النفس البشرية بين الفلسفة والقرآن الكريم
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
النفس البشرية بين الفلسفة والقرآن الكريم
النفس البشرية بين الفلسفة والقرآن الكريم (2)
ولنبحر الآن مع القرآن الكريم عبر بعض النصوص القرآنية التي ترد فيها كلمة النفس ومشتقاتها، وكلمة الروح ومشتقاتها :
1- النفس في القرآن الكريم مستقلة عن الحياة الجسدية .. قال تعالى : (
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها
الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الزمر :
39/42 - فأثناء النوم – كما يقول القرآن الكريم – تكون النفس خارج الجسد ،
وعلى الرغم من ذلك نرى أن جسد الإنسان لا يفقد الحياة والنمو .. وعلى
الرغم من استقلالية النفس عن الجسد في القرآن الكريم ، فإن القرآن الكريم
لم يغفل تعلق النفس بالإطلالة الحسية على عالم المادة من خلال الجسد ..
فالنفس تشتهي وتأكل عن طريق الجسد .. قال الله تعالى : ( أولم يروا أنا
نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا
يبصرون ) - السجدة : 32/ 27 –
2 – النفس الإنسانية موجودة قبل حلولها في الجسد ، فنفوس جميع
البشر دون استثناء موجودة منذ أخذ الله تعالى العهد والميثاق على الإنسان
في عالم ما وراء المادة والمكان والزمان .. لننظر إلى قول الله تعالى : (
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا
إنما أشرك آباؤنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) الأعراف
: 7/172-173- وموت النفس يكون بخروجها خروجا نهائيا من الجسد ، مع خروج
الحياة منه .. وتعود النفس إلى عالمها ما وراء المادة والمكان والزمان ،
ويعود الجسد إلى مادته التي خلق منها وهي التراب .. لننظر إلى قول الله
تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم
أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
وكنتم عن آياته تستكبرون ) الأنعام :6/93-
3 – النفس في القرآن الكريم لا تأتي مرتبطة – من بين جميع
المخلوقات – إلا بالإنسان ، فلا يوجد نص قرآني واحد يدل على أن للحيوانات
أنفسا .. بالإضافة إلى أن هناك إشارات تدل على أن النفس مسألة تخص الإنسان
فقط من بين جميع المخلوقات .. لننظر إلى قول امرأة العزيز في القرآن
الكريم : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي
غفور رحيم ) يوسف : 12/53 – إن العبارة القرآنية (إن النفس لأمارة بالسوء
) تشير إلى ارتباط النفس بالإنسان فقط ، لأن الحيوانات تشتهي بغريزتها ،
ولا يوجد لديها أمر بالسوء أو بغير السوء .. ولننظر إلى قول الله تعالى :
( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ
في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )
المائدة : 5 /32 -
إننا نرى ورود النفس في هذه الصورة القرآنية بصيغة النكرة ( نفساً
) التي تفيد الإطلاق ، وأنه من يقتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً .. فلو
كانت الذبابة نفساً فسيكون حكم من يقتلها كحكم من يقتل الناس جميعاً ..
وكما يؤكد القرآن الكريم فإن الإنسان هو من يُحاسب يوم القيامة ، لأنه هو
المكلف في الحياة الدنيا من بين جميع المخلوقات المحسوسة في هذه الدنيا ..
وورود كلمة النفس في النص التالي بالصيغة المطلقة التي تشمل كل نفس دليل
على أن النفس خاصة بالإنسان من بين المخلوقات الأخرى المحسوسة في هذا
الكون .. ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) ق : 50 /20 –
22 –
4 – ما يؤكد أن النفس جوهر مستقل عن المادة ، هو أن الإنسان بعد
الموت لا يحس بسيلان الزمن ، فالموت الذي يعني خروج النفس خروجاً نهائياً
من الجسد ، يعني أيضاً خروجها خروجاً نهائياً من إطار المكان والزمان ..
لننظر إلى النصوص القرآنية التالية :
- ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ... ) البقرة : 2/259
–( يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) الروم : 30 / 55 –
- ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) يونس : 10/ 45 –
5 – لما كانت النفس خاصة بالإنسان من بين المخلوقات المحسوسة ،
فإن العقل مسألة خاصة بالإنسان من بين هذه المخلوقات ، لأن قوة التعقل
ترتبط ارتباطاً كاملاً بالجانب المجرد للنفس .. ولذلك فعدم تعقل الإنسان
يجعله كالأنعام .. لننظر إلى قول الله تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون
أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ً) الفرقان : 25 /44 وترتبط
بالنفس أيضاً قوة الشهوة ( المجردة عن الغريزة ) والهوى .. لننظر إلى قول
الله تعالى :
- ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) الزخرف : 43 /71 –
- ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) النجم : 53 /23 –
6 – كما رأينا أن النفس بوجهها المجرد مستقلة عن الجسد وحياته ،
فإن الروح في القرآن الكريم مستقلة عن النفس وعن الجسد .. وكما رأينا أن
النفس تميز الإنسان عن باقي المخلوقات ، نرى أن الروح – كما يصورها القرآن
الكريم – تميز البشر عن بعضهم بعضاً .. فالروح في القرآن الكريم خاصة
بالمقربين من الله تعالى دون بقية البشر .. لننظر إلى النصوص القرآنية
التالية ...
- (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) النحل : 16 / 2
- (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاقِ ) غافر : 40 / 15 –
-
(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو
كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم
الإيمان وأيدهم بروحٍ منه..) المجادلة : 58 / 22 –
ففي الصورة
القرآنية الأخيرة نرى العبارة (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ
منه)، فالروح أُيد بها هؤلاء بعد أن كُتب الإيمان في قلوبهم ، وهذا دليلٌ
على أن الروح هي بمعنى الصلة والقربة من الله تعالى ويتم التأييد بها بعد
وقوع الإيمان الصادق . وما يؤكد أن الروح تعني الصلة الأمينة والقربة مع
الله تعالى ، هو وصف جبريل عليه السلام بالروح الأمين ، أي الصلة الأمينة
بين الله تعالى وبين البشر .. لننظر إلى قول الله تعالى .. ( نزل به الروح
الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) الشعراء : 26 / 193-194
ولما كانت كلمة الروح في القرآن الكريم تعني الصلة والقربة من
الله تعالى ، فإن إضافة هذه الكلمة لله تعالى أعطتها خصوصية خاصة بها ،
بأنها لا يعطيها إلا الله تعالى ، شأنها بذلك شأن المسائل التي أُضيفت إلى
الله تعالى ، كالبيت الحرام ، والناقة التي أُرسلت بينة مع صالح عليه
السلام .. لننظر إلى قول الله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن
طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) البقرة : 2 / 125
- ( قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية .. ) الأعراف : 7 /
73 وهذه الروح التي يؤيد بها الله تعالى المقربين منه ، نُفخت في آدم ،
وأُيد بها عيسى عليهما السلام .. لننظر إلى النصوص القرآنية التالية ..
- ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من صلصالٍ من حمإٍ مسنون
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )الحجر : 15 / 28-29
- ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) البقرة : 2 /
87 ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ
منه ) النساء : 4 / 171
وما يؤكد أن الروح تعني العطاء الخالص من الله تعالى ، صلةً وقربةً
منه .. هو النص القرآني التالي .. ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه
ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون )
يوسف : 12 / 87 إن الرَّوح من مشتقات الروح .. وواضحٌ أن العبارة القرآنية
( رَوح الله ) تعني مدد الله تعالى وصلته والقربة منه .. وفي النص القرآني
التالي نرى أن هذه القربة إلى الله تعالى لا ينالها بعد الموت إلا
المقربون .. ( فأما إن كان من المقربين فرَوحٌ وريحانٌ وجنة نعيم )
الواقعة : 56 / 88-89
وفرق القرآن الكريم بين الإرادة كقوة مجردة تنبع من النفس المجردة عن
المادة ، وبين المشيئة كقوة مادية ساحتها عالم الوجود المكاني والزماني ،
نتيجة تنفيذ الإرادة في هذا العالم الحسي .. وبما أن العالم المجرد الذي
تنتمي إليه النفس المجردة ، لا يقبل المتناقضات للمسألة الواحدة ، فإن
الإرادة كقوة تنبع من هذه النفس المجردة ترد في القرآن الكريم بجميع صيغها
بحيث لا تحمل المتناقضات للمسألة الواحدة .. فلا توجد عبارة قرآنية واحدة
ترد فيها مشتقات الإرادة بحيث يتم عطف مسألتين متناقضتين على هذه الإرادة
.. لننظر إلى قول الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
) البقرة : 2 /185
إننا نرى أن اليسر والعسر كمسألتين متناقضتين ارتبطتا بإرادتين
مستقلتين ، وذلك بورود كلمة يريد مرتين مرة لليسر ومرة للعسر .. أما
المشيئة كتفاعل مادي في هذا العالم الحسي الذي يحوي المتناقضات ، ترد في
القرآن الكريم أحياناً بحيث تحمل المشيئة الواحدة مسألتين متناقضتين ، أي
من الممكن عطف مسألتين متناقضتين على مشتق من مشتقات المشيئة في القرآن
الكريم .. لننظر إلى قول الله تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) الرعد :
13 / 39 ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) المدثر : 74 / 37
إننا نرى أن المحو والإثبات كمسألتين متناقضتين تم عطفهما على مشيئة
واحدة ، وكذلك الأمر بالنسبة للتقدم والتأخر ... وهكذا نرى أن القرآن
الكريم ميز بين ثلاثة عناصر مختلفة :
الجسد الحي : ويشترك فيه الإنسان مع الحيوان .
النفس : ويتميز بها الإنسان عن الحيوان .
الروح : ويتميز بها المقربون من الله تعالى عن باقي البشر .
هذه هي – حسب ما أرى – أهم الرؤى الفلسفية والحياتية لمسألة النفس ،
وأهم ما أدركته من وصف القرآن الكريم لهذه المسألة .. واعتبر هذه المحاضرة
باباً للحوار ، قد ندخل من خلاله إلى مفاهيم جديدة ، قد تكون أكثر إدراكاً
لمراد الوصف القرآني لمسألتي الروح والنفس ، وأكثر إحاطةً للرؤى الحياتية
والفلسفية لهذه المسألة ..
.
مهندس عدنان الرفاعي
سورية
ولنبحر الآن مع القرآن الكريم عبر بعض النصوص القرآنية التي ترد فيها كلمة النفس ومشتقاتها، وكلمة الروح ومشتقاتها :
1- النفس في القرآن الكريم مستقلة عن الحياة الجسدية .. قال تعالى : (
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها
الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الزمر :
39/42 - فأثناء النوم – كما يقول القرآن الكريم – تكون النفس خارج الجسد ،
وعلى الرغم من ذلك نرى أن جسد الإنسان لا يفقد الحياة والنمو .. وعلى
الرغم من استقلالية النفس عن الجسد في القرآن الكريم ، فإن القرآن الكريم
لم يغفل تعلق النفس بالإطلالة الحسية على عالم المادة من خلال الجسد ..
فالنفس تشتهي وتأكل عن طريق الجسد .. قال الله تعالى : ( أولم يروا أنا
نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا
يبصرون ) - السجدة : 32/ 27 –
2 – النفس الإنسانية موجودة قبل حلولها في الجسد ، فنفوس جميع
البشر دون استثناء موجودة منذ أخذ الله تعالى العهد والميثاق على الإنسان
في عالم ما وراء المادة والمكان والزمان .. لننظر إلى قول الله تعالى : (
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا
إنما أشرك آباؤنا وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) الأعراف
: 7/172-173- وموت النفس يكون بخروجها خروجا نهائيا من الجسد ، مع خروج
الحياة منه .. وتعود النفس إلى عالمها ما وراء المادة والمكان والزمان ،
ويعود الجسد إلى مادته التي خلق منها وهي التراب .. لننظر إلى قول الله
تعالى : ( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم
أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق
وكنتم عن آياته تستكبرون ) الأنعام :6/93-
3 – النفس في القرآن الكريم لا تأتي مرتبطة – من بين جميع
المخلوقات – إلا بالإنسان ، فلا يوجد نص قرآني واحد يدل على أن للحيوانات
أنفسا .. بالإضافة إلى أن هناك إشارات تدل على أن النفس مسألة تخص الإنسان
فقط من بين جميع المخلوقات .. لننظر إلى قول امرأة العزيز في القرآن
الكريم : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي
غفور رحيم ) يوسف : 12/53 – إن العبارة القرآنية (إن النفس لأمارة بالسوء
) تشير إلى ارتباط النفس بالإنسان فقط ، لأن الحيوانات تشتهي بغريزتها ،
ولا يوجد لديها أمر بالسوء أو بغير السوء .. ولننظر إلى قول الله تعالى :
( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ
في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )
المائدة : 5 /32 -
إننا نرى ورود النفس في هذه الصورة القرآنية بصيغة النكرة ( نفساً
) التي تفيد الإطلاق ، وأنه من يقتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً .. فلو
كانت الذبابة نفساً فسيكون حكم من يقتلها كحكم من يقتل الناس جميعاً ..
وكما يؤكد القرآن الكريم فإن الإنسان هو من يُحاسب يوم القيامة ، لأنه هو
المكلف في الحياة الدنيا من بين جميع المخلوقات المحسوسة في هذه الدنيا ..
وورود كلمة النفس في النص التالي بالصيغة المطلقة التي تشمل كل نفس دليل
على أن النفس خاصة بالإنسان من بين المخلوقات الأخرى المحسوسة في هذا
الكون .. ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) ق : 50 /20 –
22 –
4 – ما يؤكد أن النفس جوهر مستقل عن المادة ، هو أن الإنسان بعد
الموت لا يحس بسيلان الزمن ، فالموت الذي يعني خروج النفس خروجاً نهائياً
من الجسد ، يعني أيضاً خروجها خروجاً نهائياً من إطار المكان والزمان ..
لننظر إلى النصوص القرآنية التالية :
- ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ... ) البقرة : 2/259
–( يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ) الروم : 30 / 55 –
- ( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ) يونس : 10/ 45 –
5 – لما كانت النفس خاصة بالإنسان من بين المخلوقات المحسوسة ،
فإن العقل مسألة خاصة بالإنسان من بين هذه المخلوقات ، لأن قوة التعقل
ترتبط ارتباطاً كاملاً بالجانب المجرد للنفس .. ولذلك فعدم تعقل الإنسان
يجعله كالأنعام .. لننظر إلى قول الله تعالى : ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون
أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ً) الفرقان : 25 /44 وترتبط
بالنفس أيضاً قوة الشهوة ( المجردة عن الغريزة ) والهوى .. لننظر إلى قول
الله تعالى :
- ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) الزخرف : 43 /71 –
- ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) النجم : 53 /23 –
6 – كما رأينا أن النفس بوجهها المجرد مستقلة عن الجسد وحياته ،
فإن الروح في القرآن الكريم مستقلة عن النفس وعن الجسد .. وكما رأينا أن
النفس تميز الإنسان عن باقي المخلوقات ، نرى أن الروح – كما يصورها القرآن
الكريم – تميز البشر عن بعضهم بعضاً .. فالروح في القرآن الكريم خاصة
بالمقربين من الله تعالى دون بقية البشر .. لننظر إلى النصوص القرآنية
التالية ...
- (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) النحل : 16 / 2
- (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاقِ ) غافر : 40 / 15 –
-
(لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو
كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم
الإيمان وأيدهم بروحٍ منه..) المجادلة : 58 / 22 –
ففي الصورة
القرآنية الأخيرة نرى العبارة (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ
منه)، فالروح أُيد بها هؤلاء بعد أن كُتب الإيمان في قلوبهم ، وهذا دليلٌ
على أن الروح هي بمعنى الصلة والقربة من الله تعالى ويتم التأييد بها بعد
وقوع الإيمان الصادق . وما يؤكد أن الروح تعني الصلة الأمينة والقربة مع
الله تعالى ، هو وصف جبريل عليه السلام بالروح الأمين ، أي الصلة الأمينة
بين الله تعالى وبين البشر .. لننظر إلى قول الله تعالى .. ( نزل به الروح
الأمين على قلبك لتكون من المنذرين ) الشعراء : 26 / 193-194
ولما كانت كلمة الروح في القرآن الكريم تعني الصلة والقربة من
الله تعالى ، فإن إضافة هذه الكلمة لله تعالى أعطتها خصوصية خاصة بها ،
بأنها لا يعطيها إلا الله تعالى ، شأنها بذلك شأن المسائل التي أُضيفت إلى
الله تعالى ، كالبيت الحرام ، والناقة التي أُرسلت بينة مع صالح عليه
السلام .. لننظر إلى قول الله تعالى : ( وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن
طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) البقرة : 2 / 125
- ( قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية .. ) الأعراف : 7 /
73 وهذه الروح التي يؤيد بها الله تعالى المقربين منه ، نُفخت في آدم ،
وأُيد بها عيسى عليهما السلام .. لننظر إلى النصوص القرآنية التالية ..
- ( وإذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من صلصالٍ من حمإٍ مسنون
فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين )الحجر : 15 / 28-29
- ( وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ) البقرة : 2 /
87 ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ
منه ) النساء : 4 / 171
وما يؤكد أن الروح تعني العطاء الخالص من الله تعالى ، صلةً وقربةً
منه .. هو النص القرآني التالي .. ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه
ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون )
يوسف : 12 / 87 إن الرَّوح من مشتقات الروح .. وواضحٌ أن العبارة القرآنية
( رَوح الله ) تعني مدد الله تعالى وصلته والقربة منه .. وفي النص القرآني
التالي نرى أن هذه القربة إلى الله تعالى لا ينالها بعد الموت إلا
المقربون .. ( فأما إن كان من المقربين فرَوحٌ وريحانٌ وجنة نعيم )
الواقعة : 56 / 88-89
وفرق القرآن الكريم بين الإرادة كقوة مجردة تنبع من النفس المجردة عن
المادة ، وبين المشيئة كقوة مادية ساحتها عالم الوجود المكاني والزماني ،
نتيجة تنفيذ الإرادة في هذا العالم الحسي .. وبما أن العالم المجرد الذي
تنتمي إليه النفس المجردة ، لا يقبل المتناقضات للمسألة الواحدة ، فإن
الإرادة كقوة تنبع من هذه النفس المجردة ترد في القرآن الكريم بجميع صيغها
بحيث لا تحمل المتناقضات للمسألة الواحدة .. فلا توجد عبارة قرآنية واحدة
ترد فيها مشتقات الإرادة بحيث يتم عطف مسألتين متناقضتين على هذه الإرادة
.. لننظر إلى قول الله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
) البقرة : 2 /185
إننا نرى أن اليسر والعسر كمسألتين متناقضتين ارتبطتا بإرادتين
مستقلتين ، وذلك بورود كلمة يريد مرتين مرة لليسر ومرة للعسر .. أما
المشيئة كتفاعل مادي في هذا العالم الحسي الذي يحوي المتناقضات ، ترد في
القرآن الكريم أحياناً بحيث تحمل المشيئة الواحدة مسألتين متناقضتين ، أي
من الممكن عطف مسألتين متناقضتين على مشتق من مشتقات المشيئة في القرآن
الكريم .. لننظر إلى قول الله تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) الرعد :
13 / 39 ( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) المدثر : 74 / 37
إننا نرى أن المحو والإثبات كمسألتين متناقضتين تم عطفهما على مشيئة
واحدة ، وكذلك الأمر بالنسبة للتقدم والتأخر ... وهكذا نرى أن القرآن
الكريم ميز بين ثلاثة عناصر مختلفة :
الجسد الحي : ويشترك فيه الإنسان مع الحيوان .
النفس : ويتميز بها الإنسان عن الحيوان .
الروح : ويتميز بها المقربون من الله تعالى عن باقي البشر .
هذه هي – حسب ما أرى – أهم الرؤى الفلسفية والحياتية لمسألة النفس ،
وأهم ما أدركته من وصف القرآن الكريم لهذه المسألة .. واعتبر هذه المحاضرة
باباً للحوار ، قد ندخل من خلاله إلى مفاهيم جديدة ، قد تكون أكثر إدراكاً
لمراد الوصف القرآني لمسألتي الروح والنفس ، وأكثر إحاطةً للرؤى الحياتية
والفلسفية لهذه المسألة ..
.
مهندس عدنان الرفاعي
سورية
abouimed-
- عدد المساهمات : 2452
العمر : 60
المكان : القصرين
المهنه : ولد القصرين و يرفض الذل
الهوايه : الحرية ضاهر و باطن
نقاط تحت التجربة : 15118
تاريخ التسجيل : 28/01/2010
رد: النفس البشرية بين الفلسفة والقرآن الكريم
بسم الله الرحمان الرحيم
و نفس و ما سواها \ فالهمها فجورها و تقواها \ قد افلح من زكاها \ و قد خاب من دساها
صدق الله العظيم
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*الكلمة الطيبة كشجرة طيبة*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
اذا لم تكن شاهدا على عصرك ...و لم تقف في ساحة الكفاح الدائر بين الحق و الباطل ... و اذا لم تتخذ موقفا صحيحا من ذلك الصراع الدائر ... فكن ما تشاء : مصليا متعبدا في المحراب ام شاربا للخمر في الحانات ... فكلا الامران يصبحان سواء -
=======================
حامد عماري-
- عدد المساهمات : 2469
العمر : 54
نقاط تحت التجربة : 14461
تاريخ التسجيل : 29/07/2009
رد: النفس البشرية بين الفلسفة والقرآن الكريم
نقل مفيد وهادف بارك الله من كتب ومن نقل وبارك في من قرأ فوعى .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» حكم من سب الذات الإلهية والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم والإسلام
» تسأل والقرآن يجيب ....
» دورة الأخصائي المعتمد في الموارد البشرية: من المفهوم التقليدي إلى الشراكة في العمل:دورات فى الموارد البشرية مركز ITR
» دورة محلل الموارد البشرية المعتمد:دورات تدريبية فى الموارد البشرية مركز ITR
» النفس تبكي على الدنيا
» تسأل والقرآن يجيب ....
» دورة الأخصائي المعتمد في الموارد البشرية: من المفهوم التقليدي إلى الشراكة في العمل:دورات فى الموارد البشرية مركز ITR
» دورة محلل الموارد البشرية المعتمد:دورات تدريبية فى الموارد البشرية مركز ITR
» النفس تبكي على الدنيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى