الميراث بالتقدير :
صفحة 1 من اصل 1
الميراث بالتقدير :
الميراث بالتقدير :
يشتمل الميراث بالتقدير على مواضيع عديدة منها : ميراث الحمل بتقديره حيا أو ميتا ، ذكرا أو أنثى أو توائم ، و ميراث الخنثى : خنثى ذكر أو خنثى أنثى أو خنثى مشكل ، و ميراث المفقود بتقديره حيا أو ميتا .
كل هذه المواضيع يتناوله الميراث بالتقدير الذي يعتبر شيئا نظريا أكثر منه تطبيقيا إلا أن هذا لا يمنع من التكلم عنه نظرا لمشروعيته .
أولا : ميراث الحمل :
الحمل لغة : بالفتح اسم لما في البطن ، أما بالكسر فهو الشيء المحمول .
الحمل شرعا : الحمل هو الجنين الذي لا زال في بطن أمه في المدة ما بين العلوق و الولادة .
شروط ميراث الحمل :
1) أن يكون الحمل حيا و موجودا وقت وفاة مورثه : و هذا شرط عام في جميع الورثة ـ سبق و أن تطرقنا إليه في درس " شروط الميراث " .
2) أن يولد الجنين حيا أو استهلال الجنين صارخا بعد خروجه من بطن أمه ، و ذلك لما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : (( من السنة لا يرث المنفوس و لا يورث حتى يستهل صارخا )) .
أقل مدة للحمل :
اتفق جميع الفقهاء على أن أقل مدة للحمل لا تقل عن الستة أشهر إلا ما لحق بها كاليوم و اليومين و الثلاثة ، و هذه المدة مستنبطة من قوله تعالى : (( و فصاله في عامين )) لقمان 14 ، و من قوله تعالى : (( و حمله و فصاله ثلاثون شهرا)) الأحقاف 15 .
و بطرح الحولين ( 24 شهرا ) و هي مدة الرضاع من الثلاثين و هي مدة الحمل و الرضاع ، تكون الباقية هي مدة الحمل فقط هي ستة أشهر .
كما روي أن رجلا تزوج امرأة فولدت ولدا لستة أشهر فهمّ عثمان ـ رضي الله عنه ـ برجمها فقا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " أما أنها لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم ، قال الله تعالى : (( و حمله و فصاله ثلاثون شهرا )) و قال عز وجل (( و حمله و فصاله ثلاثون شهرا )) فإذا ذهب للفصال عامان لم يبق للحمل إلا ستة أشهر )) " فدرأ عثمان ـ رضي الله عنها الحد و أثبت النسب .
أقصى مدة للحمل :
لم يحدث حولها أيّ اتفاق و ذلك لعدم ورود أيّ نص قرآني أو حديث نبوي صحيح معتمد في ذلك ، فاجتهد كل واحد و أقر ما صح عنده من أثر يروى عن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أخبار الناس الموثوق بهم بأن فلان ولد بعد حمل استمر كذا من السنين ، و لم يكن لديهم من الأدلة الدامغة إلا هذه الأخبار ، و لعل مرد ذلك يرجع إلى مسألة الحمل المستكن الذي يطول بقاؤه في بطن أمه ، فذهب الحنفية إلى أن مدة الحمل هي سنتين ، و أما الشافعية و بعض المالكية فقدروها بأربع سنوات ، و ذهب بعض من المالكية إلى أن مدة الحمل سبع سنين ، و ذهب محمد بن الحكم و هو من فقهاء المالكية إلى أن مدة الحمل سنة قمرية ـ و هذه مدة معقولة و مقبولة ـ و قد أسس رأيه هذا على الغالب المألوف و بما جرت به العادات و ما أقرته التجارب .
أما نحن في الوقت الحاضر و نظرا لتقدم الطب فلا ضير إذا أخذنا برأي الطب من أهل الاختصاص في تحديد مدة الحمل حتى يزال الشك و يختصر الوقت ، و في قانون الأسرة عندنا أخذ بمدة عشرة أشهر .
صور الحمل في الميراث :
إذا كان الحمل وارثا فإنه لا يخلو أمره من أحد صور أربعة :
الصورة الأولى : أن يكون الحمل وارثا على أساس الذكورة و على أساس الأنوثة و لكن يختلف ميراثه من تقدير إلى تقدير :
ففي هذه الحالة تحل المسألة حلين أيهما أحسن له ترك له ، الحل الأول على أساس أن الحمل ذكر ، و الحل الثاني على أساس أن الحمل أنثى ، بينما بقية الورثة فإنهم يعاملون بأسوأ نصيب مع الحمل .
مثال : هلك و ترك : زوجة و أما حاملا من أبيه ، و ترك 156000 ريالا .
أ ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل ذكرا :
الزوجة :ــــــ 1/4
الأم :ــــــــ 1/3
الحمل ( أخ شقيق ) : الباقي تعصيبا
أصل المسألة : 12
الزوجة :ــــــ 3
الأم :ــــــــ 4
الحمل ( أخ شقيق ) : 5
قيمة السهم : 156000 : 12 = 13000 ريال .
نصيب الزوجة : ـــــ 13000 * 3 = 39000 ريال .
نصيب الأم : ـــــــ 13000 * 4 = 52000 ريال .
نصيب الحمل ( أخ شقيق ) : 13000 * 5 = 65000 ريال .
ب ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل أنثى :
الزوجة :ـــــــ 1/4
الأم :ـــــــــ 1/3
الحمل ( أخت شقيقة ) : 1/2
أصل المسألة : 12
الزوجة :ــــــ 3
الأم :ــــــــ 4
الحمل ( أخت شقيقة ) : 6
نلاحظ أن أصل المسألة ( 12 ) و عالت إلى ( 13 )
قيمة السهم : 156000 : 13 = 12000 ريال .
نصيب الزوجة : ـــــ 12000 * 3 = 36000 ريال .
نصيب الأم : ـــــــ 12000 * 4 = 48000 ريال .
نصيب الحمل ( أخت شقيقة ) : 12000 * 6 = 72000 ريال .
و بالمقارنة بين الحالتين نجد أن أفضل نصيب للحمل هو على أساس تقدير أن الحمل أنثى ( 72000 ريال ) و بالتالي نقسم التركة على أساس أن الحمل أنثى ، فإن جاء أنثى أخذت 72000 ريال ، و إن جاء ذكرا أخذ 65000 ريال ، و يبقى 7000 ريال للزوجة منها 3000 ريال تكملة لنصيبها و هو 39000 ريال ، و للأم 4000 ريال تكملة لنصيبها و هو 52000 ريال .
الصورة الثانية : أن يرث على كلا التقديرين و لا يختلف نصيبه :
كأن يكون الحمل " ولدا لأم " ففي هذه الحالة يترك له نصيبه و يعطى الباقون أنصبتهم .
مثال : هلك و ترك زوجة و أختين شقيقتين و أما ( حاملا من غير أبه )، و ترك 900 هكتار .
أ ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل ذكرا :
الزوجة : ـــــ 1/4 لانعدام الفرع الوارث مطلقا .
الأم : ـــــــ 1/6 لوجود العدد من الإخوة .
الأختين الشقيقتين : 2/3 لتعددهما و انعدام المعصب لهما .
الحمل ( أخ لأم ) : 1/6 لانفراده و انعدام من يحجبه .
أصل المسألة : 12
الزوجة : ـــــ 3
الأم : ـــــــ 2
الأختين الشقيقتين : 8
الحمل ( أخ لأم ) : 2
أصل المسألة ( 12 ) و عالت إلى ( 15 ) .
قيمة السهم : 900 : 15 = 60 هكتارا .
نصيب الزوجة : 60 * 3 = 180 هكتار .
نصيب الأم : 60 * 2 = 120 هكتار .
نصيب الأختين الشقيقتين : 60 * 8 = 480 هكتار .
نصيب الحمل ( أخ لأم ) : 60 * 2 = 120 هكتار .
ب ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل أنثى :
الزوجة : ـــــ 1/4 لانعدام الفرع الوارث مطلقا .
الأم : ـــــــ 1/6 لوجود العدد من الإخوة .
الأختين الشقيقتين : 2/3 لتعددهما و انعدام المعصب لهما .
الحمل ( أخت لأم ) : 1/6 لانفرادها و انعدام من يحجبها .
أصل المسألة : 12
الزوجة : ـــــ 3
الأم : ـــــــ 2
الأختين الشقيقتين : 8
الحمل ( أخت لأم ) : 2
أصل المسألة ( 12 ) و عالت إلى ( 15 ) .
قيمة السهم : 900 : 15 = 60 هكتارا .
نصيب الزوجة : 60 * 3 = 180 هكتار .
نصيب الأم : 60 * 2 = 120 هكتار .
نصيب الأختين الشقيقتين : 60 * 8 = 480 هكتار .
نصيب الحمل ( أخت لأم ) : 60 * 2 = 120 هكتار .
فنلاحظ أن الحمل أخذ على أساس كونه ذكرا 120 هكتارا ، و أخذ على أساس أنه أنثى 120 هكتارا ، و بالتالي تقسم التركة فيأخذ الورثة نصيبهم ، و يترك نصيب الحمل .
بسم الله الرحمن الرحيم
الصورة الثالثة : أن يرث على أحد التقديرين دون الآخر:
و في هذه الحالة يترك له نصيبه على أساس أنه وارث ، فإذا ما تبين أنه وارث أخذ ما ترك له ، و إن تبين أنه ليس بوارث رد ما ترك له إلى بقية الورثة .
مثال1 : هلك عن أم و جدة هي أم أب حاملا و ترك 9000 ريال .
الأم : ـــــــ 1/3 لانعدام الفرع الوارث مطلقا ، و انعدام العدد من الإخوة .
الجدة : ــــــ محجوبة بالأم .
الحمــل ( عم ) : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 3
الأم : ـــــ1
الحمل ( عم ) :2
قيمة السهم : 9000 : 3 = 3000 ريال .
نصيب الأم : ـــــ 1 * 3000 = 3000 ريال .
نصيب الحمل ( عم ) : 2 * 3000 = 6000 ريال .
أما إذا كان الحمل أنثى ( عمة ) فهي غير وارثة أصلا لأنها معتبرة من ذوي الأرحام .
مثال 2 : هلكت عن زوج و بنت و أب و أم و زوجة ابن حامل ، و تركن 19500 ريال .
أ ـ حل المسألة على أساس كون الحمل أنثى :
الزوج : 1/4 لوجود الفرع الوارث .
البنت : 1/2 لانفرادها و انعدام من يعصبها .
الأب : 1/6 + الباقي تعصيبا لوجوده مع الفرع الوارث المؤنث فقط .
الأم : 1/6 لوجود الفرع الوارث .
الحمل (بنت ابن ) : 1/6 تكملة للثلثين ، لوجودها مع بنت صلبية واحدة .
أصل المسألة : 12
الزوج : 3
البنت : 6
الأب : 2
الأم : 2
الحمل ( بنت ابن) : 2
أصل المسألة (12 ) و عالت إلى ( 15 ) .
قيمة السهم : 19500 : 15 = 1300 ريال .
نصيب الزوج : 3 * 1300 = 3900 ريال .
نصيب البنت : 6 * 1300 = 7800 ريال .
نصيب الأب : 2 * 1300 = 2600 ريال .
نصيب الأم : 2 * 1300 = 2600 ريال .
نصيب الحمل ( بنت ابن ) : 2 * 1300 = 2600 ريال .
ب ـ حل المسألة على أساس كون الحمل ذكر :
الزوج : 1/4 لوجود الفرع الوارث .
البنت : 1/2 لانفرادها و انعدام من يعصبها .
الأب : 1/6 لوجوده مع الفرع الوارث .
الأم : 1/6 لوجود الفرع الوارث .
الحمل (ابن ابن ) : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 12
الزوج : 3
البنت : 6
الأب : 2
الأم : 2
الحمل ( ابن ابن) : لم يبق له شيء من الميراث ليرثه
أصل المسألة (12 ) و عالت إلى ( 13 ) .
قيمة السهم : 19500 : 15 = 1500 ريال .
نصيب الزوج : 3 * 1500 = 4500 ريال .
نصيب البنت : 6 * 1500 = 9000 ريال .
نصيب الأب : 2 * 1500 = 3000 ريال .
نصيب الأم : 2 * 1500 = 3000 ريال .
نصيب الحمل ( ابن ابن ) : لا شيء له .
نلاحظ أن الحمل على أساس كونه أنثى ورثت 2600 ريال ، و على أساس كونه ذكرالم يرث شيئا ، و عليه فإننا نحفظ نصيب الحمل على أساس أنه أنثى ، فإذا تبين أن الحمل بعد الولادة أنثى أخذت نصيبها ، و إن تبين بأنه ذكر فإنه غير وارث لعدم بقاء أي شيء له و نقوم بتقسيم 2600 ريال على الورثة حسب النقص ، فنكمل للزوج 600 ريال حتى يصير نصيبه 4500 ريال ، و للبنت 1200 ريال حتى يصبح نصيبها 9000 ريال ، و للأب 400 ريال حتى يصير 3000 ريال ، و للأم 400 ريال حتى يصير 3000 ريال .
أثر الحمل على الورثة :
الورثة مع الحمل و قبل اتضاح أمره لا يخلو حالهم و لا يخرج عن أحد أمور أربع :
الحالة الأولى : أن يكون الشخص وارثا مع الحمل بكلا التقديرين دون نقصان :
كمن يتوفى و يترك : زوجة حاملا و ابنا ، حيث نصيب الزوجة في هذه الحالة لا يتغير سواء أكان الحمل ذكرا أو أنثى و هو الثمن و بالتالي فلا حرج في إعطاء الزوجة نصيبها .
الحالة الثانية : أن يكون الشخص وارثا على كلا التقديرين و لكن يختلف نصيبه من تقدير لآخر :
و في هذه الحالة يعطى الورثة أسوأ النصيبين ، كمن يتوفى و يترك : زوجة حاملا و أبا ، فنصيب الزوجة هو الثمن سواء كان الحمل ذكرا أو أنثى و بالتالي لا حرج في إعطائها نصيبها ، بينما الأب يتغير نصيبه ، ففي حالة كون الحمل ذكرا يكون نصيب الأب هو السدس فقط ، و في حالة كون الحمل أنثى أخذ السدس + الباقي تعصيبا .
و عليه لا حرج في أن يأخذ الأب نصيبه و هو السدس على أساس كون الحمل ذكرا ، و يترك ما بقي إلى حين التأكد من الحمل فإن كان الحمل ذكرا فقد أخذ الأب نصيبه ، و إن كان أنثىأخذ الأب ما بقي بعد أخذ الأنثى لنصيبها .
الحالة الثالثة : أن يكون الشخص وارثا على تقدير للحمل دون آخر :
ففي هذه الحالة لا يعط الشخص شيئا حتى يتبين كونه وارثا من عدمه ، كمن توفي و ترك : زوجة حاملا و أختا شقيقة ، فلو كان الحمل ذكرا ( ابن ) حجبت الأخت الشقيقة ، و لو كان أنثى ( بنت ) لورثت الأخت الشقيقة تعصيبا مع الغير ، و بالتالي لا تعط الأخت الشقيقة شيئا حتى يتضح أمر الحمل .
الحالة الرابعة : أن يكون الشخص الوارث مع الحمل ليس له نصيبا مقدرا بل وارث بالتعصيب :
ففي هذه الحالة لا يعط الشخص شيئا بل يترك حتى يتبين أمر الحمل ، كمن توفي و ترك : زوجة حاملا و ابنا ، فتأخذ الزوجة نصيبها و يوقف الباقي حتى يتضح أمر الحمل ذكرا كان أو أنثى ، فإن تبين أن الحمل ذكر ورث و أخوه التركة مناصفة ، و إن كان الحمل أنثىورثت و أخاها التركة على أساس للذكر مثل حظ الأنثيين .
الميراث بالتقدير : ثانيا : ميراث المفقود
المفقود لغة : بمعنى الضائع ، يقال : فقدت الشيء إذا عدمته أو أضعته ، كقول العرب " فاقد الشيء لا يعطيه " ، و قوله تعالى : (( قالوا نفقد صواع الملك ...)) يوسف 72 .
المفقود شرعا : هو الغائب الذي انقطع خبره و خفي أثره و جهل مكانه و لا تعرف حياته أو مماته .
حكم المفقود :
جعل الفقهاء للمفقود أحكاما : فلا تزوّج امرأته ، و لا يورّث ماله و لا يتصرف في استحقاقه إلى أن يعلم حاله و يظهر أمره من موت أو حياة ، أو تمضي مدّة يغلب على الظن أنه مات فيها و يحكم القاضي بموته ، فقد أثبتوا له الحياة هنا باستصحاب الحال الذي هو " بقاء الأصل حتى يثبت خلافه " لقول علي ـ رضي الله عنه ـ في امرأة المفقود : (( هي امرأة ابتليت فلتصبر ، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته )) .
المدة اللازمة لاعتبار المفقود ميتا :
اختلف الفقهاء في ذلك :
1) ذهبأبو حنيفة إلى أن المفقود لا يعتبر ميتا إلاّ بوفاة جميع أقرانه ، و حدد بعض الحنفية المدة بتسعين سنة ، و هناك رأي آخر لهم يفيد بأن المدة متروكة لرأي الإمام و اجتهادة .
2) و يرى الإمام مالك أن المدة هي سبعين سنة استنادا لما روي في الحديث المشهور : (( أعمار أمتي بين الستين و السبعين )) ، و يروى عنه : " أن من فقد في دار الإسلام و انقطع خبره كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى الحاكم فيبحث عنه في مظنّات وجوده بكل الوسائل التي يمكن بها معرفة حاله ، فإن عجز ضرب للزوجة أجلا و هو أربع سنوات فإذا انتهت اعتدت عدّة وفاة و حلّ لها بعد ذلك الزواج بغيره " .
3)و الرأي الصحيح عند الشافعيأن المدّة لا تقدّر بزمن معيّن ، بل إذا ثبت لدى القضاء موته فإنّه يجتهد و يحكم بموته بعد انقضاء المدة التي لا يعيش فوقها غالبا .
4)أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين حالين :
أ ـ حالة الغياب في ظروف عادية : كمن سافر للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم فإنّ حياة الشخص يحتمل بقاؤها رغم طول الغياب ، و لذلك لا نعتبره ميتا إلاّ إذا مضت مدّة لا يمكن احتمال حياته بعدها ، و هذا متروك لاجتهاد القاضي .
ب ـ حالة الغياب في ظروف استثنائية : كمن سافر في سفينة غرقت أو مات بعض ركابها و نجا البعض الآخر و لم تعرف أخبارهم ، أو من كان في صفوف القتال و انتهت المعركة و لم يعد منها ، فينتظر أربع سنوات من تاريخ غيابه فإذا لم يتبين أمره و لم يظهر اعتبر ميتا و لا داعي لصدور حكم قضائي لذلك .
و لعل رأي الحنابلة في هذا الأمر هو الأرجح و هو الذي اختاره " الزيلعي " من فقهاء الحنفية و كثيرون غيره ، و هو أن يفوّض تحديد المدة إلى رأي الإمام .
أحكام ميراث المفقود :
قد يكون للمفقود مال ، و قد يكون له حقّ ميراث عند غيره :
أولا : الميراث من مال المفقود :
القاعدة المقررة فقها أن المفقود بالنسبة لأمواله يعتبر حيّا مدّة فقده باستصحاب الحال حتى تقوم البيّنة على وفاته ، أو يحكم القاضي بوفاته ، فلا يقسّم ماله بين الورثة ، و ينفق القاضي من ماله على زوجته و أصوله و فروعه فقط ، و ينصّب وكيلا عنه يقبض ديونه و يحفظ ماله .
ثانيا : ميراث المفقود من غيره :
يرث المفقود على رأي الجمهور عدا الحنفية ، و ميراثه من الغير يكون بطريق التقدير من باب الاحتياط ، فتقسّم التركة على أساس أنّه حي و يوضع نصيبه في يد أمينة ، فإن ظهر حيّا أخذ نصيبه ، و إن كان ميتا و تأكدنا من موته ننظر إلى تاريخ الوفاة :
أ ـ فإن كان تاريخ موت المفقود بعد موت مورّثه : فإن المفقود يستحق هذه الحصّة من التركة التي حجزناها له ، ثمّ توزع على ورثته ـ أي ورثة المفقود ـ .
ب ـ و إن كان تاريخ موت المفقود سابق عن موت مورّثه : فإن لا يستحق شيئا و يرد ما حجزناه له على ورثة المورّث لا على ورثة المفقود .
ج ـ إما إذا لم تتبيّن حياته و لا وفاته و حكم القاضي بوفاته : فتاريخ الحكم ليس هو تاريخ وفاة المفقود ، و لكن تاريخ وفاته هو بداية غيابه ، فإن كان تاريخ غيابه بعد وفاة مورّثه حجز له نصيبه ، و إن كان تاريخ غيابه قبل وفاة مورّثه لم يرث شيئا .
ظهور المفقود بعد الحكم بوفاته :
إذا حكم القاضي بموت المفقود حكما اجتهاديا على ما ترجّح لديه من القرائن و الأحوال و الظروف يرث ورثته من تاريخ الحكم فقط ، فإذا ظهر المفقود حيّا بعد الحكم بوفاته و قسّمت تركته بين ورثته ردّ إليه ما بقي من أمواله في أيدي ورثته ، و أما ما هلك من أمواله في أيديهم أو استهلكه الورثة فلا يرجع عليهم بشيء من ذلك ، لأن الورثة تملّكوه بحكم قضائي و تصرّفوا فيه بمقتضى هذا الحكم ، فالحكم في هذه الحالة مثبّت للوفاة و منشئ لها ، و ليس مظهرا للموت الذي وقع و حدث قبل صدور الحكم .
تأثير المفقود على بقية الورثة :
1) من يتساوى نصيبه عند تقدير المفقود حيّا و ميّتا : أخذ نصيبه .
2) من يختلف نصيبه عند تقدير المفقود حيّا و ميّتا : يعطى أقلّ النصيبين .
3) من يرث في حالة تقدير المفقود ميّتا دون كونه حيّا : توقف التركة بأكملها إلى أن يتبيّن حال المفقود .
طريقة استخراج نصيب المفقود :
إذا كان المفقود هو الوارث الوحيد وقفت له التركة كلّها ، أما إن كان معه ورثة آخرون تقسّم التركة على افتراضه حيّا ، ثمّ تقسّم مرّة ثانية على افتراضه ميّتا ، ثم ينظر في أنصبة الورثة الذين يرثون معه فيعطى كل وارث أقلّ مقدار من الفرضين و يحفظ الفارق بين الأنصبة ، و يحفظ للمفقود نصيبه على أساس أنّه حيّ ، فإن ظهر حيّا أخذه ، و إن حكم بموته قسّم نصيبه على من يستحقه من الورثة مع النظر إلى وقت وفاته مع وفاة مورّثه .
مثال : هلك عن : زوجة و بنت و ابن مفقود و أخا شقيقا ، و ترك 48000 ريالا .
أ ـ حل المسألة على اعتبار المفقود حيّا :
الزوجـــــــــة : 1/8 لوجود الفرع الوارث .
البنت + الابن ( المقود ) : الباقي تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .
الأخ الشقيــــــق : محجوب بالابن .
أصل المسألة : 8
الزوجـــــــــة : 1
البنت + الابن ( المفقود ) : 7
نلاحظ أن عدد أسهم الأبناء ( 7 ) لا تقبل القسمة على عدد الرؤوس ( 3 ) ، و بينهما تنافر ، فنضرب عدد الرؤوس ( 3 ) في أصل المسألة ( 8 ) و منه تصح ، فيكون أصل المسألة الجديد هو : 24 .
الزوجـــــــــــــــــــــــــــــــة : 3
البنت + الابن ( المفقود ) : 21 ، للابن 14 سهما ، و للبنت 07 أسهم .
قيمة السهم : 48000 : 24 = 2000 ريال .
نصيب الزوجــــــــــــــــة : 3 * 2000 = 6000 ريال .
نصيب الابن ( المفقود ) : 14 * 2000 = 28000 ريال .
نصيب البنـــــــــــــــــــت : 07 * 2000 = 14000 ريال .
ب ـ حل المسألة على اعتبار المفقود ميّتا :
الزوجــــــــة : 1/8 لوجود الفرع الوارث .
البنــــــــــــت : 1/2 لانفرادها و انعدام المعصب لها .
الأخ الشقيق : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 8
الزوجــــــــة : 1
البنــــــــــــت : 4
الأخ الشقيق : 3
قيمة السهم : 48000 : 8 = 6000 ريال .
نصيب الزوجــــــــة : 1 * 6000 = 6000 ريال .
نصيب البنــــــــــــت : 4 * 6000 = 24000 ريال .
نصيب الأخ الشقيق : 3 * 6000 = 18000 ريال .
بالمقارنة بين الحلّين يلاحظ بأن نصيب الزوجة في الحلّين هو نفسه لم يتغير ( 6000 ريال ) و عليه تأخذه و تنصرف .
و يلاحظ أن نصيب البنت في الحل الأول على افتراض أن المفقود حيّ هو ( 14000 ريال ) و نصيبها على اعتبار أن المفقود ميت هو ( 24000 ريال ) ، فتأخذ أسوأ النصيبين و هو ( 14000 ريال ) .
أما الأخ الشقيق فهو قد ورث على اعتبار أن المفقود ميّت ، و لم يرث على اعتبار حياته ، و بالتالي يوقف نصيبه و لا يعطى شيئا .
أما المفقود فيوقف له نصيبه و هو ( 28000 ريال ) ، فإن تبين حيا بعد ذلك أخذه ، فإن استمر حاله كذلك حتى حكم بوفاته ، أو تبيّن أنه توفي قبل وفاة المورّث أخذت البنت الفارق بين نصيبها عند كونه حيا و عند كونه ميتا و هو يساوي ( 10000 ريال ) .
و أخذ الأخ الشقيق نصيبه على اعتبار وفاة المفقود و هو يساوي ( 18000 ريال )
الميراث بالتقدير : ثالثا : ميراث الخنثى
الخنثى لغة: مأخوذ من خنث الطعام أي اشتبه أمره فلم يخلص طعمه و يسمّى الخنثى بذلك لاشتراك الشبه فيه ، و قيل مأخوذ من الخنث و هو اللّين و التكسّر ، يقال : خنث و تخنّث إذا شبّه كلامه بكلام النساء لينا و رخاوة ، أو تشبّه في مشيته و لباسه بالنّساء ، و منه الحدث الشريف : (( لعن الله المخنّثين من الرّجال و المترجلات من النساء )) .
الخنثى شرعا : هو من كانت له آلة الرجال و آلة النّساء معا ، أو ليس له شيء منهما أصلا و في هذه الحالة يلتبس أمره هل هو ذكر أم أنثى ؟ و يسمّى " الخنثى المشكل " .
آراء الفقهاء في ميراث الخنثى :
روي أنّ " عامر بن الظّرب " كان من حكماء العرب في الجاهلية فجاءه أناس من قومه يسألونه عن حادثة امرأة ولدت غلاما له عضوان فتحيّر و جعل يقول : " هو رجل و امرأة " ، فلم يقبل منه العرب ذلك ، فدخل بيته ذات يوم للاستراحة فجعل يتقلّب على فراشه دون نوم ، و كانت له جارية ذكية مشهورة بجودة الرّأي فانتبهت له فسألته عن سبب ضجره و تحيّره فأخبرها فقالت له : " دع الحال ، و حكّم المبال " : أي اجعل المبال هو الحكم ، فاستحسن رأيها و خرج إلى قومه فقال : " انظروا إن كان يبول من الذكر فهو غلام ، و إن كان يبول من الفرج فهو أنثى " فاستحسنوا ذلك الرّأي و بقي ذلك حكما جاهليا " .
و جاء الإسلام و أقرّ هذا الحكم حيث اعتمد الفقهاء عليه مستندين في ذلك على ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : (( سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مولود له قبل و ذكر من أين يورث ؟ فقال : من حيث يبول )) .
كما أخرج ابن شيبة و عبد الرزاق عن الشعبي (( عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنّه ورّث خنثى من حيث يبول )) ، و زاد ابن المسيّب في روايته : (( فإن كانا في البول سواء فمن حيث سبق )) .
بناء على ما سبق يورّث الخنثى من أيّهما بال ، فإن كان من الذكر فيأخذ حكمه ، و إن كان من القبل أخذ حكم الأنثى ، و إذا تعارضت فيه العلامتان فحكمه حكم الخنثى المشكل ، و يبقى مشكلا إلى وقت البلوغ ، فإن احتلم كما يحتلم الرجل ، أو كان له ميل إلى النساء ، أو نبتت لحيته فهو ذكر ، و إن ظهر له ثدي أو حاض فهو امرأة ، و إن لم تظهر هذه العلامات فيبقى خنثى مشكل ، على أنّه توجد اليوم طرق أخرى يمكن بها معرفة نوع الإنسان " ذكر أم أنثى " و ذلك عن طريق علم الطب الحديث و هذا بعد إجراء الجراحة الخاصّة بذلك .
و في ميراث الخنثى المشكل اختلفت آراء الفقهاء :
أولا : الحنفية : اعتمدوا أيضا على مسلك البول و السّبق فيه و زاد الصاحبان أيضا : " إذا التبس الأمر في المسلك و السّبق نظر أيّهما أكثر " فردّ عليهما أبو حنيفة قائلا : " هل رأيت قاضيا يزن البول بالأوراق " .
و هم يورّثون الخنثى المشكل بالأسوأ في نصيبه ، فالمسألة نحل على حلين ، أحدهما على فرض الخنثى ذكرا و الأخرى على فرض الخنثى أنثى ، و يأخذ الخنثى أقل النّصيبين .
ثانيا : الشافعية : اعتمدوا كذلك على مسلك البول و على كثرته ، فإن لم يعرف نظر إلى ميله ، فإن كان يميل بطبعه إلى النّساء فهو ذكر و إن كان يميل بطبعه إلى الرّجال فهو أنثى ، و إن قال بأنه يميل إليهما فهو " خنثى مشكل " .
و هم يعطون كلا من الورثة و الخنثى نصيبه الأقل لأنّه المتيقن بالنسبة لكل واحد منهم و يوقف الباقي إلى ظهور الحال ، أي يفرض له مسألتان : الأولى على فرض أنّه ذكر و الثانية على فرض أنّه أنثى ، ثمّ يعطى الخنثى أقل نصيب في المسألتين ، و يوقف الفرق بينهما إلى أن تظهر حاله أو يصطلح الورثة ، أو يموت الخنثى فيرجع حظّه إلى ورثته .
أما إن كان محروما على أحد التقديرين حرم من الميراث .
و كذلك إذا كان أحد الورثة محروما مع الخنثى على تقديري الذكورة و الأنوثة فيحرم من الميراث .
و هذا هو المعتمد في مذهب الإمام الشافعي و إليه أشار صاحب " متن الرحبية " :
و إن يكن في مستحق المال *** خنثى صحيح بيّن الإشكال
فاقسم على الأقل و اليقيـن *** تحظ بحق القسمة المبيـن
ثالثا : المالكية و الحنابلة : إذا اتضح حال الخنثى بعلامة تميّزه ورث على أساس ذلك ، فإن أشكل أمره بانعدام أيّ مميّز فهو في هذه الحالة " خنثى مشكل " ، و يرث نصف نصيبي ذكر و أنثى ، أي تحلّ المسألة حلّين : على أساس أنّه ذكر و يحصل على نصف النّصيب ، ثمّ تحلّ المسألة على أساس أنّه أنثى و يحصل على نصف النّصيب ، ثم يجمع النصفان و يكون هو نصيب الخنثى ، أو تحل المسألة على أساس الذكورة و على أساس الأنوثة و يجمع النصيبان ثم يقسم الناتج على اثنين فيكون هو نصيب الخنثى .
أما إن كان الخنثى يرث على فرض و لا يرث على فرض آخر فيعطى نصف نصيبه على فرض إرثه .
مثال 1 : هلكت و تركت : زوجا و جدّة و خنثى مشكل هو " أخ لأب " و تركت 42 هكتارا من الأرض .
أ ـ حل المسألة على فرض الخنثى ذكرا :
الزوج : ــــــ 1/2
الجدة : ــــــ 1/6
الخنثى ( أخ لأب ) : الباقي تعصيبا
أصل المسألة : 06
الزوج : ــــــ 3
الجدة : ـــــــ 1
الخنثى ( أخ لأب ) : 2
قيمة السهم : 42 : 6 = 7 هـ .
نصيب الـــــــزوج : 3 * 7 = 21 هـ .
نصيب الجــــــــدة : 1 * 7 = 01 هـ .
نصيب الخنثى ( الأخ لأب ) : 2 * 7 = 14 هـ
فيستحق الخنثى المشكل نصفه 07 هـ .
ب ـ حل المسألة على فرض الخنثى أنثى :
الزوج : ـــــــــــــــــــــــــ 1/2
الجدة : ــــــــــــــــــــــــــ 1/6
الخنثى ( أخت لأب ) : 1/2
أصل المسألة : 6
الزوج : ــــــــــــــــــــــــ 3
الجدة : ــــــــــــــــــــــــ 1
الخنثى ( أخت لأب ) : 3
يلاحظ أن أصل المسألة 6 و عالت إلى 7 .
قيمة السهم : 42 : 7 = 6 هـ .
نصيــــــــــــــــــــب الـــــــزوج : 3 * 6 = 18 هـ .
نصيــــــــــــــــــــب الجــــــــدة : 1 * 6 = 06 هـ .
نصيب الخنثى ( أخت لأب ) : 3 * 6 = 18 هـ .
فيستحق الخنثى المشكل نصفه 09 هـ .
فيكون نصيب الخنثى : 07 + 09 = 16 هكتارا .
و طريقة أخرى : نحل المسألة حلين ثم نجمعهما ثم نقسم على اثنين .
القاعدة : يجمع الفرض الأول و الفرض الثاني لكل وارث ثم يقسم على اثنين .
نصيب الزوج : 21 + 18 = 39 : 2 = 19.5 هـ
نصيب الجدة : 07 + 06 = 13 : 2 = 06.5 هـ
نصيب الخنثى : 14 + 18 = 32 : 2 = 16 هـ ـ
مثال 2 : هلك شخص و ترك : ولد أخ ( خنثى ) .
فعلى فرض أنّه ذكر سيأخذ كل التركة تعصيبا ، و على فرض أنّه أنثىلا شيء له لأن " بنت الأخ " لا ميراث لها ، و عليه فيكون له نصف التركة و هو نصف نصيبه على أساس كونه ذكرا .
يشتمل الميراث بالتقدير على مواضيع عديدة منها : ميراث الحمل بتقديره حيا أو ميتا ، ذكرا أو أنثى أو توائم ، و ميراث الخنثى : خنثى ذكر أو خنثى أنثى أو خنثى مشكل ، و ميراث المفقود بتقديره حيا أو ميتا .
كل هذه المواضيع يتناوله الميراث بالتقدير الذي يعتبر شيئا نظريا أكثر منه تطبيقيا إلا أن هذا لا يمنع من التكلم عنه نظرا لمشروعيته .
أولا : ميراث الحمل :
الحمل لغة : بالفتح اسم لما في البطن ، أما بالكسر فهو الشيء المحمول .
الحمل شرعا : الحمل هو الجنين الذي لا زال في بطن أمه في المدة ما بين العلوق و الولادة .
شروط ميراث الحمل :
1) أن يكون الحمل حيا و موجودا وقت وفاة مورثه : و هذا شرط عام في جميع الورثة ـ سبق و أن تطرقنا إليه في درس " شروط الميراث " .
2) أن يولد الجنين حيا أو استهلال الجنين صارخا بعد خروجه من بطن أمه ، و ذلك لما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : (( من السنة لا يرث المنفوس و لا يورث حتى يستهل صارخا )) .
أقل مدة للحمل :
اتفق جميع الفقهاء على أن أقل مدة للحمل لا تقل عن الستة أشهر إلا ما لحق بها كاليوم و اليومين و الثلاثة ، و هذه المدة مستنبطة من قوله تعالى : (( و فصاله في عامين )) لقمان 14 ، و من قوله تعالى : (( و حمله و فصاله ثلاثون شهرا)) الأحقاف 15 .
و بطرح الحولين ( 24 شهرا ) و هي مدة الرضاع من الثلاثين و هي مدة الحمل و الرضاع ، تكون الباقية هي مدة الحمل فقط هي ستة أشهر .
كما روي أن رجلا تزوج امرأة فولدت ولدا لستة أشهر فهمّ عثمان ـ رضي الله عنه ـ برجمها فقا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " أما أنها لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم ، قال الله تعالى : (( و حمله و فصاله ثلاثون شهرا )) و قال عز وجل (( و حمله و فصاله ثلاثون شهرا )) فإذا ذهب للفصال عامان لم يبق للحمل إلا ستة أشهر )) " فدرأ عثمان ـ رضي الله عنها الحد و أثبت النسب .
أقصى مدة للحمل :
لم يحدث حولها أيّ اتفاق و ذلك لعدم ورود أيّ نص قرآني أو حديث نبوي صحيح معتمد في ذلك ، فاجتهد كل واحد و أقر ما صح عنده من أثر يروى عن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو أخبار الناس الموثوق بهم بأن فلان ولد بعد حمل استمر كذا من السنين ، و لم يكن لديهم من الأدلة الدامغة إلا هذه الأخبار ، و لعل مرد ذلك يرجع إلى مسألة الحمل المستكن الذي يطول بقاؤه في بطن أمه ، فذهب الحنفية إلى أن مدة الحمل هي سنتين ، و أما الشافعية و بعض المالكية فقدروها بأربع سنوات ، و ذهب بعض من المالكية إلى أن مدة الحمل سبع سنين ، و ذهب محمد بن الحكم و هو من فقهاء المالكية إلى أن مدة الحمل سنة قمرية ـ و هذه مدة معقولة و مقبولة ـ و قد أسس رأيه هذا على الغالب المألوف و بما جرت به العادات و ما أقرته التجارب .
أما نحن في الوقت الحاضر و نظرا لتقدم الطب فلا ضير إذا أخذنا برأي الطب من أهل الاختصاص في تحديد مدة الحمل حتى يزال الشك و يختصر الوقت ، و في قانون الأسرة عندنا أخذ بمدة عشرة أشهر .
صور الحمل في الميراث :
إذا كان الحمل وارثا فإنه لا يخلو أمره من أحد صور أربعة :
الصورة الأولى : أن يكون الحمل وارثا على أساس الذكورة و على أساس الأنوثة و لكن يختلف ميراثه من تقدير إلى تقدير :
ففي هذه الحالة تحل المسألة حلين أيهما أحسن له ترك له ، الحل الأول على أساس أن الحمل ذكر ، و الحل الثاني على أساس أن الحمل أنثى ، بينما بقية الورثة فإنهم يعاملون بأسوأ نصيب مع الحمل .
مثال : هلك و ترك : زوجة و أما حاملا من أبيه ، و ترك 156000 ريالا .
أ ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل ذكرا :
الزوجة :ــــــ 1/4
الأم :ــــــــ 1/3
الحمل ( أخ شقيق ) : الباقي تعصيبا
أصل المسألة : 12
الزوجة :ــــــ 3
الأم :ــــــــ 4
الحمل ( أخ شقيق ) : 5
قيمة السهم : 156000 : 12 = 13000 ريال .
نصيب الزوجة : ـــــ 13000 * 3 = 39000 ريال .
نصيب الأم : ـــــــ 13000 * 4 = 52000 ريال .
نصيب الحمل ( أخ شقيق ) : 13000 * 5 = 65000 ريال .
ب ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل أنثى :
الزوجة :ـــــــ 1/4
الأم :ـــــــــ 1/3
الحمل ( أخت شقيقة ) : 1/2
أصل المسألة : 12
الزوجة :ــــــ 3
الأم :ــــــــ 4
الحمل ( أخت شقيقة ) : 6
نلاحظ أن أصل المسألة ( 12 ) و عالت إلى ( 13 )
قيمة السهم : 156000 : 13 = 12000 ريال .
نصيب الزوجة : ـــــ 12000 * 3 = 36000 ريال .
نصيب الأم : ـــــــ 12000 * 4 = 48000 ريال .
نصيب الحمل ( أخت شقيقة ) : 12000 * 6 = 72000 ريال .
و بالمقارنة بين الحالتين نجد أن أفضل نصيب للحمل هو على أساس تقدير أن الحمل أنثى ( 72000 ريال ) و بالتالي نقسم التركة على أساس أن الحمل أنثى ، فإن جاء أنثى أخذت 72000 ريال ، و إن جاء ذكرا أخذ 65000 ريال ، و يبقى 7000 ريال للزوجة منها 3000 ريال تكملة لنصيبها و هو 39000 ريال ، و للأم 4000 ريال تكملة لنصيبها و هو 52000 ريال .
الصورة الثانية : أن يرث على كلا التقديرين و لا يختلف نصيبه :
كأن يكون الحمل " ولدا لأم " ففي هذه الحالة يترك له نصيبه و يعطى الباقون أنصبتهم .
مثال : هلك و ترك زوجة و أختين شقيقتين و أما ( حاملا من غير أبه )، و ترك 900 هكتار .
أ ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل ذكرا :
الزوجة : ـــــ 1/4 لانعدام الفرع الوارث مطلقا .
الأم : ـــــــ 1/6 لوجود العدد من الإخوة .
الأختين الشقيقتين : 2/3 لتعددهما و انعدام المعصب لهما .
الحمل ( أخ لأم ) : 1/6 لانفراده و انعدام من يحجبه .
أصل المسألة : 12
الزوجة : ـــــ 3
الأم : ـــــــ 2
الأختين الشقيقتين : 8
الحمل ( أخ لأم ) : 2
أصل المسألة ( 12 ) و عالت إلى ( 15 ) .
قيمة السهم : 900 : 15 = 60 هكتارا .
نصيب الزوجة : 60 * 3 = 180 هكتار .
نصيب الأم : 60 * 2 = 120 هكتار .
نصيب الأختين الشقيقتين : 60 * 8 = 480 هكتار .
نصيب الحمل ( أخ لأم ) : 60 * 2 = 120 هكتار .
ب ـ حل المسألة على أساس تقدير الحمل أنثى :
الزوجة : ـــــ 1/4 لانعدام الفرع الوارث مطلقا .
الأم : ـــــــ 1/6 لوجود العدد من الإخوة .
الأختين الشقيقتين : 2/3 لتعددهما و انعدام المعصب لهما .
الحمل ( أخت لأم ) : 1/6 لانفرادها و انعدام من يحجبها .
أصل المسألة : 12
الزوجة : ـــــ 3
الأم : ـــــــ 2
الأختين الشقيقتين : 8
الحمل ( أخت لأم ) : 2
أصل المسألة ( 12 ) و عالت إلى ( 15 ) .
قيمة السهم : 900 : 15 = 60 هكتارا .
نصيب الزوجة : 60 * 3 = 180 هكتار .
نصيب الأم : 60 * 2 = 120 هكتار .
نصيب الأختين الشقيقتين : 60 * 8 = 480 هكتار .
نصيب الحمل ( أخت لأم ) : 60 * 2 = 120 هكتار .
فنلاحظ أن الحمل أخذ على أساس كونه ذكرا 120 هكتارا ، و أخذ على أساس أنه أنثى 120 هكتارا ، و بالتالي تقسم التركة فيأخذ الورثة نصيبهم ، و يترك نصيب الحمل .
بسم الله الرحمن الرحيم
الصورة الثالثة : أن يرث على أحد التقديرين دون الآخر:
و في هذه الحالة يترك له نصيبه على أساس أنه وارث ، فإذا ما تبين أنه وارث أخذ ما ترك له ، و إن تبين أنه ليس بوارث رد ما ترك له إلى بقية الورثة .
مثال1 : هلك عن أم و جدة هي أم أب حاملا و ترك 9000 ريال .
الأم : ـــــــ 1/3 لانعدام الفرع الوارث مطلقا ، و انعدام العدد من الإخوة .
الجدة : ــــــ محجوبة بالأم .
الحمــل ( عم ) : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 3
الأم : ـــــ1
الحمل ( عم ) :2
قيمة السهم : 9000 : 3 = 3000 ريال .
نصيب الأم : ـــــ 1 * 3000 = 3000 ريال .
نصيب الحمل ( عم ) : 2 * 3000 = 6000 ريال .
أما إذا كان الحمل أنثى ( عمة ) فهي غير وارثة أصلا لأنها معتبرة من ذوي الأرحام .
مثال 2 : هلكت عن زوج و بنت و أب و أم و زوجة ابن حامل ، و تركن 19500 ريال .
أ ـ حل المسألة على أساس كون الحمل أنثى :
الزوج : 1/4 لوجود الفرع الوارث .
البنت : 1/2 لانفرادها و انعدام من يعصبها .
الأب : 1/6 + الباقي تعصيبا لوجوده مع الفرع الوارث المؤنث فقط .
الأم : 1/6 لوجود الفرع الوارث .
الحمل (بنت ابن ) : 1/6 تكملة للثلثين ، لوجودها مع بنت صلبية واحدة .
أصل المسألة : 12
الزوج : 3
البنت : 6
الأب : 2
الأم : 2
الحمل ( بنت ابن) : 2
أصل المسألة (12 ) و عالت إلى ( 15 ) .
قيمة السهم : 19500 : 15 = 1300 ريال .
نصيب الزوج : 3 * 1300 = 3900 ريال .
نصيب البنت : 6 * 1300 = 7800 ريال .
نصيب الأب : 2 * 1300 = 2600 ريال .
نصيب الأم : 2 * 1300 = 2600 ريال .
نصيب الحمل ( بنت ابن ) : 2 * 1300 = 2600 ريال .
ب ـ حل المسألة على أساس كون الحمل ذكر :
الزوج : 1/4 لوجود الفرع الوارث .
البنت : 1/2 لانفرادها و انعدام من يعصبها .
الأب : 1/6 لوجوده مع الفرع الوارث .
الأم : 1/6 لوجود الفرع الوارث .
الحمل (ابن ابن ) : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 12
الزوج : 3
البنت : 6
الأب : 2
الأم : 2
الحمل ( ابن ابن) : لم يبق له شيء من الميراث ليرثه
أصل المسألة (12 ) و عالت إلى ( 13 ) .
قيمة السهم : 19500 : 15 = 1500 ريال .
نصيب الزوج : 3 * 1500 = 4500 ريال .
نصيب البنت : 6 * 1500 = 9000 ريال .
نصيب الأب : 2 * 1500 = 3000 ريال .
نصيب الأم : 2 * 1500 = 3000 ريال .
نصيب الحمل ( ابن ابن ) : لا شيء له .
نلاحظ أن الحمل على أساس كونه أنثى ورثت 2600 ريال ، و على أساس كونه ذكرالم يرث شيئا ، و عليه فإننا نحفظ نصيب الحمل على أساس أنه أنثى ، فإذا تبين أن الحمل بعد الولادة أنثى أخذت نصيبها ، و إن تبين بأنه ذكر فإنه غير وارث لعدم بقاء أي شيء له و نقوم بتقسيم 2600 ريال على الورثة حسب النقص ، فنكمل للزوج 600 ريال حتى يصير نصيبه 4500 ريال ، و للبنت 1200 ريال حتى يصبح نصيبها 9000 ريال ، و للأب 400 ريال حتى يصير 3000 ريال ، و للأم 400 ريال حتى يصير 3000 ريال .
أثر الحمل على الورثة :
الورثة مع الحمل و قبل اتضاح أمره لا يخلو حالهم و لا يخرج عن أحد أمور أربع :
الحالة الأولى : أن يكون الشخص وارثا مع الحمل بكلا التقديرين دون نقصان :
كمن يتوفى و يترك : زوجة حاملا و ابنا ، حيث نصيب الزوجة في هذه الحالة لا يتغير سواء أكان الحمل ذكرا أو أنثى و هو الثمن و بالتالي فلا حرج في إعطاء الزوجة نصيبها .
الحالة الثانية : أن يكون الشخص وارثا على كلا التقديرين و لكن يختلف نصيبه من تقدير لآخر :
و في هذه الحالة يعطى الورثة أسوأ النصيبين ، كمن يتوفى و يترك : زوجة حاملا و أبا ، فنصيب الزوجة هو الثمن سواء كان الحمل ذكرا أو أنثى و بالتالي لا حرج في إعطائها نصيبها ، بينما الأب يتغير نصيبه ، ففي حالة كون الحمل ذكرا يكون نصيب الأب هو السدس فقط ، و في حالة كون الحمل أنثى أخذ السدس + الباقي تعصيبا .
و عليه لا حرج في أن يأخذ الأب نصيبه و هو السدس على أساس كون الحمل ذكرا ، و يترك ما بقي إلى حين التأكد من الحمل فإن كان الحمل ذكرا فقد أخذ الأب نصيبه ، و إن كان أنثىأخذ الأب ما بقي بعد أخذ الأنثى لنصيبها .
الحالة الثالثة : أن يكون الشخص وارثا على تقدير للحمل دون آخر :
ففي هذه الحالة لا يعط الشخص شيئا حتى يتبين كونه وارثا من عدمه ، كمن توفي و ترك : زوجة حاملا و أختا شقيقة ، فلو كان الحمل ذكرا ( ابن ) حجبت الأخت الشقيقة ، و لو كان أنثى ( بنت ) لورثت الأخت الشقيقة تعصيبا مع الغير ، و بالتالي لا تعط الأخت الشقيقة شيئا حتى يتضح أمر الحمل .
الحالة الرابعة : أن يكون الشخص الوارث مع الحمل ليس له نصيبا مقدرا بل وارث بالتعصيب :
ففي هذه الحالة لا يعط الشخص شيئا بل يترك حتى يتبين أمر الحمل ، كمن توفي و ترك : زوجة حاملا و ابنا ، فتأخذ الزوجة نصيبها و يوقف الباقي حتى يتضح أمر الحمل ذكرا كان أو أنثى ، فإن تبين أن الحمل ذكر ورث و أخوه التركة مناصفة ، و إن كان الحمل أنثىورثت و أخاها التركة على أساس للذكر مثل حظ الأنثيين .
الميراث بالتقدير : ثانيا : ميراث المفقود
المفقود لغة : بمعنى الضائع ، يقال : فقدت الشيء إذا عدمته أو أضعته ، كقول العرب " فاقد الشيء لا يعطيه " ، و قوله تعالى : (( قالوا نفقد صواع الملك ...)) يوسف 72 .
المفقود شرعا : هو الغائب الذي انقطع خبره و خفي أثره و جهل مكانه و لا تعرف حياته أو مماته .
حكم المفقود :
جعل الفقهاء للمفقود أحكاما : فلا تزوّج امرأته ، و لا يورّث ماله و لا يتصرف في استحقاقه إلى أن يعلم حاله و يظهر أمره من موت أو حياة ، أو تمضي مدّة يغلب على الظن أنه مات فيها و يحكم القاضي بموته ، فقد أثبتوا له الحياة هنا باستصحاب الحال الذي هو " بقاء الأصل حتى يثبت خلافه " لقول علي ـ رضي الله عنه ـ في امرأة المفقود : (( هي امرأة ابتليت فلتصبر ، لا تنكح حتى يأتيها يقين موته )) .
المدة اللازمة لاعتبار المفقود ميتا :
اختلف الفقهاء في ذلك :
1) ذهبأبو حنيفة إلى أن المفقود لا يعتبر ميتا إلاّ بوفاة جميع أقرانه ، و حدد بعض الحنفية المدة بتسعين سنة ، و هناك رأي آخر لهم يفيد بأن المدة متروكة لرأي الإمام و اجتهادة .
2) و يرى الإمام مالك أن المدة هي سبعين سنة استنادا لما روي في الحديث المشهور : (( أعمار أمتي بين الستين و السبعين )) ، و يروى عنه : " أن من فقد في دار الإسلام و انقطع خبره كان لزوجته أن ترفع أمرها إلى الحاكم فيبحث عنه في مظنّات وجوده بكل الوسائل التي يمكن بها معرفة حاله ، فإن عجز ضرب للزوجة أجلا و هو أربع سنوات فإذا انتهت اعتدت عدّة وفاة و حلّ لها بعد ذلك الزواج بغيره " .
3)و الرأي الصحيح عند الشافعيأن المدّة لا تقدّر بزمن معيّن ، بل إذا ثبت لدى القضاء موته فإنّه يجتهد و يحكم بموته بعد انقضاء المدة التي لا يعيش فوقها غالبا .
4)أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين حالين :
أ ـ حالة الغياب في ظروف عادية : كمن سافر للسياحة أو للتجارة أو لطلب العلم فإنّ حياة الشخص يحتمل بقاؤها رغم طول الغياب ، و لذلك لا نعتبره ميتا إلاّ إذا مضت مدّة لا يمكن احتمال حياته بعدها ، و هذا متروك لاجتهاد القاضي .
ب ـ حالة الغياب في ظروف استثنائية : كمن سافر في سفينة غرقت أو مات بعض ركابها و نجا البعض الآخر و لم تعرف أخبارهم ، أو من كان في صفوف القتال و انتهت المعركة و لم يعد منها ، فينتظر أربع سنوات من تاريخ غيابه فإذا لم يتبين أمره و لم يظهر اعتبر ميتا و لا داعي لصدور حكم قضائي لذلك .
و لعل رأي الحنابلة في هذا الأمر هو الأرجح و هو الذي اختاره " الزيلعي " من فقهاء الحنفية و كثيرون غيره ، و هو أن يفوّض تحديد المدة إلى رأي الإمام .
أحكام ميراث المفقود :
قد يكون للمفقود مال ، و قد يكون له حقّ ميراث عند غيره :
أولا : الميراث من مال المفقود :
القاعدة المقررة فقها أن المفقود بالنسبة لأمواله يعتبر حيّا مدّة فقده باستصحاب الحال حتى تقوم البيّنة على وفاته ، أو يحكم القاضي بوفاته ، فلا يقسّم ماله بين الورثة ، و ينفق القاضي من ماله على زوجته و أصوله و فروعه فقط ، و ينصّب وكيلا عنه يقبض ديونه و يحفظ ماله .
ثانيا : ميراث المفقود من غيره :
يرث المفقود على رأي الجمهور عدا الحنفية ، و ميراثه من الغير يكون بطريق التقدير من باب الاحتياط ، فتقسّم التركة على أساس أنّه حي و يوضع نصيبه في يد أمينة ، فإن ظهر حيّا أخذ نصيبه ، و إن كان ميتا و تأكدنا من موته ننظر إلى تاريخ الوفاة :
أ ـ فإن كان تاريخ موت المفقود بعد موت مورّثه : فإن المفقود يستحق هذه الحصّة من التركة التي حجزناها له ، ثمّ توزع على ورثته ـ أي ورثة المفقود ـ .
ب ـ و إن كان تاريخ موت المفقود سابق عن موت مورّثه : فإن لا يستحق شيئا و يرد ما حجزناه له على ورثة المورّث لا على ورثة المفقود .
ج ـ إما إذا لم تتبيّن حياته و لا وفاته و حكم القاضي بوفاته : فتاريخ الحكم ليس هو تاريخ وفاة المفقود ، و لكن تاريخ وفاته هو بداية غيابه ، فإن كان تاريخ غيابه بعد وفاة مورّثه حجز له نصيبه ، و إن كان تاريخ غيابه قبل وفاة مورّثه لم يرث شيئا .
ظهور المفقود بعد الحكم بوفاته :
إذا حكم القاضي بموت المفقود حكما اجتهاديا على ما ترجّح لديه من القرائن و الأحوال و الظروف يرث ورثته من تاريخ الحكم فقط ، فإذا ظهر المفقود حيّا بعد الحكم بوفاته و قسّمت تركته بين ورثته ردّ إليه ما بقي من أمواله في أيدي ورثته ، و أما ما هلك من أمواله في أيديهم أو استهلكه الورثة فلا يرجع عليهم بشيء من ذلك ، لأن الورثة تملّكوه بحكم قضائي و تصرّفوا فيه بمقتضى هذا الحكم ، فالحكم في هذه الحالة مثبّت للوفاة و منشئ لها ، و ليس مظهرا للموت الذي وقع و حدث قبل صدور الحكم .
تأثير المفقود على بقية الورثة :
1) من يتساوى نصيبه عند تقدير المفقود حيّا و ميّتا : أخذ نصيبه .
2) من يختلف نصيبه عند تقدير المفقود حيّا و ميّتا : يعطى أقلّ النصيبين .
3) من يرث في حالة تقدير المفقود ميّتا دون كونه حيّا : توقف التركة بأكملها إلى أن يتبيّن حال المفقود .
طريقة استخراج نصيب المفقود :
إذا كان المفقود هو الوارث الوحيد وقفت له التركة كلّها ، أما إن كان معه ورثة آخرون تقسّم التركة على افتراضه حيّا ، ثمّ تقسّم مرّة ثانية على افتراضه ميّتا ، ثم ينظر في أنصبة الورثة الذين يرثون معه فيعطى كل وارث أقلّ مقدار من الفرضين و يحفظ الفارق بين الأنصبة ، و يحفظ للمفقود نصيبه على أساس أنّه حيّ ، فإن ظهر حيّا أخذه ، و إن حكم بموته قسّم نصيبه على من يستحقه من الورثة مع النظر إلى وقت وفاته مع وفاة مورّثه .
مثال : هلك عن : زوجة و بنت و ابن مفقود و أخا شقيقا ، و ترك 48000 ريالا .
أ ـ حل المسألة على اعتبار المفقود حيّا :
الزوجـــــــــة : 1/8 لوجود الفرع الوارث .
البنت + الابن ( المقود ) : الباقي تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .
الأخ الشقيــــــق : محجوب بالابن .
أصل المسألة : 8
الزوجـــــــــة : 1
البنت + الابن ( المفقود ) : 7
نلاحظ أن عدد أسهم الأبناء ( 7 ) لا تقبل القسمة على عدد الرؤوس ( 3 ) ، و بينهما تنافر ، فنضرب عدد الرؤوس ( 3 ) في أصل المسألة ( 8 ) و منه تصح ، فيكون أصل المسألة الجديد هو : 24 .
الزوجـــــــــــــــــــــــــــــــة : 3
البنت + الابن ( المفقود ) : 21 ، للابن 14 سهما ، و للبنت 07 أسهم .
قيمة السهم : 48000 : 24 = 2000 ريال .
نصيب الزوجــــــــــــــــة : 3 * 2000 = 6000 ريال .
نصيب الابن ( المفقود ) : 14 * 2000 = 28000 ريال .
نصيب البنـــــــــــــــــــت : 07 * 2000 = 14000 ريال .
ب ـ حل المسألة على اعتبار المفقود ميّتا :
الزوجــــــــة : 1/8 لوجود الفرع الوارث .
البنــــــــــــت : 1/2 لانفرادها و انعدام المعصب لها .
الأخ الشقيق : الباقي تعصيبا .
أصل المسألة : 8
الزوجــــــــة : 1
البنــــــــــــت : 4
الأخ الشقيق : 3
قيمة السهم : 48000 : 8 = 6000 ريال .
نصيب الزوجــــــــة : 1 * 6000 = 6000 ريال .
نصيب البنــــــــــــت : 4 * 6000 = 24000 ريال .
نصيب الأخ الشقيق : 3 * 6000 = 18000 ريال .
بالمقارنة بين الحلّين يلاحظ بأن نصيب الزوجة في الحلّين هو نفسه لم يتغير ( 6000 ريال ) و عليه تأخذه و تنصرف .
و يلاحظ أن نصيب البنت في الحل الأول على افتراض أن المفقود حيّ هو ( 14000 ريال ) و نصيبها على اعتبار أن المفقود ميت هو ( 24000 ريال ) ، فتأخذ أسوأ النصيبين و هو ( 14000 ريال ) .
أما الأخ الشقيق فهو قد ورث على اعتبار أن المفقود ميّت ، و لم يرث على اعتبار حياته ، و بالتالي يوقف نصيبه و لا يعطى شيئا .
أما المفقود فيوقف له نصيبه و هو ( 28000 ريال ) ، فإن تبين حيا بعد ذلك أخذه ، فإن استمر حاله كذلك حتى حكم بوفاته ، أو تبيّن أنه توفي قبل وفاة المورّث أخذت البنت الفارق بين نصيبها عند كونه حيا و عند كونه ميتا و هو يساوي ( 10000 ريال ) .
و أخذ الأخ الشقيق نصيبه على اعتبار وفاة المفقود و هو يساوي ( 18000 ريال )
الميراث بالتقدير : ثالثا : ميراث الخنثى
الخنثى لغة: مأخوذ من خنث الطعام أي اشتبه أمره فلم يخلص طعمه و يسمّى الخنثى بذلك لاشتراك الشبه فيه ، و قيل مأخوذ من الخنث و هو اللّين و التكسّر ، يقال : خنث و تخنّث إذا شبّه كلامه بكلام النساء لينا و رخاوة ، أو تشبّه في مشيته و لباسه بالنّساء ، و منه الحدث الشريف : (( لعن الله المخنّثين من الرّجال و المترجلات من النساء )) .
الخنثى شرعا : هو من كانت له آلة الرجال و آلة النّساء معا ، أو ليس له شيء منهما أصلا و في هذه الحالة يلتبس أمره هل هو ذكر أم أنثى ؟ و يسمّى " الخنثى المشكل " .
آراء الفقهاء في ميراث الخنثى :
روي أنّ " عامر بن الظّرب " كان من حكماء العرب في الجاهلية فجاءه أناس من قومه يسألونه عن حادثة امرأة ولدت غلاما له عضوان فتحيّر و جعل يقول : " هو رجل و امرأة " ، فلم يقبل منه العرب ذلك ، فدخل بيته ذات يوم للاستراحة فجعل يتقلّب على فراشه دون نوم ، و كانت له جارية ذكية مشهورة بجودة الرّأي فانتبهت له فسألته عن سبب ضجره و تحيّره فأخبرها فقالت له : " دع الحال ، و حكّم المبال " : أي اجعل المبال هو الحكم ، فاستحسن رأيها و خرج إلى قومه فقال : " انظروا إن كان يبول من الذكر فهو غلام ، و إن كان يبول من الفرج فهو أنثى " فاستحسنوا ذلك الرّأي و بقي ذلك حكما جاهليا " .
و جاء الإسلام و أقرّ هذا الحكم حيث اعتمد الفقهاء عليه مستندين في ذلك على ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : (( سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مولود له قبل و ذكر من أين يورث ؟ فقال : من حيث يبول )) .
كما أخرج ابن شيبة و عبد الرزاق عن الشعبي (( عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنّه ورّث خنثى من حيث يبول )) ، و زاد ابن المسيّب في روايته : (( فإن كانا في البول سواء فمن حيث سبق )) .
بناء على ما سبق يورّث الخنثى من أيّهما بال ، فإن كان من الذكر فيأخذ حكمه ، و إن كان من القبل أخذ حكم الأنثى ، و إذا تعارضت فيه العلامتان فحكمه حكم الخنثى المشكل ، و يبقى مشكلا إلى وقت البلوغ ، فإن احتلم كما يحتلم الرجل ، أو كان له ميل إلى النساء ، أو نبتت لحيته فهو ذكر ، و إن ظهر له ثدي أو حاض فهو امرأة ، و إن لم تظهر هذه العلامات فيبقى خنثى مشكل ، على أنّه توجد اليوم طرق أخرى يمكن بها معرفة نوع الإنسان " ذكر أم أنثى " و ذلك عن طريق علم الطب الحديث و هذا بعد إجراء الجراحة الخاصّة بذلك .
و في ميراث الخنثى المشكل اختلفت آراء الفقهاء :
أولا : الحنفية : اعتمدوا أيضا على مسلك البول و السّبق فيه و زاد الصاحبان أيضا : " إذا التبس الأمر في المسلك و السّبق نظر أيّهما أكثر " فردّ عليهما أبو حنيفة قائلا : " هل رأيت قاضيا يزن البول بالأوراق " .
و هم يورّثون الخنثى المشكل بالأسوأ في نصيبه ، فالمسألة نحل على حلين ، أحدهما على فرض الخنثى ذكرا و الأخرى على فرض الخنثى أنثى ، و يأخذ الخنثى أقل النّصيبين .
ثانيا : الشافعية : اعتمدوا كذلك على مسلك البول و على كثرته ، فإن لم يعرف نظر إلى ميله ، فإن كان يميل بطبعه إلى النّساء فهو ذكر و إن كان يميل بطبعه إلى الرّجال فهو أنثى ، و إن قال بأنه يميل إليهما فهو " خنثى مشكل " .
و هم يعطون كلا من الورثة و الخنثى نصيبه الأقل لأنّه المتيقن بالنسبة لكل واحد منهم و يوقف الباقي إلى ظهور الحال ، أي يفرض له مسألتان : الأولى على فرض أنّه ذكر و الثانية على فرض أنّه أنثى ، ثمّ يعطى الخنثى أقل نصيب في المسألتين ، و يوقف الفرق بينهما إلى أن تظهر حاله أو يصطلح الورثة ، أو يموت الخنثى فيرجع حظّه إلى ورثته .
أما إن كان محروما على أحد التقديرين حرم من الميراث .
و كذلك إذا كان أحد الورثة محروما مع الخنثى على تقديري الذكورة و الأنوثة فيحرم من الميراث .
و هذا هو المعتمد في مذهب الإمام الشافعي و إليه أشار صاحب " متن الرحبية " :
و إن يكن في مستحق المال *** خنثى صحيح بيّن الإشكال
فاقسم على الأقل و اليقيـن *** تحظ بحق القسمة المبيـن
ثالثا : المالكية و الحنابلة : إذا اتضح حال الخنثى بعلامة تميّزه ورث على أساس ذلك ، فإن أشكل أمره بانعدام أيّ مميّز فهو في هذه الحالة " خنثى مشكل " ، و يرث نصف نصيبي ذكر و أنثى ، أي تحلّ المسألة حلّين : على أساس أنّه ذكر و يحصل على نصف النّصيب ، ثمّ تحلّ المسألة على أساس أنّه أنثى و يحصل على نصف النّصيب ، ثم يجمع النصفان و يكون هو نصيب الخنثى ، أو تحل المسألة على أساس الذكورة و على أساس الأنوثة و يجمع النصيبان ثم يقسم الناتج على اثنين فيكون هو نصيب الخنثى .
أما إن كان الخنثى يرث على فرض و لا يرث على فرض آخر فيعطى نصف نصيبه على فرض إرثه .
مثال 1 : هلكت و تركت : زوجا و جدّة و خنثى مشكل هو " أخ لأب " و تركت 42 هكتارا من الأرض .
أ ـ حل المسألة على فرض الخنثى ذكرا :
الزوج : ــــــ 1/2
الجدة : ــــــ 1/6
الخنثى ( أخ لأب ) : الباقي تعصيبا
أصل المسألة : 06
الزوج : ــــــ 3
الجدة : ـــــــ 1
الخنثى ( أخ لأب ) : 2
قيمة السهم : 42 : 6 = 7 هـ .
نصيب الـــــــزوج : 3 * 7 = 21 هـ .
نصيب الجــــــــدة : 1 * 7 = 01 هـ .
نصيب الخنثى ( الأخ لأب ) : 2 * 7 = 14 هـ
فيستحق الخنثى المشكل نصفه 07 هـ .
ب ـ حل المسألة على فرض الخنثى أنثى :
الزوج : ـــــــــــــــــــــــــ 1/2
الجدة : ــــــــــــــــــــــــــ 1/6
الخنثى ( أخت لأب ) : 1/2
أصل المسألة : 6
الزوج : ــــــــــــــــــــــــ 3
الجدة : ــــــــــــــــــــــــ 1
الخنثى ( أخت لأب ) : 3
يلاحظ أن أصل المسألة 6 و عالت إلى 7 .
قيمة السهم : 42 : 7 = 6 هـ .
نصيــــــــــــــــــــب الـــــــزوج : 3 * 6 = 18 هـ .
نصيــــــــــــــــــــب الجــــــــدة : 1 * 6 = 06 هـ .
نصيب الخنثى ( أخت لأب ) : 3 * 6 = 18 هـ .
فيستحق الخنثى المشكل نصفه 09 هـ .
فيكون نصيب الخنثى : 07 + 09 = 16 هكتارا .
و طريقة أخرى : نحل المسألة حلين ثم نجمعهما ثم نقسم على اثنين .
القاعدة : يجمع الفرض الأول و الفرض الثاني لكل وارث ثم يقسم على اثنين .
نصيب الزوج : 21 + 18 = 39 : 2 = 19.5 هـ
نصيب الجدة : 07 + 06 = 13 : 2 = 06.5 هـ
نصيب الخنثى : 14 + 18 = 32 : 2 = 16 هـ ـ
مثال 2 : هلك شخص و ترك : ولد أخ ( خنثى ) .
فعلى فرض أنّه ذكر سيأخذ كل التركة تعصيبا ، و على فرض أنّه أنثىلا شيء له لأن " بنت الأخ " لا ميراث لها ، و عليه فيكون له نصف التركة و هو نصف نصيبه على أساس كونه ذكرا .
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» موقع المواريث: العلاقة الرقمية لحساب وتقسيم الميراث
» اجتهاد الأستاذة ألفة يوسف في الميراث والحجاب وردنا عليه
» اجتهاد الأستاذة ألفة يوسف في الميراث والحجاب وردنا عليه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى