روضة الأحاديث: رفع عن أمتي الخطأ
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
روضة الأحاديث: رفع عن أمتي الخطأ
عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استُكرهوا عليه ) ، حديث حسن رواه ابن
ماجة و البيهقي وغيرهما .
الشرح
كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها ، وتحاسب على جميع أفعالها ، دون أن تكون مبررات الجهل أو
النسيان شفيعةً لهم ، أو سببا في التجاوز عنهم ، في حين أن هذه الأغلال قد رُفعت
عن هذه الأمة ، استجابةً لدعائهم ، ورحمةً من الله بهم ، كما بيّن الله تعالى ذلك
في قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا
طاقة لنا به } ( البقرة : 286 ) ، وقوله سبحانه : {
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } (
الأحزاب : 5 ) .
والحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ، ويتجلّى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام
الشرعية في مختلف أبواب العلم ، حتى إن الإمام النووي رحمه
الله قال : " وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، لو جُمعت لبلغت مصنفا
" .
وصدق الإمام في ذلك ، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين : أن تكون صادرة عن قصد
واختيار من المكلف - وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به - ، أو
ألا يكون عمله مبنيا على القصد والاختيار ، وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ ،
وهو ما جاء الحديث ببيانه .
فأما الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء ، فيأتي فعله على غير مراده ، فهذا قد بينت الشريعة أن الله
قد تجاوز عنه ، ولم يؤاخذ صاحبه به .
ولعل من لطيف الأمثلة في هذا الباب ، ما ذكره البخاري و مسلم في غزوة خيبر ، لما تبارز الصحابي الجليل
عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك ، فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات ،
فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا
قتل نفسه فبطل بذلك عمله ، فذهب أخوه سلمة رضي
الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له : ( مالك ؟ ) فقال له : قالوا إن عامرا بطل عمله ، فقال : (
من قال ذلك ؟ ) ، فقال له : نفر من أصحابك ، فقال : ( كذب أولئك ، بل له الأجر مرتين ) ، ففي هذه الحادثة
لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه ، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته
عليه ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه .
على أن رفع الإثم والحرج عن المخطيء لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه ، خصوصا فيما يتعلق
بحقوق العباد ؛ لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ ، كما
بين الله تعالى ذلك في قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن
يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } ( النساء : 92 ) .
وأما النسيان : فقد
بينت الشريعة أنه معفو عنه ، ويشهد لذلك قوله تعالى : {
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة : 286 ) ، ومع ذلك فإن
الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقا ، فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها
متى ما ذكرها ، ومن نسي الوضوء ثم صلّى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة .
وثالث هذه الأحوال : الإكراه ، فقد يُكره العبد على فعل شيء لا يريده ، وحينئذٍ لا يقع عليه الإثم أو الحرج .
وقد أنزل الله تعالى قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالإيمان } ( النحل : 106 ) لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر ،
فكانت هذه الآية دليلا على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك .
وقد استثنى أهل العلم جملة من المسائل لا تدخل ضمن قاعدة رفع الحرج بالإكراه ، نحو قتل النفس المعصومة
أو الزنا ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب قواعد الفقه .
وحاصل الأمر ، فإن هذا الحديث من أوضح الأدلة على يُسر منهج الإسلام وسماحته ، كما إنه دليل على فضل هذه
الأمة على غيرها من الأمم ، حيث خفّف الله عنها ما كان على الأمم قبلها ، فلله
الحمد من قبل ومن بعد على نعمة الإسلام .
عليه وسلم قال : ( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ
والنسيان وما استُكرهوا عليه ) ، حديث حسن رواه ابن
ماجة و البيهقي وغيرهما .
الشرح
كانت الأمم السابقة تؤاخذ على أخطائها ، وتحاسب على جميع أفعالها ، دون أن تكون مبررات الجهل أو
النسيان شفيعةً لهم ، أو سببا في التجاوز عنهم ، في حين أن هذه الأغلال قد رُفعت
عن هذه الأمة ، استجابةً لدعائهم ، ورحمةً من الله بهم ، كما بيّن الله تعالى ذلك
في قوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا
ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا
طاقة لنا به } ( البقرة : 286 ) ، وقوله سبحانه : {
وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما } (
الأحزاب : 5 ) .
والحديث الذي بين أيدينا ما هو إلا مظهر من مظاهر رفع الأغلال والآصار عن أمة نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ، ويتجلّى ذلك إذا علمنا أن هذا الحديث يدخل فيه كثير من الأحكام
الشرعية في مختلف أبواب العلم ، حتى إن الإمام النووي رحمه
الله قال : " وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمة ، لو جُمعت لبلغت مصنفا
" .
وصدق الإمام في ذلك ، لأننا إذا تأملنا أفعال العباد فإنها لا تخلو من حالين : أن تكون صادرة عن قصد
واختيار من المكلف - وهذا هو الفعل العمد الذي يحاسب عليه صاحبه ويؤاخذ به - ، أو
ألا يكون عمله مبنيا على القصد والاختيار ، وهذا يشمل الإكراه والنسيان والخطأ ،
وهو ما جاء الحديث ببيانه .
فأما الخطأ ، فهو أن يريد الإنسان فعل شيء ، فيأتي فعله على غير مراده ، فهذا قد بينت الشريعة أن الله
قد تجاوز عنه ، ولم يؤاخذ صاحبه به .
ولعل من لطيف الأمثلة في هذا الباب ، ما ذكره البخاري و مسلم في غزوة خيبر ، لما تبارز الصحابي الجليل
عامر بن الأكوع رضي الله عنه مع مشرك ، فأراد عامر أن يقتل ذلك المشرك فرجعت ضربته على نفسه فمات ،
فتحدث نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامرا
قتل نفسه فبطل بذلك عمله ، فذهب أخوه سلمة رضي
الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فقال له : ( مالك ؟ ) فقال له : قالوا إن عامرا بطل عمله ، فقال : (
من قال ذلك ؟ ) ، فقال له : نفر من أصحابك ، فقال : ( كذب أولئك ، بل له الأجر مرتين ) ، ففي هذه الحادثة
لم يقصد هذا الصحابي أن يقتل نفسه ، بل كان يريد أن يقتل ذلك المشرك فجاءت ضربته
عليه ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن خطأه هذا معفو عنه .
على أن رفع الإثم والحرج عن المخطيء لا يعني بالضرورة عدم ترتب أحكام خطئه عليه ، خصوصا فيما يتعلق
بحقوق العباد ؛ لذلك يطالب المسلم بالدية والكفارة إذا قتل مسلما خطأ ، كما
بين الله تعالى ذلك في قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن
يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما } ( النساء : 92 ) .
وأما النسيان : فقد
بينت الشريعة أنه معفو عنه ، ويشهد لذلك قوله تعالى : {
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة : 286 ) ، ومع ذلك فإن
الأحكام الأخرى تترتب عليه كما أشرنا سابقا ، فمن نسي الصلاة فيجب عليه أن يقضيها
متى ما ذكرها ، ومن نسي الوضوء ثم صلّى فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة .
وثالث هذه الأحوال : الإكراه ، فقد يُكره العبد على فعل شيء لا يريده ، وحينئذٍ لا يقع عليه الإثم أو الحرج .
وقد أنزل الله تعالى قوله : { من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالإيمان } ( النحل : 106 ) لما أجبر المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه على قول كلمة الكفر ،
فكانت هذه الآية دليلا على نفي الحرج عن كل من كانت حاله كذلك .
وقد استثنى أهل العلم جملة من المسائل لا تدخل ضمن قاعدة رفع الحرج بالإكراه ، نحو قتل النفس المعصومة
أو الزنا ونحو ذلك مما ذكره أهل العلم في كتب قواعد الفقه .
وحاصل الأمر ، فإن هذا الحديث من أوضح الأدلة على يُسر منهج الإسلام وسماحته ، كما إنه دليل على فضل هذه
الأمة على غيرها من الأمم ، حيث خفّف الله عنها ما كان على الأمم قبلها ، فلله
الحمد من قبل ومن بعد على نعمة الإسلام .
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
رد: روضة الأحاديث: رفع عن أمتي الخطأ
barkallaho feek e5 esma3eel
taliani-
- عدد المساهمات : 134
العمر : 44
المكان : gafsa
الهوايه : ....
نقاط تحت التجربة : 11899
تاريخ التسجيل : 07/08/2008
رد: روضة الأحاديث: رفع عن أمتي الخطأ
بارك الله فيك
قفصية حرة-
- عدد المساهمات : 85
العمر : 43
المكان : الرديف درة المناجم
المهنه : استاذة رياضيات على الرف
الهوايه : *********
نقاط تحت التجربة : 11882
تاريخ التسجيل : 17/08/2008
رد: روضة الأحاديث: رفع عن أمتي الخطأ
بارك الله فيكم على المرور
وارجو الإستفادة من الأحاديث الشريفة
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
في روضة حديث: من عادى لي وليا
عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن
الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء
أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه ،
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،
ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه ) رواه
البخاري .
الشرح
حديثنا اليوم عن قوم اصطفاهم الله بمحبّته ، وآثرهم بفضله
ورحمته ، أولئك الذين اعتصموا بأسباب السعادة والنجاح ، واجتهدت نفوسهم في نيل
الرضا والفلاح ، ولم تملّ أبدانهم قطّ من طول العبادة ، فأفاض الله عليهم من
أنواره ، وجعل لهم مكانة لم يجعلها لغيرهم ، وتولاّهم بنصرته وتأييده ، أولئك هم
أولياء الله .
إنهم قوم عصمهم الله من مزالق الهوى والضلال ، فبشّروا
بالأمن والسعادة في الدنيا والآخرة : { ألا إن أولياء
الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62
– 63 ) ، وأنّى لهم أن يخافوا وقد آمنوا بالله وتوكّلوا عليه ؟ ، وأنّى لهم أن
يحزنوا وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، فأثمر إيمانهم عملا صالحا ، وسكينة في
النفس ، ويقينا في القلب .
ولقد بلغ من علو شأنهم ، وسمو قدرهم ، أن أعلن ربّ العزّة
الحرب على كل من أراد بهم سوءاً ، أو ألحق بهم أذى ، كما جاء في قوله صلى الله
عليه وسلم : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )
.
فانظر أيها القاريء الكريم كيف يدافع الله عن أوليائه
وأحبائه ، وكيف يمدّهم بالنصرة والتأييد ، ثم انظر كيف يتوعّد من عاداهم
بالحرب .
حينها تعلم أن الله تعالى لا يتخلى عن أوليائه أو
يتركهم فريسة لأعدائهم – ولو تأخّر هذا النصر وطالت مدّته - ؛ فهذه النصرة
وهذا التأييد إنما هو مرتبط بسنن الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، وسنّة الله
اقتضتْ أن يمهل الظالمين دون إهمالٍ لهم ، فإن تابوا وأنابوا ، وزالت عداوتهم
للصالحين ، تاب الله عليهم ، وإن أصرّوا على باطلهم ، وتمادوا في غيّهم ، فإنّ
الله يملي لهم استدراجاً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وبذلك ينتصر الله
لأوليائه ، ويجعل العاقبة لهم ، والغلبة على من عاداهم .
وإن بلوغ هذه المكانة شرف عظيم ، ونعمة كبرى يختصّ الله بها
من يشاء من عباده، وحق لنا أن نتسائل: ما الطريق الذي يعيننا على نيل هذه المرتبة
العظيمة ؟
لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أول طريق الولاية حين
قال : ( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما
افترضته عليه ) ، فهذه المنزلة لا تُنال حتى يرفع العبد شعار العبودية لله
، فيتقرب إليه أولا بما فرضه عليه من الأوامر ، ومايلزمه ذلك من مجانبة المعاصي
والمحرمات .
ثم ينتقل المؤمن إلى رتبة هي أعلى من ذلك وأسمى ، وهي
التودد إلى الله تعالى بالنوافل ، والاجتهاد في الطاعات ، فيُقبل على ربّه مرتادا
لميادين الخير ، يشرب من معينها ، ويأكل من ثمارها ، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان ،
والتي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
وحال المؤمن عند هذه الدرجة عجيب ، إذ يمتليء قلبه محبة
لربه وشوقا للقائه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، ومهابة وإجلالا لعظمته ، فما بالك
بعبد يقف بين يدي ربه وكأنه يراه رأي العين ، فلا تعجب من اليقين الذي يبلغه ،
والسمو الإيماني الذي يصل إليه .
حينها يكون ذلك المؤمن ملهماً في كل أعماله ، موفقاً
في كل أحواله ، فلا تنقاد جوارحه إلا إلى طاعة ، ولا ينساب إلى سمعه سوى
كلمات الذكر ، ولا يقع ناظره إلا على خير ، ولا تقوده قدماه إلا إلى ما يحبه الله
، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله
التي يمشي بها ) ، وجدير بعبد وصل إلى هذه الدرجة أن يجيب الله دعاءه ،
ويحقق سؤله ، ويحميه من كل ما يضره ، وينصره على عدوه .
ونزف إليك أيها القاريء الكريم شيئا من أخبار أولياء الله ،
وطرفا من مآثرهم ، فعن علي بن أبي فزارة قال :
" كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة ، فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي ، فأتيت فدققت عليه وهو
في دهليزه فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء ،
فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا
، فخرجت عجوز فقالت : قد تركته يدعو لها ، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ، فخرجت أمي
على رجليها تمشي " ، وعن عبيد الله بن أبي جعفر قال
: " غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر
- وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها
فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا
" .
لقد جمع الله تعالى لنا في كتابه شروط الولاية ، حين قال
تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62 – 63 ) ، ومن هنا قال من
قال من أهل العلم: " من كان مؤمناً تقيّاً ، كان لله وليّاً ".
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن
الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء
أحبّ إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه ،
فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ،
ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينّه ، ولئن استعاذني لأعيذنّه ) رواه
البخاري .
الشرح
حديثنا اليوم عن قوم اصطفاهم الله بمحبّته ، وآثرهم بفضله
ورحمته ، أولئك الذين اعتصموا بأسباب السعادة والنجاح ، واجتهدت نفوسهم في نيل
الرضا والفلاح ، ولم تملّ أبدانهم قطّ من طول العبادة ، فأفاض الله عليهم من
أنواره ، وجعل لهم مكانة لم يجعلها لغيرهم ، وتولاّهم بنصرته وتأييده ، أولئك هم
أولياء الله .
إنهم قوم عصمهم الله من مزالق الهوى والضلال ، فبشّروا
بالأمن والسعادة في الدنيا والآخرة : { ألا إن أولياء
الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62
– 63 ) ، وأنّى لهم أن يخافوا وقد آمنوا بالله وتوكّلوا عليه ؟ ، وأنّى لهم أن
يحزنوا وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؟ ، فأثمر إيمانهم عملا صالحا ، وسكينة في
النفس ، ويقينا في القلب .
ولقد بلغ من علو شأنهم ، وسمو قدرهم ، أن أعلن ربّ العزّة
الحرب على كل من أراد بهم سوءاً ، أو ألحق بهم أذى ، كما جاء في قوله صلى الله
عليه وسلم : ( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب )
.
فانظر أيها القاريء الكريم كيف يدافع الله عن أوليائه
وأحبائه ، وكيف يمدّهم بالنصرة والتأييد ، ثم انظر كيف يتوعّد من عاداهم
بالحرب .
حينها تعلم أن الله تعالى لا يتخلى عن أوليائه أو
يتركهم فريسة لأعدائهم – ولو تأخّر هذا النصر وطالت مدّته - ؛ فهذه النصرة
وهذا التأييد إنما هو مرتبط بسنن الله التي لا تتغيّر ولا تتبدّل ، وسنّة الله
اقتضتْ أن يمهل الظالمين دون إهمالٍ لهم ، فإن تابوا وأنابوا ، وزالت عداوتهم
للصالحين ، تاب الله عليهم ، وإن أصرّوا على باطلهم ، وتمادوا في غيّهم ، فإنّ
الله يملي لهم استدراجاً ، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وبذلك ينتصر الله
لأوليائه ، ويجعل العاقبة لهم ، والغلبة على من عاداهم .
وإن بلوغ هذه المكانة شرف عظيم ، ونعمة كبرى يختصّ الله بها
من يشاء من عباده، وحق لنا أن نتسائل: ما الطريق الذي يعيننا على نيل هذه المرتبة
العظيمة ؟
لقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أول طريق الولاية حين
قال : ( وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما
افترضته عليه ) ، فهذه المنزلة لا تُنال حتى يرفع العبد شعار العبودية لله
، فيتقرب إليه أولا بما فرضه عليه من الأوامر ، ومايلزمه ذلك من مجانبة المعاصي
والمحرمات .
ثم ينتقل المؤمن إلى رتبة هي أعلى من ذلك وأسمى ، وهي
التودد إلى الله تعالى بالنوافل ، والاجتهاد في الطاعات ، فيُقبل على ربّه مرتادا
لميادين الخير ، يشرب من معينها ، ويأكل من ثمارها ، حتى يصل إلى مرتبة الإحسان ،
والتي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (
الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
وحال المؤمن عند هذه الدرجة عجيب ، إذ يمتليء قلبه محبة
لربه وشوقا للقائه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، ومهابة وإجلالا لعظمته ، فما بالك
بعبد يقف بين يدي ربه وكأنه يراه رأي العين ، فلا تعجب من اليقين الذي يبلغه ،
والسمو الإيماني الذي يصل إليه .
حينها يكون ذلك المؤمن ملهماً في كل أعماله ، موفقاً
في كل أحواله ، فلا تنقاد جوارحه إلا إلى طاعة ، ولا ينساب إلى سمعه سوى
كلمات الذكر ، ولا يقع ناظره إلا على خير ، ولا تقوده قدماه إلا إلى ما يحبه الله
، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا
أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله
التي يمشي بها ) ، وجدير بعبد وصل إلى هذه الدرجة أن يجيب الله دعاءه ،
ويحقق سؤله ، ويحميه من كل ما يضره ، وينصره على عدوه .
ونزف إليك أيها القاريء الكريم شيئا من أخبار أولياء الله ،
وطرفا من مآثرهم ، فعن علي بن أبي فزارة قال :
" كانت أمي مقعدة من نحو عشرين سنة ، فقالت لي يوما : اذهب إلى أحمد بن حنبل فسله أن يدعو لي ، فأتيت فدققت عليه وهو
في دهليزه فقال : من هذا ؟ قلت : رجل سألتني أمي وهي مقعدة أن أسألك الدعاء ،
فسمعت كلامه كلام رجل مغضب فقال: نحن أحوج أن تدعو الله لنا ، فوليت منصرفا
، فخرجت عجوز فقالت : قد تركته يدعو لها ، فجئت إلى بيتنا ودققت الباب ، فخرجت أمي
على رجليها تمشي " ، وعن عبيد الله بن أبي جعفر قال
: " غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر
- وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها
فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا
" .
لقد جمع الله تعالى لنا في كتابه شروط الولاية ، حين قال
تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون } ( يونس : 62 – 63 ) ، ومن هنا قال من
قال من أهل العلم: " من كان مؤمناً تقيّاً ، كان لله وليّاً ".
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"هذا مذهب كلّه جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل"
إسماعيل- مشرف
- عدد المساهمات : 2980
العمر : 53
نقاط تحت التجربة : 16464
تاريخ التسجيل : 17/04/2008
مواضيع مماثلة
» روضة الهادي
» مطوية (خير أمتي قرني)
» إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء
» أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطه أمة قبلهم
» الموضوع خطير الأحاديث باطلة و ضعيفة
» مطوية (خير أمتي قرني)
» إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء
» أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطه أمة قبلهم
» الموضوع خطير الأحاديث باطلة و ضعيفة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى