية
الوهمية. وهي غيبة العبد في مظاهر الرب. فتنتفى ظلمة الحدوث في نور القدم
وتختفي قوالب العبودية في تجلي مظاهر الربوبية. فيبقى الحق بلا خلق فحينئذ
يكتب للعبد عقد الحرية فتكون عبادته وعبوديته شكرا لا قهرا كما قال سيد
العارفين : أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال إمام هذه الطائفة الجنيدي: عبادة
العارف تاج على الرؤوس، يعني كمال الكمال. العبودية: ; وهي القيام بأدب
الربوبية، مع شهود ضعف البشرية. وقال بعضهم: هي القيام بحق الطاعات، بشرط
التوقير والنظر إلى ما منك بعين التقصير، أو ترك الاختيار فيما يبدوا من
الأقدار، أو التبري من الحلول والقوة والإقرار بما يوليك ويعطيك من المنة.
وعلامتها: ترك التدبير بشهود التقدير، وأجمع العبارات فيها، قول ابن عطاء
الله: حفظ الحدود، والوفاء بالعهود، والرضى بالموجود، والصبر على المفقود.
قلت: وأحسن ما في تفسير العبودية، أن تقدر أن لك عبدا اشتريته بمالك، فكما
تحب أن يكون عبدك معك، فكن أنت مع مولاك، فالعبد لا يملك مع سيده شيئا من
نفسه ولا ماله ولا يمكنه مع فهرية سيده تدبير ولا اختيار ولا يتزيا إلا
بزي العبيد أهل الخدمة ويكون عند أمر سيده ونهيه وإذا كان حاذقا فاهما عمل
ما يرضي سيده قبل أن يأمره ويفهم عن سيده بأدنى إشارة إلى غير ذلك من
الأدب المرضية في العبيد المؤدبين. وقال أبو علي الدقاق رضي الله عنه:
العبودية أتم من العبادة. فأول المراتب: عبادة ثم عبودية ثم عبودة.
فالعبادة للعوام والعبودية للخواص والعبودة لخواص الخواص، قلت: والعبودة
هي: الحرية الوهمية والله تعالى أعلم.
القناعة: الاكتفاء
بالقسمة، وعدم التشوف للزيادة |أو الاستغناء بالموجود وترك التشوف إلى
المفقود وهي الحياة الطيبة والرزق الحسن، في قوله تعالى: ليرزقهم الله
رزقا حسنا. على قول : أي والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتل بعضهم أو مات
ليرزقن الله من بقى منهم خرجا يجولان فلقيا القناعة فستقرا فيها ومرجعها
إلى سد باب الطمع وفتح باب الورع وهي مطلوبة في أمور الدنيا فقط وأما أمور
الآخرة أو في زيادة العلم أو الترقي في المعرفة فمذمومة ولذلك قيل:
القناعة من الله حرمان.
العافية:وهي سكون القلب وخلوه من
الإنزعاج والاضطراب والتقلب ثم إن كان بالسكون إلى الله والرضى عنه فهي
العافية الكاملة وإن كان بجريان الأسباب للموافقة فهي العافية العادية.
وفي الحديث: ما أعطى أحد بعد اليقين خيرا من العافية. فعافية العامة
سكونهم إلى الأسباب فإذا انخرمت اضطربت قلوبهم وتزلزلت لخراجها من نور
اليقين . وعافية الخاصة: سكونهم إلى مسبب الأسباب. فعافيتهم دائمة وربما
يزيد يقينهم إذا انخرمت الأسباب. كما قال بعضهم: نحن كالنجوم كلما اشتدت
الظلمة قوي نورنا. وقال ذو النون رضي الله عنه: لو كانت السماء من زجاج
والأرض من نحاس ومصر كلها عيالي ما اهتممت لهم برزق. وعافية خاصة الخاصة:
سكونهم إلى شهود الحق غائبين عن الأسباب وعدمها في بحر التوحيد وأسرار
التفريد. لا تنزل الهموم بساحتهم ولا تكدر صفاء مشربهم جعلنا الله منهم
آمين.
اليقين: وهو سكون القلب إلى الله بعلم لا يتغير ولا يتحول
ولا يتقلب ولا يزول عند هيجان المحركات أو ارتفاع الريب في مشاهدة الغيب
وعلامته ثلاث: رفع الهمة عن الخلق عند الحاجة وترك المدح في العطية
والتنزه عن ذمهم عند المنعة . فيقين العامة: بتوحيد أفعاله، فسكنوا إليه
في المنع والعطاء. ويقين الخاصة: بتوحيد صفاته، فرأوا الخلق موتى ليس
بيدهم حركة ولا سكون. ويقين خاصة الخاصة: بتوحيد ذاته. فشاهدوه في كل شيء
وعرفوه عند كل شيء ولم يشاهدوا معه شيئا. علم اليقين وعين اليقين وحق
اليقين. علم اليقين: ما كان ناشئا عن البرهان. وعين اليقين: ما نشأ عن
الكشف والبيان. وحق اليقين: ما نشأ عن الشهود والعيان. فعلم اليقين لأرباب
العقول من أهل الإيمان. وعين اليقين: لأرباب الوجدان من أهل الاستشراف على
العيان. وحق اليقين: لأهل الرسوخ والتمكين في مقام الإحسان. ومثال ذلك:
كمن سمع بمكة مثلا ولم يرها. فعنده علم اليقين بوجودها. فإذا استشرف عليها
ورآها ولم يدخلها فعنده عين اليقين فإذا دخلها وعرف طرقها وأماكنها فهذا
عنده حق اليقين وكذلك الناس في معرفة الحق تعالى. فأهل الحجاب استدلوا حتى
حصل لهم العلم اليقيني بوجود الحق . وأهل السير من المريدين المستشرفين
على الفناء في الذات حصل لهم عين اليقين حتى أشرفت عليهم أنوار المعاني
وغابت عنهم ظلال الأواني غير أنهم باقون في دهشة الفناء لم يتمكنوا من
دوام شهود الحق. فإذا تمكنوا من دوام شهوده ورسخت أقدامهم في معرفته حصل
لهم حق اليقين. وهذه نهاية النعمة. وغاية السعادة. جعلنا الله منهم بمنه
وكرمه.
النعمة: هي ملازمة الأفراح ومباعدة الأتراح وإصابة
الأغراض ونزاهة الأعراض. وهي على قسمين: نعمة ظاهرة كالصحة والعافية
والكفاية من الحلال . ونعمة باطنة كالإيمان والهداية والمعرفة. والناس في
النعمة الظاهرة على ثلاثة أقسام: قوم فرحوا بالنعمة لما لهم فيها من
المتعة فحجبوا بها عن المنعم وقوم فرحوا بالنعمة لإقبال المنعم عليهم حيث
ذكرهم بها. وقوم فرحوا بالنعم دون شيء سواه. (قل الله ثم ذرهم في خوضهم
يلعبون) فشكر الأولين يزول بزوالها وشكر الثالث دائم في السراء والضراء
وهذا شكر الخواص.
الفراسة: وهي خاطر يهجم على القلب أو وارد
يتجلى فيه لا يحظى غالبا إذا صفا القلب. وفي الحديث: اتقوا فراسة المؤمن،
فإنه ينظر بنور الله. وهي على حسب قوة القرب والمعرفة. فكما قوى القرب
وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة لأن الروح إذا قربت من حضرة الحق لا يتجلى
فيها غالبا إلا الحق وهي ثلاث مراتب: فراسة العامة، وهي كشف ما في ضمائر
الناس وما غاب من أحوالهم وهي فتنة في حق من لم يتخلق بأخلاق الرحمان.
وفراسة الخاصة وهي كشف أسرار المقامات والمنازلات والإطلاع على أنوار
الملكوت. وفراسة خاصة الخاصة: وهي كشف أسرار الذات وأنوار الصفات والغرق
في بحر أسرار الجبروت. وقال الكتاني: هي مكاشفة الحق، ومعانية الغيب. وقال
الواسطي: هي سواطع أنوار الذات وتمكين جملة السرائر في الغيوب من غيب إلى
غيب حتى يشهد الأشياء من حيث إشهاده الحق إياها فيتكلم على ضمائر الحق.
قلت: قوله: فيتكلم ..... إلى آخره ليس بشرط في فراسة الخاصة والله تعالى
أعلم.
الخلق: وهي ملكة تصدر عنه الأفعال بسهولة ثم إن كانت
الأفعال حسنه كالحلم والعفو والجود ونحوها سمي خلقا حسنا . وإن كانت سيئة
كالغضب والعجلة والبخل سمي خلقا سيئا. قال وهب: ما تخلق عبد بخلق أربعين
صباحا إلا جعل الله ذلك طبيعة فيه. فالخلق الحسن يكتسب والسيئ يجاهد حتى
يزول. والخلق الحسن يعدل الصيام والقيام وهي ثمرة التصوف . فمن لم يحسن خلقه فتصوفه أشجار بلا ثمار ومرجع حسن الخلق، ألا تغضب ولا تغضب ولا تبخل ولا تحقد وبالله التوفيق.
الجود
والسخاء والإيثار: فالجود من لا يصعب على صاحبه البذل، فمن أعطى البعض
وأبقى الأكثر فصاحب سخاء. ومن بذل الأكثر فصاحب جود. ومن قاسى الضراء وآثر
غيره فصاحب إيثار. فجود العامة: بالأموال . وجود الخاصة بالنفوس وجود خاصة
الخاصة بالأرواح ليبذلونها للموت بالمجاهدة ثم تحيا الحياة الأبدية
بالمشاهدة.
الفقر: وهو نقض اليد من الدنيا وصيانة القلب من إظهار
الشكوى ونعت الفقير الصادق ثلاثة أشياء: صيانة فقره وحفظ سره وإقامة دينه.
قال جعفر الخلدي: خدمت ستمائة شيخ، فما وجدت من شفى قلبي من أربع مسائل،
حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: سل عن مسائلك؟
فقلت: وما التوحيد؟ فقال: هو ترك التفكر في ذات الله، فكل ما أتى به الوهم
أو جلاه الفهم فربما عز وجل مخالف لذلك، فقلت: وما التصوف؟
فقال: ترك الدعاوي وكتمان المعاني. فقلت: وما الفقر؟ فقال: هو سر من أسرار
الله يودعه فيمن يشاء من عباده فمن كتمه فهو من أهله وزاده الله منه، ومن
باح به نفته الله عنه. قلت: جواب كل إنسان على قدر مقامه، كما قال عليه
السلام: خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون، فقوله عليه السلام في التوحيد
أعلاه: ترك التفكر في ذات الله، أي لأن التفكر في كنه الربوبية منهي عنه
إذ لا يدرك ، وأما التفكر في أسرار الربوبية وأنوار صفاتها فلا عبادة أعظم
منها. وقال عليه السلام في التوحيد: كل ما أتى به وهم...إلى آخره لا يدرك
إلا حس الكائنات فهو قصير والفهم بالذوق لا يدرك أسرار التوحيد، لأنها
خارجة عن الوهم ودرك العقل. فظهر معنى قوله عليه السلام: كل ما أتى به
الوهم... إلى آخره، وقوله عليه السلام في شأن الفقر : من كتمه فهو من
أهله، أي فيكون من السابقين ويزيده تعالى من أسراره وأنواره وهي حلاوة
المعاملة والمعرفة. يحكى عن أبي علي الدقاق: أنه جلس يوما مع بعض أصحابه
فكانت منه غفلة، حتى شكى ضيق حاله، فلما تفرق أصحابه، نام بعضهم فهتف به
هاتف وقال: بالله أبغ أبا عبد الله علي الدقاق ما أقول لك، ثم أنشد : قل
للرويجل من ذوي الأقدار الفقر من شيمة الأحرار(البيت الأول ناقص الوزن) إن
الذي ألبست من حلل التقى لو شاء ربك كنت عنها عار
الذكر: وهو إذا
أطلق ينصرف لذكر اللسان، وهو ركن قوي في طريق الوصول وهو منشور الولاية.
فمن ألهم الذكر فقد أعطي المنشور. ومن سلب الذكر فقد عزل. فذكر العامة:
باللسان. وذكر الخاصة: بالجنان. وذكر خاصة الخاصة: بالروح والسر؟، وهو
الشهود والعيان. فيذكر الله عند كل شيئ وعلى كل شيئ يعرف الله فيه. وهنا
يخص اللسان ويبقى كالمبهوت في محل العيان وبعد ذكر اللسان في هذا المقام
يكون ذلك ضعفا وبطالة ....
الوقت: قد يطلقونه على ما يكون العبد
عليه في الحال من قبض وبسط أو حزن أو سرور. وقال أبو علي الدقاق: الوقت ما
أنت به في الحال. فإن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا و‘ن كنت بالعقبى فوقتك
العقبى. يريد أن الوقت ما كان الغالب على الإنسان. وقد يعنون به الزمان
الذي بين الماضي والمستقبل. يقولون: إن الصوفي وقته. يريدون: أنه مشغل بما
هو أولى به في الوقت. لا يدبر في مستقبل ولا ماضي بل يهمه ما هو فيه. وكل
وقت له آداب يطلب فيه . فمن أخل بأدبه، مقته، ولذلك قيل: الوقت كالسيف،
فمن لآ ينه سلم ومن خاشنه قسم. وملاينته القيام بأدبه بوقت القهرية.
آدابه:
الرضى والتسليم تحت مجاري الأقدار. ووقت النعمة، آدابه: الشكر، ووقت
الطاعات، آدابه: شهود المنة من الله ، ووقت المعصية: التوبة والإنابة.
الحال والمقام: الحال معنى يرد على القلب من غير تعمل ولا اجتناب،ولا تسبب
ولا اكتساب. من بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج أو هيبة أو اهتياج. ويظهر
أثره على الجوارح قبل التمكين من شطح ورقص وسير وهيام. وهو أثر المحبة،
لأنها تحرك الساكن أولا ثم تسكن وتطمئن. ولذا قيل فيها: أولها جنون ووسطها
فنون وآخرها سكون. وقد يكتسب الحال بنوع تعمل كحضور حلق الذكر واستعمال
السماع وقد يطلب اكتسابه بخرق عوائد النفس حين يعتريها برودة وفتور، وفرق
وكسل. فينبغي أن يتحرك في تسخينها بما يثقل عليها من خرق العوائد وقد يطلق
الحال على المقام فيقال: فلان ضار عنده الشهود مثلا حالا، ومنه قول
المجذوب: حققت ما وجدت غير وأمسيت في الحال هان
وأما المقام: فهو ما
يتحقق العبد بمنازلته واجتهاده من الأدب وما يتمكن فيه من مقامات اليقين،
بتكسب وتطلب . فمقام كل أحد موضع إقامته، فالمقامات تكون أولا أحوالا حيث
لم يتمكن المريد منها لأنها تتحوصل ثم تصير مقامات بعد التمكين. كالتوبة
مثلا تحصل ثم تنقص حتى تصير مقاما وهي التوبة النصوح وهكذا بقية المقامات.
وشرطه: ألا يترقى مقاما حتى يستوفي أحكامه فمن لا توبة له، لا تصح له
إنابة ومن لا إنابة له لا تصح له استقامته. ومن لا ورع له لا يصح له زهد.
وهكذا. وقد يتحقق المقام الأول بالثاني، إذا ترقى عنه قبل أحكامه، إن كان
له شيخ كامل وقد يطوي عنه المقامات ويدسه إلى الفناء. إن رآه أهلا بتوقد
قريحته ورقة فطنته. فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب. هذا معنى المقام بفتح
الميم. وأما بالضم فمعناه الإقامة ولا يكمل لأحد منازلة مقام، إلا بشهود
إقامة الحق تعالى فيه. وفي الحكم: من علامات النجح في النهاية الرجوع إلى
الله في البداية وقال أيضا: من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.
.القبض والبسط: وهما حالتان بعد الترقي من حال الخوف والرجاء. فالقبض
للعارف بمنزلة الخوف المطالب. والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمريد. والفرق
بين الخوف والقبض وبين الرجاء أن الخوف متعلقه مستقبل، إما فوات محبوب أو
هموم محذور. بخلاف القبض، فإنه معنى يحصل في القلب ‘ما بسبب أو لا. وكذلك
الرجاء، يكون لانتظار محبوب في المستقبل. والبسط شيء موهوب يحصل في الوقت.
فحقيقة القبض: انكماش وضيق يحصل في القلب يوجب السكون والهدوء. والبسط:
انطلاق وانشراح للقلب يوجب التحرك والانبساط . ولكل واحد آداب مذكور في
المطولات.
الخواطر والواردات: الخواطر: خطابات ترد على القلب،
تكون بإلقاء ملك، أو شيطان أو حديث نفس. فإذا كان من الملك، فإلهام أو من
الشيطان فوسواس أومن النفس فهواجس. فما وافق الحق ودعا إلى اتباعه فمن
الملك وما وافق الباطل أو دعا إلى معصية غالبا فمن الشيطان. وقد يدعوا إلى
الطاعة حيث يترتب عنها معصية كالربا وحب المدح وما دعا إلى إتباع الشهرة
والدعة أي الراحة فمن النفس. قال أبو علي الدقاق: من أكل الحرام لم يفرق
بين الإلهام والوسواس وكذلك من كان قوته معلوما. وفرق الجنيد بين هواجس
النفس ووسواس الشيطان بأن ما دعت إليه النفس لا تنتقل عنه بل تعاوده مرة
بعد مرة، إلا بعد مجاهدة كبيرة ووسواس الشيطان ينتقل عنها، فإذا خالفته في
معصية انتقل لأخرى وربما يذهب بالتعود ونحوه ولذلك كانت النفس أخبث من
سبعين شيطانا. وأما الواردات: فهي ما يرد على القلوب من التجليات القوية
والخواطر المحمودة بما لا يكون للعبد فيه تكسب والفرق بين الخواطر
والواردات أن الواردات أعم من الخواطر لأن الخواطر تختص بنوع خطاب أو ما
يتضمن معناه. والواردات: تكون وارد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط
ووارد شوق ووارد خوف إلى غير ذلك من المعاني وقد يختطفه عن شاهد حسه وهو
قريب من الحال وقد يأتي الوارد بكشف غيب فيجب تصديقه إن صفا القلب من
كدرات الخواطر والله تعالى أعلم.
النفس والروح والسر:النفس عند
القوم: عبارة عما يذم من أفعال العبد وأخلاقه، فالأول ما كان من كسب العبد
كمعاصيه ومخالفته والثاني ما كان من جبلته وطبيعته، كالكبر والحسد والغضب
وسوء الخلق وقلة الاحتمال وغير ذلك من الأخلاق الذميمة، ينسب للنفس أدبا
مع الحق. والروح: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية.
والسر: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية للخواص
والسر لخواص الخواص، والنفس لأهل عالم الملك والروح لأهل عالم الملكوت
والسر لأهل عالم الجبروت. وسيأتي حقائقها. وهل النفس والروح والسر متعددات
في نفسها أو متحدة؟ وإنما تختلف التسمية باختلاف التصفية. قال بعضهم:
النفس لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المذمومة، كما أن الروح
لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المحمودة، ومحلها واحد، وهو
الإنسان، فالنفس والروح من الأجساد اللطيفة ، كالملائكة والشياطين. وهما
ساكنان في الإنسان فكما أن البصر محل الرؤية والأذن محل السمع والأنف محل
الشم من ذات واحدة فكذلك محل الأوصاف الذميمة النفس ومحل الأوصاف الحميدة
الروح وأما السر فهو لطيف مودع في القلب كالروح إلا أنه أشرف من الروح
لكمال صفائه. وقال الساحلي: النفس والقلب والروح والسر والباطن أسماء
لمسمى واحد، وهو اللطيفة الربانية التي كان الإنسان بها إنسانا وتختلف
أسماؤها باختلاف أوصافها، فإن مالت لجهة النقص سميت نفسا وإن تخلصت من
مقام الإسلام إلى مقام الإيمان سميت قلبا وإن تخلصت منه إلى مقام الإحسان
ولكن بقي فيها أثر النقص كأثر الجراحات بعد البرء سميت روحا، وإن ذهبت تلك
الأثر وصفيت سميت بالسر وإن أشكل الأمر سميت بالباطن والاختلاف في الروح
شهير. قال بعضهم: هي الحياة. وقال بعضهم: أعيان مودعة في هذه القوالب.
أجرى الله العادة بخلق الحياة في القالب ما دامت فيه. فاإنسان حي بالحياة،
ولكن الأرواح مودعة في القوالب، ولها ترق في حال النوم ومفارقة ورجوع هي
التي وقع بها النفخ. وأما النفس هي مخلوقة في الجنين قبل نفخ الروح. بها
يقع التحرك وهي ملازمة للبدن لا تفارقه إلا بالموت. فتخرج الروح أولا ثم
تنقطع النفس فتنقطع الحياة للإنسان. فالإنسان روح ونفس وجسد.
والحشر
للجملة وكذلك العقاب والثواب. والأرواح مخلوقة قبل الأبدان سارية فيها
سريان النار في الفحم والماء في العود الأرطب. قلت: هذه الأعيان المودعة
في القوالب هي اللطيفة الربانية اللاهوتية وهي التي تتطور وتختلف أسماؤها
باختلاف تطورها كما قال الربانية اللاهوتية. وهي التي تتطور وتختلف
أسماؤها باختلاف تطورها كما قال الساحلي والله أعلم.
وكون
الأرواح حادثة يجري على مذهب أهل الفرق وأما أهل الجمع فلا حادث عندهم
لفناء الكائنات عن نظرهم. قال الجنيد: إذا اقترن الحادث بالقديم، تلاشى
الحادث وبقي القديم وسألت بعض إخواننا العارفين: هل الأرواح حادثة أو
قديمة؟ فقال الرجال: الأشباح عندهم قديمة يشير إلى مقام الفناء كما تقدم
لكنه سر مكتوم.
النصر والتأييد والعصمة: النصر تقوية الجوارح على
فعل الخير والتأييد تقوية البصيرة من داخل في الباعث الباطني تأييد.
والبطش ومساعدة الأسباب من خارج نصر. وهو جامع الهداية التي مرجعها
للبصيرة العلمية الكاشفة. لما عليه الشيئ بحقيقته والرشد الذي مرجعه إلى
الإرادة الباعثة إلى جهة السعادة والتسديد الذي مرجعه إلى القوة على توجيه
الحركات إلى صوب المطلوب وتيسيرها عليه ويقرب من التأكيد الجامع لما ذكر.
العصمة:وهي
عبارة عن جود إلهي. يسنح في الباطن يقوى به الإنسان على تحري الخير وتجنب
الشر حتى يصير كصانع في باطنه غير محسوس. قاله الغزالي. فهذه ست حقائق:
الهداية والرشد والعصمة والتسديد والنصر والتأييد وقد علمت كلها من كلام
الغزالي رضي الله عنه. والتحقيق أن الهداية هي تصويب العبد إلى طريق توصله
إلى الحق وقد تطلق على بيانها فقط. والرشد: هو توجيه القلب إلى طريق
السعادة والتسديد: هو القدرة على سلوك طريق الخير وتجنب الشر. والعصمة: هو
جود إلهي إلى آخر ما تقدم.
الحكمة: وهي اتفاق الشيء وإبداعه ففي
العلم تحقيقه والعمل به. وفي الأقوال: إيجازه وتكثير معانيه . وفي العمل
إتقانه وإكماله. ويقال: نزلت الحكمة على ثلاث فرق: على ألسنة العرب، وأيدي
الصين، وعقول اليونان والله تعالى أعلم.
العقل: وهو نور يميز به
بين النافع والضار. ويحجز صاحبه عن ارتكاب الأوزار. أو نور روحاني تدرك به
النفس العلوم الضرورية والنظرية أو قوة مهيأة لقبول العلم. سمي عقلا. لأنه
يعقل صاحبه عما لا ينبغي وهو على قسمين: عقل أكبر وعقل أصغر. أما العقل
الأكبر فهو أول نور أظهره الله للوجود. ويقال له: الروح الأعظم ويسمى أيضا
القبضة المحمدية ومن نوره يمتد العقل الأصغر كامتداد القمر من نور الشمس.
فلا يزال نوره ينموا بالطاعة والرياضة والتطهير من الهوى حتى يدخل العبد
مقام الإحسان وتشرق عليه شمس العرفان فينطوي نوره في نور العقل الأكبر
كانطواء نور القمر عند طلوع الشمس. فيرى من الأسرار والغيوب ما لم يكن يره
قبل. لأن العقل الأصغر نوره ضعيف. لا يدرك إلا افتقار الصنعة إلى صانعها،
ولا يدري ما وراء ذلك. بخلاف العقل الأكبر فإنه يدرك الصانع القديم قبل
التجلي وبعده لصفاء نوره وشدة شعاعه. وفي بعض الأخبار: أول ما خلق الله
العقل، فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال : فوعزتي وجلالي
لا أجعلك إلا فيمن أحببت من عبادي. أو كما قال عليه السلام، والحديث متكلم
فيه. فالعقل الأكبر لا يناله إلا المحبون الذين اختارهم الله لمعرفته
الخاصة. وأما العقل الأصغر فيعطيه للخاص والعام. وهو على قسمين: عقل موهوب
وعقل مكسوب. فالموهوب هو الذي جعله الله فيه غريزة والمكسوب هو الذي يكتسب
بالتجارب والرياضات وارتكاب المحن. قال بعضهم: وعلامة الغقل ثلاث: تقوى
الله عز وجل وصدق الحديث وترك ما لا يعني وقال عليه السلام: ألا وإن من
علامة العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى
القبور والتأهب ليوم النشور. وقال بعض الحكماء: خير ما أعطى الإنسان، عقل
يزجره فإن لم يكن فحياء يمنعه. فإن لم يكن فمال يستره.
فإن لم
يكن فصاعقة تحرقه تستريح منه البلاد والعباد. وهل الأرواح قبل الأشباح كان
لها عقل أم لا؟ والتحقيق أنها كانت لها عقول مقتبسة من العقل الأكبر فلذلك
أقرت بالربوبية بل كانت علامة دراكة للإشياء كما قال ابن البناء: والمعرفة
والإدراك إنما يكونان بالعقل. فلما برزت لعالم الأشباح أزال الله منها ذلك
العقل الذي هو من العقل الأكبر وأنبت فيها العقل الأصغر عند اجتناب الولد
في البطن. فما زال ينموا إلى الحلم وقيل إلى الأربعين سنة فإذا اتصل العبد
بالطبيب عالجه حتى يوصله إلى العقل الأكبر فيكون صاحبه من الأولياء الكبار
وبالله التوفيق.
التوحيد: وهو على قسمين: توحيد البرهان وهو
إفراد الحق بالأفعال والصفات والذات من طريق البرهان. وتوحيد العيان وهو
إفراد الحق بالوجود في الأزل والأبد. قال الجنيد رضي الله عنه: هو معنى
تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم
abouimed-
- عدد المساهمات : 2452
العمر : 60
المكان : القصرين
المهنه : ولد القصرين و يرفض الذل
الهوايه : الحرية ضاهر و باطن
نقاط تحت التجربة : 15118
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى