الإيمان بالقضاء والقدر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإيمان بالقضاء والقدر
قال
تعالى:
كتب
عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن
تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا
شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا
تعلمون
[البقرة:216].
سبحان
من وسع علمه كل شيء، سبحان من جعل أمر
المؤمن كله خير ولن يكون العبد مؤمنا
حتى يؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره،
حلوه ومره.
فما
الإيمان بالقضاء والقد؟ وما هي أنواع
القدر؟ وما صفات المؤمن بقضاء الله
وقدره؟ وما أثر الإيمان بالقضاء
والقدر؟
أما
القضاء لغة فهو: الحكم، والقدر: هو
التقدير.
فالقدر:
هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في
علمه.
والقضاء:
هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه
وأوجده في الواقع.
وعلى
هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه:
الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان
بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة
سبحانه.
وينبغي
أن تعلم :
أن
مراتب الإيمان بالقضاء والقدر أربع:
العلم، والكتابة، والمشيئة، والإيجاد.
فالعلم:
أن تؤمن بعلم الله سبحانه بالأشياء قبل
كونها، قال تعالى:
وما
يعزب عن ربك من مثقال ذرة
[يونس:61].
والكتابة:
أن تؤمن أنه سبحانه كتب ما علمه بعلمه
القديم في اللوح المحفوظ، قال تعالى:
ما
أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم
إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك
على الله يسير
[الحديد:22].
والمشيئة:
أن تؤمن أن مشيئة الله شاملة فما من
حركة ولا سكون في الأرض ولا في السماء
إلا بمشيئته، قال تعالى:
وما
تشاءون إلا أن يشاء الله
[الإنسان:30].
الإيجاد:
أن تؤمن أن الله تعالى خالق كل شيء، قال
تعالى:
الله
خالق كل شيء
[الرعد:16].
لا
يجوز لأحد أن يحتج بقدر الله ومشيئته
على ما يرتكبه من معصية أو كفر، وقد
أورد رب العزة ذلك في كتابه ورد عليهم
فقال:
سيقول
الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا
ولا آباؤنا ولا حرمنا من شي كذلك كذب
الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل
عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون
إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون
[الأنعام:148].
وأما
أنواع الأقدار: فلقد قسم العلماء
الأقدار التي تحيط بالعبد إلى ثلاثة
أنواع :
الأول:
نوع لا قدرة على دفعه أو رده ويدخل في
ذلك نواميس الكون وقوانين الوجود، وما
يجري على العبد من مصائب وما يتعلق
بالرزق والأجل والصورة التي عليها وأن
يولد لفلان دون فلان.
قال
تعالى:
والشمس
تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز
العليم
[يس:38].
كل
نفس ذائقة الموت
[آل عمران:185].
ما
أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم
إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك
على الله يسير
[الحديد:22].
إن
ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر
[الرعد:26].
إذا
جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا
يستقدمون
[الأعراف:34]. في
أي صورة ما شاء ركبك
[الانفطار: 8].
ومن
ثم فهذا النوع من الأقدار لا يحاسب
عليه العبد لأنه خارج عن إرادته وقدرته
في دفعه أو رده.
الثاني:
نوع لا قدرة للعبد على إلغائه ولكن في
إمكانه تخفيف حدته، وتوجيهه ويدخل في
ذلك الغرائز والصحبة، والبيئة،
والوراثة.
فالغريزة
لا يمكن إلغاءها ولم نؤمر بذلك وإنما
جاء الأمر بتوجيهها إلى الموضع
الحلال، الذي أذن الشرع به وحث عليه
وكتب بذلك الأجر للحديث: ((وفي
بضع أحدكم أجر))([2]).
والصحبة
لا بد منها فالإنسان مدني بطبعه، وإنما
جاء الأمر بتوجيه هذا الطبع إلى ما
ينفع: يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين
[التوبة:119].
والبيئة
التي يولد فيها الإنسان ويعيش، لا يمكن
اعتزالها ولم نؤمر بذلك وإنما يقع في
القدرة التغير والانتقال إلى بيئة
أكرم وأطهر، والرجل الذي قتل تسعة
وتسعين نفسا أوصاه العالم حتى تصح
توبته أن يترك البيئة السيئة إلى بيئة
أكرم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا
فإن فيها أناسا يعبدون الله تعالى
فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك
فإنها أرض سوء([3]).
وهنا
لا يكون الحساب على وجود ما ذكرناه من
غريزة وصحبة وبيئة وإنما على كيفية
تصريفها وتوجيهها.
الثالث:
نوع للعبد القدرة على دفعها وردها، فهي
أقدار متصلة بالأعمال الاختيارية
والتكاليف الشرعية فهذه يتعلق بها
ثواب وعقاب وتستطيع ويدخل في قدرتك
الفعل وعدم الفعل معا، وتجد أنك مخير
ابتداءً وانتهاءً.
فالصلاة
والصيام باستطاعتك فعلها وعدم فعلها،
فإذا أقمتها أثابك الله وإذا تركتها
عاقبك، والبر بالوالدين باستطاعتك
فعله بإكرامهما وباستطاعتك عدم فعله
بإيذائهما.
وكذا
يدخل في ذلك رد الأقدار بالأقدار.
فالجوع
قدر وندفعه بقدر الطعام.
والمرض
قدر ونرده بقدر التداوي، وقد قيل: ((يا
رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى
نسترقي بها أترد من قدر الله شيئا؟
فقال رسول الله :
هي من قدر الله))([4]).
وهذا
النوع الثالث هو الذي يدخل دائرة
الطاقة والاستطاعة، وهنا يكون الحساب
حيث يكون السؤال: أعطيتك القدرة على
الفعل وعدم الفعل، فلِمَ فعلت (في
المعصية) ولِمَ لم تفعل (في الطاعة) كما
يدخل الجانب الثاني من النوع الثاني في
توجيه الأقدار كما ذكرنا في النوع
السابق فانتبه.
وأما
أثر الإيمان بالقضاء والقدر: فإن
الإيمان بالقضاء والقدر له آثار كريمة
منها:
الأول:
القوة: وذلك سر انتصار المسلمين في
معاركهم مع أعداء الله، ومعظمها كانوا
فيها قلة ولكنهم أقوياء بعقيدة
الإيمان بالقضاء والقدر حيث تربوا على
قوله تعالى:
قل
لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا
[التوبة:51]، وللحديث: ((من
سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على
الله))([6]).
يقول
أبو بكر لخالد بن
الوليد : (احرص على الموت
توهب لك الحياة).
ويبعث
خالد بن الوليد إلى رستم يقول له: (لقد
جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون
الحياة).
ثانيا:
العزة: فالمؤمن عزيز بإيمانه بالله
وقدره فلا يذل لأحد إلا لله سبحانه
لأنه علم وتيقن أن النافع الضار هو
الله، وأن الذي بيده ملكوت كل شيء هو
الله.
وأنه
لا شيء يحدث إلا بأمر الله:
ألا
له الخلق والأمر
[الأعراف:54]. فالخلق خلقه، والأمر أمره،
فهل بقي لأحد شيء بعد ذلك؟
ثالثا:
الرضى والاطمئنان: فنفس المؤمنة راضية
مطمئنة لعدل الله وحكمته ورحمته ويقول
عمر : (والله لا أبالي
على خير أصبحت أم على شر لأني لا أعلم
ما هو الخير لي ولا ما هو الشر لي).
وعندما
مات ولد للفضيل بن عياض رحمه الله: ضحك،
فقيل له: أتضحك وقد مات ولدك؟ فقال: ألا
أرضى بما رضيه الله لي.
وقد
ميز الله بين المؤمنين والمنافقين في
غزوة أحد، فالاطمئنان علامة، والقلق
وسوء الظن بالله علامة النفاق، قال
تعالى:
ثم
أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا
يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم
أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن
الجاهلية
[آل عمران:154].
رابعا:
التماسك وعدم الانهيار للمصيبة أو
الحدث الجلل، قال تعالى:
ما
أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن
بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم
[التغابن:11]. قال علقمة رحمه الله: هو
الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند
الله فيرضى ويسلم. وقال ابن عباس: (يهدي
قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه).
فلطم
الوجوه، وشق الجيوب، وضرب الفخذ،
وإهمال العبد لنظافة الجسد، وانصرافه
عن الطعام حتى يبلغ حد التلف، كل هذا
منهي عنه ومناف لعقيدة الإيمان
بالقضاء والقدر.
ولله
در الشاعر:
إذا
ابتليت فثق بالله وارض به
إن الذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم
لقدرته
ما لأمرىً حيلة فيما قضى الله
اليأس يقطع أحيانا بصـاحبه
لا تيأسـن فنعـم القـادر الله
خامسا:
اليقين بأن العاقبة للمتقين: وهذا ما
يجزم به قلب المؤمن بالله وقدره أن
العاقبة للمتقين، وأن النصر مع الصبر
وأن مع العسر يسرا، وأن دوام الحال من
المحال، وأن المصائب لا تعد إلا أن
تكون سحابة صيف لابد أن تنقشع وأن ليل
الظالم لابد أن يولي،
وأن الحق لابد أن يظهر، لذا جاء النهي
عن اليأس والقنوط:
ولا
تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح
إلا القوم الكافرون
[يوسف:87].
لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
[الطلاق:1]. كتب
الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي
عزيز
[المجادلة:21].
ibn_al_sa7aba-
- عدد المساهمات : 2987
العمر : 41
نقاط تحت التجربة : 14431
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
رد: الإيمان بالقضاء والقدر
السؤال:
هل كل ما يقع في هذا الكون هو بإرادة الله تعالى ؟ وإذا كان كذلك فكيف تقع الأشياء التي لا يحبها الله في ملك الله وبإرادته ؟.
الجواب:
الحمد لله
اعلم وفقك الله تعالى أن بعض الناس قد ضل
في باب القدر لأنهم ظنوا أن إرادة الله للفعل تقتضي محبته له فجرهم ذلك
إلى القول بأن أفعال الشر تقع بغير إرادة الله ، فنسبوا إلى الله العجز
والضعف حيث أثبتوا أنه يقع في ملكه ما لا يريد ، وبالتالي فقد يريد الشيء
ولا يقع ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ ، والحق أنه لا تلازم بين
ما يحبه الله ويريده شرعا ، وبين ما يقضيه ويريده ويقدره كوناً ويتضح ذلك
بالنقاط التالية :
أولاً: إرادة الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة على قسمين :
القسم الأول :
الإرادة الكونية القدرية :
وهي مرادفة للمشيئة ، وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء ؛ فالكافر
والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواء ؛ فالطاعات ، والمعاصي ، كلها
بمشيئة الرب ، وإرادته .
ومن أمثلتها قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ ) الرعد/11
وقوله : ( فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا
يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) الأنعام/125
القسم الثاني :
الإرادة الشريعة الدينية : وهي مختصة بما يحبه الله ويرضاه .
ومن أمثلتها قوله ـ تعالى ـ : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر ) البقرة/185
وقوله : ( وَاللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء/27 ، وقوله ( مَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ ) المائدة/6 .
ثانياً : الفرق بين الإرادتين : بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فروق تميز كل واحدة منهما عن الأخرى ، ومن تلك الفروق ما يلي :
1ـ الإرادة الكونية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه ، وبما لا يحبه ولا يرضاه .
أما الشرعية فلا تتعلق إلا بما يحبه الله ويرضاه فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة ، والإرادة الشرعية مرادفة للمحبة .
2ـ الإرادة الكونية قد
تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً ، وسائر الشرور ؛ لتحصل بسببها أمور
كثيرة محبوبة لله تعالى كالتوبة ، والمجاهدة ، والاستغفار .
أما الإرادة الشرعية فمقصودة لذاتها ؛ فالله تعالى أراد الطاعة وأحبها ، وشرعها ورضيها لذاتها .
3ـ الإرادة الكونية لابد من وقوعها ؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولا بد ، كإحياء أحد أو إماتته ، أو غير ذلك .
أما الإرادة الشرعية ـ كإرادة الإيمان من كل أحد ـ فلا يلزم وقوعها ، فقد تقع وقد لا تقع ، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين .
4ـ الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه ، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه .
5ـ الإرادتان تجتمعان
في حق المطيع ، فالذي أدى الصلاة ـ مثلاً ـ جمع بينهما ؛ وذلك لأن الصلاة
محبوبة لله ، وقد أمر بها ورضيها وأحبها ، فهي شرعية من هذا الوجه ،
وكونها وقعت دل على أن الله أرادها كوناً فهي كونية من هذا الوجه ؛ فمن
هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع .
وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر
، ومعصية العاصي ، فكونها وقعت فهذا يدل على أن الله شاءها ؛ لأنه لا يقع
شيء إلا بمشيئته ، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية
لا شرعية .
وتنفرد الشرعية في مثل إيمان
الكافر المأمور به ، وطاعة العاصي المطلوبة منه بدل معصيته ، فكونها
محبوبة الله فهي شرعية ، وكونها لم تقع ـ مع أمر الله بها ومحبته لها ـ
دليل على أنها شرعية فحسب ؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع .
هذه بعض الفوارق بين الإرادتين ، فمن عرف
الفرق بينهما سلم من شبهات كثيرة ، زلت بها أقدام ، وضلت بها أفهام ، فمن
نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً ومن نظر إلى
الشرع دون القدر أو العكس كان أعور
هل كل ما يقع في هذا الكون هو بإرادة الله تعالى ؟ وإذا كان كذلك فكيف تقع الأشياء التي لا يحبها الله في ملك الله وبإرادته ؟.
الجواب:
الحمد لله
اعلم وفقك الله تعالى أن بعض الناس قد ضل
في باب القدر لأنهم ظنوا أن إرادة الله للفعل تقتضي محبته له فجرهم ذلك
إلى القول بأن أفعال الشر تقع بغير إرادة الله ، فنسبوا إلى الله العجز
والضعف حيث أثبتوا أنه يقع في ملكه ما لا يريد ، وبالتالي فقد يريد الشيء
ولا يقع ـ تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ ، والحق أنه لا تلازم بين
ما يحبه الله ويريده شرعا ، وبين ما يقضيه ويريده ويقدره كوناً ويتضح ذلك
بالنقاط التالية :
أولاً: إرادة الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة على قسمين :
القسم الأول :
الإرادة الكونية القدرية :
وهي مرادفة للمشيئة ، وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها شيء ؛ فالكافر
والمسلم تحت هذه الإرادة الكونية سواء ؛ فالطاعات ، والمعاصي ، كلها
بمشيئة الرب ، وإرادته .
ومن أمثلتها قوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ ) الرعد/11
وقوله : ( فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا
يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) الأنعام/125
القسم الثاني :
الإرادة الشريعة الدينية : وهي مختصة بما يحبه الله ويرضاه .
ومن أمثلتها قوله ـ تعالى ـ : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر ) البقرة/185
وقوله : ( وَاللَّهُ
يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء/27 ، وقوله ( مَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ ) المائدة/6 .
ثانياً : الفرق بين الإرادتين : بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية فروق تميز كل واحدة منهما عن الأخرى ، ومن تلك الفروق ما يلي :
1ـ الإرادة الكونية تتعلق بما يحبه الله ويرضاه ، وبما لا يحبه ولا يرضاه .
أما الشرعية فلا تتعلق إلا بما يحبه الله ويرضاه فالإرادة الكونية مرادفة للمشيئة ، والإرادة الشرعية مرادفة للمحبة .
2ـ الإرادة الكونية قد
تكون مقصودة لغيرها كخلق إبليس مثلاً ، وسائر الشرور ؛ لتحصل بسببها أمور
كثيرة محبوبة لله تعالى كالتوبة ، والمجاهدة ، والاستغفار .
أما الإرادة الشرعية فمقصودة لذاتها ؛ فالله تعالى أراد الطاعة وأحبها ، وشرعها ورضيها لذاتها .
3ـ الإرادة الكونية لابد من وقوعها ؛ فالله إذا شاء شيئاً وقع ولا بد ، كإحياء أحد أو إماتته ، أو غير ذلك .
أما الإرادة الشرعية ـ كإرادة الإيمان من كل أحد ـ فلا يلزم وقوعها ، فقد تقع وقد لا تقع ، ولو كان لابد من وقوعها لأصبح الناس كلهم مسلمين .
4ـ الإرادة الكونية متعلقة بربوبية الله وخلقه ، أما الشرعية فمتعلقة بألوهيته وشرعه .
5ـ الإرادتان تجتمعان
في حق المطيع ، فالذي أدى الصلاة ـ مثلاً ـ جمع بينهما ؛ وذلك لأن الصلاة
محبوبة لله ، وقد أمر بها ورضيها وأحبها ، فهي شرعية من هذا الوجه ،
وكونها وقعت دل على أن الله أرادها كوناً فهي كونية من هذا الوجه ؛ فمن
هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع .
وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر
، ومعصية العاصي ، فكونها وقعت فهذا يدل على أن الله شاءها ؛ لأنه لا يقع
شيء إلا بمشيئته ، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية
لا شرعية .
وتنفرد الشرعية في مثل إيمان
الكافر المأمور به ، وطاعة العاصي المطلوبة منه بدل معصيته ، فكونها
محبوبة الله فهي شرعية ، وكونها لم تقع ـ مع أمر الله بها ومحبته لها ـ
دليل على أنها شرعية فحسب ؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع .
هذه بعض الفوارق بين الإرادتين ، فمن عرف
الفرق بينهما سلم من شبهات كثيرة ، زلت بها أقدام ، وضلت بها أفهام ، فمن
نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً ومن نظر إلى
الشرع دون القدر أو العكس كان أعور
ibn_al_sa7aba-
- عدد المساهمات : 2987
العمر : 41
نقاط تحت التجربة : 14431
تاريخ التسجيل : 07/05/2007
مواضيع مماثلة
» شبهة في القضاء والقدر وردُّها
» سلسلة الدروس الدينية
» همسات من رحلة الإيمان..
» لا يظهر على أحد شيء من نور الإيمان
» ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي
» سلسلة الدروس الدينية
» همسات من رحلة الإيمان..
» لا يظهر على أحد شيء من نور الإيمان
» ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى