للشافعي رضي الله عنه أقوال في العلم والعلماء
صفحة 1 من اصل 1
للشافعي رضي الله عنه أقوال في العلم والعلماء
للشافعي رضي الله عنه أقوال في العلم والعلماء
للشافعي رضي الله عنه أقوال في العلم والعلماء يجب أن تكتب بحروف من ذهب ,وأن يضعها طلاب العلم والدعاة نصب أعينهم لأنّها صدرت عن عالم حمل علوم الرواية والدراية, ومن هذه الأقوال:
أ- عن الشافعي أنّه قال: أصل العلم التثبيت وثمرته السلامة وأصل الورع القناعة وثمرته الراحة وأصل الصبر الحزم وثمرته الظفر وأصل العمل التوفيق وثمرته النجاح وغاية كل أمر الصدق1. انتهى
ب- الشافعي يقول: العالم يسأل عمّا يعلم وعمّا لا يعلم فيثبت ما يعلم ويتعلّم ما لا يعلم والجاهل يغضب من التعلم ويأنف من التعليم2. انتهى
لذلك أوجه نصيحة لطلاب العلم والدعاة: أيّما امرئ وجدتموه لا يحب التعلم أو التعليم فاحكموا عليه بالجهل وأعرضوا عنه ولا تضيعوا وقتكم معه وأدعو الله له بالخير و الهداية.
ت- وعنه أيضاً ضياع العالم أن يكون بلا إخوان , وضياع الجاهل قلة عقله وأضيع منهما من وآخى من لا عقل له3.
ث- قال الربيع قال لي الشافعي إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فما لله ولي4.
ج- قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة5.
ح- الشافعي يقول :ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله وشكرا لله6.
خ- الشافعي يقول وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني7.
د- وعن الشافعي العلم ما نفع ليس العلم ما حفظ 8.
ذ- وقال ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه 9.
13- حب الشافعي لعلوم الحديث ولأهل الحديث:
كان الشافعي يحب و يجلّ الإمام أحمد بن حنبل10 وكثيراً- وكان يجلس بين يديه يتعلم منه الحديث ويقول له إذا صح عندك الحديث فأخبرني عنه.
من هنا كان الشافعي ينادي مراراً وتكراراً: إذا صح الحديث فهو مذهبي يعني إن جاءكم حديث صحيح ولم أكن قد سمعتُ به و أفتيتُ بخلافه ووصل إليكم وفقهتم المعنى فإنَّ هذا هو مذهبي, إذاً هذا القول ليس موجهاً إلى عامة الناس وإنّما موَّجه إلى فقهاء مذهبه, معنى ذلك هو أنّه قد يأتي من يعترض على فتاوي الشافعي وبالفعل فقد أتى في هذا الزمن كثير من اعترض على الشافعي.
و الشافعي يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي, نقول ليس أي حديث وقع عليه إنسان يستطيع أن يطبق عليه مقولة الشافعي إذ ينبغي:
أولاً أن يكون من أهل النظر والاجتهاد: هذا الشرط هام جداً وقد نبهتني إحدى الأخوات المؤمنات الطاهرات أنّه يجب عليّ أن أتوسع في شرح هذه الفقرة وبإذن الله سوف أفعل ذلك ولكن في لقاء آخر لكي لا يطول هذا الموضوع كثيراً, ولكن اعلموا أخوتي وأحبابي أنّ من العلماء التقليدين الذين يكرهون التجديد ويكتفون بالتقليد من يحارب هذه الفكرة , بحجة أنّنا لسنا أعلم من الشافعي! وما شابه ذلك من العبارات الانهزامية.
نعم نحن لسنا أعلم من الشافعي ولكن يمكن لنا كطلاب علم التدقيق في صحة الأصل الذي اعتمد عليه الشافعي في الفتوى, فمثلاً قد يفتي الشافعي في مسألة فقهية معينة اعتماداً على القياس أو اعتماداً على قول صحابي – وذلك في حال عدم وجود آية قرآنية أو حديث صحيح كما مر معنا في الفقرة العاشرة المقطع ب – ولنفترض أنّه تبيّن وجود حديث صحيح - لم يصل للشافعي- ينافي فتوى الشافعي أو يكون أصح منها, فهل نترك السنة النبوية ونأخذ بقول الشافعي ؟!
الجواب: طبعاً نأخذ بالسنة النبوية الصحيحة وندع قول الإمام الشافعي, وإن شاء الله أوفق في توضيح ذلك في لقاء آخر وبارك الله بكم وجعلكم مصابيح نور في سماء الجهل والظلام.
ثانياً: أن يرى هل اطَّلع على هذا الحديث الشافعي أو أصحابه أو أحد من فقهاء المذهب وكيف فسروه؟.
وكان الإمام الشافعي يرى أن قراءة الحديث وتدارسه أفضل من سائر النوافل فقد روى ابن أبي حاتم عن الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول :قراءة الحديث خير من صلاة التطوع وقال طلب العلم أفضل من صلاة النافلة11.
وقال الربيع سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث أنتم الصيادلة ونحن- أي الفقهاء- الأطباء 12.
وكان يقول الشافعي: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جزاهم الله خيرا هم حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل13.
ويقول أيضاً: سمعت الشافعي يقول عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا 14.
ويروى عن الشافعي قوله: لولا المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر15.
وينقل الإمام المزني رحمه الله الكلمات الأصولية العلمية الفقهية العقائدية الآتية عن الإمام الشافعي:
قال الإمام المزني :قال الإمام الشافعي16: (من تعلّم القرآن عظمت قيمته ومن تكلم في الفقه نما قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في اللغة رقّ طبعه ومن نظر في الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه ). انتهى
بارك الله بك يا إمام على هذه الكلمات الذهبية وهذه الجمل الإيمانية التي فيها ملخصاً لحقيقة العلم الشرعي وأثره على النفوس , وما هذه البلاغة التي جعلت إمامنا وحبيب قلوبنا يستطيع صياغة تلك المعاني بسطرين ونلاحظ كيف وضّح الشافعي أسس طلب العلم الشرعي والتدرج فيه , فبدأ بالقرآن الكريم ثم الفقه ثم علم الحديث ثم التوسع ببحر اللغة العربية وختم بتذكرة لطالب العلم أن لا ينسى نفسه ولا يغفل عن الحساب.
فمن أراد أن تعظم قيمته فعليه بالقرآن, ومن أراد أن يرتفع قدره فعليه بالفقه, ومن أراد أن تقوى حجته فعليه بالحديث, ومن أراد أن يكون رأيه صحيحاً وصائباً ومبتعداً عن الهوى فعليه أن يمعن النظر بالحساب, ومن لم يحفظ نفسه عن المعاصي والذل والهوان والله والله لن ينفعه علمه ولو كان أعلم أهل الأرض, فصون النفس يكون بأمرين:-
أ- صونها عن الذل والخنوع وهذا امتثالاً لقوله تعالى ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ﴾ [آل عمران 139].
ب- صون نفسه ومنعها من ارتكاب المعاصي وتزكيتها بالتقوى والعمل الصالح وهذا تصديقاً لقوله تعالى ﴿قد أفلح من زكاها, وقد خاب من دساها ﴾ [الشمس 9-10]
و الله تلك الكلمات نور على نور, كلمات يفهمها الطفل والشاب, والعالم والمتعلم وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ يُرِدِ اللّهُ به خَيراً يُفَقِّهْهُ في الدِّين.... ) أخرجه بخاري في صحيحه, اللهمّ فقهنا في الدين وعلمنا التأويل واجعلنا علماءً مجددين في هذا الدين اللهّم آمين آمين يا رب العالمين.
14- الشافعي المحدث:
مر معنا سابقاً أنّ الإمام الشافعي هو أحد أئمة أهل الحديث وأحد رواته وله كتاب يسمى مسند الإمام الشافعي فيه الكثير من الأحاديث النبوية.
وقد أثنى عليه علماء أهل الحديث ووثقوه ومن جملة ما قيل في الشافعي كإمام محدث:
أ- قال يحيى بن معين عن الشافعي أنّه ليس به بأس17.
ب- وعن أبي زرعة الرازي قال ما عند الشافعي حديث فيه غلط18.
ت- وقال أبو داود السجستاني ما أعلم للشافعي حديثا خطأ19.
ويقول الإمام الذهبي رحمه الله معلقاً على الأقوال السابقة20 :" هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ ... , وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتاباً في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجباً لارتفاع شأنه وعلو قدره وتلك سنة الله في عباده ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ﴾ [الأحزاب 69-70]." انتهى
ث- قال أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس صدوق21:
قد روى الإمام احمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن حبان وغيرهم عن هذا الأمام المحدث, ولكن لو نظرنا في صحيح الإمام البخاري ومسلم فلن نرى أي حديث للشافعي, وللأسف قد استغل البعض هذه النقطة للطعن بالإمام الشافعي المحدث.
وقد دحض هذه الشبهة الحافظ أبو بكر الخطيب فيما نقله الذهبي رحمه الله22 :
فقال الحافظ أبو بكر الخطيب:سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في الجامع وذكر أن بعض من يذهب إلى رأى أبي حنيفة – أي من أصحاب المذهب الحنفي - ضعف أحاديث الشافعي, واعترض بإعراض البخاري عن روايته.
ويتابع القول الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب:... وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي فأجبته بما فتح الله لي: ومثل الشافعي من حسد وإلى ستر معالمه قصد ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويظهر من كل حق مستوره, وكيف لا يغبط من حاز الكمال بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل أو ذاهب العقل ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه وتعظيم الأئمة له وقال :
وليس لما يعليه ذو العرش واضع *** أبى الله إلا رفعه وعلوه
إلى أن قال:
- والبخاري هذب ما في جامعه غير أنه عدل عن كثير من الأصول إيثارا للإيجاز قال إبراهيم بن معقل سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول فترك البخاري الاحتجاج بالشافعي إنّما هو لا لمعنى يوجب ضعفه, لكن غني عنه بما هو أعلى منه ....
- والبخاري لم يدرك الشافعي بل لقي من هو أسن منه كعبيد الله بن موسى وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين وحدثه عن شيوخ الشافعي عدة فلم ير أن يروي عن رجل عن الشافعي عن مالك.
- فإن قيل فقد روى عن المسندي عن معاوية بن عمرو عن الفزاري عن مالك ؟!
يجيب أبو بكر الحافظ البغدادي فيقول: فلا شكّ أن البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب مالك وهو في الموطأ فهذا ينقض عليك؟! (أي يبطل حجتك السابق ) قلنا إنه لم يرو- أي البخاري- حديثا نازلاً, وهو عنده عال ( أي توفر له سند قصير يتصل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) إلا لمعنى ما يجده في العالي فأمّا أن يورد النازل وهو عنده عال لا لمعنى يختص به ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه فهذا غير موجود في الكتاب, وحديث الفزاري فيه بيان الخبر وهو معدوم في غيره وجوده الفزاري بتصريح السماع ثم سرد الخطيب ذلك من طرق عدة قال والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث ويراعيها وإنا اعتبرنا روايات الشافعي التي ضمنها كتبه فلم نجد فيها حديثا واحدا على شرط البخاري أغرب به ولا تفرد بمعنى فيه يشبه ما بيناه ومثل ذلك القول في ترك مسلم إياه لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك وأما أبو داود فأخرج في سننه للشافعي غير حديث وأخرج له الترمذي وابن خزيمة وابن أبي حاتم. انتهى
وقد تكون إحدى أسباب عدم رواية الإمام البخاري عن الإمام الشافعي هي:
أ- اتهام الشافعي بالتشيع- وسوف يمر معنا ذلك -: فالإمام البخاري كان يحرص في الغالب على عدم الرواية لأي إمام إذا قبل فيه شيء رغم قناعته بسلامة ذلك الإمام وعدله وذلك لأنّ الإمام البخاري أراد من أن يجعل من كتابه الصحيح الجامع أو صحيح بخاري كتاباً مجمعاً عليه عند جميع أهل السنة .
ب- همز ولمز ومهاجمة بعض طلاب الإمام مالك للشافعي- سوف يمر معنا ذلك لا حقاً- : قد يكون ذلك أيضاً أحد الأسباب التي جعلت البخاري ينأى عن الرواية للإمام الشافعي والسبب هو نفس السبب في الفقرة السابقة والله أعلم.
15- الشافعي صاحب اللغة العربية السليمة وصاحب الحجة البليغة:
مر معنا سابقاً كيف أنّ الإمام الشافعي رضي الله عنه حرص على تعلُّم اللغة العربية السليمة, لأنّ فهم اللغة العربية ومعرفة معانيها شيء أساسي ولا غنى عنه لطالب العلم, ولا سيما أنّ القرآن مكتوب باللغة العربية والسنة النبوية هي باللغة العربية السليمة, وسمعت أحد العلماء يقول: من أراد أن يفهم السنة النبوية بشكل صحيح فعليه الاهتمام بمعرفة معاني ألفاظ متن الحديث النبوي الشريف.
لأنّه أحياناً كلمة واحدة في متن الحديث النبوي تغير معناه, لذلك أنصح أخوتي وأخواتي من طلاب العلم أن يهتموا باللغة العربية اهتماماً فائقاً لكي يسيروا في بحر العلم الشرعي دون أية معوقات.
ويوضح الشافعي سبب اهتمامه باللغة العربية بقوله " قال ما أردت بها -يعني العربية- والأخبار إلا للاستعانة على الفقه " 25
وقد أشاد من عاصر الشافعي من العلماء والفقهاء والمحدثين بسلامة لغته العربية وبقوة بيانه وأنقل لكم بعض تلك الأقوال:
1- عن يونس بن عبد الأعلى قال :ما كان الشافعي إلا ساحراً ما كنّا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله كأنّ ألفاظه سكر وكان قد أوتي عذوبة منطق وحسن بلاغة وفرط ذكاء وسيلان ذهن وكمال فصاحة وحضور حجة26.
2- وعن عبد الملك بن هشام اللغوي: قال طالت مجالستنا للشافعي فما سمعت منه لحنة قط, قال الذهبي : أنّى يكون ذلك وبمثله في الفصاحة يضرب المثل كان أفصح قريش في زمانه وكان مما يؤخذ عنه اللغة 27.
3- قال احمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعي 28.
4- وقال الأصمعي ( الشاعر المعروف): أخذت شعر هذيل عن الشافعي 29.
16- الشافعي العابد الخاشع:
لقد امتنّ الله على المسلمين بالإسلام وشرفهم بهذا الدين العظيم, وأنزل القرآن فيه هدى ورحمة للعالمين, وإنّ كل شيء فيه تقرب إلى الله يكون له لذّة, فالعلم الشرعي له لذة والعبادة لها لذة وقراءة القرآن لها لذة أيضاً.
و المسلم الحق هو الذي يعطي كل شيء حقه, فالعلم الشرعي له وقته والعبادة لها وقتها والدعوة إلى الله لها وقتها أيضاً.
و الإمام الشافعي بالإضافة إلى كونه عالماً فقيهاً و محدثاً كان عابداً خاشعاً وقانتاً لله وعن عبادة الشافعي رضوان الله عليه, وننقل بعض أقوال معاصريه ومن هذه الأقوال:
*الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزأ الليل فثلثه الأول يكتب, والثاني يصلي, والثالث ينام ويقول الذهبي : أفعاله- أي الشافعي- الثلاثة عبادة بالنية 30.
* قال حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة فكان يصلي نحو ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة آية, وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ولا بآية عذاب إلا تعوّذ وكأنّما جمع له الرجاء والرهبة جميعاً 31.
* قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه بل أكثر كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة 32.
* قال إبراهيم بن محمد الشافعي :ما رأيت أحدا أحسن صلاة من الشافعي وذاك أنه أخذ من مسلم بن خالد وأخذ مسلم من ابن جريج وأخذ ابن جريج من عطاء وأخذ عطاء من ابن الزبير وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق وأخذ أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم.
* قال الربيع: قال لي الشافعي عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد 33.
وكان الإمام أحمد يحدِّث ابنته كثيراً عن الشافعي وعن تقواه و علمه و في يوم نزل الشافعي ضيفاً عند أحمد و لعلّ ذلك كان في رحلة الشافعي الأخيرة له إلى بغداد، فأعطاه غرفة لينام فيها, وكان الإمام أحمد كثير التعبد و كثير التنسك فأخذت ابنته تراقب الشافعي كيف تكون عبادته ومتى سيستيقظ من الليل وأيهما أكثر تعبداً والدها أم الشافعي؟! فلاحظت أنَّ غرفة الشافعي بقيت مظلمة إلى قُبَيل أذان الفجر بينما الإمام أحمد كان يقوم أكثر الليل, وفي الصباح قالت لأبيها: أهذا هو الشافعي الذي حدثتني عنه؟ فلم يجبها الإمام أحمد ودخل على الشافعي فقال له: كيف كانت ليلتك يا أبا عبد الله ؟ فقال له: لقد فكرتُ الليلة في بضع آيات من كتاب الله تعالى و روايةٍ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستخرجتُ منها أحكاماً كثيرة - و في رواية فوق الستين حكماً - فقال الإمام أحمد لابنته: لضجعة واحدة من الإمام الشافعي خير من صلاة أبيكِ الليل كله!.
وهذا دليل عظيم على احترام الأئمة بعضهم لبعض وعلى انكسار طالب العلم أمام معلمه واعترافه بفضله وحري على طلبة العلم الاقتداء بالإمام أحمد بن حنبل و الشافعي ويتعلموا منهم أدب الشكر وأدب العلم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه: (( لاَ يَشْكُرُ الله مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ)) أخرجه ابن داوود في سننه.
هذا يصور لنا كيف كان أدب و تعظيم أئمة المسلمين بعضهم لبعض ونظر كل واحد منهم إلى الآخر على أنه إماماً له ومعلماً له وهذه هي أخلاق الصحابة رضوان الله عليهم فكان كل واحد منهم يظن أن الآخر أفضل منه.
وللأسف نرى أن بعض طلبة العلم من الذين لم يتمكن حب الله ورسوله في أنفسهم يخطئون اتجاه معلميهم فنرى بعضهم لا يفقه من العلم الشرعي إلا القليل ومع ذلك همه انتقاد معلميه لأتفه الأسباب دون بينة أو حجة.
________________________________________
1- سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
2-المصدر السابق
3-المصدر السابق
4-المصدر السابق
5-المصدر السابق
6-المصدر السابق
7-المصدر السابق
8-المصدر السابق
9-المصدر السابق
10 - أحمد بن حنبل مؤسس المذهب الحنبلي ولديه كتاب يعرف باسم مسند الإمام أحمد يضم الكثير من الأحاديث النبوية .
11-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر.
12-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
13- المصدر السابق
14-المصدر السابق
15-المصدر السابق
16-المصدر السابق
17-المصدر السابق
18-المصدر السابق
19-المصدر السابق
20-المصدر السابق
21-المصدر السابق
22-المصدر السابق بتصرف.
23-معنى ذلك لو احتج شخص ما وقال إن البخاري قد روى عن رجل عن رجل عن رجل عن مالك فلماذا لم يروي عن رجل عن الشافعي عن مالك حيث في هذه الحالة يكون فيها الإمام الشافعي يكون السند أقصر .
24-أي أن جميع الأحاديث التي يرويها الشافعي تحقق شروط الصحة التي وضعها البخاري– صحيح بخاري- لانتقاء صحيح الصحيح من الأحاديث النبوية
25-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
26-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
27-المصدر السابق.
28-المصدر السابق
29-المصدر السابق.
30- المصدر السابق
31-المصدر السابق .
32-المصدر السابق.
33-المصدر السابق
للشافعي رضي الله عنه أقوال في العلم والعلماء يجب أن تكتب بحروف من ذهب ,وأن يضعها طلاب العلم والدعاة نصب أعينهم لأنّها صدرت عن عالم حمل علوم الرواية والدراية, ومن هذه الأقوال:
أ- عن الشافعي أنّه قال: أصل العلم التثبيت وثمرته السلامة وأصل الورع القناعة وثمرته الراحة وأصل الصبر الحزم وثمرته الظفر وأصل العمل التوفيق وثمرته النجاح وغاية كل أمر الصدق1. انتهى
ب- الشافعي يقول: العالم يسأل عمّا يعلم وعمّا لا يعلم فيثبت ما يعلم ويتعلّم ما لا يعلم والجاهل يغضب من التعلم ويأنف من التعليم2. انتهى
لذلك أوجه نصيحة لطلاب العلم والدعاة: أيّما امرئ وجدتموه لا يحب التعلم أو التعليم فاحكموا عليه بالجهل وأعرضوا عنه ولا تضيعوا وقتكم معه وأدعو الله له بالخير و الهداية.
ت- وعنه أيضاً ضياع العالم أن يكون بلا إخوان , وضياع الجاهل قلة عقله وأضيع منهما من وآخى من لا عقل له3.
ث- قال الربيع قال لي الشافعي إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فما لله ولي4.
ج- قال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة5.
ح- الشافعي يقول :ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله وشكرا لله6.
خ- الشافعي يقول وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني7.
د- وعن الشافعي العلم ما نفع ليس العلم ما حفظ 8.
ذ- وقال ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه 9.
13- حب الشافعي لعلوم الحديث ولأهل الحديث:
كان الشافعي يحب و يجلّ الإمام أحمد بن حنبل10 وكثيراً- وكان يجلس بين يديه يتعلم منه الحديث ويقول له إذا صح عندك الحديث فأخبرني عنه.
من هنا كان الشافعي ينادي مراراً وتكراراً: إذا صح الحديث فهو مذهبي يعني إن جاءكم حديث صحيح ولم أكن قد سمعتُ به و أفتيتُ بخلافه ووصل إليكم وفقهتم المعنى فإنَّ هذا هو مذهبي, إذاً هذا القول ليس موجهاً إلى عامة الناس وإنّما موَّجه إلى فقهاء مذهبه, معنى ذلك هو أنّه قد يأتي من يعترض على فتاوي الشافعي وبالفعل فقد أتى في هذا الزمن كثير من اعترض على الشافعي.
و الشافعي يقول إذا صح الحديث فهو مذهبي, نقول ليس أي حديث وقع عليه إنسان يستطيع أن يطبق عليه مقولة الشافعي إذ ينبغي:
أولاً أن يكون من أهل النظر والاجتهاد: هذا الشرط هام جداً وقد نبهتني إحدى الأخوات المؤمنات الطاهرات أنّه يجب عليّ أن أتوسع في شرح هذه الفقرة وبإذن الله سوف أفعل ذلك ولكن في لقاء آخر لكي لا يطول هذا الموضوع كثيراً, ولكن اعلموا أخوتي وأحبابي أنّ من العلماء التقليدين الذين يكرهون التجديد ويكتفون بالتقليد من يحارب هذه الفكرة , بحجة أنّنا لسنا أعلم من الشافعي! وما شابه ذلك من العبارات الانهزامية.
نعم نحن لسنا أعلم من الشافعي ولكن يمكن لنا كطلاب علم التدقيق في صحة الأصل الذي اعتمد عليه الشافعي في الفتوى, فمثلاً قد يفتي الشافعي في مسألة فقهية معينة اعتماداً على القياس أو اعتماداً على قول صحابي – وذلك في حال عدم وجود آية قرآنية أو حديث صحيح كما مر معنا في الفقرة العاشرة المقطع ب – ولنفترض أنّه تبيّن وجود حديث صحيح - لم يصل للشافعي- ينافي فتوى الشافعي أو يكون أصح منها, فهل نترك السنة النبوية ونأخذ بقول الشافعي ؟!
الجواب: طبعاً نأخذ بالسنة النبوية الصحيحة وندع قول الإمام الشافعي, وإن شاء الله أوفق في توضيح ذلك في لقاء آخر وبارك الله بكم وجعلكم مصابيح نور في سماء الجهل والظلام.
ثانياً: أن يرى هل اطَّلع على هذا الحديث الشافعي أو أصحابه أو أحد من فقهاء المذهب وكيف فسروه؟.
وكان الإمام الشافعي يرى أن قراءة الحديث وتدارسه أفضل من سائر النوافل فقد روى ابن أبي حاتم عن الربيع يقول : سمعت الشافعي يقول :قراءة الحديث خير من صلاة التطوع وقال طلب العلم أفضل من صلاة النافلة11.
وقال الربيع سمعت الشافعي قال لبعض أصحاب الحديث أنتم الصيادلة ونحن- أي الفقهاء- الأطباء 12.
وكان يقول الشافعي: إذا رأيت رجلاً من أصحاب الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جزاهم الله خيرا هم حفظوا لنا الأصل فلهم علينا الفضل13.
ويقول أيضاً: سمعت الشافعي يقول عليكم بأصحاب الحديث فإنهم أكثر الناس صوابا 14.
ويروى عن الشافعي قوله: لولا المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر15.
وينقل الإمام المزني رحمه الله الكلمات الأصولية العلمية الفقهية العقائدية الآتية عن الإمام الشافعي:
قال الإمام المزني :قال الإمام الشافعي16: (من تعلّم القرآن عظمت قيمته ومن تكلم في الفقه نما قدره ومن كتب الحديث قويت حجته ومن نظر في اللغة رقّ طبعه ومن نظر في الحساب جزل رأيه ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه ). انتهى
بارك الله بك يا إمام على هذه الكلمات الذهبية وهذه الجمل الإيمانية التي فيها ملخصاً لحقيقة العلم الشرعي وأثره على النفوس , وما هذه البلاغة التي جعلت إمامنا وحبيب قلوبنا يستطيع صياغة تلك المعاني بسطرين ونلاحظ كيف وضّح الشافعي أسس طلب العلم الشرعي والتدرج فيه , فبدأ بالقرآن الكريم ثم الفقه ثم علم الحديث ثم التوسع ببحر اللغة العربية وختم بتذكرة لطالب العلم أن لا ينسى نفسه ولا يغفل عن الحساب.
فمن أراد أن تعظم قيمته فعليه بالقرآن, ومن أراد أن يرتفع قدره فعليه بالفقه, ومن أراد أن تقوى حجته فعليه بالحديث, ومن أراد أن يكون رأيه صحيحاً وصائباً ومبتعداً عن الهوى فعليه أن يمعن النظر بالحساب, ومن لم يحفظ نفسه عن المعاصي والذل والهوان والله والله لن ينفعه علمه ولو كان أعلم أهل الأرض, فصون النفس يكون بأمرين:-
أ- صونها عن الذل والخنوع وهذا امتثالاً لقوله تعالى ﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ﴾ [آل عمران 139].
ب- صون نفسه ومنعها من ارتكاب المعاصي وتزكيتها بالتقوى والعمل الصالح وهذا تصديقاً لقوله تعالى ﴿قد أفلح من زكاها, وقد خاب من دساها ﴾ [الشمس 9-10]
و الله تلك الكلمات نور على نور, كلمات يفهمها الطفل والشاب, والعالم والمتعلم وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ يُرِدِ اللّهُ به خَيراً يُفَقِّهْهُ في الدِّين.... ) أخرجه بخاري في صحيحه, اللهمّ فقهنا في الدين وعلمنا التأويل واجعلنا علماءً مجددين في هذا الدين اللهّم آمين آمين يا رب العالمين.
14- الشافعي المحدث:
مر معنا سابقاً أنّ الإمام الشافعي هو أحد أئمة أهل الحديث وأحد رواته وله كتاب يسمى مسند الإمام الشافعي فيه الكثير من الأحاديث النبوية.
وقد أثنى عليه علماء أهل الحديث ووثقوه ومن جملة ما قيل في الشافعي كإمام محدث:
أ- قال يحيى بن معين عن الشافعي أنّه ليس به بأس17.
ب- وعن أبي زرعة الرازي قال ما عند الشافعي حديث فيه غلط18.
ت- وقال أبو داود السجستاني ما أعلم للشافعي حديثا خطأ19.
ويقول الإمام الذهبي رحمه الله معلقاً على الأقوال السابقة20 :" هذا من أدل شيء على أنه ثقة حجة حافظ ... , وقد صنف الحافظ أبو بكر الخطيب كتاباً في ثبوت الاحتجاج بالإمام الشافعي وما تكلم فيه إلا حاسد أو جاهل بحاله فكان ذلك الكلام الباطل منهم موجباً لارتفاع شأنه وعلو قدره وتلك سنة الله في عباده ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ﴾ [الأحزاب 69-70]." انتهى
ث- قال أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس صدوق21:
قد روى الإمام احمد بن حنبل والترمذي والنسائي وابن حبان وغيرهم عن هذا الأمام المحدث, ولكن لو نظرنا في صحيح الإمام البخاري ومسلم فلن نرى أي حديث للشافعي, وللأسف قد استغل البعض هذه النقطة للطعن بالإمام الشافعي المحدث.
وقد دحض هذه الشبهة الحافظ أبو بكر الخطيب فيما نقله الذهبي رحمه الله22 :
فقال الحافظ أبو بكر الخطيب:سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في الجامع وذكر أن بعض من يذهب إلى رأى أبي حنيفة – أي من أصحاب المذهب الحنفي - ضعف أحاديث الشافعي, واعترض بإعراض البخاري عن روايته.
ويتابع القول الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب:... وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي فأجبته بما فتح الله لي: ومثل الشافعي من حسد وإلى ستر معالمه قصد ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويظهر من كل حق مستوره, وكيف لا يغبط من حاز الكمال بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل أو ذاهب العقل ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه وتعظيم الأئمة له وقال :
وليس لما يعليه ذو العرش واضع *** أبى الله إلا رفعه وعلوه
إلى أن قال:
- والبخاري هذب ما في جامعه غير أنه عدل عن كثير من الأصول إيثارا للإيجاز قال إبراهيم بن معقل سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول فترك البخاري الاحتجاج بالشافعي إنّما هو لا لمعنى يوجب ضعفه, لكن غني عنه بما هو أعلى منه ....
- والبخاري لم يدرك الشافعي بل لقي من هو أسن منه كعبيد الله بن موسى وأبي عاصم ممن رووا عن التابعين وحدثه عن شيوخ الشافعي عدة فلم ير أن يروي عن رجل عن الشافعي عن مالك.
- فإن قيل فقد روى عن المسندي عن معاوية بن عمرو عن الفزاري عن مالك ؟!
يجيب أبو بكر الحافظ البغدادي فيقول: فلا شكّ أن البخاري سمع هذا الخبر من أصحاب مالك وهو في الموطأ فهذا ينقض عليك؟! (أي يبطل حجتك السابق ) قلنا إنه لم يرو- أي البخاري- حديثا نازلاً, وهو عنده عال ( أي توفر له سند قصير يتصل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) إلا لمعنى ما يجده في العالي فأمّا أن يورد النازل وهو عنده عال لا لمعنى يختص به ولا على وجه المتابعة لبعض ما اختلف فيه فهذا غير موجود في الكتاب, وحديث الفزاري فيه بيان الخبر وهو معدوم في غيره وجوده الفزاري بتصريح السماع ثم سرد الخطيب ذلك من طرق عدة قال والبخاري يتبع الألفاظ بالخبر في بعض الأحاديث ويراعيها وإنا اعتبرنا روايات الشافعي التي ضمنها كتبه فلم نجد فيها حديثا واحدا على شرط البخاري أغرب به ولا تفرد بمعنى فيه يشبه ما بيناه ومثل ذلك القول في ترك مسلم إياه لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك وأما أبو داود فأخرج في سننه للشافعي غير حديث وأخرج له الترمذي وابن خزيمة وابن أبي حاتم. انتهى
وقد تكون إحدى أسباب عدم رواية الإمام البخاري عن الإمام الشافعي هي:
أ- اتهام الشافعي بالتشيع- وسوف يمر معنا ذلك -: فالإمام البخاري كان يحرص في الغالب على عدم الرواية لأي إمام إذا قبل فيه شيء رغم قناعته بسلامة ذلك الإمام وعدله وذلك لأنّ الإمام البخاري أراد من أن يجعل من كتابه الصحيح الجامع أو صحيح بخاري كتاباً مجمعاً عليه عند جميع أهل السنة .
ب- همز ولمز ومهاجمة بعض طلاب الإمام مالك للشافعي- سوف يمر معنا ذلك لا حقاً- : قد يكون ذلك أيضاً أحد الأسباب التي جعلت البخاري ينأى عن الرواية للإمام الشافعي والسبب هو نفس السبب في الفقرة السابقة والله أعلم.
15- الشافعي صاحب اللغة العربية السليمة وصاحب الحجة البليغة:
مر معنا سابقاً كيف أنّ الإمام الشافعي رضي الله عنه حرص على تعلُّم اللغة العربية السليمة, لأنّ فهم اللغة العربية ومعرفة معانيها شيء أساسي ولا غنى عنه لطالب العلم, ولا سيما أنّ القرآن مكتوب باللغة العربية والسنة النبوية هي باللغة العربية السليمة, وسمعت أحد العلماء يقول: من أراد أن يفهم السنة النبوية بشكل صحيح فعليه الاهتمام بمعرفة معاني ألفاظ متن الحديث النبوي الشريف.
لأنّه أحياناً كلمة واحدة في متن الحديث النبوي تغير معناه, لذلك أنصح أخوتي وأخواتي من طلاب العلم أن يهتموا باللغة العربية اهتماماً فائقاً لكي يسيروا في بحر العلم الشرعي دون أية معوقات.
ويوضح الشافعي سبب اهتمامه باللغة العربية بقوله " قال ما أردت بها -يعني العربية- والأخبار إلا للاستعانة على الفقه " 25
وقد أشاد من عاصر الشافعي من العلماء والفقهاء والمحدثين بسلامة لغته العربية وبقوة بيانه وأنقل لكم بعض تلك الأقوال:
1- عن يونس بن عبد الأعلى قال :ما كان الشافعي إلا ساحراً ما كنّا ندري ما يقول إذا قعدنا حوله كأنّ ألفاظه سكر وكان قد أوتي عذوبة منطق وحسن بلاغة وفرط ذكاء وسيلان ذهن وكمال فصاحة وحضور حجة26.
2- وعن عبد الملك بن هشام اللغوي: قال طالت مجالستنا للشافعي فما سمعت منه لحنة قط, قال الذهبي : أنّى يكون ذلك وبمثله في الفصاحة يضرب المثل كان أفصح قريش في زمانه وكان مما يؤخذ عنه اللغة 27.
3- قال احمد بن أبي سريج الرازي: ما رأيت أحدا أفوه ولا أنطق من الشافعي 28.
4- وقال الأصمعي ( الشاعر المعروف): أخذت شعر هذيل عن الشافعي 29.
16- الشافعي العابد الخاشع:
لقد امتنّ الله على المسلمين بالإسلام وشرفهم بهذا الدين العظيم, وأنزل القرآن فيه هدى ورحمة للعالمين, وإنّ كل شيء فيه تقرب إلى الله يكون له لذّة, فالعلم الشرعي له لذة والعبادة لها لذة وقراءة القرآن لها لذة أيضاً.
و المسلم الحق هو الذي يعطي كل شيء حقه, فالعلم الشرعي له وقته والعبادة لها وقتها والدعوة إلى الله لها وقتها أيضاً.
و الإمام الشافعي بالإضافة إلى كونه عالماً فقيهاً و محدثاً كان عابداً خاشعاً وقانتاً لله وعن عبادة الشافعي رضوان الله عليه, وننقل بعض أقوال معاصريه ومن هذه الأقوال:
*الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي قد جزأ الليل فثلثه الأول يكتب, والثاني يصلي, والثالث ينام ويقول الذهبي : أفعاله- أي الشافعي- الثلاثة عبادة بالنية 30.
* قال حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة فكان يصلي نحو ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة آية, وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله ولا بآية عذاب إلا تعوّذ وكأنّما جمع له الرجاء والرهبة جميعاً 31.
* قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه بل أكثر كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة 32.
* قال إبراهيم بن محمد الشافعي :ما رأيت أحدا أحسن صلاة من الشافعي وذاك أنه أخذ من مسلم بن خالد وأخذ مسلم من ابن جريج وأخذ ابن جريج من عطاء وأخذ عطاء من ابن الزبير وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق وأخذ أبو بكر من النبي صلى الله عليه وسلم.
* قال الربيع: قال لي الشافعي عليك بالزهد فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد 33.
وكان الإمام أحمد يحدِّث ابنته كثيراً عن الشافعي وعن تقواه و علمه و في يوم نزل الشافعي ضيفاً عند أحمد و لعلّ ذلك كان في رحلة الشافعي الأخيرة له إلى بغداد، فأعطاه غرفة لينام فيها, وكان الإمام أحمد كثير التعبد و كثير التنسك فأخذت ابنته تراقب الشافعي كيف تكون عبادته ومتى سيستيقظ من الليل وأيهما أكثر تعبداً والدها أم الشافعي؟! فلاحظت أنَّ غرفة الشافعي بقيت مظلمة إلى قُبَيل أذان الفجر بينما الإمام أحمد كان يقوم أكثر الليل, وفي الصباح قالت لأبيها: أهذا هو الشافعي الذي حدثتني عنه؟ فلم يجبها الإمام أحمد ودخل على الشافعي فقال له: كيف كانت ليلتك يا أبا عبد الله ؟ فقال له: لقد فكرتُ الليلة في بضع آيات من كتاب الله تعالى و روايةٍ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستخرجتُ منها أحكاماً كثيرة - و في رواية فوق الستين حكماً - فقال الإمام أحمد لابنته: لضجعة واحدة من الإمام الشافعي خير من صلاة أبيكِ الليل كله!.
وهذا دليل عظيم على احترام الأئمة بعضهم لبعض وعلى انكسار طالب العلم أمام معلمه واعترافه بفضله وحري على طلبة العلم الاقتداء بالإمام أحمد بن حنبل و الشافعي ويتعلموا منهم أدب الشكر وأدب العلم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه: (( لاَ يَشْكُرُ الله مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ)) أخرجه ابن داوود في سننه.
هذا يصور لنا كيف كان أدب و تعظيم أئمة المسلمين بعضهم لبعض ونظر كل واحد منهم إلى الآخر على أنه إماماً له ومعلماً له وهذه هي أخلاق الصحابة رضوان الله عليهم فكان كل واحد منهم يظن أن الآخر أفضل منه.
وللأسف نرى أن بعض طلبة العلم من الذين لم يتمكن حب الله ورسوله في أنفسهم يخطئون اتجاه معلميهم فنرى بعضهم لا يفقه من العلم الشرعي إلا القليل ومع ذلك همه انتقاد معلميه لأتفه الأسباب دون بينة أو حجة.
________________________________________
1- سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
2-المصدر السابق
3-المصدر السابق
4-المصدر السابق
5-المصدر السابق
6-المصدر السابق
7-المصدر السابق
8-المصدر السابق
9-المصدر السابق
10 - أحمد بن حنبل مؤسس المذهب الحنبلي ولديه كتاب يعرف باسم مسند الإمام أحمد يضم الكثير من الأحاديث النبوية .
11-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر.
12-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
13- المصدر السابق
14-المصدر السابق
15-المصدر السابق
16-المصدر السابق
17-المصدر السابق
18-المصدر السابق
19-المصدر السابق
20-المصدر السابق
21-المصدر السابق
22-المصدر السابق بتصرف.
23-معنى ذلك لو احتج شخص ما وقال إن البخاري قد روى عن رجل عن رجل عن رجل عن مالك فلماذا لم يروي عن رجل عن الشافعي عن مالك حيث في هذه الحالة يكون فيها الإمام الشافعي يكون السند أقصر .
24-أي أن جميع الأحاديث التي يرويها الشافعي تحقق شروط الصحة التي وضعها البخاري– صحيح بخاري- لانتقاء صحيح الصحيح من الأحاديث النبوية
25-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
26-سير أعلام النبلاء للذهبي الجزء العاشر
27-المصدر السابق.
28-المصدر السابق
29-المصدر السابق.
30- المصدر السابق
31-المصدر السابق .
32-المصدر السابق.
33-المصدر السابق
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
أحمد نصيب-
- عدد المساهمات : 9959
العمر : 66
المكان : أم المدائن قفصة
المهنه : طالب علم
الهوايه : المطالعة فحسب
نقاط تحت التجربة : 24437
تاريخ التسجيل : 05/08/2007
مواضيع مماثلة
» طلاب العلم والعلماء
» قالوا في العلم والعلماء
» أقوال الأمام مالك في طلب العلم
» روائع شعرية للشافعي رضي الله عنه
» أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
» قالوا في العلم والعلماء
» أقوال الأمام مالك في طلب العلم
» روائع شعرية للشافعي رضي الله عنه
» أقوال العلماء في اختلاف صورة النبي صلي الله عليه وسلم في المنام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى