في رحاب البكالوريا
+14
بنت الرديف
المنذر
ريان
ولد الجيران
sihem
Sweet EviL
قوافليست انتحاري
scorpion
soujoud
takwa
foued
سيف
wardabayda
حمزة سديرة
18 مشترك
صفحة 2 من اصل 4
صفحة 2 من اصل 4 • 1, 2, 3, 4
في رحاب البكالوريا
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :
:afro: :afro:
أمّا بعد، اخواني الأعضاء أقترح عليكم هذا الموضوع الجادّوالصّريح
وهو كالتّالي
نظرا لردائة نتائج البكالوريا بولاية قفصةعلى المستوى الوطني وفي سبيل الوعي بهذه المرتبة والعمل على النّهوض
بها وتحسينها أقترح عليكم-(قسم الاشراف على المنتدى/والأخوة الأعضاء)- تخصيص هذه الصفحة يكون فيه العمل جماعيّا من خلال عرض
استفساراتنا واشكاليّاتنا الّتي تعترضنا في البكالوريا
سواءا كان معرفيّا أو منهجيّا والعمل على وضع حلولها من خلال مبادرة كلّ من الأعضاء
والمشرفين تقديم اقتراحاتهم
نرجو من الاخوة تقييم هذا الموضوع
أمّا بعد، اخواني الأعضاء أقترح عليكم هذا الموضوع الجادّوالصّريح
وهو كالتّالي
نظرا لردائة نتائج البكالوريا بولاية قفصةعلى المستوى الوطني وفي سبيل الوعي بهذه المرتبة والعمل على النّهوض
بها وتحسينها أقترح عليكم-(قسم الاشراف على المنتدى/والأخوة الأعضاء)- تخصيص هذه الصفحة يكون فيه العمل جماعيّا من خلال عرض
استفساراتنا واشكاليّاتنا الّتي تعترضنا في البكالوريا
سواءا كان معرفيّا أو منهجيّا والعمل على وضع حلولها من خلال مبادرة كلّ من الأعضاء
والمشرفين تقديم اقتراحاتهم
نرجو من الاخوة تقييم هذا الموضوع
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
هوامش"قبل عرض مسرحيّة رأس المملوك جابر"
هوامش قبل العرض
"قبل عرض مسرحيّة رأس المملوك جابر"
ينبغي استعاب النّقاط الّتي طرحها ونّوس في رؤيته للمسرح نظرا أنّها تصبّ في مشروع الاهداف الّتي رسمتها الوزارة لدراسة المسرحيّ
------------------------------------
أحاول في هذه المسرحية"قبل عرض مسرحيّة رأس المملوك جابر"
ينبغي استعاب النّقاط الّتي طرحها ونّوس في رؤيته للمسرح نظرا أنّها تصبّ في مشروع الاهداف الّتي رسمتها الوزارة لدراسة المسرحيّ
------------------------------------
تجربة أخرى من تجارب " مسرح التسييس " التي بدأتها من قبل - ينبغي هنا
التنبيه إلى أن هناك فارقا كبيرا بين " المسرح السياسي " و " مسرح التسييس
" لا مجال الآن للبحث فيه - وأحدد بسرعة مفهوم هذا " المسرح " على أنه
حوار بين مساحتين . الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن
تتواصل مع الجمهور وتحاوره . والثانية هي جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل
ظواهر الواقع ومشكلاته .. وحتى الآن لا يزال هذا الحوار صعبا . فمن جهة ،
هناك التقاليد المسرحية المبنية على إلغاء مثل هذا الحوار ، أو إقامته
بصورة غير مباشرة وضمنية . وهناك أيضا - وهذا أهم - طبيعة المتفرجين
أنفسهم وموانعم الداخلية التي تحول بينهم وبين مباشرة الحوار والانسياق مع
نوازعهم الداخلية للتعبير عن أنفسهم . لهذا فإننا نقوم بتجربة بعض الوسائل
المصطنعة لتقديم مثل على إمكانية هذا الحوار كأن نضع في سياق العمل
متفرجين يتحدثون لحسابهم ، ويناقشون ، ويقدمون نموذجا لما يستطيعه ،
المتفرج أو لما ينبغي أن يكون عليه . طبعا نحن لسنا من السذاجة بحيث نعتقد
- كما ظن أحد الكتاب في تعليقه على " حفلة سمر " - أن المتفرجين الحقيقين
لن يكتشفوا أن هؤلاء الذين يجلسون بينهم ، ويشتركون في النقاش والحوار ،
همم ممثلون مدربون على أدوارهم .. ولكن كما قلت سابقا : إننا نحاول ببعض
الوسائل الاصطناعية كسر طوق الصمت ، وتقديم نموذج قد يؤدي تكراره إلى
تحقيق غايتنا في إقامة حوار مرتجل وحار وحقيقي بين مساحتي المسرح : العرض
والمتفرج . ومن المؤكد أن هذه الوسائل ليست كافية وحدها ، وقد تتحول إلى
مجرد مسألة شكلية وتقنية ، ما لم يتوفر الأمر الأهم والأساسي في إثارة
الحوار وتشجيعه . وأعني أن تتوفر في العرض المسرحي - أي في المساحة الأولى
- الشروط اللازمة لإثارة الحوار .. كارتباط الموضوع بحياة المتفرج ومشاكله
، ونوع المعالجة ، وشكلها .. و... على أن هذه الشروط لا تكفي الموهبة فقط
لتحقيقها ، وإنما تحتاج إلى بحث طويل في ظروف البيئة وبنيتها . وللأسف حتى
الآن لم نشرع جديا في هذا البحث .
إني أحلم بمسرح تمتلئ فيه المساحتان ، عرض تشترك فيه الصالة عبر حوار
مرتجل وغني يؤدي في النهاية إلى هذا الإحساس العميق بجماعيتنا وبطبيعة
قدرنا ووحدته .
هذه المسرحية ليست إلا مشروع عمل لن يتم إلا بعد أن تتوفر له مجموعة
متجانسة ولها رؤيتها ، تقوم ببنائه وبلورة إمكانياته من خلال بحث دؤوب ،
لا تتوقف حددوده عند الهواجس الجمالية ، بل تتعداها إلى المشكلات السياسية
والاجتماعية للواقع . إن كل تجربة عرض لهذه المسرحية ينبغي أن تكون في
الوقت نفسه تجربة بحث ظروف البيئة الراهنة ، وشروط الاتصال بالمتفرج
والتفاعل معه . دون ذلك ، هذه المسرحية تفقد كل مرراتها وقيمتها أيضا .
عندما أقول إن المسرحية ليست إلا مشروعا للعمل ، فإنني أعني وجود بعض
الثغرات والمساحات الفارغة ، التي تركت عمدا كي يملأها " العرض المسرحي "
بما يلائم الظروف والمكان . ليست لهذه المسرحية بداية دقيقة ، والسياق
نفسه يمكن ألا يتخذ شكلا صارما ومعماريا . نحن في مقهى .. والمقهى ليس
مكانا للحدث المسرحي ، بل هو المسرح نفسه خشبة وصالة . والجو الذي يسوده
له دور صميمي في المسرحيه . فمن خلاله سنعمد إلى كسر الطوق اليابس للعرض
المسرحي ، وسنتخلص من طقوس العمل الدائري التام لنبعث بعد ذلك نوعا من
الألفة بين المتفرجين ، يتيح لنا تقديم صورة عفوية تتخللها حكاية ذات مغزى
. لهذا فإن البداية ليست مرهونة بساعة معينة أو بافتتاح صارم . إننا نبدأ
فقط عندما يعم إحساس منشود بالألفة . وتتلاشى الغرابة الأولى ، التي يحسها
المرء حين يجد نفسه وسط جماعة ، هي الأخرى بمجموعها تحس بالغرابة إزاء قصة
وشخصيات ومناظر تراها لأول مرة .
باختصار إني أقترح شكل " سهرة المنوعات " لعرض مسرحي . ولا شك جو المقهى
يتيح لنا فرصة ممتازة لذلك . وهذا الشكل لا يلتصق بهذه المسرحية فقط وإنما
يمكن التوسع فيه ، واستنفاد إمكانياته في أعمال كثيرة لأن المهم في
النهاية هو أن نتجاوز شكلا صارما لمسرح ، حتى الآن لا يزال المتفرج عندنا
يجد نفسه غريبا إزاءه . وهو يبذل مجهودا خاصا - مجهودا ثقافيا بالطبع - كي
يتلاءم مع هذا الشكل أو يألفه .
وباعتبار ما سبق ، فإن كل أحاديث الزبائن ، وتدخلهم في مجريات الأحداث ،
وتعليقاتهم ليست إلا اقتراحات ، أو ما سميته وسيلة اصطناعية لتشجيع
المتفرج على الكلام والارتجال والحوار .. ولهذا فمن الممكن في ضوء أي
إخراج أن يعاد النظر في هذه الأحاديث ، أو أن تبدل صيغتها وتحول إلى
العامية ...
يمكن تقديم هذه المسرحية في أي مكان ، وفي أي مساحة أنا أضعها الآن في مقهى ، ولكن ذلك لا يمنع من تقديمها في أي مكان ...
وبكلمة واحدة .. إني أبحث عن عرض حي لحكاية تهمنا جميعا . ولذا أتصور
استخدام كل الوسائل الممكنة كي نصل إلى هذا العرض الحي الذي أتمناه " فرجة
" ممتعة ومفيدة تدفع المتفرج إلى تأمل مصيره .
منقول .
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
التوجيهات المعتمدة في دراسة المنزع العقلي للجاحظ
التوجيهات المعتمدة في دراسة المنزع العقلي للجاحظ
حسب ماتنصّ عليه البرامج الرّسميّة المعتمدة:
ـ يتمّ الاهتمام في تبيّن الخصائص الفنّيّة بالحجاج خاصّة وذلك بالنّظر في
:
· بنية
النصّ الحجاجيّ
· تنظيمه.
· سيرورته
(الحجج وأنواعها، الأمثلة ومصادرها).ـ
يتمّ الاهتمام في كتابات الجاحظ بالمنهج العلميّ وتجلّيات الفكر الاعتزاليّ في
مجالي اللّغة والأدب :
· في
المنهج العلميّ : بالموضوعيّة، الشكّ، التّجربة ومقوّماتها كالملاحظة والاستقراء
والموازنة والتّرتيب والتّعديل والتّجريح والاستنباط...
في
تجلّيات الفكر الاعتزالي : بكيفيّة الاستدلال على بعض المسائل الفكريّة والكلاميّة
بالحجج العقليّة (النّقد، الشكّ، الجدل، الاستقراء...).
الأهداف:
ü تبيّن
الخصائص الفنّيّة المميّزة لكتابة الجاحظ .
ü استجلاء
مظاهر المنزع العقليّ عنده.
إبداء
الرّأي في القضايا التي يثيرها نصّه
حسب ماتنصّ عليه البرامج الرّسميّة المعتمدة:
ـ يتمّ الاهتمام في تبيّن الخصائص الفنّيّة بالحجاج خاصّة وذلك بالنّظر في
:
· بنية
النصّ الحجاجيّ
· تنظيمه.
· سيرورته
(الحجج وأنواعها، الأمثلة ومصادرها).ـ
يتمّ الاهتمام في كتابات الجاحظ بالمنهج العلميّ وتجلّيات الفكر الاعتزاليّ في
مجالي اللّغة والأدب :
· في
المنهج العلميّ : بالموضوعيّة، الشكّ، التّجربة ومقوّماتها كالملاحظة والاستقراء
والموازنة والتّرتيب والتّعديل والتّجريح والاستنباط...
في
تجلّيات الفكر الاعتزالي : بكيفيّة الاستدلال على بعض المسائل الفكريّة والكلاميّة
بالحجج العقليّة (النّقد، الشكّ، الجدل، الاستقراء...).
الأهداف:
ü تبيّن
الخصائص الفنّيّة المميّزة لكتابة الجاحظ .
ü استجلاء
مظاهر المنزع العقليّ عنده.
إبداء
الرّأي في القضايا التي يثيرها نصّه
I
في مفهوم الحجاج:
الحجاج : صوره – بنيته –وظائفه- أنواع الحجج
1 - تعريف الحجاج :
• "هو مجموع تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدّي
بالأذهان الى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات ، أو أن تزيد
من درجة ذلك التّسليم " برلمان وتيتيكا، نقلا عن مقال عبد
الله صولة ضمن كتاب " أهم نظريات الحجاج في التقاليد
الغربية من أرسطو الى اليوم"- تأليف جماعي بإشراف حمادي صمود-كلية
الآداب-منوبة ص 297-350)
• "هو العمليّة التي يسعى من خلالها المتكلّم الى تغيير نظام المعتقدات و التصوّرات لدى مخاطبه بالوسائل اللّغوية
".
• " فهو إذن خطاب يهدف صاحبه من ورائه إلى جعل
المتلقّي يقرّ بصحّة مقولة أو قضية معيّنة ، فيرفضها و يطرحها عنه .
فالحجاج يهدف الى التّأثير في فكر المتلقي و حمله على
تعديل رؤيته أو مواقفه أو تعديل سلوكه بالاستناد الى تمشّ عقليّ
يقوم على التّفكير و المنطق من جهة, و إلى التّأثير بشتّى الوسائل
الوجدانية و النّفسية من جهة أخرى ، مع توظيف الوسائل اللّغوية ( الصّياغة
و الأسلوب و الأدوات الحجاجيّة المتنوعة ),
2 - سيرورة الحجاج و تنظيمه :
تقوم بنية الحجاجي- كما هو معروف- على ثلاثة أقسام كبرى
هي :
-طرح القضيّة التي يراد تأييدها أو دحضها
-تحليل جوانب القوّة في المقولة التي يراد دحضها، باستخدام الأدلّة و الحجج.
-التوصّل الى نتيجة يخلص اليها التحليل السّابق( تأييد
القضية
أو إسقاطها، أو اتّخاذ موقف توفيقي بين هذا و ذاك ).
3 - وظائف الحجاج عند الجاحظ
لا تخرج وظائف الحجاج عنده عن الوظائف التي يستخدم من
أجلها الحجاج عامّة، و التي لخصها "أوليرون" في ثلاث وظائف هي:
- أ-
الإقناع أو ما يسمّيه
"تمرير قناعة"
و هذا نجده بكثرة في مناقشته
المسائل الاعتقاديّة لإثبات مقولات الشّرع .
- ب- المداولة ، و هي التي يكون الحجاج فيها وسيلة لإتّخاذ قرار بأفضل الحلول ، كأن يطرح قضيّة أو يبسط أطروحة فيعرض أكثر من رأي فيها أو
أكثر من تفسير أو تأويل لها ، ثمّ يتصدّى لما فيها من جوانب الضّعف بالنّقد
و التّجريح ، وصولا الى ترجيح رأي أو حلّ، أو الى إستبعاد صحّتها، و ربما اكتفى بالتّعبير عن تعجّبه كما تقدم .
ج إثبات صحة كلام من الأحكام بطرح مسألة او بسط رأي يهدف الى إثبات و بيان أوجه صحّته و الاحتجاج له بالأدلّة و الأمثلة الدّاعمة . فكثيرا
ما يعمد الى تأكيد أقوال شيوخه و أساتذته من زعماء الإعتزال، و كذلك آراء السّلف و أخبارهم بما يراه منطقيّا من أحكام العقل .
v و من أساليب الدّحض و إسقاط حجج الخصم عنده :
- طرح مسألة أو رأي بهدف تخطئته و بيان تهافته و مواضع
تضاربه مع العقل ، مع تقديم الحجج المضادّة و الأمثلة التي
تنقضه , و من وسائله في ذلك:
v الطّعن في تسلسل القضايا و بيان اختلال التّمشّي
و التدرّج من قضية الى أخرى .
v كشف التناقض في حجج الخصم .
v استخدام الحجج المضادة أو السّالبة.
في مفهوم الحجاج:
الحجاج : صوره – بنيته –وظائفه- أنواع الحجج
1 - تعريف الحجاج :
• "هو مجموع تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدّي
بالأذهان الى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات ، أو أن تزيد
من درجة ذلك التّسليم " برلمان وتيتيكا، نقلا عن مقال عبد
الله صولة ضمن كتاب " أهم نظريات الحجاج في التقاليد
الغربية من أرسطو الى اليوم"- تأليف جماعي بإشراف حمادي صمود-كلية
الآداب-منوبة ص 297-350)
• "هو العمليّة التي يسعى من خلالها المتكلّم الى تغيير نظام المعتقدات و التصوّرات لدى مخاطبه بالوسائل اللّغوية
".
• " فهو إذن خطاب يهدف صاحبه من ورائه إلى جعل
المتلقّي يقرّ بصحّة مقولة أو قضية معيّنة ، فيرفضها و يطرحها عنه .
فالحجاج يهدف الى التّأثير في فكر المتلقي و حمله على
تعديل رؤيته أو مواقفه أو تعديل سلوكه بالاستناد الى تمشّ عقليّ
يقوم على التّفكير و المنطق من جهة, و إلى التّأثير بشتّى الوسائل
الوجدانية و النّفسية من جهة أخرى ، مع توظيف الوسائل اللّغوية ( الصّياغة
و الأسلوب و الأدوات الحجاجيّة المتنوعة ),
2 - سيرورة الحجاج و تنظيمه :
تقوم بنية الحجاجي- كما هو معروف- على ثلاثة أقسام كبرى
هي :
-طرح القضيّة التي يراد تأييدها أو دحضها
-تحليل جوانب القوّة في المقولة التي يراد دحضها، باستخدام الأدلّة و الحجج.
-التوصّل الى نتيجة يخلص اليها التحليل السّابق( تأييد
القضية
أو إسقاطها، أو اتّخاذ موقف توفيقي بين هذا و ذاك ).
3 - وظائف الحجاج عند الجاحظ
لا تخرج وظائف الحجاج عنده عن الوظائف التي يستخدم من
أجلها الحجاج عامّة، و التي لخصها "أوليرون" في ثلاث وظائف هي:
- أ-
الإقناع أو ما يسمّيه
"تمرير قناعة"
و هذا نجده بكثرة في مناقشته
المسائل الاعتقاديّة لإثبات مقولات الشّرع .
- ب- المداولة ، و هي التي يكون الحجاج فيها وسيلة لإتّخاذ قرار بأفضل الحلول ، كأن يطرح قضيّة أو يبسط أطروحة فيعرض أكثر من رأي فيها أو
أكثر من تفسير أو تأويل لها ، ثمّ يتصدّى لما فيها من جوانب الضّعف بالنّقد
و التّجريح ، وصولا الى ترجيح رأي أو حلّ، أو الى إستبعاد صحّتها، و ربما اكتفى بالتّعبير عن تعجّبه كما تقدم .
ج إثبات صحة كلام من الأحكام بطرح مسألة او بسط رأي يهدف الى إثبات و بيان أوجه صحّته و الاحتجاج له بالأدلّة و الأمثلة الدّاعمة . فكثيرا
ما يعمد الى تأكيد أقوال شيوخه و أساتذته من زعماء الإعتزال، و كذلك آراء السّلف و أخبارهم بما يراه منطقيّا من أحكام العقل .
v و من أساليب الدّحض و إسقاط حجج الخصم عنده :
- طرح مسألة أو رأي بهدف تخطئته و بيان تهافته و مواضع
تضاربه مع العقل ، مع تقديم الحجج المضادّة و الأمثلة التي
تنقضه , و من وسائله في ذلك:
v الطّعن في تسلسل القضايا و بيان اختلال التّمشّي
و التدرّج من قضية الى أخرى .
v كشف التناقض في حجج الخصم .
v استخدام الحجج المضادة أو السّالبة.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
-المنهج العلمي:
انتـهج الجاحظُ في كتبه ورسـائله أسلوباً بحثيًّا أقلُّ
ما يقال فيه
إنَّهُ منهجُ بحثٍ علميٍّ مضبوطٌ ودقيقٌ، يبدأ بالشَّك
لِيُعْرَضَ على النَّقد، ويمرُّ بالاسـتقراء على طريق التَّعميم
والشُّـمول بنـزوعٍ واقعيٍّ وعقلانيٍّ، وهو «في تجربته
وعيانه وسماعه ونقده وشكِّه وتعليله كان يطلع علينا في صورةِ
العالم الذي يُعْمِلُ عقله في البحث عن الحقيقة»، ولكنَّه استطاع برهافة حسِّه أن يسبغ على
بحثه صبغة أدبيَّةً جماليَّة تُضفي على المعارف العلميَّة
رواءً من الحسن والظَّرْف، يرفُّ بأجنحته المهفهفة رفيف
العاطف الحاني على معطيات العلم في قوالبها الجافية، ليسيغها في
الأذهان ويحببها إلى القلوب، وهذه ميزة قلَّت نظيراتها في التُّراث
الإنساني.
1ـ الشك
لم يكتف أبو عثمان بالشَّك أساساً من أسس منهجه في البحث
العلميِّ بل
عَرَضَ لِمَكانة الشَّك وأهمِّيَّته من النَّاحية
النَّظريَّة في كثيرٍ من مواضع كتبه، ومن أهم ما قاله في ذلك:
«واعرف مواضع الشَّك وحالاتها الموجبة لها لتعرف بها
مواضع اليقين والحالات الموجبة لـه، وتعلَّم الشَّك في المشكوك فيه
تعلُّماً، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرُّف التَّوقُّف ثُمَّ التَّثبُّت ،
لقد كان ذلك مما يُحتاج إليه. ثمَّ اعلم أنَّ الشَّكَّ في طبقاتٍ عند
جميعهم، ولم يُجمعوا على أنَّ اليقين طبقات في القوَّة والضَّعف».
تتبيَّنُ لنا من ذلك مجموعةٌ من النِّقاط المهمَّة التي
تفصح عن أصالة الجاحظ وتجلو ملمحاً من ملامح عبقريَّته،
فهو لم يرد الشَّكَّ لمحض الشَّك، ولا يقبل أن يكون الشَّكُّ كيفما
اتَّفق ولا في كلِّ أمرٍ على حدٍّ سواءٍ ولا بالطريقة
ذاتها؛ إن الشَّك الجاحظيَّ، بهذا المعنى، لا يختلف البتة عن
الشَّك المنهجيِّ عند الإمام الغزالي والفيلسوف الفرنسي رينه ديكارت ـ Rene Descrtes، فكلُّ منهم أراد الشَّكَّ
طلباً للحقيقة؛ الحقيقة الجلية الواضحة، التي لا تقبل
تفاوتاً في الدَّرجات.
مثّل الشّك لدى الجاحظ طريقة
في التّعامل مع مسائل المعرفة و منهجا من مناهج النّظر
في الموجودات و معطيات الواقع الحسّي و الذّهني . و لعلّ الجاحظ أن يكون
قد استلهم طريقة " الشّك الموصل الى اليقين " من أستاذه النّظام
.
و يرى الاستاذ اليعلاوي أنّها طريقة
تعتمد جملة من القواعد يمكن حصرها في :
*-عدم قبول الخبر مسلّما و عدم تكذيبه مبدئيا يقول " ولا يعجبني الإقرار بهذا الخبر و لا يعجبني
الإنكار له
"
*-معالجة الخبر لمعرفة مواضع الضّعف فيه و هي الموصلة الى
اليقين . يقول
" فاعرف مواضع الشّك و حالاتها الموجبة له لتعرف
مواضع اليقين و الحالات الموجبة له .. " . فليس الشّك لديه
لأجل الشّك في حدّ ذاته و إنّما طلبا لليقين . و
مادام الشّك طريق اليقين فلا بدّ من تعلّمه و التّسلح به و إن لم يوصل الى معرفة يقينيّة . يقول " تعلّم الشّك في المشكوك فيه
تعلّما
فلو لم يكن في ذلك إلا تعرّف التوقف ثمّ التّثبت لكان ذلك
ممّا يحتاج إليه ّ . و في تعامل الجاحظ مع الأخبار التي
يجمعها إجراء واع لأدوات الشّك و نعني بها اعتماد منهج
التجريح و التعديل بالنّظر في مصداقيّة السّند الناقل للخبر و
مبلغ ثقته . ثمّ بتقليب المتن و موازنته و مقارنته و عرضه على التّجربة
الملموسة أو العقل المستدل أو الخبرة المتراكمة أو المعرفة الحاصلة .
2 ـ النـقـد
إنَّ تتبـُّعَ كتب الجاحظ ورسائله يكشفُ لنا عن عقليَّة
نقديَّةٍ بارعةٍ؛ نقديَّةٍ بالمعنى الاصطلاحي المنهجي
وبالمعنى الشَّائع للانتقاد، فنقده بالمعنى الشَّائع يتجلَّى
أكثر ما يتجلَّى في تهكُّمه وتعليقاته السَّاخرة التي لم يسلم
منها جانبٌ من جوانب المعرفة ولا مخطئٌ أمامه أو واصلٌ إليه خبره، ومن ذلك
مثلاً تهكُّمه بالخليل بن أحمد الفراهيدي من خلال علم العروض الذي
قال فيه: «العروض علمٌ مردود، ومذهبٌ مرفوض، وكلام مجهول، يستكدُّ
العقول، بمستفعل ومفعول، من غير فائدة ولا محصول»
أما نقده المنهجيُّ فما أكثر ما تجلَّى في كتبه ورسائله
في تعامله مع
مختلف الموضوعات المعرفيَّة؛ العلميَّة والأدبيَّة، ومن
ذلك نقده لعلماء عصره ومحدِّثيه ورواته وفقهائه والعلماء
السَّابقين، والشَّواهد على ذلك جدِّ كثيرة، تجعلنا حقًّا
في حيرة أمام اختيار واحد منها.
انتقد بعضهم اتجاه علماء الكلام نحو الأمور الطَّبيعية
بالعناية
والدِّراسة فقال: «لو كان بدلُ النَّظرِ فيهما النَّظرَ
في التَّوحيد، وفي نفي التَّشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي
التَّعديل والتَّجويد، وفي تصحيح الأخبار، والتَّفضيل
بَيْنَ علم الطَّبائع والاختيار، لكان أصوب. فردَّ عليه الجاحظ
ناقداً ادعاءه بقوله: العَجَبُ أنَّك عمدت إلى رجالٍ لا صناعة لهم ولا تجارة إلا الدُّعاءُ إلى ما ذكرت، والاحتجاجُ لما وصفت، وإلاَّ وضع الكتب فيه والولايةُ والعداوةُ فيه، ولا لهم لذَّة ولا همٌّ ولا
مذهبٌ
ولا مجازٌ إلاَّ عليه وإليه؛ فحين أرادوا أن يقسِّطوا
بَيْنَ الجميع بالحِصص، ويَعْدِلوا بين الكلِّ بإعطاء
كلِّ شيءٍ نصيبه، حَتَّى يقع التَّعديلُ شاملاً،
والتَّقسيط جامعاً، ويظهر بذلك الخفيُّ من الحكم، والمستور من
التَّدبير، اعترضتَ بالتعنُّت والتَّعجُّب، وسطَّرت الكلام، وأطلت الخطب،
من غير أن يكون صوَّب رأيك أديبٌ، وشايعك حكيمٌ».
وبنظرةٍ عجلى في آثار الجاحظ « فإنك تراهُ وهو يطلق
العنان لقلمه في جلِّ كتبه ـ يزيِّف الخرافات والتُّرَّهات في
عصره وقبل عصره، ويورد عليك نقداته ومباحثاته، فيقطع في نَفْسك أنَّه
لو جاء كثيرٌ مثله في عقلاء العلماء لخلت كتب الأقدمين من
السَّخافات، إذ إنَّ الجاحظ نفسه يقول: ومما لا أكتبه لك من
الأخبار العجيبة التي لا يجسر عليها إلا كلُّ وقاح أخبار...»ولذلك
ما أكثر ما كان يستفتح الأخبار المغلوطة أو الأسطورية بقوله زعم
فلان، وزعموا، ثُمَّ يُعَقِّبُ بتحليله ونقده «بعقلٍ راجحٍ، ونظرٍ صائبٍ،
وأسلوبٍ سهلٍ عَذْبٍ متنوِّعٍ دقيقٍ فكهٍ، يَتَتَبَّعُ المعنى
ويقلِّبُه على وجوهه المختلفة، ولا يزال يولِّده حَتَّى لا يترك فيه قولاً لقائل».
3 ـ التجريب والمعاينة
إذا كان النَّقد هو الخطوة اللاحقة على الشَّكِّ فإنَّ
المعاينة
والتَّجريب هي الخطوةُ المقترنة بالنَّقد والمتلازمة معه،
وخاصَّةً في
مسائل العلم الطَّبيعي، والجاحظ لم ينس هذه الخطوة ولم
يتناسها بل جعلها عماداً لازماً من أعمدة منهجه البحثي،
وقد بدا ذلك في اتجاهين؛ أولهما قيامه هو ذاته بالمعاينة
والتَّجريب، وثانيهما نقل تجارب أساتذته ومعاصريه. وقـد
أجرى الجاحظ كما أخبرنا تجارب ومعايناتٍ كثيرةً للتَّثبُّت من معلومةٍ
وصلت إليه، أو لنفي خبرٍ تناهى إلى سمعه ولم يستسغه عقله، والأمثلة على
ذلك جدُّ كثيرة نذكر منها تجربته في زراعة شجرة الآراك وقصَّته
الطَّويلة معها للتَّأكُّد مما قيل عن تكاثر الذَّرِّ عليها ويصف لنا بُرنيَّةَ زجاجٍ وُضِع فيها عشرون فأراً مع عشرين عقرب، وما فعلته العقارب بالفئران وكذلك عندما أجمع أناس، بينهم طبيبٌ، على أنَّ الجمل
إذا نُحِر ومات والتمست خصيته وشقشقته فإنهما لا توجدان، فأرسل إلى جزَّار
أن يأتيه بالخصية والشقشقة إذا نحر جملاً، ففعل، فلم يكتف بذلك، فبعث إليه رسولاً يقول: «ليس يشفيني إلا المعاينة» ففعل ودحض هذا الادعاء ولجأ
أيضاً
إلى تجريب بعض المواد الكيماويَّة في الحيوان ليعلم مبلغ
تأثيرها فيها، وليتأكَّد مما قيل في ذلك ومما أورده من
تجارب غيره تجربة أستاذه النَّظَّام عندما سقى الحيوانات خمراً
ليعرف كيف يؤثِّر الخمر في الحيوان، ولم يكتف بنوعٍ واحدٍ بل
جرَّب على عددٍ كبيرٍ من الحيوانات كالإبل والبقر والجواميس
والخيل والبراذين والظِّباء والكلاب والسَّنانير والحيَّات وغيرها.
-4-الموضوعيّة و التّجرّد :
- رفض التّسرع في الحكم و التعجيل بالتصديق او التكذيب
قبل التثبت :"و لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، كما لا
يعجبني الإنكار له ". و يظهر ذلك في إيراد الروايات
بسند صحيح ثابت كما سمعها أو نقلها إليه الثقات من أصحابه و شيخوخة من
دون أي حكم مسبق لها او عليها، مثل إيراده تفصيلات حول طريقة الحيّة في
اصطياد العصافير، و طرح وجهات النّظر المختلفة في المسألة التي يدرسها طرحا موضوعيا من غير تدخّل أو إصدار حكم إلا بعد التّمحيص و
الشّك
و التّحليل، كما فعل حين أورد الرّوايات المختلفة التي
سمعها عن طريقة ولادة الأفعى.
- عدم الاغترار بظواهر الأشياء او الاستناد على المظاهر
في تقييم الأمور
:"أوصيك أيّها القارئ المتفهّم و أيّها المستمع
المنصت المصغ ، أن لا تحقر شيئا أبدا لصغر جثّته و لا تستصغر قدره
لقلة ثمنه "، ( الحيوان)
- الانطلاق في بحث المسألة بحثا عقليا من رفض الانقياد
للمسلّمات او
التّسليم لصحّة الأفكار المسبقة مهما تكن أو شائعة . و
مهما يكن ثبات الرّواة و الثّقة في علمهم : "زعم
ابن أبي العجوز أنّ الدّسّاس تلد و كذلك خبّربني به
محمد ابن أيوب ابن جعفر عن أبيه و خبّرني به الفضل بن إسحاق بن سليمان فإن كان خبرهما عن إسحاق فقد كان إسحاق من معادن العلم "
إلى أن
يقول :" و لم اكتب هذا لتقرّ به ... ".
- بحثه عن المعلومة في مظانّها و مصادرها الأصلية و
اتصاله بأصحابه المتخصّصين فيها و أمثلة ذلك كثيرة
منها:" وسمعت حديثا من شيوخ ملاحي الموصل
..." " و خبّرني من يصيد العصافير ... وشكا إليّ حواء مرة ... - التّحري و الاقتصاد في الحكم : كثيرا ما يميل الجاحظ إلى التّرجيح و التّغليب أو الشّك و الاستبعاد و لعلّ ذلك من مظاهر تواضعه العلمي و تقديره للثّقات الذين يروي عنهم من أفذاذ العلماء في عصره كما في قوله:
"و
لا أدري أيّ الخبرين أبعد, أخبر ابن غالب في تفسيخ الثّوب
(يقصد تقطّع
الثّوب بتأثير سمّ الأفعى ) أو خبر ابن المثنّى في سلامة
الفروج على
الأفعى" . و لا تكاد تعترضك في كلام الجاحظ أحكام
مطلقة أو أراء نهائية مؤكدة إلا متى كان الغلط فيها بيّنا ،
كموقفه من ذلك الأعرابي الذي ادّعى وجود حيّة ذات رأسين،
فسأله محاجّا:" من أيهما تأكل؟ " و لما أجابه بأنها تتعشّى بفم و تتغدّى بفم ، علّق قائلا :"فإذا به أكذب البريّة ". - استقلاله الفكري و عدم تبعيّته لأحد مهما تعاظمت مكانته العلميّة إلا
متى أقرّ بصحّة رأي من أراء أساتذته و وافقه ، فقد رد ّعلى أرسطو في الكثير
من المواضع التي نقل فيها عنه ( انظر مقدمة "الحيوان") لعبد
السلام محمد
هارون ط . مصطفى البابي الحلبي الثالثة- 1965 – ص 22) و
من أمثلة ذلك قوله
:"و قد سمعنا ما قال صاحب المنطق...و ما يليق بمثله
أن يخلد على نفسه في الكتب شهادات لا يحققها الامتحان "
(الحيوان) "
- تجلّيات الفكر الاعتزالي
يُجمع مؤرِّخو الفِرَقِ
الإسلاميَّة أمثال أبي الحسن الأشعري في كتابِه مقالات
الإسلاميين، وابن المرتضى في كتابه طبقات المعتزلة، والشهرستاني في كتابه الملل والنِّحل، والمسعودي في كتابه مروج الذهب، وابن خلدون في مقدِّمته وغيرهم كثيرون من مؤرِّخي الفكر العربي والأدب العربي، على
أنَّ الجاحظ أحد كبار شيوخ المعتزلة وصاحب فرقة من فرقهم هي التي دعيت بالجاحظيَّة وكان لها أنصار وأتباع.
لم يفترق أبو عثمان عن المعتزلة في مبادئهم الرئيسة،
المعروفة بالمبادئ الخمسة وهي: العَدْلُ، والتَّوحيد،
والمنـزِلَة بَيْنَ المنـزلتين، والوعد والوعيد،
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. ولكنَّه انفرد عنهم واستقل باتِّجاهه بمجموعةٍ من الآراء والمواقف الخاصة، وتَمثَّل ذلك بنظريته
في المعرفة التي قادته إلى آرائه الخاصة في الله والنُّبوة والإمامة.
من أهمِّ ما انفرد به قوله: «إنَّ المعارف كلَّها
ضروريَّةٌ طباعاً، وليس شيءٌ من ذلك من أفعال العباد وليس للعباد
كَسْبٌ سوى الإرادة، وتحصل أفعاله منه طباعاً كما قال ثمامة. ونُقل
عنه أيضاً أنَّه أنكرَ أصلَ الإرادة، وكونها جنساً من الأعراض، فقال:
إذا انتهى السَّهو عن الفاعل وكان عالماً بما يفعله،
فهو المريد على التَّحقيق، وأمَّا الإرادة المتعلِّقة
بفعل الخير فهو ميل النفس إليه، وزاد ذلك بإثبات الطَّبائع للأجسام كما
قال الطَّبيعيون من الفلاسفة، وأثبت أنَّ لها أفعالاً مخصوصةً بها. وقال باستحالة عدم الجواهر، فالأعراض تتبدَّل، والجوهر لا يجوز أن يفنى».
ويتابع ج.دي.بور (باحث) اجتهاده في نظريَّة المعرفة
قائلاً: «والإنسان عنده قادرٌ أن يعرف الخالق بعقله،
وعلى أن يدرك الحاجة إلى الوحي الذي ينـزل على الأنبياء،
وعنده أنَّ العالم الحقَّ يجب أن يضمَّ إلى دراسة علم الكلام دراسة العلم
الطَّبيعي، وهو يصف في كلِّ شيء أفاعيل الطَّبيعة، ولكنَّه يشير إلى ما في
هذه الأفاعيل من أثر خالق الكون».
ومن ذلك أيضاً «قوله في أنَّ أهل النَّار لا يخلَّدُون
فيها عذاباً، بل يصيرون إلى طبيعة النَّار. وكان يقول:
النَّار تجذب أهلها إلى نفسها من دون أن يدخل أحدٌ فيها»،
وهذا ما سيبني عليه الفلاسفة اللاحقون ما سمي مشكلة حشر
الأرواح لا الأجساد التي كفَّرهم بها الإمام الغزالي في كتابه التهافت.
وإذا كان مذهبه في إثبات القَدَرِ؛ خيره وشره من العبد،
هو مذهب المعتزلة بإجماع مؤرِّخيه فإنَّ مذهبه في نفي
الصِّفات هو مذهب الفلاسفة فيما رأى شفيق جبري الذي أضاف أنَّ
الكعبي «حكى عنه في نفي الصِّفات أنَّه قال: يوصف البَّاري تعالى
بأنَّه مريدٌ، بمعنى أنَّه لا يصحُّ عليه السَّهو في أفعاله، ولا
الجهل، ولا يجوز أن يُغلبَ ولا أن يُقهرَ... ومن انتحل دين الإسلام، فإن
اعتقد أنَّ الله تعالى ليس بجسمٍ ولا صورةٍ ولا يُرى بالأبصار، وهو
عدل لا يجور، ولا يريد المعاصي، وبعد الاعتقاد والتبيين أقرَّ بذلك
كلِّه، ثُمَّ جحده وأنكره،
أَو دان بالتَّشبيه والجبر، فهو مشركٌ كافرٌ حقًّا. وإن
لم ينظر في شيءٍ من ذلك، وَاعْتَقَدَ أَنَّ الله رَبَّهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، فهو مؤمنٌ لا لوم عليه، ولا تكليف
عليه غير ذلك».
وفي قلب هذه الرؤية الاعتزالية الواضحة التي كانت عماد
الاعتزالية
الجاحظيَّة وجزءاً صميماً من الفكر الاعتزالي في عمومه،
كانت هناك بعض اللمسات الفلسفيَّة التي أفاد منها
الفلاسفة اللاحقون عليه ونهلوا من معينها، ومنها ما تَمَّت
الإشارة إليه، ومنها أيضاً على سبيل المثال فيما رواه الكعبي
عنه أنَّهُ قال: «إنَّ الخلق كلَّهم من العقلاء، عالمون بأنَّ الله تعالى خالقهم، وعارفون بأنَّهم محتاجون إلى النَّبي، وهم محجوجون بمعرفتهم، ثمَّ هم صنفان؛ عالمٌ بالتَّوحيد وجاهلٌ به، فالجاهل معذورٌ، والعالم محجوجٌ...»فمثل هذا ما ذهب إليه معاصره الكندي والفلاسفة
اللاحقون
من حديثهم في الحاجة إلى النبوة والفطرة التي فُطِرَ
عليها الخلق.
انتـهج الجاحظُ في كتبه ورسـائله أسلوباً بحثيًّا أقلُّ
ما يقال فيه
إنَّهُ منهجُ بحثٍ علميٍّ مضبوطٌ ودقيقٌ، يبدأ بالشَّك
لِيُعْرَضَ على النَّقد، ويمرُّ بالاسـتقراء على طريق التَّعميم
والشُّـمول بنـزوعٍ واقعيٍّ وعقلانيٍّ، وهو «في تجربته
وعيانه وسماعه ونقده وشكِّه وتعليله كان يطلع علينا في صورةِ
العالم الذي يُعْمِلُ عقله في البحث عن الحقيقة»، ولكنَّه استطاع برهافة حسِّه أن يسبغ على
بحثه صبغة أدبيَّةً جماليَّة تُضفي على المعارف العلميَّة
رواءً من الحسن والظَّرْف، يرفُّ بأجنحته المهفهفة رفيف
العاطف الحاني على معطيات العلم في قوالبها الجافية، ليسيغها في
الأذهان ويحببها إلى القلوب، وهذه ميزة قلَّت نظيراتها في التُّراث
الإنساني.
1ـ الشك
لم يكتف أبو عثمان بالشَّك أساساً من أسس منهجه في البحث
العلميِّ بل
عَرَضَ لِمَكانة الشَّك وأهمِّيَّته من النَّاحية
النَّظريَّة في كثيرٍ من مواضع كتبه، ومن أهم ما قاله في ذلك:
«واعرف مواضع الشَّك وحالاتها الموجبة لها لتعرف بها
مواضع اليقين والحالات الموجبة لـه، وتعلَّم الشَّك في المشكوك فيه
تعلُّماً، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرُّف التَّوقُّف ثُمَّ التَّثبُّت ،
لقد كان ذلك مما يُحتاج إليه. ثمَّ اعلم أنَّ الشَّكَّ في طبقاتٍ عند
جميعهم، ولم يُجمعوا على أنَّ اليقين طبقات في القوَّة والضَّعف».
تتبيَّنُ لنا من ذلك مجموعةٌ من النِّقاط المهمَّة التي
تفصح عن أصالة الجاحظ وتجلو ملمحاً من ملامح عبقريَّته،
فهو لم يرد الشَّكَّ لمحض الشَّك، ولا يقبل أن يكون الشَّكُّ كيفما
اتَّفق ولا في كلِّ أمرٍ على حدٍّ سواءٍ ولا بالطريقة
ذاتها؛ إن الشَّك الجاحظيَّ، بهذا المعنى، لا يختلف البتة عن
الشَّك المنهجيِّ عند الإمام الغزالي والفيلسوف الفرنسي رينه ديكارت ـ Rene Descrtes، فكلُّ منهم أراد الشَّكَّ
طلباً للحقيقة؛ الحقيقة الجلية الواضحة، التي لا تقبل
تفاوتاً في الدَّرجات.
مثّل الشّك لدى الجاحظ طريقة
في التّعامل مع مسائل المعرفة و منهجا من مناهج النّظر
في الموجودات و معطيات الواقع الحسّي و الذّهني . و لعلّ الجاحظ أن يكون
قد استلهم طريقة " الشّك الموصل الى اليقين " من أستاذه النّظام
.
و يرى الاستاذ اليعلاوي أنّها طريقة
تعتمد جملة من القواعد يمكن حصرها في :
*-عدم قبول الخبر مسلّما و عدم تكذيبه مبدئيا يقول " ولا يعجبني الإقرار بهذا الخبر و لا يعجبني
الإنكار له
"
*-معالجة الخبر لمعرفة مواضع الضّعف فيه و هي الموصلة الى
اليقين . يقول
" فاعرف مواضع الشّك و حالاتها الموجبة له لتعرف
مواضع اليقين و الحالات الموجبة له .. " . فليس الشّك لديه
لأجل الشّك في حدّ ذاته و إنّما طلبا لليقين . و
مادام الشّك طريق اليقين فلا بدّ من تعلّمه و التّسلح به و إن لم يوصل الى معرفة يقينيّة . يقول " تعلّم الشّك في المشكوك فيه
تعلّما
فلو لم يكن في ذلك إلا تعرّف التوقف ثمّ التّثبت لكان ذلك
ممّا يحتاج إليه ّ . و في تعامل الجاحظ مع الأخبار التي
يجمعها إجراء واع لأدوات الشّك و نعني بها اعتماد منهج
التجريح و التعديل بالنّظر في مصداقيّة السّند الناقل للخبر و
مبلغ ثقته . ثمّ بتقليب المتن و موازنته و مقارنته و عرضه على التّجربة
الملموسة أو العقل المستدل أو الخبرة المتراكمة أو المعرفة الحاصلة .
2 ـ النـقـد
إنَّ تتبـُّعَ كتب الجاحظ ورسائله يكشفُ لنا عن عقليَّة
نقديَّةٍ بارعةٍ؛ نقديَّةٍ بالمعنى الاصطلاحي المنهجي
وبالمعنى الشَّائع للانتقاد، فنقده بالمعنى الشَّائع يتجلَّى
أكثر ما يتجلَّى في تهكُّمه وتعليقاته السَّاخرة التي لم يسلم
منها جانبٌ من جوانب المعرفة ولا مخطئٌ أمامه أو واصلٌ إليه خبره، ومن ذلك
مثلاً تهكُّمه بالخليل بن أحمد الفراهيدي من خلال علم العروض الذي
قال فيه: «العروض علمٌ مردود، ومذهبٌ مرفوض، وكلام مجهول، يستكدُّ
العقول، بمستفعل ومفعول، من غير فائدة ولا محصول»
أما نقده المنهجيُّ فما أكثر ما تجلَّى في كتبه ورسائله
في تعامله مع
مختلف الموضوعات المعرفيَّة؛ العلميَّة والأدبيَّة، ومن
ذلك نقده لعلماء عصره ومحدِّثيه ورواته وفقهائه والعلماء
السَّابقين، والشَّواهد على ذلك جدِّ كثيرة، تجعلنا حقًّا
في حيرة أمام اختيار واحد منها.
انتقد بعضهم اتجاه علماء الكلام نحو الأمور الطَّبيعية
بالعناية
والدِّراسة فقال: «لو كان بدلُ النَّظرِ فيهما النَّظرَ
في التَّوحيد، وفي نفي التَّشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي
التَّعديل والتَّجويد، وفي تصحيح الأخبار، والتَّفضيل
بَيْنَ علم الطَّبائع والاختيار، لكان أصوب. فردَّ عليه الجاحظ
ناقداً ادعاءه بقوله: العَجَبُ أنَّك عمدت إلى رجالٍ لا صناعة لهم ولا تجارة إلا الدُّعاءُ إلى ما ذكرت، والاحتجاجُ لما وصفت، وإلاَّ وضع الكتب فيه والولايةُ والعداوةُ فيه، ولا لهم لذَّة ولا همٌّ ولا
مذهبٌ
ولا مجازٌ إلاَّ عليه وإليه؛ فحين أرادوا أن يقسِّطوا
بَيْنَ الجميع بالحِصص، ويَعْدِلوا بين الكلِّ بإعطاء
كلِّ شيءٍ نصيبه، حَتَّى يقع التَّعديلُ شاملاً،
والتَّقسيط جامعاً، ويظهر بذلك الخفيُّ من الحكم، والمستور من
التَّدبير، اعترضتَ بالتعنُّت والتَّعجُّب، وسطَّرت الكلام، وأطلت الخطب،
من غير أن يكون صوَّب رأيك أديبٌ، وشايعك حكيمٌ».
وبنظرةٍ عجلى في آثار الجاحظ « فإنك تراهُ وهو يطلق
العنان لقلمه في جلِّ كتبه ـ يزيِّف الخرافات والتُّرَّهات في
عصره وقبل عصره، ويورد عليك نقداته ومباحثاته، فيقطع في نَفْسك أنَّه
لو جاء كثيرٌ مثله في عقلاء العلماء لخلت كتب الأقدمين من
السَّخافات، إذ إنَّ الجاحظ نفسه يقول: ومما لا أكتبه لك من
الأخبار العجيبة التي لا يجسر عليها إلا كلُّ وقاح أخبار...»ولذلك
ما أكثر ما كان يستفتح الأخبار المغلوطة أو الأسطورية بقوله زعم
فلان، وزعموا، ثُمَّ يُعَقِّبُ بتحليله ونقده «بعقلٍ راجحٍ، ونظرٍ صائبٍ،
وأسلوبٍ سهلٍ عَذْبٍ متنوِّعٍ دقيقٍ فكهٍ، يَتَتَبَّعُ المعنى
ويقلِّبُه على وجوهه المختلفة، ولا يزال يولِّده حَتَّى لا يترك فيه قولاً لقائل».
3 ـ التجريب والمعاينة
إذا كان النَّقد هو الخطوة اللاحقة على الشَّكِّ فإنَّ
المعاينة
والتَّجريب هي الخطوةُ المقترنة بالنَّقد والمتلازمة معه،
وخاصَّةً في
مسائل العلم الطَّبيعي، والجاحظ لم ينس هذه الخطوة ولم
يتناسها بل جعلها عماداً لازماً من أعمدة منهجه البحثي،
وقد بدا ذلك في اتجاهين؛ أولهما قيامه هو ذاته بالمعاينة
والتَّجريب، وثانيهما نقل تجارب أساتذته ومعاصريه. وقـد
أجرى الجاحظ كما أخبرنا تجارب ومعايناتٍ كثيرةً للتَّثبُّت من معلومةٍ
وصلت إليه، أو لنفي خبرٍ تناهى إلى سمعه ولم يستسغه عقله، والأمثلة على
ذلك جدُّ كثيرة نذكر منها تجربته في زراعة شجرة الآراك وقصَّته
الطَّويلة معها للتَّأكُّد مما قيل عن تكاثر الذَّرِّ عليها ويصف لنا بُرنيَّةَ زجاجٍ وُضِع فيها عشرون فأراً مع عشرين عقرب، وما فعلته العقارب بالفئران وكذلك عندما أجمع أناس، بينهم طبيبٌ، على أنَّ الجمل
إذا نُحِر ومات والتمست خصيته وشقشقته فإنهما لا توجدان، فأرسل إلى جزَّار
أن يأتيه بالخصية والشقشقة إذا نحر جملاً، ففعل، فلم يكتف بذلك، فبعث إليه رسولاً يقول: «ليس يشفيني إلا المعاينة» ففعل ودحض هذا الادعاء ولجأ
أيضاً
إلى تجريب بعض المواد الكيماويَّة في الحيوان ليعلم مبلغ
تأثيرها فيها، وليتأكَّد مما قيل في ذلك ومما أورده من
تجارب غيره تجربة أستاذه النَّظَّام عندما سقى الحيوانات خمراً
ليعرف كيف يؤثِّر الخمر في الحيوان، ولم يكتف بنوعٍ واحدٍ بل
جرَّب على عددٍ كبيرٍ من الحيوانات كالإبل والبقر والجواميس
والخيل والبراذين والظِّباء والكلاب والسَّنانير والحيَّات وغيرها.
-4-الموضوعيّة و التّجرّد :
- رفض التّسرع في الحكم و التعجيل بالتصديق او التكذيب
قبل التثبت :"و لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، كما لا
يعجبني الإنكار له ". و يظهر ذلك في إيراد الروايات
بسند صحيح ثابت كما سمعها أو نقلها إليه الثقات من أصحابه و شيخوخة من
دون أي حكم مسبق لها او عليها، مثل إيراده تفصيلات حول طريقة الحيّة في
اصطياد العصافير، و طرح وجهات النّظر المختلفة في المسألة التي يدرسها طرحا موضوعيا من غير تدخّل أو إصدار حكم إلا بعد التّمحيص و
الشّك
و التّحليل، كما فعل حين أورد الرّوايات المختلفة التي
سمعها عن طريقة ولادة الأفعى.
- عدم الاغترار بظواهر الأشياء او الاستناد على المظاهر
في تقييم الأمور
:"أوصيك أيّها القارئ المتفهّم و أيّها المستمع
المنصت المصغ ، أن لا تحقر شيئا أبدا لصغر جثّته و لا تستصغر قدره
لقلة ثمنه "، ( الحيوان)
- الانطلاق في بحث المسألة بحثا عقليا من رفض الانقياد
للمسلّمات او
التّسليم لصحّة الأفكار المسبقة مهما تكن أو شائعة . و
مهما يكن ثبات الرّواة و الثّقة في علمهم : "زعم
ابن أبي العجوز أنّ الدّسّاس تلد و كذلك خبّربني به
محمد ابن أيوب ابن جعفر عن أبيه و خبّرني به الفضل بن إسحاق بن سليمان فإن كان خبرهما عن إسحاق فقد كان إسحاق من معادن العلم "
إلى أن
يقول :" و لم اكتب هذا لتقرّ به ... ".
- بحثه عن المعلومة في مظانّها و مصادرها الأصلية و
اتصاله بأصحابه المتخصّصين فيها و أمثلة ذلك كثيرة
منها:" وسمعت حديثا من شيوخ ملاحي الموصل
..." " و خبّرني من يصيد العصافير ... وشكا إليّ حواء مرة ... - التّحري و الاقتصاد في الحكم : كثيرا ما يميل الجاحظ إلى التّرجيح و التّغليب أو الشّك و الاستبعاد و لعلّ ذلك من مظاهر تواضعه العلمي و تقديره للثّقات الذين يروي عنهم من أفذاذ العلماء في عصره كما في قوله:
"و
لا أدري أيّ الخبرين أبعد, أخبر ابن غالب في تفسيخ الثّوب
(يقصد تقطّع
الثّوب بتأثير سمّ الأفعى ) أو خبر ابن المثنّى في سلامة
الفروج على
الأفعى" . و لا تكاد تعترضك في كلام الجاحظ أحكام
مطلقة أو أراء نهائية مؤكدة إلا متى كان الغلط فيها بيّنا ،
كموقفه من ذلك الأعرابي الذي ادّعى وجود حيّة ذات رأسين،
فسأله محاجّا:" من أيهما تأكل؟ " و لما أجابه بأنها تتعشّى بفم و تتغدّى بفم ، علّق قائلا :"فإذا به أكذب البريّة ". - استقلاله الفكري و عدم تبعيّته لأحد مهما تعاظمت مكانته العلميّة إلا
متى أقرّ بصحّة رأي من أراء أساتذته و وافقه ، فقد رد ّعلى أرسطو في الكثير
من المواضع التي نقل فيها عنه ( انظر مقدمة "الحيوان") لعبد
السلام محمد
هارون ط . مصطفى البابي الحلبي الثالثة- 1965 – ص 22) و
من أمثلة ذلك قوله
:"و قد سمعنا ما قال صاحب المنطق...و ما يليق بمثله
أن يخلد على نفسه في الكتب شهادات لا يحققها الامتحان "
(الحيوان) "
- تجلّيات الفكر الاعتزالي
يُجمع مؤرِّخو الفِرَقِ
الإسلاميَّة أمثال أبي الحسن الأشعري في كتابِه مقالات
الإسلاميين، وابن المرتضى في كتابه طبقات المعتزلة، والشهرستاني في كتابه الملل والنِّحل، والمسعودي في كتابه مروج الذهب، وابن خلدون في مقدِّمته وغيرهم كثيرون من مؤرِّخي الفكر العربي والأدب العربي، على
أنَّ الجاحظ أحد كبار شيوخ المعتزلة وصاحب فرقة من فرقهم هي التي دعيت بالجاحظيَّة وكان لها أنصار وأتباع.
لم يفترق أبو عثمان عن المعتزلة في مبادئهم الرئيسة،
المعروفة بالمبادئ الخمسة وهي: العَدْلُ، والتَّوحيد،
والمنـزِلَة بَيْنَ المنـزلتين، والوعد والوعيد،
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. ولكنَّه انفرد عنهم واستقل باتِّجاهه بمجموعةٍ من الآراء والمواقف الخاصة، وتَمثَّل ذلك بنظريته
في المعرفة التي قادته إلى آرائه الخاصة في الله والنُّبوة والإمامة.
من أهمِّ ما انفرد به قوله: «إنَّ المعارف كلَّها
ضروريَّةٌ طباعاً، وليس شيءٌ من ذلك من أفعال العباد وليس للعباد
كَسْبٌ سوى الإرادة، وتحصل أفعاله منه طباعاً كما قال ثمامة. ونُقل
عنه أيضاً أنَّه أنكرَ أصلَ الإرادة، وكونها جنساً من الأعراض، فقال:
إذا انتهى السَّهو عن الفاعل وكان عالماً بما يفعله،
فهو المريد على التَّحقيق، وأمَّا الإرادة المتعلِّقة
بفعل الخير فهو ميل النفس إليه، وزاد ذلك بإثبات الطَّبائع للأجسام كما
قال الطَّبيعيون من الفلاسفة، وأثبت أنَّ لها أفعالاً مخصوصةً بها. وقال باستحالة عدم الجواهر، فالأعراض تتبدَّل، والجوهر لا يجوز أن يفنى».
ويتابع ج.دي.بور (باحث) اجتهاده في نظريَّة المعرفة
قائلاً: «والإنسان عنده قادرٌ أن يعرف الخالق بعقله،
وعلى أن يدرك الحاجة إلى الوحي الذي ينـزل على الأنبياء،
وعنده أنَّ العالم الحقَّ يجب أن يضمَّ إلى دراسة علم الكلام دراسة العلم
الطَّبيعي، وهو يصف في كلِّ شيء أفاعيل الطَّبيعة، ولكنَّه يشير إلى ما في
هذه الأفاعيل من أثر خالق الكون».
ومن ذلك أيضاً «قوله في أنَّ أهل النَّار لا يخلَّدُون
فيها عذاباً، بل يصيرون إلى طبيعة النَّار. وكان يقول:
النَّار تجذب أهلها إلى نفسها من دون أن يدخل أحدٌ فيها»،
وهذا ما سيبني عليه الفلاسفة اللاحقون ما سمي مشكلة حشر
الأرواح لا الأجساد التي كفَّرهم بها الإمام الغزالي في كتابه التهافت.
وإذا كان مذهبه في إثبات القَدَرِ؛ خيره وشره من العبد،
هو مذهب المعتزلة بإجماع مؤرِّخيه فإنَّ مذهبه في نفي
الصِّفات هو مذهب الفلاسفة فيما رأى شفيق جبري الذي أضاف أنَّ
الكعبي «حكى عنه في نفي الصِّفات أنَّه قال: يوصف البَّاري تعالى
بأنَّه مريدٌ، بمعنى أنَّه لا يصحُّ عليه السَّهو في أفعاله، ولا
الجهل، ولا يجوز أن يُغلبَ ولا أن يُقهرَ... ومن انتحل دين الإسلام، فإن
اعتقد أنَّ الله تعالى ليس بجسمٍ ولا صورةٍ ولا يُرى بالأبصار، وهو
عدل لا يجور، ولا يريد المعاصي، وبعد الاعتقاد والتبيين أقرَّ بذلك
كلِّه، ثُمَّ جحده وأنكره،
أَو دان بالتَّشبيه والجبر، فهو مشركٌ كافرٌ حقًّا. وإن
لم ينظر في شيءٍ من ذلك، وَاعْتَقَدَ أَنَّ الله رَبَّهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، فهو مؤمنٌ لا لوم عليه، ولا تكليف
عليه غير ذلك».
وفي قلب هذه الرؤية الاعتزالية الواضحة التي كانت عماد
الاعتزالية
الجاحظيَّة وجزءاً صميماً من الفكر الاعتزالي في عمومه،
كانت هناك بعض اللمسات الفلسفيَّة التي أفاد منها
الفلاسفة اللاحقون عليه ونهلوا من معينها، ومنها ما تَمَّت
الإشارة إليه، ومنها أيضاً على سبيل المثال فيما رواه الكعبي
عنه أنَّهُ قال: «إنَّ الخلق كلَّهم من العقلاء، عالمون بأنَّ الله تعالى خالقهم، وعارفون بأنَّهم محتاجون إلى النَّبي، وهم محجوجون بمعرفتهم، ثمَّ هم صنفان؛ عالمٌ بالتَّوحيد وجاهلٌ به، فالجاهل معذورٌ، والعالم محجوجٌ...»فمثل هذا ما ذهب إليه معاصره الكندي والفلاسفة
اللاحقون
من حديثهم في الحاجة إلى النبوة والفطرة التي فُطِرَ
عليها الخلق.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
مقال مقترح:حول الجاحظ
مقال مقترح:
إلى تلاميذ الرابعة آداب: إليكم هذا
المقال
تقرأ الجـاحظ فيَتَجَلَّى لك مُحاجًّا مُقْنِعًـا،آمنَ بالعقْلِ
مَنْهَجًا فيتَمْحِيص المَعارِفِ و بالاعْتِزال مرجعًا في
تَرْجيحِ المَوَاقفِ
حلّل هذا القول مبدِيا رأيك فيه استِنادا إلى ما
درستَ من كتاب الحيوان و الرّسائل للجاحظ
أرجو لكم النّجاح والتوفيق أرجو لكم النّجاح والتّوفيق
يقيّم عمل التلميذ في ضوء القدرات التالية:
I القدرة على فهم الموضوع و تفكيكه:
أ: المعطى:
قام المعطى على تقديم ثلاثة جوانب:
1- محاجّا مقنعا.
2- اعتماد العقل منهجا في تمحيص المعارف.
(محَّص، يُمَحِّصُ، تَمْحِيصًا: تخليص الشّيء من كلّ عيب...)
3- اعتماد الاعتزال مرجعا في ترجيح المواقف.
(ترجيح، رَجَحَ الشّيء يرجَحُ و يَرْجِحُ و يَرْجُحُ، يقال رَجَحَ
الميزان مال..)
ب: المطلوب:
▪ تحليل العناصر التي أشار إليها المعطى.
▪ إبداء الرّأي (حدود التسليم بهذا الطرح)
▪ دعم التحليل و التقويم بشواهد الحيوان و الرّسائل للجاحظ..
ملاحظات:
-الموضوع جدليّ فهو يقوم بالضّرورة على ثلاث محطّات: التحليل و التقويم
و التأليف و إسقاط أيّ قسم يعدّ خللا منهجيّا.
- إنّ الشّواهد ضروريّة في مرحلة التحليل و مرحلة التقويم و ينبغي أن
تكون هذه الشّواهد من الحيوان و الرّسائل و تكون:
* دقيقة (نصّية كانت أو سياقيّة)
* خالية من الحذف المخلّ أو الإطالة أو التّحريف...
* ضرورة مراعاة حسن العرض و التوظيف.
II القدرة على التحليل:
1/ الجاحظ محاجّا مقنعا:إلى تلاميذ الرابعة آداب: إليكم هذا
المقال
تقرأ الجـاحظ فيَتَجَلَّى لك مُحاجًّا مُقْنِعًـا،آمنَ بالعقْلِ
مَنْهَجًا فيتَمْحِيص المَعارِفِ و بالاعْتِزال مرجعًا في
تَرْجيحِ المَوَاقفِ
حلّل هذا القول مبدِيا رأيك فيه استِنادا إلى ما
درستَ من كتاب الحيوان و الرّسائل للجاحظ
أرجو لكم النّجاح والتوفيق أرجو لكم النّجاح والتّوفيق
يقيّم عمل التلميذ في ضوء القدرات التالية:
I القدرة على فهم الموضوع و تفكيكه:
أ: المعطى:
قام المعطى على تقديم ثلاثة جوانب:
1- محاجّا مقنعا.
2- اعتماد العقل منهجا في تمحيص المعارف.
(محَّص، يُمَحِّصُ، تَمْحِيصًا: تخليص الشّيء من كلّ عيب...)
3- اعتماد الاعتزال مرجعا في ترجيح المواقف.
(ترجيح، رَجَحَ الشّيء يرجَحُ و يَرْجِحُ و يَرْجُحُ، يقال رَجَحَ
الميزان مال..)
ب: المطلوب:
▪ تحليل العناصر التي أشار إليها المعطى.
▪ إبداء الرّأي (حدود التسليم بهذا الطرح)
▪ دعم التحليل و التقويم بشواهد الحيوان و الرّسائل للجاحظ..
ملاحظات:
-الموضوع جدليّ فهو يقوم بالضّرورة على ثلاث محطّات: التحليل و التقويم
و التأليف و إسقاط أيّ قسم يعدّ خللا منهجيّا.
- إنّ الشّواهد ضروريّة في مرحلة التحليل و مرحلة التقويم و ينبغي أن
تكون هذه الشّواهد من الحيوان و الرّسائل و تكون:
* دقيقة (نصّية كانت أو سياقيّة)
* خالية من الحذف المخلّ أو الإطالة أو التّحريف...
* ضرورة مراعاة حسن العرض و التوظيف.
II القدرة على التحليل:
إنّ الحجاج يستلزم علاقة بالآخر و يتنزّل في
إطار حوار يهدف إلى التأثير في قناعات الآخر.
أ-مُحَاجًّا مقنعا: يقتضي هذا القول وجود مُحَاجَج
قصد إقناعه و من تجلّيات ذلك قول الجاحظ (اعلم، اعرف...)
ب- آليّات الإقناع:
-بنية النصّ الحجاجيّ.
-تنويع الحجج و ترتيبها.
-الرّوابط الحجاجيّة: التّقابل( في حين
أنّ/ و بالمقابل..) الإعتراض و
الإستدراك (بيد أنّ/ لكنّ...) الإستنتاج (إذن/ الحاصل أنّ...)...
-الأساليب الحجاجيّة: الإستفهام، التعجّب، الأمر، النّفي و الإثبات
بمختلف أدواتهما...
2/ العقل منهج في تمحيص المعارف:إطار حوار يهدف إلى التأثير في قناعات الآخر.
أ-مُحَاجًّا مقنعا: يقتضي هذا القول وجود مُحَاجَج
قصد إقناعه و من تجلّيات ذلك قول الجاحظ (اعلم، اعرف...)
ب- آليّات الإقناع:
-بنية النصّ الحجاجيّ.
-تنويع الحجج و ترتيبها.
-الرّوابط الحجاجيّة: التّقابل( في حين
أنّ/ و بالمقابل..) الإعتراض و
الإستدراك (بيد أنّ/ لكنّ...) الإستنتاج (إذن/ الحاصل أنّ...)...
-الأساليب الحجاجيّة: الإستفهام، التعجّب، الأمر، النّفي و الإثبات
بمختلف أدواتهما...
العقل من الخصائص المائزة للبشر و قد اعتمد
الجاحظ منهجا عقليّا في تمحيصه للمعارف و يتجلّى ذلك في الآتي:
1- تثمين المعرفة العقليّة على المعرفة الحسيّة.
2- الشكّ المنهجي.
3- كيفيّة التعامل مع الأخبار.
4- التجربة و خصائص التفكير العلمي
5- ......
3/ الاعتزال مرجع في ترجيح المواقف:
ملاحظة:التلميذ ليس مطالبا بسرد و استعراض الأصول الاعتزاليّة و إنّما
عليه أن يبيّن أثرها في ترجيح المواقف.
بيان أثر الاعتزال في الردّ على بقيّة الفرق
انطلاقا من بعض المسائل:
-أولويّة العقل على النقل في الردّ على من يدعو إلى ضرورة التعامل الحرفي مع النّصّ القرآني
-مسألة الخير و الشرّ.
-مسألة الجبر و الإختيار.
-..
III.القدرة على التقويم:
يمكن للتلميذ أن يبدي رأيه بما يلي:
-ليست كلّ نصوص الجاحظ (في الحيوان و الرّسائل) نصوصا حجاجيّة، فبعضها
أدبيّ يطغى فيها البيان على البرهان (كالنّوادر مثلا...)
-نسبيّة التمحيص، فالجاحظ نزع أحيانا نحو التجميع لتدوين المعارف و حفظ
التراث من الاندثار.
-البعد المنهجي متراجع في بعض النّصوص إذ تطغى الفوضى أحيانا و خاصّة في
الانتقال من مسألة إلى أخرى..
-بعض النّتائج التي توصّل إليها الجاحظ فنّدها العلم الحديث.
-بقي الجاحظ أسير الفكر الاعتزاليّ ممّا يحدّ من موضوعيّة العالم
IV. القدرة على التأليفالجاحظ منهجا عقليّا في تمحيصه للمعارف و يتجلّى ذلك في الآتي:
1- تثمين المعرفة العقليّة على المعرفة الحسيّة.
2- الشكّ المنهجي.
3- كيفيّة التعامل مع الأخبار.
4- التجربة و خصائص التفكير العلمي
5- ......
3/ الاعتزال مرجع في ترجيح المواقف:
ملاحظة:التلميذ ليس مطالبا بسرد و استعراض الأصول الاعتزاليّة و إنّما
عليه أن يبيّن أثرها في ترجيح المواقف.
بيان أثر الاعتزال في الردّ على بقيّة الفرق
انطلاقا من بعض المسائل:
-أولويّة العقل على النقل في الردّ على من يدعو إلى ضرورة التعامل الحرفي مع النّصّ القرآني
-مسألة الخير و الشرّ.
-مسألة الجبر و الإختيار.
-..
III.القدرة على التقويم:
يمكن للتلميذ أن يبدي رأيه بما يلي:
-ليست كلّ نصوص الجاحظ (في الحيوان و الرّسائل) نصوصا حجاجيّة، فبعضها
أدبيّ يطغى فيها البيان على البرهان (كالنّوادر مثلا...)
-نسبيّة التمحيص، فالجاحظ نزع أحيانا نحو التجميع لتدوين المعارف و حفظ
التراث من الاندثار.
-البعد المنهجي متراجع في بعض النّصوص إذ تطغى الفوضى أحيانا و خاصّة في
الانتقال من مسألة إلى أخرى..
-بعض النّتائج التي توصّل إليها الجاحظ فنّدها العلم الحديث.
-بقي الجاحظ أسير الفكر الاعتزاليّ ممّا يحدّ من موضوعيّة العالم
رغم ما للجاحظ من سقطات في نصوصه مردّها (ما ورد
في التّقويم) فإنّه يظلّ من أعلام المنزع العقلي في الأدب العربي.
- إنّ نصوص الجاحظ أدبيّة بالأساس، فيها منازع عقليّة (النثر العلمي)
- ضرورة تقييم الجاحظ الأديب المفكّر باعتباره ابن القرن الثاني للهجرة.
(كلّ تحامل أو تمجيد مرفوض في التأليف)
ملاحظة1: يجب أن
يعلم التلميذ أنّ سلامة اللغة من الأخطاء و جودة التعبير و متانة البناء قدرات تؤخذ بعين الإعتبار في تقويم التحرير.
ملاحظة2: التلميذ غير ملزم بالإتيان
على كلّ ما ورد من محتويات أو شواهد و لا بالإقتصار عليها.
في التّقويم) فإنّه يظلّ من أعلام المنزع العقلي في الأدب العربي.
- إنّ نصوص الجاحظ أدبيّة بالأساس، فيها منازع عقليّة (النثر العلمي)
- ضرورة تقييم الجاحظ الأديب المفكّر باعتباره ابن القرن الثاني للهجرة.
(كلّ تحامل أو تمجيد مرفوض في التأليف)
ملاحظة1: يجب أن
يعلم التلميذ أنّ سلامة اللغة من الأخطاء و جودة التعبير و متانة البناء قدرات تؤخذ بعين الإعتبار في تقويم التحرير.
ملاحظة2: التلميذ غير ملزم بالإتيان
على كلّ ما ورد من محتويات أو شواهد و لا بالإقتصار عليها.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
وعي الهزيمة .. قراءة في اعمال سعد الله ونوس المسرحي
وعي الهزيمة .. قراءة في اعمال سعد الله ونوس المسرحية
:*-*
ماذا تعني الكتابة عن مؤلف مات بعد أن ترك مجموعة من الكتب تتفاوت أهميتها
بين كتاب وكتاب، أو بين قارئ وقارئ؟ هل يعني ذلك أن سعد الله لم يزل لديه
ما يقوله؟ أم يعني ذلك أن كاتباً مسرحياً آخر لم يلفت الانتباه بعد فيمكن
الحديث عنه ويؤجل سعد الله الي وقت مستقطع بين الأوقات الفاعلة في مسيرة
الابداع العربي؟
أسئلة كثيرة ومكررة، وقد لا تلقي أجوبة حاسمة طالما أن الواقع العربي
وتجلياته السياسية والاجتماعية والثقافية، هو علي هذا الفوات الحضاري الذي
يدمي العين والأذن واللسان، لا ديمقراطية، لا مستوي معيشيا مقبولا، لا وعي
بما جري أو يجري، أو الي أين يمكن الوصول؟ هي أسئلة سعد الله ونوس علي أية
حال، واستعادتها هي تأكيد آخر علي فشل أجوبته، أو بالأحري علي هزيمة
الكتابة في مجتمع لا يقرأ، لأنه ببساطة لا يريد أن يعرف، لأنه ببساطة وجد
أن أيّاً من جاهر بمعرفته وأراد أن يساهم بها في حراك أمته، لترقي الي
مستوي امكانياتها، مات بالسوط أو بغيره.
استعادة الموت، نبش القبور، الدخول الي السجون، تلقي الصفعات والركلات
والهزائم، الاصغاء الي النحيب والآلام، الي المؤامرات والدسائس، الخيبة
والندم تحديداً، هو كل ما يمكن أن يجنيه المرء من قراءة ثانية وثالثة
ورابعة... أولي وأخيرة لأدب سعد الله، أقول أدباً وأقصد ذلك، فقط ليمكن
الحديث ويتشعب ويمتد امتداد حكايات هذا الواقع ووقائعه التي يستعيدها علي
شكل شخوص هي غالباً أشباح تتحرك في دواخلنا، في ذاكرتنا، نتنفسها مع
الهواء ونشربها مع المياه، أكثر مما نعايشها أو نعيشها في أفكارنا ورؤانا
وأحلامنا، لذلك تبدو غريبة حيناً ومستحضرة حيناً، ولكنها هي من يصوغ
وجودنا ويدفعه الي هذا الخراب الذي نتبرأ منه طالما هو بدوره يرفضنا، يرفض
ما نفكر فيه، وبالتالي يرفض كل ما يمكن أن نقوله له.
:*-*
ماذا تعني الكتابة عن مؤلف مات بعد أن ترك مجموعة من الكتب تتفاوت أهميتها
بين كتاب وكتاب، أو بين قارئ وقارئ؟ هل يعني ذلك أن سعد الله لم يزل لديه
ما يقوله؟ أم يعني ذلك أن كاتباً مسرحياً آخر لم يلفت الانتباه بعد فيمكن
الحديث عنه ويؤجل سعد الله الي وقت مستقطع بين الأوقات الفاعلة في مسيرة
الابداع العربي؟
أسئلة كثيرة ومكررة، وقد لا تلقي أجوبة حاسمة طالما أن الواقع العربي
وتجلياته السياسية والاجتماعية والثقافية، هو علي هذا الفوات الحضاري الذي
يدمي العين والأذن واللسان، لا ديمقراطية، لا مستوي معيشيا مقبولا، لا وعي
بما جري أو يجري، أو الي أين يمكن الوصول؟ هي أسئلة سعد الله ونوس علي أية
حال، واستعادتها هي تأكيد آخر علي فشل أجوبته، أو بالأحري علي هزيمة
الكتابة في مجتمع لا يقرأ، لأنه ببساطة لا يريد أن يعرف، لأنه ببساطة وجد
أن أيّاً من جاهر بمعرفته وأراد أن يساهم بها في حراك أمته، لترقي الي
مستوي امكانياتها، مات بالسوط أو بغيره.
استعادة الموت، نبش القبور، الدخول الي السجون، تلقي الصفعات والركلات
والهزائم، الاصغاء الي النحيب والآلام، الي المؤامرات والدسائس، الخيبة
والندم تحديداً، هو كل ما يمكن أن يجنيه المرء من قراءة ثانية وثالثة
ورابعة... أولي وأخيرة لأدب سعد الله، أقول أدباً وأقصد ذلك، فقط ليمكن
الحديث ويتشعب ويمتد امتداد حكايات هذا الواقع ووقائعه التي يستعيدها علي
شكل شخوص هي غالباً أشباح تتحرك في دواخلنا، في ذاكرتنا، نتنفسها مع
الهواء ونشربها مع المياه، أكثر مما نعايشها أو نعيشها في أفكارنا ورؤانا
وأحلامنا، لذلك تبدو غريبة حيناً ومستحضرة حيناً، ولكنها هي من يصوغ
وجودنا ويدفعه الي هذا الخراب الذي نتبرأ منه طالما هو بدوره يرفضنا، يرفض
ما نفكر فيه، وبالتالي يرفض كل ما يمكن أن نقوله له.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
.1
أراد سعد الله أن يحتال، أن يظهر
ذكاءه، دخل في مسامات هذا الواقع، في وحوله وهزائمه، وأخذ يكتب منذ
البداية كان يعرف أنه يكتب أكثر مما ينشئ مسرحاً، فهو يعرف أن الذين يكتب
لهم تعودوا علي السماع، علي التقاط الهمسات أكثر مما تعودوا علي المكاشفة،
وربما كان يعرف أيضاً أن لا مسرح بلا كتابة، ولا كتابة مسرحية بلا أدب، بل
هذه الكتابة دائماً أرادت أن تكون شعراً، أو اعتقدت ذلك، حتي بدا كما لو
لم يكن لدي سعد الله أسئلة مسرحية، كان لديه هاجس أن يعبّر، أن يفضح، أن
يشير الي موضع الألم.
كانت همومه في البداية كبيرة بحجم هذه الـ ميدوزا التي تحدق في الحياة بما
يعني قلقاً وجودياً مبكراً وخطيراً. لكن من يصغي؟ من يفهم؟ والشعب الذي
يكتب له هو شعب مقموع ببدائية، وجائع حتي لرغيف الخبز، فما الذي يعنيه أن
تنتصر الآلة ـ الجسد، وينهزم الكمان ـ الروح؟ أو تنتصر الشهوة الحيوانية
المبرمجة عقلياً وينهزم الحب بتجلياته الفنية والحسّية ـ بتأويل آخر لهذه
المسرحية ـ؟ أسئلة ربما جاء بها سعد الله من عالم حديث ومتقدم، من لغة
أخري ليس لديها مشاكل بسيطة مثل هذه التي نعيشها، بمعني ليس الاغتراب أمام
الآلة ما هو ملح الآن، ماهو الملح اذن؟ حاول أن يطرح سؤالاً وجودياً آخر،
ربما يجعله يقترب من واقعه، ومن الكون الذي يفكر به أو فيه أو من خلاله،
فيكتب المقهي الزجاجي لكن لا فائدة أيضاً فنحن لا نصنع الزمن كي يؤرقنا بل
مجرد التفكير في ذلك يعني خطيئة عقوبتها النفي والالغاء. لذلك أخذ سعد
الله يستعير أفكاراً من أزمنة وأمكنة قديمة ويحاول صياغتها بالواقع
المتخلف الذي نعيشه، فكر بالظلم المطلق، بالحظ العاثر، بالغبن الذي يشعر
به الشقيق الأصغر تجاه أخيه الأكبر ومردوداته النفسية فكتب مسرحيته الجراد.
فكر بالفقير الذي يموت جائعاً مشرداً علي الرصيف ولا يجد من يدفنه سوي
عابر ثري يأخذ جثته ليطعمها لكلبه الجائع، كما تحكي مسرحيته جثة علي
الرصيف . فكر بالانسان المثقف المتعلم الذي يقتله رجال الجهل العابث الذين
لا يفهمون الرجولة سوي تسلط وقسوة وتهور، كما في مسرحيته عندما يلعب
الرجال . فكر بتجار المديح والموالي وصناع المناصب فصاغ كنايته الجميلة عن
الكرسي في مسرحيته لعبة الدبابيس .
فكر بالمقاومة وكيف ينبغي أن تتخلص من أمراضها الاجتماعية والسلطوية كي
تولد ولادة سليمة فكتب مسرحيته فصد الدم . فكر بسلبية الناس وخوفهم من
السلطة ومداراتها فكتب مسرحيته الفيل يا ملك الزمان . هي بدايات، صحيح
أنها قصيرة، لكنها تبرز الي أيّ حدّ كان طموح سعد الله بأن يتمثل القلق
الانساني بشموليته، بعيداً عن آنية السياسي وتعسفه، بأن يتمثل تلك الرؤي
التي تحاول كشف هشاشة الانسان واغترابه، وشعوره بالضعف أمام القوي التي
تهدد كينونته: الآلة، الزمن، الارث الاجتماعي والنفسي والاقتصادي
والسلطوي... ومن الطبيعي أن يأتي مثل هذا التمثل انزياحاً لغوياً
لاعتبارات آنفة، انزياحاً هو أقرب الي القصة الحوارية منه الي الفعل
المسرحي.
وبالطبع كذلك لم يأت هذا القول حكماً سلبياً طالما أن سعد الله كان قد صرح
به في مقدمة مسرحيته ميدوزا تحدق في الحياة أولي مسرحياته المنشورة، انه
توصيف لاهتمام الكاتب الشاب، لعشقه اللغوي، ولشغله علي اللغة طيلة حياته
الابداعية باعتبارها الحامل الأول لمسرحياته دون أن يعني ذلك اغفالاً
لاستقلالية المسرح كفن ينبغي تمثيله. علي أية حال تتضح أهمية هذه
المسرحيات القصيرة تاريخياً أو بالأحري كتأريخ لابداع كاتبها من جهتين:
الأولي أنها تبرز مقدرة سعد الله علي صوغ حكاية ـ أو استعارتها ـ في قالب
مسرحي. والثانية أهمية الأفكار التي يتصدي لها وعمقها في كشف معاناة
الانسان ولا سيما ما هو جوهري في كينونته.
اضافة الي هاتين الناحيتين تمتاز حكاية جوقة التماثيل بأنها المسرحية
الأولي التي منحت سعد الله ونوس لقب الكاتب المسرحي ـ كما أري ـ فهي
بحكايتيها: بائع الدبس الفقير و الرسول المجهول في مأتم انتيغونا تبدو
وكأنها تتويج ابداعي لمرحلة البدايات، فهي علي الأقل تشي بالتركيبة الفنية
التي ستظهر فيما بعد في أكثر من مسرحية وعلي أكثر من شكل، وهي بالأصل لم
تغب عن سردياته المسرحية عبر هذا المزج الأدبي بين ما هو سردي وحواري
بمهارة توضح مقدرة أو موهبة أصيلة في كيفية الحكي وتمثله بأساليب الكتابة
والعرض معاً.
اذن في حكايا جوقة التماثيل يستمر سعد الله بانزياحاته اللغوية، ولكن
باضافة بعد مسرحي تقليدي يتمثل باستعادة أو بمساءلة المسرح اليوناني علي
وجه الدقة وما يمثله من قيم فلسفية وسياسية كانت الجوقة هي من تقوم بدورها
في المسرحيات الاغريقية المعروفة. هذا الضمير الجمعي للحق والخير والجمال
الذي انهار مثالاً وراء الآخر أمام بؤس الواقع وسلطاته القمعية في حكاية
بائع الدبس الفقير لينحل ويتلاشي تماماً في المكان ذاته ولكن عبر الحكاية
الثانية الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا لا تمثل بموتها موت المثل والقيم
المشار اليها وحسب وانما تؤكد علي أنّ للمسرح في زمن الكاتب ومكانه دوراً
آخر يختلف تماماً عن دوره في أيام ازدهار الديمقراطية الأولي وازدهار
التساؤلات الكبري للذات الانسانية عن العدالة والحق والشر والعقاب،
تساؤلات بقيت مطروحة في هذه الحكايا وبانزياح شعري يتمثل باضمحلال الشر
ذاتياً ليعود بفكرة القدر القديمة من المسرح الاغريقي ذاته. لكن ما هو أهم
في هذه المسرحية أكثر من غيره أنها استطاعت أن تركب بين زمنين مسرحيين
متباينين: الأول هو الزمن الاغريقي القديم، والثاني هو الزمن العربي
المعاصر، ليسائل أحدهما الآخر في مسرحية واحدة هي بائع الدبس الفقير أو
الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا ، ولتجعل في مكان الحكي في الوقت نفسه
قابلاً لحكايات متعددة هي حكايات العالم أو الانسانية مطلقاً. وعلي هذا لا
يبدو سعد الله في هذه المرحلة مهتماً بانشاء مسرح عربي أو حتي التفكير
بذلك طالما أن ما يعاني منه هو نتيجة لامتداد تاريخ انساني متكامل، ولصراع
تعيشه البشرية جمعاء بما ينفي أية خصوصية تاريخية سوي خصوصية المؤلف
وطبيعة كتابته الأدبية. ـ 2 ـ مواجهة الواقع المتخلف بثقافة حداثوية
متحررة كانت شغل المبدعين العرب في القرن العشرين، ولكن من غير أن يمتلكوا
أدوات التغيير فيه، لأقل الأدوات الابداعية لذلك.
أراد سعد الله أن يحتال، أن يظهر
ذكاءه، دخل في مسامات هذا الواقع، في وحوله وهزائمه، وأخذ يكتب منذ
البداية كان يعرف أنه يكتب أكثر مما ينشئ مسرحاً، فهو يعرف أن الذين يكتب
لهم تعودوا علي السماع، علي التقاط الهمسات أكثر مما تعودوا علي المكاشفة،
وربما كان يعرف أيضاً أن لا مسرح بلا كتابة، ولا كتابة مسرحية بلا أدب، بل
هذه الكتابة دائماً أرادت أن تكون شعراً، أو اعتقدت ذلك، حتي بدا كما لو
لم يكن لدي سعد الله أسئلة مسرحية، كان لديه هاجس أن يعبّر، أن يفضح، أن
يشير الي موضع الألم.
كانت همومه في البداية كبيرة بحجم هذه الـ ميدوزا التي تحدق في الحياة بما
يعني قلقاً وجودياً مبكراً وخطيراً. لكن من يصغي؟ من يفهم؟ والشعب الذي
يكتب له هو شعب مقموع ببدائية، وجائع حتي لرغيف الخبز، فما الذي يعنيه أن
تنتصر الآلة ـ الجسد، وينهزم الكمان ـ الروح؟ أو تنتصر الشهوة الحيوانية
المبرمجة عقلياً وينهزم الحب بتجلياته الفنية والحسّية ـ بتأويل آخر لهذه
المسرحية ـ؟ أسئلة ربما جاء بها سعد الله من عالم حديث ومتقدم، من لغة
أخري ليس لديها مشاكل بسيطة مثل هذه التي نعيشها، بمعني ليس الاغتراب أمام
الآلة ما هو ملح الآن، ماهو الملح اذن؟ حاول أن يطرح سؤالاً وجودياً آخر،
ربما يجعله يقترب من واقعه، ومن الكون الذي يفكر به أو فيه أو من خلاله،
فيكتب المقهي الزجاجي لكن لا فائدة أيضاً فنحن لا نصنع الزمن كي يؤرقنا بل
مجرد التفكير في ذلك يعني خطيئة عقوبتها النفي والالغاء. لذلك أخذ سعد
الله يستعير أفكاراً من أزمنة وأمكنة قديمة ويحاول صياغتها بالواقع
المتخلف الذي نعيشه، فكر بالظلم المطلق، بالحظ العاثر، بالغبن الذي يشعر
به الشقيق الأصغر تجاه أخيه الأكبر ومردوداته النفسية فكتب مسرحيته الجراد.
فكر بالفقير الذي يموت جائعاً مشرداً علي الرصيف ولا يجد من يدفنه سوي
عابر ثري يأخذ جثته ليطعمها لكلبه الجائع، كما تحكي مسرحيته جثة علي
الرصيف . فكر بالانسان المثقف المتعلم الذي يقتله رجال الجهل العابث الذين
لا يفهمون الرجولة سوي تسلط وقسوة وتهور، كما في مسرحيته عندما يلعب
الرجال . فكر بتجار المديح والموالي وصناع المناصب فصاغ كنايته الجميلة عن
الكرسي في مسرحيته لعبة الدبابيس .
فكر بالمقاومة وكيف ينبغي أن تتخلص من أمراضها الاجتماعية والسلطوية كي
تولد ولادة سليمة فكتب مسرحيته فصد الدم . فكر بسلبية الناس وخوفهم من
السلطة ومداراتها فكتب مسرحيته الفيل يا ملك الزمان . هي بدايات، صحيح
أنها قصيرة، لكنها تبرز الي أيّ حدّ كان طموح سعد الله بأن يتمثل القلق
الانساني بشموليته، بعيداً عن آنية السياسي وتعسفه، بأن يتمثل تلك الرؤي
التي تحاول كشف هشاشة الانسان واغترابه، وشعوره بالضعف أمام القوي التي
تهدد كينونته: الآلة، الزمن، الارث الاجتماعي والنفسي والاقتصادي
والسلطوي... ومن الطبيعي أن يأتي مثل هذا التمثل انزياحاً لغوياً
لاعتبارات آنفة، انزياحاً هو أقرب الي القصة الحوارية منه الي الفعل
المسرحي.
وبالطبع كذلك لم يأت هذا القول حكماً سلبياً طالما أن سعد الله كان قد صرح
به في مقدمة مسرحيته ميدوزا تحدق في الحياة أولي مسرحياته المنشورة، انه
توصيف لاهتمام الكاتب الشاب، لعشقه اللغوي، ولشغله علي اللغة طيلة حياته
الابداعية باعتبارها الحامل الأول لمسرحياته دون أن يعني ذلك اغفالاً
لاستقلالية المسرح كفن ينبغي تمثيله. علي أية حال تتضح أهمية هذه
المسرحيات القصيرة تاريخياً أو بالأحري كتأريخ لابداع كاتبها من جهتين:
الأولي أنها تبرز مقدرة سعد الله علي صوغ حكاية ـ أو استعارتها ـ في قالب
مسرحي. والثانية أهمية الأفكار التي يتصدي لها وعمقها في كشف معاناة
الانسان ولا سيما ما هو جوهري في كينونته.
اضافة الي هاتين الناحيتين تمتاز حكاية جوقة التماثيل بأنها المسرحية
الأولي التي منحت سعد الله ونوس لقب الكاتب المسرحي ـ كما أري ـ فهي
بحكايتيها: بائع الدبس الفقير و الرسول المجهول في مأتم انتيغونا تبدو
وكأنها تتويج ابداعي لمرحلة البدايات، فهي علي الأقل تشي بالتركيبة الفنية
التي ستظهر فيما بعد في أكثر من مسرحية وعلي أكثر من شكل، وهي بالأصل لم
تغب عن سردياته المسرحية عبر هذا المزج الأدبي بين ما هو سردي وحواري
بمهارة توضح مقدرة أو موهبة أصيلة في كيفية الحكي وتمثله بأساليب الكتابة
والعرض معاً.
اذن في حكايا جوقة التماثيل يستمر سعد الله بانزياحاته اللغوية، ولكن
باضافة بعد مسرحي تقليدي يتمثل باستعادة أو بمساءلة المسرح اليوناني علي
وجه الدقة وما يمثله من قيم فلسفية وسياسية كانت الجوقة هي من تقوم بدورها
في المسرحيات الاغريقية المعروفة. هذا الضمير الجمعي للحق والخير والجمال
الذي انهار مثالاً وراء الآخر أمام بؤس الواقع وسلطاته القمعية في حكاية
بائع الدبس الفقير لينحل ويتلاشي تماماً في المكان ذاته ولكن عبر الحكاية
الثانية الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا لا تمثل بموتها موت المثل والقيم
المشار اليها وحسب وانما تؤكد علي أنّ للمسرح في زمن الكاتب ومكانه دوراً
آخر يختلف تماماً عن دوره في أيام ازدهار الديمقراطية الأولي وازدهار
التساؤلات الكبري للذات الانسانية عن العدالة والحق والشر والعقاب،
تساؤلات بقيت مطروحة في هذه الحكايا وبانزياح شعري يتمثل باضمحلال الشر
ذاتياً ليعود بفكرة القدر القديمة من المسرح الاغريقي ذاته. لكن ما هو أهم
في هذه المسرحية أكثر من غيره أنها استطاعت أن تركب بين زمنين مسرحيين
متباينين: الأول هو الزمن الاغريقي القديم، والثاني هو الزمن العربي
المعاصر، ليسائل أحدهما الآخر في مسرحية واحدة هي بائع الدبس الفقير أو
الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا ، ولتجعل في مكان الحكي في الوقت نفسه
قابلاً لحكايات متعددة هي حكايات العالم أو الانسانية مطلقاً. وعلي هذا لا
يبدو سعد الله في هذه المرحلة مهتماً بانشاء مسرح عربي أو حتي التفكير
بذلك طالما أن ما يعاني منه هو نتيجة لامتداد تاريخ انساني متكامل، ولصراع
تعيشه البشرية جمعاء بما ينفي أية خصوصية تاريخية سوي خصوصية المؤلف
وطبيعة كتابته الأدبية. ـ 2 ـ مواجهة الواقع المتخلف بثقافة حداثوية
متحررة كانت شغل المبدعين العرب في القرن العشرين، ولكن من غير أن يمتلكوا
أدوات التغيير فيه، لأقل الأدوات الابداعية لذلك.
عدل سابقا من قبل حمزة سديرة في الأحد 9 مارس - 17:26 عدل 1 مرات
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
وهذا ما يمكن ملاحظته في بدايات
سعد الله أيضاً، اذ ثمة غربة تقترب كثيراً من قراءة الحكايات الأجنبية
المترجمة حتي في مسرحيته حكايا جوقة التماثيل كان لحضور البعد الاغريقي
أثر مُخِلّ في تناول المشاكل المحلية أكثر مما هو مخلخل لها ـ هذه المرة
سوف يتم تجاوزه حتي في المسرحيات المقتبسة كما هو آت ـ لكن ليكن الحديث عن
تحول أساسي بعد هزيمة حزيران (يونيو) التي أرخ لها سعد الله في مسرحيته
الشهيرة حفلة سمر من أجل 5 حزيران حيث المسرح بدأ يستجيب للواقع ويدخل في
تركيبه الذهني والفني بطريقة يمكن الحديث من خلالها عن تمثل عربي لهذا
الفن الوافد الينا مؤخراً، بما يزيد بقليل عن قرن من الزمن. لكن قبل ذلك،
وفي هذه المسرحية بالذات، أودّ التوقف عند رؤية سوف تلازم سعد الله فيما
سيكتبه لاحقاً وربما هي ما أفضت الي مسرحيات أخري تلامس ما أتحدث عنه بل
وتتطور عنه برؤية واضحة لابداع مسرح مختلف وأكاد أقول محليا. غير أن هذه
الفكرة الأساسية التي ينبغي البدء بها بعبارة أدق تتحدث عن تركيب رؤيوي
للفعل المسرحي يتجاوب وفعل القول بما هو الواقع أيضاً. بمعني آخر ان ادخال
المتفرجين في صلب اللعبة المسرحية هو حاجة فعلية لقولها، وليس رؤية فنية
مستعارة من التغريب البريختي مثلاً، وهذه الحاجة نفسها هي ما دفعت سعد
الله للابتعاد عن لغته الانشائية من أجل الاقتراب من لغة تتواءم والفعل
المسرحي بعد أن كانت تحاول الانابة عنه. وهي بالتالي أصبحت لغة متعددة
بتعدد شخصيات هذا الفعل وتباين مستوياتها الاجتماعية والنفسية والثقافية،
وبالتالي قد لا تبرز أهمية مسرحية مثل حفلة سمر من أجل 5 حزيران في تصديها
للهزيمة وتداعياتها ـ فهي لم تقل شيئاً جديداً يمكن فعله سوي اشراك
الجماهير حقيقة في العمل السياسي وهذا ما لم يتحقق حتي في المسرح ـ بقدر
ما تبرز في كونها شكلت حافزاً للبحث عن أشكال جديدة للفرجة ليس من الضروري
أن يكون متعارفاً عليها عالمياً. لكن كيلا يبدو هذا البحث رؤية فنية وحسب
يعود سعد الله الي كيفية هذه التركيبة وليس الي الرؤية اليونانية التي
أظهر فشل محاكاتها عربياً ليصغي الي الحكاية العربية بل والي كيفية
حكايتها ليكتب مسرحيته مغامرة رأس المملوك جابر اذ وكما هو معروف أن كرسي
الحكواتي هو أول شكل من أشكال التفرج الحكائي العربي، وربما الحيوية
القائمة بين الراوي ومن يصغي اليه، طقسية هذا الروي، وتبادل الآراء
والتعليقات وانقسامها واختلافها حول ما يروي، هي ما أغرت سعد الله
بالاستفادة من كل ذلك في مفهومه للمسرح السياسي الذي جاء عفوياً ربما في
مسرحيته السابقة حفلة سمر ليأخذ منحي جمالياً مقصوداً لذاته في هذه
المسرحية، في تركيبها بين زمن الحكي القديم وزمن الاصغاء الجديد من جهة،
وحكاية سعد الله للزمنين مجتمعين والتفرج عليها مجدداً من جهة أخري.
ذات التركيبة ينشئها سعد الله في مسرحيته التالية سهرة مع أبي خليل
القباني ليؤكد اهتمامه بأشكال الفرجة العربية، ولكن ليظهر، هذه المرة،
الولادة العسيرة للمسرح العربي في سورية، لاستقبال هذا المسرح بكثير من
الحذر والريبة، ومن ثم المواجهة بين أبي خليل القباني وقوي التخلف في
المجتمع العربي بما فيها القوي الفنية التي انتصرت لأشكال الفن القديمة
كمسرح الظل والفنون الدينية. أما أهمية هذه المسرحية فربما تعود أساساً
الي كونها عززت رؤية سعد الله للمسرح العربي الجديد أو السياسي كما يحلو
له أن يسميه، وأوصلتها الي ذروة الحلم أو امكانيته وذلك باستنفاذ أشكال
الواقع وتطلعه الي صيغ جديدة للحوار كان نتيجتها حرق مسرح القباني في
النهاية!. ما يمكن قوله بهذا الصدد ان رغبة سعد الله في إنشاء مسرح
ديمقراطي عربي في مسرحياته المتتالية حفلة سمر من أجل 5 حزيران و مغامرة
رأس المملوك جابر و سهرة مع أبي خليل القباني علي أنقاض ديمقراطية المسرح
الاغريقي القديم كما يمكن الاستنتاج سطحياً بالمقارنة مع مسرحيته السابقة
حكايا جوقة التماثيل انما هي رغبة استفاد منها المسرح العربي فنياً ربما،
أقصد بتوظيف أشكال الفرجة المحلية لكسر الحاجز التقليدي بين مكان العرض
ومكان التفرج بأسلوب يتجاوب وطبيعة الكتابة المسرحية أو طقسها المتعارف
عليه في تراث الحكي العربي، لكنها فشلت في المقــابل أن تحقـــق غايتها أو
هدفها في خلق تقاليد لذلك، وقد يكون الواقع السياسي المستبد من أهم
الأسباب التي أعاقت سعد الله في ابداع أشكال اخراجية غير تلك التي سمع بها
أو رآها، هي ذات الأسباب التي عاني منها أبو خليل القباني ولكن بتجليات
أكثر خفاء.
سعد الله أيضاً، اذ ثمة غربة تقترب كثيراً من قراءة الحكايات الأجنبية
المترجمة حتي في مسرحيته حكايا جوقة التماثيل كان لحضور البعد الاغريقي
أثر مُخِلّ في تناول المشاكل المحلية أكثر مما هو مخلخل لها ـ هذه المرة
سوف يتم تجاوزه حتي في المسرحيات المقتبسة كما هو آت ـ لكن ليكن الحديث عن
تحول أساسي بعد هزيمة حزيران (يونيو) التي أرخ لها سعد الله في مسرحيته
الشهيرة حفلة سمر من أجل 5 حزيران حيث المسرح بدأ يستجيب للواقع ويدخل في
تركيبه الذهني والفني بطريقة يمكن الحديث من خلالها عن تمثل عربي لهذا
الفن الوافد الينا مؤخراً، بما يزيد بقليل عن قرن من الزمن. لكن قبل ذلك،
وفي هذه المسرحية بالذات، أودّ التوقف عند رؤية سوف تلازم سعد الله فيما
سيكتبه لاحقاً وربما هي ما أفضت الي مسرحيات أخري تلامس ما أتحدث عنه بل
وتتطور عنه برؤية واضحة لابداع مسرح مختلف وأكاد أقول محليا. غير أن هذه
الفكرة الأساسية التي ينبغي البدء بها بعبارة أدق تتحدث عن تركيب رؤيوي
للفعل المسرحي يتجاوب وفعل القول بما هو الواقع أيضاً. بمعني آخر ان ادخال
المتفرجين في صلب اللعبة المسرحية هو حاجة فعلية لقولها، وليس رؤية فنية
مستعارة من التغريب البريختي مثلاً، وهذه الحاجة نفسها هي ما دفعت سعد
الله للابتعاد عن لغته الانشائية من أجل الاقتراب من لغة تتواءم والفعل
المسرحي بعد أن كانت تحاول الانابة عنه. وهي بالتالي أصبحت لغة متعددة
بتعدد شخصيات هذا الفعل وتباين مستوياتها الاجتماعية والنفسية والثقافية،
وبالتالي قد لا تبرز أهمية مسرحية مثل حفلة سمر من أجل 5 حزيران في تصديها
للهزيمة وتداعياتها ـ فهي لم تقل شيئاً جديداً يمكن فعله سوي اشراك
الجماهير حقيقة في العمل السياسي وهذا ما لم يتحقق حتي في المسرح ـ بقدر
ما تبرز في كونها شكلت حافزاً للبحث عن أشكال جديدة للفرجة ليس من الضروري
أن يكون متعارفاً عليها عالمياً. لكن كيلا يبدو هذا البحث رؤية فنية وحسب
يعود سعد الله الي كيفية هذه التركيبة وليس الي الرؤية اليونانية التي
أظهر فشل محاكاتها عربياً ليصغي الي الحكاية العربية بل والي كيفية
حكايتها ليكتب مسرحيته مغامرة رأس المملوك جابر اذ وكما هو معروف أن كرسي
الحكواتي هو أول شكل من أشكال التفرج الحكائي العربي، وربما الحيوية
القائمة بين الراوي ومن يصغي اليه، طقسية هذا الروي، وتبادل الآراء
والتعليقات وانقسامها واختلافها حول ما يروي، هي ما أغرت سعد الله
بالاستفادة من كل ذلك في مفهومه للمسرح السياسي الذي جاء عفوياً ربما في
مسرحيته السابقة حفلة سمر ليأخذ منحي جمالياً مقصوداً لذاته في هذه
المسرحية، في تركيبها بين زمن الحكي القديم وزمن الاصغاء الجديد من جهة،
وحكاية سعد الله للزمنين مجتمعين والتفرج عليها مجدداً من جهة أخري.
ذات التركيبة ينشئها سعد الله في مسرحيته التالية سهرة مع أبي خليل
القباني ليؤكد اهتمامه بأشكال الفرجة العربية، ولكن ليظهر، هذه المرة،
الولادة العسيرة للمسرح العربي في سورية، لاستقبال هذا المسرح بكثير من
الحذر والريبة، ومن ثم المواجهة بين أبي خليل القباني وقوي التخلف في
المجتمع العربي بما فيها القوي الفنية التي انتصرت لأشكال الفن القديمة
كمسرح الظل والفنون الدينية. أما أهمية هذه المسرحية فربما تعود أساساً
الي كونها عززت رؤية سعد الله للمسرح العربي الجديد أو السياسي كما يحلو
له أن يسميه، وأوصلتها الي ذروة الحلم أو امكانيته وذلك باستنفاذ أشكال
الواقع وتطلعه الي صيغ جديدة للحوار كان نتيجتها حرق مسرح القباني في
النهاية!. ما يمكن قوله بهذا الصدد ان رغبة سعد الله في إنشاء مسرح
ديمقراطي عربي في مسرحياته المتتالية حفلة سمر من أجل 5 حزيران و مغامرة
رأس المملوك جابر و سهرة مع أبي خليل القباني علي أنقاض ديمقراطية المسرح
الاغريقي القديم كما يمكن الاستنتاج سطحياً بالمقارنة مع مسرحيته السابقة
حكايا جوقة التماثيل انما هي رغبة استفاد منها المسرح العربي فنياً ربما،
أقصد بتوظيف أشكال الفرجة المحلية لكسر الحاجز التقليدي بين مكان العرض
ومكان التفرج بأسلوب يتجاوب وطبيعة الكتابة المسرحية أو طقسها المتعارف
عليه في تراث الحكي العربي، لكنها فشلت في المقــابل أن تحقـــق غايتها أو
هدفها في خلق تقاليد لذلك، وقد يكون الواقع السياسي المستبد من أهم
الأسباب التي أعاقت سعد الله في ابداع أشكال اخراجية غير تلك التي سمع بها
أو رآها، هي ذات الأسباب التي عاني منها أبو خليل القباني ولكن بتجليات
أكثر خفاء.
عدل سابقا من قبل حمزة سديرة في الأحد 9 مارس - 17:25 عدل 1 مرات
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
هذا الوعي بالهزيمة، بعدم قابلية العرب للحوار، وبالتالي للمسرح، هو ما
دفع سعد الله للارتداد الي دوره الأساس، دور الكاتب الذي ينظر الي عالم
علي أنه مسرح ينبغي كشف لعبته، لعبته السياسية التي لم تزل ملحة بشكلها
التقليدي ولكن خارج الأطر المحددة للنزعات السلطوية بمختلف ايديولوجياتها
التي أفشلت مسرحه أو أجبرته علي الانكماش ولو الي حين، أقصد السلطات
الاجتماعية والسياسية والاقتصادية غير الحاكمة بالضرورة والتي تملك منصباً
علي أتباعها هو ذات المنصب الذي يشغله ملك في مكان وزمان غير محددين ليدل
علي تشابه السلطات الاستبدادية مهما كان شكلها. وعلي الأرجح هذا ما أراده
سعد الله أو ما فهمته من عنوان مسرحيته الملك هو الملك التي تخلت عن محلية
الحكي والفرجة لصالح فكرة تصلح لأي واقع يعاني استبداداً ما. لكن كشف
الاستبداد، فهم طبيعته، ارتكاس معرفي يفرضه واقع عاجز عن الحراك أو
التجاوب ونخبته، بمعني أنه واقع عاجز عن تأريخ حداثوي له. ولذلك بدت هذه
المسرحية تقليدية في بنائها وفرجتها اذا ما قورنت بالتطور المفترض عن
المسرحيات السابقة لها، لولا أنها برهنت، مع ذلك، علي غني تجربة سعد الله
واغتنائها بمقومات مسرحية يمكن اعتمادها في أية كتابة قادمة كتهيئة سردية
لأدبية كان قد بدأ حياته الابداعية بها. ـ 3 ـ لا أعرف حقيقة ان كان سعد
الله علي دراية بفشل امكانية الحوار في مجتمع غير متكافئ القوي، أو غير
قادر علي انتاج بنية للتكافؤ في أية مرحلة من مراحله التاريخية يمكن
الحوار من خلالها حين توقف عن البحث الابداعي لأشكال المسرح في المجتمع
العربي، محاولاً أن يستعير صيغا جديدة للكتابة من أقلام كتاب انتصرت
مجتمعاتها حداثوياً لتريحه قليلاً من شبح السلطة بمفهومها السياسي الفظ
والمباشر علّه يستحث الجماهير التي حاول الانتصار لها علي أن تفعل شيئاً،
أن تنظر الي ما حولها، أن تفكر فيما تعيشه، أن تنفض عنها غبار الغفلة
والدردشة لتري ما يمكن فعله قبل أن تسلب كل ما تملك وترمي كنفاية الي
طرقات التشرد والموت، فيجد في مسرحية كيف تخلص السيد موكينبوت من آلامه
للكاتب بيتر فايس صيغة ملائمة لذلك، يستطيع أن يكتب اعتماداً علي حكايتها
مسرحيته رحلة حنظلة من الغفلة الي اليقظة ليعود بالمسرح الي بساطة القول
اذا لم يكن الي سطحيته اذ ماذا يعني أن نعرف ما يدور حولنا طالما أنه لا
يمكن أن نفعل حياله شيئاً؟، سؤال تبدو اجابة سعد الله عليه أكثر سلبية في
مسرحية لاحقة. لكن ما هو ايجابي في هذه المسرحية أنها تحررت قليلاً من
مفهوم السلطة الفردية لتوزعه علي شكل بنية اجتماعية واقتصادية أكثر مما هو
حالة سياسية آنية، ليقترب بذلك من ملامسة الأزمة لكن بلا أطراف يمكن
محاورتها بما يشكل تراجعاً ملحوظاً حتي عن مسرحه السياسي والاكتفاء تماماً
بدور الراوي الذي يستطيع أن يلتقط تفاصيل الواقع ويسردها كما هي.
لكن مع انطلاق الانتفاضة الفلسطينية أواخر القرن الماضي يجد سعد الله نفسه
في موقف محرج، فالواقع العربي ليس علي هذا النحو من السلبية وانما أدوات
مبدعيه كانت عاجزة علي ما يبدو عن صياغة فعل مماثل لهذا التحرك العفوي بل
هي سارت به الي ما يشبه زهوة الفرسان لتقضي عليه قبل ولادته. وربما لهذا
استشرف سعد الله نهاية كارثية لا تحتملها حكاية الفارس ولا حتي وضوح
الصراع وبدائيته فلجأ الي التواء المثقف وأزماته فاستعاد حكاية القصة
المزدوجة للدكتور بالمي للكاتب المسرحي انطونيو بويرويانيجو ليكتب مسرحيته
الاغتصاب التي شرح من خلالها الصراع العربي الاسرائيلي علي أساس عقد نفسية
سادية علي الأغلب، ربما يكون الشفاء منه سريرياً أكثر منه سياسياً ليخلص
الي هذه النتيجة التي تدعو للدعابة وتتلخص في أن الحوار بين الاسرائيليين
والعرب أو الفلسطينيين لا يمكن أن يتم الا بين شرائح المثقفين وقد تخلّوا
عن هواياتهم القومية والدينية! ما يؤسف له أيضاً في هذه المسرحية أن
امكانية الحوار الذي تفترضه لم يكن بين العرب أنفسهم، وانما مع وافدين من
ديمقراطيات أخري، وربما هذا يفسر انضواء كثير من المثقفين والمبدعين العرب
تحت اشراف منظمات وقوي ـ علي الأقل سلطاتها هي من تصوغ الواقع العربي منذ
اتفاقية سايكس بيكو وأشباهها من الاتفاقيات والمشاريع التي تتبناها
الولايات المتحدة الأمريكية اليوم.
ما أريد قوله ان سعد الله، شأنه شأن العرب جميعاً حتي المبدعين
الفلسطينيين منهم، لم يستطع أن يتجاوب والمرحلة التاريخية لشعب وجد نفسه
لم يعد يحتمل بؤسه وشقاءه فتمرّد علي شرطه التاريخي ليكتشف أنه وحيد ولا
أحد قادر علي الانتصار له في هذه المسرحية سوي محاولة أدبية ربما تذكر
بأدب القسوة في القرن التاسع عشر. لكن كيلا أحمل سعد الله ما لا طاقة له
به يمكن القول: انه ومن خلال هاتين المسرحيتين استطاع أن يؤكد علي كونية
المسرح باعتباره فناً مثله مثل الموسيقي والرسم أو أدباً مثله مثل الشعر
والرواية فهو ان كان قد استعار شكلهما المسرحي من لغات أخري الا أنه
بكتابته الأدبية عرف كيف يجعلهما عربيتين لغة ووقائع، وهذا لا يعني
بالضرورة غلق الباب أمام احتمالات مسرحية لها خصوصيتها المحلية. ? كاتب من
سورية .
-4اطمأن سعد الله في السنوات الأخيرة من حياته الي ما يشبه الواقعية النقدية
أو حتي الوصفية فيما يكتبه من مسرحيات، مكتفياً بدور الراوي لأحداث ووقائع
يعيشها أو يعايشها في محيطه الاجتماعي، موائماً هذه المرة بين المسرحية
والرواية ولكن بعد أن تخلصت لغته من انشائية البدايات وانزياحاتها. وربما
يكون توصيف هذه المرحلة الختامية من مؤلفاته بالروايات المسرحية أقرب الي
الدقة، وهو توصيف قد لا يملك قيمة معيارية علي أساس أن الكتابة الحديثة
كثيراً ما جمعت بين عدة أجناس أدبية وفنية بل كثيراً ما أعدت الروايات
مسرحياً لتعرض علي الخشبة بل ان أعمال سعد الله الأخيرة تتضمن هذا
الاحتمال الفني لامكانيات الشاشة السينمائية أو التلفازية كفضاء عرض، ومع
ذلك لا ينبغي أن ينكر المرء هذه المتعة التي يمكن تحصيلها من قراءة هذه
الأعمال وهي متعة أدبية، تشبه ما يجنيه المرء من قراءة الروايات الأدبية
المحضة، وهذا شيء لصالح ما يكتبه سعد الله بالتأكيد، بل أعتقد أن هذا
الشيء هو ما جعل عمله علي هذا النحو من الأهمية، اضافة الي هذه الجرأة في
تناول الواقع نقدياً بوقائعه وشخوصه المعاشة حتي أن أولي هذه الروايات
تأخذ عنواناً مباشراً للدلالة علي راهنية ما تتحدث عنه، وأقصد بها مسرحيته
يوم من زماننا ..
يبين سعد الله من خلال هذه المسرحية أحد جوانب الفساد في المجتمع وهو جانب
الدعارة، ليس بجانبه الوجودي كعلاقة اعتبارية بين الرجل والمرأة وان حصل
ذلك كنتيجة وانما في تدخلها في عمل المؤسسات كرشوة أو كمصيدة لمحاربة
النزاهة وما الي ذلك، وفي تفشيها بين شرائح الفقراء كمحاولة لتحسين ظروفهم
وما يتبع ذلك من مشاكل أخلاقية تطال حتي الرموز الدينية ليؤدي في المحصلة
الي هزيمة أبرز المعاني الانسانية التي تربط الرجل بالمرأة وهو الحب الذي
ينسحب ممثلوه من الحياة دون أدني مقاومة وكأن قدراً محتماً لا مهرب منه
سوف يقضي علي أيّ عاشقين يرغبان في إعلاء شأن الحب أو يحاولان احياءه بل
ما هو أشد غرابة من ذلك أن هذا القدر الذي يتمثل بالظروف الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية، سوف يأخذ، وعلي النقيض من منظومة سعد الله
العلمانية أو الحداثوية، بعداً طهرانياً يبدو الحب فيه وكأنه خطيئة ينبغي
أن يحاسب عليها أيّ عاشق أو عاشقة يقترفانها بعيداً عن المؤسسة الزوجية
واستمرارها ليس انتصاراً للقوة الذكورية المتحكمة في المجتمع ولكن كنتيجة
حتمية لهيمنة هذه القوة ونفي أيّة امكانية للتغلب عليها كما هي الحال في
مسرحيته أحلام شقية ، لكن فهم القدرية باعتبارها شرطاً تاريخياً قد لا
يسوغ اعتبار الحب خطيئة ينبغي التطهر منها، بل ما هو أنكي من هذا الفهم أن
سعد الله يتبني هذه القدرية الطهرانية في مسرحيته الأيام المخمورة حتي بعد
أن تخلص العاشقان من شرطهما التاريخي المتخلف.
أيضاً استحوذت العلاقة بين المرأة والرجل علي تفكير سعد الله في مسرحيته
طقوس الاشارات والتحولات ولكن برؤية أكثر حراكاً من المسرحيات السابقة علي
الرغم من أنها مستمدة من تاريخ العرب ما قبل النهضوي، وهي مسرحية تحاول،
اذا ما أمعنت التفسير في احتمالاتها، أن توضح أهمية الاهتمام بثقافة
الجسد، بطاقاته الفنية كالرقص مثلاً، باعتباره حاجة طبيعية ينبغي أنسنتها
بعيداً عن طقوس الاسراف أو الزهد في التعامل مع حاجات الانسان الأساسية
ومنها الجنس، والا راوح المجتمع في الدوران حول حلقة المحرم والعصيان
المستتر و فيها، ولكن سعد الله رصد هذه الحلقة عبر ظاهرتين معاكستين:
الأولي هي ممارسة السادة الرجال للجنس مع خادماتهن قبل بلوغهن وتحويلهن
بالتالي الي عاهرات يعترف المجتمع بشرعية وجودهنّ في وسطه، والثانية هي
المكاشفة في العلاقات الجنسية المشبوهة حتي الشاذة منها لاتخاذ هؤلاء
السادة من الغلمان مناهل جنسية، ولكن بما يكفل التراتبية الاجتماعية بين
السادة والخدم أو العاهرات من جهة والهيمنة الذكورية من جهة أخري.
لكنّ المسرحية تفترض اختراقاً لهذه التراتبية كأن تقوم امرأة من السادة ـ
وتحت رغبة عارمة لجسدها بالانطلاق والتحرر لم تشبعها بزواجها من رجل سيد
اعتاد معاشرة العاهرات هو نقيب الأشراف ـ بالتحول من امرأة سيدة الي غانية
أو عاهرة تبيع جسدها، ملبيّةً بذلك أصداء أصوات عاشتها من خلال اغتصاب
أبيها وأخوتها الذكور للخادمات في حرمة البيت الذي ولدت وتربت فيه، مع
ملاحظة أن هذه المرأة أبدت رغبة في الرقص أكثر من الجنس لتسويغ تحولها
هذا، ولكن ماذا تفعل اذا ما ارتبط الرقص بالعهر في مجتمعها؟ طبعاً هذا
المجتمع سوف يتصدي لهذه الظاهرة الجديدة بالمفهوم الطهراني ذاته فيتم
اصدار فتوي بتحريم البغاء لتقتل المرأة علي يد شقيقها الأصغر بينما يقتل
زوجها شهوات جسده عن طريق الزهد والتصوف. فتكتمل بذلك حالة الفصام الشرقي
بين ما هو ظاهر وما هو مخفيّ، بين تقشف الروح وشهوانية الجسد، بين حلال
الرجل وحرام المرأة...أفكار مرتبكة ومربكة لا تؤسس الا لحكايتها التي
تحاكي واقعاً تدعي أنها تنقده، كأن سعد الله دخل حقاً نفقاً مظلماً لا
نهاية لالتواءاته وتعرجاته.
آخر هذه الالتواءات كانت مسرحيته ملحمة السراب التي تقوم بدورها علي
ثنائية اقتصادية حادة التناقض بين انفتاح اقتصادي هو بطبيعته يفتح المجال
أمام متع الحياة وأفراحها والواقع المتخلف والفقير الذي يرتضي من الحياة
أغانيها، وعلي ما يبدو أن سعد الله ينحاز الي الواقع الثاني للحفاظ علي
الحياة الريفية ببساطتها وبمعانيها عن الحب والأسرة والأرض باتخاذه لموقف
مسبق من المشروع السياحي الذي يقيمه رجل يصفه سعد الله بالغاوي الذي يتبع
شيطانه، متناسياً ربما أن العمل السياحي هو نتاج حداثوي، وليس بالضرورة أن
يلغي الحب أو الأغنيات القديمة، وان كان يساعد بما يوفره من غني وتنوع علي
مكاشفة الانسان لرغباته وتطلعاته والخوض في هذا أري أنه يحتاج الي وعي
أعمق بالوجود لا يبدو أنه كان متوافراً لدي شخصيات مسرحيته التي انقسمت
بين مقبل بشراهة علي هذا المشروع وما يتيحه من متع عديدة وزاهد به
وبالحياة كلها، بل أن يحتال هذا الغاوي علي رجال القرية في النهاية أمر لا
يفند أهمية قيام مثل هذا المشروع، فضلاً عن أن الذاكرة العربية عبر تاريخ
حضارتها الواسع مؤسسة علي الانفتاح الذي يمكن وصفه اليوم بالسياحي، لكن
يمكن القول: ان الفساد المتفشي في مؤسسات المجتمع ومعاملات الناس فيما
بينهم حتي التجارية والصناعية منها بغياب قانون يعطي لكل ذي حق حقه قد
يبرز سلبية التطلعات الحداثوية وخاصة اذا ما تمثلت بالمظاهر المتعوية التي
تحتاج الي منظومة من التفكير حرّة أو متحررة، وربما هذا ما انعكس علي
أوليات سعد الله وتفكيره فيما يكتبه اما بنزوع مقاوم قد لا يصلح لمجتمع هو
شره بتكوينه وان يبدي غير ذلك كعادته، واما بنزوع نقدي يستطيع أن يعي
مواطن الضعف والهزيمة ولكن بلا رؤية ابداعية واضحة يمكن أن تحرض علي فعل
مغاير ومختلف، وربما هو فعل يحتاج الي وعي أكثر امتداداً من الواقع الضيق
الذي خاض آلامه واخفاقات أحلامه.
وعلي هذا الأساس شكلت مسرحيته منمنمات تاريخية استجابة لهزيمة الواقع أكثر
من رغبة في تخطيها، وهي ان كانت تحمل في معظم مستوياتها عرضاً لأشكال
الهزيمة كما هي أعماله الأخري بما لا يدعو الي مزيد من التفكر، الا أنّ
سؤالها أو امتحانها للمثقف أو العالم ربما قد جاء سؤالاً نافلاً وربما في
غير محله علي اعتبار أن مفكراً وعالماً مثل ابن خلدون يتمثل منظومة فكرية
لم يُستنفذ قولها ومفعوله وحسب بل هي بشموليتها وبراغماتيتها قد لا تصغي
كثيراً الي ما يصغي اليه سعد الله عن أخلاقية القول ودلالة ما يفعله
قائله، بمعني أن أهمية ابن خلدون تكمن في أنه استطاع أن يكتشف علماً كان
يستطيع العرب الافادة منه لو أرادوا بينما تتباكي مسرحية مثل منمنمات
تاريخية علي ما حصل للعرب وعلي ما يحصل لهم ولم يكن بوسع ابن خلدون أن
يرده لو ترك قلمه وامتشق سيفاً ليموت داخل أسوار دمشق أو قلعتها، أما أن
تحتاج الشعوب الي مواقف مفكريها ومبدعيها فهذا قد لا يعني شيئاً مهماً
طالما أن صحة المواقف قد لا تعني صحة السبل والطرق التي يمكن أن توصل
الشعوب الي تحقيق طموحاتها، وما لدي ابن خلدون هو علم يحتاج الي القوة لكي
يؤكده وانما كانت خيانته نتيجة لخيانة الواقع لأفكاره، وهذا لا يسوغ شيئاً
بقدر ما يوضحه. هل أوضح سعد الله ونوس الواقع؟ ربما أوضح واقعاً مهزوماً
فاته أن يعرف كيف يصوغ أسئلته.
---------------------------------------------
منقول
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
لمن لديه اشكالات منهجيّة أو معرفيّة فليتفضّل
خاص بتلاميذ بكالوريا آداب
نظام جديد
خاص بتلاميذ بكالوريا آداب
نظام جديد
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
موضوع /مقالة في رسالة الغفران
موضوع /مقالة في رسالة الغفران
الموضوع:لا تعدو الادوات القصصية و التخيلية فى قسم الرحلة من رسالة
الغفران ان تكون وسائل فنية لإخراج الموضوعات النقدية ذات الابعاد
المختلفة فى شكل فنى مستظرف.
حللّ هذا القول وناقشه مستندا الى شواهد دقيقة ممّا درست في رسالة الغفران.
لمحة حول تفكيك الموضوع:
لا تعدو=لا تتجاوز
العناصر: العنصر الاول:
لاتعدوالادوات القصصية و التخيلية فى قسم الرحلة من رسالة الغفران ان تكون وسائل فنية لاخراج الموضوعات
النقدية ذات الابعاد المختلفة
تقسيم العنصر
الادوات القصصية:السرد.الاحداث.الوصف: الاحوال.الحوار: الاقوال.
:{ملاحظة**:هناك فرق بين اليات واساليب القصّ وبين ادوات القص: اساليب
القص تتمثل فى الشخصيات و المكات والزمانوالسرد و الوصف والحوارو الرؤى...
//اما الاركان قى ثلاث المجالات التى ذكرناها سابقا(الادوات القصصية:السرد.الاحداث.الوصف: الاحوال.الحوار: الاقوال.)
ثانيا هناك الادوات التخيلية: التهويل و التحويل والتركيب و ليس لها علاقة
بمصادر الخيال مع اعطاء شواهد لها وفى كل تحليل للادوات سوى كانت قصصية او
تخيلية نحلل بعدها الموضوعات النقدية وبعد ذلك ابعادها مثال" السرد ثم
النقد ثم الابعاد التّي يطرحها النّص العلائي"
العنصر الثّاني : النّقاش:
المتمعن قى قسم الرحلة يلاحظ عدم وجود ادوات قصصية وانما اساليب اخرى
كالشخصيات و الرؤى والمكان والزمان...والعديد من الاساليب لاخرى و التى
لها الموضوعات النقدية وابعادها ايضا مع اعطاء شواهد....
الموضوع:لا تعدو الادوات القصصية و التخيلية فى قسم الرحلة من رسالة
الغفران ان تكون وسائل فنية لإخراج الموضوعات النقدية ذات الابعاد
المختلفة فى شكل فنى مستظرف.
حللّ هذا القول وناقشه مستندا الى شواهد دقيقة ممّا درست في رسالة الغفران.
لمحة حول تفكيك الموضوع:
لا تعدو=لا تتجاوز
العناصر: العنصر الاول:
لاتعدوالادوات القصصية و التخيلية فى قسم الرحلة من رسالة الغفران ان تكون وسائل فنية لاخراج الموضوعات
النقدية ذات الابعاد المختلفة
تقسيم العنصر
الادوات القصصية:السرد.الاحداث.الوصف: الاحوال.الحوار: الاقوال.
:{ملاحظة**:هناك فرق بين اليات واساليب القصّ وبين ادوات القص: اساليب
القص تتمثل فى الشخصيات و المكات والزمانوالسرد و الوصف والحوارو الرؤى...
//اما الاركان قى ثلاث المجالات التى ذكرناها سابقا(الادوات القصصية:السرد.الاحداث.الوصف: الاحوال.الحوار: الاقوال.)
ثانيا هناك الادوات التخيلية: التهويل و التحويل والتركيب و ليس لها علاقة
بمصادر الخيال مع اعطاء شواهد لها وفى كل تحليل للادوات سوى كانت قصصية او
تخيلية نحلل بعدها الموضوعات النقدية وبعد ذلك ابعادها مثال" السرد ثم
النقد ثم الابعاد التّي يطرحها النّص العلائي"
العنصر الثّاني : النّقاش:
المتمعن قى قسم الرحلة يلاحظ عدم وجود ادوات قصصية وانما اساليب اخرى
كالشخصيات و الرؤى والمكان والزمان...والعديد من الاساليب لاخرى و التى
لها الموضوعات النقدية وابعادها ايضا مع اعطاء شواهد....
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
موضوع 2
قيل"إنّ ما يبدو لقارئ رسالة الغفران أوّل وهلة كلاما لانظام له ولا منطق ولا ترتيب إنّما يخضع إلى نظام صارم دقيق،
كلّما جوّدنا النّظر فيه ازددنا تعجّبا من إحكامه".
برهن على صحّة هذا القول.
قراءة الموضوع وفهمه :
1قراءة الوضوع :
- يقوم نصّ المعطى على جزأين :
*جزأ أوّل يتّصل بقراءة متعجّلة تكتفي بالظاهر من النّص فلا ترى فيه إلاّ أبنية سطحيّة .
*جزء ثاني بقراءة متأنّية تغوص في النّصّ لتكشف عن بنية عميقة.
--- الفكرة الأولى فيها إثبات لوجود نظام صارم دقيق.
--- الفكرة الثّانية تدعم الأولى وتؤكّدها وقد صيغت في تركيب تلازمي يربط بين سبب( تجويد النّظر) ونتيجة (ازدياد التّعجّب
من تماسك النّظام واحكامه ).
2فهم الموضوع:
تفضي قراءة الموضوع قراءة متأنّية إلى استخلاص مايلي:
-أ- في المعطى:
-يتناول القول رسالة الغفران بقسميها ولا يقتصر على الرّحلة وحدها.
-يجعل القول القراء درجات:
* درجة اولى تبدو فيها الرّسالة كلاما لا نظام له ولا منطق ولا ترتيب .
*درجة ثانية تصبح فيها الرّسالة كلاما ذا نظام صارم دقيق. ويمطن توزيع هذه الدّرجة على مراتب حسب نسبة التّجويد النّظر.
------الدّرجة الثّانية من القراءة تحوّل القارئ من متقبّل سلبي إلى فاعل إيجابي ينفذ من ظاهر الكلام إلى باطنه فيهتدي إلى نظامه.
------وردت في القول ثلاثة مفاهيم تتعلّق بخصائص الكلام في "الرّسالة" وهي
النّظام والمنطق والتّرتيب .وهذه المفاهيم متعالقة تعالقا وثيقا ذلك أنّ
النّظام بناء يخضع في هندسته إلى منطق داخلي تتولشج فيه شبكة العلاقات
ويقتضي ترتيبا معيّنا للعناصر المكوّنة للنّظام النّصّي.
------يكشف القول عن موقفين من رسالة الغفران متقابلين لأنّ كلّ واحد منها ينبثق عن إحدى درجتي القراءة . لذا فالمعطى حجاجي
فيه نقض لأطروة وبناء لأخرى.
-ب- في المطلوب:
-يدعو نصّ المطلوب إلى تدعيم القول والبرهنة على صحّته .
-تتطلّب البرهنة الإستعانة بشواهد من" رسالة الغفران" لتحقيق الإقناع.
-لا يدعو المطلوب الى مناقشة القول.
قيل"إنّ ما يبدو لقارئ رسالة الغفران أوّل وهلة كلاما لانظام له ولا منطق ولا ترتيب إنّما يخضع إلى نظام صارم دقيق،
كلّما جوّدنا النّظر فيه ازددنا تعجّبا من إحكامه".
برهن على صحّة هذا القول.
قراءة الموضوع وفهمه :
1قراءة الوضوع :
- يقوم نصّ المعطى على جزأين :
*جزأ أوّل يتّصل بقراءة متعجّلة تكتفي بالظاهر من النّص فلا ترى فيه إلاّ أبنية سطحيّة .
*جزء ثاني بقراءة متأنّية تغوص في النّصّ لتكشف عن بنية عميقة.
--- الفكرة الأولى فيها إثبات لوجود نظام صارم دقيق.
--- الفكرة الثّانية تدعم الأولى وتؤكّدها وقد صيغت في تركيب تلازمي يربط بين سبب( تجويد النّظر) ونتيجة (ازدياد التّعجّب
من تماسك النّظام واحكامه ).
2فهم الموضوع:
تفضي قراءة الموضوع قراءة متأنّية إلى استخلاص مايلي:
-أ- في المعطى:
-يتناول القول رسالة الغفران بقسميها ولا يقتصر على الرّحلة وحدها.
-يجعل القول القراء درجات:
* درجة اولى تبدو فيها الرّسالة كلاما لا نظام له ولا منطق ولا ترتيب .
*درجة ثانية تصبح فيها الرّسالة كلاما ذا نظام صارم دقيق. ويمطن توزيع هذه الدّرجة على مراتب حسب نسبة التّجويد النّظر.
------الدّرجة الثّانية من القراءة تحوّل القارئ من متقبّل سلبي إلى فاعل إيجابي ينفذ من ظاهر الكلام إلى باطنه فيهتدي إلى نظامه.
------وردت في القول ثلاثة مفاهيم تتعلّق بخصائص الكلام في "الرّسالة" وهي
النّظام والمنطق والتّرتيب .وهذه المفاهيم متعالقة تعالقا وثيقا ذلك أنّ
النّظام بناء يخضع في هندسته إلى منطق داخلي تتولشج فيه شبكة العلاقات
ويقتضي ترتيبا معيّنا للعناصر المكوّنة للنّظام النّصّي.
------يكشف القول عن موقفين من رسالة الغفران متقابلين لأنّ كلّ واحد منها ينبثق عن إحدى درجتي القراءة . لذا فالمعطى حجاجي
فيه نقض لأطروة وبناء لأخرى.
-ب- في المطلوب:
-يدعو نصّ المطلوب إلى تدعيم القول والبرهنة على صحّته .
-تتطلّب البرهنة الإستعانة بشواهد من" رسالة الغفران" لتحقيق الإقناع.
-لا يدعو المطلوب الى مناقشة القول.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
بارك الله فيك على هذا المجهود وان شاءالله تلاميذة البكالوريا يستفيدون من هذه المواضيع
soujoud-
- عدد المساهمات : 1768
العمر : 47
المكان : حي النور
نقاط تحت التجربة : 12705
تاريخ التسجيل : 07/12/2007
رد: في رحاب البكالوريا
soujoud كتب:بارك الله فيك على هذا المجهود وان شاءالله تلاميذة البكالوريا يستفيدون من هذه المواضيع
أتعرفين يا سجود مالّذي يحزن أيّ انسان واعي مثقّف في ولاية قفصة؟
طيّب جدّا ، الّذي يحزنني أنّ ولايتي قفصة آخر ولاية في الجمهوريّة التّونسيّة على مستوى الترتيب لنتائج الباكالوريا، هذا الّذي حدا بنا الى العمل الجماعي لتحسين صورة ولاية قفصة .
أختي سجود أرجو منك أن تكوني عضوة فاعلة في هذه الصّفة شاركي معنا حتىّ بالتّشجيع والتّوعية على العمل لتحسين النّتائج ، خصوصا أنّ جلّ القسام والمنتديات في "نسمة قفصيّة "لم تتطرّق الى هذه المواضيع الهامّة .
على العموم مشكورة آنسة سجود لاتنسي أن تخبري من عرفت من تلاميذ البكالوريا بهذا القسم :geek:
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
شكرا حمزة بالفعل حققت الافادة
ننتظر منك المزيد
ننتظر منك المزيد
سيف-
- عدد المساهمات : 879
نقاط تحت التجربة : 12194
تاريخ التسجيل : 23/02/2008
مسيرة أبي هريرة الوجودية : مفهوم المرض والرحيل
الإحداث في "حدث أبو هريرة قال"
نفلا عن الموقع التّربوي
لمحمود المسعـــدي
مسيرة أبي هريرة الوجودية : مفهوم المرض والرحيل
I- علاقة أبي هريرة بذاته : التجربة الحسية
بطل القصة أبو هريرة يعيش في مكة التي ترمز إلى الانغلاق والروابط
الاجتماعية والتقيد بالطقوس الدينية. فهو ملتزم بعباداته متزوج بطريقة
شرعية، يمثل الرجل التقليدي فارغ الكيان إلى أن يجيئه صديق له يدعوه إلى
الخروج عن المألوف" أصرفك عن الدنيا عامة يوم من أيامك" فالبعث الأول
منطلقه عوامل خارجية عن أبي هريرة الذي لم يكن مستعد للرحيل. كان الخروج
من مكة فجرا. هذا الفجر يرمز به إلى ابتداء المغامرة الوجودية . ويتجاوز
تحديد الزمان بتحديد المكان : الصحراء رمز الانطلاقة والحرية التي تقابلها
قيود مكة وانغلاقها ، على رمال هذه الصحراء اللطيفة سيتمتع أبو هريرة
وصديقه بمشهد الفتى والفتاة عاريين وهما يرقصان. هذا المشهد صرف أبا هريرة
عن صديقه فكان بدء الانفصال عنه وقد هزه الطرب. عندها يبدأ أبو هريرة في
التحول وذلك ما رغب فيه صديقه الذي عاد مرارا إلى هذا المكان ولبّى دعوة
الدنيا وقد لخص المسعدي هذه الدعوة في قول الفتى:" نعم دعوة الدنيا ، دعوة
الكون ، ترى هذه الأشجار وهذا الماء وهذا النور وهذا الفضاء وهذا الخلاء(ص
56-57).
أصبح أبو هريرة متهيئا لتلقي الدعوة. فقد عاد إلى مكة جسدا بلا روح يقول
"وبقيت عامة يومي مصروف البال إلى أمر الجارية وفتاها" لكنه لم
يتخلص بعد من ثقل الماضي فيقول " فكلما كان من الغد جمعت غرمي وأعرضت عن
الدعوة وعدت إلى الصلاة فقصيتها واستغفرت الله " فأبو هريرة يتأرجح بين
الصلاة والدعوة إلى الدنيا لم يمكنه التوفيق بينهما في حين أن صديقه قرر
مصيره فاتخذ جارته وترك أهله فكأن الزواج بمفهومه الشرعي لا يتناسب
والتجربة الحسية...
وينتهي أبو هريرة باللحاق بصاحبه. لقد فشل في العودة الى واقعة فيقول فذهب ذلك بما تضعت من العزم فكان البعث" .
كان البعث الأول إذن بعث الحس في الإنسان وقوة الطبيعة *** وطبيعة كانا
غائبين عنه : *** يستره بنياب وطبيعة يقيدها بدين يقول الأستاذ توفيق بكار
في تقديمه ص 21 "فيستجيب فيترك مكة والزوجة والصلاة وقد " بعث من بين
الأموات" إلى الفردوس .. ليس فردوس السماء الذي ما فتىء يحلم به حتى أحياه
بنفخة من طينة من جنة موعودة الى جنّة موجودة – مدى البعث مجازيا
ومداه دلاليا انقلاب في التفكير من لا هويته مغرقة ترتقي بكل الحياة إلى
الآخرة."لهم الدنيا ولنا الآخرة" إلى إنسانية معتدة تنزل بكل الحياة إلى
الدنيا حتى تعمل لها " كأنها تعيش أبدا .. فكأنما "عدت الروح " إلى أبي
هريرة بعودته إلى" الطبيعة الأم" يتخذ معنة الحياة من زخر مائدتها . فهي
التي بعثته من رميم الرجل القديم الذي كأنه فهب إنسانا جديدا يسعى بكل
حواسه إلى ملاقاة الكون للعب من نبع الوجود ونكهته".
وريحانة هي التي سينطلق منها أبو هريرة في مسيرته في تجربة عاطفة
الحب معها. لهذا الاسم بعدان: بعد حسي من حيث علاقته بانتعاش الحواس وبعد
ثان تمثل في التجربة الحسية وهي رمز للمتعة الحسية ، شبيهة بأبي هريرة في
بعض خاصياته : هي نفور لا تستقر على حال وفي حديث المزج والجد" يتحدث عنها
رجل من الأنمار قائلا: أقبلت على شبان الحي وكنت منهم ، غفر الله لنا
جميعا فكانت تعاشر الواحد منا ، ثم تهجره إلى غيره ، وكانت في ذلك تلقي
لنا فتبسط الأيدي ، فتمسك عنا وتولي حتى تهيجنا كغبار في يوم إعصار"(ص61
– 62 ) فهي تأبى الزواج وتعتبره عبودية. وهي إلى ذلك تحس بالغربة إذ
لم تجد التجاوب مع أحد وهجرها للرجال دليل على أن الحس كما يتعاطاه الناس
ليس المقصود بل الحس فلسفة عندها وستعثر على ضالتها في أبي هريرة.
وتعرف بنفسها قائلة :" أنا آخرة قومي وقد أكلتهم النار جميعا " وقد أصر
المسعدي على قتل أهل ريحانة بالنار كما قتلت زوجة أبي هريرة بالنار أيضا
فما مدلول النار؟ للنارمدلولان: مدلول سلبي تمثل في الإتيان على كل شيء
ليكون رمز التخلص من القيم والقيود والثوابت الاجتماعية. وللنار مدلول
ايجابي باعتبارها عامل نضج يولّد إخصابا وعلاقة جديدة بين ريحانة وأبي
هريرة ، علاقة شبيهة بأسطورة أساف ونائلة رمز الخطيئة وتحدي القيم فتكون
ريحانة الأرض التي تنتظر من يخصبها وقد قدم المسعدي لوحة فيها عملية
الإخصاب في حديث القيامة " فشبه الحس بالزوبعة الممطرة (ص 84) " فما كدت
أبرح الضيعة حتى جاءت المعصرات بالأنواء وكان البرق يستطير فتنطلق السماء
وركامها والأشجار والجبال... فالمطر فالريح فالشدة فأنا أملأ ما أكون"
ويضيف المسعدي عنصرا إضافيا للإخصاب الماء فبقدر ما عبر العنصر الأول "
النار" عن النضج مثل الثاني الحياة.
لا يعتبر الحس مجرد متعة مبتذلة بل تجربة مقدسة جعلت بيت ريحانة- قبل أن
تنتقل مع أبي هريرة إلى منزل بالمدينة – في الطريق الواصلة بين مكة
والمدينة حجا آخر " الناس بين داخل وخارج" وريحانة في اختلافها عن النساء
لا تمثل المرأة بقدر ما تمثل بعدا من أبعاد الكيان البشري فالإنسان لا
يخضع بحسّه إلى أي نظام اجتماعي بل يعود به إلى العالم الفطري فالتجربة
رمز إليها بريحانة هي تجربة الإنسان الفطرية والتخلص من القيم ليس معناه
التمرد على المجتمع بل عودة إلى ما قبل المجتمع (وهذه التجربة الحسية في "
حدث أبو هريرة قال" نزلت إلى الإجراء، التطبيق وقد نظرت لها ميمونة في
دعوتها غيلان ان يمكنا يوما في الكهف (في السد الذي ألفه محمود المسعدي
لاحقا لحدث أبو هريرة قال).
ستلتقي ريحانة مع أبي هريرة في حديث" التعارف على الخمر" فيشتركان في
نزولهما ضيقين في حي من أحياء العرب وقد تم التعارف في مجلس الخمر أي عالم
الحس. هذا التعارف انتهى بدخول ريحانة دين الحس. وقدمت صورة تعارف ريحانة
بأبي هريرة في شكل صراع تقول" وهممت ألطم وجهه لطمة تذهب بخمره" لكن أبا
هريرة أحسن التملك فننصهر فيه رياحانة لتصبح جزء منه فتقول " فما كدت أهم
به حتى أخذني واحتملني وأنا اضطرب، فجعلني تحت سمره إلى الأرض وانصب علي
فوجدته صاحبا من أشد الرجال ثم شدني إليه حتّى صرت منه (ص 71-72)
هذا الانصهار دلالة على كون ريحانة جزء من أبي هريرة ، جانب الحس في الإنسان وهو بعد من أبعاده.
وحديث " القيامة" يصف بداية ممارسة التجربة الحسية بينهما في إطار مكاني
يوحي بالغرابة والرهبة لتعميق مفهوم الحس ليجعل الكون كله قائما على
الإخصاب فالحس ليس مكتسبا بل هو فطري يقول المسعدي في "تأصيل الكيان " إن
سر البقاء وتواصل الحياة هو التجربة الحسية ولو لا المتعة الحسية لما وجد
الإنسان".
II – علاقة أبي هريرة بالكون : محطة تأملية
إن ممارسة التجربة الحسية التي اندفع فيها أبو هريرة بكل حواسه والتي تقول
فيها ريحانة في حديث "الوضع" "وأكلته فأكلني وأفنيته وأفناني (ص 102)
أورثته جوعا فنتيجة هذه التجربة الحسية سلبية إذ أن أبا هريرة غير قانع
بها لشعوره بنقصان كيانه فيقول لريحانة " لقد علمتني الطعام ما لذته.. فهل
علمتك باريحانة الجوع ؟ وهو إلى ذلك يشعر بالموت "زهرة على القبر" فتطرح
عليه قضية الوجود والعدم المتمثلة في إدراك الإنسان ووعيه بمآله : الفناء
(هذا الشعور أصاب أبطال المسعدي رغم عشقهم للحياة).
يبرز مفهوم المرض وتختلف الموافق بينهما : المرض عند ريحانة مرض جسدي عادي
فتسيل الدموع حرقة على أبي هريرة في حين يكون المرض عنده أزمة وجودية
تمثلت في رغبته في الابتعاد عن الجمود ولن يحدث ذلك إلا بتجاوز التجربة
الحسية بعد أن استنفد كل أنواع اللذة من العلاقة الطبيعية مع ريحانة إلى
التطرف في هذه التجربة مع مخنث المدينة.
نتبين خروج أبي هريرة من حالة الاطمئنان إلى حالة القلق التي ستؤدي
به إلى التحول باعتبار إن الحيرة والتساؤل من مسؤولية الإنسانية. فالمرض
إذن سيبعث الحياة والاستفاقة والإدراك بأن المتع لا تحقق إنسانية الإنسان.
ستؤدي بأبي هريرة إلى الرحيل إلى التفكير المستمر فهو يكره الأشياء السهلة
ويبحث عن الحقيقة. فالصحة تساوي الجمود في انعدام التساؤل وفي الاستقرار.
فهو يخاف الاستقرار إذ نقول فيه ريحانة في حديث " الوضع شديد الكره للنزول
يرتاد ولا ينزل ويقتله الطمع ويحييه اليأس ويخاف أن يستقر الجهد" ليصل إلى
مرحلة تأملية في رحلة الإيمان بعبثية الكون والحياة نتجت عن تجربة الحس
الفاشلة فعاش أبو هريرة دوامة من الحيرة والوحشة والتساؤلات الواردة في
المجلس الخمري حين قص حياة أخته المعاقة وتساؤلاته عن سبب إعاقتها فيكون
هذا المجلس الخمري منبها ليساعد على المأساة التي يعيشها البطل وتمثلت
أولا في عدم التلذذ بالخمرة (وهي عالم الحس) وثانيا في امتناعه الدال على
تأمله في هذا العالم الخمري الحسي الذي أصبح غريبا عنه. فهذا العالم
الخمري يصبح عاملا من عوامل تنشيط المأساة حيث يتدرج به ثالثا إلى إمساكه
عن الكلام لنتبين أنه يعيش حالة مخاض فكري : فعجزه عن فهم الوجود دلالة
على وصول البطل إلى أرقى مستويات التأزم الوجودي ليصل الى التفكير في
تحقيق ذاته بالفعل، بالبناء مع العدد .
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
– III –علاقة أبي هريرة بالمجتمع : تجربة العدد : التجربة الجماعية
يدخل أبو هريرة طور العزلة عن الناس في واد فتكشف له الريح عن جمجمة رمز
موت الإنسان وضعفه فزادته تأزما لكنه نام فحلم بالإنسان تأله وأخذ يشيد من
الطين صرحا فرغم ضعف الإنسان المخلوف من الطين (حسب التراث الإسلامي) ينشد
هذا الضعيف من الطين الخلود. فالحلم يأخذ معنى التصورات الفكرية: الفعل
فهذا الطين يضع ويبدع ومنه ينشد الخلود. أنذاك ينطلق أبو هريرة في التجربة
الجماعية من حالة العزلة الفردية إلى الفعل الجماعي، فهذا الحلم ألهمه"
القدرة الإنسانية الخلافة التي تنفي العدم".
وينطلق الحديث عن التجربة الجماعية بنتيجتها الفاشلة إذ يصف كهلان أبا
هريرة: فكان يحدثني حديث الميت يبعث كرها ويتوق إلى موته . فيبدي أبو
هريرة رأيه في الناس" عشت في الناس ثلاثين. فلم أرو الله في واحدة منها
إلا ذئبا ينهش ذئبا أو صاديا يشرب فيشتد صداه" (ص 149) ويقول (ص 51) خرجت
أريدهم على البناء وبذلك يركز على ومضات ورائية لذكر هذه التجربة. فقد
دعاهم إلى الخلق والتعاون وقعت هذه التجربة في مجتمع متخلف ينتظر " الحلول
الغيبية" لإنقاذهم من الفقر.دعوة أبي هريرة هذا العدد "دعوتهم" يفيد أن
التجربة لم تنبع من المجموعة ذاتها فيكون خطأ أبي هريرة من المنطلق إذ لم
يعودهم على العمل والبذل بل وفر لهم ما يشتهون فعلمهم التواكل عليه
فقالوا" دعانا داعي الرحيل قلت كأنكم مثلي لكن هيهات" فرحيل أبي هريرة
ايجابي لأنه قائم على البحث واستقصاء معنى الوجود في حين أن رحيل الجماعة
اكتسى معنى الحيرة الجوفاء ومجرد البحث عن الراحة والاستقرار فخرج بهم إلى
صحراء لحثهم على الخلق والتغيير فتآكلوا رمزا للتناحر الاجتماعي والفتن
والحروب.
ويبلغ أبو هريرة درجة الثائر الداعي إلى التمرد ومّما يؤكد نزعة الانا في
هذا العمل الاجتماعي والسياسي إن أبا هريرة قد جنى من هذه التجربة لذة
فيقول ووجدت في الفعل لمثل سكرة الخمرة وحسبته من العدد وخصب الكثرة "
لكنها تفشل فيقـــــــول ( ص 156) " هذه يا كهلان قصة الطالب الكثرة جئتهم
فسألتهم روحا فإذا هم أفرغ من نفخة إسرافيل" فتبين أن الأنا إذن هي باعث
التجربة الجماعية ، فهناك إرادة فردية للبناء لم تنبع من المجتمع فأبو
هريرة يريد البناء ليحقق ذاته في هذا البناء لذلك تفشل هذه التجربة ومن
ورائها المسعدي فإفشال تجربة العدد نتيجة لرؤية فلسفية ليواصل مسيرة أبي
هريرة الوجودية.
محطة تأملية ثانية : إن تجربة العدد تعقب بفترة تأملية مثل نظيرتها الفترة
التأملية التي أعقبت تجربة الحس. تطرح التساؤلات على أبي هريرة فإذا به
يعيش حيرة. هل يفهم الإنسان معناه حين يقتل الحس ؟
IV – علاقة أبي هريرة بالإله : التجربة الدينية الروحية
ويصعد أبو هريرة الى دير العذاري وقد حددت موقعه الجبلي راهبة الدير ظلمة
الهذلية بقولها " وكان قليلا من يطرق علينا لمنعه الجبل وشدة الدير وعسره
وانفصاله عن الأرض" فهو قريب من السماء رمز الغيب والماورائيات، ليكون
التعبد والانفصال عن الحس والعدد ويرغب أبو هريرة في التخلص من الحس ، هذا
التخلص الذي ستروضه عليه هذه الراهبة وتحدث المفاجأة وإذا بأبي هريرة يبعث
الحس في هذه الراهبة ظلمة انطلاقا من كلمة " اللذة" وإذا بسواكن الحس
تنفجر عندها وكانت قد كابدت للسيطرة على حواسها منذ حداثتها فيدخل أبو
هريرة في علاقة حسية وراء المحراب . أراد أن تصعده ظلمة إلى السماء
فأنزلها بدوره إلى الأرض وبذلك تفشل هذه التجربة الروحية ويهتدي البطل
إلى" أن الغيبة تطلب فلا تدرك" فتؤدي به إلى تأملات.
يعيش أبو هريرة فترة تأملية يستقي فيها نتائج هذه التجربة الروحية فيستخلص
أن الكائن البشري مركب من عدة أبعاد : لم يعش طمأنينة في الحس كما أنه لم
يعشها في الروحانيات دلالة على أن الإنسان لا يستطيع الانسلاخ عن طبيعته
فيرفض الحيوانية الصرفة ولا يستطيع التأله الإنساني.
أمّا الاستخلاص الثاني فيتمثل في رفضه للسبل المسلّمة التي يتطلبها التسليم للوصول إلى الاستقرار الروحي مما يؤدي ذلك إلى حيرته.
لم ينهزم أبو هريرة بل اكتسب جزء من كيانه ومن هنا نفهم رؤية المسعدي
للمأساة : تأرجح الإنسان بين الحيوانية والألوهية وهذه منزلة الإنسان
الأرضية- فلا يجد أبو هريرة الخلاص إلا بتجاوز هذه المأساة وهذا التجاوز
لا يكون إلا بتخطي الدهر الذي سيظهر في خاتمة " حدث أبو هريرة قال" " في
البعث الآخر".
المنتهى : البعث الآخر
قد صورت ظلمة أبا هريرة وما يشعر به من شوق إلى المطلق " فإذا عينه
أشد ما رأيت شوقا إلى ما لا تراه غيرها من العيون... وكان يقول ( أبو
هريرة) أليس فيكم من يحذق صنع الأصوات تحضر الآلهة وتكسر الزمان المحدود".
تنتهي به الرحلة إلى بعث أخر إلى ( معراج) تطلب فيه الغيبة فتدرك. يطلب
أبو هريرة من أبي المدائن أن يخرج به يوما ليس من الدهر خارجا عن محدودية
الزمان ويكون ذلك عند مغرب الشمس ( رمز نهاية مسيرة أبي هريرة). يصعدان
جبلا حزيزا ينشد النهاية. حركة أبي هريرة حركة تصاعدية من الرمال إلى قمم
الجبال دلالة على صعوبة الملتقى ووجود الحقيقة وتنتهي مسيرة أبي هريرة
بالرضي والقبول يقول " هذا ما كنت أطلب" رحلته لم تكن عبثا بل مكنته من
بناء كيانه ومفهوم هذه المسؤولية مستمد من الفكر الإسلامي الذي يفيد من
النصوص الدينية تحمل الإنسان مسؤوليته وتحقيق هذه المسؤولية سعي ترجم عنه
الشعر على لسان الهاتف – هاتف الغيب المسحون بمصطلحات صوفية كالحق
والحب. إن علاقة الحب بين أبي هريرة والله أول نتيجة يفوز بها بعد نجاحه
في القيام بمسؤوليته الإنسانية أما مصطلح الشوق فهو دافع أبي هريرة لهذه
الرحلة لحاجة المعرفة فرحلته تتعطش إلى المعرفة التي لم تستجب لها أية
تجربة فيجيب أبو هريرة على الهاتف بمفهوم الفناء في الله.
أما أبو المدائن فيمثل صورة من أبي هريرة في البعث الأول .وصف أبي
المدائن نهاية أبي هريرة وصف غامض فنحن أمام لوحة فيها صوتان: صوت حيواني
" صهيل " وصوت بشري " صحية" إلا أن الصوت الحيواني اقترن لحالة نفسية :
ألم والصوت البشري اقترن بحالة نفسية : فرح فيمكن أن يرمز بالألم إلى موت
الحصان أي موت الجانب الحيواني في الإنسان ويمكن أن يرمز بالفرح إلى صعود
أبي هريرة إلى السماء أي انعتاق الجانب الإلهي في الإنسان.
فلا أثر لموت أبي هريرة أ, انتحار لأن معنى الموت أو الانتحار ورد على
لسان أبي المدائن "وإذا دم على الصخر" فهل يجوز المسعدي الانتحار في
كتاباته ؟
إن المناجاة الصوفية في البعث الآخر لا يدل على معنى الانتحار فالانتحار
في الفكر الوجودي نهاية الإيمان بعبثية الحياة. ولو أراد الانتحار كسلوك
عملي لا ينتحر عند شعوره بالموت وعند الحديث عن أخته إن في " البعث الآخر"
يكتمل كيان أبي هريرة لأنه وصل إلى المعرفة في أرقى مستوياتها.
وعلاوة على مفهوم الرحمة اللغوي فإن مدلول الرحمة الحضاري يفيد
الغفران الذي يوحي بأن أبا هريرة قد تحول إلى عالم آخر ، عالم الخلود
ويعتبر الأستاذ توفيق بكار أن الخاتمة تفتح بابين للتأويل:
1/" أنا الحق يناديك" قد يكون الحق هو الموت فالإنسان لا يدرك الحقيقة إلا
عندما يموت فيكون أبو هريرة اختار الموت وهو شهيد لأن في الموت إدراكا
للحق.
2/ يمكن أن يكون أبو هريرة قد فني في الحق وذاب في المطلق فخرج عن الزمان
والمكاني ومن النسبة إلى المطلق ويكون قد اخترق الحدود بين الدهر والخلود
وقد أصاب معنى وجوده بالقصة قصة جهاد كلل بالنجاح وتكون مسيرة أبي هريرة
مأسوية إلى حديث " الجمود" إذ في البعث الآخر يفوز بعد البحث الطويل.
ويعتبر الأستاذ طرشونة في " الأدب المريد" أن فشل أبي هريرة ليس سوى نقل
لحقيقة المنزلة الوجودية فإرادة بلوغ عالم المطلق في حدث أبو هريرة قال
يجيلنا على جملة من التصورات الإسلامية تبعد المسعدي عن عبثية سيزيف وعن
الرؤيا الوجودية الغربية فلغة النصوص صوفية في" البعث الآخر" أساسا.
يدخل أبو هريرة طور العزلة عن الناس في واد فتكشف له الريح عن جمجمة رمز
موت الإنسان وضعفه فزادته تأزما لكنه نام فحلم بالإنسان تأله وأخذ يشيد من
الطين صرحا فرغم ضعف الإنسان المخلوف من الطين (حسب التراث الإسلامي) ينشد
هذا الضعيف من الطين الخلود. فالحلم يأخذ معنى التصورات الفكرية: الفعل
فهذا الطين يضع ويبدع ومنه ينشد الخلود. أنذاك ينطلق أبو هريرة في التجربة
الجماعية من حالة العزلة الفردية إلى الفعل الجماعي، فهذا الحلم ألهمه"
القدرة الإنسانية الخلافة التي تنفي العدم".
وينطلق الحديث عن التجربة الجماعية بنتيجتها الفاشلة إذ يصف كهلان أبا
هريرة: فكان يحدثني حديث الميت يبعث كرها ويتوق إلى موته . فيبدي أبو
هريرة رأيه في الناس" عشت في الناس ثلاثين. فلم أرو الله في واحدة منها
إلا ذئبا ينهش ذئبا أو صاديا يشرب فيشتد صداه" (ص 149) ويقول (ص 51) خرجت
أريدهم على البناء وبذلك يركز على ومضات ورائية لذكر هذه التجربة. فقد
دعاهم إلى الخلق والتعاون وقعت هذه التجربة في مجتمع متخلف ينتظر " الحلول
الغيبية" لإنقاذهم من الفقر.دعوة أبي هريرة هذا العدد "دعوتهم" يفيد أن
التجربة لم تنبع من المجموعة ذاتها فيكون خطأ أبي هريرة من المنطلق إذ لم
يعودهم على العمل والبذل بل وفر لهم ما يشتهون فعلمهم التواكل عليه
فقالوا" دعانا داعي الرحيل قلت كأنكم مثلي لكن هيهات" فرحيل أبي هريرة
ايجابي لأنه قائم على البحث واستقصاء معنى الوجود في حين أن رحيل الجماعة
اكتسى معنى الحيرة الجوفاء ومجرد البحث عن الراحة والاستقرار فخرج بهم إلى
صحراء لحثهم على الخلق والتغيير فتآكلوا رمزا للتناحر الاجتماعي والفتن
والحروب.
ويبلغ أبو هريرة درجة الثائر الداعي إلى التمرد ومّما يؤكد نزعة الانا في
هذا العمل الاجتماعي والسياسي إن أبا هريرة قد جنى من هذه التجربة لذة
فيقول ووجدت في الفعل لمثل سكرة الخمرة وحسبته من العدد وخصب الكثرة "
لكنها تفشل فيقـــــــول ( ص 156) " هذه يا كهلان قصة الطالب الكثرة جئتهم
فسألتهم روحا فإذا هم أفرغ من نفخة إسرافيل" فتبين أن الأنا إذن هي باعث
التجربة الجماعية ، فهناك إرادة فردية للبناء لم تنبع من المجتمع فأبو
هريرة يريد البناء ليحقق ذاته في هذا البناء لذلك تفشل هذه التجربة ومن
ورائها المسعدي فإفشال تجربة العدد نتيجة لرؤية فلسفية ليواصل مسيرة أبي
هريرة الوجودية.
محطة تأملية ثانية : إن تجربة العدد تعقب بفترة تأملية مثل نظيرتها الفترة
التأملية التي أعقبت تجربة الحس. تطرح التساؤلات على أبي هريرة فإذا به
يعيش حيرة. هل يفهم الإنسان معناه حين يقتل الحس ؟
IV – علاقة أبي هريرة بالإله : التجربة الدينية الروحية
ويصعد أبو هريرة الى دير العذاري وقد حددت موقعه الجبلي راهبة الدير ظلمة
الهذلية بقولها " وكان قليلا من يطرق علينا لمنعه الجبل وشدة الدير وعسره
وانفصاله عن الأرض" فهو قريب من السماء رمز الغيب والماورائيات، ليكون
التعبد والانفصال عن الحس والعدد ويرغب أبو هريرة في التخلص من الحس ، هذا
التخلص الذي ستروضه عليه هذه الراهبة وتحدث المفاجأة وإذا بأبي هريرة يبعث
الحس في هذه الراهبة ظلمة انطلاقا من كلمة " اللذة" وإذا بسواكن الحس
تنفجر عندها وكانت قد كابدت للسيطرة على حواسها منذ حداثتها فيدخل أبو
هريرة في علاقة حسية وراء المحراب . أراد أن تصعده ظلمة إلى السماء
فأنزلها بدوره إلى الأرض وبذلك تفشل هذه التجربة الروحية ويهتدي البطل
إلى" أن الغيبة تطلب فلا تدرك" فتؤدي به إلى تأملات.
يعيش أبو هريرة فترة تأملية يستقي فيها نتائج هذه التجربة الروحية فيستخلص
أن الكائن البشري مركب من عدة أبعاد : لم يعش طمأنينة في الحس كما أنه لم
يعشها في الروحانيات دلالة على أن الإنسان لا يستطيع الانسلاخ عن طبيعته
فيرفض الحيوانية الصرفة ولا يستطيع التأله الإنساني.
أمّا الاستخلاص الثاني فيتمثل في رفضه للسبل المسلّمة التي يتطلبها التسليم للوصول إلى الاستقرار الروحي مما يؤدي ذلك إلى حيرته.
لم ينهزم أبو هريرة بل اكتسب جزء من كيانه ومن هنا نفهم رؤية المسعدي
للمأساة : تأرجح الإنسان بين الحيوانية والألوهية وهذه منزلة الإنسان
الأرضية- فلا يجد أبو هريرة الخلاص إلا بتجاوز هذه المأساة وهذا التجاوز
لا يكون إلا بتخطي الدهر الذي سيظهر في خاتمة " حدث أبو هريرة قال" " في
البعث الآخر".
المنتهى : البعث الآخر
قد صورت ظلمة أبا هريرة وما يشعر به من شوق إلى المطلق " فإذا عينه
أشد ما رأيت شوقا إلى ما لا تراه غيرها من العيون... وكان يقول ( أبو
هريرة) أليس فيكم من يحذق صنع الأصوات تحضر الآلهة وتكسر الزمان المحدود".
تنتهي به الرحلة إلى بعث أخر إلى ( معراج) تطلب فيه الغيبة فتدرك. يطلب
أبو هريرة من أبي المدائن أن يخرج به يوما ليس من الدهر خارجا عن محدودية
الزمان ويكون ذلك عند مغرب الشمس ( رمز نهاية مسيرة أبي هريرة). يصعدان
جبلا حزيزا ينشد النهاية. حركة أبي هريرة حركة تصاعدية من الرمال إلى قمم
الجبال دلالة على صعوبة الملتقى ووجود الحقيقة وتنتهي مسيرة أبي هريرة
بالرضي والقبول يقول " هذا ما كنت أطلب" رحلته لم تكن عبثا بل مكنته من
بناء كيانه ومفهوم هذه المسؤولية مستمد من الفكر الإسلامي الذي يفيد من
النصوص الدينية تحمل الإنسان مسؤوليته وتحقيق هذه المسؤولية سعي ترجم عنه
الشعر على لسان الهاتف – هاتف الغيب المسحون بمصطلحات صوفية كالحق
والحب. إن علاقة الحب بين أبي هريرة والله أول نتيجة يفوز بها بعد نجاحه
في القيام بمسؤوليته الإنسانية أما مصطلح الشوق فهو دافع أبي هريرة لهذه
الرحلة لحاجة المعرفة فرحلته تتعطش إلى المعرفة التي لم تستجب لها أية
تجربة فيجيب أبو هريرة على الهاتف بمفهوم الفناء في الله.
أما أبو المدائن فيمثل صورة من أبي هريرة في البعث الأول .وصف أبي
المدائن نهاية أبي هريرة وصف غامض فنحن أمام لوحة فيها صوتان: صوت حيواني
" صهيل " وصوت بشري " صحية" إلا أن الصوت الحيواني اقترن لحالة نفسية :
ألم والصوت البشري اقترن بحالة نفسية : فرح فيمكن أن يرمز بالألم إلى موت
الحصان أي موت الجانب الحيواني في الإنسان ويمكن أن يرمز بالفرح إلى صعود
أبي هريرة إلى السماء أي انعتاق الجانب الإلهي في الإنسان.
فلا أثر لموت أبي هريرة أ, انتحار لأن معنى الموت أو الانتحار ورد على
لسان أبي المدائن "وإذا دم على الصخر" فهل يجوز المسعدي الانتحار في
كتاباته ؟
إن المناجاة الصوفية في البعث الآخر لا يدل على معنى الانتحار فالانتحار
في الفكر الوجودي نهاية الإيمان بعبثية الحياة. ولو أراد الانتحار كسلوك
عملي لا ينتحر عند شعوره بالموت وعند الحديث عن أخته إن في " البعث الآخر"
يكتمل كيان أبي هريرة لأنه وصل إلى المعرفة في أرقى مستوياتها.
وعلاوة على مفهوم الرحمة اللغوي فإن مدلول الرحمة الحضاري يفيد
الغفران الذي يوحي بأن أبا هريرة قد تحول إلى عالم آخر ، عالم الخلود
ويعتبر الأستاذ توفيق بكار أن الخاتمة تفتح بابين للتأويل:
1/" أنا الحق يناديك" قد يكون الحق هو الموت فالإنسان لا يدرك الحقيقة إلا
عندما يموت فيكون أبو هريرة اختار الموت وهو شهيد لأن في الموت إدراكا
للحق.
2/ يمكن أن يكون أبو هريرة قد فني في الحق وذاب في المطلق فخرج عن الزمان
والمكاني ومن النسبة إلى المطلق ويكون قد اخترق الحدود بين الدهر والخلود
وقد أصاب معنى وجوده بالقصة قصة جهاد كلل بالنجاح وتكون مسيرة أبي هريرة
مأسوية إلى حديث " الجمود" إذ في البعث الآخر يفوز بعد البحث الطويل.
ويعتبر الأستاذ طرشونة في " الأدب المريد" أن فشل أبي هريرة ليس سوى نقل
لحقيقة المنزلة الوجودية فإرادة بلوغ عالم المطلق في حدث أبو هريرة قال
يجيلنا على جملة من التصورات الإسلامية تبعد المسعدي عن عبثية سيزيف وعن
الرؤيا الوجودية الغربية فلغة النصوص صوفية في" البعث الآخر" أساسا.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
وعلي هذا الأساس نتبين بناء " حدث أبو هريرة قال" الخارجي :
1- التمهيد: تقديم شخصية أبي هريرة التقليدي(بعث أول)
: تحديد الإطار المكاني : الخروج من مكة إلى الصحراء
: تحديد الإطار الزماني : الفجــــر
2- الأزمة: تساؤلات البطل أبي هريرة عن إدراك المعرفة : مغامرة وجودية
تتناول جميع أطوار حياته.
3- الحـــل: معراج أبي هريرة : التجربة الصوفية(البعث الآخر)
"فحدث أبو هريرة قال" من الأدب الرمزي الذهني. أحداثها ليست بواقعية.
كل الإحداث ترمز إلى مسيرة أبي هريرة الوجودية من المبتدأ إلى المنتهى هذه
الإحداث تقمصتها شخصيات منها الشخصية الرئيسية البطل أبو هريرة وهي ترمز
إلى الإنسان في تحمل مسؤوليته الإنسانية في الوجود. ومنها الشخصيات
الثانوية التي ترمز إلى أبعاد الإنسان من الحس إلى الروحانيات (ريحانة و
ظلمة). هذه الإحداث عن طريق شخصياتها تستقطبها أطر مكانية تتناسب وسلوك
أبي هريرة في مسيرته من انغلاق إلى انفتاح حسي إلى الاقتراب من السماء إلى
الانعتاق ( مكة – الصحراء الرملية- المجالس الخمرية الدير في الجبل
الجبل الحزيز ). كل هذه المسيرة ستحدد بأطر زمانية داخلية خاصة منها ما
يرمز الى بداية مغامرة أبي هريرة الوجودية إلى منتهاها ( من الفجر إلى
مغرب الشمس).
إن معطيات السرد من أطره وشخوصه لا تقصد لذاتها وإنما استعملت ألفاظها
للدلالة على مفاهيم معنوية ذهنية فانتمى هذا الأثر إلى الأدب الرمزي
الذهني حيث يقع تجاوز المدلول المادي إلى المدلول المعنوي وهذا التجاوز هو
مذهب المسعدي في كتاباته حيث يصرح " ملتزم الرمز اجتهادا" فيجعل الشخصية
خلاصة الشخصيات.
هذا الأدب الرمزي من صنف الرمزية الوجودية إذ اتبع المسعدي مراحل
الوجودية الغربية الأربع : علاقة الإنسان بذاته وبالكون وبالمجتمع وبالله
تأثرا بها لكنه تصرف فيها ووظفها وفق هويّته الإسلامية : وهو إلى ذلك
يلتزم بخصوصيات هوتيه العربية رغم نزعته الإنسانية . يظهر ذلك في الرجوع
إلى التراث العربي كزمن خارجي فبدت البيئة عربية بصحرائها وبأسماء مدنها
وبنمط شخصياتها خاصة منها البطل "أبو هريرة " وبالشكل الأدبي " الأحاديث"
وبأساليبه العربية التي تذكرنا بأساليب أشهر الكتاب القدامى.
دليلة رداوي باللافي
أستاذة عربية
المصدر : " حدث أبو هريرة قال"
المراجع :- تقديم الأستاذ توفيق بكار" لحدث أبو هريرة قال"
- الأدب المريد للأستاذ محمود طرشونة
تضمين بعض التعابير
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
القضايا والمسائل اللّغويّة في رسالة الغفران
القضايا
والمسائل اللّغويّة في رسالة الغفران
-المعرّة-
مقتبس للفاءدة
لا تعد رسالة الغفران رائعة من روائع أبي العلاء
المعري وحسب، بل من روائع الأدب العربي والعالمي
أيضاً. وإذا كانت هذه الرسالة تشكل نصاً رحباً ومفتوحاً
لمختلف أنواع القراءات الفلسفية والفكرية ... والأدبية والنقدية فإن الموضوعية تقتضي أن يختار الباحث ميداناً واحداً من بين هذه
الميادين المعرفية التي تزخر بها رسالة الغفران.
لكن هذه الموضوعية سرعان ما تنحسر أمام ذاتية
الاختيار، فاختيار موضوع واحد من الغفران كي يكون مادة للتحليل والبحث، لا يعني البتة جوهرية هذا الموضوع على حساب الموضوعات الأخرى،
لأن
الشعر جوهري، والأدب جوهري، والنحو وهكذا بالنسبة للنقد
والقصِِ، إلخ. لذا فإن التخصيص قد يساعد المختص في تأمل
جوهر الفكرة "المعرية" ونظن أنها – أي الفكرة- واحدة في
الموضوعات جميعها مهما بدت مختلفة أو متباينة للوهلة الأولى.
ونحن عندما اخترنا المسائل اللغوية في رسالة الغفران مادة
للدراسة، كنا نعلم أن الموضوع وعر المسالك أكثر من
غيره، ولا تتأتى الوعورة من كون المعري أولى
موضوع اللغة اهتماماً خاصاً ومتميزاً في كلامه، ولا من بثه المسائل اللغوية في كل أرجاء رسالته، ولا من شهرة المعري باطلاعه على
غريب
اللغة وحوشيها "ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة لم
يعرفها المعري"* بل – وبالإضافة إلى كل ما سبق – المسائل
اللغوية ذاتها تحتاج إلى جهد كبير من أجل إحصائها
أولاً، ومن أجل تنظيمها وتبويبها وتحليلها ثانياً، فمنها ما هو خاص بلغة المعري، ومنها ما هو متعلق بالنقد الأدبي، ومنها ما هو
متصل
بالقراءات والموسيقى والعروض، ومنها ماله علاقة بالشروحات
اللغوية، أو بالخلافات بين النحويين. لقد رأينا أن
أجدى ما يمكن أن نقوم به في هذا البحث، هو
التوقف عند مجموعة من مجمل المسائل اللغوية المبثوثة في معظم صفحات الرسالة لتعرّف المعري اللغوي الذي قيل فيه : " الشيخ
بالنحو أعلم من سيبويه وباللغة من الخليل. »**
ثمة –في الحقيقة – معطيا ت كثيرة جعلت من أبي العلاء
المعري ذلك الرجل العالم والشاعر والحكيم والأديب واللغوي،
ومما لا شك فيه أن الوقوف عند هذه المعطيات
ودراستها وتحليلها يساعد كثيراً في فهم الآثار العلمية الكثيرة التي
تركها المعري، ولم يصل منها للأسف إلا القليل *** الذي زين خزانة الأدب العربي والعالمي.
ولا أظن أن الباحثين القدامى والمحدثين أهملوا جانباً من
الجوانب الكثيرة التي كان لها أثر كبير على ثقافة المعري،
فلقد تكلموا عن ولادة المعري ونشأته، وفقدانه للبصر،
وتتلمذه على يد أبيه وغيره من تلامذة ابن خالويه، وعن ترحاله إلى
طرابلس الشام وبغداد، واطلاعه على علوم الأقدمين من عرب وغير عرب.
وتطرق الباحثون مرات عديدة إلى أثر العلوم اليونانية في ثقافة المعري، وتعلمه المسيحية واليهودية. فالمعري "يعرف الديانات
والمعتقدات المختلفة، كما يعرف الفلسفة والتنجيم
والتاريخ والتصوف، وما يطوى في ذلك من ثقافات
يونانية وفارسية وهندية"(1).
لكن موضوعنا في هذه الدراسة لن يشمل هذه النواحي الفكرية
الفذة التي ملأت الأزمنة، وما يزال الناس مشغولين بها حتى
يوم الناس هذا. بل سيقتصر على قراءة صفة
واحدة من صفات المعري، وهي ولوعه بإحصاء غريب اللغة وشرحه والتعليق عليه ومن ثم استخدامه بصورة لم يسبقه إليها أحد. ولعل هذه
الصفة
هي التي حضت الدارسين – على اختلاف مناهجهم – على البحث
عن فكر أبي العلاء المعري المخبوء في تعقيد لغته، حتى قال
أحدهم " وأبو العلاء يتكلف الغريب ويتعمده، ليصد
عامة الناس وجها لهم، سواء في ذلك العلماء وغير العلماء، عن قراءته والظهور على ما فيه، وكأن أبا العلاء كان يكتب لهذا العصر
الحديث الذي نحن فيه وللعصور التي ستليه، وكأنه
كان يخشى على آثاره الأدبية أن يفهمها أهل
زمانه فيفسدوها ويشوهوها ويحولوا بيننا وبين فهمها. وكأنه إنما أقام من الغريب وقواعد النحو والصرف والعروض والقافية طلاسم وأرصاداً
شغل
بها أهل عصره عن هذا الكنز حتى لا يصلوا إليه .وحتى تسلم
لنا نحن خلاصته..."(2)
إن الثقافة اللغوية ساطعة كل السطوع في كل ما كتيه
المعري (فالفصول والغايات) يزخر بالشروح اللغوية، و(عبث
الوليد) يعج بالكلام على العروض والأوزان
الشعرية والمسائل النحوية، وفي (رسالة الملائكة) يتوقف المعري طويلاً عند الفوائد اللغوية ولا تخلو (رسالة الصاهل والشاحج) من حديث لغوي على ألسنة الحيوانات ولعلنا لا نبالغ إذا زعمنا أن هذه الثقافة اللغوية
هي
التي جعلت رسالة الغفران – كبقية رسائل المعري – طويلة
غنية، فالمعري في« الغفران"
لم يترك لفظة غريبة إلا توقف عندها وفصل في شرحها حتى قيل فيه« هو البحر الذي لا ساحل له في
اللغة"(3) وقيل أيضاً "سمع اللغة وأملى فيها كتباً، وله
فيها معرفة تامة" (4) وكان "عالماً لغوياً شاعراً " (5)
و"أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعري
اللغوي الشاعر (...) أخذ العربية عن أصحاب ابن
خالويه ومحمد بن عبد الله بن سعد النحوي .. وتصانيفه في اللغة والأدب
أكثر من مئتي مجلد (6) وإذا كانت رسالة الغفران تشمل موضوعات متشعبة ومتباينة، فإن الموضوع اللغوي يعد –برأينا- الأغزر والأهم في
هذه
الرسالة، ولعل بعض الباحثين المحدثين قد بالغوا كثيراً
عندما عدوا أن الغرض الذي سعى إليه أبو العلاء في
رسالته هو عرض الفوائد اللغوية، ولقد ذهب د. إبراهيم
السامرائي إلى أبعد من ذلك حينما اعتبر أن أبا العلاء قد اتخذ لغرضه في
عرض الفوائد اللغوية إطاراً أدبياً" يقوم على زيارته للنعيم وللجحيم وما يتصل بهذا من لوازم هي في جملتها من مشاهد العالم الآخر بنعيمه وجحيمه"(7) ومما تجدر الإشارة إليه ها هنا، هو أن الدكتور السامرائي، يخصص كتاباً كاملاً شاملاً للحديث عن المعري اللغوي، وينجح الباحث في وضع المعري في المكان المناسب بين علماء اللغة والنحاة، ويقر« أن أبا العلاء لغوي نحوي أديب ناقد أقل
بضاعته الشعر الذي عرف فيه، ولاسيما في عصرنا
هذا" ( ولكن لا ندري لماذا يضرب الدكتور السامرائي بهذا الإقرار عرض الحائط في قراءته لكتاب المعري (عبث الوليد) فمن يطلع على هذه القراءة التي قدمها الدكتور السامرائي سيجد أبا العلاء ضعيفاً
في
اللغة، هزيلاً في النحو، غير قادر على التمييز بين خطأ
الناسخ وخطأ الشاعر، نظن –مع تقديرنا الكبير لأعمال
هذا الباحث- أن الفرصة التي فاتت على الدكتور
السامرائي بإعداد معجم المتنبي ومعجم الجاحظ ومعجم ابن المقفع، عوضها
بإعداد سريع لكتاب حمل عنوان "مع المعري اللغوي" مما أدى بطبيعة الحا ل إلى هذا التباين في الرأي، فهو يعد المعري من النحويين المتقدمين تارة، ويعده من النحويين المتأخرين تارة أخرى عندما يتصدى لـ (عبث
الوليد)، لذا فإن الموضوع اللغوي، وإن كان الأغزر والأهم والأول على رأي الباحثة الدكتورة عائشة عبد الرحمن، فإنه لا يعد بأية حال- غرض
المعري من "الغفران" وإنني أميل في
تقويم أهمية الموضوع اللغوي في رسالة الغفران إلى رأي الباحث
الدكتور أمجد الطرابلسي الذي يقول في هذا السياق "إن كثرة الشروح اللغوية في "الغفران" وتنوع الطرق التي كان يتبعها
المتنبي في خلق المناسبات لها، دليل على أن هذه الشروح
لم تكن تأتي عرضاً أو اعتباطاً، وإنما كانت في
نفسها غرضاً أساسياً من أغراض هذه الرسالة" (9).
وللاستدلال على كبر الحيز اللغوي في "الغفران"
قمنا بعملية إحصاء بسيطة، فوجدنا أن الرسالة تتألف
من أربعمائة وخمس وخمسين صفحة، خصص منها المعري اثنتين وثمانين
صفحة للحديث عن المسائل النحوية وتأويل اللغويين على الشعراء،
فيتعرض لأبي علي الفارسي، وأبي سعيد السيرافي، وابن دريد، والخليل، وسيبويه والفراء، وللمدرسة البصرية والكوفية، فتراه يسخر من
قول
هذا اللغوي، ويدحض رأي هذا النحوي، ورواية هذه المدرسة
على تلك، ويغوص في مسألة خلافية، حتى ليكاد يشعر القارئ أنه
بعد كثيراً عن الموضوع المطروح في الرسالة،
ولعل هذه الاستطرادات اللغوية هي ما جعلت بعض النقاد يتهمون الرسالة بتشتت الفكر واضطراب السياق والمعري لم يكتف باستعراض أمثلة من الخلافات النحوية في هذه الصفحات الكثيرة المستقلة، بل تعرض في مواضع كثيرة إلى قضايا لغوية متفرقة، منها ما هو متعلق بالأوزان الشعرية، والموسيقى والعروض، والشروح اللغوية التي "تتوالى في جميع صفحات
هذا
الكتاب العجيب. فلا تكاد تمر لفظة إلا أسرع المعري إلى
شرحها وتوضيحها، سواء كانت هذه اللفظة المفسرة من كلامه
هو –وهو الأكثر الغالب- أم كلام منظوم أو منثور
قد استشهد به"(10) وها هو ذ ا المعري في افتتاح رسالته يبدأ في شرح ألفاظه "يقول: اللهم يسر وأعن، وقد علم الجبر الذي
أنزل إليه جبرائيل وهو في كل الخيرات سبيل، أن في
مسكني حماطة، ما كانت قط أفانية (...) والحماطة ضرب من الشجر يقال لها
إذا كانت رطبة أفانية فإذا يبست فهي حماطة"
ويستمر في شرحه وتعليقه واستشهاده بالشعر، وهذا الضرب من الشرح متعلق بلغته الخاصة، أما فيما يتعلق بلغة غيره، فإنه لا يكف عن التعليق عليها أيضاً:
فيتوقف المعري عند كلمة أغار التي كثر فيها الخلاف
"وإنما أذكرها لأنه قد لا يجوز أن يقرأ هذا
الهذيان ناشئ لم يبلغه:حكي "الفراء" وحده (أغار) من معنى غار، إذا أتى الغور، وإذا صح هذا البيت "للأعشى" فلم
يرد بالإغارة إلا الإنجاد"(12).
فالمعري، وبالرغم من كل ما قاله الأصمعي عن أغار وشرحه
لها بمعنى الإسراع والإنجاد والارتفاع، وما قاله الجوهري عن
هذه الكلمة التي لا تحمل دلالة أتى الغور، كما
زعم الفراء، فإنه يقرر بأن أغار –إن صح هذا البيت للأعشى- لم يرد إلا ضد الإنجاد.
ونراه من بعد يحمل ابن القارح نقداً لغوياً لبيت عدي بن زيد
الذي استشهد به سيبويه:
أراوح مودع أم بكور أنت فانظر لأي
حال تصير
فبالنسبة لسيبويه، يجوز أن يرتفع الضمير أنت بفعل مضمر
يفسره (فانظر) أما رأي المعري الذي يسوقه على لسان ابن
القارح، فإنه يستبعد هذا التأويل دون أن يقدم
البديل، ولا نظن أن المعري كان يقصد من رد
عدي بن زيد على كلام ابن القارح "دعني من هذه
الأباطيل " سوى السخرية من تأول النحاة
على الشعراء وقياسهم الشعر على ما ليس له علاقة بطبيعة اللغة.
تلاحظ الباحثة الدكتورة عائشة عبد الرحمن أن عدي بن
زيد في قوله دعني من هذه الأباطيل لم يكن يقصد تكلف النحاة
خاصة، وإنما أراد أنه في شغل بنعيم الجنة عن الشعر
والنحو والنحاة جميعاً، ونحن نزعم أن المعري ما قصد إلا ما تدل عليه كلمة الأباطيل عندما يرتبط معنى النحو بالتكلف في التأول، وبتخريج الشعر على غير ما فيه، ولا نعد أنه قبيل المصادفة يذكر كلمة الأباطيل مرتبطة بالنحو مرات عديدة في "الغفران" ففي المرة
الأولى يذكر هذه الكلمة ويربطها بالنحو على لسان عدي
بن زيد كما في المثال السابق. وفي المرة الثانية
يذكرها على لسان بشار بن برد "دعني من أباطيلك، فإنني لمشغول عنك" (الغفران،305) أما في المرة الثالثة، فإن كلمة
الأباطيل في مناسبة تأويل قول المتنبي "أذم إلى
هذا الزمان أهيله" (الغفران، 378). ناهيك عن ورود هذه
الكلمة في رسائل أخرى من رسائل المعري كرسالة الملائكة، ويجب أن لا
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
ننسى تعلق المعري بالسماع وتركه للتأول والقياس، بالإضافة إلى المآخذ الكثيرة التي كان يأخذها على آراء نحاة البصرة. من ذلك ما قاله
على
لسان القارح مخاطباً النابغة الجعدي، فكيف تنشد قولك:
وليس بمعروف لنا أن نردها صحاحاً ولا
مستنكراً أن تعقرا
أتقول: (ولا مستنكراً) أم (ولا مستنكر) فيقول الجعدي:
بل (مستنكراً).
فيقول الشيخ: فإن أنشد منشد (مستنكر) ما تصنع به ؟ فيقول
أزجره وأزبره.
نطق بأمر لا يخبره. فيقول الشيخ –طول الله أمد البقاء-
إنا لله وإنا إليه راجعون ما أرى سيبويه إلا وهم في هذا
البيت، لأن أبا ليلى أدرك جاهلية وإسلاماً، وغذي
بالفصاحة غلاماً.
وهذا رد واضح على رواية سيبويه برفع مستنكر وجواز جرها
ونصبها (13).
ويمضي أبو العلاء في ذكر هذه الخلافات على شكل حوار
مسرحي مشوق، فها هم علماء اللغة يجتمعون ويتحاورون ويختلفون
على وزن إوزة، ويسوق المعري في معرض الحوار
رأيه في تأول النحاة على لسان أبي عثمان المازني "تأول" من أصحابنا وادعاء، لأن إوزة لم يثبت أن الهمزة فيها زائدة "فيرد
عليه
الأصمعي بعد أن أخفق في إقناعه:
ريشت (جرهم) نبلاً فرمى« جرهماً" منهن فوق وغرار
تبعتهم مستفيداً، ثم طعنت فيما قالوه معيداً، ما مثلك
ومثلهم، إلا كما قال الأول:
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد
ساعده رماني
وينهض كالمغضب، ويفترق أهل ذلك المجلس وهم ناعمون
(الغفران، 276) ويدل هذا الحوار بين المازني
والأصمعي على أن الخلاف النحوي لم يكن حصراً على المذهبين
البصري والكوفي فالأول نحوي من نحاة البصرة المتقدمين، والثاني راوية وصاحب لغة ونحو وسبق المازني في مجالس البصرة، بل لم يكن النحاة جميعاً يلمون بالمذهبين وكان كثير منهم يحفظون آراء شيوخهم كثيراً من
نحو
المذهب الآخر مما يشير إلى أنه أصبح لكل مذهب نوع من
الاستقلال عن المذهب الآخر" (14).
لم يكن المعري شديد العصبية على نحاة البصرة، حتى لو أفصح
عن ميله لنحاة الكوفة. لأن السماحة العلمية التي كان
يتمتع بها المعري خليقة بأن تبعده عن أية عصبية
مذهبية ولعل الحوار الذي أشرنا إليه بين المازني والأصمعي يدل على ذلك، بالإضافة إلى تأييده بعض روايات سيبويه، كقوله لراعي
الإبل (عبيد بن الحصين النميري) "أحق ما روى عنك سيفي قصيدته (اللامية)
التي
تمدح فيها "عبد الملك بن مروان" من أنك تنصب
(الجماعة) في قولك:
أيام قومي والجماعة كالذي لزم الرحالة أن
تميل مميلا
فيقول: حق ذلك". ومثال آخر على موضوعية المعري في
تناوله للنحاة، وإنصافه لمن يقول الحق حتى لو كان بصرياً، بيت طرفة بن العبد:
ألا أيها الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد
اللذات، هل أنت مخلدي
فسيبويه يكره نصب (أحضر) لأنه يعتقد أن عوامل الأفعال لا
تضمر أما الكوفيون فإنهم ينصبون أحضر بالحرف
المقدر، ويقوي ذلك قول الشاعر وأن أشهد اللذات، ولكن
نصب أحضر ليس خاصاً بالكوفيين فها هو المازني يروي عن علي بن قطربا أنه سمع أباه "قطربا" يحكي عن بعض البعض نصب أحضر.
والحق أن المعري تعرض كثيراً في رسالته للغويين الذين
عدّوا النحو كله قياساً ونقد حججهم وفند آراءهم
وسخر من أحكامهم، لذا نجد أن نصيب أبي علي الفارسي من النقد والتعريض كبير في الغفران، وكان أبو علي الفارسي من أئمة القياس وهو القائل "لأن أخطئ في خمسين مسألة مما بابه الرواية أهون علي من أن
أخطئ في مسألة واحدة قياسية"(16).
ولعل مشهد أبي علي الفارسي والشعراء الذين يتحلقون حوله،
يجادلونه ويلومونه على طريقته الذهنية في استنباط
القواعد وتعليلها، هو من أهم المشاهد التي تتمحور على
الخلاف النحوي الذي كان محتداً في المرحلة الزمنية التي
سبقت المعري. ويظهر هذا بوضوح موقف المعري اللغوي من ذلك الخلاف.
يقول المعري:" وكنت قد رأيت في المحشر شيخاً لنا كان
يدرس النحو في الدار العاجلة، يعرف "بأبي علي
الفارسي" وقد امترس به قوم يطالبونه، ويقولون: تأولت علينا وظلمتنا،
فلما رآني أشار إلي بيده، فجئته فإذا عنده طبقة، منهم
"يزيد بن الحكم الكلابي" وهو يقول: ويحك، أنشدت عني هذا البيت برفع (الماء)
يعني قوله:
فليت كفافاً كان شرك كله وخيرك عني ما
ارتوى الماء مرتوي
ولم أقل إلا (الماء). وكذلك زعمت أني فتحت الميم في
قولي:
تبدل خليلاً، كشكلك شكله فإني خليلاً
صالحاً بك مقتوي
وإنما قلت "(مقتوي) بضم الميم" (الغفران،
246) وهكذا يمضي المعري في محاكمة أبي علي الفارسي
إلى أن يتدخل ابن القارح ليدافع عن أستاذه قائلاً: « يا قوم إن هذه
الأمور هينة فلا تعتنوا هذا الشيخ فإنه يمت بكتابه في (القرآن) المعروف بكتاب
الحجة) وإنه ما سفك لكم دماً، ولا احتجن عنكم مالاً"
(الغفران، 247).
وواضح من ذكر بيتي يزيد بن الحكم الكلابي، أن المعري
يعارض أبا علي الفارسي. ففي البيت الأول يرفع الفارسي
(الماء) على أساس أنه فاعل للفعل ارتوى، بينما
لا يقصد الشاعر إلا الماء بالخافض على مذهب أبي العلاء الذي يرى معنى الكلام "ما ارتوى من الماء مرتو" وعبارة نزع الخافض
هي عبارة أهل السماع الذين يفضلهم المعري على أهل
القياس.
وفي البيت الثاني يفتح الفارسي الميم في مقتوى، بينما
يفضل المعري ضم الميم كما أنشد الشاعر، وحجة المعري في
ذلك أن الميم المفتوحة لا تتعدى إلى شيء لأنه
ليس باسم فاعل، أما الميم المضمومة فقد جعلت كلمة مقتوي تتعدى إلى
(خليلاً) فإن قلت: إن باب (افعل) لا يتعدى فالجواب أن الشاعر يجوز أن يكون حمل ذلك المعنى فعداه. والمعنى: (فإني خليلاً بك خادم).
وإن
شئت نصبت خليلاً بفعل مضمر يدل على (مقتو)، فكأنه قال:
فإني أخدم أو أسوس أو أستبدل بك خليلاً. ودل (مقتو) على ذلك(17).
ومن نقد المعري لغلاة النحو والذين أساؤوا الرواية ما جاء
في حوار ابن القارح وامرئ القيس، عندما سأل الأول
الثاني، ماذا أردت بالبكر في قولك« كبكر المقاناة البياض بصفرة" فقد اختلف المتأولون في ذلك، فقللوا
البيضة، وقالوا: الدرة، وقالوا: الروضة، وقالوا:
الزهرة، وقالوا: البردية. وكيف تنشد البياض،
أم البياض؟ فيرد الثاني: كل ذلك حسن، وأختار (البياض) بالكسر. فيقول المعري على
لسان ابن القارح لو شرحت لك ما قال النحويون في ذلك
لعجبت"(الغفران، 306).
وليس غريباً أن يفضل أبو العلاء الرواة الثقات على
النحويين وهو العارف أن النحو أخذ أصلاً عن هؤلاء
الرواة، ولعل حكاية سيبويه مع معلمه حما د بن سلمة خير دليل
عندما ظن الأول أن ثمة لحناً في رواية الثاني لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: "ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء" فقال حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت (أي أنه ظن
أن
الصحيح هو قوله ليس أبو الدرداء باعتبار اسم ليس) وإنما
"ليس »
ها هنا استثناء، فرد سيبويه: لا جرم سأطلب علماً لا
تلحنني فيه ».
إن مذهب أبي العلاء في النحو واضح كل الوضوح، وهو يدل
دلالة قاطعة على الثقافة اللغوية التي كان يمتلكها هذا
العالم الجلي فاطلاعه على ما رواه الثقات جعله
يتوقف عند كل كلمة يشرحها ويبحث في تشعب دلالاتها، ويستبعد ما ذهب إليه بعض النحويين في إعرابها ضمن سياقها، كقوله في بيتي عمرو بن كلثوم:
فما وجدت كوجدي أم سقب أضلته فرجعت الحنينا
ولا شمطاء لم يترك شقاها لها من تسعة إلا جنين
يجوز نصب شمطاء من وجهين: "أحدهما على إضمار ر
فعل دل عليه السامع معرفته به، كأنك قلت: ولا أذكر
شمطاء، أي إن حنينها شديد، ويجوز أن يكون على قولك: ولا تنس
شمطاء، أو نحو ذلك من الأفعال، وهذا كقولك: "إن كعب بن مامة" جواد ولا "حاتماً"، أي إنه جواد عظيم الجود، قد
استغنيت عن ذكره باشتهاره. والآخر، أن يكون من ولاه المطر
إذا سقاه السقية الثانية، أي هذا الحنين اتفق مع
حنيني، فكأنه قد صار له ولياً، ويحتمل أن يكون من ولى يلي، وقلب الياء على اللغة الطائية" (الغفران، ص.ص 223،224). أو كقوله
في
بيت المتنبي "وأهل، كلمة أصل وضعها للجماعة، في قال:
ارتحل أهل الدار، فيعلم السامع أن المتكلم لا يقصد واحداً
بما قال، إلا أن هذه الكلمة قد استعملت
للأحاد، فقيل: فلان أهل الخير وأهل الإحسان (...) وكأن هذه اللفظة، أصلها أن تكون للجمع ثم نقلت إلى الواحد، كما أن صديقاً
وأميراً ونحوهما، إنما وضعن في الأصل للأفراد، ثم
نقلن إلى الجمع على سبيل التشبيه. وكذلك قولهم: بنو
فلان أخ لنا. ويقال: أهل وأهلة وأهلات في الجمع. قال
الشاعر:
فهم أهلات حول "قيس بن عاصم » إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا
وقال بعض النحويين في تصغير آل الرجل: يجوز أويل
وأهيل، كأنه يذهب إلى أن الهاء في أهل أبدلت منها
همزة، فلما اجتمعت الهمزتان جعلت الثانية ألفاً، ومثل هذا لا
يثبت. والأشبه أن يكون آل الرجل، مأخوذاً من آل يؤول إذ ا رجع، كأنهم يرجعون إليه أو يرجع إليهم.
وأورد المعري في "الغفران" الخلاف القائم
بين اللغويين في قولهم "فداء لك » يقول المعري في رده
على ابن القارح: ألا يعجب من قول العرب: (فداء لك) بالكسر والتنوين كما قال
الراجز:
ويهاً فداء لك يا "فضاله » أجره الرمح، ولا تباله
ويروي: (تهاله)
وذكر "أحمد بن عبيد بن ناصح" وهو المعروف
"بأبي عصيدة" أن قولهم (فداء لك) بالكسر إذا كان لها
مرافع، لم يجز فيها الكسر والتنوين. ولا ريب أنه يحكي ذلك عن العلماء
الكوفيين، وعينه في قوله "النابغة »:
مهلاً فداء لك الأقدام كلهم وما أثمر من مال
ومن ولد
فأما البصريون فقد رووا في هذا البيت: (فداء لك)
بالضم. وهكذا يمضي أبو العلاء رده على ابن القارح
في استعراض ثقافته اللغوية، التي – وإن بدت متأثرة بالنحو
الكوفي فهي محيطة إحاطة تامة ومعمقة بأقوال أئمة النحو البصري، لذا
فإن المعري يقف من المسائل اللغوية موقف المحلل المناقش الذي يستعرض الآراء مهما كان مصدرها فيردها أو يتبناها حسب ما يسمح له علمه الموسوعي ومنهجه العقلاني بذلك، وإذا كان الثراء اللغوي كان يمتلكه
المعري سبباً في علو مكانته العلمية بين عاماء
عصره فإنه السبب أيضاً في اختلاف الباحثين حول
قيمة أفكاره.
»فبينما يغالي (فون كريمر) A.V.Kremer في تقديره ويعده مفكراً أصيلاً يرى فيه "روزون » Rosen (...) على العكس من ذلك لغوياً لا مفكراً، يعنيه
التركيب البلاغي الفني أكثر من الفكرة، كما أن سعيه وراء
اللعب بالألفاظ كان يمكن أن يقوده إلى مسالك للفكر بعيدة عنه"(18).
ويذهب بروكلمان إلى أن نيكلسون مصيب في عقد مقارنة بين
المعري والشاعر الإغريقي يوريبيدس، فالإثنان فنان عظيمان
يعرفان كل تراث عصرهما من العلم، غير أنهما ليسا
مفكرين منهجيين.
غير أن المعري وبالرغم من كل ما قيل فيه يبدو في
"الغفران" مفكراً مطلعاً على شتى
المعارف الدنيوية، ملماً بشتى ألوان الحياة الدينية وهو مع ذلك لم يقحم القضايا الفلسفية التي كانت مزدهرة في عصره والتي نهل منها في صبر وأنا ة وعزلة في موضوعات لا تحتمل هذه القضايا، فالمسائل اللغوية التي طرحها المعري في "الغفران" كانت مسائل لغوية صرفة، وتمت
مناقشتها بطريقة علمية مأخوذة من طبيعة اللغة ذاتها، لذا،
فإن القارىء لم يجد أثراً لعلم الكلام في
مناقشة المعري للمسائل النحوية بالرغم من تسرب علم الكلام والفقه والفلسفة للدرس النحوي في الحقبة التي عاش فيها المعري، وهذا
يدل
دلالة واضحة على المنهج العلمي الذي اتبعه المعري، في
تعرضه لمسائل اللغة والنحو في "الغفران" على عكس
ما قاله بعض المستشرقين عن غياب المنهج عند المعري.
-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
على
لسان القارح مخاطباً النابغة الجعدي، فكيف تنشد قولك:
وليس بمعروف لنا أن نردها صحاحاً ولا
مستنكراً أن تعقرا
أتقول: (ولا مستنكراً) أم (ولا مستنكر) فيقول الجعدي:
بل (مستنكراً).
فيقول الشيخ: فإن أنشد منشد (مستنكر) ما تصنع به ؟ فيقول
أزجره وأزبره.
نطق بأمر لا يخبره. فيقول الشيخ –طول الله أمد البقاء-
إنا لله وإنا إليه راجعون ما أرى سيبويه إلا وهم في هذا
البيت، لأن أبا ليلى أدرك جاهلية وإسلاماً، وغذي
بالفصاحة غلاماً.
وهذا رد واضح على رواية سيبويه برفع مستنكر وجواز جرها
ونصبها (13).
ويمضي أبو العلاء في ذكر هذه الخلافات على شكل حوار
مسرحي مشوق، فها هم علماء اللغة يجتمعون ويتحاورون ويختلفون
على وزن إوزة، ويسوق المعري في معرض الحوار
رأيه في تأول النحاة على لسان أبي عثمان المازني "تأول" من أصحابنا وادعاء، لأن إوزة لم يثبت أن الهمزة فيها زائدة "فيرد
عليه
الأصمعي بعد أن أخفق في إقناعه:
ريشت (جرهم) نبلاً فرمى« جرهماً" منهن فوق وغرار
تبعتهم مستفيداً، ثم طعنت فيما قالوه معيداً، ما مثلك
ومثلهم، إلا كما قال الأول:
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد
ساعده رماني
وينهض كالمغضب، ويفترق أهل ذلك المجلس وهم ناعمون
(الغفران، 276) ويدل هذا الحوار بين المازني
والأصمعي على أن الخلاف النحوي لم يكن حصراً على المذهبين
البصري والكوفي فالأول نحوي من نحاة البصرة المتقدمين، والثاني راوية وصاحب لغة ونحو وسبق المازني في مجالس البصرة، بل لم يكن النحاة جميعاً يلمون بالمذهبين وكان كثير منهم يحفظون آراء شيوخهم كثيراً من
نحو
المذهب الآخر مما يشير إلى أنه أصبح لكل مذهب نوع من
الاستقلال عن المذهب الآخر" (14).
لم يكن المعري شديد العصبية على نحاة البصرة، حتى لو أفصح
عن ميله لنحاة الكوفة. لأن السماحة العلمية التي كان
يتمتع بها المعري خليقة بأن تبعده عن أية عصبية
مذهبية ولعل الحوار الذي أشرنا إليه بين المازني والأصمعي يدل على ذلك، بالإضافة إلى تأييده بعض روايات سيبويه، كقوله لراعي
الإبل (عبيد بن الحصين النميري) "أحق ما روى عنك سيفي قصيدته (اللامية)
التي
تمدح فيها "عبد الملك بن مروان" من أنك تنصب
(الجماعة) في قولك:
أيام قومي والجماعة كالذي لزم الرحالة أن
تميل مميلا
فيقول: حق ذلك". ومثال آخر على موضوعية المعري في
تناوله للنحاة، وإنصافه لمن يقول الحق حتى لو كان بصرياً، بيت طرفة بن العبد:
ألا أيها الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد
اللذات، هل أنت مخلدي
فسيبويه يكره نصب (أحضر) لأنه يعتقد أن عوامل الأفعال لا
تضمر أما الكوفيون فإنهم ينصبون أحضر بالحرف
المقدر، ويقوي ذلك قول الشاعر وأن أشهد اللذات، ولكن
نصب أحضر ليس خاصاً بالكوفيين فها هو المازني يروي عن علي بن قطربا أنه سمع أباه "قطربا" يحكي عن بعض البعض نصب أحضر.
والحق أن المعري تعرض كثيراً في رسالته للغويين الذين
عدّوا النحو كله قياساً ونقد حججهم وفند آراءهم
وسخر من أحكامهم، لذا نجد أن نصيب أبي علي الفارسي من النقد والتعريض كبير في الغفران، وكان أبو علي الفارسي من أئمة القياس وهو القائل "لأن أخطئ في خمسين مسألة مما بابه الرواية أهون علي من أن
أخطئ في مسألة واحدة قياسية"(16).
ولعل مشهد أبي علي الفارسي والشعراء الذين يتحلقون حوله،
يجادلونه ويلومونه على طريقته الذهنية في استنباط
القواعد وتعليلها، هو من أهم المشاهد التي تتمحور على
الخلاف النحوي الذي كان محتداً في المرحلة الزمنية التي
سبقت المعري. ويظهر هذا بوضوح موقف المعري اللغوي من ذلك الخلاف.
يقول المعري:" وكنت قد رأيت في المحشر شيخاً لنا كان
يدرس النحو في الدار العاجلة، يعرف "بأبي علي
الفارسي" وقد امترس به قوم يطالبونه، ويقولون: تأولت علينا وظلمتنا،
فلما رآني أشار إلي بيده، فجئته فإذا عنده طبقة، منهم
"يزيد بن الحكم الكلابي" وهو يقول: ويحك، أنشدت عني هذا البيت برفع (الماء)
يعني قوله:
فليت كفافاً كان شرك كله وخيرك عني ما
ارتوى الماء مرتوي
ولم أقل إلا (الماء). وكذلك زعمت أني فتحت الميم في
قولي:
تبدل خليلاً، كشكلك شكله فإني خليلاً
صالحاً بك مقتوي
وإنما قلت "(مقتوي) بضم الميم" (الغفران،
246) وهكذا يمضي المعري في محاكمة أبي علي الفارسي
إلى أن يتدخل ابن القارح ليدافع عن أستاذه قائلاً: « يا قوم إن هذه
الأمور هينة فلا تعتنوا هذا الشيخ فإنه يمت بكتابه في (القرآن) المعروف بكتاب
الحجة) وإنه ما سفك لكم دماً، ولا احتجن عنكم مالاً"
(الغفران، 247).
وواضح من ذكر بيتي يزيد بن الحكم الكلابي، أن المعري
يعارض أبا علي الفارسي. ففي البيت الأول يرفع الفارسي
(الماء) على أساس أنه فاعل للفعل ارتوى، بينما
لا يقصد الشاعر إلا الماء بالخافض على مذهب أبي العلاء الذي يرى معنى الكلام "ما ارتوى من الماء مرتو" وعبارة نزع الخافض
هي عبارة أهل السماع الذين يفضلهم المعري على أهل
القياس.
وفي البيت الثاني يفتح الفارسي الميم في مقتوى، بينما
يفضل المعري ضم الميم كما أنشد الشاعر، وحجة المعري في
ذلك أن الميم المفتوحة لا تتعدى إلى شيء لأنه
ليس باسم فاعل، أما الميم المضمومة فقد جعلت كلمة مقتوي تتعدى إلى
(خليلاً) فإن قلت: إن باب (افعل) لا يتعدى فالجواب أن الشاعر يجوز أن يكون حمل ذلك المعنى فعداه. والمعنى: (فإني خليلاً بك خادم).
وإن
شئت نصبت خليلاً بفعل مضمر يدل على (مقتو)، فكأنه قال:
فإني أخدم أو أسوس أو أستبدل بك خليلاً. ودل (مقتو) على ذلك(17).
ومن نقد المعري لغلاة النحو والذين أساؤوا الرواية ما جاء
في حوار ابن القارح وامرئ القيس، عندما سأل الأول
الثاني، ماذا أردت بالبكر في قولك« كبكر المقاناة البياض بصفرة" فقد اختلف المتأولون في ذلك، فقللوا
البيضة، وقالوا: الدرة، وقالوا: الروضة، وقالوا:
الزهرة، وقالوا: البردية. وكيف تنشد البياض،
أم البياض؟ فيرد الثاني: كل ذلك حسن، وأختار (البياض) بالكسر. فيقول المعري على
لسان ابن القارح لو شرحت لك ما قال النحويون في ذلك
لعجبت"(الغفران، 306).
وليس غريباً أن يفضل أبو العلاء الرواة الثقات على
النحويين وهو العارف أن النحو أخذ أصلاً عن هؤلاء
الرواة، ولعل حكاية سيبويه مع معلمه حما د بن سلمة خير دليل
عندما ظن الأول أن ثمة لحناً في رواية الثاني لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: "ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء" فقال حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت (أي أنه ظن
أن
الصحيح هو قوله ليس أبو الدرداء باعتبار اسم ليس) وإنما
"ليس »
ها هنا استثناء، فرد سيبويه: لا جرم سأطلب علماً لا
تلحنني فيه ».
إن مذهب أبي العلاء في النحو واضح كل الوضوح، وهو يدل
دلالة قاطعة على الثقافة اللغوية التي كان يمتلكها هذا
العالم الجلي فاطلاعه على ما رواه الثقات جعله
يتوقف عند كل كلمة يشرحها ويبحث في تشعب دلالاتها، ويستبعد ما ذهب إليه بعض النحويين في إعرابها ضمن سياقها، كقوله في بيتي عمرو بن كلثوم:
فما وجدت كوجدي أم سقب أضلته فرجعت الحنينا
ولا شمطاء لم يترك شقاها لها من تسعة إلا جنين
يجوز نصب شمطاء من وجهين: "أحدهما على إضمار ر
فعل دل عليه السامع معرفته به، كأنك قلت: ولا أذكر
شمطاء، أي إن حنينها شديد، ويجوز أن يكون على قولك: ولا تنس
شمطاء، أو نحو ذلك من الأفعال، وهذا كقولك: "إن كعب بن مامة" جواد ولا "حاتماً"، أي إنه جواد عظيم الجود، قد
استغنيت عن ذكره باشتهاره. والآخر، أن يكون من ولاه المطر
إذا سقاه السقية الثانية، أي هذا الحنين اتفق مع
حنيني، فكأنه قد صار له ولياً، ويحتمل أن يكون من ولى يلي، وقلب الياء على اللغة الطائية" (الغفران، ص.ص 223،224). أو كقوله
في
بيت المتنبي "وأهل، كلمة أصل وضعها للجماعة، في قال:
ارتحل أهل الدار، فيعلم السامع أن المتكلم لا يقصد واحداً
بما قال، إلا أن هذه الكلمة قد استعملت
للأحاد، فقيل: فلان أهل الخير وأهل الإحسان (...) وكأن هذه اللفظة، أصلها أن تكون للجمع ثم نقلت إلى الواحد، كما أن صديقاً
وأميراً ونحوهما، إنما وضعن في الأصل للأفراد، ثم
نقلن إلى الجمع على سبيل التشبيه. وكذلك قولهم: بنو
فلان أخ لنا. ويقال: أهل وأهلة وأهلات في الجمع. قال
الشاعر:
فهم أهلات حول "قيس بن عاصم » إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا
وقال بعض النحويين في تصغير آل الرجل: يجوز أويل
وأهيل، كأنه يذهب إلى أن الهاء في أهل أبدلت منها
همزة، فلما اجتمعت الهمزتان جعلت الثانية ألفاً، ومثل هذا لا
يثبت. والأشبه أن يكون آل الرجل، مأخوذاً من آل يؤول إذ ا رجع، كأنهم يرجعون إليه أو يرجع إليهم.
وأورد المعري في "الغفران" الخلاف القائم
بين اللغويين في قولهم "فداء لك » يقول المعري في رده
على ابن القارح: ألا يعجب من قول العرب: (فداء لك) بالكسر والتنوين كما قال
الراجز:
ويهاً فداء لك يا "فضاله » أجره الرمح، ولا تباله
ويروي: (تهاله)
وذكر "أحمد بن عبيد بن ناصح" وهو المعروف
"بأبي عصيدة" أن قولهم (فداء لك) بالكسر إذا كان لها
مرافع، لم يجز فيها الكسر والتنوين. ولا ريب أنه يحكي ذلك عن العلماء
الكوفيين، وعينه في قوله "النابغة »:
مهلاً فداء لك الأقدام كلهم وما أثمر من مال
ومن ولد
فأما البصريون فقد رووا في هذا البيت: (فداء لك)
بالضم. وهكذا يمضي أبو العلاء رده على ابن القارح
في استعراض ثقافته اللغوية، التي – وإن بدت متأثرة بالنحو
الكوفي فهي محيطة إحاطة تامة ومعمقة بأقوال أئمة النحو البصري، لذا
فإن المعري يقف من المسائل اللغوية موقف المحلل المناقش الذي يستعرض الآراء مهما كان مصدرها فيردها أو يتبناها حسب ما يسمح له علمه الموسوعي ومنهجه العقلاني بذلك، وإذا كان الثراء اللغوي كان يمتلكه
المعري سبباً في علو مكانته العلمية بين عاماء
عصره فإنه السبب أيضاً في اختلاف الباحثين حول
قيمة أفكاره.
»فبينما يغالي (فون كريمر) A.V.Kremer في تقديره ويعده مفكراً أصيلاً يرى فيه "روزون » Rosen (...) على العكس من ذلك لغوياً لا مفكراً، يعنيه
التركيب البلاغي الفني أكثر من الفكرة، كما أن سعيه وراء
اللعب بالألفاظ كان يمكن أن يقوده إلى مسالك للفكر بعيدة عنه"(18).
ويذهب بروكلمان إلى أن نيكلسون مصيب في عقد مقارنة بين
المعري والشاعر الإغريقي يوريبيدس، فالإثنان فنان عظيمان
يعرفان كل تراث عصرهما من العلم، غير أنهما ليسا
مفكرين منهجيين.
غير أن المعري وبالرغم من كل ما قيل فيه يبدو في
"الغفران" مفكراً مطلعاً على شتى
المعارف الدنيوية، ملماً بشتى ألوان الحياة الدينية وهو مع ذلك لم يقحم القضايا الفلسفية التي كانت مزدهرة في عصره والتي نهل منها في صبر وأنا ة وعزلة في موضوعات لا تحتمل هذه القضايا، فالمسائل اللغوية التي طرحها المعري في "الغفران" كانت مسائل لغوية صرفة، وتمت
مناقشتها بطريقة علمية مأخوذة من طبيعة اللغة ذاتها، لذا،
فإن القارىء لم يجد أثراً لعلم الكلام في
مناقشة المعري للمسائل النحوية بالرغم من تسرب علم الكلام والفقه والفلسفة للدرس النحوي في الحقبة التي عاش فيها المعري، وهذا
يدل
دلالة واضحة على المنهج العلمي الذي اتبعه المعري، في
تعرضه لمسائل اللغة والنحو في "الغفران" على عكس
ما قاله بعض المستشرقين عن غياب المنهج عند المعري.
-*-*-*-*-**-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
المراجع:
1-أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، تحق، د. عائشة عبد الرحمن،
دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ.
2-ابن القارح، رسالة ابن القارح، تحق، د. عائشة عبد
الرحمن، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ.
3-إبراهيم السامرائي، مع المعري اللغوي، مؤسسة الرسالة،
بيروت، 1984.
4-إبراهيم السامرائي، تأليف المعري، مؤسسة الرسالة،
بيروت، 1984.
5-أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، مطبعة
الجامعة السورية، دمشق، 1951.
6-شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف،
القاهرة، دون تاريخ.
7-صلاح الدين الزعبلاوي، مع النحاة، اتحاد الكتاب العرب،
دمشق، 1992.
8-كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، تر، د. عبد الحليم
النجار، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ.
9-محمد خير
الحلواني، الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف، دار الأصمعي
والقلم العربي، حلب، دون تار
الحواشي:(*) أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي المتوفى سنة 502 للهجرة.
صاحب (شرح الحماسة) و (تهذيب إصلاح المنطق) و (شرح المعلقات).(**) رسالة ابن القارح، تحقيق عائشة عبد الرحمن، دار المعارف بمصر، ص.22.(***) ينظر، تآليف المعري، في ملحق كتاب (مع المعري اللغوي)، د.إبراهيمالسامرائي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1984.(1)- شوقي ضيف الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف بمصر، دون
تاريخ، ص 278.(2)- د. طه حسين، مقدمة الطبعةالثانية لرسالة الغفران، شرح
وإيجاز كامل الكيلاني، وردت عند د.أمجدالطرابلسي، النقد واللغة في رسالة
الغفران، مطبعة الجامعة السورية، 1951،ص5.(3)- التعريف 15، تقلاً عن (الأنساب)، طبع ليدن، الورقة 110، وردت عند
د. أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، ص10.(4)- التعريف 18، بقلاً عن (المنتظم في أخبار الأمم) –ينظر المرجع
السابق.(5)- التعريف186، نقلاً عن (تاريخ أبي الفداء) –ينظر المرجع السابق.(6)- التعريف 312 و 318، نقلاً عن (لسان الميزان) – ينظر المرجع السابق.(7)- د. إبراهيم السامرائي، مع المعري اللغوي، ص13.- المرجع السابق، ص74.(9)- د. أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، ص162.(10)- المرجع السابق، ص 148.(11)- أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن، دار
المعارف بمصر، دون تاريخ، ص238.(12)- المصدر السابق، ص172.(13)- ورد هذا البيت عند سيبويه على الشكل التالي:
فليس معروفاً لنا أن نردها صحاحاً ولا مستنكراً أن تعقرا
وأوله على النحو التالي:
كأنه قال: ليس بمعروف لنا ردها صحاحاً ولا مستنكر عقرها،
والعقر ليس للرد.
وقد يجوز أن يجر ويحمله على الرد (...) وإن
شئت نصبت فقلت: ولا مستنكراً أن تعقرا ولا قاصراً عنك مأمورها، على
قولك، ليس زيد ذاهباً ولا عمرو منطلقاً، (أو) ولا منطلقاً عمرو... ينظر، الكتاب، سيبويه، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ج1، عالم الكتب، بيروت، د.ت، ص 94-95.
(14)- د. محمد خير الحلواني. الخلاف النحوي بين البصريين
والكوفيين وكتاب الإنصاف. دار الأصمعي والقلم العربي، حلب، د.ت، ص.ب 49.
(15)- سيبويه هذا البيت على الشكل التالي:
أزمان قومي والجماعة كالذي منع الرحالة أن تميل مميلا
كأن الشاعر قال:
أزمان قومي والجماعة، فحملوه على كان. أنها تقع في هذا الموضوع
كثيراً، ولا تنقض ما أرادوا من المعنى حين يحملون الكلام على ما يرفع، فكأنه إذا قال: أزمان قومي كان معناه: أزمان كانوا قومي والجماعة كالذي، وما كان حضن وعمرو والجياد ا. ولو لم يقل: أزمان كان قومي لكان معناه إذ ا قال: أزمان قومي، أزمان كان قومي: لأنه أمر قد مضى، ينظر الكتاب، ص. 305.
(16)- وردت عند صلاح الدين الزعبلاوي، مع النحاة، اتحاد
الكتاب العرب، دمشق، 1992، ص.70.
(17)- وردت عند أمجد الطرابلسي، نقلاً عن الخزانة، ج 3،
ص.ص 326-328.
(1- كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ج 5، ترجمة د.
عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة د.ت، ص. 37.
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رسالة الغفران: بحث في أهمّ المسائل
رسالة الغفران: بحث في أهمّ المسائل
رسالة الغفران: بحث في أهمّ المسائل
مدخل:حظي
النصّ الغفراني بالدّراسة و التمحيص من قبل العديد من الباحثين مشرقا و
مغربا و كلّ يدلي بدلوه، فاختلفت الآراء بخصوص هذا الأثر بين منكِر
مستقبِحٍ و بين معجب مادح، كما اختلفت الآراء حول مؤلّف النصّ إن كان
زنديقا مارقا أم إنّه مؤمن ساءته غرابة هذا الدين بين أهله فانبرى للدّفاع
عنه، و لسنا نسعى في هذا العمل إلى استعراض مختلف هذه الآراء و إنّما
حسبنا البحث في بعض القضايا المركزيّة التي نقدّر أنّ رهين المحبسين قد
قصد إليها و بعض آليّات كتابة هذا النصّ و مكوّناته.
I الخيال و تجلّياته:
إنّ
أوّل ما يجب التوقّف عنده و نحن ندرس رسالة الغفران ضمن الأدب أو علم
الأدب هو ضرورة التدقيق في استعمال المصطلحات الأدبيّة تدقيقا يستوجبه
العلم و يمنع عنّا الإستعمالات الخاطئة لها و من هذا المنطلق ارتأينا
ضرورة التوقّف عند مصطلح خيال و ما يدور في فلكه من مصطلحات تشترك في نفس
الجذر الثلاثي (خ،ي،ل) و لا تشترك في المعنى و هذه بعض التعريفات
الأوّليّة لهذه المصطلحات:
يعرّف جابر عصفور هذا المصطلح'خيال' بقوله
«يشير
استخدامنا اللغوي المعاصر لكلمة (الخيال) إلى القدرة على تكوين صور ذهنيّة
لأشياء غابت عن متناول الحسّ. و لا تنحصر فاعليّة هذه القدرة في مجرّد
الإستعادة الآليّة لمدركات حسيّة ترتبط بزمان أو مكان بعينه، بل تمتدّ
فاعليّتها إلى ما هو أبعد و أرحب من ذلك، فتعيد تشكيل المدركات، و تبني
منها عالما متميّزا في جدّته و تركيبه، و تجمع بين الأشياء المتنافرة و
العناصر المتباعدة في علاقات فريدة، تذيب التنافر و التّبـاعد، و تخلق
الإنسجام و الوحدة. و من هذه الزاوية يظهر جانب القيمة الذي يصاحب كلمة
'الخيال' في المصطلح النقديّ المعاصر، و الـذي يتجلّي في القدرة على
إيجـاد التنـاغم و التّوافق بين العناصر المتباعدة و المتنافرة داخل
التجربة»[1].
أمّا مؤلّفا كتاب أدبيّة الرّحلة في رسالة الغفران فإنّهما يذهبان إلى أنّ
«الخيال هو المعادل العربيّ لكلمة (image) الفرنسيّة... لذلك يطلق لفظ الخيال أخيرا على الصّورة الرّمزيّة (allégorie)
التي تجسّم المعنى المجرّد تجسيما حسيّا واضحا كأن نصوّر عنف الموت بحاصدة
الزّرع.. و التيه الرّوحيّ بسفينة في مهبّ العاصفة... و هنا تُستخدم
المخيِّلة التشبيه و المجاز و الأسطورة و الرّمز»[2].
و يعرّفه جميل صليبا بقوله«
الخيال
الشّخص، و الطيف، و صورة تمثال الشيء في المرآة، و ما تشبّه لك في اليقظة
و المنام من صور. و الخيال أيضا الظنّ و التوهّم و هو يدلّ في اصطلاحنا
على الصّورة الباقية في النّفس بعد غيبة المحسوس عنها...»[3].
الحاصل
من مختلف هذه التعريفات أنّ الخيال يمثّل صورة ترتسم في الذّهن لشيء حسّي
غاب عن أنظارنا و حواسّنا فاستعدناه بالعقل أمّا التخيّل فهو
«ملكة مصوّرة»[4]. فهو بمثابة الآلة المنتجة للخيال.
والقارئ
للنصّ الغفراني يجد التخيّل قد طبع أغلب العناصر المكوّنة للنصّ فأخرجها
في ثوب خيالي يخال معه أن الحدود بين الواقع و الخيال قد دكّت إلى غير
رجعة و أنّ النصّ قطيعة معه مقصودة أرادها أبو العلاء و لهذا الرّأي ما
يدعمه في النصّ بجميع مكوّناته و مستوياته:
1) الخيال و الأحداث:
طبع الخيال أغلب أحداث رسالة الغفران و الشواهد الدّالة على ذلك متعدّدة كرفّ الإوز الذي انقلب مجموعة من الجواري«
ويمرّ رفٌّ من إوزّ الجنّة، فلا يلبث أن ينزل على تلك الرّوضة و يقف وقوف
منتظر لأمرٍ... فينتفضن، فيصرن جواريَ كواعبَ يرفلن في وشْيِ الجنّة، و
بأيديهنّ المزاهر، و أنواع ما يلتمس به الملاهي»[5]. أو كمثل الجواري المكنونات في الثمار«فيأخذ
سفرجلَةً أو رمّانة أو تفّاحة أو ما شاء الله من الثمار فيكسرها، فتخرج
منها جاريةٌ حوْراءُ عيناءُ تبْرَقُ لحسنها حوريّات الجنان...»[6].فالناظر
لمختلف هذه المقاطع الحدثيّة يلاحظ أن الأحداث فيها لم تتبع نظاما منطقيّا
و إنّما كان التخيّل أساسيّا في تشكيل الأحداث تتابعا و تداعيا..
2) الخيال و الزّمان:
يمثّل الزمن عنصرا ضروريّا في النّصوص السرديّة بمختلف مرجعيّاتها «
فالزّمن في الأحداث هو نظامها و نسق تواردها»[7].و
يضيف أحمد الغرسلّي قائلا:«انتظمت الأحداث في سياقين مختلفين: سياق
غيبيّ تجلَّى أسلوبيّا في أفعال وردت في المضارع صيغةً و تمحّضت دلالة
للتعبير عن الزّمن المطلق... أمّا السّياق الثاني.. فهو السّياق الدّنيويّ
هذا السّياق يندرج في مدار الإسترجاع الزّمني و ينفتح على أزمنة تاريخيّة»[8]
و الزّمن في الرّسالة ضارب في التعتيم و الغموض ممّا منحه خاصّيته
الخياليّة فهو زمن لاحق في أغلبه (الحشر، الجنّةّ، الجحيم) جامع في مستوي
الشخصيّات السابق باللاحق كابن القارح(ق5هـ) بعنترة العبسي مثلا أو
الشنفرى أو امرئ القيس (شخصيّات جاهليّة)..
3) الخيال و المكان:
ليس
أمر المكان في رسالة الغفران بمختلف عن الزّمان أو الأحداث أو الشخصيّات
-كما سنرى- فهو مكان مفارق للواقع و إن كانت له سندات و منطلقات مختلفة
عقائديّة أو أدبيّة أو شعبيّة،و إذا كان الإستشراف عاملا من العوامل التي
شكّلت حدود المكان فإنّ التخيّل هو الذي أسند له صورة خياليّة فجعل المكان
بلا ضوابط حسّية و إنما تحدّده مجموعة من الثنائيّات كالأسفل و الأعلى أو
الواسع و الضيّق أو المسوّر و المتمادي...
4) الخيال و الشّخصيّات:
إنّ سياسة التعويض تمثّل أسّا من الأسس التي ولدّت صورا خياليّة لمختلف
الشّخصيّات في الرّسالة فأعاد الراوي تشكيلها و أخرجها من الصورة
الواقعيّة التي انطبعت في الأذهان عنها إلى صورة مجازيّة رسمهـا بالتخيّل،
متصوّرا مآلهـا في الـدار الباقية أو في الجحيم و يمكن أن نضرب مثـلا
توفيق السّوداء و حمدونة يقول عنهما المعرّي:«
أتدري من أنا يا عليّ بن منصور؟ فيقول : أنت من حور الجنان اللواتي خلقكن الله جزاء للمتّقين، و قال فيكنّ ﴿كأنّهنّ الياقوت و المرجان﴾ فتقول:
أنا كذلك بإنعام العليّ العظيم على أنّي كنت في الدّار العاجلة أُعرف
بحمدونة و أسكن في باب العراق بحلبَ و أبي صاحب رحًى، و تزوّجني رجل يبيع
السّقَطَ فطلّقني لرائحة كرهها في فيَّ و كنت من أقبح نساءِ حَلَبَ،
فلمَّا عرفتُ ذلك زهدت في الدّار الغرَّارة و توفَّرتُ على العِبادة، و
أكلت من مغزلي و مردني فصيّرني ذلك إلى ما ترى»[9].
و ليس التعويض وحده هو الذي ألبس صورة الشّخصيّات حلّتها الخياليّة و
انّما عمد المعرّي إلى نوادر الأبيات يتّخذ منها قاعدة للتخيّل كصورة صخر
(جبل تشتعل النّار في رأسه).
و الحاصل
من كلّ هذا أن التّخيّل كان عنصرا رئيسيّا في منح الأشياء و الأشخاص هيئات
خياليّة خرجت بهم من حدود الواقع إلى باب الغريب و الخيال و العجيب.
II الإضحاك و السّخرية في النصّ الغفراني:
ليس
من أحد ينكر على الأدب العربيّ القديم في شقّه النثريّ اشتمـاله على
المضـاحيك و النّـوادر و النكت و بعابرة أشمل على الهزل بصفّة عامّة، و
إذا ألقينا نظرة على مختلف هذا الأدب الهازل وجدنا قسما هاما منه مندرجا
ضمن الأدب الجاد، كـأن لا تعارض بينهما فالمعنى و الفكرة تطرق بالجدّ كما
تصاغ بالهزل، و إذا كانت رسالة الغفران في جوهرها متضمّنة لمسـائل تمسّ
بالمعتقد و بقضايا الشّعر و المجتمع -و هي مسائل جدّ حسّاسة- فإنّ طريقة
الطّرح قد لحقها الهزل، و هو هزل خصّ به المعرّي شخصيّة ابن القارح في
مختلف أبعادها و مختلف تجلّياتها في النصّ.
1) الإضحاك بالهيأة و المشهد:
صوِّر
المحشر في الرّسالة و كأنّه سوق غاصّة بالناس المتدافعين الرّاغبين في
الخلاص من هذا الموقف بشتى الوسائل و الطرق، كما نجد ابن القارح و قد
استغلّ الجارية التي وُهِبتْ له فإذا به يحمل فوق ظهرها زقّفونة فإذا ما
تمّ له العبور فوق الصراط و قد استوثق من دخول الجنان كانت مفاجأة ضياع
صكّ التوبة التي كادت تفقده صوابه لولا جذبة إبراهيم. أمّا في الجنّة فإنّ
المجالس فيها خمريّة ينتهي بعضها بتراشق بالكؤوس، و إلى غير ذلك من
المشاهد.
2) الإضحاك بالقول:
عمد
المعرّي في الرّسالة إلى استعمال بعض الألفاظ الغريبة قصد اثارة العجب و
الإضحاك و إذا تتبّعنا النصّ نجد حضورا لألفاظ عدّة ابتدعها المعريّ و لا
حضور لها في القواميس كقوله مثلا 'جحجلول، زقفونة، الخيثعور، الشّيصبان...'
3) الإضحاك بالموقف:
يظهر
هذا البعد في عدول ابن القارح عن وقاره و هيبته في مواقف عدّة كي يتحوّل
إلى شيخ متصابي هدفه الأسمى إشباع الغرائز و الشّهوات يقول المعرّي في
الرّسالة "و يقبِلُ على كلّ واحدة منهما يترشّف رضابها»[10]. ويقول أيضا «ويخطُرُ في نفسه، وهو ساجد، أنّ تلك الجارية، على حسنها ضاوية..»[11].
4) الإضحاك بالموقف المباشر:
وجدنا ابن القارح في الرّسالة في عدّة مواقف تثير الضّحك و الإضحاك، و
المعرّي المتخفّي وراء حجاب الرّاوية يبدو وكأنّه مجرّد ناقل لأحداث ستقع،
غير أنّه في بعض الأحيان يتخلّى عن وظيفة الرّواية ليتدخّل في السّرد
مباشرة عبر جمل اعتراضيّة أو دعائيّة تصف ابن القارح بما لم يكنه و تلصق
به من الصّفات ما لم يتّصف به فيصير هذا الدّعاء، و إن كان من مقتضيات
الرّسالة الإخوانيّة، ضربا من العبث بابن القارح و التندّر به.
المرجع
[1]
عصفور، جابر: الصّورة الفنيّة في التراث النّقدي و البلاغيّ عند
العرب،الدّار البيضاء،المغرب، المركز الثقافي العربي، ط3، 1992، ص13
[2] الرقيق عبد الوهاب و بن صالح هند، أدبيّة الرّحلة في رسالة الغفران، صفاقس- تونس، دار محمّد علي الحامّي، ط1،1999 ، ص63
[3] صليبا، جميل: المعجم الفلسفيّ، لبنان، دار الكتاب اللبناني، مصر دار الكتاب المصري، 1978، ص546.
[4] الرقيق عبد الوهاب و بن صالح هند، نفسه ص63.[5] المعرّي أبو العلاء، رسالة الغفران، تح و شرح محمد عزّت نصر الله، بيروت-لبنان، المكتبة الثقافيّة، (د.ت) ص67
[6] المعرّي أبو العلاء، رسالة الغفران، نفسه ص 118.
[7] الغرسلّي، أحمد: استراتيجيّة الخطاب في رسالة الغفران (نحو مقاربة جديدة)، مجلّ الحياة الثقافيّة، تونس- س23. ع95- ماي 1998، ص 64.
[8] الغرسلّي، أحمد: نفسه، ص 65.
[9] المعرّي أبو العلاء، رسالة الغفران، نفسه ص 117.[10] المعرّي أبو العلاء، رسالة الغفران، نفسه ص 116.
[11] المعرّي أبو العلاء، رسالة الغفران، نفسه ص 119.نقلا من كتابات الباحث غسّان
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
بعض خصائص مسرح سعد الله ونّوس .
بعض خصائص مسرح سعد الله ونّوس .
يعتبر
المسرح من اكثر الفنون الادبية التصاقاً بحركة المجتمع لأنه الفن الذي
يمتح موضوعاته من الحياة مباشرة ، ولأنه الفن الوحيد الذي يتوجه توجهاً
اجتماعياً مباشراً في محاكاته للحياة بما تحمل من مشكلات وفي تحليله لها
وتصويره لانسانها في كل اوضاعه وبذلك يصبح المسرح مداراً للصراع الاجتماعي
والسياسي
بين مختلف المنازع الفكرية والسياسية في الوطن العربي ومع انه لا يمكن فصل
جانب عن جانب في مسرحنا الحديث فإن لكل مسرحية جانباً اساسياً تنطلق منه
وترتبط به بقية الجوانب .
وقد قسم النقاد المسرح الى انواع منها :
المسرح الاجتماعي - المسرح القومي - المسرح الشعري - المسرح السياسي الذي
يهتم بالاحداث السياسية اليومية والعامة وبالعلاقات التي تنشأ بين الشعب
واداراته السياسية بين المواطن والسلطة ومرتكزها الاساسي انها تتصدى
لاجهزة الحكم تحليلاً وفضحاً .
والمسرح السوري « السياسي » المعاصر اهتم بجملة قضايا تهم
المواطن منها : قضية المساواة والعدالة الاجتماعية وقضية علاقة المواطن
بالسلطة .
ونحن في دراستنا هذه سنتوقف عند قضية علاقة المواطن بالسلطة في مسرح سعد الله ونوس .
لقد كان لنكسة حزيران أو لهزيمتنا كعرب حزيران 1967 دور كبير في ايجاد
وانتشار المسرح السياسي في سورية إذ لم يكن هناك على حد معرفتي مسرح سياسي
اللهم إلا إذا اعتبرنا المسرحيات القومية والوطنية التي وجدت قبل هذا
التاريخ من المسرح السياسي وإن كان الفرق بين هذه التسمية وتلك فرق كبير
ولن ندخل هنا في تفصيل هذا الامر لانه ليس مجال دراستنا .
فبعد سنة 1967 بدأ الكتاب يفتشون عن اسباب الهزيمة فكانت ولادة عدد من
المسرحيات السياسية التي تعالج وتحلل وتحرض وتسيس من ذلك ، مسرحية ( حفلة
سمر من اجل 5حزيران ) عام 1967 ( ومغامرة رأس المملوك جابر ) عام 1971 و(
الفيل يا ملك الزمان ) عام 1971 لسعد الله ونوس و ( محاكمة رجل لم يحارب )
لممدوح عدوان وبعض مسرحيات فرحان بلبل ووليد اخلاصي وغيرهم ، وكلها تنتمي
الى المسرح السياسي .
إن الدارس لمسرح سعد الله ونوس يرى انه قد ركز في مسرحه على عدة قضايا أو
لنقل على معظم القضايا التي اهتم بها المسرح السياسي والتي ذكرناها آنفاً
لكن اهم قضية رصدها وناقشها وحللها في مسرحه هي قضية علاقة المواطن
بالسلطة « والمدقق في الاعمال المسرحية السياسية سيلحظ وبسهولة هذه
العلاقة غير الحميمية بين المواطن وحكامه وسيلحظ موقف المواطن السلبي منها
» .
ولعل ونوس من بين المسرحيين السوريين من اهتم بموقف المواطن لعمله الدؤوب
في قضية التسييس التي نظر اليها من خلال المتلقي وما يجب ان يكون عليه فقد
بنى جزءاً كبيراً من مسرحه على مسألة تبني الانسان العربي لمشروعه الحضاري
بنفسه أي ان يكون له موقف كما يقول الدكتور غسان غنيم في كتابه المسرح
السياسي في سورية .
وسنلقي الضوء على قضية علاقة المواطن بالسلطة في مسرح ونوس من خلال بعض مسرحياته :
- الملك هو الملك .
- الفيل يا ملك الزمان .
- مغامرة رأس المملوك جابر .
في محاولة لاستجلاء خصائص تلك العلاقة ، وسنعمد الى عرض موجز ومكثف
لمضامين هذه المسرحيات اولاً ثم نقوم بدراسة شخصياتها لتوضيح علاقتها
بالسلطة .
مسرحية الملك هو الملك :
تقوم فكرتها الاساسية على استبدال انسان بانسان من خلال ابدال الثوب اي
استبدال الملك بملك جديد وهي لعبة ارادها الملك الاصلي لدفع الضجر
وللترويح عن النفس لذلك فقد احضر مغفلاً من عامة الشعب هو « ابو عزة
المغفل » ليتفرج عليه ويلهو به لكن مصالح الآخرين من امثال الوزير
وشهبندر التجار تقتضي استمرار اللعبة وجعلها حقيقة واقعة وبذا يصبح البديل
اصيلاً بينما يخرج الاصيل من اللعبة وبالفعل يخلع الملك رداءه ويلبسه
« ابوعزة المغفل » فيصبح هو الملك وتتوالى الاحداث ويرتقي ابو
عزة العرش ويصرف امور الدولة كأي ملك يعرف واجباته .
أما الملك الاصلي فيجن ليصبح في النهاية كأبي عزة المغفل .
لقد وجدنا ابا عزة منذ بداية المسرحية رجلاً مغفلاً غارقاً في الاوهام فقد
وضعه المؤلف في مدخل المسرحية وهو يدور كالاهبل فيما تقول عنه زوجته بأنه
« غارق في الطاس والاوهام يحلم رغم فقره وجنونه بالسلطان والجواري
» لكنه يسقى في المشهد الثالث خمراً أو منوماً ليستيقظ في المشهد
الرابع ملكاً يتصرف بحكمة تجعل الملك الاصلي ذاته يدهش لذلك .
في المشهد الخامس من المسرحية يتأمل الملك الجديد « ابو عزة »
بلطة السياف بنظرة يملؤها الشبق ويقول للسياف : « ايها السياف قف
على يميني واجعل بلطتك في متناول يدي وتنفذ في مسامي حتى يندغم واحدنا
بالآخر الملك والبلطة .. الملك هو الذي سينفذ الاحكام التي يصدرها لاشيء
يطهر الملوك مثل الدم .. سأغتسل بالدم .. سأستحم فيه » وقد حدد ونوس
علاقة المواطن بالسلطة في بداية مسرحيته الملك هو الملك بانها علاقة حرب
فهي حرب بين المسموح والممنوع بين الرعاع والدهماء والعامة من جهة والسادة
من جهة اخرى الفئة الاولى تطالب دائماً لا تمل من فرض الممنوع هي حرب تتخذ
اشكالاً متعددة بين المواطن من جهة و السلطة من جهة ثانية بأجهزتها جميعاً
.
إن المدقق في شخصيتي ( الملك ) و ( أبو عزة ) يتضح له أن السلطة لا يهمها المواطن فهي في واد و المواطن في واد آخر .
فالملك عندما يتجول في المدينة مع وزيره يجدان ( أبا عزة ) .
تائهاً هائماً على وجهه ، غارقاً في أوهامه و همومه ، و مع ذلك لم يثرهما
منظره الذي يدعو الى الشفقة بل وجدا فيه ما يدعو الى الضحك فأخذه الملك
معه الى قصره ليلهو ويروح به عن نفسه مع حاشيته و عندما يلعب الملك لعبته
و يتسلم ( ابو عزة ) العرش يحكم بطريقة الملك نفسها ، الظلم و الاستبداد ،
إذ لا يهمه الا عرشه ، فنظام الحكم يبقى نفسه و ان تغير شخص الحاكم .
و المتتبع لمسرح ونوس يستشعر الحاحه الشديد على مسألة سلبية المواطن و عدم
قدرته على المشاركة في كل ما يدور حوله ، هي فكرة مبثوثة في مسرحياته
جميعاً ،فالمواطن خائف من السلطة ، متردد ، صامت إزاء الظلم ، مستسلم
لقدره ،
و الجماعة كذلك متخاذلة الى أبعد الحدود أمام السلطة .
لقد فقد المواطن حريته أمام السلطة منذ أقدم العصور ، و الحرية مسلوبة لأن
حراباً مشرعة و سجوناً مفتوحة الأبواب ، فما أسرع غياب المواطن لأتفه
الأسباب في أقبية السلطة . ( لوشاية أو كذبة ) .
في مسرحية ( الملك هو الملك ) تتحرر أم عزة من الخوف لانها تظن نفسها في
مأمن من السلطة فتمارس نقدها بحرية تامة أمام الملك المتخفي فتصرح بالظلم
الواقع على الشعب غير هيابة لانها تظن ان السلطة لا تسمعها .
مصطفى : ماذا ستقولين له ؟
أم عزة : ماذا سأقول له ؟ على لساني أحمال من الكلام . سأقول يا ملك
الزمان ، العيارون و اللصوص يحكمون البلاد و ينهبون أرزاق العباد .. العدل
نائم و ليس هناك من يفتش أو يحاسب )
مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر :
في هذه المسرحية يقوم صراع بين الخليفة (شعبان ) ووزيره ( محمد العلقمي )
، الخليفة يريد ازاحة الوزير لانه يشكل خطراً على وجوده ، و الوزير يطمح
لتحقيق حلمه بالاستيلاء على الخلافة ، و كل واحد منهما يعد العدة لازاحة
صاحبه ، فيأمر الخليفة بتفتيش الخارج من المدينة و الداخل إليها، خوفاً من
خروج رسالة من الوزير العلقمي الى قائد المغول ، يتطوع احد مملوكي الوزير
و هو ( جابر ) الذي يعرض خدماته على الوزير فيقوم الاخير بتكليفه بالمهمة
التي كانت على الشكل التالي و هي فكرة ( جابر ) :
أن يقوم الوزير بكتابة الرسالة على رأس جابر بعد حلاقته جيداً و حينما
ينمو الشعر ثانية و يغطي الرسالة ، آنذاك يستطيع الخروج الى حيث يريد ، و
طلب ثمن ادائه لهذه المهمة ان ينال حريته و يتزوج من ( زمردة ) جارية
الوزير ، و فعلاً يتم ارسال جابر الى قائد المغول و لكن الوزير يطلب من
ذلك القائد ان يقتل حامل الرسالة جابراً الذي حمل موته تحت فروة رأسه و لم
يدر .. كما قال سعد الله في المسرحية - سنلقي الضوء هنا على شخصيات
المسرحية و هي :
الخليفة - الوزير - منصور - الرجل الرابع - المملوك جابر .
الخليفة و الوزير :
و هما شخصيتان سلطويتان تتفردان بالحكم الذي لا هم لهما سواه و تضطهدان بسببه افراد الشعب عموماً .
فالخلفية يريد توطيد حكمه و تثبيته من خلال البعد و التباعد عن الشعب و
التخلص من وزيره الذي يهدده بغية الخلاص منه بالتعاون مع اعداء البلاد
المغول لينصبوه على العرش و النتيجة هي ضياع الوطن والمواطن .
شخصية منصور :
المواطن نصف الواعي ، ثرثار من الناحية السياسية و الناس يحسبونه مخبراً بسبب ثرثرته .
الرجل الرابع :
شخصيته متممة لمنصور ، و هو رجل واع سياسياً و اجتماعياً و فكرياً .
المملوك جابر :
شخصية تمتاز بالذكاء و الفطنة ، و هو انتهازي ، باعتماده على الفطنة و
التقرب من الوزير ( العلقمي ) يريد ان يصل مآربه و لكنه يدفع ثمن
انتهازيته غالياً.
ان ونوس في مسرحيته هذه يؤكد على دور الجماعة في العمل السياسي إذ لا جدوى
من العمل الفردي كمطلب للخلاص ، و الانسان غير المسيس ستستغله السلطة و
تسحقه كما حدث للمملوك جابر الذي اراد ان يتحرر من عبوديته بطريقة الخيانة
فكان الثمن ان ضيع رأسه .
- و المسرح السياسي لا يهتم بالشخوص كأفراد او انماط فقط ، و انما يشبعها
بالقدرة على الترميز لان المسرح يعتمد في احايين كثيرة على الايحاء و
الرمز و الدلالة لا على التحديد و التعيين فقط ، فقد اكد ونوس على جابر
مثلاً باعتباره رمزاً للطبقات المضطهدة و الفقيرة غير القادرة على
المطالبة بحقوقها مع كونها تفكر بها سراً و هي مستعدة لفعل كل عمل شائن في
سبيل تحقيق طموح ذاتي .
إن خيبة جابر لاتعني إحباطاً لطموحات الجماعة بقدر ماتعني خلق حافز ورافد ذاتيين لدى أفراد المجتمع لتبصر أمورها ومصيرها .
وسعد الله لايتدخل في إيجاد مصائر لشخوصه أو تفسير قضاياها.
وفي رأيي أن استخدام ونوس الحكاية التراثية وإظهاره لطريقة استغلال السلطة
للمواطن غير الواعي وغير الفاعل بهذه الصورة البشعة له مدلول عظيم (كتابة
رسالة الخيانة على رأس جابر ومن ثم قطعه بطريقة بشعة ) على تفاهة الإنسان
الانتهازي وأن نهايته ستكون بهذه البشاعة والمأساوية وإن كان قطع رأس جابر
أثار مكامن الحقد والكراهية على الجلاد . إن التسييس والشحن والتحريض هي
مرتكزات سعد الله ونوس الأساسية في مسرحه الذي يقول : (أريد مسرحا يعلم
ويحفز على العمل ،أي أن يزيد احتقان المتفرج وهو يعلمه ) .
وفي مسرحية الفيل ياملك الزمان :
يصوّر ونوس فيها فيلاً يعيث فساداً في المدينة يقتل ويدمر ولاأحد يستطيع
أن يفعل شيئاً ولاحتى أن يشتكي للملك بسبب القمع والخوف :
(- نشكو أمرنا للملك؟
- ندخل القصر ؟!
- ولم لا ؟
- ومن نحن حتى نتحدث مع الملوك ؟)
الناس يخافون من السلطة لأنها تمثل في أذهانهم مجموعة من الرموز التي تدل على الجبروت والتعسف والجور فقط .
في (الفيل ياملك الزمان) تحمل الشخوص اضطهادها وقهرها ولاتسعى الى تأكيد ذاتها إلا من خلال الجماعة التي تنتمي اليها فقط .
من الملاحظ كثرة الشخصيات السلبية في مسرح ونوس .فهي شخصيات في غالبيتها
خائفة - مستلبة - خانعة - مشتتة - انتهازية - مضطهدة - لا تحمل من المبادئ
مايبث أي بارقة أمل في الخلاص كشخصيتي (أبو عزة - وشهبندر التجار) في
مسرحية (الملك هو الملك) .فالأولى مستلبة وخانعة ومشتتة والثانية انتهازية
.
وكذلك شخصية (جابر) الانتهازية ومعظم شخصيات (الفيل ياملك الزمان ).
إن موضوع لامبالاة الجماهير وسلبيتها موضوع أثير لدى ونوس ،فلا مبالاة
الناس بما يحدث يجرّهم الى الويلات والدمار والضرر حتى على الصعيد الفردي
،فهو يؤكد أن كل مايجري في المجتمع بالنسبة للجماهير عليها أن تعيه (الرجل
الرابع في مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر) وعليها أن تنخرط فيه وتؤدي
دورها الفاعل وإلا حل فيها البلاء وهكذا نستطيع أن نقول:
إن سعد الله ونوس أسس لمسرح سياسي في سورية خصوصاً وفي الوطن العربي
عموماً جسد من خلاله علاقة المواطن بالسلطة ،من خلال ما ذكرناه من خصائص
لبعض مسرحياته حيث رأينا أن هذه العلاقة كانت صراعاً دائماً بين المواطن
والسلطة فهي تأخذ منه كل شيء وأهمها حريته وكرامته .باختصار إنها تسلبه كل
مايمت الى إنسانيته بصلة .
والسؤال الذي نطرحه ونحاول الإجابة عليه في حدود إمكاناتنا الفنية هو :
هل استطاع ونوس إيصال ما أراد إيصاله من خلال مسرحه الى الجماهير ؟
في رأيي إن سعداً حاول أن يخلق من خلال هذا المسرح وعياً جماهيرياً عن
طريق التعليم والتسييس والتحريض مستخدماً كلّ ماأتيح له من تقنيات مسرحية
فنية حديثة في العالم ،ولكنّ مسرحاً مثل مسرح ونوس يحتاج الى جمهور من نوع
خاص الى جمهور يمتلك مقومات متلق يعمل ذهنه فما يرى ويسمع ولكن هيهات أن
يجده ونوس أو غيره
مقتبس .
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
تحقيق في أعمال سعد الله ونّوس المسرحيّ
تحقيق في أعمال سعد الله ونّوس المسرحيّة
"الحوانب الفنّية والمضمونيّة"في كتاباته المسرحيّة
"الحوانب الفنّية والمضمونيّة"في كتاباته المسرحيّة
ممَّا
لاشكَّ فيه أنَّ فترة الستّينيَّات من القرن الماضي، هي الفترة التي شهدت
تحرر العديد من دول العالم الثالث، وهي أيضاً الفترة التي طرح فيها المد
الاشتراكي في بعض الدول العربيَّة، وهي أيضاً تعدُّ العصر الذهبي للمسرح
الملحمي في عالمنا العربي، وقد حظي هذا الموضوع من عناية الكتاب ما لم
يحظَ به أي موضوع آخر، حيث يتمُّ التَّركيز على آثر الأمة الفلسطينيَّة
ونكسة /5/ حزيران 1967م. والمأساة اللبنانيَّة في تعميق الدور السِّياسي
للمسرح العربي وفي توجيه هذا المسرح نحو جماليَّات جديدة.
إنَّ ظروف عالمنا العربي ـ شائكة ومعقَدة ـ متغيِّرة ـ وتستأهل التَّفكير
العقلي، كقضيَّة المصير العربي والاهتمام بقضيَّة الحرب والسَّلام ـ ودور
الإمبريالية العالميَّة ـ فيهما والظروف الاقتصاديَّة "ونقد السَّلبيَّات،
بل ونقد الذات العربيَّة" أدَّت إلى مزيد من الاهتمام في معالجة هذا
الموضوع قبل هزيمة الخامس من حزيران 1967م. من خلال مسرحيَّات توفيق
الحكيم، عزيز أباظة، محمود تيمور، وسعد الله ونُّوس، ففي فترة ما بعد نكسة
حزيران 1967م، ظهرت الكتابات المسرحيَّة العربيَّة والتي كانت انعكاساً
وتعبيراً عن القضايا المصيريَّة، ولم يكن الانعكاس أو التعبير علة مستوى
فن الكتابة المسرحيَّة وحده، بل تجاوزه إلى منهج الإخراج المسرحي. فتحوَّل
المسرح في عديد من العروض العربيَّة إلى أداة تعليميَّة، والتَّي تتطَّلب
من المشاهد التقييم والحكم والعمل على اتخاذ موقف بغية التغير.
تعتبر حفلة سمر من أجل 5 حزيران الصيَّاغة البدئيَّة لمسرح سعد الله
ونُّوس الملتزم الذي ظل يطور أهدافه وأدواته حتى آخر أعماله بعد أن نجح
بتجاوز أعماله المسرحية القصيرة ذات النزاعات العبثية والميتافيزيقية، وما
مغامرة رأس المملوك جابر سوى تركيز على استلهام موضوعات من التراث والقصص
الشَّعبي والتاريخ، موظفاً ثقافة المسرحية الأوروبية المعاصرة، ومستفيداً
من تجاربه السابقة من أجل تأكيد شخصية مسرح عربي بمنحى تقدمي تحريضي ذي
إطار شعبي، ففي مسرحية "سهرة مع أبي خليل القباني" التي تمثل المسرحية
التي سبقتها مرحلة انتقالية ما بين تسجيليته في حفلة (سمر) وواقعيته
الملحمية (الملك) التي تميزت بما توفر فيها من وحدة متماسكة بين الشكل
والمضمون، إضافة إلى أن ونوس تعامل فيها مع الحكاية الشعبية من منطق جدلي
محققاً شكلاً من التلاحم الخلاق بمعطيات المسرح الملحمي والقادر على إبراز
الدور الكبير الذي لعبه لقاء ونوس بكل من بسكاتور، وبيتر فايس وخاصة
بريشت، مما أظهر لنا مدى استفادة سعد الله ونوس من معطيات المسرح الملحمي،
وخاصة مفهوم التغريب أو مفهوم التسييس الذي طرحه ونوس هادفاً إلى خلق حوار
بين مساحتين: الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع
الجمهور وتحاوره، والثانية هي جمهور الصالة التي تنعكس فيه كل ظواهر
الواقع ومشكلاته، ومن أجل إقامة هذا الحوار يلجأ ونوس إلى تقنيات عديدة
أهمها: استخدام لعبة المسرح داخل المسرح. ففي حفلة (سمر) تجري المناقشة
بين الصالة بما فيها من مثقفين ومسؤولين طالبي متعة، والخشبة حيث المخرج
والمؤلف وبقية أعضاء العرض من الممثلين. وهو ما نجده في (مغامرة رأس
المملوك جابر) حيث يبدو العرض المسرحي وكأنه سهرة منوعات، وكذلك في عمله
التسجيلي الوثائقي (سهرة مع أبي خليل القباني) حيث يتحرك العرض بين عروض
أبي خليل القباني المسرحية في القرن التاسع عشر والجمهور من القادة
الثقافيين والاجتماعيين والعامة. وهو نفس ما نجده في مسرحية الملك هو
الملك إذ يدخل الشخوص وأحدهم يقرأ الملاحظات الأولى ويطلب الكاتب إليهم أن
يدخلوا إلى المسرح كما لو كانوا مجموعة من لاعبي السيرك.
ومن أجل إقامة هذا الحوار يحاول ونوس أيضاً أن يضع جمهوره في قلب العرض
المسرحي، وهو لذلك يبحث عن "القاسم المشترك" بينه وبين هذا الجمهور بحيث
تظل هناك مسافة تتيح الحوار والاختلاف، وتجذب الجمهور بعيداً عن الاندماج
الذي يتوخاه المسرح الأرسطي، وقد جاء التركيز من ثم على الجماليات
الفلكلورية. ولا يتوقف التوظيف الفلكلوري على أداة بارزة كالحكواتي، بل
يمتد إلى موتيفات أخرى، مثل عنصر الحيلة، وهو عنصر بارز في القص الشعبي
العربي، حيث تجيء الحيلة وسيلة خلاص في موقف متأزم، تعجز القوة الرعناء عن
حله. ولذلك سيجيء ملعوب جابر أو حيلته ليقدم حلاً للوزير الذي عجز عن
إيجاد وسيلة للنفاذ من أسوار بغداد وأبوابها التي كان الحرس يسيجها. وفي
هذا الإطار يلفت الدارس لمسرحية "الملك هو الملك" قيام موتيفات التنكر
بدور كبير تقوم عليه المسرحية. حيث ينسف ونوس في الملك صورة الخليفة
العادل الذي تنكر ليتسلى، فوجد ظلماً فنصر المظلوم واقتص من ظالمه، جاعلاً
من الملك السأمان رجلاً باحثاً عن ضرب فج من المتعة الخشنة، وهو يمضي في
لعبته حتى لو أدت بإنسان من رعاياه إلى الجنون. وإذا كان ونوس يحول وسائل
التسلية في الجماليات الفلكلورية إلى وسائل متعة وتغريب، وذلك حين يجعل
العلاقة بين الحكواتي وجمهوره علاقة تصادم، وحين يعكس موضوع التنكر، فإنه
يوظف اللغة الشعبية والتراثية توظيفاً يؤكد مفارقة اللغة للواقع الراهن.
ولذلك يتحدث أبو عزة في مسرحية (الملك..) بلغة تجنح إلى السجع. أما عبيد
وزاهد ـ وهما رمزان للثورة ـ فهما يتحدثان لغة حديثة على نحو يولد مع لغة
أبي عزة دلالات متصارعة.
ويلجأ ونوس إلى تحقيق التغريب بكثير من الوسائل التي ثقفها عن بريشت إذ
يبدو الحضور البريختي قوياً في مسرحية الملك هو الملك، فالمسرحية مكونة من
مدخل وخاتمة وخمسة مشاهد، وأربعة فواصل، لكل مشهد وفاصل عنوان يلخص هذا
المشهد أو ذاك الفاصل، مثلما فعل بريخت في بعض أعماله التعليمية، فنجد سعد
الله ونوس قد طرح عنوان المشاهد كما يلي على لافتات مثل "عندما يضجر الملك
يتذكر أن الرعية مسلية وغنية بالطاقات الترفيهية"، والواقع والوهم
يتعاركان في بيت مواطن اسمه أبو عزة"، "الملك يعطي سريره ورداءه للمواطن
أبي عزة"، "المواطن أبو عزة يستيقظ ملكاً"، وعناوين الفواصل. مثل "حكاية
عن تاريخ التنكر وسر الجماعة السعيدة"، "محكوم على الرعية أن تعيش الآن
متنكرة"، "نذكر بأنها لعبة ـ ولنتراهن على النتيجة"... الخ وهذه اللوحات
الأربع عشرة تحدد الأحداث وتعلق عليها.
ومن وسائل التغريب في مسرحية الملك هو الملك، أن عمد سعد الله ونوس إلى
قطع الحدث، وعدم الحرص على تطوره، حتى لا يحدث التشويق أو الاندماج
بالنسبة للمشاهد، ولقد استخدم ونوس الفعل الماضي طلباً للتغريب التاريخي
وحرصاً على أن تظل هناك مسافة بين الحدث المروي والمشاهد.
عبيد: في قديم.. قديم الزمان. كانت هناك جماعة من البشر...([1])
ولا يخرج ونوس في مسرحية الملك هو الملك عن روح المسرح المرتجل، فالمسرحية
تبدأ وثمة جوقة تحاول تنظيم نفسها وتؤكد للمشاهد أن ما سوف يراه مجرد
لعبة، أي الإصرار على أن ما يحدث هو حكاية تروى، لنتعلم منها.
عبيد: (منادياً وسط الضوضاء) هي لعبة.
أبو عزة: هي لعبة.
الملك: نحن نلعب.
عبيد: الكل جاهز([2])
فالمسرحية ما هي إلا لعبة حضرها ويقود مجراها زاهد وعبيد، والمقصود
باللعبة مسرحياً، هو أننا ممثلون وأن ما نقدمه ليس محاكاة للواقع، وإنما
أمثولة تساعد على فهم بعض ما يجري في الواقع واتخاذ موقف منه. ومن هنا
عمدت المسرحية إلى كسر الإيهام تماماً، كسمة من سمات المسرح التعليمي، إلا
أن اختيار شكل اللعبة لـه وظيفتان إضافيتان كما يرى سعد الله ونوس، حيث
يقول: الأولى هي أن الأحداث والشخصيات تقدم وجهة نظر زاهد وعبيد بما
يمثلانه، لا من وجهة نظر محايدة ولو شكلياً. وبالتالي فإن لكل واحد من
شخصيات المسرحية بعدين. الأول هو أنها مع زاهد وعبيد في جماعة واحدة،
والثاني هو أنها تؤدي دوراً في أمثولة من الحيوي بالنسبة لها أن تتعمق
مغزاها، وهي تبلغه للمتفرجين. ولذا فهي غير مبنية إلا بحدود جزئية على
أساس المكونات النفسية ووحدة الطبائع وهي لا تتقمص الدور بل تشخصه، أما
الوظيفة الإضافية الثانية: فهي الحيلولة دون استغراق المتفرجين
والممثلين([3]).
ولكي يؤكد سعد الله ونوس على ألا يستغرق المشاهد والممثل في اللعبة، فإن
النص يطرح في أكثر من موضع أنها لعبة تتم في مملكة خيالية كحكاية وهمية،
ويؤكد زاهد، وعبيد أنهما سيكونان منزويين في هذه الحكاية.
مرة تظهر هنا ومرة تظهر هناك، ولكن في فواصل صغيرة وخارج سياق اللعبة([4])
وفي الفصل الثالث من مسرحية الملك هو الملك يؤكد عرقوب والسياف أنها لعبة.
عرقوب: نحن نلعب.
السياف: واللعبة تمضي حتى الآن براءة([5]).
ويؤكد سعد الله ونوس في المشهد الخامس أن الملك يلعب، ويقول عرقوب:
عرقوب... تم الملعوب وبدأ الهزل([6]).
وهكذا يؤكد سعد الله ونوس أن ما يحدث في أكثر من مشهد أنه مجرد لعبة، حتى
يمنع استغراق المشاهد والممثل في التقمص، ومن ثم يعمل على الانتباه.
لقد لجأ سعد الله ونوس إلى استخدام فرقة الإنشاد في مسرحية الملك هو الملك
وهذه الأناشيد من شأنها أن تقطع التسلسل حتى تمنع المشاهد من الاستغراق في
الحدث، ولقد تكررت هذه الأناشيد في أكثر من مشهد من مشاهد المسرحية.
مثل:
أنت مولانا الكريم،
سددت بالملك العظيم
فايق يا نسل الكرام
في نعيم لا يرام
البشر في جبينه
والخير في يمينه
فاحفظه يا رب السما،
معززاً ومكرما([7])
لاشكَّ فيه أنَّ فترة الستّينيَّات من القرن الماضي، هي الفترة التي شهدت
تحرر العديد من دول العالم الثالث، وهي أيضاً الفترة التي طرح فيها المد
الاشتراكي في بعض الدول العربيَّة، وهي أيضاً تعدُّ العصر الذهبي للمسرح
الملحمي في عالمنا العربي، وقد حظي هذا الموضوع من عناية الكتاب ما لم
يحظَ به أي موضوع آخر، حيث يتمُّ التَّركيز على آثر الأمة الفلسطينيَّة
ونكسة /5/ حزيران 1967م. والمأساة اللبنانيَّة في تعميق الدور السِّياسي
للمسرح العربي وفي توجيه هذا المسرح نحو جماليَّات جديدة.
إنَّ ظروف عالمنا العربي ـ شائكة ومعقَدة ـ متغيِّرة ـ وتستأهل التَّفكير
العقلي، كقضيَّة المصير العربي والاهتمام بقضيَّة الحرب والسَّلام ـ ودور
الإمبريالية العالميَّة ـ فيهما والظروف الاقتصاديَّة "ونقد السَّلبيَّات،
بل ونقد الذات العربيَّة" أدَّت إلى مزيد من الاهتمام في معالجة هذا
الموضوع قبل هزيمة الخامس من حزيران 1967م. من خلال مسرحيَّات توفيق
الحكيم، عزيز أباظة، محمود تيمور، وسعد الله ونُّوس، ففي فترة ما بعد نكسة
حزيران 1967م، ظهرت الكتابات المسرحيَّة العربيَّة والتي كانت انعكاساً
وتعبيراً عن القضايا المصيريَّة، ولم يكن الانعكاس أو التعبير علة مستوى
فن الكتابة المسرحيَّة وحده، بل تجاوزه إلى منهج الإخراج المسرحي. فتحوَّل
المسرح في عديد من العروض العربيَّة إلى أداة تعليميَّة، والتَّي تتطَّلب
من المشاهد التقييم والحكم والعمل على اتخاذ موقف بغية التغير.
تعتبر حفلة سمر من أجل 5 حزيران الصيَّاغة البدئيَّة لمسرح سعد الله
ونُّوس الملتزم الذي ظل يطور أهدافه وأدواته حتى آخر أعماله بعد أن نجح
بتجاوز أعماله المسرحية القصيرة ذات النزاعات العبثية والميتافيزيقية، وما
مغامرة رأس المملوك جابر سوى تركيز على استلهام موضوعات من التراث والقصص
الشَّعبي والتاريخ، موظفاً ثقافة المسرحية الأوروبية المعاصرة، ومستفيداً
من تجاربه السابقة من أجل تأكيد شخصية مسرح عربي بمنحى تقدمي تحريضي ذي
إطار شعبي، ففي مسرحية "سهرة مع أبي خليل القباني" التي تمثل المسرحية
التي سبقتها مرحلة انتقالية ما بين تسجيليته في حفلة (سمر) وواقعيته
الملحمية (الملك) التي تميزت بما توفر فيها من وحدة متماسكة بين الشكل
والمضمون، إضافة إلى أن ونوس تعامل فيها مع الحكاية الشعبية من منطق جدلي
محققاً شكلاً من التلاحم الخلاق بمعطيات المسرح الملحمي والقادر على إبراز
الدور الكبير الذي لعبه لقاء ونوس بكل من بسكاتور، وبيتر فايس وخاصة
بريشت، مما أظهر لنا مدى استفادة سعد الله ونوس من معطيات المسرح الملحمي،
وخاصة مفهوم التغريب أو مفهوم التسييس الذي طرحه ونوس هادفاً إلى خلق حوار
بين مساحتين: الأولى هي العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع
الجمهور وتحاوره، والثانية هي جمهور الصالة التي تنعكس فيه كل ظواهر
الواقع ومشكلاته، ومن أجل إقامة هذا الحوار يلجأ ونوس إلى تقنيات عديدة
أهمها: استخدام لعبة المسرح داخل المسرح. ففي حفلة (سمر) تجري المناقشة
بين الصالة بما فيها من مثقفين ومسؤولين طالبي متعة، والخشبة حيث المخرج
والمؤلف وبقية أعضاء العرض من الممثلين. وهو ما نجده في (مغامرة رأس
المملوك جابر) حيث يبدو العرض المسرحي وكأنه سهرة منوعات، وكذلك في عمله
التسجيلي الوثائقي (سهرة مع أبي خليل القباني) حيث يتحرك العرض بين عروض
أبي خليل القباني المسرحية في القرن التاسع عشر والجمهور من القادة
الثقافيين والاجتماعيين والعامة. وهو نفس ما نجده في مسرحية الملك هو
الملك إذ يدخل الشخوص وأحدهم يقرأ الملاحظات الأولى ويطلب الكاتب إليهم أن
يدخلوا إلى المسرح كما لو كانوا مجموعة من لاعبي السيرك.
ومن أجل إقامة هذا الحوار يحاول ونوس أيضاً أن يضع جمهوره في قلب العرض
المسرحي، وهو لذلك يبحث عن "القاسم المشترك" بينه وبين هذا الجمهور بحيث
تظل هناك مسافة تتيح الحوار والاختلاف، وتجذب الجمهور بعيداً عن الاندماج
الذي يتوخاه المسرح الأرسطي، وقد جاء التركيز من ثم على الجماليات
الفلكلورية. ولا يتوقف التوظيف الفلكلوري على أداة بارزة كالحكواتي، بل
يمتد إلى موتيفات أخرى، مثل عنصر الحيلة، وهو عنصر بارز في القص الشعبي
العربي، حيث تجيء الحيلة وسيلة خلاص في موقف متأزم، تعجز القوة الرعناء عن
حله. ولذلك سيجيء ملعوب جابر أو حيلته ليقدم حلاً للوزير الذي عجز عن
إيجاد وسيلة للنفاذ من أسوار بغداد وأبوابها التي كان الحرس يسيجها. وفي
هذا الإطار يلفت الدارس لمسرحية "الملك هو الملك" قيام موتيفات التنكر
بدور كبير تقوم عليه المسرحية. حيث ينسف ونوس في الملك صورة الخليفة
العادل الذي تنكر ليتسلى، فوجد ظلماً فنصر المظلوم واقتص من ظالمه، جاعلاً
من الملك السأمان رجلاً باحثاً عن ضرب فج من المتعة الخشنة، وهو يمضي في
لعبته حتى لو أدت بإنسان من رعاياه إلى الجنون. وإذا كان ونوس يحول وسائل
التسلية في الجماليات الفلكلورية إلى وسائل متعة وتغريب، وذلك حين يجعل
العلاقة بين الحكواتي وجمهوره علاقة تصادم، وحين يعكس موضوع التنكر، فإنه
يوظف اللغة الشعبية والتراثية توظيفاً يؤكد مفارقة اللغة للواقع الراهن.
ولذلك يتحدث أبو عزة في مسرحية (الملك..) بلغة تجنح إلى السجع. أما عبيد
وزاهد ـ وهما رمزان للثورة ـ فهما يتحدثان لغة حديثة على نحو يولد مع لغة
أبي عزة دلالات متصارعة.
ويلجأ ونوس إلى تحقيق التغريب بكثير من الوسائل التي ثقفها عن بريشت إذ
يبدو الحضور البريختي قوياً في مسرحية الملك هو الملك، فالمسرحية مكونة من
مدخل وخاتمة وخمسة مشاهد، وأربعة فواصل، لكل مشهد وفاصل عنوان يلخص هذا
المشهد أو ذاك الفاصل، مثلما فعل بريخت في بعض أعماله التعليمية، فنجد سعد
الله ونوس قد طرح عنوان المشاهد كما يلي على لافتات مثل "عندما يضجر الملك
يتذكر أن الرعية مسلية وغنية بالطاقات الترفيهية"، والواقع والوهم
يتعاركان في بيت مواطن اسمه أبو عزة"، "الملك يعطي سريره ورداءه للمواطن
أبي عزة"، "المواطن أبو عزة يستيقظ ملكاً"، وعناوين الفواصل. مثل "حكاية
عن تاريخ التنكر وسر الجماعة السعيدة"، "محكوم على الرعية أن تعيش الآن
متنكرة"، "نذكر بأنها لعبة ـ ولنتراهن على النتيجة"... الخ وهذه اللوحات
الأربع عشرة تحدد الأحداث وتعلق عليها.
ومن وسائل التغريب في مسرحية الملك هو الملك، أن عمد سعد الله ونوس إلى
قطع الحدث، وعدم الحرص على تطوره، حتى لا يحدث التشويق أو الاندماج
بالنسبة للمشاهد، ولقد استخدم ونوس الفعل الماضي طلباً للتغريب التاريخي
وحرصاً على أن تظل هناك مسافة بين الحدث المروي والمشاهد.
عبيد: في قديم.. قديم الزمان. كانت هناك جماعة من البشر...([1])
ولا يخرج ونوس في مسرحية الملك هو الملك عن روح المسرح المرتجل، فالمسرحية
تبدأ وثمة جوقة تحاول تنظيم نفسها وتؤكد للمشاهد أن ما سوف يراه مجرد
لعبة، أي الإصرار على أن ما يحدث هو حكاية تروى، لنتعلم منها.
عبيد: (منادياً وسط الضوضاء) هي لعبة.
أبو عزة: هي لعبة.
الملك: نحن نلعب.
عبيد: الكل جاهز([2])
فالمسرحية ما هي إلا لعبة حضرها ويقود مجراها زاهد وعبيد، والمقصود
باللعبة مسرحياً، هو أننا ممثلون وأن ما نقدمه ليس محاكاة للواقع، وإنما
أمثولة تساعد على فهم بعض ما يجري في الواقع واتخاذ موقف منه. ومن هنا
عمدت المسرحية إلى كسر الإيهام تماماً، كسمة من سمات المسرح التعليمي، إلا
أن اختيار شكل اللعبة لـه وظيفتان إضافيتان كما يرى سعد الله ونوس، حيث
يقول: الأولى هي أن الأحداث والشخصيات تقدم وجهة نظر زاهد وعبيد بما
يمثلانه، لا من وجهة نظر محايدة ولو شكلياً. وبالتالي فإن لكل واحد من
شخصيات المسرحية بعدين. الأول هو أنها مع زاهد وعبيد في جماعة واحدة،
والثاني هو أنها تؤدي دوراً في أمثولة من الحيوي بالنسبة لها أن تتعمق
مغزاها، وهي تبلغه للمتفرجين. ولذا فهي غير مبنية إلا بحدود جزئية على
أساس المكونات النفسية ووحدة الطبائع وهي لا تتقمص الدور بل تشخصه، أما
الوظيفة الإضافية الثانية: فهي الحيلولة دون استغراق المتفرجين
والممثلين([3]).
ولكي يؤكد سعد الله ونوس على ألا يستغرق المشاهد والممثل في اللعبة، فإن
النص يطرح في أكثر من موضع أنها لعبة تتم في مملكة خيالية كحكاية وهمية،
ويؤكد زاهد، وعبيد أنهما سيكونان منزويين في هذه الحكاية.
مرة تظهر هنا ومرة تظهر هناك، ولكن في فواصل صغيرة وخارج سياق اللعبة([4])
وفي الفصل الثالث من مسرحية الملك هو الملك يؤكد عرقوب والسياف أنها لعبة.
عرقوب: نحن نلعب.
السياف: واللعبة تمضي حتى الآن براءة([5]).
ويؤكد سعد الله ونوس في المشهد الخامس أن الملك يلعب، ويقول عرقوب:
عرقوب... تم الملعوب وبدأ الهزل([6]).
وهكذا يؤكد سعد الله ونوس أن ما يحدث في أكثر من مشهد أنه مجرد لعبة، حتى
يمنع استغراق المشاهد والممثل في التقمص، ومن ثم يعمل على الانتباه.
لقد لجأ سعد الله ونوس إلى استخدام فرقة الإنشاد في مسرحية الملك هو الملك
وهذه الأناشيد من شأنها أن تقطع التسلسل حتى تمنع المشاهد من الاستغراق في
الحدث، ولقد تكررت هذه الأناشيد في أكثر من مشهد من مشاهد المسرحية.
مثل:
أنت مولانا الكريم،
سددت بالملك العظيم
فايق يا نسل الكرام
في نعيم لا يرام
البشر في جبينه
والخير في يمينه
فاحفظه يا رب السما،
معززاً ومكرما([7])
وحين يعكس سعد الله ونوس موضوع التنكر فإنه يوظف اللعب الشعبية والتراثية
بعامة، توظيفاً يؤكد مفارقة اللغة للواقع الراهن، ولذلك يتحدث أبو عزة
بلغة تجنح إلى السجع، مثل "أصبح سلطان هذه البلاد، وأشد القبضة على العباد
(مغنياً) انقش الختم على البياض، فينقضي أمري بلا اعتراض"([8]) ولقد كان
لغة عبيد وزاهد رمزاً للثورة كما رأينا سابقاً. لغة حديثة على نحو يولد مع
لغة أبي عزة دلالات متصارعة، إلى جانب القيمة التعليمية المباشرة في معظم
أقوال عبيد وزاهر.
عبيد: في هذه المرحلة يجب أن ننظم السباق بشكل محكم هم يُمْعنون في
الإرهاب ونحن نمعن في التنكر والتناقضات تنمو، وحركتنا تشتد، ينبغي أن
نتواقف مع اللحظة المواتية، لا نبكر ولا نتأخر.
وكأن عبيد، يلقن الصالة درساً في أصول التنكر الإيجابي الثوري. كذلك عندما
يقوم عبيد بدور الراوي، عند حكايته عن الأصل التاريخي للتنكر، وكيفية
الخلاص منه. وفي الفصل الثالث من مسرحية الملك هو الملك يكون الحوار بين
عرقوب والسياف وعبيد وزاهد يغلب عليه الطابع التعليمي أيضاً وبشكل مباشر.
السياف: في الحيطة السلامة. ومن الحيطة أن نذكر.
عرقوب: كيلا يغفل المرء، ويسرح الفكر. نتوقف لحظة ونذكر.
عبيد: ما من ملك يتخلى عن عرشه إلاَّ اقتلاعاً.
زاهد: ما من ملك يعير، أو يؤجر تاجه ولو مزاحاً([9]).
محمود: علامة النهاية أن ينسى الملك شرطه، ويعامل بالاستخفاف ثوبه
وتاجه([10]) وفي خاتمة المسرحية، يقرر عرقوب أنها لعبة كنت فيها الشاهد
والضحية. ولكن هل تعلمت شيئاً([11]) وكذلك السياف الذي كان المنظم والضحية
والذي صار مجرد ظل أو غبار ولكن "ماذا يمكن أن يتعلم الظل أو
الغبار"([12]).
وتبدأ مسرحية الملك هو الملك وتنتهي، وثمة جوقة تقدم المسرحية أو اللعبة
وتخاطب المشاهدين وتحكي لهم حكاية الجماعة التي ضاقت بحياتها واشتعل غضبها
فهبت تأكل مليكها، وتنتهي المسرحية طارحة درسها على المشاهد.
السياف: دعوني أسأل قبل أن أبدأ. أ أنا سياف أم جلاد..)
إني أحمل بلطة لا سيفاً([13]).
عبيد: أما الشهبندر والشيخ طه، فإنهما ينتحيان ركناً ويعبثان بالشخوص والدمى...
(الشيخ طه والشهبندر) معاً.. ونحن.. من المحراب ومن السوق نمسك الخيوط([14]).
الوزير: أنا الوزير بربير الخطير. لا أتمنى إلا أن أظل إلى جانب الملك([15]).
ميمون: إني ميمون حاجب إيوان الملك ومقصورته([16]).
عرقوب: وعرقوب بماذا يحلم؟
عرقوب: (مشيراً إلى أبي عزة) هذا معلمي، وأنا خادمه.
عبيد: أما نحن، فأفضل أن يدرز كل منا شفتيه، ولا يبوح بما يجول في خاطره.
زاهد: سنبقى منزويين في هذه الحكاية كما هو حالنا في الحياة([17]).
بعامة، توظيفاً يؤكد مفارقة اللغة للواقع الراهن، ولذلك يتحدث أبو عزة
بلغة تجنح إلى السجع، مثل "أصبح سلطان هذه البلاد، وأشد القبضة على العباد
(مغنياً) انقش الختم على البياض، فينقضي أمري بلا اعتراض"([8]) ولقد كان
لغة عبيد وزاهد رمزاً للثورة كما رأينا سابقاً. لغة حديثة على نحو يولد مع
لغة أبي عزة دلالات متصارعة، إلى جانب القيمة التعليمية المباشرة في معظم
أقوال عبيد وزاهر.
عبيد: في هذه المرحلة يجب أن ننظم السباق بشكل محكم هم يُمْعنون في
الإرهاب ونحن نمعن في التنكر والتناقضات تنمو، وحركتنا تشتد، ينبغي أن
نتواقف مع اللحظة المواتية، لا نبكر ولا نتأخر.
وكأن عبيد، يلقن الصالة درساً في أصول التنكر الإيجابي الثوري. كذلك عندما
يقوم عبيد بدور الراوي، عند حكايته عن الأصل التاريخي للتنكر، وكيفية
الخلاص منه. وفي الفصل الثالث من مسرحية الملك هو الملك يكون الحوار بين
عرقوب والسياف وعبيد وزاهد يغلب عليه الطابع التعليمي أيضاً وبشكل مباشر.
السياف: في الحيطة السلامة. ومن الحيطة أن نذكر.
عرقوب: كيلا يغفل المرء، ويسرح الفكر. نتوقف لحظة ونذكر.
عبيد: ما من ملك يتخلى عن عرشه إلاَّ اقتلاعاً.
زاهد: ما من ملك يعير، أو يؤجر تاجه ولو مزاحاً([9]).
محمود: علامة النهاية أن ينسى الملك شرطه، ويعامل بالاستخفاف ثوبه
وتاجه([10]) وفي خاتمة المسرحية، يقرر عرقوب أنها لعبة كنت فيها الشاهد
والضحية. ولكن هل تعلمت شيئاً([11]) وكذلك السياف الذي كان المنظم والضحية
والذي صار مجرد ظل أو غبار ولكن "ماذا يمكن أن يتعلم الظل أو
الغبار"([12]).
وتبدأ مسرحية الملك هو الملك وتنتهي، وثمة جوقة تقدم المسرحية أو اللعبة
وتخاطب المشاهدين وتحكي لهم حكاية الجماعة التي ضاقت بحياتها واشتعل غضبها
فهبت تأكل مليكها، وتنتهي المسرحية طارحة درسها على المشاهد.
السياف: دعوني أسأل قبل أن أبدأ. أ أنا سياف أم جلاد..)
إني أحمل بلطة لا سيفاً([13]).
عبيد: أما الشهبندر والشيخ طه، فإنهما ينتحيان ركناً ويعبثان بالشخوص والدمى...
(الشيخ طه والشهبندر) معاً.. ونحن.. من المحراب ومن السوق نمسك الخيوط([14]).
الوزير: أنا الوزير بربير الخطير. لا أتمنى إلا أن أظل إلى جانب الملك([15]).
ميمون: إني ميمون حاجب إيوان الملك ومقصورته([16]).
عرقوب: وعرقوب بماذا يحلم؟
عرقوب: (مشيراً إلى أبي عزة) هذا معلمي، وأنا خادمه.
عبيد: أما نحن، فأفضل أن يدرز كل منا شفتيه، ولا يبوح بما يجول في خاطره.
زاهد: سنبقى منزويين في هذه الحكاية كما هو حالنا في الحياة([17]).
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
رد: في رحاب البكالوريا
وإلى جانب حيله بالتعريف بالشخصيات، في مسرحية سعد الله ونوس، الملك هو
الملك لجأ إلى وسيلة بريختية أخرى، وهي المشاهد الإيمائية، فمثلما استخدم
بريخت في مسرحية (رجل برجل)، مشهد الجنود الإنكليز وهم يسلمون ملابس
زميلهم المفقود جرايا جيب إلى المغفل غالي غاي، ويتحول من مجرد حمال مغفل
إلى جندي نشيط، يستخدم سعد الله ونوس في مسرحية الملك هو الملك، نفس
الحيلة عندما يعطي أبو عزة المغفل تاج ورداء الملك ويتحول بذلك من مغفل
إلى ملك. وإن كانت الفكرة الأساسية في المسرحية مختلفة في المسرحيتين عند
كل من بريخت وسعد الله ونوس. إذ أن أبا عزة عند سعد الله ونوس، لم يتحول
باختياره، كما هو حال غالي غاي، كما أنه لم يتدخل في سياق تبدله الذي يتم
لا إرادياً وعبر لعبة آلة تعمل بانتظام وتشفط الأشخاص لتقولبهم حسب
مقاساتهم. فالرداء لا يلعب عند بريخت إلا دوراً ثانوياً، أما عند سعد الله
ونوس فقد لعب دوراً أساسياً "لبس الرداء فأصبح ملكاً، أعطني رداء وتاجاً،
أعطك ملكاً"([18]).
في مسرحية الملك هو الملك، ليس هناك بناء درامي تقليدي من عقدة وحل وعلاقة
سببية بين المشاهد، بل هناك بناء يقوم على المشاهد، والفواصل، فالمشاهد
الخمسة، تكون للملك والحاشية وأبو عزة وأسرته، أما الفواصل الأربعة
فمعظمها للثوار، ويغلب عليها الطابع التعليمي، لكن رغم استقلالية المشاهد
والفواصل، إلا أنها في النهاية تصب في البناء الشامل للمسرحية، الذي يعتمد
على الحدوتة كهيكل أساسي للبناء، كما أن الشخصية لم تلغ، إذ ركز سعد الله
ونوس على جدلية علاقاتها، كمستويات للتنكر.
في مسرحية الملك هو الملك يكون الحوار في بعض المشاهد على مستويين، الحلم
والواقع، فعندما ترك عرقوب سيده أبا عزة وحده، ليحضر لـه الشراب، يبقى أبو
عزة وحده... ويتخيل أنه أصبح ملكاً يعذب أعداءه. وهو ما لن يحدث أبداً
عندما يتحقق الحلم عن طريق اللعبة وكأنه مسرح داخل مسرح، يمثل فيه ممثل
واحد.
أما أطراف الصراع في مسرحية الملك هو الملك فهو صراعٌ واضح وإن كان غير
مباشر فهو بين الشعب من جهة وبين السلطة من جهة أخرى أيما كانت السلطة،
ومهما تغير الملك، أما زاهد وعبيد فيقودان اللعبة، وأبو عزة وعرقوب سقطا
في سياق اللعبة، أما من يحرك الخيوط ويعبث بالدمى المعلقة بخيوط، فهما
شهبندر التجار والشيخ طه، أي الاقتصاد والدين.
وتبدأ مسرحية الملك هو الملك بمدخل، وتنتهي المسرحية بخاتمة كما بدأت، حيث
الملك وراءه الوزير ومقدم الأمن وميمون والسياف، يشكلون مجموعة تقف على
يسار الخشبة وورائهم الشهبندر والإمام يرقصان الدمى كما في المدخل، وفي
الطرف المقابل من المسرح يقف زاهد وعبيد.
الملك: لعبة، ربما كانت لعبة (لهجة لصادر الأوامر) من الآن فصاعداً اللعب ممنوع.
المجموعة: (وراءه) اللعب ممنوع.
الملك: والوهم ممنوع، والخيال ممنوع، والحلم ممنوع([19]).
ففي الفترة التي تحتد فيها التناقضات في المجتمعات الطبقية، وتتصاعد حركة
النضال من الحتمي والطبيعي أن يشتد الإرهاب، وتتمادى السلطة في استخدام
القمع.
وهكذا استطاع سعد الله ونوس في الملك هو الملك أن يطرح للمشاهد العربي،
شكلاً مسرحياً ملحمياً، استخدم وسيلة التغريب لكسر إيهام المتلقي، وجعله
يقظاً، حتى يتمكن الكاتب من طرح رؤية فكرية وسياسية واضحة إلى جماهيره من
القراء والمشاهدين.
ويمكن القول أن الدرس السياسي الواضح الذي طرحته المسرحية يتمثل في أن
تغيير الأفراد لا يعني إطلاقاً تغيير الأنظمة، فليست المسألة مسألة شكل
فقط، وتغيير الشكل، لا يعني بحال من الأحوال تغيير المضمون أو الجوهر.
فعلى الأنظمة أن تتغير من قواعدها والقضاء على التنكر والاستلاب، وأن سعد
الله ونوس لا يكتفي بخلق المسرح داخل المسرح أو توظيف أدوات التراث
الفلكلوري وحسب، بل يلجأ إلى وسائل أخرى مختلفة منها: قطع الحدث وعدم
الحرص أو تناميه، حتى لا يحدث التشويق أو الاندماج بالنسبة للمشاهد، وفي
هذه الحالة يستخدم ونوس الفعل الماضي توخياً للتغريب التاريخي، وحرصاً على
أن تظل هناك مسافة ما بين الأحداث المحكية والمتفرج، تقي الأخير الاندماج
مع البطل وتقمص شخصيته.
إن استخدام اللافتات التي تشرح المشهد أو تومئ إلى دلالته الفكرية من
الوسائل الأخرى المختلفة التي لجأ إليها ونوس، ففي مسرحية الملك هو الملك
أربع عشرة لافتة، تحدد لنا الأحداث أو تعلق عليها. وأحياناً يلجأ ونوس إلى
التذكير بما قدَّمه لنا في بداية المسرحية، وذلك حينما تتطور الأحداث إلى
نقطة مهمة ستترتب عليها نتائج خطيرة والأمر الآخر من هذه الوسائل هو تكرار
شخصية الممثل في أكثر من مشهد، فهو يحرص على إخبارنا بأن الممثلين اللذين
قاما بدور الوزير وأحد أعوانه، هما الآن يمثلان دوري الخليفة المقتدر
بالله وأخيه عبد الله. ولا يقف التكرار عند شخصية الممثل بل يتعداه إلى
تكرار الموقف بدلالته دون كلماته. وهذا ما نجده في سخرية الوزير من عامة
بغداد، وسخرية الأمير عبد الله منه، وكأن ونوس هنا يؤكد معنى فكرياً يشير
إلى عدم وجود خلاف بين المتصارعين على السلطة بالإضافة إلى المشاهد
الإيمائية التي استخدمها ونوس في مشهد خلع الملك ووزيره لملابسهما الرسمية
وارتدائهما الملابس التنكرية. كذلك في مشهد حلق شعر المملوك جابر.
هذه هي التقنيات التي استطاع بها ونوس أن يقدم تغريباً مسرحياً، في محاولة
منه لصياغة رؤيته الفكرية والتي تمحورت حول السلطة. أما من ناحية المضمون
وبعد عرضنا لمسرحية الملك هو الملك، وقراءتنا الأخرى لمسرحياته، فقد صار
بإمكاننا أن نعطي فكرة عن مفهوم سعد الله ونوس للسلطة وهو التركيز على
موضوع هوية السلطة إذ أن تغيير الأشخاص في السلطة لا يعني تغير النظام.
هذه الفكرة موجودة في "مغامرة رأس المملوك جابر" وفيها يبين أن أشكال
السلطة مهما تنوعت فهي تلتقي في جوهر واحد. الأدوار تتغير لكن الشخص
الموجود في السلطة لا يغير من سلوكه. وهي الفكرة نفسها تتردد في "سهرة مع
أبي خليل القباني" على لسان أنور: "إن تغير الحكام لا يعني تغير
القوانين". في "الملك هو الملك" يؤكد ونوس أن تغير الملك مع استمرار
النظام هو حدث عابر أو انقلاب عسكري ثانوي الأهمية ويكفي أن تتوفر بعض
الشروط، وأحياناً الشكلية كي يتغير الحاكم وهذا يعني أن السلطة تكمن في
مظهرها. وهذا واضح في مسرحية "سهرة مع أبي خليل القباني" حيث يرمز إلى
الحاكم بقناع. الحكام يتغيرون، القناع يبقى في "الملك هو الملك" تتردد
مقولة "اعطني رداء وتاجاً أعطك ملكاً"([20]) إن الملك أو الحاكم ينحل في
مجموعة من الرموز والعلائم:
الثوب، الصولجان، العرش، التقاليد والحاشية ومأساة الحاكم تبدأ حين ينسى
أن شرطه الحقيقي هو بالذات رموزه أي حين يتوهم أن لديه إمكانيات خاصة
بمعزل عن رموزه... و نذكر هنا أن مأساة الملك في المسرحية قد بدأت تماماً
حين ضجر، وحين ظن أن العرش لـه مقاس واحد هو مقاسه كرجل، كذلك حين عامل
بالاستخفاف علاماته الملكية. معنى هذا، أن الحاكم يبدأ انهياره حين يفتش
عن وجهه متمرداً على الأغلال في التجريد، أو الرموز المخصصة لـه، إلى جانب
هذا يربط ونوس السلطة بالملكية، فالحاكم يقف على رأس الطبقة التي تملك.
وإذا كان أبو عزة قد استطاع أن يصبح الرداء والتاج، فلأنه مازال ينتمي
فكرياً، ورغم إفلاسه إلى طبقة الثراء والسلطة وإن كان قد خرج من هذه
الطبقة فما كان ذلك إلا بسبب من ظرف معين يتصل بالطبقة، ولا يتصل بإرادة
أبي عزة نفسه. هذا الخروج جاء كنتيجة أو محصلة منطقية لشكل صراع ثانوي
يقوم بين المالكين أنفسهم عادة حيث لا يتوانى الواحد منهم عن التهام الآخر
حياً إذا اقتضت ذلك ضرورة تنمية رأس المال أو الدفاع عنه.
ولكي تكتمل الصورة عن هوية السلطة، فإن ونوس يحلل آلية السلطة من خلال
ربطها بالإرهاب الذي يعتبره حتمية سياسية لهذا النوع من السلطات. إن شرط
استمرار الحاكم يكمن في تحويله إلى طاغية ونصوص ونوس تتضمن أكثر من إيماءة
لهذه الفكرة.
ففي مسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" كل قصر من القصور الثلاثة ملحق
بمكان مخبوء يكشف سر السلطة، إنه غرفة الجلاد، غرفة بلا نوافذ، طريق لا
يؤدي إلى مكان. ومدينة بغداد تتحول بأسرها إلى سجن كبير مقفل الأبواب. أما
في مسرحية "سهرة مع أبي خليل القباني" فالسجون لم تعد تتسع للأحرار العرب
وخليج البوسفور يبتلع المئات منهم كل يوم. وفي "الملك هو الملك" يشهر أبو
عزة البلطة ويمنع اللعب، والوهم، الحلم.
إن آلة الدولة هي التي تتكلم وتصيح وتمسك البلطة ومن أجل تأكيد هذه
الفكرة، يسعى ونوس في كل مسرحياته إلى إيجاد شكل من الارتباط بالسلطة
الاقتصادية من جهة والسلطة السياسية من جهة أخرى بما يهدف إلى تكريس الظلم
والإرهاب والاضطهاد. وذلك من خلال التنسيق في العمل، أو عن طريق توظيف
منابر المساجد والكتاتيب لأغراض الطبقة المهيمنة على الاقتصاد والسلطة.
إن علاقة المثقف بالسلطة الذي عالجه الكاتب في مسرحية "حفلة سمر من أجل 5
حزيران" من خلال شخصية عبد الغني الذي يمزق نصه، وهو نص نموذجي للتعميم
والترويض والتعبئة المزيفة، ويسخر منه وينضم إلى المتفرجين "الذين يكنون
عن الشعب" ويشجعهم على احتلال الخشبة ورواية حكاياتهم، وشخصية القباني في
"سهرة..." الذي يقف في وجه الجمود الفكري والتردي الثقافي، ويريد أن يصلح
بالمسرح عن طريق تنوير الأفكار، فيغدو المسرح ذاته نضاله ومعركته، إن
القباني هو الوحيد الذي تنطبق عليه صفة البطل (بالمعنى الدرامي) في مجموعة
سعد الله ونوس، إنه الشخصية الوحيدة التي يسبب خلاصها الارتياح وهلاكها
الشفقة والفزع، والقباني في المسرحية، هو حلم سعد الله ونوس، إنه المثقف
الحديث الذي تهدد كلامه سلطة مضادة، على النقيض من موقف هؤلاء المثقفين
هناك موقف "المخرج في مسرحية حفلة سمر..." الذي ينحاز إلى السلطة ويصبح
أداة ورمزاً لها، وموقف جابر في "مغامرة..." هذا الذكي الذي أعار رأسه
للسلطة تملي عليه نصها، وإذا كان ونوس قد اكتفى بالكشف عن التطابق بين
البنية السلطوية والبنية المسرحية من خلال شخصية المخرج فإنه يقوم بمعاقبة
"جابر" بقطع رأسه أو رأس صورته الاستيهامية، مهدداً في الوقت نفسه كل مثقف
يتنازل عن رأسه للسلطة.
أما الصورة اللائقة بالمثقف فهي كما يقدمها ونوس خلال شخصية "الحكواتي" في
"المغامرة..." والمنادي وأنور وعبد العليم في "سهرة..." وزاهد وعبيد في
"الملك..." صورة المؤرخ ومفسر التاريخ، الذي يقوم بعملية التوعية باعتبار
أن التعليم وفي بعض مراحل النضال ليس ضرورياً فقط، وإنما هو فعل لازم
وملازم لإنجاز الثورة.
إن موضوع سلطة المسرح الذي عالجه ونوس من خلال فكرتين: الفكرة الأولى هي
فكرة "مسرح التسييس" أما الثانية فهي فكرة "تسييس المسرح" وبين الفكرتين
فارق ظاهر، فمسرح التسييس كما يتمثل في "مغامرة رأس المملوك جابر" وفي
"سهرة مع أبي خليل القباني" هو المسرح الذي يقوم على تحريك الوعي بالشأن
العام، وإقناع الفرد بأنه معني مباشرة على مستوى اللقمة والأمن والعرض،
بالأحداث العامة مهما بدت بعيدة، أما تسييس المسرح فهو الإلحاح على البعد
السياسي للمسرح، والكشف عن التطابق بين البنية المسرحية والبنية السلطوية
أو إظهار المسرح كنموذج ورمز للسلطة، إضافة إلى كونه أداة لها، وهذا يفسر
إلحاح الكاتب على موضوعات تشمل سلطة الخشبة، وتبنى بشكل مسرحية داخل
مسرحية بحيث يقوم بين المسرحيتين تضاد فإما أن تنقض إحداهما الأخرى أو
تكشف تهافتها.
ويتحرك الكاتب باستمرار في اتجاه كسر سلطوية الخشبة، ونقل موقع الكلام
الفاعل إلى الصالة أو القاعدة، ففي "حفلة سمر..." يسخر ونوس قسماً كبيراً
من المسرحية، لنقد الظاهرة المسرحية وتقديمها كإشكالية سياسية سلطوية، من
خلال كشفه للعلاقة بين المسرح والجمهور، وإظهاره للخشبة كاغتصاب للكلام
وتغييب لنص الجمهور، مسرحية "الملك هو الملك" حيث تقدم نقداً لهذه السلطة
المزدوجة، (السلطة ـ المسرح) فعلى المستوى المباشر تشكل المسرحية نقداً
تحليلياً للسلطة من حيث هي موقع وبنية مركبة متحكمة، غير أن للمسرحية
قراءة ثانية تقوم على المماثلة بين كرسي السلطة والخشبة، وعلى دخول الممثل
في الدور وتنكره لشخصه، وعلى سطوة الدور، ولذلك جعل ونوس كرسي العرش ضخماً
يستوعب معظم مساحة الخشبة، يصعد إليه الملك ببضع درجات، وتنسدل من التاج
الذي يعلوه ستارة تشبه ستارة المسرح، فالملك في المسرح هو الملك، يستمد
هويته من الدور، ولا تقوم لهويته الشخصية قائمة حسب ما يقتضيه فن التمثيل.
أما علاقة السلطة بالشعب، فتبرز من خلال نصوص ونوس المسرحية كوجهة نظر
متجددة حول علاقة القوتين (السلطة ـ الشعب). فونوس يسخر في "حفلة سمر" من
السلطة التي تحاول أن تكرس عدداً من الصيغ الفكرية التي كان أبرزها
الإلحاح على تناغم السلطة والشعب في كل واحد، تنعدم فيه الفروق والتمايزات.
ويركز على إبراز الانفصال بين السلطة والشعب في مسرحية "مغامرة..." حيث
يستيقظ الناس في بغداد على أصوات حرس الخليفة وهم ينطلقون إلى أبواب بغداد
لإغلاقها ومنع خروج الناس منها، وكان هذا يعني لدى العامة أن الأمور قد
بلغت حداً من التوتر ينبئ بشر عظيم وفي هذا الوضع لم يكن من بين سكان
بغداد من يسأل عن سبب الصراع، وما دامت الأمور قد ساءت بين الطرفين
المتصارعين، فقد نشأ خوف عظيم يترجمه البغداديون في تكالبهم على الخبز،
محاولين ابتياع أكبر قدر منه تحسباً للأيام القادمة، وإذا كان عامة بغداد
لا يعرفون شيئاً عن أسباب الصراع القائم بين الخليفة ووزيره، وإذا كان أهل
القرية المدمرة في "حفلة سمر..." لا يعرفون شيئاً عن الحرب ولا يفهمون
معنى للوطن، فإن ذلك أمر طبيعي في ذلك العالم المدجن، الذي تقوم فيه علاقة
الملك برعيته على أساس من كونهم وسخاً يمكن أن ينقذ الملك حين يشعر
بالضجر، ومن ثم لا يوجد طريق واحد لكي يعرف حياتهم وعلاقاتهم، هو الذي
يشير إليه الوزير حين يقول: إن التقارير الأمنية تحمل إليك المدينة عارية
إلى هذه القاعة، كل المجريات والأفكار فلماذا تعرض شخصك السامي للاحتكاك
بالزنخ والوساخة؟
وبالرغم من هذا الانفصال بين الطرفين فإن كل المغبونين في عالم ونوس لا
يجدون وسيلة لاستعادة حقوقهم سوى التوجه إلى هذه السلطة يحدث هذا في "حفلة
سمر..." حين يتجه الجميع إلى السلطة.. بحثاً عن المسؤول عن النكسة، أما في
"الملك هو الملك" فقد كان أقصى ما يتمناه المرء أن يقابل الملك في هذا
العالم المدجن، القائم على علاقات قسر معممة، يضحي الفرد عاجزاً عن الفعل،
إنه فاقد للانتماء لجماعته، غير قادر على التواصل معها، بل يضطره ضغط
الحاجة إلى الإقدام على اقتراف الجرائم في حقها، مثلما نجد في شخصيات جابر
في "المغامرة...": وعرقوب في "الملك ..." والقسر في هذا العالم غير مقصور
على الفرد، بل يتعداه فيظلل الجماعة بأكملها، لقد كان أهل القرية في عجزهم
عن فهم الحرب كأنهم تجسيد دافع للعجز عن الانتماء في "حفلة سمر ..." أما
أهل بغداد فبفرارهم إلى الصمت يقدمون مبررات سيادة عالم القهر واستمراره،
على أن القهر يبرز نقيضه، فبرغم سيادة القهر وقوته في عالم ونوس فإننا نجد
أصواتاً تعترض على هذا القهر، ولكن السمة الغالبة على هذه الأصوات هي سمة
السلبية المطلقة، والعجز عن أي شيء من شأنه أن يكون بديلاً للتخلف
والإرهاب.
فالمملوك منصور في "المغامرة.." يتوقف رفضه لما يجري حوله عند حد تحذير
جابر من الخطر المحدق به، وحين يعرف بنية جابر في الخروج بالرسالة بالرغم
من حصار حرس الخليفة لبغداد، لا يفعل أكثر من الحزن لاندفاعه وتهوره، أما
الرجل البغدادي رقم /4/ فإنه يقنع بمجرد الكلام أمام الحوانيت، وكلاهما لا
يقف بعيداً عن ساحة المعركة، وبرغم ذلك لم يطمح واحد منهما إلى اتخاذ موقف
جاد وجدي، وفي مسرحية "الملك ..." يحرص ونوس على إبراز زاهد وعبيد، مشيراً
بهما إلى البديل التاريخي للمجتمع المهترئ المقهور، بيد أنهما غير قادرين
على القيام بفعل إنساني خلاق.. وإزاء هذا العجز عن الفعل لم يكن بإمكان
عبيد، العاشق الرومانسي، أن يقدم شيئاً إلى عزة، وهكذا تساق الفتاة إلى
قصر الوزير لتصير جارية فيه دون أن يفعل فارسها الثوري شيئاً لتغيير هذا
المصير.
وهكذا نجد أن الشعب دائماً مدان في مسرح سعد الله ونوس وأن نظرته إلى
فعالية الجماهير سوداوية فهو لا يقدم الجمهور كفعالية وقوة للتغيير، إنما
يركز على البطل السلبي المدان ليقدم عبرة وموعظة من عدم اتخاذه لموقف واضح
من الصراع السياسي والطبقي
مقتبس .
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
منهجيّة المقال و التحليل في مادّة العربيّة (شعبة الآداب
منهجيّة المقال و التحليل في مادّة العربيّة (شعبة الآداب)
قيل (اتفق العرب على ألاّ يتفقوا) و عدم الاتفاق هذا حاصل حتى في مستوى
المنهج رغم ما تعنيه هذه الكلمة من بيـان و وضوح لغة، فمنهج الطّريقِ
وَضَحُهُ و المنهـاجُ كالمنهج و في التنزيـل ﴿ لِكُـلّ جَعَلْنَا منْكُم
شِرْعَةً وَ منْهَاجَا﴾ ونحن لا نزعم بأنّنا سنحقّق التوحّد في الآراء، و
إنما هدفنا الرّئيس هو تقديم تصوّر لما يجب على التلميذ أن يسلكه في عمله
حتى لا ينعت عمله باختلال أو باضطراب المنهج، علما و أنّنا قد احتكمنا ،في
انجاز هذا العمل، إلى مقاييس إصلاح الباكالوريا وبعض الكتب المختصّة،
علّنا بذلك نجْمَع شتات الآراء، و نحقّق اتفاقا نكسر به مقولة عدم
الاتفاق.
مدخل 2:
إن العنـاصر الكبرى التي يبنى عليهـا تحليل النصّ لا تختلف عن مثيلتهـا في
تحلـيل المقال و هي المقدّمة و الجوهر و الخاتمة وهذه المحطّات الكبرى
تتفرّع داخليّا إلى عناصر صغرى سنفصّل فيها القول.
صناعة المقدّمة
تنقسم المقدّمة إلى مجموعة من المحطّات التي يجب على التلميذ أن يتوقف عندها و هي على التوالي:
1-التمهيد: هو
فاتحة المقدّمة و التحليل ككلّ و وظيفته وضع النصّ في إطاره التاريخي و في
سياقه الفكري و لا يجب أن يكون التمهيد مُطَوَّلا و يجب أن نتجنّب فيه
الأحكام المسبقة من قبيل (نجح، أبدع...) أو الحكم على النصّ كمـا يجب أن
نتجنّب فيه الأحكـام الانطباعيّة من قبيل (أحسن، أجمـل، أروع، خير...) و
نشير في هذا السّياق إلى أنّ التمهيد ليس بطاقة هويّة تعرّف بالشّخصيّة
محور الدّرس..
2-التقديم الماديّ للنصّ: وهي
عمليّة تأطيريّة للنصّ و مدار الاهتمام فيها نوع النصّ و مؤلّفه و المصدر
الذي أخذ منه، مع ضرورة كتابة الأرقام بلسان القلم عند إشارتنا إلى
الصّفحات التي أخذ منها النصّ.
3-التقديم المعنويّ: و يكون ذلك بضبط موضوع النصّ و من المستحسن أن تكون صياغة الموضوع في شكل جملة فعليّة.
4-الإشكاليّة أو محاور الاهتمـام: هي
المرحلة الختاميّة في المقدّمة و المعلنة عن التحوّل من التقديم إلى
الجوهر و يمكن الاستعانة بالأسئلة التي ترفق بالنصّ كما يمكننا التصرّف في
هذه الأسئلة بالزّيادة أو النقصان أو إعادة الصّياغة، و يجب في الإشكاليّة
تجنب كثرة الأسئلة كما يجب علينا أن نلتزم بالإجابة عن كلّ الأسئلة التي
نطرحها.
نقلا من منتديات تونسيا سات وعن السّيد صاحب الاسم الرّمزي "cobraa".
في منهجيّة تحليل النصّ
مدخل1: قيل (اتفق العرب على ألاّ يتفقوا) و عدم الاتفاق هذا حاصل حتى في مستوى
المنهج رغم ما تعنيه هذه الكلمة من بيـان و وضوح لغة، فمنهج الطّريقِ
وَضَحُهُ و المنهـاجُ كالمنهج و في التنزيـل ﴿ لِكُـلّ جَعَلْنَا منْكُم
شِرْعَةً وَ منْهَاجَا﴾ ونحن لا نزعم بأنّنا سنحقّق التوحّد في الآراء، و
إنما هدفنا الرّئيس هو تقديم تصوّر لما يجب على التلميذ أن يسلكه في عمله
حتى لا ينعت عمله باختلال أو باضطراب المنهج، علما و أنّنا قد احتكمنا ،في
انجاز هذا العمل، إلى مقاييس إصلاح الباكالوريا وبعض الكتب المختصّة،
علّنا بذلك نجْمَع شتات الآراء، و نحقّق اتفاقا نكسر به مقولة عدم
الاتفاق.
مدخل 2:
إن العنـاصر الكبرى التي يبنى عليهـا تحليل النصّ لا تختلف عن مثيلتهـا في
تحلـيل المقال و هي المقدّمة و الجوهر و الخاتمة وهذه المحطّات الكبرى
تتفرّع داخليّا إلى عناصر صغرى سنفصّل فيها القول.
صناعة المقدّمة
تنقسم المقدّمة إلى مجموعة من المحطّات التي يجب على التلميذ أن يتوقف عندها و هي على التوالي:
1-التمهيد: هو
فاتحة المقدّمة و التحليل ككلّ و وظيفته وضع النصّ في إطاره التاريخي و في
سياقه الفكري و لا يجب أن يكون التمهيد مُطَوَّلا و يجب أن نتجنّب فيه
الأحكام المسبقة من قبيل (نجح، أبدع...) أو الحكم على النصّ كمـا يجب أن
نتجنّب فيه الأحكـام الانطباعيّة من قبيل (أحسن، أجمـل، أروع، خير...) و
نشير في هذا السّياق إلى أنّ التمهيد ليس بطاقة هويّة تعرّف بالشّخصيّة
محور الدّرس..
2-التقديم الماديّ للنصّ: وهي
عمليّة تأطيريّة للنصّ و مدار الاهتمام فيها نوع النصّ و مؤلّفه و المصدر
الذي أخذ منه، مع ضرورة كتابة الأرقام بلسان القلم عند إشارتنا إلى
الصّفحات التي أخذ منها النصّ.
3-التقديم المعنويّ: و يكون ذلك بضبط موضوع النصّ و من المستحسن أن تكون صياغة الموضوع في شكل جملة فعليّة.
4-الإشكاليّة أو محاور الاهتمـام: هي
المرحلة الختاميّة في المقدّمة و المعلنة عن التحوّل من التقديم إلى
الجوهر و يمكن الاستعانة بالأسئلة التي ترفق بالنصّ كما يمكننا التصرّف في
هذه الأسئلة بالزّيادة أو النقصان أو إعادة الصّياغة، و يجب في الإشكاليّة
تجنب كثرة الأسئلة كما يجب علينا أن نلتزم بالإجابة عن كلّ الأسئلة التي
نطرحها.
نقلا من منتديات تونسيا سات وعن السّيد صاحب الاسم الرّمزي "cobraa".
حمزة سديرة-
- عدد المساهمات : 453
العمر : 36
المكان : قصر*قفصة
المهنه : طلب العلم
الهوايه : كل شيء
نقاط تحت التجربة : 12455
تاريخ التسجيل : 07/03/2008
صفحة 2 من اصل 4 • 1, 2, 3, 4
مواضيع مماثلة
» يا حسرة على البكالوريا ...
» منتدى الباكالوريا علوم تقنية
» وزارة التربية تتخذ إجراءات مبكرة لمنع الغش في البكالوريا
» في رحاب: ... حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
» حياة القلوب في رحاب الذكر
» منتدى الباكالوريا علوم تقنية
» وزارة التربية تتخذ إجراءات مبكرة لمنع الغش في البكالوريا
» في رحاب: ... حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
» حياة القلوب في رحاب الذكر
صفحة 2 من اصل 4
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى