منهج الأئمة الأعلام في دعوة ومناصحة الحكّام
صفحة 1 من اصل 1
منهج الأئمة الأعلام في دعوة ومناصحة الحكّام
منهج الأئمة الأعلام في دعوة ومناصحة الحكّام
كتبه: أبو يزيد سليم بن صفية المدني
الحمد لله الذي رفع ألوية السنّة الغرّاء, ونكّس أعلام البدعة البتراء, وجعل في كلّ عصر لسان صدق بالحق قوّالاً, وللخير داعياً وفعّالاً
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران ]
وإنّ الله عز وجل قد ساس هذه الأمة وحفظ لها دينها, وأقام لها منهجاً أبلجاً, من أخذ بزمامه نجا, ومن تنكّبه فقد سلك طريقاً أعوجاً.
وإنّ مما فارق به أهل السنة والأثر أهل البدع والأهواء, معاملة الحكام, ودعوتهم, والحرص على صلاحهم واستقامتهم, وانقسموا في ذلك طرائق قدداً, فصنف من الدعاة حشد خطبه ومواعظه بل وكتبه بالصراخ والعويل, بل بالتلبيس والتضليل, والطعن في الحكام وتأليب العامة والدهماء عليهم, فأججوا بذلك نار الفتـن, وجرّوا على هذه الأمة الويلات والمحن.
وصنفٌ آخر تلبّس بلبوس الإرجاء, وداهن وباع دينه بأبخس الأثمان, وصار شيطاناً أخرصاً, لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
ولكن الحق أبلج, والباطل لجلج, لمن رام للحق وصالاً, وللباطل استئصالاً.
ولما كان الأمر على ما وُصف, أردت أن أبيّن في هذا البحث المقتضب, معالم أهل السنة والأثر في معاملة الحكام ومناصحتهم, ليستبين الحق, ويتضح الدليل, والله من وراء القصد, وهو يهدي السبيل.
وقسّمت البحث إلى خمسة مطالب:
المطلب الأول: المقصود بالحكام والولاة.
المطلب الثاني: وجوب مناصحة الحكّام والولاة.
المطلب الثالث: ضوابط وشروط مناصحة الولاة والحكّام.
المطلب الرابع: مجالات وعظ الحكّام.
المطلب الخامس: أهمية مناصحة الحاكم ووعظه.
المطلب الأول: المقصود بالحكّام والولاة.
للحاكمية والولاية معنيان: خاصٌّ, وعامٌّ.
- المعنى الخاص: هي رياسة عامّة, وزعامة تامّة, تتعلّق بالخاصّة والعامّة, في مهمات الدين والدنيا ( [1]) ؛ والمراد بالإمام والحاكم هو: كلّ قائم بأمور الناس ( [2]) .
وهي بهذا المعنى: تطلق على حاكم البلاد؛ من ملك أو سلطان أو رئيس...
- المعنى العام: هم كلّ من له ولاية على المسلمين؛ من السلطان الأعظم إلى الأمير إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ( [3]) .
والمقصود هنا كلا المعنيين؛ فنصيح الحكّام يدخل ضمنها الولاية العامة, والخاصّة.
المطلب الثاني: وجوب مناصحة الحكّام والولاة.
تضافرت النصوص في بيان وجوب وعظ الحكّام وتذكيرهم ونصيحتهم, فمن ذلك:
- عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة؛ قلنا: لمن ؟ قال: لله ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين, وعامتهم» ( [4]).
قال ابن عبد البر رحمه الله: "ففي هذا الحديث أنّ من الدين النصح لأئمة المسلمين, وهذا أوجب ما يكون؛ فكل من واكلهم وجالسهم, وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك, إذا رجا أن يسمع منه" ( [5]).
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم» ( [6]).
- و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً؛ يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً, وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا, وأن تُنَاصِحُوا من ولاّه الله أمركم, ويسخط لكم قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال » ( [7]).
قال ابن عبد البر رحمه الله: "ففيه إيجاب النصيحة على العامة لولاة الأمر؛ وهم الأئمة, والخلفاء, وكذلك سائر الأمراء..." ( [8]).
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "أيتها الرعية إنّ لنا عليكم حقاً: النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير" ( [9]).
- وقال أنس رضي الله عنه : "السلطان ظلّ الله في الأرض؛ فمن غشه ضلّ, ومن نصحه اهتدى" ( [10]).
والنصح الوارد في هذه النصوص, يشمل وعظ الحكّام وتذكيرهم وكذا "حبّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم, واجتماع الأمة عليهم, وكراهية افتراق الأمة عليهم, والتدين بطاعتهم في طاعة الله, والبغض لمن أراد الخروج عليهم" ( [11]).
المطلب الثالث: ضوابط وشروط مناصحة الولاة والحكّام.
قيَّد أهل العلم نصيحة الحكّام بضوابط وشروط لا بد من اعتبارها؛ مستقين هذه الضوابط من نصوص الكتاب والسنّة, ومن أقوال السلف رحمهم الله.
ولا بد للداعية من مراعاة هذه الضوابط حتى تكون نصيحته مفيدة, ومؤتية ثمارها, وما يرجى منها؛ إذ الإخلال بهذه الضوابط قد يؤدي إلى فتنة وبلاء, وسفك للدماء, وأمور لا تحمد عقباها؛ وفي ما يلي ذكر لأهم هذه الضوابط:
1- الإخلاص في النصيحة:
ينبغي للناصح إذا دخل على السلطان أن يقصد بنصيحته وجه الله تعالى, وصلاح السلطان في نفسه, وفي سياسته وملكه, وألاّ يقصد شيئاً من حطام الدنيا, أو بلوغ مكانة وحظوة عند السلطان, أو نيل محمدة وثناء بين الناس.
قال ابن النحاس رحمه الله: "الداخل على الأمراء والسلاطين, لقصد الإنكار والموعظة؛ يجب أن يكون قصده في ذلك خالصاً لله تعالى؛ فإنه قد يقدم على ذلك؛ وإنما قصده أن يكون كلامه سبباً لتعرّفه بالسلطان, وطلب المنزلة عنده, أو يكون قصده طلب المحمدة من الناس, وإطلاق الألسنة بالثناء عليه, والشكر لصنيعه, وتعمير قلوبهم بتوقيره عندهم, وتعظيمه, وأن يقال عنه إنّه أغلظ للسلطان وأقدم عليه بالكلام, ولم يبال فيصير معظّماً عند الناس, ويخشاه أبناء جنسه, إلى غير ذلك من المقاصد التي لا تنحصر؛ لتنوّع الأغراض, وهذه مزلّة عظيمة يجب التفطّن لها, والتنبه عليها, وتحقيق القصد قبل الوقوع فيها" ( [12]).
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله -بعد أن ذكر جملة من مناصحات السلف رحمهم الله للأمراء والسلاطين- :"فهكذا كان دخول أهل العلم على السلاطين؛ أعني علماء الآخرة.
فأما علماء الدنيا؛ فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم, فيدلّونهم على الرخص, ويستنبطون لهم بدقائق الحيل طرق السعة فيما يوافق أغراضهم, وإن تكلموا بمثل ما ذكرناه في معرض الوعظ؛ لم يكن قصدهم الإصلاح, بل اكتساب الجاه والقبول عندهم, وفي هذا غروران يغتر بهم الحمقى.
أحدهما: أن يظهر أن قصدي في الدخول عليهم إصلاحهم بالوعظ, وربما يلبسون على أنفسهم بذلك؛ وإنما الباعث لهم شهوة خفية للشهرة, وتحصيل المعرفة عندهم.
وعلامة الصدق في طلب الإصلاح؛ أنه لو تولى ذلك الوعظ غيره ممن هو من أقرانه في العلم, ووقع موقع القبول, وظهر به أثر الصلاح؛ فينبغي أن يفرح به, ويشكر الله تعالى على كفايته هذه المهمة؛ كمن وجب عليه أن يعالج مريضاً ضائعاً فقام بمعاجلته غيره؛ فإنه يعظم به فرحه, فإن كان يصادف في قلبه ترجيحاً لكلامه على كلام غيره فهو مغرور.
الثاني: أن يزعم أني أقصد الشفاعة لمسلم في دفع ظلامة, وهذا أيضاً مظنة الغرور ومعياره ما تقدم ذكره" ( [13]).
2- الإسرار بالنصيحة:
ينبغي أن تكون النصيحة سراً بين الناصح والحاكم؛ من غير جهر بها, فإنّ الجهر بأخطاء الحكّام بين الناس, ونشره في المجالس والمحافل, وذكره على المنابر من أعظم مسببات القلاقل والفتن, وهي شرارة الخوارج, وزناد نيرانها.
ثمّ إنّ الجهر بالنصيحة ممّا يوغر الصدور, ويثير الأحقاد والأضغان, ويكون سبباً في ردّ الحقّ, وعدم تقبّله.
قال ابن القيّم رحمه الله: "ومن دقيق الفطنة؛ أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ فتحمله رتبته على نصرة الخطأ, وذلك خطأ ثان؛ ولكن تلطف في إعلامه به حيث لا يشعر به غيره" ( [14]).
والنصوص في وجوب مسارّة الحاكم بالنصيحة كثيرة؛ منها:
- ما جاء في مسند الإمام أحمد: "أنّ عياض بن غنم رضي الله عنه جَلَدَ صاحب دارا ( [15]) حين فُتحت؛ فأغلظ له هشام بن حكيم رضي الله عنه القول حتى غضب عياض, ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه, ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس».
فقال عياض بن غنم رضي الله عنه : يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت, ورأينا ما رأيت, أولم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية, ولكن ليأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك, وإلا كان قد أدى الذي عليه له», وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله؛ فهلا خشيت أن يقتلك السلطان, فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى ( [16]).
وكان السلف رحمهم الله يكرهون مناصحة الأمراء على رؤوس الأشهاد, ويحبّون أن تكون سراً فيما بين الناصح والحاكم؛ ويرون أنّ ذلك من علامات النصح ( [17]).
قال الشوكاني رحمه الله: "ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد؛ بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلو به, ويبذل له النصيحة, ولا يذل سلطان الله" ( [18]).
- قيل لأسامة بن زيد رضي الله عنه : "ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه فتكلمه ؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم, والله لقد كلمته فيما بيني وبينه, ما دون أن أفتتح أمراً لا أحبّ أن أكون أول من فتحه" ( [19]).
يريد بذلك: "أن لا أكون أوّل من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية, فيكون باباً في القيام على أئمة المسلمين, فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة...ثم عرّفهم أنه لا يداهن أميراً أبداً, بل ينصح له في السرّ جهده" ( [20]).
وقال النووي رحمه الله - عند كلامه على حديث أسامة -: "يعني: المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ كما جرى لقتلة عثمان رضي الله عنه , وفيه الأدب مع الأمراء, واللطف بهم, ووعظهم سراً, وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه" ( [21]).
- وعن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس رضي الله عنهما آمر إمامي بالمعروف ؟ قال: إن خشيت أن يقتلك فلا؛ فإن كنت ولا بد فاعلاً ففيما بينك وبينه, ولا تعتب إمامك" ( [22]).
قال ابن النحاس رحمه الله: " ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يودّ لو كلَّمه سراً ونصحه خفية، من غير ثالث لهما " ( [23]).
3- الترفّق مع الحاكم في النصيحة:
الرفق في النصيحة مطلوب في كلّ حال, وهو مع السلطان والأمير أشدّ تأكيداً, لأنّ للسلطان مكانته ومنـزلته شرعاً وعُرفاً, ثمّ إنّ من شأن الغلظة والفضاضة أن تنقص من أقدارهم, وتفوِّت انتفاعهم بالموعظة.
قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء, فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم, وإذا استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم" ( [24]) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "فإن وعظ سلطاناً تلطّف معه غاية ما يمكن, ولم يواجهه بالخطاب, فإنّ الملوك إذا وُجِهوا بالخطاب رأوا ذلك نقصاً" ( [25]).
فالأصل في مناصحة الإمام أن يكون برفق وتلطّف, لأنّ ذلك أحفظ لمكانته, وأدعى لقبول النصيحة والموعظة, بخلاف التغليظ, وتخشين القول, فإنّه يوجب النفرة, ويحرِّك الفتنة, التي يتعدّى شررها إلى الغير.
قال ابن الجوزي رحمه الله: "الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ؛ فأما تخشين القول نحو: يا ظالم ! يا من لا يخاف الله ! فإن كان ذلك يحرِّك فتنة يتعدى شرّها إلى الغير لم يجز, وإن لم يخف إلاّ على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء......... قال: والذي أراه المنع من ذلك....." ( [26]) .
- أما سب الأمير ولعنه: فقد اتفق السلف رحمهم الله على تحريمه.
- فعن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكرة رضي الله عنه تحت منبر ابن عامر؛ وهو يخطب وعليه ثياب رقاق؛ فقال: أبو بلال مرداس بن أدية - أحد الخوارج -: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسَّاق؛ فقال أبو بكرة س : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» ( [27]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نهانا كبراؤنا من أصحاب صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمراءكم, ولا تغشوهم, ولا تبغضوهم, واتقوا الله واصبروا؛ فإن الأمر قريب" ( [28]).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "إياكم ولعن الولاة فإنّ لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة؛ قيل: يا أبا الدرداء! فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب ؟ قال: اصبروا، فإنّ الله إذا رأى ذلك منهم؛ حبسهم عنكم بالموت" ( [29]).
4- علم الناصح بما يأمر به, وينهى عنه:
الإنكار على السلطان والأمير إنما يكون للعلماء الذين يجمعون بين فضل العلم, وصلاح العمل؛ ويعلمون المصالح والمفاسد, وما هو الأصلح للراعي والرعيّة ( [30]).
لأنّ ذلك أحرى لقبول النصيحة, وأبعد عن فتنة الناصح.
قال سفيان الثوري رحمه الله: "لا يأمر السلطان بالمعروف إلاّ رجل عالمٌ بما يأمر به وينهى عنه, رفيق بما يأمر به وينهى عنه, عدلٌ" ( [31]).
5- القدرة والاستطاعة:
إنّ الدخول على السلاطين والأمراء لوعظهم ونصحهم وتذكيرهم لا يستطيعه إلاّ من جمع رباطة الجأش, وقوة الإرادة, وشدة الارتباط بالله عز وجل؛ فإن خشي الواعظ على نفسه الهلاك, ولم تقو على ذلك, فلا ينبغي له أن يقدم على نصيحة السلطان؛ فإنّ المؤمن لا ينبغي أن يذلّ نفسه.
فعن عمارة بن مهران قال: "قيل للحسن ألا تدخل على الأمراء فتأمرهم بالمعروف, وتنهاهم عن المنكر ؟ قال: ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه؛ إن سيوفهم لتسبق ألسنتنا, إذا تكلمنا قالوا بسيوفهم هكذا؛ ووصف لنا بيده ضرباً" ( [32]).
وقيل لداود الطائي ( [33]) رحمه الله: "أرأيت رجلاً دخل على هؤلاء الأمراء؛ فأمرهم بالمعروف, ونهاهم عن المنكر ؟ قال: أخاف عليه السوط, قال: إنه يقوى, قال: أخاف عليه السيف, قال: إنه يقوى, قال: أخاف عليه الداء الدفين؛ من العجب" ( [34]).
6- أن لا يحصل بإنكاره ووعظه منكرٌ أكبر من الذي أنكره:
فإن ظنّ حصوله؛ فلا ينبغي له أن يَقْدم على وعظ السلطان والإنكار عليه, فدرء المفاسد مقدّم على جلب المصالح عند استوائهما.
قال ابن القيم رحمه الله: "شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله؛ فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره, وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله" ( [35]).
وقال: "ومن تأمَّل ما جرى في الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر, فطلب إزالته, فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها" ( [36]).
ولذلك كان السلف رحمهم الله يتوقّفون عن وعظ الحكّام والإنكار عليهم إذا خافوا فوات الفائدة, واندلاع الفتنة.
قيل لسفيان الثوري: "ألا تأتي السلطان فتأمره ؟ قال: إذا انبثق البحر فمن يسكّره" ( [37]).
المطلب الرابع: مجالات مناصحة الحكّام.
مناصحة السلاطين على ضربين:
- إما أن تكون نصيحة عامة يحضرها السلطان وغيره من الرعيّة؛ فللناصح أن يذكر في نصيحته هذه كلاماً عاماً ينتفع به السلطان وغيره, كالأمر بالعدل, والتحذير من الظلم, وغيرهما ( [38]).
- أو يكون النصح خاصاً يلقيه الناصح بين يدي السلطان؛ وهذا هو المقصود ها هنا.
ومن خلال تتبّع مناصحات السلف رحمهم الله للحكّام والسلاطين؛ يمكن أن نستشفّ أبرز محاور وعظ الحكّام ومجالاته, وهي على النحو التالي:
المجال الأول: نصح السلطان إذا تلبّس بمعصية, أو أمر بها.
من واجب الدعاة والوعّاظ ولا سيما العلماء؛ مناصحة السلطان ووعظه إذا رأوه متلبساً بمعصية, أو مشيعاً لها, أو آمراً بها.
ويتأكّد نصح الأمراء والحكّام خصوصاً لأنهم أكثر خطأ -في الغالب- من العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والأمراء في الغالب أكثر خطأ من العلماء، لأنه لسلطته قد تأخذه العزة بالإثم، فيريد أن يفرض سُلطته على الصواب والخطأ، فالغالب من أئمة المسلمين في السلطة وهم الأمراء أن الخطأ فيهم أكثر من العلماء -إلا ما شاء الله-" ( [39]).
فالواجب إذاً مناصحتهم درءًا للمفسدة, وقياماً بواجب النصح.
قال ابن زمنين رحمه الله: "فالسمع والطاعة لولاة الأمر أمر واجب مهما قصّروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم, غير أنهم يُدعون إلى الحقّ, ويُؤمرون به, ويُدلُّون عليه, فعليهم ما حمّلوا, وعلى رعاياهم ما حمّلوا من السمع والطاعة لهم" ( [40]).
ونصح السلطان في هذه الحال يدرأ مفاسد عظيمة؛ إذ أنّ العامة إذا رأوا أميرهم مقيماً على المعاصي كان ذلك مسوِّغاً لهم لاقترافها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وفعل الأمير للمنكر قد يكون أشدّ من فعل عامة الناس؛ لأنّ فعل الأمير للمنكر يلزم منه زيادةً على إثمه محذوران عظيمان:
الأول: اقتداء الناس به, وتهاونهم بهذا المنكر.
والثاني: أنّ الأمير إذا فعل المنكر سيقلّ في نفسه تغييره على الرعيّة, أو تغيير مثله, أو مقاربه" ( [41]).
ومن الضوابط الواجب مراعاتها في هذا المقام:
1- التأكّد والتثبّت:
من كونه قد حصل من السلطان أو الأمير ما ينبغي نصحه ووعظه عليه, كانتهاك حرمة من حرمات الله, أو أمره بمعصية وإذنه بها.
فإنّ الكذب على الحكّام, وتزوير الأقوال عليهم, وإشاعة القصص الكاذبة كثير جداً؛ ودوافع هذا التزوير تختلف من ملفِّق لآخر؛ كالسعي لإذكاء نار الفتنة, أو روم منصب سياسي, وغيرهما من الأسباب.
قال ابن الوردي ( [42]):
إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمَنْ
وليَ الأحكامَ هذا إنْ عدلْ
وقال ابن عبد ربه: "ومن شأن الرعية قلَّة الرضا عن الأئمة، وتحجّر العذر عليهم، وإلزام اللائمة لهم؛ وربّ ملوم لا ذنب له؛ ولا سبيل إلى السلامة من ألسنة العامة، إذ كان رضا جملتها، وموافقة جماعتها؛ من المعجز الذي لا يدرك، والممتنع الذي لا يملك؛ ولكل حصته من العدل، فمن حق الإمام على رعيته أن تقضي عليه بالأغلب من فعله، والأعم من حكمه. ومن ومنـزلته من الحكم" ( [43]).
ومن شواهد تحرِّي السلف رحمهم الله وتثبّتهم مما يُنسب للحكّام والأمراء؛ أنّه مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية ( [44]) فأرادوه على خلع يزيد بن معاوية, فأبى عليهم؛ فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر, ويترك الصلاة, ويتعدى حكم الكتاب؛ فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون, وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواضباً على الصلاة, متحرياً للخير, يسأل عن الفقه, ملازماً للسنة, قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعاً لك, فقال: وما الذي خاف مني, أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع, أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؛ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه, وإن لم يطلعكم فما يحلّ لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا, قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه, فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة فقال: ? إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ? ( [45])؛ ولست من أمركم في شيء" ( [46]).
2- عدم إفشاء سرِّه أو التفتيش عن زلاّته:
فإنّ الستر واجب على كلّ مسلم فكيف بالحاكم الذي يلي أمور المسلمين, فإنّ إشاعة ذلك مما يُذْهِب هيبة السلطان, ويسبب الفتن, وإثارة الناس عليه.
كما لا يجوز التفتيش على زلاّت الحكّام والأمراء, لأنّ إنكار المنكر متعلِّق بالرؤية.
قال ابن رجب رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً» ( [47]) يدلّ على أن الإنكار متعلِّق بالرؤية؛ فإن كان مستوراً فلم يره, ولكن علم به؛ فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يتعرَّض له, وأنه لا يفتش عما استراب به" ( [48]).
وقال ابن النحاس رحمه الله: "ويشترط أن يكون المنكر ظاهراً بغير تجسّس, فكلّ من ستر معاصيه في داره, أو أغلق عليه بابه, لا يجوز لأحد أن يتجسس عليه" ( [49]).
ومن نماذج نصائح السلف رحمهم الله في هذا الباب:
- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كتب أبو الدرداء رضي الله عنه إلى الأمير: مسلمة بن مخلد: أما بعد؛ فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله, فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه؛ وإذا عمل العبد بمعصية الله أبغضه الله؛ فإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه" ( [50]).
- دخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجاً؛ فقال: هل بها رجلٌ أدرك عدّة من الصحابة؟ قالوا: نعم أبو حازم؛ فأرسل إليه, فلما أتاه قال: يا أبا حازم! ما هذا الجفاء؟ قال: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ قال: وجوه الناس أتوني ولم تأتني, قال: والله ما عرفتني قبل هذا, ولا أنا رأيتك فأي جفاء رأيت مني؟ فالتفت سليمان إلى الزهري فقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا.
فقال: يا أبا حازم! مالنا نكره الموت؟ فقال: عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة, فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب, قال: صدقت
فقال: يا أبا حازم! ليت شعري ما لنا عند الله تعالى غداً؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله عز وجل, قال: وأين أجده من كتاب الله تعالى؟ قال: قال الله تعالى: ( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ( [51]).
قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال أبو حازم: قريب من المحسنين.
قال سليمان: ليت شعري كيف العرض على الله غداً؟ قال أبو حازم: أما المحسن كالغائب يقدم على أهله, وأما المسيء كالآبق يقدم به على مولاه؛ فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتد بكاؤه.
فقال يا أبا حازم! كيف لنا أن نصلح؟ قال: تدعون عنكم الصَّلَفَ, وتمسكوا بالمروءة, وتقسموا بالسوية, وتعدلوا في القضية؛ قال يا أبا حازم! وكيف المأخذ من ذلك؟ قال: تأخذه بحقه, وتضعه بحقه في أهله.
قال يا أبا حازم! من أفضل الخلائق؟ قال: أولوا المروءة والنهى؛ قال: فما أعدل العدل؟ قال: كلمة صدق عند من ترجوه وتخافه" ( [52]).
- وكان هارون الرشيد قد بنى قصراً؛ فلما فرغ منه استدعى أبا العتاهية فقال له: صف لي ما نحن فيه من العيش؛ فأنشأ يقول:
عش ما بَدَا لَكَ سالماً
في ظل شاهقة القُصُور
يُسْعَى عليك بما اشتهيت
لَدَى الرَوَاح وفي البُكُور
فإذا النفوس تَقَعْقَعَت
في ضيق حَشْرَجَة الصُدُور
فهناك تَعْلَم مُوقناً
ما كُنْتَ إلاّ في غُرُور
فبكى الرشيد؛ فقال له الوزير: دعاك أمير المؤمنين لتسرَّه فأحزنته..." ( [53]).
المجال الثاني: نصح السلطان إذا تلبّس ببدعة, أو أمر بها.
من أهم الواجبات التي تجب على الوعّاظ والعلماء تجاه حكّامهم, بذل النصيحة لهم, وتبيين الحق لهم, وتحذيرهم من مخالفة السنّة, وبيان أنّ التمسّك بها طريق للنجاة والجنان.
كما يجب إيضاح خطر البدع حتى لا يقع فيها, أو إن كان متلبِّساً بها تركها, وتاب منها؛ وكذلك تحذيره من المبتدعة, وأصحاب المذاهب المنحرفة حتى لا يكونوا سبيلاً لوقوعه, ووقوع رعيته في الضلال والابتداع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- في أثناء حديثه عن حقوق الولاة-: "وأما من كان مبتدعاً بدعة ظاهرة, أو فاجراً فجوراً ظاهراً؛ فهذا إلى أن تنكر عليه بدعته وفجوره أحوج منه إلى أن يطاع فيما يأمر به" ( [54]).
وقال ابن جماعة رحمه الله -في بيانه لحقوق الولاة على رعاياهم-: "الحق السادس: تحذيره من عدو يقصده بسوء, وحاسد يرومه بأذى, أو خارجي يخاف عليه منه, ومن كلّ شيء يخاف عليه منه على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه, فإنّ ذلك من آكد حقوقه وأوجبها" ( [55]).
فلا بد للناصح أن يحثّ السلطان على الأخذ على أيدي المبتدعة لعظيم ضررهم على دين العباد.
قال ابن عقيل رحمه الله: "كما لا يحسن في سياسة الملك العفو عمن سعى على الدولة بالخروج على السلطان, لا يحسن أيضاً أن يُعفي عمن ابتدع في الأديان, لأنّ فساد الأديان والابتداع كفساد الدول بالخروج على الملك, فالمبتدعون خوارج الشريعة" ( [56]).
ومن نماذج نصائح السلف في ذلك:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة, ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم؛ فيعظهم, ويوصيهم, ويأمرهم؛ فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه, أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر؛ فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت؛ فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي, فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة؛ فقلت له: غيرتم والله, فقال: أبا سعيد! قد ذهب ما تعلم, فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم, فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة" ( [57]).
- وعن حصين بن عبد الرحمن قال: "رأيت بشر بن مروان يوم جمعة يرفع يديه؛ فقال عمارة بن رؤيبة: قبَّح الله هاتين اليدين؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا؛ وأشار بإصبعه المسبحة" ( [58]).
ففي هذين النصين إنكار الصحابة على الأمراء ابتداعهم في الدين, وتغييرهم لسنة المصطفى ز, وهذا الإنكار جاء من طريق الوعظ والتذكير.
- وعن الوليد بن أبي السائب أن رجاء بن حيوة كتب إلى هشام بن عبد الملك: "بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخلك شيء من قتل غيلان ( [59]) وصالح؛ وأقسم لك بالله يا أمير المؤمنين: إنّ قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم أو الترك" ( [60]).
وفي هذا التذكير مؤازرة للحاكم على ردع المبتدعة, واستئصال شوكتهم.
المجال الثالث: نصح السلطان إذا ظلم الرعيّة.
من واجب العلماء والوعّاظ أن ينتصروا للمظلومين؛ وذلك بتنبيه الحكّام على موقع الظلم إن كان من طرف عمالهم؛ أو ببيان عاقبة الظلم وشناعته, إن كان الظلم من طرف الحاكم نفسه؛ وهذا الأمر من تمام النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم.
وظلم الحاكم لرعيّته واردٌ؛ إلاّ من عصمه الله تعالى من أئمة العدل.
قال تعالى: ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) ( [61]).
ومن نماذج نصائح السلف رحمهم الله في هذا المجال:
- بعث سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله كتاباً جاء فيه:
"...ما أعظم الذي ابتليت به يا عمر؛ فاقطع الذي سبق إليك من أمر هذه الأمة بالعدل, ومن بعثت من عمالك فازجره زجراً شديداً شبيهاً بالعقوبة عن أخذ الأموال وسفك الدماء إلاّ بحقها؛ المال المال يا عمر, الدم الدم يا عمر؛ فإنّه لا عدّة لك من هول جهنم من عامل بلغك ظُلْمه ولم تغيره..." ( [62]) .
- وعن الأصمعي قال: "وعظ عطاء بن أبي رباح عبد الملك بن مروان يوماً فقال له: يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة, واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس, واتّق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين, وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم, واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم, فقال له: أجل أفعل؛ ثم نهض وقام" ( [63]).
- دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين! إني مكلمك بكلام فاحتمله, وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته, فقال: يا أعرابي! إنّا لنجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه, ولا نأمن غشه؛ فكيف بمن نأمن غشه, ونرجو نصحه.
فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! إنه قد تكنّفك رجالٌ أساءوا الاختيار لأنفسهم, وابتاعوا دنياهم بدينهم, ورضاك بسخط ربهم؛ خافوك في الله تعالى, ولم يخافوا الله فيك؛ حرب الآخرة سلم الدنيا؛ فلا تأتمنهم على ما ائتمنك الله تعالى عليه, فإنهم لم يألوا في الأمانة تضييعاً, وفي الأمة خسفاً وعسفاً ( [64]), وأنت مسؤل عما اجترحوا وليسوا بمسؤولين عما اجترحت؛ فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك؛ فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره؛ فقال له سليمان: يا أعرابي! أما إنك قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك قال: أجل يا أمير المؤمنين, ولكن لك لا عليك" ( [65]).
المطلب الخامس: أهمية مناصحة الحاكم ووعظه.
لصلاح ولاة الأمر واستقامتهم أثر عظيم على صلاح شأن البلاد والعباد؛ ولهذا كثر احتفاء السلف رحمهم الله بوعظ الأمراء؛ حتى قال: خالد بن صفوان ( [66]) رحمه الله: "إني عاهدت الله عهداً أن لا أخلو بملك إلاّ ذكرته بالله" ( [67]).
كما اهتم علماء السلف رحمهم الله بجمع مواعظ العلماء للأمراء, وإفرادها بالتأليف والتصنيف, فألِّف في هذا الشأن كتبٌ كثيرة ( [68]).
ومما يوضّح ويجلي عظم أهمية مناصحة الأمراء ووعظهم؛ ما يلي:
1- صلاح السلطان:
وبصلاح السلطان يصلح الرعيّة, ويستقيم أمر البلاد والعباد, ويعمّ الخير, وينتشر الأمن, ويسلم للناس دينهم, وتصلح لهم دنياهم.
ولذلك حضّ الشارع على نصيحة السلطان, وتوجيهه إلى الخير والرشاد.
قال عمر بن الخطاب س : "إنّ الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم" ( [69]).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : "لن تزالوا بخير ما صلحت أئمتكم" ( [70]).
2- صلاح المجتمع, واجتماع الأمة:
وذلك لأنّ كلاً سيأخذ حقّه من ثواب للمحسن, وعقاب للمسيء, فيزداد المحسن إحساناً وينـزجر المسيء عن إساءته, ويعتبر به غيره, فيُقْطع دابر الشّر, وينتشر الخير والصلاح.
قال الحسن البصري رحمه الله - في الأمراء-: "هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة, والجماعة, والعيد, والثغور, والحدود.
والله! ما يستقيم الدين إلا بهم؛ وإن جاروا أو ظلموا, والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون؛ مع أنّ والله إن طاعتهم لغيظ, وإن فرقتهم لكفر" ( [71]).
قال المناوي رحمه الله: "..إنّ وجود السلطان في الأرض حكمة عظيمة, ونعمة على العباد جزيلة؛ لأنّ الله جبل الخلق إلاّ الأنبياء والمرسلين على حبّ الانتصاب, وعدم الإنصاف, فلولا السلطان في الأرض لأكل الناس بعضهم بعضاً, كما أنه لولا الراعي لأتت السباع على الماشية" ( [72]).
- ومما سبق نخلص إلى أنّ نصح الولاة من الأمور الواجبة على العلماء والدعاة -متى رأوا من إمامهم معصية أو بدعة أو ظلماً-, لما في ذلك من صلاح للعباد والبلاد وحسر الفساد وقمع البدع وإحياء شعائر الدين, وغير ذلك من المصالح العظيمة.
ولكن ينبغي أن يصحب هذا النصح جملة من الضوابط المبنيّة على التثبّت, والإسرار, ومراعاة قدر الولاة, والترفّق بهم, وإخلاص النصح لهم.
( [1] ) "غياث الأمم في التيّات الظلم" للجويني, ص 15.
( [2] ) "فتح الباري" 6/116.
( [3] ) " الرياض الناضرة" لعبد الرحمن السعدي, ص 149.
( [4] ) رواه مسلم في "صحيحه" 1/74, كتاب: الإيمان, باب: بيان أنّ الدين النصيحة, رقم: 82.
( [5] ) "التمهيد" 21/285.
( [6] ) رواه الترمذي في سننه 5/34, كتاب: العلم عن رسول الله, باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع, رقم: 2582, واللفظ له, وابن ماجة في مقدمة سننه 1/84, رقم: 226, وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/760؛ ومعنى: لا يغلّ عليهن قلب المسلم: أي: لا يقوى فيه مرض ولا نفاق إذا أخلص العمل لله, "التمهيد" 21/277.
( [7] ) رواه مالك في الموطأ 2/990, كتاب: الجامع, باب: ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين, رقم: 1796, وأحمد في مسنده 14/400, رقم: 8799, وصححه الألباني في "الأدب المفرد" 1/158.
( [8] ) "التمهيد" 21/284.
( [9] ) رواه هناد في "الزهد" 2/602.
( [10] ) رواه البيهقي في "الشعب" 6/18.
( [11] ) "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي 2/693.
( [12] ) "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين" لابن النحاس, ص 57.
( [13] ) "إحياء علوم الدين" 2/148.
( [14] ) "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم, ص 58.
( [15] ) دارا: قرية بالغوطة ينسب إليها أبو سليمان الداراني, ولم اهتد لاسم صاحبها, فيض القدير 5/277.
( [16] ) رواه أحمد في مسنده 24/48-49, رقم: 15333. وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.
( [17] ) "الفرق بين النصيحة والتعيير" لابن رجب, ص 71.
( [18] ) "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" للشوكاني 4/556.
( [19] ) متفق عليه, البخاري3/1191, كتاب: بدء الخلق, باب: صفة النار وأنها مخلوقة, رقم: 3027, ومسلم4/2290 , كتاب: الزهد والرقائق, باب: عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله, رقم: 5305. واللفظ له.
( [20] ) "شرح ابن بطال على صحيح البخاري" 10/49.
( [21] ) "شرح صحيح مسلم" للنووي 18/118.
( [22] ) رواه سعيد بن منصور في سننه 4/103, والبيهقي في "الشعب" 6/96.
( [23] ) "تنبيه الغافلين" ص 50.
( [24] ) "تفسير القرطبي" 5/260.
( [25] ) "القصاص والمذكرين" ص 368.
( [26] ) "الآداب الشرعية" 1/197.
( [27] ) رواه الترمذي في سننه 4/502, كتاب: الفتن عن رسول الله, باب: ما جاء في الخلفاء, رقم: 2150, وصححه الألباني في مشكاة المصابيح, رقم: 3695.
( [28] ) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 2/488, والبيهقي في "الشعب" 6/69.
( [29] ) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 2/488.
( [30] ) "شعب الإيمان" للبيهقي 6/85.
( [31] ) رواه البغوي في "شرح السنة" 10/54.
( [32] ) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/176.
( [33] ) داود بن نصير أبو سليمان, الطائي الكوفي, الإمام, من كبار أئمة الفقه والرأي, وكان رأسا في العلم والعمل, توفي سنة: 162 هـ, سير أعلام النبلاء 7/422.
( [34] ) رواه أبو نعيم في "الحلية" 7/358, قلت: وإسناده جيّد.
( [35] ) "إعلام الموقعين" 3/4.
( [36] ) المصدر السابق 3/4.
( [37] ) رواه الخلال في "السنّة" ص 41, قلت: ورجاله ثقات.
( [38] ) انظر: "القصاص والمذكرين", ص 368.
( [39] ) "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين 1/681.
( [40] ) "أصول السنّة" لابن زمنين, ص 276.
( [41] ) "شرح العقيدة الواسطية" لابن عثيمين 2/338.
( [42] ) "العطر الوردي شرح لامية ابن الوردي" لمصطفى مخدوم, ص 131.
( [43] ) "العقد الفريد" لابن عبد ربه 1/8.
( [44] ) محمد بن الإمام علي بن أبي طالب أبو القاسم, السيد الإمام؛ كان أعلم الناس بحديث علي بن أبي طالب, وقد غلت فيه الشيعة, توفي سنة: 80 هـ, سير أعلام النبلاء 4/401.
( [45] ) سورة الزخرف, الآية 86.
( [46] ) "البداية والنهاية" لابن كثير 8/233.
( [47] ) رواه مسلم 1/69, كتاب: الإيمان, باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان, رقم: 70.
( [48] ) "جامع العلوم والحكم" ص 324.
( [49] ) "تنبيه الغافلين" ص 26.
( [50] ) رواه هناد في "الزهد" 1/299.
( [51] ) سورة الانفطار, الآيتين 13-14.
( [52] ) رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/235, والحميدي في "الذهب المسبوك", ص 165.
( [53] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك", ص 218.
( [54] ) مجموع الفتاوى 11/517.
( [55] ) "تحرير الأحكام" لابن جماعة, ص 63.
( [56] ) "الفنون" لابن عقيل 1/109.
( [57] ) رواه البخاري 1/326, كتاب: الجمعة, باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر, رقم: 903.
( [58] ) رواه مسلم 2/595, كتاب: الجمعة, باب: تخفيف الصلاة والخطبة, رقم: 1443.
( [59] ) غيلان بن مسلم الدمشقي، أبو مروان كاتب من البلغاء من القدرية، أفتى الأوزاعي بقتله؛ فصلب على باب كيسان بدمشق بعد عام 150هـ. لسان الميزان: 4/424.
( [60] ) رواه أبو نعيم في "الحلية" 5/172, قلت: وإسناده صحيح.
( [61] ) سورة النمل, الآية 34.
( [62] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك" ص 181.
( [63] ) المصدر السابق, ص 164.
( [64] ) أي: تجويعاً وظلماً, لسان العرب 9/246 و 9/69.
( [65] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك", ص 174.
( [66] ) خالد بن صفوان بن الأهتم أبو صفوان البصري, العلامة البليغ فصيح زمانه, قال الذهبي: وفد على عمر بن عبد العزيز, ولم أظفر له بوفاة إلا أنه كان في أيام التابعين" سير أعلام النبلاء 6/226, وقال عنه ابن أبي حاتم: "كوفي روى عن زيد بن علي روى عنه هشيم" الجرح والتعديل 3/336.
( [67] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك", ص 186.
( [68] ) ومن أمثلة ما ألف في مواعظ الملوك:
1- "الذهب المسبوك في وعظ الملوك" للحميدي.
2- "نصيحة الملوك" لأبي حامد الغزالي.
3- "الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء" لابن الجوزي.
4- "نصيحة الملوك" للماوردي.
5- "النصيحة للراعي والرعيّة" للتبريزي.
6- "النصائح المهمة للملوك والأئمة" للحموي.
( [69] ) رواه البيهقي في "الشعب" 6/42.
( [70] ) المصدر السابق 6/41.
( [71] ) "ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم" ص 262.
( [72] ) "طاعة السلطان وإغاثة اللهفان" للمناوي, ص 41.
كتبه: أبو يزيد سليم بن صفية المدني
الحمد لله الذي رفع ألوية السنّة الغرّاء, ونكّس أعلام البدعة البتراء, وجعل في كلّ عصر لسان صدق بالحق قوّالاً, وللخير داعياً وفعّالاً
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران ]
وإنّ الله عز وجل قد ساس هذه الأمة وحفظ لها دينها, وأقام لها منهجاً أبلجاً, من أخذ بزمامه نجا, ومن تنكّبه فقد سلك طريقاً أعوجاً.
وإنّ مما فارق به أهل السنة والأثر أهل البدع والأهواء, معاملة الحكام, ودعوتهم, والحرص على صلاحهم واستقامتهم, وانقسموا في ذلك طرائق قدداً, فصنف من الدعاة حشد خطبه ومواعظه بل وكتبه بالصراخ والعويل, بل بالتلبيس والتضليل, والطعن في الحكام وتأليب العامة والدهماء عليهم, فأججوا بذلك نار الفتـن, وجرّوا على هذه الأمة الويلات والمحن.
وصنفٌ آخر تلبّس بلبوس الإرجاء, وداهن وباع دينه بأبخس الأثمان, وصار شيطاناً أخرصاً, لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
ولكن الحق أبلج, والباطل لجلج, لمن رام للحق وصالاً, وللباطل استئصالاً.
ولما كان الأمر على ما وُصف, أردت أن أبيّن في هذا البحث المقتضب, معالم أهل السنة والأثر في معاملة الحكام ومناصحتهم, ليستبين الحق, ويتضح الدليل, والله من وراء القصد, وهو يهدي السبيل.
وقسّمت البحث إلى خمسة مطالب:
المطلب الأول: المقصود بالحكام والولاة.
المطلب الثاني: وجوب مناصحة الحكّام والولاة.
المطلب الثالث: ضوابط وشروط مناصحة الولاة والحكّام.
المطلب الرابع: مجالات وعظ الحكّام.
المطلب الخامس: أهمية مناصحة الحاكم ووعظه.
المطلب الأول: المقصود بالحكّام والولاة.
للحاكمية والولاية معنيان: خاصٌّ, وعامٌّ.
- المعنى الخاص: هي رياسة عامّة, وزعامة تامّة, تتعلّق بالخاصّة والعامّة, في مهمات الدين والدنيا ( [1]) ؛ والمراد بالإمام والحاكم هو: كلّ قائم بأمور الناس ( [2]) .
وهي بهذا المعنى: تطلق على حاكم البلاد؛ من ملك أو سلطان أو رئيس...
- المعنى العام: هم كلّ من له ولاية على المسلمين؛ من السلطان الأعظم إلى الأمير إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ( [3]) .
والمقصود هنا كلا المعنيين؛ فنصيح الحكّام يدخل ضمنها الولاية العامة, والخاصّة.
المطلب الثاني: وجوب مناصحة الحكّام والولاة.
تضافرت النصوص في بيان وجوب وعظ الحكّام وتذكيرهم ونصيحتهم, فمن ذلك:
- عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة؛ قلنا: لمن ؟ قال: لله ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين, وعامتهم» ( [4]).
قال ابن عبد البر رحمه الله: "ففي هذا الحديث أنّ من الدين النصح لأئمة المسلمين, وهذا أوجب ما يكون؛ فكل من واكلهم وجالسهم, وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك, إذا رجا أن يسمع منه" ( [5]).
- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم» ( [6]).
- و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً؛ يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً, وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا, وأن تُنَاصِحُوا من ولاّه الله أمركم, ويسخط لكم قيل وقال, وإضاعة المال, وكثرة السؤال » ( [7]).
قال ابن عبد البر رحمه الله: "ففيه إيجاب النصيحة على العامة لولاة الأمر؛ وهم الأئمة, والخلفاء, وكذلك سائر الأمراء..." ( [8]).
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "أيتها الرعية إنّ لنا عليكم حقاً: النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير" ( [9]).
- وقال أنس رضي الله عنه : "السلطان ظلّ الله في الأرض؛ فمن غشه ضلّ, ومن نصحه اهتدى" ( [10]).
والنصح الوارد في هذه النصوص, يشمل وعظ الحكّام وتذكيرهم وكذا "حبّ صلاحهم ورشدهم وعدلهم, واجتماع الأمة عليهم, وكراهية افتراق الأمة عليهم, والتدين بطاعتهم في طاعة الله, والبغض لمن أراد الخروج عليهم" ( [11]).
المطلب الثالث: ضوابط وشروط مناصحة الولاة والحكّام.
قيَّد أهل العلم نصيحة الحكّام بضوابط وشروط لا بد من اعتبارها؛ مستقين هذه الضوابط من نصوص الكتاب والسنّة, ومن أقوال السلف رحمهم الله.
ولا بد للداعية من مراعاة هذه الضوابط حتى تكون نصيحته مفيدة, ومؤتية ثمارها, وما يرجى منها؛ إذ الإخلال بهذه الضوابط قد يؤدي إلى فتنة وبلاء, وسفك للدماء, وأمور لا تحمد عقباها؛ وفي ما يلي ذكر لأهم هذه الضوابط:
1- الإخلاص في النصيحة:
ينبغي للناصح إذا دخل على السلطان أن يقصد بنصيحته وجه الله تعالى, وصلاح السلطان في نفسه, وفي سياسته وملكه, وألاّ يقصد شيئاً من حطام الدنيا, أو بلوغ مكانة وحظوة عند السلطان, أو نيل محمدة وثناء بين الناس.
قال ابن النحاس رحمه الله: "الداخل على الأمراء والسلاطين, لقصد الإنكار والموعظة؛ يجب أن يكون قصده في ذلك خالصاً لله تعالى؛ فإنه قد يقدم على ذلك؛ وإنما قصده أن يكون كلامه سبباً لتعرّفه بالسلطان, وطلب المنزلة عنده, أو يكون قصده طلب المحمدة من الناس, وإطلاق الألسنة بالثناء عليه, والشكر لصنيعه, وتعمير قلوبهم بتوقيره عندهم, وتعظيمه, وأن يقال عنه إنّه أغلظ للسلطان وأقدم عليه بالكلام, ولم يبال فيصير معظّماً عند الناس, ويخشاه أبناء جنسه, إلى غير ذلك من المقاصد التي لا تنحصر؛ لتنوّع الأغراض, وهذه مزلّة عظيمة يجب التفطّن لها, والتنبه عليها, وتحقيق القصد قبل الوقوع فيها" ( [12]).
ويقول الإمام الغزالي رحمه الله -بعد أن ذكر جملة من مناصحات السلف رحمهم الله للأمراء والسلاطين- :"فهكذا كان دخول أهل العلم على السلاطين؛ أعني علماء الآخرة.
فأما علماء الدنيا؛ فيدخلون ليتقربوا إلى قلوبهم, فيدلّونهم على الرخص, ويستنبطون لهم بدقائق الحيل طرق السعة فيما يوافق أغراضهم, وإن تكلموا بمثل ما ذكرناه في معرض الوعظ؛ لم يكن قصدهم الإصلاح, بل اكتساب الجاه والقبول عندهم, وفي هذا غروران يغتر بهم الحمقى.
أحدهما: أن يظهر أن قصدي في الدخول عليهم إصلاحهم بالوعظ, وربما يلبسون على أنفسهم بذلك؛ وإنما الباعث لهم شهوة خفية للشهرة, وتحصيل المعرفة عندهم.
وعلامة الصدق في طلب الإصلاح؛ أنه لو تولى ذلك الوعظ غيره ممن هو من أقرانه في العلم, ووقع موقع القبول, وظهر به أثر الصلاح؛ فينبغي أن يفرح به, ويشكر الله تعالى على كفايته هذه المهمة؛ كمن وجب عليه أن يعالج مريضاً ضائعاً فقام بمعاجلته غيره؛ فإنه يعظم به فرحه, فإن كان يصادف في قلبه ترجيحاً لكلامه على كلام غيره فهو مغرور.
الثاني: أن يزعم أني أقصد الشفاعة لمسلم في دفع ظلامة, وهذا أيضاً مظنة الغرور ومعياره ما تقدم ذكره" ( [13]).
2- الإسرار بالنصيحة:
ينبغي أن تكون النصيحة سراً بين الناصح والحاكم؛ من غير جهر بها, فإنّ الجهر بأخطاء الحكّام بين الناس, ونشره في المجالس والمحافل, وذكره على المنابر من أعظم مسببات القلاقل والفتن, وهي شرارة الخوارج, وزناد نيرانها.
ثمّ إنّ الجهر بالنصيحة ممّا يوغر الصدور, ويثير الأحقاد والأضغان, ويكون سبباً في ردّ الحقّ, وعدم تقبّله.
قال ابن القيّم رحمه الله: "ومن دقيق الفطنة؛ أنك لا ترد على المطاع خطأه بين الملأ فتحمله رتبته على نصرة الخطأ, وذلك خطأ ثان؛ ولكن تلطف في إعلامه به حيث لا يشعر به غيره" ( [14]).
والنصوص في وجوب مسارّة الحاكم بالنصيحة كثيرة؛ منها:
- ما جاء في مسند الإمام أحمد: "أنّ عياض بن غنم رضي الله عنه جَلَدَ صاحب دارا ( [15]) حين فُتحت؛ فأغلظ له هشام بن حكيم رضي الله عنه القول حتى غضب عياض, ثم مكث ليالي فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه, ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس».
فقال عياض بن غنم رضي الله عنه : يا هشام بن حكيم قد سمعنا ما سمعت, ورأينا ما رأيت, أولم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية, ولكن ليأخذ بيده فيخلو به؛ فإن قبل منه فذاك, وإلا كان قد أدى الذي عليه له», وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله؛ فهلا خشيت أن يقتلك السلطان, فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى ( [16]).
وكان السلف رحمهم الله يكرهون مناصحة الأمراء على رؤوس الأشهاد, ويحبّون أن تكون سراً فيما بين الناصح والحاكم؛ ويرون أنّ ذلك من علامات النصح ( [17]).
قال الشوكاني رحمه الله: "ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد؛ بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلو به, ويبذل له النصيحة, ولا يذل سلطان الله" ( [18]).
- قيل لأسامة بن زيد رضي الله عنه : "ألا تدخل على عثمان رضي الله عنه فتكلمه ؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم, والله لقد كلمته فيما بيني وبينه, ما دون أن أفتتح أمراً لا أحبّ أن أكون أول من فتحه" ( [19]).
يريد بذلك: "أن لا أكون أوّل من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية, فيكون باباً في القيام على أئمة المسلمين, فتفترق الكلمة وتتشتت الجماعة...ثم عرّفهم أنه لا يداهن أميراً أبداً, بل ينصح له في السرّ جهده" ( [20]).
وقال النووي رحمه الله - عند كلامه على حديث أسامة -: "يعني: المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ؛ كما جرى لقتلة عثمان رضي الله عنه , وفيه الأدب مع الأمراء, واللطف بهم, ووعظهم سراً, وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه" ( [21]).
- وعن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس رضي الله عنهما آمر إمامي بالمعروف ؟ قال: إن خشيت أن يقتلك فلا؛ فإن كنت ولا بد فاعلاً ففيما بينك وبينه, ولا تعتب إمامك" ( [22]).
قال ابن النحاس رحمه الله: " ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رؤوس الأشهاد، بل يودّ لو كلَّمه سراً ونصحه خفية، من غير ثالث لهما " ( [23]).
3- الترفّق مع الحاكم في النصيحة:
الرفق في النصيحة مطلوب في كلّ حال, وهو مع السلطان والأمير أشدّ تأكيداً, لأنّ للسلطان مكانته ومنـزلته شرعاً وعُرفاً, ثمّ إنّ من شأن الغلظة والفضاضة أن تنقص من أقدارهم, وتفوِّت انتفاعهم بالموعظة.
قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله: "لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء, فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم, وإذا استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم" ( [24]) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "فإن وعظ سلطاناً تلطّف معه غاية ما يمكن, ولم يواجهه بالخطاب, فإنّ الملوك إذا وُجِهوا بالخطاب رأوا ذلك نقصاً" ( [25]).
فالأصل في مناصحة الإمام أن يكون برفق وتلطّف, لأنّ ذلك أحفظ لمكانته, وأدعى لقبول النصيحة والموعظة, بخلاف التغليظ, وتخشين القول, فإنّه يوجب النفرة, ويحرِّك الفتنة, التي يتعدّى شررها إلى الغير.
قال ابن الجوزي رحمه الله: "الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ؛ فأما تخشين القول نحو: يا ظالم ! يا من لا يخاف الله ! فإن كان ذلك يحرِّك فتنة يتعدى شرّها إلى الغير لم يجز, وإن لم يخف إلاّ على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء......... قال: والذي أراه المنع من ذلك....." ( [26]) .
- أما سب الأمير ولعنه: فقد اتفق السلف رحمهم الله على تحريمه.
- فعن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكرة رضي الله عنه تحت منبر ابن عامر؛ وهو يخطب وعليه ثياب رقاق؛ فقال: أبو بلال مرداس بن أدية - أحد الخوارج -: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفسَّاق؛ فقال أبو بكرة س : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» ( [27]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "نهانا كبراؤنا من أصحاب صلى الله عليه وسلم قال: لا تسبوا أمراءكم, ولا تغشوهم, ولا تبغضوهم, واتقوا الله واصبروا؛ فإن الأمر قريب" ( [28]).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "إياكم ولعن الولاة فإنّ لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة؛ قيل: يا أبا الدرداء! فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب ؟ قال: اصبروا، فإنّ الله إذا رأى ذلك منهم؛ حبسهم عنكم بالموت" ( [29]).
4- علم الناصح بما يأمر به, وينهى عنه:
الإنكار على السلطان والأمير إنما يكون للعلماء الذين يجمعون بين فضل العلم, وصلاح العمل؛ ويعلمون المصالح والمفاسد, وما هو الأصلح للراعي والرعيّة ( [30]).
لأنّ ذلك أحرى لقبول النصيحة, وأبعد عن فتنة الناصح.
قال سفيان الثوري رحمه الله: "لا يأمر السلطان بالمعروف إلاّ رجل عالمٌ بما يأمر به وينهى عنه, رفيق بما يأمر به وينهى عنه, عدلٌ" ( [31]).
5- القدرة والاستطاعة:
إنّ الدخول على السلاطين والأمراء لوعظهم ونصحهم وتذكيرهم لا يستطيعه إلاّ من جمع رباطة الجأش, وقوة الإرادة, وشدة الارتباط بالله عز وجل؛ فإن خشي الواعظ على نفسه الهلاك, ولم تقو على ذلك, فلا ينبغي له أن يقدم على نصيحة السلطان؛ فإنّ المؤمن لا ينبغي أن يذلّ نفسه.
فعن عمارة بن مهران قال: "قيل للحسن ألا تدخل على الأمراء فتأمرهم بالمعروف, وتنهاهم عن المنكر ؟ قال: ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه؛ إن سيوفهم لتسبق ألسنتنا, إذا تكلمنا قالوا بسيوفهم هكذا؛ ووصف لنا بيده ضرباً" ( [32]).
وقيل لداود الطائي ( [33]) رحمه الله: "أرأيت رجلاً دخل على هؤلاء الأمراء؛ فأمرهم بالمعروف, ونهاهم عن المنكر ؟ قال: أخاف عليه السوط, قال: إنه يقوى, قال: أخاف عليه السيف, قال: إنه يقوى, قال: أخاف عليه الداء الدفين؛ من العجب" ( [34]).
6- أن لا يحصل بإنكاره ووعظه منكرٌ أكبر من الذي أنكره:
فإن ظنّ حصوله؛ فلا ينبغي له أن يَقْدم على وعظ السلطان والإنكار عليه, فدرء المفاسد مقدّم على جلب المصالح عند استوائهما.
قال ابن القيم رحمه الله: "شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله؛ فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره, وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله" ( [35]).
وقال: "ومن تأمَّل ما جرى في الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر, فطلب إزالته, فتولَّد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها" ( [36]).
ولذلك كان السلف رحمهم الله يتوقّفون عن وعظ الحكّام والإنكار عليهم إذا خافوا فوات الفائدة, واندلاع الفتنة.
قيل لسفيان الثوري: "ألا تأتي السلطان فتأمره ؟ قال: إذا انبثق البحر فمن يسكّره" ( [37]).
المطلب الرابع: مجالات مناصحة الحكّام.
مناصحة السلاطين على ضربين:
- إما أن تكون نصيحة عامة يحضرها السلطان وغيره من الرعيّة؛ فللناصح أن يذكر في نصيحته هذه كلاماً عاماً ينتفع به السلطان وغيره, كالأمر بالعدل, والتحذير من الظلم, وغيرهما ( [38]).
- أو يكون النصح خاصاً يلقيه الناصح بين يدي السلطان؛ وهذا هو المقصود ها هنا.
ومن خلال تتبّع مناصحات السلف رحمهم الله للحكّام والسلاطين؛ يمكن أن نستشفّ أبرز محاور وعظ الحكّام ومجالاته, وهي على النحو التالي:
المجال الأول: نصح السلطان إذا تلبّس بمعصية, أو أمر بها.
من واجب الدعاة والوعّاظ ولا سيما العلماء؛ مناصحة السلطان ووعظه إذا رأوه متلبساً بمعصية, أو مشيعاً لها, أو آمراً بها.
ويتأكّد نصح الأمراء والحكّام خصوصاً لأنهم أكثر خطأ -في الغالب- من العلماء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والأمراء في الغالب أكثر خطأ من العلماء، لأنه لسلطته قد تأخذه العزة بالإثم، فيريد أن يفرض سُلطته على الصواب والخطأ، فالغالب من أئمة المسلمين في السلطة وهم الأمراء أن الخطأ فيهم أكثر من العلماء -إلا ما شاء الله-" ( [39]).
فالواجب إذاً مناصحتهم درءًا للمفسدة, وقياماً بواجب النصح.
قال ابن زمنين رحمه الله: "فالسمع والطاعة لولاة الأمر أمر واجب مهما قصّروا في ذاتهم فلم يبلغوا الواجب عليهم, غير أنهم يُدعون إلى الحقّ, ويُؤمرون به, ويُدلُّون عليه, فعليهم ما حمّلوا, وعلى رعاياهم ما حمّلوا من السمع والطاعة لهم" ( [40]).
ونصح السلطان في هذه الحال يدرأ مفاسد عظيمة؛ إذ أنّ العامة إذا رأوا أميرهم مقيماً على المعاصي كان ذلك مسوِّغاً لهم لاقترافها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وفعل الأمير للمنكر قد يكون أشدّ من فعل عامة الناس؛ لأنّ فعل الأمير للمنكر يلزم منه زيادةً على إثمه محذوران عظيمان:
الأول: اقتداء الناس به, وتهاونهم بهذا المنكر.
والثاني: أنّ الأمير إذا فعل المنكر سيقلّ في نفسه تغييره على الرعيّة, أو تغيير مثله, أو مقاربه" ( [41]).
ومن الضوابط الواجب مراعاتها في هذا المقام:
1- التأكّد والتثبّت:
من كونه قد حصل من السلطان أو الأمير ما ينبغي نصحه ووعظه عليه, كانتهاك حرمة من حرمات الله, أو أمره بمعصية وإذنه بها.
فإنّ الكذب على الحكّام, وتزوير الأقوال عليهم, وإشاعة القصص الكاذبة كثير جداً؛ ودوافع هذا التزوير تختلف من ملفِّق لآخر؛ كالسعي لإذكاء نار الفتنة, أو روم منصب سياسي, وغيرهما من الأسباب.
قال ابن الوردي ( [42]):
إنَّ نصفَ الناسِ أعداءٌ لمَنْ
وليَ الأحكامَ هذا إنْ عدلْ
وقال ابن عبد ربه: "ومن شأن الرعية قلَّة الرضا عن الأئمة، وتحجّر العذر عليهم، وإلزام اللائمة لهم؛ وربّ ملوم لا ذنب له؛ ولا سبيل إلى السلامة من ألسنة العامة، إذ كان رضا جملتها، وموافقة جماعتها؛ من المعجز الذي لا يدرك، والممتنع الذي لا يملك؛ ولكل حصته من العدل، فمن حق الإمام على رعيته أن تقضي عليه بالأغلب من فعله، والأعم من حكمه. ومن ومنـزلته من الحكم" ( [43]).
ومن شواهد تحرِّي السلف رحمهم الله وتثبّتهم مما يُنسب للحكّام والأمراء؛ أنّه مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية ( [44]) فأرادوه على خلع يزيد بن معاوية, فأبى عليهم؛ فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر, ويترك الصلاة, ويتعدى حكم الكتاب؛ فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون, وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواضباً على الصلاة, متحرياً للخير, يسأل عن الفقه, ملازماً للسنة, قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعاً لك, فقال: وما الذي خاف مني, أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع, أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؛ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه, وإن لم يطلعكم فما يحلّ لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا, قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه, فقال لهم: أبى الله ذلك على أهل الشهادة فقال: ? إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ? ( [45])؛ ولست من أمركم في شيء" ( [46]).
2- عدم إفشاء سرِّه أو التفتيش عن زلاّته:
فإنّ الستر واجب على كلّ مسلم فكيف بالحاكم الذي يلي أمور المسلمين, فإنّ إشاعة ذلك مما يُذْهِب هيبة السلطان, ويسبب الفتن, وإثارة الناس عليه.
كما لا يجوز التفتيش على زلاّت الحكّام والأمراء, لأنّ إنكار المنكر متعلِّق بالرؤية.
قال ابن رجب رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً» ( [47]) يدلّ على أن الإنكار متعلِّق بالرؤية؛ فإن كان مستوراً فلم يره, ولكن علم به؛ فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يتعرَّض له, وأنه لا يفتش عما استراب به" ( [48]).
وقال ابن النحاس رحمه الله: "ويشترط أن يكون المنكر ظاهراً بغير تجسّس, فكلّ من ستر معاصيه في داره, أو أغلق عليه بابه, لا يجوز لأحد أن يتجسس عليه" ( [49]).
ومن نماذج نصائح السلف رحمهم الله في هذا الباب:
- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كتب أبو الدرداء رضي الله عنه إلى الأمير: مسلمة بن مخلد: أما بعد؛ فإنّ العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله, فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه؛ وإذا عمل العبد بمعصية الله أبغضه الله؛ فإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه" ( [50]).
- دخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجاً؛ فقال: هل بها رجلٌ أدرك عدّة من الصحابة؟ قالوا: نعم أبو حازم؛ فأرسل إليه, فلما أتاه قال: يا أبا حازم! ما هذا الجفاء؟ قال: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين؟ قال: وجوه الناس أتوني ولم تأتني, قال: والله ما عرفتني قبل هذا, ولا أنا رأيتك فأي جفاء رأيت مني؟ فالتفت سليمان إلى الزهري فقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا.
فقال: يا أبا حازم! مالنا نكره الموت؟ فقال: عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة, فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب, قال: صدقت
فقال: يا أبا حازم! ليت شعري ما لنا عند الله تعالى غداً؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله عز وجل, قال: وأين أجده من كتاب الله تعالى؟ قال: قال الله تعالى: ( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) ( [51]).
قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال أبو حازم: قريب من المحسنين.
قال سليمان: ليت شعري كيف العرض على الله غداً؟ قال أبو حازم: أما المحسن كالغائب يقدم على أهله, وأما المسيء كالآبق يقدم به على مولاه؛ فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتد بكاؤه.
فقال يا أبا حازم! كيف لنا أن نصلح؟ قال: تدعون عنكم الصَّلَفَ, وتمسكوا بالمروءة, وتقسموا بالسوية, وتعدلوا في القضية؛ قال يا أبا حازم! وكيف المأخذ من ذلك؟ قال: تأخذه بحقه, وتضعه بحقه في أهله.
قال يا أبا حازم! من أفضل الخلائق؟ قال: أولوا المروءة والنهى؛ قال: فما أعدل العدل؟ قال: كلمة صدق عند من ترجوه وتخافه" ( [52]).
- وكان هارون الرشيد قد بنى قصراً؛ فلما فرغ منه استدعى أبا العتاهية فقال له: صف لي ما نحن فيه من العيش؛ فأنشأ يقول:
عش ما بَدَا لَكَ سالماً
في ظل شاهقة القُصُور
يُسْعَى عليك بما اشتهيت
لَدَى الرَوَاح وفي البُكُور
فإذا النفوس تَقَعْقَعَت
في ضيق حَشْرَجَة الصُدُور
فهناك تَعْلَم مُوقناً
ما كُنْتَ إلاّ في غُرُور
فبكى الرشيد؛ فقال له الوزير: دعاك أمير المؤمنين لتسرَّه فأحزنته..." ( [53]).
المجال الثاني: نصح السلطان إذا تلبّس ببدعة, أو أمر بها.
من أهم الواجبات التي تجب على الوعّاظ والعلماء تجاه حكّامهم, بذل النصيحة لهم, وتبيين الحق لهم, وتحذيرهم من مخالفة السنّة, وبيان أنّ التمسّك بها طريق للنجاة والجنان.
كما يجب إيضاح خطر البدع حتى لا يقع فيها, أو إن كان متلبِّساً بها تركها, وتاب منها؛ وكذلك تحذيره من المبتدعة, وأصحاب المذاهب المنحرفة حتى لا يكونوا سبيلاً لوقوعه, ووقوع رعيته في الضلال والابتداع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- في أثناء حديثه عن حقوق الولاة-: "وأما من كان مبتدعاً بدعة ظاهرة, أو فاجراً فجوراً ظاهراً؛ فهذا إلى أن تنكر عليه بدعته وفجوره أحوج منه إلى أن يطاع فيما يأمر به" ( [54]).
وقال ابن جماعة رحمه الله -في بيانه لحقوق الولاة على رعاياهم-: "الحق السادس: تحذيره من عدو يقصده بسوء, وحاسد يرومه بأذى, أو خارجي يخاف عليه منه, ومن كلّ شيء يخاف عليه منه على اختلاف أنواع ذلك وأجناسه, فإنّ ذلك من آكد حقوقه وأوجبها" ( [55]).
فلا بد للناصح أن يحثّ السلطان على الأخذ على أيدي المبتدعة لعظيم ضررهم على دين العباد.
قال ابن عقيل رحمه الله: "كما لا يحسن في سياسة الملك العفو عمن سعى على الدولة بالخروج على السلطان, لا يحسن أيضاً أن يُعفي عمن ابتدع في الأديان, لأنّ فساد الأديان والابتداع كفساد الدول بالخروج على الملك, فالمبتدعون خوارج الشريعة" ( [56]).
ومن نماذج نصائح السلف في ذلك:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة, ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم؛ فيعظهم, ويوصيهم, ويأمرهم؛ فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه, أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف.
قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر؛ فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت؛ فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي, فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة؛ فقلت له: غيرتم والله, فقال: أبا سعيد! قد ذهب ما تعلم, فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم, فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة" ( [57]).
- وعن حصين بن عبد الرحمن قال: "رأيت بشر بن مروان يوم جمعة يرفع يديه؛ فقال عمارة بن رؤيبة: قبَّح الله هاتين اليدين؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا؛ وأشار بإصبعه المسبحة" ( [58]).
ففي هذين النصين إنكار الصحابة على الأمراء ابتداعهم في الدين, وتغييرهم لسنة المصطفى ز, وهذا الإنكار جاء من طريق الوعظ والتذكير.
- وعن الوليد بن أبي السائب أن رجاء بن حيوة كتب إلى هشام بن عبد الملك: "بلغني يا أمير المؤمنين أنه دخلك شيء من قتل غيلان ( [59]) وصالح؛ وأقسم لك بالله يا أمير المؤمنين: إنّ قتلهما أفضل من قتل ألفين من الروم أو الترك" ( [60]).
وفي هذا التذكير مؤازرة للحاكم على ردع المبتدعة, واستئصال شوكتهم.
المجال الثالث: نصح السلطان إذا ظلم الرعيّة.
من واجب العلماء والوعّاظ أن ينتصروا للمظلومين؛ وذلك بتنبيه الحكّام على موقع الظلم إن كان من طرف عمالهم؛ أو ببيان عاقبة الظلم وشناعته, إن كان الظلم من طرف الحاكم نفسه؛ وهذا الأمر من تمام النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم.
وظلم الحاكم لرعيّته واردٌ؛ إلاّ من عصمه الله تعالى من أئمة العدل.
قال تعالى: ( قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ) ( [61]).
ومن نماذج نصائح السلف رحمهم الله في هذا المجال:
- بعث سالم بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله كتاباً جاء فيه:
"...ما أعظم الذي ابتليت به يا عمر؛ فاقطع الذي سبق إليك من أمر هذه الأمة بالعدل, ومن بعثت من عمالك فازجره زجراً شديداً شبيهاً بالعقوبة عن أخذ الأموال وسفك الدماء إلاّ بحقها؛ المال المال يا عمر, الدم الدم يا عمر؛ فإنّه لا عدّة لك من هول جهنم من عامل بلغك ظُلْمه ولم تغيره..." ( [62]) .
- وعن الأصمعي قال: "وعظ عطاء بن أبي رباح عبد الملك بن مروان يوماً فقال له: يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله فتعاهده بالعمارة, واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس, واتّق الله في أهل الثغور فإنهم حصن المسلمين, وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم, واتق الله فيمن على بابك فلا تغفل عنهم ولا تغلق بابك دونهم, فقال له: أجل أفعل؛ ثم نهض وقام" ( [63]).
- دخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين! إني مكلمك بكلام فاحتمله, وإن كرهته فإن وراءه ما تحب إن قبلته, فقال: يا أعرابي! إنّا لنجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه, ولا نأمن غشه؛ فكيف بمن نأمن غشه, ونرجو نصحه.
فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! إنه قد تكنّفك رجالٌ أساءوا الاختيار لأنفسهم, وابتاعوا دنياهم بدينهم, ورضاك بسخط ربهم؛ خافوك في الله تعالى, ولم يخافوا الله فيك؛ حرب الآخرة سلم الدنيا؛ فلا تأتمنهم على ما ائتمنك الله تعالى عليه, فإنهم لم يألوا في الأمانة تضييعاً, وفي الأمة خسفاً وعسفاً ( [64]), وأنت مسؤل عما اجترحوا وليسوا بمسؤولين عما اجترحت؛ فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك؛ فإن أعظم الناس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره؛ فقال له سليمان: يا أعرابي! أما إنك قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك قال: أجل يا أمير المؤمنين, ولكن لك لا عليك" ( [65]).
المطلب الخامس: أهمية مناصحة الحاكم ووعظه.
لصلاح ولاة الأمر واستقامتهم أثر عظيم على صلاح شأن البلاد والعباد؛ ولهذا كثر احتفاء السلف رحمهم الله بوعظ الأمراء؛ حتى قال: خالد بن صفوان ( [66]) رحمه الله: "إني عاهدت الله عهداً أن لا أخلو بملك إلاّ ذكرته بالله" ( [67]).
كما اهتم علماء السلف رحمهم الله بجمع مواعظ العلماء للأمراء, وإفرادها بالتأليف والتصنيف, فألِّف في هذا الشأن كتبٌ كثيرة ( [68]).
ومما يوضّح ويجلي عظم أهمية مناصحة الأمراء ووعظهم؛ ما يلي:
1- صلاح السلطان:
وبصلاح السلطان يصلح الرعيّة, ويستقيم أمر البلاد والعباد, ويعمّ الخير, وينتشر الأمن, ويسلم للناس دينهم, وتصلح لهم دنياهم.
ولذلك حضّ الشارع على نصيحة السلطان, وتوجيهه إلى الخير والرشاد.
قال عمر بن الخطاب س : "إنّ الناس لم يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم" ( [69]).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : "لن تزالوا بخير ما صلحت أئمتكم" ( [70]).
2- صلاح المجتمع, واجتماع الأمة:
وذلك لأنّ كلاً سيأخذ حقّه من ثواب للمحسن, وعقاب للمسيء, فيزداد المحسن إحساناً وينـزجر المسيء عن إساءته, ويعتبر به غيره, فيُقْطع دابر الشّر, وينتشر الخير والصلاح.
قال الحسن البصري رحمه الله - في الأمراء-: "هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة, والجماعة, والعيد, والثغور, والحدود.
والله! ما يستقيم الدين إلا بهم؛ وإن جاروا أو ظلموا, والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون؛ مع أنّ والله إن طاعتهم لغيظ, وإن فرقتهم لكفر" ( [71]).
قال المناوي رحمه الله: "..إنّ وجود السلطان في الأرض حكمة عظيمة, ونعمة على العباد جزيلة؛ لأنّ الله جبل الخلق إلاّ الأنبياء والمرسلين على حبّ الانتصاب, وعدم الإنصاف, فلولا السلطان في الأرض لأكل الناس بعضهم بعضاً, كما أنه لولا الراعي لأتت السباع على الماشية" ( [72]).
- ومما سبق نخلص إلى أنّ نصح الولاة من الأمور الواجبة على العلماء والدعاة -متى رأوا من إمامهم معصية أو بدعة أو ظلماً-, لما في ذلك من صلاح للعباد والبلاد وحسر الفساد وقمع البدع وإحياء شعائر الدين, وغير ذلك من المصالح العظيمة.
ولكن ينبغي أن يصحب هذا النصح جملة من الضوابط المبنيّة على التثبّت, والإسرار, ومراعاة قدر الولاة, والترفّق بهم, وإخلاص النصح لهم.
( [1] ) "غياث الأمم في التيّات الظلم" للجويني, ص 15.
( [2] ) "فتح الباري" 6/116.
( [3] ) " الرياض الناضرة" لعبد الرحمن السعدي, ص 149.
( [4] ) رواه مسلم في "صحيحه" 1/74, كتاب: الإيمان, باب: بيان أنّ الدين النصيحة, رقم: 82.
( [5] ) "التمهيد" 21/285.
( [6] ) رواه الترمذي في سننه 5/34, كتاب: العلم عن رسول الله, باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع, رقم: 2582, واللفظ له, وابن ماجة في مقدمة سننه 1/84, رقم: 226, وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/760؛ ومعنى: لا يغلّ عليهن قلب المسلم: أي: لا يقوى فيه مرض ولا نفاق إذا أخلص العمل لله, "التمهيد" 21/277.
( [7] ) رواه مالك في الموطأ 2/990, كتاب: الجامع, باب: ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين, رقم: 1796, وأحمد في مسنده 14/400, رقم: 8799, وصححه الألباني في "الأدب المفرد" 1/158.
( [8] ) "التمهيد" 21/284.
( [9] ) رواه هناد في "الزهد" 2/602.
( [10] ) رواه البيهقي في "الشعب" 6/18.
( [11] ) "تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي 2/693.
( [12] ) "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين" لابن النحاس, ص 57.
( [13] ) "إحياء علوم الدين" 2/148.
( [14] ) "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" لابن القيم, ص 58.
( [15] ) دارا: قرية بالغوطة ينسب إليها أبو سليمان الداراني, ولم اهتد لاسم صاحبها, فيض القدير 5/277.
( [16] ) رواه أحمد في مسنده 24/48-49, رقم: 15333. وقال شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.
( [17] ) "الفرق بين النصيحة والتعيير" لابن رجب, ص 71.
( [18] ) "السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" للشوكاني 4/556.
( [19] ) متفق عليه, البخاري3/1191, كتاب: بدء الخلق, باب: صفة النار وأنها مخلوقة, رقم: 3027, ومسلم4/2290 , كتاب: الزهد والرقائق, باب: عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله, رقم: 5305. واللفظ له.
( [20] ) "شرح ابن بطال على صحيح البخاري" 10/49.
( [21] ) "شرح صحيح مسلم" للنووي 18/118.
( [22] ) رواه سعيد بن منصور في سننه 4/103, والبيهقي في "الشعب" 6/96.
( [23] ) "تنبيه الغافلين" ص 50.
( [24] ) "تفسير القرطبي" 5/260.
( [25] ) "القصاص والمذكرين" ص 368.
( [26] ) "الآداب الشرعية" 1/197.
( [27] ) رواه الترمذي في سننه 4/502, كتاب: الفتن عن رسول الله, باب: ما جاء في الخلفاء, رقم: 2150, وصححه الألباني في مشكاة المصابيح, رقم: 3695.
( [28] ) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 2/488, والبيهقي في "الشعب" 6/69.
( [29] ) رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 2/488.
( [30] ) "شعب الإيمان" للبيهقي 6/85.
( [31] ) رواه البغوي في "شرح السنة" 10/54.
( [32] ) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/176.
( [33] ) داود بن نصير أبو سليمان, الطائي الكوفي, الإمام, من كبار أئمة الفقه والرأي, وكان رأسا في العلم والعمل, توفي سنة: 162 هـ, سير أعلام النبلاء 7/422.
( [34] ) رواه أبو نعيم في "الحلية" 7/358, قلت: وإسناده جيّد.
( [35] ) "إعلام الموقعين" 3/4.
( [36] ) المصدر السابق 3/4.
( [37] ) رواه الخلال في "السنّة" ص 41, قلت: ورجاله ثقات.
( [38] ) انظر: "القصاص والمذكرين", ص 368.
( [39] ) "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين 1/681.
( [40] ) "أصول السنّة" لابن زمنين, ص 276.
( [41] ) "شرح العقيدة الواسطية" لابن عثيمين 2/338.
( [42] ) "العطر الوردي شرح لامية ابن الوردي" لمصطفى مخدوم, ص 131.
( [43] ) "العقد الفريد" لابن عبد ربه 1/8.
( [44] ) محمد بن الإمام علي بن أبي طالب أبو القاسم, السيد الإمام؛ كان أعلم الناس بحديث علي بن أبي طالب, وقد غلت فيه الشيعة, توفي سنة: 80 هـ, سير أعلام النبلاء 4/401.
( [45] ) سورة الزخرف, الآية 86.
( [46] ) "البداية والنهاية" لابن كثير 8/233.
( [47] ) رواه مسلم 1/69, كتاب: الإيمان, باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان, رقم: 70.
( [48] ) "جامع العلوم والحكم" ص 324.
( [49] ) "تنبيه الغافلين" ص 26.
( [50] ) رواه هناد في "الزهد" 1/299.
( [51] ) سورة الانفطار, الآيتين 13-14.
( [52] ) رواه أبو نعيم في "الحلية" 3/235, والحميدي في "الذهب المسبوك", ص 165.
( [53] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك", ص 218.
( [54] ) مجموع الفتاوى 11/517.
( [55] ) "تحرير الأحكام" لابن جماعة, ص 63.
( [56] ) "الفنون" لابن عقيل 1/109.
( [57] ) رواه البخاري 1/326, كتاب: الجمعة, باب: الخروج إلى المصلى بغير منبر, رقم: 903.
( [58] ) رواه مسلم 2/595, كتاب: الجمعة, باب: تخفيف الصلاة والخطبة, رقم: 1443.
( [59] ) غيلان بن مسلم الدمشقي، أبو مروان كاتب من البلغاء من القدرية، أفتى الأوزاعي بقتله؛ فصلب على باب كيسان بدمشق بعد عام 150هـ. لسان الميزان: 4/424.
( [60] ) رواه أبو نعيم في "الحلية" 5/172, قلت: وإسناده صحيح.
( [61] ) سورة النمل, الآية 34.
( [62] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك" ص 181.
( [63] ) المصدر السابق, ص 164.
( [64] ) أي: تجويعاً وظلماً, لسان العرب 9/246 و 9/69.
( [65] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك", ص 174.
( [66] ) خالد بن صفوان بن الأهتم أبو صفوان البصري, العلامة البليغ فصيح زمانه, قال الذهبي: وفد على عمر بن عبد العزيز, ولم أظفر له بوفاة إلا أنه كان في أيام التابعين" سير أعلام النبلاء 6/226, وقال عنه ابن أبي حاتم: "كوفي روى عن زيد بن علي روى عنه هشيم" الجرح والتعديل 3/336.
( [67] ) رواه الحميدي في "الذهب المسبوك", ص 186.
( [68] ) ومن أمثلة ما ألف في مواعظ الملوك:
1- "الذهب المسبوك في وعظ الملوك" للحميدي.
2- "نصيحة الملوك" لأبي حامد الغزالي.
3- "الشفاء في مواعظ الملوك والخلفاء" لابن الجوزي.
4- "نصيحة الملوك" للماوردي.
5- "النصيحة للراعي والرعيّة" للتبريزي.
6- "النصائح المهمة للملوك والأئمة" للحموي.
( [69] ) رواه البيهقي في "الشعب" 6/42.
( [70] ) المصدر السابق 6/41.
( [71] ) "ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم" ص 262.
( [72] ) "طاعة السلطان وإغاثة اللهفان" للمناوي, ص 41.
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24473
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» الأعلام مرتع خصب
» منهج أهل السنة في الحكم على الرجال
» منهج الإختلاف في القرآن والسنة
» الزيتونة و بورقيبة و تكوين الأئمة
» تعريف الصوفية والتصوف
» منهج أهل السنة في الحكم على الرجال
» منهج الإختلاف في القرآن والسنة
» الزيتونة و بورقيبة و تكوين الأئمة
» تعريف الصوفية والتصوف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى