وصف لقفصة بقلم رحالة

هذه شهادة لرحالة زار مدينة قفصة ونقل ما شاهده بكل أمانة ودقه .
وانا نقلتها لكم للفائدة
(قفصه
.مدينة من بلاد الجريد ، بينها وبين تقيرس مرحلة وهي كبيرة قديمة أزلية،
كان عليها سور صخر جليل باحكم صناعة جديد العمل في مرأى العين، يقال أن
الذي بناه شيبان غلام النمرود بن كنعان، وكان اسمه منقوشا على باب من
أبوابها. وكان لها أربعة أبواب ، وكان اسم قفصة مدينة الحنية لان فيها
بنيانا قديما<<مثل الحنية>>، فكانت تسمى بها . وهي متوسطة بين
القيروان وقابس ، وفي داخلها عيون كثيرة منها عينان كبيرتان معينتان ،
وليس لهما نظير في عذوبة مائهما وصفائه وكثرته أحداهما عند باب الجامع
الكبير تسمى بالراتب الكبير وهي عين عظيمة مبنية بالصخر الجليل من بنيان
الأول، سعتها نحو أربعين ذراعا في مثلها ، وفوقها عين اصغر منها تسمى رأس
العين ، وبينهما قنطرة من بنيان الأول ، ولا شك أن ماءهما واحد .وماء هذه
العين شديد الصفاء يرى قعر العين من أعلاها، وفيها الماء نحو سبع
قيم،والعين الأخرى تحت قصر قفصه وتسمى الطرميد يقصد( الطرميل )، عليه بناء
عجيب ،وبازائه مسجد يعرف بمسجد الحواريين،منبع هذه العين من حجر صلد من ثقب
يسع فيه إنسان ، وينبعث فيه الماء يقوةعظيمة وقد بني له صهريج عليه دكاكين
مبنية بالصخر الجليل وعليه أقباء وقد بني فوقه مسجد عظيم، فاذااجتمع ماء
هذه العين الكبيرة والتي عند الجامع جاء منها نهر كبير تطحن عليه ارحاء
كثيرة ، ويسقي نصف عابة قفصه ونصف أرضها ومزدرعاتها، والنصف الثاني من غابة
قفصه يسقى من عين عظيمة خارج المدينة تسمى عين المنستير ، وهي عين كبيرة
معينة عذية يخرج منها نهر كبير ، وهذه العين من أحسن ما رئي من العيون وهي
في جانب النهر الكبيرالمسمى بواد بايش << واد بياش>>وهو يشق
غابة قفصة ويسقي بعض بساتينها ، وهو نهر كبير مشهور يأتي من جبال شرقي
قفصةلكنه في أيام الصيف يقل جريانه ولا ينقطع وارض هذا الوادي كله تنشع
ماء، وفيه تورد العرب ابلها تحفر فيه أحساء فيخرج الماء عذبا معينا.
ولأهل
قفصة في سقي جناتهم هندسة عظيمة وبرسام شديد وتدقيق حساب، يقول أهل قفصة
... إذا رأيت قوما يتخاصمون وقد علا بينهم الكلام فاعلم انهم في أمر الماء،
وكان على احد أبوابها كتابة منقوشة في حجر من عمل الأول ترجمت فإذا هي
<< هذه بلد تحقيق وتدقيق وتدنيق >>. وكذلك ليس بافريقية حريم
أجمل من حريم قفصة ، مع ملاحة أخلاقهم ورخامة منطقهم .ويسمون الماء الذي
يخرج من المدينة فيسقي نصف جناتهم.. الماء الداخل . ويسمون الماءالذي
خارج المادينة وهو عين المنستير وماء وادي بياش .. الماء الخارج ولها مياه
غير هذه تسمى بالماء الصغير وهي عيون كثيرة بقرب المدينة تسقي بعض
جناتهم،وسقيهم بها بالساعات، فترى خدام تلك الجهة والبساتين اعرف بأوقات
النهار، اذا سالت رجلا منهم لا يفقه شيئا عنما مضى من ساعات النهار وقف
ونظر الى الشمس واكتال بقدميه في موضع ظله ويقول لك ... مضى كذا وكذا ساعة
وكذا وكذا سدس الساعة. وأهل قفصة يتنافسون في المياه كلها ويتبايعون سقيها
بأعلى ثمن وأكثرهم يتكلم باللسان اللاتيني الإفريقي.
ومدينة قفصه مركز
البلاد الدائرة بها.
ولها غابة كبيرة وقد احاصت بها من كل ناحية مثل
الإكليل في تكسير دائرتها نحو خمسة عشر ميلا،فيها من المنازل التي تعرف
بالقرى ثمانية عشر منزلا ، وعلى الغابة والمنازل والكل حائط يسمونه صور
الغابة ، وفي ذلك السور أبواب عظيمة عليها أبراج مسكونة يسمون تلك الابواب
الدروب، وغابة قفصه كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه التي ليس في الدنيا
مثلها، فيها تفاح عجيب جليل ذكي الرائحة يسمونه السوسي او < السدسي>
لا يوجد في بلد مثله وكذلك الرمان والاترج واللوز لا يوجد مثله في بلد
وفيها نوع من التمر يسمى الكسبا وليس في بلد مثله، وهو اكثر تمرهم يكون في
التمرة فتر في جرم بيض الدجاج تكاد تنفذها ببصرك لصفاء لونها ورقة بشرتها ،
وهم يجعلونها في ازيار فاذا اخرجوه منها بقي في قعر الزير عسل الذ من عسل
النحل واعظم وهم يسرفونه في طعامهم كما يسرف العسل وتعمل منه الحلاويات .
وقفصة اكثر البلاد فستقا، وليس بافريقية فسدق الا فيها ومنها يجلب الى بلاد
افريقية وبلاد المغرب والاندلس ومصر ،والذي يجلب من بلاد الشام صغير الجرم
ليس مثل القفصي، فان القفصي يكاد يكون في جرم اللوز وهو اذا كان في شجرته
اجمل شئ فانه يكون عناقيد مثل عناقيد العنب وهو ذكي الرائحة لا يقدر احدا
ان يسرق منه شيئا لانه تنم عليه رائحته .
وفي بساتين قفصة من الرياحين
كثير مثل الآس والياسمين والنارنج والنرجس والسوسن والبنفسجي وغير ذلك ،
ووردها اكثره ابيض وماؤه اذكى ماء يكون للورد يشبه الجوري الذي يجلب من
بلاد مصر . وتصنع بقفصة اردية وطيالسة وعمائم من صوف في نهاية من الرقة
تضاهي ثياب الشرب وتصنع بها اواني للماء من خزف تعرف بالريحية شديدة البياض
في نهاية من الرقة ليس يعلم لها نظير في جميع البلاد، ويضنع بها زجاج حسن
واواني حنتهم عجيبة واواني مذهبة غريبة وهي حاظرة في جميع امورها واهلها
ذوو يسار وفيهم خير كثير ، ولهم صداقات وهم يعظمون يوم عاشوراء تعظيما
كثيرا وهو عندهم مثل الاعياد ولهم فيه صدقات وكساء للمساكين .
وكانت
مدينة قفصة اعظم بلاد افريقية نظرا، كان حواليها نحو مأتي قصر آهلة عامرة
فيها الاشجار والنخل والزيتون والفسدق وجميع الاشجار وفيها العيون والانهار
والابار تسمىقصور قفصة