كشف مغالطات محاوري الصوفية

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله الرحمان الرحيم

لقد سبق وأن دعوت محاورنا الأخ أبا حيدر للتخلي عن أسلوب الخطابة الذي يهيج المشاعر ويستعطف النفوس وليعوضه بأسلوب التحقيق العلمي الصارم، لأن الأسلوب الأول تسهل معه المغالطة.
فتأمل قوله: لماذا كلما استشهدت الا واستشهدت بأحاديث اما موضوعة واما ضعيفة...
لقد استشهدتُ في تأصيل ما ذهبت إليه أولا بآيات من الذكر الحكيم فهل اعتبرها موضوعة هي الأخرى أم ضعيفة؟
ثم استشهدت بحديث الفراسة الذي ادعى كذلك أنه ضعيف كعادته وقد نقلت أنا تحرير القول فيه فلو كان ذا ملكة علمية موضوعية لما أغفل قول من صحح الحديث. ادعى ابن الجوزي أن الحديث موضوع وسقطت تلك الدعوى بأن كل طرق الحديث لا تنزل به إلى درجة الموضوع وذلك أن الكثير من طرق هذا الحديث ضعيف وبعضها صحيح أو حسن، وطالب العلم يعلم أن تعدد طرق الحديث الضعيف ترفعه إلى الحسن فما بالك والحديث له طرق حسان أو صحيحة علاوة على كل ذلك فالحديث يؤيده القرآن بقوله تعالى: "إن في ذلك لآيات للمتوسمين"75 الحجر
أورد القرطبي في جامع الأحكام حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (للمتفرسين) وهو قول مجاهد. وروى أبو عيسى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله - ثم قرأ - "إن في ذلك لآيات للمتوسمين").
فأين قولك موضوع أو ضعيف.
وبعد ذلك يسأل: اين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تنسحب على هذه المسائل ؟؟ هل وجدت منها في ذات الشان ما يتصل في هذا الفن ؟؟ قطعا لا .
فتأملوا !!! وطالب العلم يعلم أن المسألة لو لم يكن فيها غير حديث واحد لكفى، فليست العبرة بالكثرة العددية ومع ذلك فسترى بإذن الله أكثر من حديث في هذا الشأن:
- في رياض الصالحين عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدَّثون؛ فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. ورَوَاهُ مُسلِمٌ من رواية عائشة. وفي روايتها قال ابن وهب: محدَّثون: أي ملهمون.‏

- عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب يوما جعل ينادي: يا سارية الجبل - ثلاثا، ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! لقينا عدونا فهزمنا، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي: يا سارية الجبل - ثلاثا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله، فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك. قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: إسناده حسن.

- عن ابن عمر قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. صحيح مسلم.

ثم انظر قوله: والمعتقدات البالية من قبيل أن الاولياء يطلعون على الغيب ولهم خوارق
فمرحا.
أولا إذا كانت المعتقدات لها أصل من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فكيف توصف بالبالية خصوصا ممن نسب نفسه للكتاب والسنة ثم انظر من الذي نسب علم الغيب للصالحين فيما قدمتُ له، إنه ابن عباس والراوي عنه ابن كثير قال: وكان رجل يعلم الغيب. هل هما مجروحان عنده أم أنهما من الصوفية فهلا حمل عليهما واتهمهما بعدم الإعتدال والوسطية ونشر العقائد البالية، وهل القرطبي وابن عاشور مجروحان عنده أيضا؟ !!!
أما دندنته المعتادة حول العقل والمعقولية فقد كنت علقت له عليها سابقا فلا رأيته أجابني عنها ولا أراه استفاد منها، وهو أيضا أسلوب من أساليب المغالطة واستثارة العواطف حتى قام القوم من معاونيه يصفقون له ويكررون عبارات المعقولية فإني أستدعي عقولهم ومعقوليتهم لينظروا فيما يلي:
القرآن الكريم طافح بخوارق العادات لغير الأنبياء فهل سيلغونها بتلك العقول والمعقولية؟ !!!
قال تعالى: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذاَ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {آل عمران37}
قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (النمل 40)
فتأملوا !!!
أما من الأحاديث فانظر حديث المتكلمون في المهد.
روى البخاري: عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه - قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل.

روى مسلم في باب الصبر حديث الغلام والملك الذي عجز عن قتله إلا بذكر اسم الله.

إذا تقرر ذلك فالآن أجيبه عن قوله: هل في الدنيا رجل عاقل يصدق مثل هذه الاقاويل ؟؟
نعم إذا كان عقله ربّي ونشأ على التسليم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو العقل المؤمن.
أما من عهدناهم ينكرون ذلك فليس غير المعتزلة والماديين والطبيعيين الذي يرون السببية نظاما حتميا يجري حتى على إرادة الله وقدرته فتخضع له.
فلينظروا أي العقول عقولهم؟
أما نحن فيشرفنا أن نسلم بما في القرآن والسنة.
وانظروا هل الوسطية في اعتقاد ما ورد في القرآن والسنة أم في الجمود تحت وطأة معتادات النفوس والحواس.
فليته يرينا الإعتدال والوسطية في حكمه على الصوفية فيبرز إيجابياتهم كما يبرز سلبياتهم.
ومن خلل المنهج عنده وهو من مظاهر المغالطات أيضا أن يترك التّأصيل ويتوغل في الجزئيات كعادته ويتهمنا أحد المصفقين له بذلك.
ذلك أن التأصيل يقتضي منه أن يأتي بنصوص من القرآن والسنة تثبت استحالة وقوع الخوارق واستحالة اطلاع بعض الناس عما شاء الله إطلاعهم عليه من الغيوب، وهذا ما لم يتم وإنما انهمك كعادته في تقديم أمثلة عن تلك الخوارق ليترك الحكم للعقل لا للشرع.
وإذا أراد ترويض عقله على مثل تلك المسائل التي أنكرها فلينظر شبيهاتها في الصحاح:
روى البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره، يقول: ثوبي يا حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضربا). فقال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر، ستة أو سبعة، ضربا بالحجر.
فهل يقبل عقله أن تكشف عورة نبي الله بهذه البساطة؟!!! وهل يعجز الله عن تبرئته بدون ذلك؟!!! وما ذنب الحجر حتى يضرب وهو جماد خاضع لإرادة الله؟!!!
روى مسلم والبخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما راع في غنمه، عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث). قال الناس: سبحان الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب). رضي الله عنهما.
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: بينا أيوب عليه السلام يغتسل عرياناً فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه. فناداه ربه عَزَّ وَجَلَّ: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟! قال: بلى وعزتك ولكن لا غنى لي عن بركتك. رَوَاهُ البُخَارِيُّ
حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام. فقال له: أجب ربك. قال فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها. قال فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت...الحديث رواه مسلم.
فهل يصدق عقله أن بقرة وذئبا يتكلمان ويسمعهما غير نبئ، وهل يستوعب عقله أن ينزل جراد من ذهب على أيوب عليه السلام وهل سيتهمه بالخرافية والشرك والعياذ بالله تعالى لأنه يلتمس البركة من الجراد، وهل يتسع عقله أن يلطم موسى عليه السلام ملك الموت فيفقأ عينه وأن موسى لا يريد الموت أم سيهزأ بالخوارق كعادته وبناقليها؟!!!
فهل سيضحك من أبي هريرة راوي الأحاديث أم من البخاري ومسلم أم ممن روي عنه والعياذ بالله من ذلك؟!!! كما فعل مع ما نقل عن الصوفية إن صحّ أم أنه سيحمله على أحسن المحامل التي يفرضها حسن الظن بالمؤمنين؟!!!
فليفعل ذلك مع الصوفية أيضا.
أما نحن فنذكّر بأنّ عقولنا تسلم لما ثبت بالقرآن والسنة ولا تتجرّأ بالطعن في ناقليها الثقات، ونبحث لها عن تأويل حسن يقبله العقل وإن لم نرق إلى فهم الحكمة لا نتطاول بالطعن لأن فوق كل ذي علم عليم. قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه: لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه
هذا إلى جانب أن مسألة الخوارق ليست هي التصوف بل هي مسألة فرعية جدا فالتركيز عليها على أنها هي التصوف مغالطة جديدة لتشويه التصوف وأهله، وعليه أقول: أن ما ورد في كتب القوم من خوارق ليس بالضرورة أن يكون صحيحا وليس بالضرورة أن يُصدَّق فما قال أحد أن من كذّب بواحدة أو أكثر أو بكل ما ورد في تلك الكتب من الخوارق فهو مذنب، بل الخطر على من ينكر الخوارق من أصلها لأنه يصادم القرآن والسنة، فهي من المسائل الإجتماعية وجامعوها قاموا بما قام به كل من جمع في المسائل الإجتماعية كالمؤرخين ألا ترى أن كتب التاريخ ملأى بالأحداث المتضاربة والمتهافتة وكذلك كتب التراجم والطبقات بل أن كتب التفسير والحديث والفقه لم تسلم من ذلك أليس في كثير منها إسرائيليات.إذن فهذه المسألة ليست خاصة بالصوفية كما يوهم كلامه بل هي فاشية في كل المجالات فإن كان يريد أن ينسف التصوف لأن فيه مثل هذه المسائل فيلزمه أن ينسف التاريخ والطبقات والتفسير وكتب الحديث وهذا ما لا يقوله عاقل.
بعد كل هذا فإنا لا نزعم العصمة للصوفية بل يجوز عليهم الخطأ كما على غيرهم من الخلق ولكن ذلك لا يجب أن يحجب عنا فضائلهم شأنهم شأن غيرهم وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله حيث قال أن الصوفية كغيرهم فيهم السابق وفيهم المقتصد وفيهم الظالم لنفسه.
أما علم أخي أبو حيدر أنه لو صدّق الناس دعواه ثم قرأوا تاريخهم فسينهار أمامهم صرح الدين بأكمله ذلك أنه ما من كتاب من كتب الحديث إلا وفي أسانيده رجال من الصوفيه وما من قراءة من القراءات إلا وفي سندها رجال منهم أيضا، ولينظر على سبيل المثال أسانيد الإمام النووي في شرح مسلم، ولينظر ابن الجزري صاحب القراءات الشهير وأبو زكريا الأنصاري الذي ترجع أسانيد القراءات في مصر إليه، فدعواه تقتضي الطعن في قراءات المصريين وفي أسانيد النووي ومؤلفاته...
ثم لينظر مفخرة الإسلام صلاح الدين الأيوبي في أي بيئة نشأ وتتلمذ، ومن كان يصحب في معاركه ولماذا أنشأ الزوايا للصوفية في مصر فهل حرر بيت المقدس لينشر فيها الخرافة والزندقة ويهدم الدين؟ !!!
ولينظر مفخرة الإسلام محمد الفاتح فاتح القسطنطينية من شيخه!!!
ولينظر من قهر الجيش الفرنسي في الجزائر أليس الأمير عبد القادر الصوفي؟
ولينظر من قهر الجيش الإيطالي في ليبيا أليس عمر المختار الصوفي؟
ولينظر دور أبو الحسن الشاذلي، رغم ذهاب بصره، في واقعة المنصورة التي اندحر فيها الصليبيون.
وليسأل مسلمي إفريقيا وآسيا من الذي أوصل إليهم نور الإسلام وكلمة التوحيد، يخبرونه أنهم الصوفية.
ومن الذين ثبت جذوة الإيمان في قلوب مسلمي البلدان الشيوعية رغم شناعة الإضطهاد ...
وليسأل الرباطات على طول سواحل وثغور بلاد الإسلام تخبره عن الخرافة والزندقة...
وليسأل أهل الجريد التونسي من الذي قضى فيه عن المدّ الرافضي أليس سيدي أبو علي النفطي الصوفي الشهير والذي كان يلقب من أجل ذلك بسيدي أبو علي السّنّي...
ولينظر في كتب الرقائق ومكارم الأخلاق وضرب الأمثال في العمل بالعلم ومجاهدة النفس في طاعة الله يجدها طافحة بكلام وحكم ووقائع الصوفية رضي الله عنهم...
ومن المضحكات أنك تجد أحدهم يلقي محاضرة يشتم فيها التصوف وأهله وهو في الوقت نفسه يستدل في حديثه عن الهمم العالية والتطبيقات العملية للقرآن والسنة بكلام الصوفية ومآثرهم معتمدا في ذلك على جهل الناس بمن يتكلم عنهم...
أما ما طرح من أمثلة عن كرامات وأقوال بعض الصوفية فأقول وبعد تأصيل المسألة:
أولا: إن خرق العادات أمر ممكن عقلا وشرعا ولكن ليس من الملزم التصديق بوقائع الأحوال كما أسلفت.
ثانيا: ما نقله من قول أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، الذي طمس كل مآثره ، لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة.
وقوله أيضا: وأما الآن فإني أسقى من عشرة أبحر ، خمسة سماوية ، وخمسة أرضية.
فإني أحيل إلى كلام شبيه به عند الصحابة وهو تأصيل أيضا:
عن أبي هريرة قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم. صحيح البخاري كتاب العلم.
فهل يتهم أبا هريرة بقلة العقل؟ !!!
عن أبي ذر قال: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً. رواه أحمد، والطبراني وزاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُين لكم". ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ وهو ثقة.
فإذا كان الصحابة رضي الله عنهم يستفيدون علما من حركة جناح الطائر فأين تأتي السبعة أبحر الشاذلية أمام ذلك مع أن الكلام ليس على ظاهره كما هو شأن لغة القوم بدليل أن السماء لا بحر فيها فماذا فهم من القول حتى يستغربه؟
فالحكم عن الشيء فرع عن تصوره.
ملاحظةّ
ذكر أبو أويس سابقا أن حجة الصوفي قول وعمل وحال وحجة غيره لقلقة لسان ونفى أبو حيدر عن الصوفية أي فضيلة وفي حوارنا معه دليل عمليّ لا يستطيع أن ينكره ذو نزاهة على صدق قول أبي أويس وعلى أثر التصوف في تهذيب الأخلاق وتوجيه الناس إلى العمل بالعلم ذلك أنه لا بد أن الجميع لاحظ أن أبا حيدر الذي حاور هذه المرة ليس هو أبو حيدر الذي حاور من قبل، طبعا لا من حيث الشخص بل من حيث الأسلوب والأدب.
لقد كان أخونا أبو حيدر يعاني من أمور موجودة فيه وهو لا يشعر بها - وهذا ليس من التنقيب على عيوب الآخرين ولكن من باب تقريب المعنى وإقامة الحجة بمثال حي يراه الجميع- وهي: - مجانبة أخلاقه للأخلاق المحمدية ( السبّ والشتم واستنقاص الغير)
- مخالفة قوله لفعله ( وضع بنودا للمنتدى الإسلامي وكان أول من خالفها)
- إعجابه بنفسه وتصوره أنه الأرقى والأعلم وصاحب الحقيقة المطلقة وهذا واضح في سياقات مداخلاته...
ورغم أنه ينكر كل ذلك بلسانه لكنه أقرّ به عمليا شعر أو لم يشعر حيث دخل الحوار من جديد محاولا اجتناب ذلك عدا المسألة الأخيرة فمازالت حاضرة معه وبهذا المسلك اللطيف وبدون ضجيج أوصخب يؤثر التصوف في أخلاق الناس فيرقيها وينبه المرء لعيوب نفسه التي يعسر عليه كشفها وحده لشدة خفائها ودقتها، ولذلك يحتاج إلى شيخ خبير ومختص احتياج المريض إلى طبيب مختص يعالجه - لعدم إمكان أن يطبب نفسه بنفسه تشخيصا للمرض وتحديدا للدواء المناسب له - ولو لم يكن للتصوف غير هذه الفضيلة لكفته شرفا وحجة.

سلطان كتب:

نعوذ بالله من طمس البصائر.
بتلك الفتاوى أوقع أخونا نفسه في أكثر من ورطة:
1- مصيبة التكفير: الأخذ بتلك الفتاوى إلا ما شذ منها يؤدّي إلى:
- تكفير مسلمي إفريقيا وآسيا لأنهم ما عرفوا الإسلام إلا على يدي مشركين في زعمهم، وهم إلى الآن أصحاب طرق إلا من أصابته لوثة الوهابية في السنوات الأخيرة .
- تكفير أغلب مسلمي العالم العربي كمصر والشام والعراق فإنها تعج بالصوفية ومحبيهم.
- تكفير التونسيين علماء وعامة قديما وحديثا ذلك أنهم ما تلقوا العلم الشرعي إلا في جامع الزيتونة المعمور وفروعه، ومن الكتب الأساسية المعتمدة فيه في الفقه والتوحيد كتاب متن ابن عاشر وشروحه وهو متضمن للعقيدة الأشعرية والطريقة الصوفية الجنيدية نسبة إلى الشيخ الجنيد، حيث قال في مقدمته:
وبعد فالعون من الله المجيد في نظم أبيات للأمي تفيد
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك
وأفرد في آخره بابا يشرح فيه التصوف.
- تكفير كل من لم يكفر الصوفية على
قاعدتهم: منقال هذا فهو كافر ومن لم يكفره فهو كافر.

2 – التناقض والمغالطة:
- هذه الفتاوى ذاتها تناقض بعضها بعضا، فالفتوى الأخيرة رقـم 32693 التي تنم عن اعتدال وموضوعية تهدم كثيرا من سابقاتها وهذا مثال على ذلك قارنوا بين هاتين الفتويين.
رقـم الفتوى : 27699
عنوان الفتوى : من بدع الصوفية المنكرة
...فإنه لا تخلو فرقة من فرق الصوفية اليوم من انحراف في العقيدة، وزيع عن الحق، ومخالفة للهدي، فتكثر فيهم الشركيات ...
...هذه الأمور شرك أكبر يخرج معتقده عن الملة...
... لا يختلف عن شرك المشركين في عهد النبيصلى الله عليه وسلم...
رقـم الفتوى : 32693
عنوان الفتوى : الأوراد الصوفية ليست سواء.
...الأمر بالنسبة للصوفية، فليسوا سواء أيضا، لأن مصطلحالتصوف في نفسه مصطلح حادث لا يتعلق به مدح ولا ذم، ولكن ينظر إلى أحوالالمنتسب إليه من حيث موافقته للشرع ومخالفته له. واعلم أن تكفير المسلم أمر خطير، تزل فيه أقدام بعد ثبوتها، ويكفي في بيان خطره قول الرسول صلى الله عليه وسلم: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. رواه أحمد.
وفي مسلم: ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك، إلا حار عليه.
وفي الترمذي: ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله. فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، ومن يثبت له عقد الإسلام بيقين، لم يخرج منه إلا بيقين.
والله أعلم.
المفتـــي: مركز الفتوى

- مع كل ذلك التكفير يقول أخونا أبو حيدر أنا مسلم أعتمد الكتاب والسنة ويتبرأ من الوهابية والسلفيين التكفيريين الذين جلبوا الويلات للأمة على حد قوله، فمن هم التكفيريون إذا لم يكونوا من كفّر غالبية الأمة وهو يستشهد بهم.
فإن كان هؤلاء عنده معتدلين فليخبرنا من هم التكفيريون والمتطرفون فلعل شناعاتهم أعظم من ذلك ونحن لا ندري.
- أصّلنا له بعض المسائل التي طرحها في التصوف من الكتاب والسنة الصحيحة فترك الرد العلمي
واتجه إلى رشقنا بالفتاوى التكفيرية فأقام الحجة على نفسه وعلى من يقلدهم بأنهم يكفرون من خالفهم في فهم الكتاب والسنة وهذا عين الإقصاء والإرهاب الفكري .
بذلك كشفوا أنهم لا يدعون إلى الكتاب والسنة بل إلى أنفسهم وآرائهم ففرقوا الأمة باسم التوحيد وكفروها باسم الكتاب والسنة وعادوها باسم الغيرة على الدين - والدين والتوحيد والكتاب والسنة من ذلك برآء- ويمارسون خلاف ما يدّعون ويرفعون من شعارات.
ألا فلينزعوا الأقنعة عن وجوههم ويجتنبوا استغفال الناس الغير المتمكنين من العلوم الشرعية بلباس جبة الدين ليوهموهم أن قداستهم من قداسته.
وصدق المثل القائل: على نفسها جنت براقش.

أين الفتاوى يا أخي ؟